الكشّاف - ج ٤

المؤلف:

محمود بن عمر الزمخشري


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت
الطبعة: ٣
الصفحات: ٨٢٦

وقرئ : جمالة ، بالكسر ، بمعنى : جمال : وجمالة بالضم : وهي القلس. وقيل (صُفْرٌ) لإرادة الجنس. وقيل (صُفْرٌ) : سود تضرب إلى الصفرة. وفي شعر عمران بن حطان الخارجي :

دعتهم بأعلى صوتها ورمتهم

بمثل الجمال الصّفر نزّاعة الشّوى (١)

وقال أبو العلاء :

حمراء ساطعة الذّوائب في الدّجى

ترمى بكلّ شرارة كطراف (٢)

فشبهها بالطراف وهو بيت الأدم في العظم والحمرة ، وكأنه قصد بخبثه : أن يزيد على تشبيه القرآن ولتبجحه بما سوّل له من توهم الزيادة جاء في صدر بيته بقوله «حمراء» توطئة لها ومناداة عليها ، وتنبيها للسامعين على مكانها ، ولقد عمى : جمع الله له عمى الدارين عن قوله عز وعلا ، كأنه جمالات صفر ، فإنه بمنزلة قوله : كبيت أحمر ، وعلى أن في التشبيه بالقصر وهو الحصن تشبيها من جهتين : من جهة العظم ، ومن جهة الطول في الهواء. وفي التشبيه بالجمالات وهي القلوس : تشبيه من ثلاث جهات : من جهة العظم والطول والصفرة ، فأبعد الله إغرابه في طرافه وما نفخ شدقيه من استطرافه.

قرئ بنصب اليوم ، ونصبه الأعمش ، أى : هذا الذي قص عليكم واقع يومئذ ، ويوم القيامة طويل ذو مواطن ومواقيت : ينطقون في وقت ولا ينطقون في وقت ، ولذلك ورد الأمران في القرآن. أو جعل نطقهم كلا نطق ، لأنه لا ينفع ولا يسمع (فَيَعْتَذِرُونَ) عطف

__________________

(١) لعمرو بن حطان يصف جهنم. وشبهها في اختطافها للكفار بلهيبها وكلاليبها بعاقل يصح منه الدعاء على سبيل المكتبة ، فالدعاء والرمي : تخييل ، والصوت ترشيح. ويجوز أنها تفعل ذلك حقيقة ، كقولها (هَلْ مِنْ مَزِيدٍ) وقال ابن عباس : تدعو الناس بأسمائهم بلسان فصيح وتقول : إلىّ إلىّ ، تلتقطهم كما يلقط الطير الحب ، ثم قال : ورمتهم بشرر مثل الجبال الصفر. والمراد التي يرهق سوادها صفرة. ونزاعة للشوى : فاعل. والشوى : اسم جمع شواة ، وهي الشواية : البقية القليلة من اللحم ونحوه ، وتصغر شواية على شوية لزيادة التحقير. ويحتمل أن «شوية» تصغير شيء ، قلبت ياؤه واوا وقلبت همزته ياء وألحق التاء المثناة. وقيل الشوى : الأطراف والجلد. وقيل : كل ما ليس مقتلا للإنسان ، يعنى أنها تنزع جلود أهلها وأطرافهم ، لكن يبدلون غيرها ، والألف في قافية البيت للإطلاق.

(٢) الموقدى نار القرى الأصال

والاسحار بالأهضام والاشعاف

حمراء ساطعة الذوائب في الدجى

ترمى بكل شرارة كطراف

لأبى العلاء المعرى يصف قوما بالكرم ، والموقدى حذفت نوته بالاضافة لمفعوله. والآصال : جمع أصيل ، نصب على الظرفية ، أى : يوقدن النار في الآصال العشاء. وفي الأسحار لتعجيل الغذاء. والأهضام : المواضع المطمئنة. والأشعاف : أعالى الجبل ، حمراء : حال من النار. وذوائبها : أطراف لهبها في الدجى ، أى : الظلم ، ترمى : جملة حالية. وشبه الشرارة بالطراف : وهو بيت من أدم في العظم والحمرة ، وإذا كانت الشرارة كذلك فكيف النار كلها؟

٦٨١

على (يُؤْذَنُ) منخرط في سلك النفي. والمعنى : ولا يكون لهم إذن واعتذار متعقب له ، من غير أن يجعل الاعتذار مسببا عن الإذن. ولو نصب لكان مسببا عنه لا محالة.

(هذا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْناكُمْ وَالْأَوَّلِينَ (٣٨) فَإِنْ كانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ (٣٩) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٤٠) إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ وَعُيُونٍ (٤١) وَفَواكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ (٤٢) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٤٣) إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (٤٤) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ)(٤٥)

(جَمَعْناكُمْ وَالْأَوَّلِينَ) كلام موضح لقوله (هذا يَوْمُ الْفَصْلِ) لأنه إذا كان يوم الفصل بين السعداء والأشقياء وبين الأنبياء وأممهم. فلا بدّ من جمع الأولين والآخرين ، حتى يقع ذلك الفصل بينهم (فَإِنْ كانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ) تقريع لهم على كيدهم لدين الله وذويه ، وتسجيل عليهم بالعجز والاستكانة (كُلُوا وَاشْرَبُوا) في موضع الحال من ضمير المتقين ، في الظرف الذي هو في ظلال ، أى : هم مستقرّون في ظلال ، مقولا لهم ذلك.

(كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلاً إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ (٤٦) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٤٧) وَإِذا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ (٤٨) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٤٩) فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ)(٥٠)

و (كُلُوا وَتَمَتَّعُوا) حال من المكذبين ، أى الويل ثابت لهم في حال ما يقال لهم كلوا وتمتعوا فإن قلت : كيف يصح أن يقال لهم ذلك في الآخرة؟ قلت : يقال لهم ذلك في الآخرة إيذانا بأنهم كانوا في الدنيا أحقاء بأن يقال لهم ، وكانوا من أهله تذكيرا بحالهم السمجة وبما جنوا على أنفسهم من إيثار المتاع القليل على النعيم والملك الخالد. وفي طريقته قوله :

إخوتى لا تبعدوا أبدا

وبلى والله قد بعدوا (١)

يريد : كنتم أحقاء في حياتكم بأن يدعى لكم بذلك ، وعلل ذلك بكونهم مجرمين دلالة على أن كل مجرم ماله إلا الأكل والتمتع أياما قلائل ، ثم البقاء في الهلاك أبدا. ويجوز أن يكون (كُلُوا وَتَمَتَّعُوا) كلاما مستأنفا خطابا للمكذبين في الدنيا (ارْكَعُوا) اخشعوا لله وتواضعوا له بقبول

__________________

(١) تقدم شرح هذا الشاهد بالجزء الثاني صفحة ٤٠٥ فراجعه إن شئت اه مصححه.

٦٨٢

وحيه واتباع دينه. واطرحوا هذا الاستكبار والنخوة ، لا يخشعون ولا يقبلون ذلك ، ويصرون على استكبارهم. وقيل : ما كان على العرب أشدّ من الركوع والسجود : وقيل : نزلت في ثقيف حين أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصلاة ، فقالوا : لا نجي (١) فإنها مسبة (٢) علينا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا خير في دين ليس فيه ركوع ولا سجود (بَعْدَهُ) بعد القرآن ، يعنى أنّ القرآن من بين الكتب المنزلة آية مبصرة ومعجزة باهرة ، فحين لم يؤمنوا به فبأى كتاب بعده (يُؤْمِنُونَ) وقرئ : تؤمنون ، بالتاء. عن رسول الله صلى الله عليه وسلم «من قرأ سورة والمرسلات كتب له أنه ليس من المشركين» (٣)

سورة عمّ يتساءلون

مكية ، وتسمى سورة النبإ ، وهي أربعون ، أو إحدى وأربعون آية

[نزلت بعد المعارج]

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(عَمَّ يَتَساءَلُونَ (١) عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ (٢) الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ)(٣)

(عَمَ) أصله عما ، على أنه حرف جر دخل على ما الاستفهامية ، وهو في قراءة عكرمة وعيسى بن عمر. قال حسان رضى الله عنه :

على ما قام يشتمني لئيم

كخنزير تمرّغ في رماد (٤)

__________________

(١) قوله «فقالوا لا نجى» نجبى من التجبية : وهي الانحناء اه. (ع)

(٢) هكذا ذكره الثعلبي. وأخرجه أبو داود وأحمد وابن أبى شيبة والطبراني من رواية الحسن عن عثمان بن أبى العاص به وأتم منه.

(٣) أخرجه الثعلبي والواحدي وابن مردويه عن أبى بن كعب.

(٤)على ما قام يشتمني لئيم

كخنزير تمرغ في رماد

وتلقاه على ما كان فيه

من الهفوات أو نوك الفؤاد

جبين الغى لا يغبى عليه

ويغبى بعد عن سيل الرشاد

لحسان بن المنذر. وقيل : ابن ثابت ، يهجو أحد بنى عائذ بن عمرو بن مخزوم. وما استفهام إنكارى وكان حقها ـ

٦٨٣

والاستعمال الكثير على الحذف ، والأصل : قليل. ومعنى هذا الاستفهام : تفخيم الشأن ، كأنه قال : عن أى شأن يتساءلون. ونحوه ما في قولك : زيد ما زيد (١)؟ جعلته لانقطاع قرينه وعدم نظيره كأنه شيء خفى عليك جنسه فأنت تسأل عن جنسه وتفحص عن جوهره ، كما تقول : ما الغول وما العنقاء؟ تريد : أى شيء هو من الأشياء هذا أصله ، ثم جرد للعبارة عن التفخيم (٢) ، حتى وقع في كلام من لا تخفى عليه خافية (يَتَساءَلُونَ) يسأل بعضهم بعضا. أو يتساءلون غيرهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين. نحو : يتداعونهم ويتراءونهم. والضمير لأهل مكة : كانوا يتساءلون فيما بينهم عن البعث ، ويتساءلون غيرهم عنه على طريق الاستهزاء (عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ) بيان للشأن المفخم. وعن ابن كثير أنه قرأ : عمه ، بهاء السكت ، ولا يخلو : إما أن يجرى الوصل مجرى الوقف وإما أن يقف ويبتدئ (يَتَساءَلُونَ عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ) على أن يضمر (يَتَساءَلُونَ) لأنّ ما بعده يفسره ، كشيء يبهم ثم يفسر. فإن قلت : قد زعمت أنّ الضمير في يتساءلون للكفار ، فما تصنع بقوله (هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ)؟ قلت : كان فيهم من يقطع القول بإنكار البعث ، ومنهم من يشك. وقيل : الضمير للمسلمين والكافرين جميعا ، وكانوا جميعا يسألون عنه. أما المسلم فليزداد خشية واستعدادا ، وأما الكافر فليزداد استهزاء. وقيل : المتساءل عنه القرآن. وقيل : نبوّة محمد صلى الله عليه وسلم. وقرئ : يسّاءلون بالإدغام ، وستعلمون بالتاء.

(كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ (٤) ثُمَّ كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ)(٥)

(كَلَّا) ردع للمتسائلين هزؤا. و (سَيَعْلَمُونَ) وعيد لهم بأنهم سوف يعلمون أنّ ما يتساءلون عنه ويضحكون منه حق ، لأنه واقع لا ريب فيه. وتكرير الردع مع الوعيد تشديد في ذلك. ومعنى (ثُمَ) الإشعار بأنّ الوعيد الثاني أبلغ من الأوّل وأشد.

__________________

ـ حذف الألف لدخول حرف الجر عليها ، وثبوتها قليل ، أى : على أى شيء يسبني لئيم مثل الخنزير المتمرغ في الرماد لذله. ويروى : في دمان كرماد وزنا ومعنى. أو بمعنى الدمنة وهي الكناسة المختلطة بالبعر ، ولعل ابن ثابت غيره وإلا فقصيدة ابن المنذر دالية لا نونية. والنوك : الحمق والهوج. والفؤاد : القلب والعقل ، أى : وتلقاه مع ما ثبت فيه من الخلل لا يخفى عليه الغى المبين ، أى : يرتكب طريقه ولا يعرف سبل الرشاد. ومعنى البعدية : تفاوت ما بين الخبرين. وغبا عليه الشيء ـ كرضى ـ : خفى عليه. وغبي هو عن الشيء ـ كرضى أيضا ـ : عجز عن معرفته. وفي قوله «لا يغبى ... الخ» طباق الإيجاب والسلب.

(١) قال محمود : «معنى هذا الاستفهام تفخيم الشأن ، كأنه قيل : عن أى شيء يتساءلون ونحوه ما في قولك ... الخ» قال أحمد : وقد أكثرت أم زرع من هذا التفخيم في قولها : وأبو زرع ما أبو زرع ، إلى آخر حديثها.

(٢) قال محمود : «هذا أصله ، ثم جرد الدلالة على التفخيم ... الخ» قال أحمد. لان بعضهم يشك في البعث ، وبعضهم يبت النفي ، ومن ثم قيل الضمير للمسلمين والكافرين ، فسؤال المسلمين ليزدادوا خشية ، وإنما سؤال الكفار لزيادة الاستهزاء والكفر.

٦٨٤

(أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً (٦) وَالْجِبالَ أَوْتاداً (٧) وَخَلَقْناكُمْ أَزْواجاً (٨) وَجَعَلْنا نَوْمَكُمْ سُباتاً (٩) وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِباساً (١٠) وَجَعَلْنَا النَّهارَ مَعاشاً (١١) وَبَنَيْنا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِداداً (١٢) وَجَعَلْنا سِراجاً وَهَّاجاً (١٣) وَأَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ ماءً ثَجَّاجاً (١٤) لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَباتاً (١٥) وَجَنَّاتٍ أَلْفافاً)(١٦)

فإن قلت : كيف اتصل به قوله (أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً) (١) قلت : لما أنكروا البعث قيل لهم : ألم يخلق من يضاف إليه البعث هذه الخلائق العجيبة الدالة على كمال القدرة ، فما وجه إنكار قدرته على البعث ، وما هو إلا اختراع كهذه الاختراعات. أو قيل لهم : ألم يفعل هذه الأفعال المتكاثرة. والحكيم لا يفعل فعلا عبثا ، وما تنكرونه من البعث والجزاء مؤدّ إلى أنه عابث في كل ما فعل (مِهاداً) فراشا. وقرئ : مهدا. ومعناه : أنها لهم كالمهد للصبي : وهو ما يمهد له فينوّم عليه ، تسمية للممهود بالمصدر ، كضرب الأمير. أو وصفت بالمصدر. أو بمعنى : ذات مهد ، أى : أرسيناها بالجبال كما يرسى البيت بالأوتاد (سُباتاً) موتا. والمسبوت : الميت ، من السبت وهو القطع ، لأنه مقطوع عن الحركة. والنوم : أحد التوفيين ، وهو على بناء الأدواء. ولما جعل النوم موتا ، جعل اليقظة معاشا ، أى : حياة في قوله (وَجَعَلْنَا النَّهارَ مَعاشاً) أى : وقت معاش تستيقظون فيه وتتقلبون في حوائجكم ومكاسبكم. وقيل : السبات الراحة (لِباساً) يستركم عن العيون إذا أردتم هربا من عدوّ ، أو بياتا له. أو إخفاء مالا تحبون الاطلاع عليه من كثير من الأمور.

وكم لظلام اللّيل عندك من يد

تخبّر أنّ المانويّة تكذب (٢)

__________________

(١) قال محمود : «فان قلت : كيف اتصال قوله (أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً) بما قبله ... الخ» قال أحمد : جوابه الأول سديد ، وأما الثاني فغير مستقيم ، فانه مقرع على المذهب الأعوج في وجوب مراعاة الصلاح والأصلح ، واعتقاد أن الجزاء واجب على الله تعالى عقلا ثوابا وعقابا بمقتضى إيجاب الحكمة. وقد فرغ من إبطال هذه القاعدة

(٢) وكم لظلام الليل عندك من يد

تخبر أن المانوية تكذب

ووقاك ردى الأعداء تسرى إليهم

وزارك فيه ذو الدلال المحجب

لأبى الطيب. وكم خبرية للتكثير. واليد : النعمة. وتخبر : تدل مجازا مرسلا. والمانوية طائفة تنسب الخير للنور والشر للظلام ، فكذبهم في البيت الأول ، واستدل على ذلك ، وبنى اليد في الثاني. والدلال : تمنع المحجوب مع رضاه. وتسرى : حال ، والمحجب : نعت ذى الدلال ، وإيضاح مسألة المانوية. أنه لم يخالف في أن الله واحد ـ

٦٨٥

(سَبْعاً) سبع سماوات (شِداداً) جمع شديدة ، يعنى : محكمة قوية الخلق لا يؤثر فيها مرور الأزمان (وَهَّاجاً) متلألئا وقادا ، يعنى : الشمس : وتوهجت النار : إذا تلمظت (١) فتوهجت بضوئها وحرها. المعصرات : السحائب إذا أعصرت ، أى : شارفت أن تعصرها الرياح فتمطر ، كقولك : أجز الزرع ، إذا حان له أن يجز. ومنه : أعصرت الجارية إذا دنت أن تحيض. وقرأ عكرمة : بالمعصرات ، وفيه وجهان : أن تراد الرياح التي حان لها أن تعصر السحاب ، وأن تراد السحائب ، لأنه إذا كان الإنزال منها فهو بها ، كما تقول : أعطى من يده درهما ، وأعطى بيده. وعن مجاهد : المعصرات الرياح ذوات الأعاصير. وعن الحسن وقتادة : هي السماوات. وتأويله : أن الماء ينزل من السماء إلى السحاب ، فكأنّ السماوات يعصرن ، أى : يحملن على العصر ويمكنّ منه. فإن قلت : فما وجه من قرأ (مِنَ الْمُعْصِراتِ) وفسرها بالرياح ذوات الأعاصير ، والمطر لا ينزل من الرياح؟ قلت : الرياح هي التي تنشئ السحاب وتدرّ أخلافه (٢) ، فصحّ أن تجعل مبدأ للإنزال ؛ وقد جاء أنّ الله تعالى يبعث الرياح فتحمل الماء من السماء إلى السحاب ، فإن صحّ ذلك فالإنزال منها ظاهر. فإن قلت : ذكر ابن كيسان (٣) أنه جعل المعصرات بمعنى المغيثات ، والعاصر هو المغيث لا المعصر. يقال : عصره فاعتصر. قلت : وجهه أن يريد اللاتي أعصرن ، أى حان لها أن تعصر ، أى : تغيث (ثَجَّاجاً) منصبا بكثرة. يقال : ثجه وثج نفسه وفي الحديث : «أفضل الحج : العجّ والثجّ» (٤) أى رفع الصوت بالتلبية ، وصب دماء الهدى. وكان ابن عباس مثجا يسبل غربا ، يعنى يثج الكلام ثجا في خطبته. وقرأ الأعرج : ثجاجا. ومثاجج الماء : مصابه ، والماء ينثجج في الوادي (حَبًّا وَنَباتاً) يريد ما يتقوّت من الحنطة والشعير وما يعتلف من التبن والحشيش ، كما قال (كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعامَكُمْ) ، (وَالْحَبُّ

__________________

ـ إلا الثنوية. قالوا : تجد في العالم خيرا كثيرا وشرا كثيرا ، والواحد لا يكون خيرا شريرا ، فلكل من الخير والشر فاعل مستقل ، فالمانوية والديصانية عن الثنوية قالوا : فاعل الخير هو النور ، وفاعل الشر هو الظلمة ، واعتقموا أنهما جسمان قديمان حساسان سميعان بصيران. والمجوس من الثنوية أيضا قالوا : إن فاعل الخير هو : يزوان. وفاعل الشر هو : أهرمن ، يعنون به الشيطان ، وكل ذلك ظاهر البطلان.

(١) قوله «وتوهجت النار إذا تلمظت» في الصحاح «توهجت النار» توقدت. وتوهج الجوهر : تلألأ ، فقوله : فتوهجت ... الخ : يعنى جمعت بين التلألؤ بضوئها ، والتوقد بحرها ، فتدير. (ع)

(٢) قوله «وتدر أخلافه» واحدها خلف : وهو ثدي الناقة ، كما يفيده الصحاح. (ع)

(٣) قوله «فان قلت ذكر ابن كيسان» لعله «ذكر عن ابن كيسان». (ع)

(٤) أخرجه الترمذي من حديث ابن عمر بمعناه. وضعفه إبراهيم بن يزيد الخرزي. وأخرجه هو وابن ماجة من روآية محمد بن المنكدر ، عن عبد الرحمن ابن يربوع عن أبى بكر الصديق رضى الله عنه مرفوعا نحوه. وقال لم يسمع ابن المنكدر عن عبد الرحمن بن يربوع.

٦٨٦

ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحانُ). (أَلْفافاً) ملتفة ولا واحد له ، كالأوزاع والأخياف (١). وقيل : الواحد لف. وقال صاحب الإقليد : أنشدنى الحسن بن على الطوسي :

جنّة لفّ وعيش مغدق

وندامى كلّهم بيض زهر (٢)

وزعم ابن قتيبة أنه لفاء ولف ، ثم ألفاف : وما أظنه واجدا له نظيرا من نحو خضر وأخضار وحمر وأحمار ، ولو قيل : هو جمع ملتفة بتقدير حذف الزوائد ، لكان قولا وجيها.

(إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كانَ مِيقاتاً (١٧) يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْواجاً (١٨) وَفُتِحَتِ السَّماءُ فَكانَتْ أَبْواباً (١٩) وَسُيِّرَتِ الْجِبالُ فَكانَتْ سَراباً)(٢٠)

(كانَ مِيقاتاً) كان في تقدير الله وحكمه حدّا توقت به الدنيا وتنتهي عنده ، أو حدا للخلائق ينتهون إليه (يَوْمَ يُنْفَخُ) بدل من يوم الفصل ، أو عطف بيان (فَتَأْتُونَ أَفْواجاً) من القبور إلى الموقف أمما كل أمّة مع إمامهم. وقيل : جماعات مختلفة. وعن معاذ رضى الله عنه أنه سأل عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا معاذ ، سألت عن أمر عظيم من الأمور ، ثم أرسل عينيه وقال : تحشر عشرة أصناف من أمّتى : بعضهم على صورة القردة ، وبعضهم على صورة الخنازير ، وبعضهم منكسون : أرجلهم فوق وجوههم يسحبون عليها ، وبعضهم عميا ، وبعضهم صما بكما ، وبعضهم يمضغون ألسنتهم فهي مدلاة على صدورهم : يسيل القيح من أفواههم يتقذرهم أهل الجمع ، وبعضهم مقطعة أيديهم وأرجلهم ، وبعضهم مصلبون على جذوع من نار ، وبعضهم أشدّ نتنا من الجيف ، وبعضهم ملبسون جبابا سابغة من قطران لازقة بجلودهم ، فأما الذين على صورة القردة فالقتات من الناس. وأما الذين على صورة الخنازير : فأهل السحت. وأما المنكسون على وجوههم فأكلة الربا ، وأما العمى فالذين يجورون في الحكم ، وأما الصمّ البكم فالمعجبون بأعمالهم ، وأما الذين يمضغون ألسنتهم فالعلماء والقصاص الذين خالف قولهم

__________________

(١) قوله كالأوزاع والأضياف» في الصحاح «أوزاع من الناس» أى : جماعات. والأوزاع : بطن من همدان. وفيه «الناس أضياف» أى : مختلفون. وإخوة أضياف ، إذا كانت أمهم واحدة ، والآباء شتى. (ع)

(٢) للحسن بن على الطوسي. واللف ـ بالكسر : ـ الملتف أريد به الملتفة لتكاثف أشجارها وأوراقها. والمغدق الكثير الواسع. والبيض : مجاز عن الأخبار. ويجوز أنه على ظاهره. ورجل أزهر : مشرق الوجه ، فالزهر : المشرقو الوجوه ، كأحمر وحمر ، يعنى : أن ندماءه خبار حسان الخصال. أو بيض حسان الوجوه. والمطرد في جمع أفعل وفعلاء على فعل : سكون العين. ويجوز في الشعر ضمها فيما صحت عينه ولامه ولم يضعف كما هنا ، وكما في قوله : وأنكرتنى ذوات الأعين النجل على أنه يجوز للشاعر تحريك الساكن بحركة ما قبله للوزن ، ويجوز تحريكه بحركة ما بعده إذا سكن للوقف ، فيكون بفتح الهاء ، كغرفة وغرف.

٦٨٧

أعمالهم ، وأما الذين قطعت أيديهم وأرجلهم فهم الذين يؤذون الجيران ، وأما المصلبون على جذوع من نار فالسعاة بالناس إلى السلطان ، وأما الذين هم أشدّ نتنا من الجيف فالذين يتبعون الشهوات واللذات ومنعوا حق الله في أموالهم ، وأما الذين يلبسون الجباب فأهل الكبر والفخر والخيلاء» (١) وقرئ : وفتحت ، بالتشديد والتخفيف. والمعنى : كثرة أبوابها المفتحة لنزول الملائكة ، كأنها ليست إلا أبوابا مفتحة ، كقوله (وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً) كأن كلها عيون تتفجر. وقيل : الأبواب الطرق والمسالك ، أى. تكشط فينفتح مكانها وتصير طرقا لا يسدّها شيء (فَكانَتْ سَراباً) كقوله (فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا) يعنى أنها تصير شيئا كلا شيء ، لتفرّق أجزائها وانبثات جواهرها.

(إِنَّ جَهَنَّمَ كانَتْ مِرْصاداً (٢١) لِلطَّاغِينَ مَآباً (٢٢) لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً (٢٣) لا يَذُوقُونَ فِيها بَرْداً وَلا شَراباً (٢٤) إِلاَّ حَمِيماً وَغَسَّاقاً (٢٥) جَزاءً وِفاقاً (٢٦) إِنَّهُمْ كانُوا لا يَرْجُونَ حِساباً (٢٧) وَكَذَّبُوا بِآياتِنا كِذَّاباً (٢٨) وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ كِتاباً (٢٩) فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلاَّ عَذاباً)(٣٠)

المرصاد : الحدّ الذي يكون فيه الرصد. والمعنى : أن جهنم هي حدّ الطاغين الذي يرصدون فيه للعذاب وهي مآبهم. أو هي مرصاد لأهل الجنة ترصدهم الملائكة الذين يستقبلونهم عندها ، لأن مجازهم عليها ، وهي مآب للطاغين. وعن الحسن وقتادة نحوه ، قالا : طريقا وممرّا لأهل الجنة. وقرأ ابن يعمر : أنّ جهنم ، بفتح الهمزة على تعليل قيام الساعة بأنّ جهنم كانت مرصادا للطاغين ، كأنه قيل : كان ذلك لإقامة الجزاء. قرئ : لابثين ولبثين ، واللبث أقوى ، لأنّ اللابث من وجد منه اللبث ، ولا يقال «لبث» إلا لمن شأنه اللبث ، كالذي يجثم بالمكان لا يكاد ينفك منه (أَحْقاباً) حقبا (٢) بعد حقب ، كلما مضى حقب تبعه آخر إلى غير نهاية ، ولا يكاد يستعمل الحقب والحقبة إلا حيث يراد تتابع الأزمنة وتواليها ، والاشتقاق يشهد لذلك. ألا ترى إلى

__________________

(١) أخرجه الثعلبي وابن مردويه من رواية محمد بن زهير عن محمد بن الهندي عن حنظلة الدوسي عن أبيه عن البراء بن عازب عنه بطوله.

(٢) قوله «أحقابا» في الصحاح «الحقب» بالضم : ثمانون سنة. والحقبة ـ بالكسر ـ : واحدة الحقب ، وهي السنون. والحقب : الدهر ، والأحقاب : الدهور. (ع)

٦٨٨

حقيبة الراكب ، والحقب الذي وراء التصدير (١) وقيل : الحقب ثمانون سنة ، ويجوز أن يراد : لابثين فيها أحقابا غير ذائقين فيها بردا ولا شرابا إلا حميما وغساقا ، ثم يبدلون بعد الأحقاب غير الحميم والغساق من جنس آخر من العذاب. وفيه وجه آخر : وهو أن يكون من «حقب عامنا» إذا قل مطره وخيره ، وحقب فلان : إذا أخطأه الرزق ، فهو حقب ، وجمعه أحقاب ، فينتصب حالا عنهم ، يعنى لابثين فيها حقيبين (٢) جحدين. وقوله (لا يَذُوقُونَ فِيها بَرْداً وَلا شَراباً) تفسير له والاستثناء منقطع ، يعنى : لا يذوقون فيها بردا وروحا ينفس عنهم حرّ النار ، ولا شرابا يسكن من عطشهم ، ولكن يذوقون فيها حميما وغساقا وقيل «البرد» النوم ، وأنشد :

فلو شئت حرّمت النّساء سواكم

وإن شئت لم أطعم نقاخا ولا بردا (٣)

وعن بعض للعرب : منع البرد البرد (٤). وقرئ : غساقا ، بالتخفيف والتشديد : وهو ما يغسق ، أى : يسيل من صديدهم (وِفاقاً) وصف بالمصدر. أو ذا وفاق. وقرأ أبو حيوة :وفاقا ، فعال من وفقه كذا (كِذَّاباً) تكذيبا ، وفعال في باب فعل كله فاش في كلام فصحاء من العرب لا يقولون غيره ، وسمعنى بعضهم أفسر آية فقال لقد فسرتها فسارا ما سمع بمثله. وقرئ بالتخفيف ، وهو مصدر كذب ، بدليل قوله :

فصدقتها وكذبتها

والمرء ينفعه كذابه (٥)

وهو مثل قوله (أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً) يعنى : وكذبوا بآياتنا فكذبوا كذابا. أو تنصبه بكذبوا ، لأنه يتضمن معنى كذبوا ، لأنّ كل مكذب بالحق كاذب ، وإن جعلته بمعنى المكاذبة فمعناه : وكذبوا بآياتنا ، فكاذبوا مكاذبة. أو كذبوا بها مكاذبين ، لأنهم إذا كانوا عند المسلمين كاذبين وكان المسلمون عندهم كاذبين فبينهم مكاذبة. أو لأنهم يتكلمون بما هو إفراط في الكذب فعل من يغالب في أمر ، فيبلغ فيه أقصى جهده. وقرئ : كذابا ، وهو جمع كاذب ، أى : كذبوا

__________________

(١) قوله «والحقب الذي وراء التصدير» في الصحاح «التصدير» : الحزام ، وهو في صدر البعير ، والحقب عند الثيل. وفيه «الثيل» : وعاء قضيب البعير. (ع)

(٢) قوله «لابثين فيها حقيبين» لعله حقبين من حقب بالكسر كجحدين من جحد : إذا كان ضيقا قليل الخير فيهما ، أفاده الصحاح. (ع)

(٣) تقدم شرح هذا الشاهد بالجزء الأول صفحة ٢٩٤ فراجعه إن شئت اه مصححه.

(٤) قوله «منع البرد البرد» أى : منع البرد النوم. (ع)

(٥) الكذاب ـ ككتاب ـ : مصدر مضاف لفاعله. وصدقتها وكذبتها ـ بتخفيفها ـ بمعنى : قلت لها قولا صادقا تارة ، وقولا كاذبا تارة أخرى. أو قلت لها : أنت صادقة تارة ، وأنت كاذبة تارة. والضمير لنفسه أو صاحبته مثلا. وعلل ذلك بأن الكذب قد ينفع.

٦٨٩

بآياتنا كاذبين ، وقد يكون الكذاب بمعنى الواحد البليغ في الكذب ، يقال : رجل كذاب ، كقولك : حسان ، وبخال ، فيجعل صفة لمصدر كذبوا ، أى : تكذيبا كذابا مفرطا كذبه ، وقرأ أبو السمال : وكل شيء أحصيناه ، بالرفع على الابتداء (كِتاباً) مصدر في موضع إحصاء وأحصينا في معنى كتبنا ، لالتقاء الإحصاء ، والكتبة في معنى الضبط والتحصيل. أو يكون حالا في معنى : مكتوبا في اللوح وفي صحف الحفظة. والمعنى : إحصاء معاصيهم ، كقوله : (أَحْصاهُ اللهُ وَنَسُوهُ) وهو اعتراض. وقوله (فَذُوقُوا) مسبب عن كفرهم بالحساب وتكذيبهم بالآيات ، وهي آية في غاية الشدّة ، وناهيك بلن نزيدكم ، وبدلالته على أن ترك الزيادة كالمحال الذي لا يدخل تحت الصحة. وبمجيئها على طريقة الالتفات شاهدا على أنّ الغضب قد تبالغ ، وعن النبي صلى الله عليه وسلم : «هذه الآية أشدّ ما في القرآن على أهل النار» (١).

(إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفازاً (٣١) حَدائِقَ وَأَعْناباً (٣٢) وَكَواعِبَ أَتْراباً (٣٣) وَكَأْساً دِهاقاً (٣٤) لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا كِذَّاباً (٣٥) جَزاءً مِنْ رَبِّكَ عَطاءً حِساباً)(٣٦)

(مَفازاً) فوزا وظفرا بالبغية. أو موضع فوز. وقيل : نجاة مما فيه أولئك. أو موضع نجاة. وفسر المفاز بما بعده. والحدائق : البساتين فيها أنواع الشجر المثمر. والأعناب : الكروم. والكواعب : اللاتي فلكت ثدييهن (٢) ، وهن النواهد. والأتراب. اللدات : والدهاق : المترعة. وأدهق الحوض : ملأه حتى قال قطني. وقرئ : ولا كذابا ، بالتشديد والتخفيف ، أى : لا يكذب بعضهم بعضا. ولا يكذبه. أولا يكاذبه. وعن على رضى الله عنه أنه قرأ بتخفيف الاثنين (جَزاءً) مصدر مؤكد منصوب بمعنى قوله (إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفازاً) كأنه قال : جازى المتقين بمفاز. و (عَطاءً) نصب بجزاء نصب المفعول به. أى : جزاهم عطاء. و (حِساباً) صفة بمعنى : كافيا. من أحسبه الشيء إذا كفاه حتى قال حسبي. وقيل. على حسب أعمالهم. وقرأ ابن قطيب : حسابا ، بالتشديد ، على أنّ الحساب بمعنى المحسب ، كالدرّاك بمعنى المدرك.

(رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا الرَّحْمنِ لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطاباً (٣٧)

__________________

(١) أخرجه ابن أبى حاتم والثعلبي من رواية جسر بن فرقد السبخى عن الحسن سألت أبا برزة الأسلمي فذكره وجسر ضعيف. ورواه الطبراني والبيهقي في الشعب موقوفا.

(٢) قوله «فلكت ثديهن» في الصحاح : «فلك ثدي الجارية تفليكا» وتفلك : استدار. (ع)

٦٩٠

يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَقالَ صَواباً (٣٨) ذلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ مَآباً)(٣٩)

قرئ : رب السماوات. والرحمن : بالرفع ، على : هو رب السماوات الرحمن. أو رب السماوات مبتدأ ، والرحمن صفة ، ولا يملكون : خبر. أو هما خبران. وبالجر على البدل من ربك ، وبجر الأوّل ورفع الثاني على أنه مبتدأ خبره (لا يَمْلِكُونَ). أو هو الرحمن لا يملكون. والضمير في (لا يَمْلِكُونَ) لأهل السماوات والأرض ، أى : ليس في أيديهم مما يخاطب به الله ويأمر به في أمر الثواب والعقاب خطاب واحد يتصرفون فيه تصرف الملاك ، فيزيدون فيه أو ينقصون منه. أو لا يملكون أن يخاطبوه بشيء من نقص العذاب أو زيادة في الثواب ، إلا أن يهب لهم ذلك ويأذن لهم فيه. و (يَوْمَ يَقُومُ) متعلق بلا يملكون ، أو بلا يتكلمون. والمعنى : إنّ الذين هم أفضل الخلائق (١) وأشرفهم وأكثرهم طاعة وأقربهم منه وهم الروح والملائكة لا يملكون التكلم بين يديه ، فما ظنك بمن عداهم من أهل السماوات والأرض؟ والروح : أعظم خلقا من الملائكة وأشرف منهم وأقرب من رب العالمين. وقيل : هو ملك عظيم ما خلق الله بعد العرض خلقا أعظم منه. وقيل : ليسوا بالملائكة ، وهم يأكلون. وقيل : جبريل. هما شريطتان : أن يكون المتكلم مأذونا له في الكلام. وأن يتكلم بالصواب فلا يشفع لغير مرتضى (٢) ، لقوله تعالى (وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى).

(إِنَّا أَنْذَرْناكُمْ عَذاباً قَرِيباً يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ ما قَدَّمَتْ يَداهُ وَيَقُولُ الْكافِرُ يا لَيْتَنِي كُنْتُتُراباً)(٤٠)

(الْمَرْءُ) هو الكافر لقوله تعالى (إِنَّا أَنْذَرْناكُمْ عَذاباً قَرِيباً) والكافر : ظاهر وضع موضع الضمير لزيادة الذم ، ويعنى (ما قَدَّمَتْ يَداهُ) من الشر ، كقوله (وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ) ، (وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَذابَ الْحَرِيقِ ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ) ،

__________________

(١) قوله «إن الذين هم أفضل الخلائق» تفضيلهم على البشر مذهب المعتزلة ، ومذهب أهل السنة تفضيل البشر عليهم : والظاهر أن الروح كالملك في هذا الخلاف ، فتدبر. (ع)

(٢) قال محمود : «وقف الشفاعة على شرطين ... الخ» قال أحمد : يعرض بأن الشفاعة لا تحل على مرتكبي الكبائر من الموحدين ، وقد صرح بذلك في مواضع تقدمت له ، ويتلقى ذلك من أنها مخصوصة بالمرتضين ، وذوو الكبائر ليسوا مرتضين. ومن ثم أخطأ فان الله عز وجل ما خصهم بالايمان والتوحيد وتوفاهم عليه ، إلا وقد ارتضاهم لذلك ، بدليل قوله تعالى (وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ) فجعل الشكر بمعنى الايمان المقابل للكفر ، مرضيا لله تعالى ، وصاحبه مرتضى.

٦٩١

أَيْدِيهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) و «ما» يجوز أن تكون استفهامية منصوبة بقدّمت ، أى ينظر أى شيء قدّمت يداه ، وموصولة منصوبة بينظر ، يقال : نظرته بمعنى نظرت إليه ، والراجع من الصلة محذوف ، وقيل : المرء عام ، وخصص منه الكافر. وعن قتادة : هو المؤمن (يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً) في الدنيا فلم أخلق ولم أكلف. أو ليتني كنت ترابا في هذا اليوم فلم أبعث. وقيل يحشر الله الحيوان غير المكلف حتى يقتص للجماء من القرناء ، ثم يردّه ترابا ، فيودّ الكافر حاله. وقيل : الكافر إبليس ، يرى آدم وولده وثوابهم ، فيتمنى أن يكون الشيء الذي احتقره حين قال (خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ).

عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من قرأ سورة عم يتساءلون سقاه الله برد الشراب يوم القيامة ؛ (١).

سورة النازعات

مكية ، وهي خمس أو ست وأربعون آية [نزلت بعد النبإ]

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(وَالنَّازِعاتِ غَرْقاً (١) وَالنَّاشِطاتِ نَشْطاً (٢) وَالسَّابِحاتِ سَبْحاً (٣) فَالسَّابِقاتِ سَبْقاً (٤) فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً (٥) يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ (٦) تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ (٧) قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ واجِفَةٌ (٨) أَبْصارُها خاشِعَةٌ (٩) يَقُولُونَ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ (١٠) أَإِذا كُنَّا عِظاماً نَخِرَةً (١١) قالُوا تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خاسِرَةٌ (١٢) فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ (١٣) فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ)(١٤)

أقسم سبحانه بطوائف الملائكة التي تنزع الأرواح من الأجساد ، وبالطوائف التي تنشطها

__________________

(١) أخرجه الثعلبي والواحدي وابن مردويه باسنادهم إلى أبى بن كعب.

٦٩٢

أى تخرجها. من نشط الدلو من البئر إذا أخرجها ، وبالطوائف التي تسبح في مضيها ، أى : تسرع فتسبق إلى ما أمروا به ، فتدبر أمرا من أمور العباد مما يصلحهم في دينهم أو دنياهم كما رسم لهم (غَرْقاً) إغراقا في النزع ، أى : تنزعها من أقاصى الأجساد من أناملها وأظفارها. أو أقسم بخيل الغزاة التي تنزغ في أعنتها نزعا تغرق فيه الأعنة لطول أعناقها ، لأنها عراب. والتي تخرج من دار الإسلام إلى دار الحرب من قولك «ثور ناشط» إذا خرج من بلد إلى بلد ، والتي تسبح في جريها فتسبق إلى الغاية فتدبر أمر الغلبة والظفر ، وإسناد التدبير إليها ، لأنها من أسبابه. أو أقسم بالنجوم التي تنزع من المشرق إلى المغرب. وإغراقها في النزع : أن تقطع الفلك كله حتى تنحط في أقصى الغرب ، والتي تخرج من برج إلى برج ، والتي تسبح في الفلك من السيارة فتسبق فتدبر أمرا من علم الحساب. وقيل النازعات أيدى الغزاة ، أو أنفسهم تنزع القسىّ بإغراق السهام ، والتي تنشط الأوهاق (١) والمقسم عليه محذوف ، وهو «لتبعثن» لدلالة ما بعده عليه من ذكر القيامة. و (يَوْمَ تَرْجُفُ) منصوب بهذا المضمر. و (الرَّاجِفَةُ) الواقعة التي ترجف عندها الأرض والجبال ، وهي النفخة الأولى : وصفت بما يحدث بحدوثها (تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ) أى الواقعة التي تردف الأولى ، وهي النفخة الثانية. ويجوز أن تكون الرادفة من قوله تعالى (قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ) أى القيامة التي يستعجلها الكفرة استبعادا لها ، وهي رادفة لهم لاقترابها. وقيل (الرَّاجِفَةُ) الأرض والجبال ، من قوله (يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ) والرادفة : السماء والكواكب ، لأنها تنشق وتنتثر كواكبها على أثر ذلك. فإن قلت : ما محل تتبعها؟ قلت : الحال ، أى : ترجف تابعتها الرادفة. فإن قلت : كيف جعلت (يَوْمَ تَرْجُفُ) ظرفا للمضمر الذي هو لتبعثن ، ولا يبعثون عند النفخة الأولى؟ قلت : المعنى : لتبعثنّ في الوقت الواسع الذي يقع فيه النفختان ، وهم يبعثون في بعض ذلك الوقت الواسع ، وهو وقت النفخة الأخرى. ودلّ على ذلك أنّ قوله (تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ) جعل حالا عن الراجفة. ويجوز أن ينتصب (يَوْمَ تَرْجُفُ) بما دلّ عليه (قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ واجِفَةٌ) أى يوم ترجف وجفت القلوب (واجِفَةٌ) شديدة الاضطراب ، والوجيب والوجيف : أخوان (خاشِعَةٌ) ذليلة. فإن قلت : كيف جاز الابتداء بالنكرة؟ قلت : (قُلُوبٌ) مرفوعة بالابتداء ، و (واجِفَةٌ) صفتها ، و (أَبْصارُها خاشِعَةٌ) خبرها فهو كقوله : (وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ). فإن قلت : كيف صح إضافة الأبصار إلى القلوب؟ قلت : معناه أبصار أصحابها بدليل قوله (يَقُولُونَ). (فِي الْحافِرَةِ) في الحالة الأولى ، يعنون : الحياة بعد الموت. فإن قلت : ما حقيقة هذه الكلمة؟ قلت : يقال : رجع فلان في حافرته ، أى : في

__________________

(١) قوله «تنشط الأوهاق» هي حبال المواشي ، أفاده الصحاح. (ع)

٦٩٣

طريقه التي جاء فيها فحفرها ، أى : أثر فيها بمشيه فيها : جعل أثر قدميه حفرا ، كما قيل : حفرت أسنانه حفرا : إذا أثر الآكال في أسناخها (١). والخط المحفور في الصخر. وقيل : حافرة ، كما قيل : عيشة راضية ، أى : منسوبة إلى الحفر والرضا ، أو كقولهم : نهارك صائم ، ثم قيل لمن كان في أمر فخرج منه ثم عاد إليه : رجع إلى حافرته ، أى طريقته وحالته الأولى. قال :

أحافرة على صلع وشيب

معاذ الله من سفه وعار (٢)

يريد : أرجوعا إلى حافرة. وقيل : النقد عند الحافرة ، يريدون عند الحالة الأولى : وهي الصفقة. وقرأ أبو حيوة : في الحفرة. والحفرة بمعنى : المحفورة. يقال : حفرت أسنانه فحفرت حفرا ، وهي حفرة ، وهذه القراءة دليل على أن الحافرة في أصل الكلمة بمعنى المحفورة. يقال: نخر العظم فهو نخر وناخر ، كقولك طمع فهو طمع وطامع ، وفعل أبلغ من فاعل ، وقد قرئ بهما : وهو البالي الأجوف الذي تمر فيه الريح فيسمع له نخير. و (إِذاً) منصوب بمحذوف ، تقديره : أئذا كنا عظاما نرد ونبعث (كَرَّةٌ خاسِرَةٌ) منسوبة إلى الخسران ، أو خاسر أصحابها. والمعنى : أنها إن صحت فنحن إذا خاسرون لتكذيبنا بها ، وهذا استهزاء منهم. فإن قلت : بم تعلق قوله (فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ)؟ قلت : بمحذوف ، معناه : لا تستصعبوها ، فإنما هي زجرة واحدة ، يعنى : لا تحسبوا تلك الكرة صعبة على الله عز وجل ، فإنها سهلة هينة في قدرته ، ما هي إلا صيحة واحدة (٣) ، يريد النفخة الثانية (فَإِذا هُمْ) أحياء على وجه الأرض بعد ما كانوا أمواتا في جوفها ، من قولهم : زجر البعير ، إذا صاح عليه. والساهرة : الأرض البيضاء المستوية ، سميت بذلك لأنّ السراب يجرى فيها ، من قولهم : عين ساهرة جارية الماء ، وفي ضدها : نائمة. قال الأشعث بن قيس :

__________________

(١) قوله «أثر الآكال في أسناخلها» في الصحاح «أسناخ الأسنان» : أصولها. (ع)

(٢) أنشده ابن الأعرابى. والهمزة للإنكار. والحافرة في الأصل : الطريق المحفور بالسير ، فتسميته حافرة مجاز عقلى. أو على معنى النسب ، أى : ذات حفر ، ثم استعملت في كل حال كنت فيه ، ثم رجعت إليه. وهي نصب بمحذوف ، أى : أأرجع حافرة ، أى في طريقتي الأولى من الشباب والصبا. أو على نزع الخافض ، أى : أأرجع إليها. والصلع : انحسار شعر الجبهة ، ويغلب في الهرم. ومعاذ : مصدر نصب بمحذوف. والسفه : الجهل والطيش.

(٣) قال محمود : «إن قلت : كيف اتصل بما قبله؟ وأجاب أنهم أنكروا الاعادة ... الخ» قال أحمد : وما أحسن تسهيل أمر الاعادة بقوله (زَجْرَةٌ) عوضا من صيحة ، لأن الزجرة أخف من الصيحة ، وبقوله (واحِدَةٌ) أى غير محتاجة إلى مثنوية ، وهو يحقق لك ما أجبت به من السؤال الوارد عند قوله تعالى (فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ واحِدَةٌ) حيث قيل : كيف وحدها وهما نفختان ، فجدد به عهدا.

٦٩٤

وساهرة يضحى السّراب مجلّلا

لأقطارها قد جبتها متلثّما (١)

أو لأنّ سالكها لا ينام خوف الهلكة. وعن قتادة : فإذا هم في جهنم.

(هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى (١٥) إِذْ ناداهُ رَبُّهُ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً (١٦) اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (١٧) فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى (١٨) وَأَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ فَتَخْشى (١٩) فَأَراهُ الْآيَةَ الْكُبْرى (٢٠) فَكَذَّبَ وَعَصى (٢١) ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعى (٢٢) فَحَشَرَ فَنادى (٢٣) فَقالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى (٢٤) فَأَخَذَهُ اللهُ نَكالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولى (٢٥) إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشى)(٢٦)

(اذْهَبْ) على إرادة القول. وفي قراءة عبد الله : أن اذهب ، لأنّ في النداء معنى القول. هل لك في كذا ، وهل لك إلى كذا ، كما تقول : هل ترغب فيه ، وهل ترغب إليه (إِلى أَنْ تَزَكَّى) إلى أن تتطهر من الشرك ، وقرأ أهل المدينة : تزكى ، بالإدغام (وَأَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ) وأرشدك إلى معرفة الله أنبهك عليه فتعرفه (فَتَخْشى) لأن الخشية لا تكون إلا بالمعرفة. قال الله تعالى (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) أى العلماء به ، وذكر الخشية لأنها ملاك الأمر ، من خشي الله : أتى منه كل خير. ومن أمن : اجترأ على كل شرّ. ومنه قوله عليه السلام «من خاف أدلج ، ومن أدلج بلغ المنزل» (٢) بدأ مخاطبته بالاستفهام الذي معناه العرض ، كما يقول الرجل لضيفه : هل لك أن تنزل بنا ، وأردفه الكلام الرقيق ليستدعيه بالتلطف في القول ، ويستنزله بالمداراة من عتوه ، كما أمر بذلك في قوله (فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً). (الْآيَةَ الْكُبْرى) قلب العصاحية لأنها كانت المقدمة والأصل ، والأخرى كالتبع لها ، لأنه كان يتقيها بيده ، فقيل

__________________

(١) للأشعث بن قيس ، والساهرة : الأرض البيضاء ، لأن السراب يجرى فيها فتشبه العين الساهرة ، لظهور بياضها وجريان مائها ، بخلاف الناعسة. أو وصفت بالسهر ، لأن السائر فيها ساهر لا ينام خوف الهلكة ، فهو مجاز عقلى. مجللا : خير «يضحى» أى : ساترا لأقطارها وجوانبها. يقول : رب مفازة يسترها النهار بسراب يشبه جل الفرس ، ويطلق النهار على السراب ، وعلى فرخ الحبارى ، وتصح إرادة كل منهما. قد أتيتها لا بسا اللثام خوف الحر والريح.

(٢) أخرجه الحاكم والبيهقي في الشعب وأبو نعيم في الحلية من رواية الثوري عن أبى عقيل عن الطفيل بن أبى عن أبيه بهذا. قال أبو نعيم تفرد به وكيع. قاله في ترجمته وهو ضعيف برواية الحاكم من طريق عبد الله بن الوليد عن الثوري ورواه الترمذي والحاكم والعقيل عن رواية يزيد بن سنان سمعت بكر بن فيروز. سمعت أبا هريرة ـ فذكره.

٦٩٥

له : أدخل يدك في جيبك. أو أرادهما جميعا ، إلا أنه جعلهما واحدة ، لأن الثانية كأنها من جملة الأولى لكونها تابعة لها (فَكَذَّبَ) بموسى والآية الكبرى ، وسماهما ساحرا وسحرا (وَعَصى) الله تعالى بعد ما علم صحة الأمر ، وأنّ الطاعة قد وجبت عليه (ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعى) أى لما رأى الثعبان أدبر مرعوبا (١) ، يسعى : يسرع في مشيته. قال الحسن. كان رجلا طياشا خفيفا. أو تولى عن موسى يسعى ويجتهد في مكايدته ، وأريد : ثم أقبل يسعى ، كما تقول : أقبل فلان يفعل كذا ، بمعنى : أنشأ يفعل ، فوضع (أَدْبَرَ) موضع : أقبل ، لئلا يوصف بالإقبال (فَحَشَرَ) فجمع السحرة ، كقوله (فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ). (فَنادى) في المقام الذي اجتمعوا فيه معه. أو أمر مناديا فنادى في الناس بذلك. وقيل قام فيهم خطيبا فقال تلك العظيمة. وعن ابن عباس : كلمته الأولى : (ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي) والآخرة : (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى). (نَكالَ) هو مصدر مؤكد ، كوعد الله ، وصبغة الله ، كأنه قيل : نكل الله به نكال الآخرة والأولى والنكال بمعنى التنكيل ، كالسلام بمعنى التسليم. يعنى الإغراق في الدنيا والإحراق في الآخرة (٢) ، وعن ابن عباس : نكال كلمتيه الآخرة ، وهي قوله : (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى) والأولى وهي قوله (ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي) وقيل : كان بين الكلمتين أربعون سنة. وقيل عشرون.

(أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها (٢٧) رَفَعَ سَمْكَها فَسَوَّاها (٢٨) وَأَغْطَشَ لَيْلَها وَأَخْرَجَ ضُحاها (٢٩) وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها (٣٠) أَخْرَجَ مِنْها ماءَها وَمَرْعاها (٣١) وَالْجِبالَ أَرْساها (٣٢) مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ)(٣٣)

الخطاب لمنكري البعث ، يعنى (أَأَنْتُمْ) أصعب (خَلْقاً) وإنشاء (أَمِ السَّماءُ) ثم بين كيف خلقها فقال (بَناها) ثم بين البناء فقال (رَفَعَ سَمْكَها) أى جعل مقدار ذهابها في سمت العلو مديدا رفيعا مسيرة خمسمائة عام (فَسَوَّاها) فعدلها مستوية ملساء ، ليس فيها تفاوت ولا فطور. أو فتممها بما علم أنها تتم به وأصلحها ، من قولك : سوى فلان أمر فلان. غطش الليل وأغطشه الله ، كقولك : ظلم وأظلمه. ويقال أيضا : أغطش الليل ، كما يقال أظلم (وَأَخْرَجَ

__________________

(١) قال محمود : «أى لما رأى الثعبان ولى هاربا مذعورا ... الخ» قال أحمد : وهذا الوجه الأخير حسن لطيف جدا ، وهو على هذا من أفعال المقاربة.

(٢) قال محمود : «وقوله (نَكالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولى) يعنى الإغراق في الدنيا والإحراق في الآخرة ... الخ» قال أحمد : فعلى الأول يكون قريبا من إضافة الموصوف إلى الصفة ، لأن الآخرة والأولى صفتان للكلمتين ، وعلى الثاني لا يكون كذلك.

٦٩٦

ضُحاها) وأبرز ضوء شمسها ، يدل عليه قوله تعالى (وَالشَّمْسِ وَضُحاها) يريد وضوئها. وقولهم : وقت الضحى ، للوقت الذي تشرق فيه الشمس ويقوم سلطانها ، وأضيف الليل والشمس إلى السماء ، لأن الليل ظلها والشمس هي السراج المثقب في جوّها (١) (ماءَها) عيونها المتفجرة بالماء (وَمَرْعاها) ورعيها ، وهو في الأصل موضع الرعي. ونصب الأرض والجبال بإضمار «دحا» و «أرسى» وهو الإضمار على شريطة التفسير. وقرأهما الحسن مرفوعين على الابتداء. فإن قلت : هلا أدخل حرف العطف على أخرج (٢)؟ قلت : فيه وجهان ، أحدهما : أن يكون معنى (دَحاها) بسطها ومهدها للسكنى ، ثم فسر التمهيد بما لا بدّ منه في تأتى سكناها ، من تسوية أمر المأكل والمشرب ، وإمكان القرار عليها ، والسكون بإخراج الماء والمرعى ، وإرساء الجبال وإثباتها أوتادا لها حتى تستقر ويستقر عليها. والثاني : أن يكون (أَخْرَجَ) حالا بإضمار «قد» كقوله : (أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ) وأراد بمرعاها : ما يأكل الناس والأنعام. واستعير الرعي للإنسان كما استعير الرتع في قوله (يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ) وقرئ : نرتع ، من الرعي ، ولهذا قيل : دلّ الله سبحانه بذكر الماء والمرعى على عامة ما يرتفق به ويتمتع مما يخرج من الأرض حتى الملح ، لأنه من الماء (مَتاعاً لَكُمْ) فعل ذلك تمتيعا لكم (وَلِأَنْعامِكُمْ) لأن منفعة ذلك التمهيد واصلة إليهم وإلى أنعامهم.

(فَإِذا جاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرى (٣٤) يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ ما سَعى (٣٥) وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرى)(٣٦)

(الطَّامَّةُ) الداهية التي تطم على الدواهي ، أى : تعلو وتغلب. وفي أمثالهم : جرى الوادي فطمّ على القرى ، وهي القيامة لطمومها على كل هائلة. وقيل : هي النفخة الثانية. وقيل : الساعة التي تساق فيها أهل الجنة إلى الجنة وأهل النار إلى النار (يَوْمَ يَتَذَكَّرُ) بدل من إذا جاءت ، يعنى : إذا رأى أعماله مدونة في كتابه تذكرها وكان قد نسيها ، كقوله (أَحْصاهُ اللهُ وَنَسُوهُ). و (ما) في (ما سَعى) موصولة ، أو مصدرية (وَبُرِّزَتِ) أظهرت وقرأ أبو نهيك : وبرزت

__________________

(١) قوله «هي السراج المثقب في جوها» في الصحاح «ثقبت النار» : إذا اتقدت. وأثقبتها أنا. (ع)

(٢) قال محمود : «فان قلت هلا أدخل العاطف على أخرج ... الخ» قال أحمد : والأول أحسن ، وهو مناسب لقوله (السَّماءُ بَناها) ، لأنه لما قال (أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ) تم الكلام ، لكن مجملا ، ثم بين التفاوت ففسر كيف خلقها فقال. (بَناها) ، بغير عاطف : ثم فسر البناء فقال (رَفَعَ سَمْكَها) ، بغير عاطف أيضا

٦٩٧

(لِمَنْ يَرى) للرائين جميعا ، أى : لكل أحد ، يعنى : أنها تظهر إظهارا بينا مكشوفا (١) ، يراها أهل الساهرة كلهم ، كقوله : قد بين الصبح لذي عينين ، يريد : لكل من له بصر ، وهو مثل في الأمر المنكشف الذي لا يخفى على أحد. وقرأ ابن مسعود : لمن رأى. وقرأ عكرمة : لمن ترى. والضمير للجحيم ، كقوله (إِذا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ) وقيل : لمن ترى يا محمد.

(فَأَمَّا مَنْ طَغى (٣٧) وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا (٣٨) فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى)(٣٩)

(فَأَمَّا) جواب (فَإِذا) أى : فإذا جاءت الطامّة فإنّ الأمر كذلك. والمعنى : فإنّ الجحيم مأواه ، كما تقول للرجل : غض الطرف ، تريد : طرفك ، وليس الألف واللام بدلا من الإضافة ، ولكن لما علم أنّ الطاغي هو صاحب المأوى ، وأنه لا يغض الرجل طرف غيره : تركت الإضافة ، ودخول حرف التعريف في المأوى والطرف للتعريف ، لأنهما معروفان ، و (هِيَ) فصل أو مبتدأ.

(وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى (٤٠) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى)(٤١)

(وَنَهَى النَّفْسَ) الأمارة بالسوء (عَنِ الْهَوى) المردي وهو اتباع الشهوات وزجرها عنه وضبطها بالصبر والتوطين على إيثار الخير. وقيل : الآيتان نزلتا في أبى عزير بن عمير ومصعب بن عمير ، وقد قتل مصعب أخاه أبا عزير يوم أحد ، ووقى رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه حتى نفذت المشاقص (٢) في جوفه (٣).

(يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها (٤٢) فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْراها (٤٣) إِلى رَبِّكَ مُنْتَهاها (٤٤) إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها (٤٥) كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَها لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها)(٤٦)

(أَيَّانَ مُرْساها) متى إرساؤها ، أى إقامتها ، أرادوا : متى يقيمها الله ويثبتها ويكوّنها؟

__________________

(١) قال محمود : «يعنى أظهرت إظهارا بينا مكشوفا ... الخ» قال أحمد : وفائدة هذا النظم الاشعار بأنه أمر ظاهر لا يتوقف إدراكه إلا على البصر خاصة ، أى : لا شيء يحجبه ولا بعد يمنع رؤيته ، ولا قرب مفرط ، إلى غير ذلك من موانع الرؤية.

(٢) قوله «حتى نفذت المشاقص» جمع مشقص : وهو السهم الطويل العريض. أفاده الصحاح. (ع)

(٣) لم أجده.

٦٩٨

وقيل أيان منتهاها ومستقرّها (١) ، كما أنّ مرسى السفنية مستقرّها ، حيث تنتهي إليه (فِيمَ أَنْتَ) في أى شيء أنت (٢) من أن تذكر وقتها لهم وتعلمهم به ، يعنى : ما أنت من ذكرها لهم وتبيين وقتها في شيء. وعن عائشة رضى الله عنها ، لم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الساعة يسأل عنها حتى نزلت (٣) ، فهو على هذا تعجب (٤) من كثرة ذكره لها ، كأنه قيل : في أى شغل واهتمام أنت من ذكرها والسؤال عنها. والمعنى : أنهم يسألونك عنها ، فلحرصك على جوابهم لا تزال تذكرها وتسأل عنها ، ثم قال (إِلى رَبِّكَ مُنْتَهاها)أى منتهى علمها لم يؤت علمها أحدا من خلقه. وقيل : (فِيمَ) إنكار لسؤالهم (٥) ، أى : فيم هذا السؤال ، ثم قيل : أنت عن ذكراها ، أى : إرسالك وأنت خاتم الأنبياء وآخر الرسل المبعوث في نسم الساعة (٦) ذكر من ذكرها وعلامة من علاماتها ، فكفاهم بذلك دليلا على دنوّها ومشارفتها ووجوب الاستعداد لها ، ولا معنى لسؤالهم عنها (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها) أى : لم تبعث لتعلمهم بوقت الساعة الذي لا فائدة لهم في علمه ، وإنما بعثت لتنذر من أهوالها من يكون من إنذارك لطفا له في الخشية منها. وقرئ : منذر بالتنوين ، وهو الأصل ، والإضافة تخفيف ، وكلاهما يصلح للحال والاستقبال ، فإذا أريد الماضي فليس إلا الإضافة ، كقولك : هو منذر زيد أمس ، أى : كأنهم لم يلبثوا في الدنيا ، وقيل : في القبور (إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها). فإن قلت : كيف صحت إضافة الضحى إلى العشية؟ قلت : لما بينهما من الملابسة لاجتماعهما في نهار واحد. فإن قلت : فهلا قيل : إلا عشية أو ضحى وما فائدة الإضافة؟ قلت : الدلالة على أن مدّة لبثهم كأنها لم تبلغ يوما كاملا ، ولكن

__________________

(١) قال محمود : «مرساها أى مستقرها ... الخ» قال أحمد : وفيه إشعار بثقل اليوم ، كقوله (وَيَذَرُونَ وَراءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً) ألا تراهم لا يستعملون الارساء إلا فيما ثقل كمرسى السفينة وإرساء الجبال.

(٢) قال محمود : «ومعنى (فِيمَ أَنْتَ) أى : في أى شيء أنت من أن تذكر وقتها ... الخ» قال أحمد : وفي هذا الوجه نظر ، فان الآية الأخرى ترده ، وهي قوله (يَسْئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها) أى : أنك لا تحتفى بالسؤال عنها ولا تهتم بذلك ، وهم يسئلونك كما يسئل الحفي عن الشيء ، أى : الكثير السؤال عنه ، فالوجه الأول أصوب.

(٣) أخرجه إسحاق في مسنده وابن مردويه من طريقه أخبرنا ابن عتبة عن الزهري عن عروة عنها بهذا. ورواه الطبري عن يعقوب عن إبراهيم عن ابن عتبة مثله. قال الحاكم بعد أن أخرجه من طريق ابن عتبة : لم يخرجاه لأن ابن عتبة كان يرسله. وقال ابن أبى حاتم عن أبى زرعة : الصحيح مرسل. وأخرجه عبد الرازق عن ابن عتبة مرسلا وقال الدارقطني أسنده ابن عتبة مرة وأرسله أخرى.

(٤) قوله «فهو على هذا تعجب» لعله : تعجيب. (ع)

(٥) قال محمود : «وقيل (فِيمَ) إنكار لسؤالهم ، أى : فيم هذا السؤال ... الخ» قال أحمد : فعلى هذا ينبغي أن يوقف على قوله (فِيمَ) ليفصل بين الكلامين.

(٦) قوله «في نسم الساعة» في الصحاح «نسم الريح» : أولها حين تقبل بلين قيل أن تشتد. ومن الحديث «بعثت في نسم الساعة» أى : حين ابتدأت وأقبلت أوائلها. (ع)

٦٩٩

ساعة منه عشيته أو ضحاه ، فلما ترك اليوم أضافه إلى عشيته ، فهو كقوله (لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ).

عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من قرأ سورة والنازعات كان ممن حبسه الله في القبر والقيامة حتى يدخل الجنة قدر صلاة المكتوبة (١)».

سورة عبس

مكية ، وآياتها ٤٢ وقيل ٤١ [نزلت بعد النجم]

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(عَبَسَ وَتَوَلَّى (١) أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى (٢) وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (٣) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى (٤) أَمَّا مَنِ اسْتَغْنى (٥) فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (٦) وَما عَلَيْكَ أَلاَّ يَزَّكَّى (٧) وَأَمَّا مَنْ جاءَكَ يَسْعى (٨) وَهُوَ يَخْشى (٩) فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى)(١٠)

أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن أمّ مكتوم (٢) ـ وأمّ مكتوم أمّ أبيه ، واسمه عبد الله بن شريح ابن مالك بن ربيعة الفهري من بنى عامر بن لؤي ـ وعنده صناديد قريش: عتبة وشيبة ابنا ربيعة ، وأبو جهل بن هشام. والعباس بن عبد المطلب ، وأمية بن خلف ، والوليد بن المغيرة : يدعوهم إلى الإسلام رجاء أن يسلم بإسلامهم غيرهم (٣). فقال : يا رسول الله ، أقرئنى وعلمني مما

__________________

(١) أخرجه الثعلبي والواحدي وابن مردويه بالسند إلى أبى بن كعب.

(٢) ذكر الزمخشري سبب نزول الآية ، وهو أن ابن أم مكتوم الأعمى ... الخ» قال أحمد : وإنما أخذ الاختصاص من تصدير الجملة بضمير المخاطب وجعله مبتدأ مخبرا عنه وهو كثيرا ما يتلقى الاختصاص من ذلك ، ولقد غلط في تفسير الآية ، وما كان له أن يبلغ ذلك.

(٣) ذكره الثعلبي بلا إسناد ، وأخرجه ابن أبى حاتم من رواية العوفى عن ابن عباس نحوه دون قوله «صناديد قريش» ودون سياق نسب ابن أم مكتوم. وكذا أخرجه الطبري من رواية سعيد عن قتادة. قال : ذكر لنا فذكره. وبهذا الاسناد أن النبي صلى الله عليه وسلم استخلفه بعد ذلك على المدينة مرتين يصلى بأهلها. ورواه الترمذي ـ

٧٠٠