وليد الكعبة

السيد محمد رضا الحسيني الجلالي

وليد الكعبة

المؤلف:

السيد محمد رضا الحسيني الجلالي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: انتشارات المكتبة الحيدريّة
المطبعة: شريعت
الطبعة: ١
ISBN: 964-8163-92-8
الصفحات: ٤٩٥

وقال الإمام الناطق بالحقّ السيّد أبو طالب ، يحيى بن الحسين بن هارون الهاروني الحسني (٣٤٠ ـ ٤٢٤ هـ) من أئمّة الزيديّة ، في «الإفادة في تاريخ الأئمة السادة» ما نصّه :

فهو يلتقي مع رسول الله صلى الله عليه وآله من قبل الأب في عبد المطلب ، ومن قبل الاُم في هاشم ، وهي أول هاشميّةٍ وَلَدَت لهاشميّ.

وولدته صلوات الله عليه في الكعبة ، لأنّها لمّا ضربها الطلق واشتدّ بها ؛ لجأت إليها ، اعتصاماً ببركتها ، فولدته عليه السلام فيها (١).

* * *

قال الشهيد حُميد بن أحمد المحلّي (ت ٦٥٢ هـ) المؤرّخ الزيديّ في «الحدائق الورديّة» (٢) في ذكر أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام :

واسمه عبد مناف بن عبد المطلب بن هاشم.

اُمّه عليها السلام فاطمة ابنة أسد بن هاشم بن عبد مناف بن قصي.

وهي أول هاشميّة ولدت لهاشميّ.

فهو شريك النبيّ صلى الله عليه وآله في نسبه الشريف وقسيمه في جوهره الغالي المنيف ، كما قال الشاعر :

إنّ عليّ بن أبي طالب

جدّا رسول الله جدّاهُ

 أبو عليٍّ وأبو المصطفى

من طينةٍ طهّرها اللهُ

__________________

(١) الإفادة في تاريخ الأئمة الزيدية [كذا المطبوع] : ٣٥ ، حقّقه وعلّق عليه محمّد يحيى سالم عزّان ، دار الحكمة اليمانية ـ اليمن ، صعدة الطبعة الاُولى ، ١٤١٧ هـ.

(٢) اعتمدنا مصوّرة مورّخة (١٠٧٤ هـ) مسموعة على سعد الدين المسوري في (١٠٧٧ هـ) وكتبها وسمعها في صنعاء كاتبها السيّد محمّد بن عبد الله بن الحسين الهدوي.

٣٤١

ولدته اُمّه في الكعبة. وذلك أنّها لمّا اشتكت المخاض التجأت إلى الكعبة تبرّكاً بها فطلقت طلقة فولدته عليه السلام.

فحصل له هذا الشرف العظيم بولادته في أشرف بقعة في الأرض.

ثمّ حمله رسول الله صلى الله عليه وآله إلى منزلها ، وكان قد سار مع عمّه أبي طالب حين دخل الكعبة ، وأجلس أبو طالب فاطمة ابنة أسد رحمها الله في الكعبة.

* * *

وقال محمّد بن الناصر بن محمّد بن الناصر أحمد بن المطهّر الحسنيّ الزيديّ المتوفّى (٩٠٨ هـ) في «نهاية السؤل في مناقب وصيّ الرسول» ما نصّه (١) :

ووُلِدَ عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه ، في الكعبة المعظّمة (٢) هذا قول الشيعة ، والمحدّثون لا يعترفون بذلك! ويزعمون أنّ المولود في الكعبة حكيم بن حزام بن خويلد بن أسد بن عبد الغزّى!!

وقالت الشيعة : لم يُولَد قبلَه مولودٌ في الكعبة ؛ إكراماً من الله تعالى له ، وإجلالاً لمحلّه في التعظيم.

وكان ميلاده عليه السلام ليلة الجمعة لثلاث عشرة خلت من رجب سنة ثلاثين من عام الفيل ، ذكر هذا الكنجي رحمه الله تعالى في «كفاية الطالب».

وقال المفيد محمّد بن محمّد بن النُعمان في «الإرشاد» : إنّه عليه السلام وٌلِدَ يوم الجمعة ثالث وعشرين شهر رجب سنة ثلاثين من عام الفيل.

__________________

(١) ص (١٨ ـ ١٩) من النسخة المصوّرة عن نسخة الجامع الكبير بصنعاء ، لاحظ : أعلام المؤلّفين الزيديّة : ١٠٠٤ ، رقم ١٠٧٥.

(٢) علّق في هامش المصدر المخطوط ما نصّه : وذلك أنّها لمّا اشتكت المخاض التجأت إلى الكعبة تبرّكاً بها فطلفت طلقةً فولدته عليه السلام فحصل له هذا الشرف العظيم بولادته في أشرف بقعة في الأرض ثمّ حمله رسول الله صلى الله عليه وآله إلى منزلها ، وكان قد سار مع عمّه أبي طالب حين دخل الكعبة وأجلس فاطمة بنت أسد رحمها الله في الكعبة.

٣٤٢

وذكر بعض الإماميّة في مؤلِّفٍ له : أنّه ولد يوم الأحد تاسع عشر شهر رجب سنة ثماني وتسعمائة اسكندريّة.

وكان مولده عليه السلام في سابع أيلول من شهور الروم ، قال الصاحب إسماعيل بن عبّاد نفعه الله بصالح عمله :

يا مغفل التاريخ من جهله

وليس معلومٌ كمجهولِ

 إنّ عليّ بن أبي طالبٍ

وُلِدَ في سابعِ أيلولِ

وقال الحاكم رحمه الله في «السفينة» :

قالت فاطمةُ بنتُ أسد : لمّا أخذني الطلقُ ؛ قمتُ وأتيتُ المسجد وطفتُ بالبيت ، فاستقبلني محمّدٌ رسولُ الله صلى الله عليه وآله فقال : يا أمّاه ما لي أرى وجهك متغيّراً؟ قلتُ : أخذني الطلقُ.

قال : ادخلي الكعبة ، فهي ستر الله.

فدخلتُ فولدتُ عليّاً فحملتُه إلى منزلي وجعلتُه في المهد الذي رُبِّيَ فيه رسولُ الله صلى الله عليه وآله وأتيتُه لأرضعه ؛ فخمش في وجهي فسمّيتُه «حيدرة» وأتاه أبوه فسمّاه «زيداً» ونحن كذلك إذا أتى رسول الله صلى الله عليه وآله فاستقبلته جاريتنا برّة وقالت : أقرّ الله عينك بمولودك الذي ولد.

فقال : وما هو؟ فقالت : ذَكَرٌ ، فقال صلى الله عليه وآله : «الحمد لله الذي أتمّ لي الوعد ، وجعله لي سنداً وأخاُ وعضداً» ، ما سمّيتموه؟ ن

قالت : أمّه سمّته (١) «حيدرة» وسمّاه أبوه «زيداً».

فقال صلى الله عليه وآله : لا تسمّوهُ بذلك ، وسمّوه «عليّاً».

وعن فاطمة بنت أسد قالت : بينا أنا أسوقُ هَدياً إلى هُبَل إذ استقبلني محمّد ـ وهو يومئذٍ غلام ـ فقال : ما هذا؟ يا أمّاه؟ قلت : هديٌ لهُبَل.

__________________

(١) في النسخة : «سمّيته» فلاحظ.

٣٤٣

قال : إنّي مُعلمّك شيئاً فهل تكتمينه؟ قالت : بلى.

قال : اذهبي بهذا القربان ، وقولي : «كفرتُ بهُبل وآمنتُ بالله وحدَه لا شريك له وقرّبتُ القربان لربّ السماوات والأرض».

فقلتُ : أعملُ برأيك لما أعرف من صدقك.

ففعلتُ ، فلمّا كان بعد شهر ، نظر إليّ فقال : يا أمّاه! ما لي أراكِ حائلة اللون؟ فقلت : أما علمتَ أنّي حامل؟

فقال محمّد لأبي طالب : إنْ كانتْ أنثى فزوّجنيها.

قال أبو طالب : إنْ كان ذكراً فهو لك عبدٌ ، وإن كانت أنثى فهي لك أمة.

فلمّا وضعتُه جعلتُه في غشاوةٍ ، فقال أبو طالب : لا تفتحوه حتّى يجيء محمّد فيأخذ حقّه ، فجاء محمّد ففتح الغشاوة وأخرج منها غلاماً حسناً ، فغسله بيده وسمّاه «عليّاً» وبزق في فيه ، وأصلح أمره ، ثمّ ألقمه لسانَه فما زالَ عليٌّ يمُصه حتّى نام ، فلمّا كان من الغد طلبنا له ظئراً فأبى أن يقبل ثدياً فألقمه لسانه فنام ، وكذلك كان ما شاء الله.

وعن محمّد بن عليّ ، في الخبر الطويل : لمّا ولدت فاطمة بنت أسد عليّاً وسمّاه رسول الله صلى الله عليه وآله «عليّاً» قالت : ثمّ قصد المهد وقال : يا أمّاه! عليّ بماء وطستٍ ، فأتيتُ بالماء والطست ، فأخذ عليّاً من المهد ، ثمّ قال : اسكبي الماء على يدي ، فجعلت أسكب الماء على يديه وهو يغسل عليّاً ، وعليّ يتقلب في الطست بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله فبكى رسولُ الله ، قلت : حبيبي ممّ بكاءك؟ قال : وكيف لا أبكي!؟ وكانت نفسي إذا انقطعت مدّتي وبلغ أجلي ، وهذا الغلام يغسّلني ، يا أمّاه ويواريني في حفرتي.

وقال الحاكم رحمه الله تعالى في «السفينة» :

روي عن فاطمة بنت أسد قالت : لمّا حملتُ بعليّ هتفَ بي هاتفٌ : «يا فاطمة! إذا ولدتِ فسمّيهِ عليّاً ، فهو العليّ وأنا الأعلى ، خلقتُه بقدرتي وشققتُ اسمَه من اسمي».

٣٤٤

وفي خبر محمّد بن عليّ ، عن فاطمة بنت أسد : لمّا دخل رسول الله صلى الله عليه وآله وقال : «لا تسمّوه بذلك وسمّوه عليّاً» قالت فاطمة : فذكرتُك الهاتفَ وقولَه : «إذا ولدتِ فسمّيهِ عليّاً».

وروي : أنّه لمّا ولد عليّ خرج به أبو طلب إلى الأبطح ، ثمّ نادى بأعلى صوته ، وأنشأ يقول :

يا ربَّ هذا الغسقِ الدجيِّ

والقمرِ المنبلجِ المُضيِّ

 ماذا ترى في إسم ذا الصبيِّ

أبِنْ لنا من حكمك المقضيِّ

فهتف هاتف :

خاطبتنا في الولد الزكيِّ

الطاهرِ المنتجب المضيِّ

عليٌّ اشتقَّ من العليِّ (١)

* * *

وفي «البروج في أسماء أمير المؤمنين عليه السلام» (٢) تأليف الهادي بن الوزير من علماء الزيديّة ، في عنوان (عليّ) في حرف العين : أورد عن كفاية الطالب للكنجي حديث أبي طالب والراهب (٣).

* * *

وقال شرف الدين أبو محمّد ، عمر بن محمّد بن عبد الواحد الموصلي في كتابه «النعيم المقيم لعترة النبأ العظيم» الذي ألّفه عام (٦٤٦ هـ) :

مولده عليه السلام في الكعبة المعظّمة ـ ولم يولد بها سواه ـ في طلقة واحدة.

__________________

(١) الى هنا انتهى ما في «نهاية السؤل» لمحمد بن الناصر الزيدي.

(٢) اعتمدنا على النسخة التي يعمل في تحقيقها الشيخ محمّد الإسلامي.

(٣) وقد مرّ مكرّراً في الكتب السابقة.

٣٤٥

ولما نزل الأرض رؤي عليها ساجداً ، قائلاً : «لا إله إلّا الله ، محمّد رسول الله ، عليّ وليّ الله ـ أو وصيّ الله».

أشرقت لولادته الأرض وفتحت أبواب السماء ، وسمع في الهواء :

خُصصتكم بالولد الزكيِّ

والطاهر المطهّر المرضيِّ

إنّ اسمه من شامخٍ عليِّ

عليٌّ اشتقَّ من العليِّ

ولد مسروراً ، نظيفاً ، لم يُر كحسنه. فسمّاه والدهُ (عليّاً).

واسم أبي طالب : عبد مناف ، وذو الكفل.

وحمله النبيّ صلى الله عليه وآله إلى منزله (١).

* * *

وقال الزَرَنْدي الحنفي المولود في المدينة المنورة عام (٦٩٣ هـ) والمتوفّى عام (٧٥٠ هـ) في شيراز ، قال في السمط الأوّل ، القسم الثاني في مناقب أمير المؤمنين عليه السلام من كتابه «نظم درر السمطين» :

وأُمّه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف ، وهي أوّل هاشميّة ولدت لهاشميّ.

روي أنّه لمّا ضربها المخاض ، أدخلها أبو طالب الكعبةَ ، بعدَ العشاء ، فولدتْ فيها عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه (٢).

وقد التزم في مقدّمة كتابه بقوله : وأثبتُ ما كان مشهوراً مذكوراً في الكتب المعتمدة (٣).

__________________

(١) النعيم المقيم ، تحقيق سامي الغريري ، دار الكتاب الإسلامي ـ قم ، الطبعة الاُولى ، ١٤٢٣ هـ.

(٢) نظم درر السمطين في فضائل المصطفى والمرتضى والبتول والسبطين (رض) لسيف جمال الدين ، محمّد بن يوسف بن الحسن ، الحنفي المدني الزرندي (ت ٧٥٠ هـ) حققه محمّد هادي الأميني ، طبع النجف ، أعادته مكتبة نينوى ـ طهران.

(٣) نظم درر السمطين : ١ ـ ٣٢.

٣٤٦

وقال الزرندي ـ أيضاً ـ في كتابه «معارج الوصول» ما نصّه :

وأُمّه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف بن قصيّ ، وهي أوّل هاشميّة ولدتْ لهاشميّ ، فهاشم ولده مرّتين.

ولد كرّم الله وجهه ، في جوف الكعبة ، يوم الجمعة الثالث عشر من رجب ، قبل الهجرة بثلاث وعشرين سنة على المشهور ، وقيل : لخمسٍ وعشرين ، وقيل : أقلّ من ذلك (١).

* * *

وفي كتاب «مناقب الثلاثة» :

وُلِدَ عليّ عليه السلام بمكّة المشرّفة داخل البيت الحرام ، في يوم الجمعة الثالث عشر من شهر الله الأصبّ ، سنة ثلاثين من عام الفيل قبل الهجرة بثلاث وعشرين سنة ، ولم يولد في البيت قبلَه أحد ، وهي فضيلة خصّه الله بها إجلالاً له وإعلاءً لمرتبته وإظهاراً لمكرمته ، وكان عليٌّ هاشمياً من هاشميّين.

ومن كتاب «المناقب» لأبي المعالي الفقيه المالكي ، روى خبراً يرفعه إلى عليّ بن الحسين أنّه قال : كنّا عند الحسين ، في بعض الأيّام ، وإذا بنسوة مجتمعات ، فاقبلت امرأة منهنّ علينا ، فقلنا : من أنتِ يرحمك الله؟

قالت : أنا زبدة ابنة العجلان من بني ساعدة.

فقلت لها : هل عندك من شيء تحدّثينا به؟

قالت : إي والله ، حدّثتنا اُم عمارة بنت عبادة بن نضلة بن مالك بن العجلان الساعدي أنّها كانت ذات يومٍ في نساء من العرب ، إذ أقبل أبو طالب طئيباً حزيناً ، فقلت له : ما شأنك؟

__________________

(١) معارج الوصول ، تحقيق : السيّد علي أشرف وعبد الرحيم المبارك ، طبع الآستانة الرضويّة ـ مشهد ، ط ١ ، ١٤٢٢ هـ.

٣٤٧

قال : إنّ فاطمة بنت أسد في شدّة من الطلق.

ثمّ إنّه أخذ بيدها وجاء بها إلى الكعبة ، فدخل بها ، وقال : اجلسي على اسم الله ، فطلقت طلقة واحدة فولدت غلاماً نظيفاً منظفاً لم أر أحسن منه وجهاً فسمّاه أبو طالب «عليّاً» وقال :

سمّيتُه بعليٍّ كي يدون لهُ

عزّ العُلُوّ وفخرُ العِزِّ أدومُهُ

وجاء النبيّ صلى الله عليه وآله فحمله معه إلى منزل اُمّه.

قال عليّ بن الحسين : فوالله ، ما سمعتُ شيئاً حسناً قطّ إلّا وهذا من أحسنه. وكان مولد عليّ رضي الله عنه بعد أن دخل رسول الله صلى الله عليه وآله بخديجة بثلاث سنين ، وكان عمر النبيّ صلى الله عليه وآله يوم ولادة عليّ ثماني وعشرين سنة ، والله سبحانه وتعالى أعلم (١).

__________________

(١) مناقب الثلاثة : ٩ ، من طبعة المكتبة اليوسفية بشارع محمّد علي بمصر ، دون تاريخ ، وقد جاء في الصفحة الأُولى ، طبعت هذه النسخة طبق الأصل المنقول من المكتبة الغربية بمكة المكرمة. وهي طبعة حروفية في (١٦٠) يقطع الربع ، جاء في آخرها :

تمّ طبع هذه المناقب الشريفة على ذمّة ملتزمها يوسف حسين عبد الله ، كان الله له وغفر له ولوالديه ولمن دعا لهم بخير ، آمين ، وذلك سنة (١٣٥٢) من الهجرة الشريفة.

أقول : وقد اعتمد الشيخ الأميني في الغدير (١ : ٢٦) على هذا الكتاب ، فنقل عنه حديث الغدير من كتاب «الموجز في فضل الخلفاء الأربعة» لأبي الفتوح أسعد بن أبي الفضائل بن خلف.

ثمّ إنّ السيّد عبد العزيز الطباطبائيّ ذكر في كتاب (أهل البيت في المكتبة العربية) برقم ٧٢٤ : مناقب أمير المؤمنين وولديه الحسن والحسين عليهما السلام مرتّب على مقدّمة وثلاثة أبواب ، طبع بمصر طبعة حجريّة سنة (١٢٨٠ هـ) ذكر في فهرس المكتبة (الكتبخانه) الخديوية في ٥ : ١٥٩ ، وهو الفهرس القديم لدار الكتب المصريّة.

وعلّق الطباطبائي : لعلّه المذكور في : منتخب (مختصر) كفاية الطالب.

ثمّ قال برقم (٧٥٦) : منتخب (مختصر) كفاية الطالب أو مناقب الثلاثة.

٣٤٨

وقال السيّد الميرزا صالح الحسيني الشهير بالقزويني المتوفى سنة (١٣٠٤ هـ) :

هو أمير المؤمنين ، وسيّد الوصيين ، وإمام المتقين ، عليّ بن أبي طالب ـ واسمه عبد مناف ـ بن عبد المطلب ـ واسمه شيبة الحمد ـ وبه يتّصل نسبه بنسب النبيّ صلى الله عليه وآله.

واُمّه فاطمة بنت أسد بن هاشم ، وهي أوّل هاشميّة ولدت هاشميّاً ، وعليٌّ أصغر بنيها.

ولد بمكّة ، يوم الجمعة ، لثلاث عشرة ليلة خلت من رجب ، وقيل ليلة الأحد في الثالث والعشرين منه ، سنة ثلاثين من عام الفيل ، في البيت الحرام ، ولم يولد فيه أحدٌ قبلَه ولا بعدَه.

ثمّ ذكر حديث جابر ، وحديث يزيد بن قعنب ، مفصّلاً (١).

__________________

الأصل للحافظ الكنجي ، فخر الدين محمّد بن يوسف المتوفّى سنة (٦٥٤ هـ) والمنتخب منه لبعض (العامّة) المتأخّرين.

طبع في تركيا باسم (مناقب أمير المؤمنين سيّدنا علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه ونجليه الحسن والحسين) طبعه مصطفى الزركلي الدمشقي في إسلامبول سنة (١٢٨٠ هـ).

طبع في بومباي سنة (١٢٩٠ هـ) طبعة حجرية باسم (مناقب سيدنا الإمام علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه).

وطبع أيضاً في القاهرة ، مصر ، سنة (١٣٥٢ هـ) طبعة حروفية ، باسم (المناقب [كذا] الثلاثة للفارس الكرّار سيف الله الغالب أمير المؤمنين الإمام عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه ونجليه الإمامين الكريمين سيّدنا الحسن والحسين رضي الله عنهم).

وذكره الطباطبائي برقم ٦١٧ : كفاية الطالب (مختصر) لبعض العامة ، وذكر طبعته في الهند ومصر.

(١) مقتل أمير المؤمنين الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام : ٥٧ ـ ٥٨ ، حقّقه وقدّم له وعلّق عليه جودت كاظم القزويني ، لكنّ ال محقّق علّق بقوله : حذفنا!!! ثلاث صفحات من النسخة المخطوطة ، في ما يخصّ قصّة (المثرم) لعدم تناسبها مع المقام! ، وإن شئت فراجعها في كتاب (روضة الواعظين : ٧٧).

٣٤٩

وقال السيّد جعفر الأعرجيّ في «مناهل الضَرَبِ» :

وكان مولد عليّ عليه السلام ببطن الكعبة ، في يوم الجمعة ثالث عشر شهر رجب سنة ثلاثين من عام الفيل.

ولم يولد أحدٌ قبلَه ولا بعدَه ، في الكعبة.

وعلّق في الهامش بقوله :

وحيث أنّ مولد أمير المؤمنين عليه السلام كان في الكعبة ، وكانت هذه من مناقبه التي لم يسبقه إليها من الأوّلين سابقٌ ، ولا يلحقه إليها من المتأخّرين لاحقٌ ، حسده المكابر الفاسق والفاجر المنافق ، فذكر في كتابه نفياً لهذه المنقبة أسماء بعض رجالات قريش أنّهم وُلدوا في الكعبة!.

وكلّ أحدٍ يعرف كذبه ، وقد أبدى بذلك للناس نصبه ، كما صرّحنا به في كتاب «جواهر المقال في فضائل الآل» «منه عفى عنه» (١).

* * *

وقال عبّاس محمود العقّاد :

ولد عليٌّ في داخل الكعبة ، وكرّم الله وجهه عن السجود لأصنامها ، فكأنّما كان ميلاده إيذاناً بعهد جديد للكعبة وللعبادة فيها.

وكاد عليٌّ أن يولد مسلماً ، بل لقد وُلِدَ مسلماً على التحقيق إذا نحن نظرنا إلى ميلاد العقيدة والروح ، لأنّه فتح عينيه على الإسلام ، ولم يعرف قطّ عبادة الأصنام (٢).

__________________

(١) مناهل الضرب : ٨٤ ، وقد ذكره الشيخ الاُردوبادي ، إلّا أنّه لم ينقل نصّ كلامه في المتن ، وذكرناه بطوله للوقوف على نصّه ، ولما في تعليقته من التصريح ، والإحالة إلى كتابه الآخر.

(٢) عبقرية الإمام ، المجموعة الكاملة (للعقاد) ٢ : ٣٥ ، طبع بيروت ، ١٩٧٤ م.

٣٥٠

وقال عبد الفتّاح عبد المقصود :

أجل لقد واجه أبو طالب دُنياه فقيراً ، ومات عبد المطّلب عنه وهو بعدُ في نحو من السنّ لم يكن كدحه قد أفاء عليه من الخير ما يشتهيه ، ولم يورّثه أيضاً سيادة القوم لأنّه أوصى لآخَرَ من بنيه هو الزبير. فلئن أقبلت الدنيا على هذا الفقير فَحَبَتْهُ بمكرمة هي آية المكرمات ؛ فقد كان هذا من القدر غاية المرتجى عند ذي رجاء.

فإذا تمّ لأبي طالب الفقير المعسر بعضُ أمره في جوار كعبة الحرم ، فإنّ أمره هذا جليلٌ في عيون القوم ؛ لأنّه اكتسبَ أبلغَ شرف بأشرف جوار في أقدس دار ، فكيف لو تمّ له أمره ذاك بغير سابق ترتيب منه؟! ، بل بصدفة هي عند اُولئك الناس منّةٌ منْ الله وحظوةٌ أراد أن يشرّف بها ابن عبد المطلّب ، كما لم يشرّف بمثلها قبلَه أو بعدَه من الرجال كثير ولا قليل.

تلك ليلة فذّة في الليالي ، أضاء نجمها على الدنيا مرّةً ، ثمّ لم يقدر بعدها لضوئه أن يبزغ ثانيةً كمثل بزوغه ؛ لأنّ مثيلاتها لا تعود.

ولكن ضياءً أشدّ لمعاناً من نور النجم توهّجَ ، ثمّ سطعَ ، ثمّ فاضَ بنوره على الآفاق :

سيرة كوجه الشمس رفاقة الإشراق.

سيرة إن فاتها أن تنفرد وحدَها بالمبنى الساحر ، فقليلٌ سواها ضمّ ما كان لها من معنى قاهر ، بل أقلّ القليل ، بل الأندر منه.

ولو أنّك استطعت أن تتخلّل من شباك الزمن وتنفض خيوطها عنك ، وسبحت عائداً إلى الماضي ؛ لرأيت ابنة أسدٍ ـ فاطمة ـ تجول بالبيت الحرام تلتمس البركة ، لأنّها سيّدة تجمّعت فيها مزايا آلها الكرام ، وامتلأ ـ كمثلهم ـ قلبها طُهراً ، ثمّ لرأيتها تأتي الكعبة فتطوف بها مرّةً فمرّاتٍ متمسّحةً بأستارها

٣٥١

آونةً ، مقبّلتها اُخرى. ولكنّك لا تلبث حتّى تشهدها وقد أوشك أن يصيبها إعياءٌ تكاد أن تنوه به ، وتنكر هي ـ بادئ الأمر ـ ما تحسّه ، ثمّ تمضي متجلّدةً تستحثّ نفسها وتستنهضها. ولكنّها رغم هذا لا تقوى ، ولا تستطيع أن تقوّم عودها.

وإذا هي تتشبّث أصابعها بأستار الكعبة ؛ تستعين بها وقد أخذت تحسّ شيئً غاب عن ذهنها ، وتقف مجهودةً لا يستقرّ بها موطئُ القدمين ، كمن على طرف كثيبٍ رخوٍ من الرمال ، وتجيل في ما حولها عيناً حائرةً لعلّها تبصر زوجها أبا طالب يسعى هنا أو هناك ؛ فتجد لديه عوناً على ما تلقى ، ولكنّها لا تراهُ لأنّ ما حضرها في هذه اللحظة غاب عن حسابه.

ثمّ لعلّك تتبعها ؛ وقد خشيت هي أن تلقفها الأبصار المتطلّعة ممّن حضر من اُناس كان دأبهم الاجتماع في أروقة البيت وفي أفنائه ، فإذا رأيتها قد انحازت ناحيةً ، ودلفتْ إلى أستار الكعبة فتوارتْ خلفها عن عيون القوم ؛ فكفاك ما شهدتَ.

وقفْ منها على ملقط السمع دون مرمى العين ؛ لأنّها شاءت أن تتّخذ من الستر المقدّس ردءاً.

واسمع بعد هذا حسيساً خافتاً يأتيك من لدنها ، وأنيناً يحكمه الجلد واصطناع الاحتمال ، وصرخات مكتومةً تكاد أن تضلّها الأذن كأنّها تأتي من مهوىً سحيقٍ بعيد القرار.

ثمّ اسمع نبرة بكاءٍ تخالط هذه الصرخات ، لها غير جرسها وغير رنّتها ، رقيقةٌ رنّانةٌ في غير حدّة ، كأنّها شدو طائرٍ تفتّحت عيناه على شعاع فجرٍ أسفر أو أوشك على إسفار.

وقد يأخذك العجب ، وتملكك الدهشة ، ولكنّه عجبٌ قصيرٌ أجله ، ودهشةٌ لن يطول بك مداها ما دامت فاطمة قد بدت ثانيةً لناظريك ، واهنةً وأشد ضعفاً

٣٥٢

ممّا رأيتها من قبل. كسا وجهها الشحوبُ ومشت في أوصالها رجفةُ الإعياء ، وقد احتملتْ ـ مدّثراً بستر الكعبة الشريف ـ وليدَها بين صدرها وكفّيها.

تلك ولادةٌ لم تكن قبلَ طفلها هذا الوليدٍ ، ولم يحزْ فخرها بعدَه وليدٌ ، أكرمه بها الله. وأكرم اُمّه وأباه ، فكان تكريماً لفرعي هاشم الذي انحدر منه الطفل عن فاطمة وعن أبي طالب حفيدي الأصل الثابت الكريم.

وأقبل القوم ـ حين انتبهوا ـ يستبقون إلى السيّدة ، يعاونونها ، ويأخذون بيدها ، ويملأون الأبصار بطلعة ذلك الذي كان بيتُ الله مولدَه ، وسترُ الكعبة ثوبَه ، كأنّما أوسع له في الشرف باجتماعه في كلا المولد والمَحْتِد.

وهم لو استطاعوا أن يسبقوا زمانهم ، كما تأخّرت أنتَ لرأوه أيضاً يجتمع له نفس هذا الشرف حين يقبل عليه الموت فيلقاه في بيت الله يهمّ أن يقوم بالصلاة.

أمّا فاطمة : فقد أحبّتْ أن تحييَ في وليدها اسمَ أبيها ، فدعتْهُ بمعناه ، وإن لم تدعه بلفظه ، وقالت لزوجها وهي تحاوره :

«هو حيدرةٌ».

وأمّا أبو طالب قد كان أكثر توفيقاً حين اختار ، رأى وليده قد علا شرفاً بمكان مولده كما علا من قبل بأصله الرفيع فقال :

«بل ، عليٌّ».

وبدأت عند هذا حياةُ الرجل الذي ساير أخطر الأحداث في هذه الدنيا ، وعاشر أطهر الخلق وسيّد النبيّين ، واحتمل نصيبه من عبءٍ كبيرٍ ألقاه الله على مختاره الأمين ، الذي خصّه بوحيه ورسالته الإلهيّة لهداية العالم.

وعاش عليٌّ عمره لغيره من المثل ومن الراجل ، فكان في صباه القريب المفتدي ، وفي شبابه الصديق المقتدي بالنبيّ الكريم ، وبين هذا وذاك من أطوار العمر وما جاء في أعقابها من فترات ، التزم غايات الكمال في الفعال والخلال.

٣٥٣

فلمّا انطوى بعض أجله ، ومضى من الدنيا وعن هاديه ، كان المعقب له وقد ذهب العقب. وأجلّ من أخذ عنه فأجاد ، وركب جادته فما حاد (١).

* * *

قال الاُستاذ روكس بن زائد العزيزي :

ولادة الإمام عليّ في البيت الحرام ، بمكّة المكرمة ، يوم الجمعة ، ثالث عشر رجب الحرام ، بعد عام الفيل بثلاثين عاماً ، سمع استهلال عليّ ، فدعي «حيدرة».

لأب نبيل هو شيخ البطحاء.

ولأُم شريفة هي فاطمة بنت أسد بن هاشم.

فكان أوّل هاشميّ وُلِدَ بين هاشميّين.

فكانت اُمّ الإمام عليّ للرسول بمنزلة الاُمّ ، لأنّه ربّي في حجرها وهو ابن ثماني سنين ، وكان شاكراً لبرّها ويسمّيها «اُمّي».

كانت ولادته في البيت الحرام إيذاناً بأن الأصنام قد هزمت إلى الأبد (٢).

* * *

قال الدكتور محمّد بيومي مهران ، الاُستاذ بكلية الآداب جامعة القاهرة وكلية الشريعة جامعة اُم القرى بمكّة المكرّمة :

مولد الإمام عليّ ونشأته :

ولد الإمام عليٌّ في الكعبة الشريفة بمكّة المكرمة حوالي عام (٦٠٠ م) (٢٣ قبل الهجرة).

__________________

(١) الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام (لعبد الفتاح عبد المقصود).

(٢) الإمام عليّ أسد الإسلام وقدّيسه ، دار الكتاب العربي ـ بيروت ، الطبعة الثانية ، ١٣٩٩ هـ.

٣٥٤

وهو عليّ بن أبي طالب بن عبد المطّلب بن هاشم ، ابن عمّ رسول الله صلى الله عليه وآله وأخوه ، وصهره ، وأبو سبطيه الحسن والحسين.

والإمام عليّ عليه السلام أوّل هاشميّ يولد من هاشميّين ، فقد كان بنو هاشم قد توّدوا أن يصهروا إلى اُسر اُخرى عن قريش قبل أن يتزوّج أبو طالب من بنت عمّه فاطمة بنت أسد ، والتي روتْ ، أنّه : «بينما محمّد يأكل معي ومع عمّه أبي طالب يوماً ، إذ نظر إليّ وقال :

«يا اُمّ ، مالي أراك حالكة اللون؟».

ثمّ قال لأبي طالب : «إن كانت حاملاً اُنثى فزوّجنيها».

قال أبو طالب : «إن كان ذكراً فهو لك عبدٌ ، وإن كانت اُنثى فهي لك جاريةٌ ، وزوجةٌ».

فلمّا وضعتْه في الكعبة ، جعلتْه في غشاوة ، فقال أبو طالب : لا تفتحوها حتى يجيء محمّدٌ ، فيأخذ حقّه.

فجاء محمّدٌ ، ففتح الغشاوة فأخرج منها غلاماً حسناً ، فشاله بيده وسمّاه «عليّاً W وأصلح أمره ، ثمّ إنّه لقمه لسانه فما زال يمصّه حتى نام (١).

* * *

وقال الشيخ حسين الفقيه ، في عنوان «مميّزات عليّ بن أبي طالب المسلّمة في التاريخ» :

١ ـ وُلِدَ في الكعبة ، ولم يولد أحدٌ سواه ، لا قبلَه ولا بعدَه ، وهي غحدى المزايا التي سجّلها له التاريخ والأدب.

٣٤ ـ وأخيراً فهو شهيدُ رمضان ، وشهيدُ المحراب ، وشهيدُ الصلاة ، خرج من الدنيا من المسجد ، كما دخلها في مسجد ، فارقها من أطهر مكان ، كما وفد إليها في أطهر مكان.

__________________

(١) الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام ، الطبعة الثانية ـ إصفهان ، ١٤١٩ هـ.

٣٥٥

فبِبَيتِ الله كان الابتداءْ

وبِبَيتِ الله كان الأنْتهاءْ

 يا وليداً موضعَ البدئِ حكى

مجدَه الشامخَ بينَ العُظماءْ (١)

* * *

وقال السيّد محمّد علي المكّي ـ وهو يتحدّث عن ذكريات شهر رمضان ـ :

وفي هذا الشهر المبارك حدث اغتيال أفضل خلق الله بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وهو الإمام عليّ عليه السلام.

ويصادف حادث اغتياله ، ووفاته لياليَ القدر من هذا الشهر.

وإذا كان شهر رمضان من أفضل الشهور والأزمنة ، فإنّ مسجد الكوفة من أقدس البقاع والأمكنة ، لأنّه أحد المساجد الأربعة التي تشدَ إليها الرحال.

فعليٌّ عليه السلام قد جمع الله له في شهادته ـ بالإضافة إلى فضائله ـ فضيلةَ الزمان وفضيلةَ المكان ، ليتمّ له التفرّدُ بالفضائل كلّها والمناقب جميعها.

كما أنّ الله سبحانه وتعالى جمع له في ولادته فضيلة الزمان والمكان.

حيث وُلِدَ في أشرف بقعةٍ من بقاع الأرض ، وهو بيتُ الله الحرام «الكعبة» وفي شهر الله الحرام وهو شهر رجب الفرد.

وكان ميلاده عليه السلام يومَ الجمعة الثالث عشر من الشهر ، لثلاثين سنة مضت على عام الفيل. وكان أوّل هاشميٍّ وُلِدَ من هاشميّين.

ولم يولد قبلَه ولا بعدَه في بيت الله الحرام بمكّة المكرّمة ، أحدٌ سواه.

وهذه فضيلةٌ مختصّةٌ به عليه السلام ذكرها علماء أهل السنّة والشيعة في كتبهم.

فبقي في الكعبة ثلاثة أيّام ضيفاً على الله ، لأنّ الضيف يبقى عند صاحب البيت وفي ضيافته ثلاثة أيّام. وكذلك كان الإمام عليه السلام.

__________________

(١) الإمام علي اللغز المحير : ٨١ و ٨٩ ، مطبعة شريعت ـ قم ، ١٤٢٢ هـ.

٣٥٦

وشهر رجب ، كشهر رمضان ، من حيث الفضائل والمفاخر ، وفيه حوادث لم تقع في غيره من الشهور ، جعلت منه شهراً عظيماً يضاهي شهر رمضان المبارك ، وهو من الأشهر الحُرُم التي كانت مقدّسةً في الجاهلية وقدّسها الإسلام.

فأحرى بالإمام عليه السلام الذي هو مجمع الفضائل والمناقب أن يُولَدَ في شهر هو مجمع الفضائل والمناقب ، ويقتلَ في شهر هو ـ أيضاً ـ مجمع الفضائل والمناقب.

فسلامٌ على أبي الحسن عليه السلام يوم وُلِدَ في بيت الله ، ويوم استشهد في بيت الله ، وفي شهر الله ، ويوم يبعث حيّاً (١).

* * *

ومن كتاب إسلام الموسوي بعنوان : وليد الكعبة (٢)

من العجائب التي أضافت صوتاً ضارباً في التاريخ وأحداثه الفريدة التي تفتح الأعين على ما تخفيه من أسرار ، أن يصطفي الله لعبدٍ اصطفاه ، حتّى موضع مولده ، ليجمع له ـ مع طهارة مولده ـ شرف المحلّ ، محلّ الولادة ، ويخصّه بمكرمةٍ ميّزه بها منذ ساعة مولده عن سائر البشر.

هكذا كان مولد عليّ بن أبي طالب سلام الله عليه ، في البيت العتيق في الكعبة الشريفة.

__________________

(١) هدية رمضان : ٣٣ ـ ٣٧ ، الطبعة الثانية (١٩٧٩ م ـ ١٣٩٩ هـ) ، الكويت.

(٢) من كتاب «الامام علي عليه السلام سيرة وتاريخ» : ٢٠ ـ ٢٢ بقلم إسلام الموسوي من اصدارات مركز الرسالة ، سلسلة المعارف الإسلامية ، رقم ٢٣ ، الطبعة الاأُولى ـ قم ، ١٤٢٤ هـ.

٣٥٧

وكان ذلك يوم الجمعة ، الثالث عشر من شهر الله الأصمّ رجب ، بعد عام الفيل بثلاثين سنة (١) قبل البعثة بعشر سنين (٢) حوالي عام (٦٠٠ م) ٢٣ قبل الهجرة ، وقيل : «ولد سنة ثمان وعشرين من عام الفيل» (٣).

ولعلّه في مثل هذا اليوم الذي وُلِدَ فيه أمير المؤمنين قد وُلِدَ الاُلوف من البشر ، لكنّ ولادته مثّلت حَدَثاً عجيباً تجلّت به الأسرار ، وتلبّست بالحكمة الربّانية.

كانت مثاراً للدهشة الأبديّة ، فقد وضعت فاطمة وليدها في البيت العتيق! في مكان عبادةٍ لا ولادة ، أليس ذلك بالشيء العظيم؟!

ويسجّل التاريخ ذاك الفخر الذي ظهر فيه عليٌّ عليه السلام مديراً ظهره للأصنام التي كانت الكعبة الشريفة تضجُّ بها ، وعن قريب سينهض هذا الوليد على كتف رسول الله ليلقي بها أرضاً ، تحت بطون الأقدام!!

تلك ولادةٌ أكرمه الله بها ، فشاركته اُمُّه الكريمة في فخرها.

إنّ اُمّه فاطمة بنت أسد لمّا ضربها الطلق ، جاءت متعلّقةً بأستار الكعبة الشريفة ، من شدّة المخاض ، مستجيرةً بالله وَجلةً ، خشية أن يراها أحدٌ من الذين اعتادوا الاجتماع في اُمسياتهم في أُروقة البيت أو في داخله ، فانحازت ناحيةً وتوارت عن العيون خلف أستار البيت ، واهنةً مرتعشة أضنتها آلام المخاض ؛ فألصقت نفسها بجدار الكعبة وأخذت تقول :

«يا ربّ ، إنّي مؤمنةٌ بك وبما جاء من عندك من رسلٍ وكتبٍ ، وإنّي مصدّقةٌ بكلام جدّي إبراهيم ، وأنّه بنى البيت العتيق ، فبحقّ الذي بنى هذا البيت وبحقّ المولود الذي في بطني إلّا ما يسرت عَلَيَّ ولادتي».

__________________

(١) اُنظر إعلام الورى ١ : ٣٠٦ ، وإرشاد المفيد ١ : ٥ ـ ، وعليٌّ وليد الكعبة (للأُردوبادي) : ٣ ، منشورات مكتبة الرضوي ، وكشف الغمّة (للعلامة المحقق الأربلي) ١ : ٥.

(٢) الإصابة (لابن حجر) ٢ : ٥٠٧.

(٣) كشف الغمّة ١ : ٥٩.

٣٥٨

قال يزيد بن قعنب : فرأيتُ البيت قد انشقّ عن ظهره ، ودخلتْ فاطمة فيه ، وغابتْ عن أبصارنا وعادَ إلى حاله ، فرمْنا أن ينفتح لنا قفلُ الباب فلم ينفتحْ ، فعلمنا أنّ ذلك من أمر الله عزّ وجل ، ثمّ خرجتْ في اليوم الرابع وعلى يدها أمير المؤمنين عليُّ بن أبي طالب عليه السلام (١).

وهو حديث جدير كذلك أن يخلّده الشعراء :

أنشد الحميري (ت ١٧٣ هـ) :

وَلَدَتهُ في حرم الإله وأمنهِ

والبيت حيثُ فناؤه والمسجدُ

بيضاءً طاهرةُ الثياب كريمةٌ

طابَتْ وطابَ وليدُها والمولدُ

ما لُفّ في خِرَقِ القوابلِ مثلُهُ

إلّا ابنُ آمنةَ النبيُّ محمّدُ

وله أيضاً في أمير المؤمنين عليه السلام :

طِبْتَ كَهْلاً وغُلاماً

وَرضيعاً وجَنينا

ولدى المِيثاقِ طِيناً

يومَ كانَ الخَلْقُ طِينا

 وببَطْنِ البيتِ مولُوداً

وفي الرَمْلِ دَفينا (٢)

وقال عبد الباقي العمري في عينيّته الشهيرة :

أنتَ العليُّ الذي فوقَ العُلى رُفعا

بِبَطْنِ مكّةَ عند البيت إذْ وُضِعا

وعقّب عليه أبو الثناء الآلوسي في شرحه هذه القصيدة ـ شرح عينية عبد الباقي العمري ـ ما نصّه :

__________________

(١) كشف الغمّة ١ : ٦٠.

(٢) عليٌّ وليد الكعبة (للأُردوبادي) : ١١ ، ط. النجف الأشرف.

٣٥٩

«وفي كون الأمير كرّم الله وجهه وُلِدَ في البيت أمرٌ مشهورٌ في الدنيا ، وذُكِرَ في كتب الفريقين السنّة والشيعة ، ولم يشتهر وضعُ غيره كرّم الله وجهه كما اشتهر وضعه ، بل لم تتّفق الكلمة عليه ، وما أحرى بإمام الأئمّة أن يكون وضعه فيما هو قِبْلَة للمؤمنين ، سبحان من يضع الأشياء مواضعها ، وهو أحكم الحاكمين» (١).

* * *

وقال مير سيد محمّد حسن مدرس اصفهاني (ت ١٣٣١ هـ) :

ولادت حضرت امير عليه السلام وحكايات عجيبه آن

ولادت با سعادت مولى المتّقين أمير المؤمنين عليّ ـ عليه الصلاة والسلام ـ بنابر معروف در ميان فرقه ناجيه ، در سال سى ام از عام الفيل واقع شده ، وبه همين تاريخ تصريح نموده است در اصول كافى كلينى رازى «طاب مرقده» ـ كه از اولين كتب معتبره است ـ وآن سال فرّخ حال مقارن بود با سال سى از ولادت حضرت رسول صلى الله عليه وآله چه آن حضرت در سال عام الفيل ، بعد از پنجاه وپنج روز از هلاك اصحاب فيل ، به عالم دنيا قدم گذارد وعالم را به نور قدوم خود منوّر نمود ، وموافقت مى كند اين تاريخ ، با روايتى كه نقل شده از حضرت صادق عليه السلام كه فاطمه بنت اسد ـ كه مادر حضرت امير عليه السلام بود ـ آمد نزد شوهر خود ، ابو طالب ، كه سرور كند وبشارت دهد او را ، به ولادت حضرت محمّد صلى الله عليه وآله ابو طالب به او گشفت : صبر كن يك سبت ، تا من بشارت دهم تو را ، به مولودى از تو ، كه مثل ومانند همين مولود باشد در اوصاف واخلاق ، مگر در پيغمبرى.

__________________

(١) عليٌّ وليد الكعبة : ٣.

٣٦٠