اللّباب في علوم الكتاب - ج ١٧

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي

اللّباب في علوم الكتاب - ج ١٧

المؤلف:

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي


المحقق: عادل أحمد عبد الموجود و علي محمّد معوّض
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-2298-3

الصفحات: ٥٨٤

تخويفهم وكيدهم ومكرهم على الله تعالى بقوله : (وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللهِ) وهو إنما تعلم هذه الطريقة من موسى ـ عليه الصلاة والسلام ـ حين خوّفه فرعون بالقتل فرجع موسى في دفع ذلك الشر إلى الله تعالى فقال : (إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسابِ). ثم قال : (إِنَّ اللهَ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ). أي عالم بأحوالهم يعلم المحقّ من المبطل (١).

قوله : (فَوَقاهُ اللهُ سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا). قال مقاتل : لما قال هذه الكلمات قصدوا قتله فهرب منهم إلى الجبل فطلبوه ، فلم يهتدوا عليه. وقيل : المراد بقوله : فوقاه الله سيئات ما مكروا أنهم قصدوا إدخاله في الكفر ، وصرفه عن الإسلام ، فوقاه الله من ذلك. والأول أولى ، لأن قوله بعد ذلك : (وَحاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذابِ) لا يليق إلا بالوجه الأول (٢).

وقرأ حمزة وحيق ـ بكسر الحاء (٣) ـ وكذلك في كل القرآن والباقون بالفتح.

قال قتادة : نجا مع موسى ، وكان قبطيّا. «وحاق» نزل (بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذابِ) الغرق في الدنيا ، والنار في الآخرة (٤).

قوله : «النّار» الجمهور على رفعها ، وفيه ثلاثة أوجه :

أحدها : أنه بدل من : (سُوءُ الْعَذابِ) قاله الزجاج (٥).

الثاني : أنه خبر مبتدأ محذوف أي هو أي سوء العذاب النار (٦) ، لأنه جواب لسؤال مقدر؛ و «يعرضون» على هذين الوجهين يجوز أن يكون حالا من «النار» ، ويجوز أن يكون حالا من «آل فرعون».

الثالث : أنه مبتدأ ، وخبره : «يعرضون» (٧).

وقرىء النّار (٨) منصوبا ، وفيه وجهان :

أحدهما : أنه منصوب بفعل مضمر يفسره يعرضون من حيث المعنى أي يصلون النار يعرضون عليها كقوله : (وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ)(٩) [الإنسان : ٣٢].

__________________

(١) السابق.

(٢) الرازي ٢٧ / ٧٣.

(٣) لم أجد هذه القراءة عن حمزة في المتواتر ولا في الشواذ إلا ما حكاه الإمام الرازي في مرجعه السابق.

(٤) انظر البغوي ٦ / ٩٦ والبحر ٧ / ٤٦٨.

(٥) معاني القرآن وإعرابه ٤ / ٣٧٦ وهو أحد وجهين قال بهما أبو إسحاق.

(٦) السابق. وانظر أيضا البيان لابن الأنباري ٢ / ٣٣ ، ومعاني الأخفش ٦٧٧ ، وقد قال هو وابن الأنباري بالأول أيضا.

(٧) البيان ٢ / ٣٣٢ والدر المصون ٤ / ٦٩٩ ، وقال به أبو البقاء هو والأول ١١٢٠ أيضا.

(٨) شاذه قراءة ، قياسية عربية ولم تعز في البحر ٧ / ٤٦٨ ولا في الكشاف ٣ / ٤٣٠.

(٩) وانظر التبيان ١١٢٠.

٦١

الثاني : أن ينتصب على الاختصاص ، قال الزمخشري (١) : فعلى الأول لا محل «ليعرضون» ؛ لكونه مفسرا ، وعلى الثاني هو حال كما تقدم.

فصل

دلت هذه الآية على إثبات عذاب القبر ؛ لأن الآية تقتضي عرض النار عليهم غدوّا وعشيّا ، وليس المراد منه يوم القيامة ، لقوله بعده (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ) ، وليس المراد منه أيضا الدنيا ؛ لأن عرض النار عليهم غدوّا وعشيا ما كان حاصلا في الدنيا فثبت أن هذا العرض إنما حصل بعد الموت ، وقبل القيامة (٢). وذلك يدل على إثبات عذاب القبر في حق هؤلاء ، وإذا ثبت في حقهم ثبت في غيرهم لأنه لا قائل بالفرق.

فإن قيل : لا يجوز أن يكون المراد من عرض النار عليهم غدوا وعشيا عرض القبائح (٣) عليهم في الدنيا لأن أهل الدين إذا ذكروا لهم الترغيب والترهيب ، وخوّفوهم بعذاب الله فقد عرضوا عليهم النار. ثم في الآية ما يمنع حمله على عذاب القبر وبيانه من وجهين :

أحدهما : أن ذلك العذاب يجب أن يكون دائما غير منقطع. وقوله : (يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا) يقتضي أن لا يحصل ذلك العذاب إلا في هذين الوقتين فثبت أن هذا لا يمكن حمله على عذاب القبر.

الثاني : أن الغدوة والعشية إنما يحصلان في الدنيا ، أما في القيامة (٤) فلا وجود لهما ، فثبت أنه لا يمكن حمل هذه الآية على عذاب القبر.

والجواب على الأول : أن في الدنيا إذا عرض عليهم الكلمات التي تذكرهم أمر النار ، ولم يعرض عليهم نفس النار ، وهذا لظاهر الآية ، وارتكاب المجاز ، وأما قولهم : الآية تدل على حصول العذاب في هذين الوقتين وذلك لا يجوز فالجواب لم لا يجوز أن يكتفى في القبر بإيصال العذاب إليه في هذين الوقتين ، ثم عند قيام القيامة يلقى في النار ، فيدوم عذابه حينئذ (٥) ، وأيضا لا يمتنع أن يكون ذكر الغدوة والعشية كناية عن الدوام ، كقوله تعالى : (وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا) [مريم : ٦٢] وأما قولهم : إنه ليس في القبر والقيامة غدوة وعشية قلنا : لم لا يجوز أن يقال : إن (عند) حصول هذين الوقتين لأهل الدنيا يعرض عليهم العذاب (٦).

__________________

(١) الكشاف ٢ / ٤٣٠.

(٢) كذا في الرازي و (ب). وفي (أ) وقيل بدل وذلك.

(٣) كذا في النسختين وفي ب والرازي : النصائح.

(٤) في الرازي بدل القيامة القبر.

(٥) في الرازي بعد ذلك.

(٦) وانظر في هذا الفصل كله تفسير الرازي ٢٧ / ٧٨ مع تغيير طفيف في العبارة.

٦٢

فصل

قال ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ أرواح آل فرعون في أجواف طير سود يعرضون على النار كل يوم مرتين تغدو وتروح إلى النار ، يقال : يا آل فرعون هذه منازلكم. وقال قتادة ، والسدي والكلبي : تعرض روح كل كافر على النار بكرة وعشيّا ما دامت الدنيا (١). وروى ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ أن رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ قال : إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشيّ إن كان من أهل الجنّة فمن أهل الجنّة ، وإن كان من أهل النّار فمن أهل النّار ، فيقال : هذا مقعدك حتّى يبعثك الله إليه يوم القيامة (٢).

قوله : (وَيَوْمَ تَقُومُ) فيه ثلاثة أوجه :

أظهرها : أنه معمول لقول مضمر ، وذلك القول المضمر محكي به الجملة الأمرية من قوله : أدخلوا ، والتقدير : يقال لهم يوم تقوم الساعة : أدخلوا (٣).

الثاني : أنه منصوب «بأدخلوا» (٤) أي أدخلوا يوم تقوم ، وعلى هذين الوجهين ، فالوقف تامّ على قوله : (وَعَشِيًّا).

الثالث : أنه معطوف على الظرفين قبله ، فيكون معمولا ليعرضون ، والوقف على هذا على قوله : «الساعة». و «أدخلوا» معمول لقول مضمر ، أي يقال لهم كذا (٥). وقرأ الكسائيّ وحمزة ونافع وحفص أدخلوا بقطع الهمزة وكسر الخاء ، أي يقال للملائكة أدخلوا ، أمرا من «أدخل» «فآل فرعون» مفعول أول ، و (أَشَدَّ الْعَذابِ) مفعول ثان ، والباقون بهمزة وصل ، من دخل يدخل ، فآل فرعون منادى حذف حرف النداء منه و «أشدّ» منصوب به ، إما ظرفا ، وإما مفعولا به (٦). أي ادخلوا يا آل فرعون في أشد العذاب. قال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ يريد ألوان العذاب ، غير العذاب الذي كانوا يعذبون به منذ غرقوا.

قوله تعالى : (وَإِذْ يَتَحاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مِنَ النَّارِ (٤٧) قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيها إِنَّ اللهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبادِ (٤٨) وَقالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا

__________________

(١) البغوي ٦ / ٩٦.

(٢) أخرجه الإمام مالك في الموطأ باب الجنائز رقم ٤٨ والإمام البغوي في المرجع السابق ، وأحمد في مسنده ٢ / ١٦ ، ٥١ ، ١١٣ ، ١٢٣.

(٣) قاله السمين في الدر ٤ / ٦٩٩ والأخفش في المعاني ٦٧٨ والعكبري في التبيان ١٠٢١.

(٤) قاله ابن الأنباري في البيان ٢ / ٣٣٢.

(٥) السمين في الدر ٤ / ٦٩٩.

(٦) السابق وانظر إتحاف ٣٧٩ ومشكل إعراب القرآن لمكي ٢ / ٢٦٦ والكشف له أيضا ٢ / ٢٤٥ وانظر أيضا الحجة في القراءت السبعة لابن خالويه ٣١٥.

٦٣

رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِنَ الْعَذابِ (٤٩) قالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا بَلى قالُوا فَادْعُوا وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلالٍ (٥٠) إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ (٥١) يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) (٥٢)

قوله تعالى : (وَإِذْ يَتَحاجُّونَ) في العامل في «إذ» ثلاثة أوجه :

أحدها : أنه معطوف على «غدوّا» فيكون معمولا ليعرضون أي يعرضون على النار في هذه الأوقات كلها قاله أبو البقاء (١).

الثاني : أنه معطوف على قوله : (إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ) قاله الطبري (٢). وفيه نظر ؛ لبعد ما بينهما ، ولأن الظاهر عود الضمير من «يتحاجّون» إلى آل فرعون.

الثالث : أنه منصوب بإضمار اذكر (٣).

قوله : «تبعا» فيه ثلاثة أوجه :

أحدها : أنه اسم جمع لتابع ، ونحوه : خادم وخدم ، وغائب وغيب وآدم وأدم (٤). قال البغوي : والتّبع يكون واحدا وجمعا في قول أهل البصرة ، واحده تابع. وقال الكوفيون : هو جمع لا واحد له وجمعه أتباع (٥).

والثاني : أنه مصدر واقع موقع اسم الفاعل أي تابعين (٦).

والثالث : أنه مصدر أيضا ولكن على حذف مضاف أي ذوي تبع (٧).

قوله : «نصيبا» فيه ثلاثة أوجه :

أحدها : أن ينتصب بفعل مقدر به عليه قوله : «مغنون» تقديره : هل أنتم دافعون عنّا(٨).

الثاني : أن يضمّن مغنون معنى حاملين (٩).

الثالث : أن ينتصب على المصدر ، قال أبو البقاء : كما كان «شيء» كذلك ، ألا ترى إلى قوله : (لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً) [آل عمران : ١٠] «فشيئا» في موضع «غنى» فكذلك «نصيبا» و (مِنَ النَّارِ) صفة ل «نصيبا» (١٠).

__________________

(١) ذكره في التبيان ١٠٢١.

(٢) جامع البيان له ٢٥ / ٤٧.

(٣) البحر المحيط ٦ / ٤٦٩ والتبيان المرجع السابق.

(٤) قاله الزمخشري في الكشاف ٣ / ٤٣٠ والسمين في الدر ٤ / ٧٠٠ ، والأخفش في المعاني ٢ / ٦٧٩.

(٥) نقله في معالم التنزيل ٦ / ٩٧.

(٦) قاله العكبري في التبيان ١٠٢١.

(٧) قاله الزمخشري في الكشاف ٣ / ٤٣٠.

(٨) قرره العكبري في المرجع السابق.

(٩) أخذه من أبي حيان في بحره ٧ / ٤٦٦.

(١٠) التبيان له المرجع السابق.

٦٤

قوله : (إِنَّا كُلٌّ فِيها) العامة على رفع «كلّ» ورفعه على الابتداء و «فيها» خبره والجملة خبر «إنّ» ، وهذا كقوله في آل عمران : (قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ)(١) [آل عمران : ١٥٤] ، في قراءة أبي عمرو. وقرأ ابن السّميقع وعيسى بن عمر بالنصب ، وفيه ثلاثة أوجه :

أحدها : أن يكون تأكيدا لاسم إن ، قال الزمخشري : توكيد لاسم إن ، وهو معرفة ، والتنوين عوض من المضاف إليه ، يريد : إنا كلّنا فيها (٢) انتهى ، يعني فيكون «فيها» هو الخبر ، وإلى كونه توكيدا ذهب ابن عطية أيضا (٣).

ورد ابن مالك هذا المذهب فقال في تسهيله : «ولا يستغني بنية إضافته خلافا للزمخشري»(٤).

قال شهاب الدين : «وليس هذا مذهبا للزمخشري وحده بل هو منقول عن الكوفيين أيضا» (٥).

والثاني : أن تكون منصوبة على الحال ، قال ابن مالك : والقول المرضيّ عندي أنّ «كلّا» في القراءة المذكورة منصوبة على الحال من الضمير المرفوع في «فيها» و «فيها» هو العامل ؛ وقد قدمت عليه مع عدم تصرفه ، كما قدمت في قراءة من قرأ : (وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ)(٦) [الزمر : ٦٧].

وفي قول النّابغة :

٤٣٤٢ ـ رهط ابن كوز محقبي أدراعهم

فيهم ورهط ربيعة بن حذار (٧)

وقال بعض الطائيين :

٤٣٤٣ ـ دعا فأجبنا وهو بادي ذلّة

لديكم وكان النّصر غير بعيد (٨)

__________________

(١) وانظر السبعة ٢١٨ وحجة ابن خالويه ١١٥.

(٢) في الكشاف : إنا كلنا أو كنا باللفظين وانظر الكشاف ٣ / ٤٣٠.

(٣) البحر المحيط ٧ / ٤٦٩.

(٤) التسهيل ١٦٤.

(٥) الدر المصون ٤ / ٧٠١.

(٦) وانظر البحر المحيط ٧ / ٤٦٩.

(٧) من تام الكامل له. والشاهد : نصب «محقبي» على الحال من الجار والمجرور في «فيهم» ، وقد تقدمت الحال على عاملها وصاحبها المجرور بذلك العامل والعامل في الحال الجار والمجرور وما يتعلق به وقد تقدم.

(٨) من الطويل مجهول القائل ، رواه في البحر : «غير قريب» وفي الأشموني :

بنا عاذ عوف وهو بادي ذلة

لديكم فلم يعدم ولاء ولا نصرا

وشاهده : تقدم الحال وهو قوله «بادي» على صاحبها المجرو وبإضافة الظرف وهو «كم» في «لديكم».

وانظر البحر المحيط ٧ / ٤٦٩ ، والأشموني ٢ / ١٨٢ ، والتصريح ١ / ٣٨٥ وشرح ابن الناظم بدر الدين ١٣١ ، وأوضح المسالك ١٢٠ والدر المصون ٤ / ٧٠٢.

٦٥

يعني بنصب «بادي». وهذا هو مذهب الأخفش ، إلا أن الزمخشري منع من ذلك ، قال ـ رحمه‌الله ـ : فإن قلت : هل يجوز أن يكون «كلّا» حالا ، قد عمل فيه «فيها»؟ قلت : لا ؛ لأن الظرف لا يعمل في الحال متقدمة كما يعمل في الظرف متقدما ، تقول : كلّ يوم لك ثوب ، ولا تقول : قائما في الدّار زيد (١) ، قال أبو حيان : وهذا الذي منعه أجازه الأخفش ، إذا توسعت الحال ، نحو : زيد قائما في الدار ، وزيد قائما عندك. والمثال الذي ذكره ليس مطابقا لما في الآية ؛ لأن الآية تقدم فيها المسند إليه الحكم وهو اسم إن ، وتوسطت الحال إذا قلنا : إنها حال ، وتأخر العامل فيها. وأما تمثيله بقوله : «ولا تقول قائما في الدّار زيد» (٢) فقد تأخر فيه المسند والمسند إليه ، وقد ذكر بعضهم : أن المنع في ذلك إجماع من النحاة (٣).

قال شهاب الدين : الزمخشري منعه صحيح ؛ لأنه ماش على مذهب الجمهور وأما تمثيله بما ذكر فلا يضره (٤) ؛ لأنه في محل المنع ، فعدم تجويزه صحيح (٥).

الثالث : أن «كلّا» بدل من «نا» في «إنّا» ؛ لأن «كلّا» قد وليت العوامل فكأنه قيل : إنّ كلّا فيها وإذا كانوا قد تأولوا قوله :

٤٣٤٤ ـ .........

 ... حولا أكتعا(٦)

و «حولا أجمعا» على البدل مع تصرف أكتع وأجمع ؛ فلأن ذلك في «كلّ» أولى وأجدى. وأيضا فإن المشهور تعريف «كلّ» حال قطعها ، حكي في الكثير الفاشي : مررت بكلّ قائما وببعض جالسا ، وعزاه بعضهم لسيبويه (٧).

وتنكير «كل» ونصبها حالا في غاية الشذوذ ، نحو : «مررت بهم كلّا» أي جميعا.

فإن قيل : فيه بدل الكل من الكل في ضمير الحاضر وهو لا يجوز.

__________________

(١) الكشاف ٤ / ٤٣١.

(٢ و ٣) أبو حيان في البحر ٧ / ٤٦٩.

(٢ و ٣) أبو حيان في البحر ٧ / ٤٦٩.

(٤) في الدر المصون : يضيره.

(٥) المرجع السابق ٤ / ٧٠٢.

(٦) رجز مجهول قائله والبيت بتمامه :

يا ليتني كنت صبيا مرضعا

تحملني الذّلفاء حولا أكتعا

والذلفاء اسم امرأة. واستشهد بالبيت على توكيد «حول» وهو نكرة بأكتع ، وشرط تأكيد أكتع أن يكون مسبوقا بأجمع ، وتوكيد النكرة منعها البصريون ، وأجازها الأخفش لأن النكرة محدودة وصححه ابن مالك وقد أعرب البصريون هذا على البدل أو النعت أو المجيء على الضرورة الشعرية وانظر الإنصاف ٤٥١ ـ ٤٥٦ وشرح الأشموني على الألفية ٣ / ٧٨ ، والهمع ٢ / ١٢٤ ، وابن يعيش ٤ / ٥٤ وابن عقيل ١٣١ ، وابن الناظم ١٩٨ ، وتوضيح المقاصد ٣ / ١٦٧.

(٧) قال : «هذا باب ما ينتصب خبره لأنه معرفة ، وهي معرفة لا توصف ولا تكون وصفا ، وذلك قولك : مررت بكلّ قائما ، ومررت ببعض قائما ، وببعض جالسا». الكتاب ٢ / ١١٤. ثم قال : «وصار معرفة لأنه مضاف إلى معرفة كأنك قلت : مررت بكلهم وببعضهم ، ولكنك حذفت ذلك المضاف إليه». الكتاب ٢ / ١١٥.

٦٦

أجيب بوجهين :

أحدهما : أن الكوفيين والأخفش يرون ذلك وأنشدوا قوله :

٤٣٤٥ ـ أنا سيف العشيرة فاعرفوني

حميدا قد تذرّيت السّناما (١)

«فحميدا» بدل من ياء «فاعرفوني». وقد تأوله البصريون على نصبه على الاختصاص.

والثاني : أن هذا الذي نحن فيه ليس محل الخلاف ؛ لأنه دال على الإحاطة والشمول ، وقد قالوا : إنه متى كان البدل دالا على ذلك جاز ، وأنشدوا :

٤٣٤٦ ـ فما برحت أقدامنا في مكاننا

ثلاثتنا حتّى أزيروا المنائيا (٢)

ومثله قوله تعالى : (لَنا عِيداً لِأَوَّلِنا وَآخِرِنا) [المائدة : ١١٤] قالوا : «ثلاثتنا» بدل من «نا» في «مكاننا» ؛ لدلالتها على الإحاطة ، وكذلك (لِأَوَّلِنا وَآخِرِنا) بدل من «نا» في «لنا» ، فلأن يجوز ذلك في كل التي هي أصل في الشمول والإحاطة بطريق الأولى ، هذا كلام أبي حيان في الوجه الثالث (٣). وفيه نظر لأن المبرد (٤) ومكيّا (٥) نصا على أن البدل في هذه الآية لا يجوز فكيف يدعى أنه لا خلاف في البدل والحالة هذه؟ لا يقال : إن في الآية قولا رابعا ، وهو أن «كلّا» نعت لاسم إنّ ، وقد صرح الكسائيّ (٦) والفراء بذلك فقالا : هو نعت لاسم (٧) إن ؛ لأن الكوفيين يطلقون اسم النعت على التأكيد ، ولا يريدون حقيقة النعت (٨).

وممن نص على هذا التأويل مكي (٩) ـ رحمه‌الله ـ ؛ ولأن الكسائي إنما جوز نعت ضمير الغائب فقط دون المتكلم والمخاطب.

__________________

(١) من تمام الوافر وهو لحميد بن بجدلة الكلبي واستشهد به الكوفيون والأخفش على جواز إبدال الظاهر وهو حميد من ضمير المتكلم وهو الياء من اعرفوني ، وقد أوّله البصريون على الاختصاص كما أوضح أعلى وقد تقدم.

(٢) من الطويل لعبيدة بن الحارث المطلبي ويروى في مقامنا بدل مكاننا ، وحتى للغاية بمعنى إلى وأزيروا : فعل مجهول والواو نائب فاعل والمنائيا أصلها المنايا ، ولكن أظهرت فيه الياء المحذوفة للضرورة ، وقلبت همزة. وقد تقدم.

(٣) البحر المحيط ٤٧٠ / ٧ بتقديم وتأخير في عبارته.

(٤) قال ولا يبدل من المخاطب ولا المخاطب لأنهما لا يشكلان فيبدل منهما انظر إعراب القرآن للنحاس ٤ / ٣٦.

(٥) قال مكي : ولا يجوز البدل لأن المخبر عن نفسه لا يبدل منه غيره مشكل إعراب القرآن ٢ / ٣٦٧.

(٦) نقله عنه القرطبي في الجامع ١٥ / ٣٢١.

(٧) معاني الفراء ٣ / ١٠.

(٨) القرطبي المرجع السابق والدر المصون ٤ / ٧٠٤.

(٩) مشكل إعراب القرآن المرجع السابق.

٦٧

فصل

معنى الآية واذكر يا محمد لقومك إذ يتحاجّون أي يحاجّ بعضهم بعضا. ثم شرح خصومتهم وهي أن الضعفاء يقولون للرؤساء : إنا كنا لكم تبعا في الدنيا فهل أنتم مغنون عنا نصيبا من النار أي فهل تقدرون على أن تدفعوا عنا أيها الرّؤساء نصيبا من العذاب؟ ومقصودهم من هذا الكلام المبالغة في تعجيز أولئك الرؤساء وإيلام قلوبهم ؛ لأنهم يعلمون أن أولئك الرؤساء لا قدرة لهم على ذلك التخفيف فعند ذلك يقول الرؤساء إنا كل فيها أي إنا كلّنا واقعون في هذا العذاب ، فلو قدرنا على إزالة العذاب لدفعناه عن أنفسنا. ثم يقولون : «إنّ الله (قد) (١) حكم بين العباد» يعنى فأوصل إلى كل أحد حقه من النعيم أو من العذاب ، فعند هذا يحصل اليأس للأتباع من المتبوعين ، فيرجعون إلى خزنة جهنم ويقولون لهم : ادعوا ربّكم يخفّف عنّا يوما من العذاب.

فإن قيل : لم لم يقل : وقال الذين في النار لخزنتها؟

فالجواب من وجهين :

الأول : أن يكون المقصود من ذكر جهنم التهويل والتفظيع.

والثاني : أن تكون جهنم اسما لموضع من أشد المواضع بعيد القرار من قولهم : بئر جهنّام أي بعيدة القعر (٢) وفيها أعظم أقسام الكفار عقوبة ، وخزنة ذلك الموضع تكون أعظم خزنة جهنم عند الله درجة ، فإذ عرف الكافر (٣) أن الأمر كذلك استغاثوا بهم فيقولون لهم : (أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّناتِ)؟

قوله : (يَوْماً مِنَ الْعَذابِ) في يوما وجهان :

أحدهما : أنه ظرف ليخفّف ، ومفعول «يخفف» محذوف ، أي يخفف عنا شيئا من العذاب في يوم. ويجوز على رأي الأخفش أن تكون «من» مزيدة فيكون العذاب هو المفعول ، أي يخفف عنا في يوم العذاب.

الثاني : أن يكون مفعولا به ، واليوم لا يخفف ، وإنما يخفف مظروفه ، والتقدير يخفف عذاب يوم ، وهو قلق لقوله : (مِنَ الْعَذابِ) والقول بأنه صفة كالحال أقلق منه. والظاهر أن (مِنَ الْعَذابِ) هو المفعول ليخفف ، ومن تبعيضيّة ، و «يوما» ظرف (٤) ، سألوا أن يخفف عنهم بعض العذاب لا كله في يوم ما ، لا في كل يوم ولا في يوم معين.

__________________

(١) سقط من ب.

(٢) انظر لسان العرب جهنم ٧١٥ بكسر الجيم والياء وقال اللحياني : جهنّام اسم أعجمي.

(٣) الأصح كما في الرازي الكفار. وانظر في هذا تفسير الرازي ٢٧ / ٧٤.

(٤) قال بهذا الإعراب أبو البقاء في التبيان ١٠٢١ ، والسمين في الدر ٤ / ٧٠٤.

٦٨

فصل

لما أجابوهم الخزنة بقولهم : أو لم تك تأتيكم رسلكم بالبينات؟ قالوا : بلى والمعنى أن لولا إرسال الرسل كان للقوم أن يقولوا ما جاءنا من نذير. وهذه الآية تدل على أن الوجوب لا يتحقق إلا بعد مجيء الشّرع. ثم إن أولئك الملائكة يقولون لهم : ادعوا أنتم فإنا لا نتجرأ على ذلك ولا نشفع إلا بشرطين :

أحدهما : أن يكون المشفوع له مؤمنا.

والثاني : حصول الإذن في الشفاعة ، ولم يوجد شيء من هذين الشرطين لكن ادعوا أنتم.

وليس قولهم فادعوا لرجاء المنفعة ، ولكن للدلالة على الخيبة ، وأن الملك المقرب إذا لم يسمع دعاؤه فكيف يسمع دعاء الكافر؟ ثم صرحوا لهم بأنه لا أثر لدعائهم فقالوا : (وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ) أي يبطل ويضلّ ولا ينفعهم.

فإن قيل : إنه تعالى يمتنع عليه أن يتأذى من المجرمين يسبب جرأتهم ، وإذا كان التّأذّي محالا كانت شهوة الانتقام ممتنعة في حقه ، وإذا ثبت هذا فنقول إيصال هذه المضارّ العظيمة إلى أولئك الكفار إضرار خال عن جميع جهات المنفعة فكيف يليق بالرحيم الكريم أن يعذب (١) بترك الآلام أبد الآباد ودهر الدّاهرين من غير أن يرحم حاجتهم ، ومن غير أن يسمع دعاءهم ، ومن غير أن يلتفت إلى تضرعهم وانكسارهم. ولو أن أقسى الناس قلبا فعل مثل هذا التعذيب ببعض عبيده لأداء كرمه ورحمته إلى العفو عنه مع أن هذا السيّد في محل الحاجة والنفع والضرر فأكرم الأكرمين كيف يليق به هذا الإضرار؟

فالجواب : أن أفعال الله لا تعلّل ، ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون فلما جاء الحكم الحق به في الكتاب الحق وجب الإقرار به والله أعلم.

قوله تعالى : (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا ...) الآية. في كيفية النظم وجوه :

الأول : أنه تعالى لما ذكر وقاية الله موسى ـ عليه الصلاة والسلام ـ (٢) ، وذلك المؤمن من مكر فرعون منّ (٣) في هذه الآية بأنه ينصر رسله والذين آمنوا معه.

الثاني : لما بين من قبل تخاصم أهل النار ، وأنهم عند الفزع إلى خزنة جهنم يقولون : ألم تك تأتيكم رسلكم بالبينات أتبع ذلك بذكر الرسل وأنه ينصرهم في الدنيا والآخرة.

__________________

(١) كذا في النسختين وفي الرازي أن يبقي على ذلك الإيلام.

(٢) في ب صلوات الله وسلامه عليه.

(٣) كذا في النسختين ولعل مقصوده بين كما في الرازي وانظر تفسير الرازي ٢٧ / ٧٤ ، ٧٥.

٦٩

الثالث : قال ابن الخطيب : وهو الأقرب عندي أن الكلام في أول السورة إنما وقع من قوله: إنما يجادل في آيات الله الذين كفروا فلا يغرنك تقلّبهم في البلاد. وأصل الكلام في الرد على أولئك المجادلين وعلى أن المحقين أبدا مشغولين بدفع كيد المبطلين ، وكل ذلك إنما ذكره الله تعالى تسلية للرسول ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وتصبيرا له على تحمل الأذى من قومه (١).

ولما بلغ الكلام في تقرير هذا المطلوب إلى الغاية القصوى وعد تعالى بأن ينصر رسوله على أعدائه تعالى فقال : (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا). قال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ بالغلبة والقهر ، وقال الضّحّاك : بالحجّة ، وفي الآخرة بالانتقام من الأعداء وبإعلاء درجاتهم في مراتب الثواب ، وكل ذلك قد كان للأنبياء والمؤمنين ، فهم منصورون بالحجة على من خالفهم ، وأهلك أعداءهم (٢) بعد أن قتلوا بالانتقام من أعدائهم ، كما نصر يحيى بن زكريا لما قتل فقتل به سبعين ألفا.

قوله : (وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ) قرأ الجمهور يقوم بالياء من أسفل ، وأبو عمرو في رواية المنقريّ (٣) عنه وابن هرمز وإسماعيل (٤) بالتاء من فوق لتأنيث الجماعة (٥).

والأشهاد يجوز أن يكون جمع «شهيد» كشريف وأشراف ، وهو مطابق لقوله : (فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ) [النساء : ٤١] وأن يكون جمع «شاهد» كصاحب ، وأصحاب ، وطائر ، وأطيار ، قال المبرد وهو مطابق لقوله : (إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً) [الأحزاب: ٤٥].

واعلم أن قوله تعالى : (وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ) فيه دقيقة لطيفة ، وهي أن السلطان العظيم إذا آثر بعض خواصه بالإكرام العظيم عند حضور الجمع من أهل المشرق والمغرب كان ذلك(٦) أتمّ وأبهج. وعنى بالأشهاد كل من شهد بأعمال العباد يوم القيامة

__________________

(١) الرازي ٢٧ / ٧٥.

(٢) في البغوي منصورون بالحجة على من خالفهم وقد نصرهم الله بالقهر على من ناوأهم وإهلاك أعدائهم ونصرهم بعد أن قتلوا بالانتقام ، البغوي ٦ / ٩٧.

(٣) هو عبد الله بن عمرو بن الحجاج أبو معمر المنقري التميمي اهتم بحرف أبي عمرو ضابط له ، روى القراءة عن عبد الوارث وعنه أحمد بن علي بن هاشم ، وأحمد بن يزيد الحلواني وغيرهما مات سنة ٢٢٤. انظر غاية النهاية ١ / ٤٣٩.

(٤) إسماعيل بن إسحاق بن إسماعيل بن حماد أبو إسحاق الأزدي البغدادي ثقة مشهور كبير ، روى القراءة عن قالون وعبد الرحمن بن سهل وعنه ابن مجاهد ، وابن الأنباري مات سنة ٢٨٢ ه‍. انظر غاية النهاية ١ / ١٦٢.

(٥) وانظر معاني الفراء ٣ / ١٠ والكشاف ٢ / ٤٣٢ ولم أجدها في المتواتر وهي شاذة نسبها صاحب شواذ القرآن إلى الأعرج ٢١٣.

(٦) كذا في الرازي وفي النسختين : آكد.

٧٠

من ملك ونبي ومؤمن. أما الملائكة فهم الكرام الكاتبون يشهدون على الرسل بالتبليغ وعلى الكفار بالتكذيب. وأما الأنبياء فقال تعالى : (فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً) [النساء : ٤١] ، وأما المؤمنون فقال تعالى : (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ) [البقرة : ١٤٣].

قوله «يوم» بدل من «يوم» قبله ، أو بيان له ، أو نصب بإضمار أعني (١).

وتقدم الخلاف في قوله (يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ) بالياء والتاء آخر الروم. والمعنى لا ينفع الظالمين معذرتهم إن اعتذروا (وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ) البعد من الرحمة ، وهذا يفيد الحصر (٢)(٣) يعني أن اللعنة مقصورة عليهم ، وهي الإهانة والإذلال (وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) يعني جهنم.

فإن قيل : قوله : (لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ) يدل على أنهم يذكرون الأعذار ، ولكن تلك الأعذار لا تنفعهم فكيف الجمع بين هذا وبين قوله : (وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ) [المرسلات : ٣٦]؟

فالجواب : قوله (لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ) لا يدل على أنهم ذكروا الأعذار بل ليس فيه إلا أنه ليس عندهم عذر مقبول ، وهذا لا يدل على أنهم ذكروه أم لا وأيضا فيوم القيامة يوم طويل فيعتذرون في وقت ولا يعتذرون في وقت آخر.

قوله تعالى : (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْهُدى وَأَوْرَثْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ (٥٣) هُدىً وَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ (٥٤) فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ)(٥٥)

قوله تعالى : (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْهُدى وَأَوْرَثْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ ...) الآية لما بين أنه تعالى ينصر الأنبياء والمؤمنين في الدنيا والآخرة ذكر نوعا من أنواع تلك النصرة في الدنيا فقال : (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْهُدى).

قال مقاتل : هدى من الضلالة ، يعني التوراة ، ويجوز أن يكون المراد الدلائل القاهرة التي أوردها على فرعون وأتباعه وكادهم بها ، ويجوز أن يكون المراد بالهدى النبوة التي هي أعظم المناصب الإنسانية (وَأَوْرَثْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ) وهو التوراة (هُدىً وَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ) يعني أنه تعالى لما أنزل التوراة على موسى بقي ذلك العلم فيهم وتوارثوه خلفا عن سلف.

وقيل المراد : سائر (٤) الكتب التي أنزلها الله عليهم ، وهي كتب أنبياء بني إسرائيل كالتوراة والإنجيل والزّبور.

__________________

(١) قال بالبدلية الزمخشري في كشافه ٣ / ٤٣٢ والعكبري في التبيان ١٠٢١ وقال بالثلاثة السمين ٤ / ٧٠٥.

(٢) قاله الرازي في مرجعه السابق.

(٣) نقله الإمام الكبير البغوي ٦ / ٩٧.

(٤) الفخر الرازي ٢٧ / ٧٧ فقد نقل هذه الأقوال مجتمعة.

٧١

قوله : (هُدىً وَذِكْرى) فيهما وجهان :

أحدهما : أنهما مفعول من أجلهما أي لأجل الهدى والذكر.

والثاني : أنهما مصدران في موضع الحال (١).

والفرق بين الهدى والذكرى ، أن الهدى ما يكون دليلا على الشيء وليس من شرطه أن يذكر شيئا آخر كان معلوما ثم صار منسيّا ، وأما الذكرى فهو الذي يكون كذلك ، فكتب أنبياء الله تعالى مشتملة على هذين القسمين بعضها دلائل في أنفسها ، وبعضها مذكرات لما ورد في الكتب الإلهية المتقدمة (٢).

ولما بين تعالى أنه ينصر رسله وينصر المؤمنين في الدنيا والآخرة وضرب المثال في ذلك بحال موسى خاطب بعد ذلك محمدا ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فقال : (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ) أي فاصبر يا محمد على أذاهم ، إن وعد الله حق في إظهار دينك وهلاك أعدائك. قال الكلبي : نسخت آية القتل آية الصّبر.

قوله : (وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ) قيل : المصدر مضاف للمفعول أي لذنب أمتك في حقك(٣). والظاهر أن الله تعالى يقول ما أراد وإن لم يجز لنا نحن أن نضيف إليه ـ عليه الصلاة والسلام ـ ذنبا ، قال المفسرون : هذا تعبد من الله تعالى ليزيده به درجة ، وليصير سنة لمن بعده.

قوله : (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ) صلّ شكرا لربك بالعشيّ والإبكار ، قال الحسن : يعني صلاة العصر وصلاة الفجر ، وقال ابن عباس : الصلوات الخمس.

قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلاَّ كِبْرٌ ما هُمْ بِبالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)(٥٦)

قوله (تعالى) (٤) : (إِنَّ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ ...) الآية لما ابتدأ بالرد على الذين يجادلون في آيات الله واتصل الكلام بعضه ببعض على الترتيب المتقدم إلى هنا نبه تعالى على الداعية التي تحمل أولئك الكفار على تلك المجادلة ، فقال : (إِنَّ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ) أي ما يحملهم على هذا العمل الباطل إلا الكبر الذي في صدورهم. قال ابن عباس : والمراد ما في قلوبهم ، والصدر موضع القلب فكني به عن القلب لمجاورته.

قوله : (ما هُمْ بِبالِغِيهِ) قال مجاهد : ما هم ببالغي مقتضى ذلك الكبر ؛ لأن الله عزّ

__________________

(١) ذكر هذين الإعرابين الزمخشري في الكشاف ٣ / ٤٣٢ والسمين في الدر ٤ / ٧٠٥.

(٢) الرازي المرجع السابق.

(٣) قاله أبو حيان في البحر ٧ / ٤٧١ والرازي في تفسييره أيضا المرجع السابق.

(٤) سقط من ب.

٧٢

وجلّ مذلّهم (١). قال ابن قتيبة : «إن في صدورهم إلا تكبر على محمد ، وطمع أن يغلبوه ، وما هم ببالغي ذلك» (٢).

وقوله (فَاسْتَعِذْ بِاللهِ) قال المفسرون : نزلت في اليهود ، وذلك أنهم قالوا للنبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم : إنا صاحبنا المسيح بن داود ـ يعنون الدّجّال ـ يخرج في آخر الزمان فيبلغ سلطانه البر والبحر ويرد الملك إلينا ، قال الله تعالى : فاستعذ بالله من فتنة الدجال إنه هو السميع البصير (٣). وقال ابن الخطيب : يعني بقوله (ما هُمْ بِبالِغِيهِ) يعني أنهم يريدون (٤) أذاك ، ولا يصلون إلى هذا المراد بل لا بد وأن يصيروا تحت أمرك ونهيك. (٥) ثم قال تعالى : (فَاسْتَعِذْ بِاللهِ) أي فالتجىء إليه من كيد من يجادلك (٦) إنه هو السّميع بما يقولون أو تقول «البصير» بما يعملون وتعمل فهو يجعلك نافذ الحكم عليهم ويصونك عن مكرهم وكيدهم.

قوله تعالى : (لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٥٧) وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَلا الْمُسِيءُ قَلِيلاً ما تَتَذَكَّرُونَ)(٥٨)

قوله تعالى : (لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ) المصدران مضافان لمفعولهما ، والفاعل محذوف ، وهو الله تعالى.

ويجوز أن يكون الثاني مضافا للفاعل أي أكبر مما يخلقه الناس ، أي يصنعونه. ويجوز أن يكون المصدران واقعين موقع المخلوق ، أي مخلوقهما أكبر من مخلوقهم ، أي جرمهما أكبر من جرمهم (٧).

فصل

اعلم أنه تعالى لما وصف جدالهم في الآيات بأنه بغير سلطان ولا حجة ، ذكر لهذا مثالا ، فقال : لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس والقادر على الأكبر قادر على الأقلّ لا محالة. وتقرير هذا الكلام أن الاستدلال بالشيء على غيره ينقسم ثلاثة أقسام :

أحدها : أن يقال : لما قدر على الأضعف ، وجب أن يقدر على الأقوى وهذا فاسد.

(وثانيها : أن يقال : لما قدر على الشيء قدر على مثله ، فهذا استدلال صحيح لما ثبت في الأصول : أن حكم الشيء حكم مثله) (٨).

__________________

(١) انظر تفسير البغوي ٦ / ٩٨ والرازي ٢٧ / ٧٩.

(٢) نقله في غريب القرآن ٣٨٧.

(٣) قاله البغوي والخازن في المرجع السابق ٦ / ٩٨.

(٤) في تفسيره أن لا يكونوا تحت يديك.

(٥) التفسير الكبير له ٢٧ / ٧٩.

(٦) في ب : يحسدك.

(٧) ذكر هذه الآراء أبو حيان في البحر ٧ / ٤٧١ والسمين في الدر ٤ / ٧٠٥.

(٨) ما بين القوسين كله سقط من ب.

٧٣

وثالثها : أن يقال : لما قدر على الأقوى الأكمل (فبأن) (١) يقدر على الأقل الأرذل كان أولى. وهذا استدلال في غاية الصحة والقوة ، ولا يرتاب فيه عاقل البتة. ثم إن هؤلاء القوم يسلمون أن خالق السماوات والأرض هو الله سبحانه وتعالى ويعلمون بالضرورة أن خلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس ، وكان من حقهم أن يقروا بأن القادر على خلق السماوات والأرض يكون قادرا على إعادة الإنسان الذي خلقه أولا فهذا برهان كلي في إفادة هذا المطلوب.

ثم إن هذا البرهان على قوته صار بحيث لا يعرفه أكثر الناس ، والمراد منه الذين ينكرون الحشر والنشر. فظهر بهذا المثال أنّ هؤلاء الكفار يجادلون في آيات الله بغير سلطان ولا حجة بل بمجرد الحسد والكبر والغضب.

ثم لما بين الله تعالى أن الجدال المقرون بالكبر والحسد ، والجهل كيف يكون؟ وأن الجدال بالحجة والبرهان كيف يكون؟ نبه تعالى على الفرق بين البيانين فقال : (وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ) يعني : وما يستوي المستدل والجاهل المقلد ، ثم قال تعالى : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَلَا الْمُسِيءُ قَلِيلاً ما تَتَذَكَّرُونَ) فالمراد بالأول : التفاوت بين العالم والجاهل والمراد بالثاني : التفاوت بين الآتي بالأعمال الصالحة وبين الآتي بالأعمال السيئة الباطلة ، ثم قال : (قَلِيلاً ما تَتَذَكَّرُونَ) يعني أنهم وإن كانوا (يعلمون) أن العلم خير من الجهل ، وأن العمل الصالح خير من العمل الفاسد إلا أنه قليلا ما يتذكرون. فبين في النوع الأول المعنى من الاعتقاد أنه علم أو جهل ، وفي النوع الثاني المعنى من العمل أنه عمل صالح أو فاسد.

فصل

قوله : (وَالْبَصِيرُ)) اعلم أن التقابل يجيء على ثلاث طرق :

أحدها : أن يجاور المناسب ما يناسبه كهذه الآية.

والثانية : أن يتأخر المتقابلان كقوله تعالى : (مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ) [هود : ٢٤].

والثالثة : أن يقدم مقابل الأول ويؤخر مقابل الآخر كقوله تعالى : (وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ وَلَا الظُّلُماتُ وَلَا النُّورُ) [فاطر : ١٩ ـ ٢٠]. وكل ذلك تفنن في البلاغة (٢).

وقدم الأعمى في نفي التساوي لمجيئه بعد صفة الذم في قوله : (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ)(٣).

__________________

(١) زيادة للسياق وانظر تفسير الإمام الرازي ٢٧ / ٧٩.

(٢) وهو ما يسمى بالمقابلة كقوله عزّ من قائل أيضا : «فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيراً» وانظر بغية الإيضاح للسكاكي ٤ / ١٤ ، ١٦ والفوائد المشوق ١٤٧ ، ١٥١.

(٣) البحر المحيط ٧ / ٢٧٢.

٧٤

قوله : (وَلَا الْمُسِيءُ) لا زائدة للتوكيد ؛ لأنه لما طال الكلام بالصلة بعد تقسيم المؤمنين ، فأعاد معه «لا» توكيدا ، وإنما قدم المؤمنين لمجاورتهم (١).

قوله : (تَتَذَكَّرُونَ) قرأ الكوفيون بتاء الخطاب ، والباقون بياء الغيبة ، والخطاب على الالتفات للمذكورين بعد الإخبار عنهم. والغيبة نظرا لقوله : (إِنَّ الَّذِينَ يُجادِلُونَ) وهم الذين التفت إليهم في قراءة الخطاب (٢).

قوله تعالى : (إِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ)(٥٩)

قوله : (إِنَّ السَّاعَةَ) يعني القيامة (لَآتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ) والمراد بأكثر الناس الكفار الذين ينكرون البعث والقيامة لما قرر الدليل على إمكان وجود يوم القيامة أردفه بالإخبار عن وقوعها.

قوله تعالى : (وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ)(٦٠)

قوله تعالى : (وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ...) الآية لما بين أن القول بالقيامة حق وكان من المعلوم بالضرورة أن الإنسان لا ينتفع في يوم القيامة إلا بطاعة الله تعالى والتضرع إليه لا جرم كان الاشتغال بالطاعة من أهم المهمّات ، ولما كان أشرف أنواع الطاعات الدعاء والتضرع لا جرم أمر الله تعالى به فقال : (وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ).

واختلفوا في المراد بقوله «ادعوني» فقيل : المراد منه الأمر بالدعاء ، وقيل : الأمر بالعبادة بدليل قوله بعده : إنّ الّذين يستكبرون عن عبادتي» ، وأيضا الدعاء بمعنى العبادة كثير في القرآن كقوله : (إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِناثاً) [النساء : ١١٧]. وأجاب الأوّلون بأن هذ ترك للظاهر فلا يصار إليه إلا بدليل.

فإن قيل : كيف قال : (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) ، وقد يدعى كثيرا فلا يستجاب؟

وأجاب الكعبيّ بأن الدعاء إنما يصح بشرط ، ومن دعا كذلك يستجيب له ، وذلك الشرط هو أن يكون المطلوب بالدعاء مصلحة وحكمة.

ثم سأل نفسه فقال : إن الله تعالى يفعل ما هو الأصلح بغير دعاء فما الفائدة في الدعاء؟

وأجاب عنه بوجهين :

__________________

(١) المرجع السابق نفسه.

(٢) انظر حجة ابن خالويه ٣١٦ والسبعة ٢٧٥ وهي سبعية متواترة.

٧٥

الأول : أن فيه الفزع والانقطاع إلى الله تعالى.

الثاني : أن هذا أيضا وارد على الكل لأنه إن علم أنه يفعله فلا بدّ وأن يفعله ، فلا فائدة في الدعاء وإن علم أنه لا يفعله فإنه البتة لا يفعله ، فلا فائدة في الدعاء أيضا ، فكل ما يقولونه ههنا فهو جوابنا (١).

قال ابن الخطيب : وعندي وجه آخر وهو أنه قال : ادعوني أستجب لكم ، وكل من دعا الله وفي قلبه ذرّة من الاعتماد على ماله وجاهه وأصدقائه واجتهاده فهو في الحقيقة ما دعا الله إلا باللسان وأما القلب فإنه يعول في تحصيل ذلك المطلوب على غير الله ، فهذا اللسان ما دعا ربه ، أما إذا دعا في وقت لا يكون القلب فيه ملتفتا إلى غير الله فالظاهر أن يستجاب له (٢).

قوله : (إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ) وهذا إحسان عظيم من الله تعالى حيث ذكر الوعيد الشديد على ترك الدعاء. وروى أبو هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ «من لم يدع الله غضب الله عليه» (٣).

فإن قيل : إنه ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ قال حكاية عن ربه عزوجل : «من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السّائلين» (٤).

فهذا يقتضي أن ترك الدعاء أفضل ، وهذه الآية تدل على أن ترك الدعاء يوجب الوعيد الشديد فكيف الجمع بينهما؟

فالجواب : لا شك أن العقل إذا كان مستغرقا في الثناء كان ذلك أفضل في الدعاء لأن الدعاء طلب الجنة ، والاستغراق في معرفة جلال الله أفضل من طلب الجنة ، أما إذا لم يحصل الاستغراق كان الاشتغال بالدّعاء أولى ؛ لأن الدعاء يشتمل على معرفة الربوبية (٥) وذلّ العبودية.

قوله : «سيدخلون» قرأ ابن كثير وأبو جعفر «سيدخلون» بضم الياء وفتح الخاء ، والآخرون بفتح الياء وضم الخاء (٦) «داخرين» صاغرين ذليلين.

قوله تعالى : (اللهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ (٦١) (ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ

__________________

(١) أورده الرازي في تفسيره ٢٧ / ٨١.

(٢) ذكره في المرجع السابق.

(٣) أخرجه البغوي في تفسيره عن أبي صالح عن أبي هريرة. البغوي ٦ / ١٠١ ، كما ذكره الحافظ ابن كثير في تفسيره عن مرّة عن أبي صالح عن أبي هريرة. ابن كثير في تفسيره القرآن العظيم ٤ / ٨٥.

(٤) الرازي ٢٧ / ٨١.

(٥) المرجع السابق.

(٦) من الأربع فوق العشر المتواترة انظرها في الإتحاف ٣٧٩ ، والوجهان عن أبي بكر عن طريق يحيى بن آدم.

٧٦

خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (٦٢) كَذلِكَ يُؤْفَكُ الَّذِينَ كانُوا بِآياتِ اللهِ يَجْحَدُونَ (٦٣) اللهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَراراً وَالسَّماءَ بِناءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ فَتَبارَكَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ (٦٤) هُوَ الْحَيُّ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ)(٦٥)

قوله تعالى : (اللهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ) اعلم أن تعلقه بما قبله من وجهين :

الأول : كأنه تعالى قال : إني أنعمت عليك قبل طلبك هذه النعم العظيمة ، ومن أنعم عليك قبل السؤال بهذه النعم العالية فكيف لا ينعم بالأشياء القليلة بعد السؤال؟!.

والثاني : أنه تعالى لما أمر بالدعاء فكأنه قيل : الاشتغال بالدعاء لا بد وأن يكون مسبوقا بحصول المعرفة فما الدليل على وجود الإله القدر؟ فذكر تعالى هذه الدلائل العشرة على وجوده وقدرته وحكمته ، وقد تقدم ذكر الدلائل الدالة على وجود الله وقدرته وهي إما فلكيّة ، وإما عنصريّة وأن الفلكيات أقسام كثيرة ، أحدها الليل والنهار ، وأن أكثر مصالح العالم مربوطة بهما فذكرهما الله تعالى ههنا ، وبين أن الحكمة في خلق الليل حصول الراحة بالنوم والسكون ، والحكمة في خلق النهار إبصار الأشياء ؛ ليمكن التصرف فيها على الوجه الأنفع.

فإن قيل : هلّا قيل بحسب رعاية النظم هو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار لتبصروا فيه أو يقال : جعل لكم الليل ساكنا والنهار مبصرا ولكنه لم يقل ذلك ، فما الفائدة؟ وما الحكمة في تقدم ذكر الليل؟ (١).

فالجواب عن الأول : هو أن الليل والنوم في الحقيقة طبيعة عدميّة فهو غير مقصود بالذات ، وأما اليقظة فأمور وجودية ، وهي مقصودة بالذات. وقد بيّن الشيخ عبد القاهر النّحويّ في دلائل الإعجاز (٢) أن دلالة صيغة الاسم على الكمال والتمام أقوى من دلالة صيغة الفعل عليها فهذا هو السبب في الفرق.

وأما الجواب عن الثاني : فهو أن الظلمة طبيعة عدميّة ، والنور طبيعة وجودية ، والعدم في المحدثات مقدّم على الوجود ؛ فلهذا السبب قال فى أول سورة الأنعام : (وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ) [الأنعام : ١].

ثم قال تعالى : (إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ) والمعنى أن فضل الله تعالى على الخلق كثير جدا ، ولكنهم لا يشكرونه.

__________________

(١) تفسير الرازي ٣٧ / ٨٢ ، ٨٣.

(٢) دلائل الإعجاز له ١٢١ ، ١٢٢ بالمعنى.

٧٧

واعلم أن ترك الشكر لوجوه :

الأول : أن يعتقد الرجل أنّ هذه النعم ليست من الله ، مثل أن يعتقد أن هذه الأفلاك واجبة الوجود لذواتها ، واجبة الدوران (لذواتها) فيعتقد أن هذه النعم منها.

الثاني : أن يعتقد أن كلّ هذا العالم إنما حصل بتخليق الله وتكوينه إلا أن نعمة تعاقب الليل والنهار لما دامت واستمرت نسيها الإنسان ، فإذا ابتلي الإنسان بفقدان شيء منها عرف قدرها مثل أن يحبس في بئر عميق مظلمة مدّة مديدة ، فحينئذ يعرف ذلك الإنسان قدر نعمة الهواء الصافي وقدر نعمة الضوء ، وقد كان بعض الملوك يعذب بعض خدمه بأن يأمر أقواما يمنعونه من النوم وعن الاستناد إلى الجدار.

والثالث : أن الإنسان وإن كان عارفا بهذه النعم إلا أنه يكون حريصا على الدنيا ، محبّا المال والجاه ، فإذا فاته المال الكثير والجاه العريض وقع في كفران هذه النعم العظيمة ، ولما كان أكثر الخلق واقعون في أحد هذه الأودية الثلاثة لا جرم قال تعالى : (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ). ونظيره قوله تعالى : (وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ) [سبأ : ١٣] وقول إبليس : (وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ)(١).

ولما بين الله تعالى بتلك الدلائل المذكورة وجود الإله القادر قال : (ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ). قال الزمخشري : ذلكم المعلوم المتميز بالأفعال الخاصة التي لا يشاركه فيها أحد هو الله ربّكم ، خالق كل شيء (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) أخبار مترادفة أي هو الجامع لهذه الأوصاف من الإلهية والربوبية وخلق كل شيء وأنه لا ثاني له (٢). (فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ) أي فأنى تصرفون أي ولم تعدلون عن هذه الدلائل وتكذبون بها (٣)؟.

قوله : (خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) العامة على الرفع ، وزيد بن عليّ بالنصب (٤). قال الزّمخشريّ : «على الاختصاص» (٥). وقرأ طلحة يؤفكون بياء (٦) الغيبة. وقوله : «و (كَذلِكَ يُؤْفَكُ) أي مثل ذلك الإفك بمعنى (٧) كما أفكتم عن الحق مع قيام الأدلة كذلك يؤفك الّذين كانوا بآيات الله يجحدون يعني كلّ من (٨) جحد بآيات الله ولم يتأملها ولم يكن فيه عزم طلب الحقّ وخوف العاقبة أفك كما أفكوا.

__________________

(١) ١٧ من الأعراف. وانظر في هذا التفسير : الإمام الرازي ٢٧ / ٨٢ مع تغيير طفيف في العبارة.

(٢) ذكره جار الله الزمخشري في الكشاف ٣ / ٤٣٤.

(٣) ذكره الرازي في تفسيره ٢٧ / ٨٣.

(٤) من القراءة الشاذة غير المتواترة انظرها في الكشاف ٣ / ٤٣٤ والبحر المحيط ٧ / ٤٧٣.

(٥) الكشاف المرجع السابق.

(٦) انظر الكشاف والبحر المرجعين السابقين وذكر هذه القراءة أيضا هي وسابقتها السّمين في الدر ٤ / ٧٠٦.

(٧) قاله البغوي في معالم التنزيل ٦ / ١٠١ ، ١٠٢.

(٨) نقله الرازي في المرجع السابق.

٧٨

قوله تعالى : (اللهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَراراً ...) لما تقدم أن دلائل وجود الله تعالى وقدرته إما أن يكون من دلائل الآفاق وهي غير الإنسان وهي أقسام ، وذكر منها أحوال الليل والنهار كما تقدم ، وذكر منها أيضا ههنا الأرض والسماء فقال : (اللهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَراراً) قال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قرارا أي منزلا في حال الحرارة وبعد الممات والسماء بناء أي قائما ثابتا وإلا وقعت علينا. وقيل (١) : سقفا كالقبّة ، ثم ذكر دلائل الأنفس ، وهي دلالة أحوال بدن الإنسان على وجود الصانع القادر الحكيم ، وهو قوله : (صَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ). قوله : (فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ) قرأ أبو رزين والأعمش صوركم بكسر (٢) الصاد فرارا من الضمة قبل الواو. وقرأت فرقة بضم الصاد وسكون الواو ، وجعلوه اسم جنس لصورة ، كبسر وبسرة (٣).

فصل

قال مقاتل : خلقكم فأحسن خلقكم. قال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ خلق ابن آدم قائما معتدلا يأكل ويتناول بيده ، وغير ابن آدم يتناول بفيه. (وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ) ، قيل : من غير (٤) رزق الدوابّ. ثم قال : (ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ فَتَبارَكَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ) ، ومعنى تبارك إمّا الدوام والتبيان وإما كثرة الخيرات. ثم قال : (هُوَ الْحَيُّ) وهذا يفيد الحصر ؛ ولأن لا حيّ إلا هو. ثم نبّه على الواحدانية فقال : لا إله إلا هو ثم أمر العباد بالإخلاص في الدعاء فقال : (فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ). ثم قال : (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ).

والمراد أنه لما كان موصوفا بصفات الجلال والعزة استحق لذاته أن يقال له : الحمد لله رب العالمين (٥) وقال الفراء هو خبر ، وفيه إضمار الأمر ومجازه فادعوه واحمدوه (٦). وروى مجاهد عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ من قال : لا إله إلا الله فليقل على أثرها : الحمد لله رب العالمين ، فذلك قوله : فادعوه مخلصين له الدين الحمد لله رب العالمين (٧).

قوله تعالى : (قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَمَّا جاءَنِي الْبَيِّناتُ مِنْ رَبِّي وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ (٦٦) هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخاً وَمِنْكُمْ

__________________

(١) ذكر هذه الآراء الرازي والبغوي في مرجعيهما السابقين.

(٢) من الشواذ غير المتواترات رواها أبو حيان في البحر ٧ / ٤٦٣ ، ومختصر ابن خالويه ١٣٢.

(٣) شاذة أيضا وذكرها أبو حيان في مرجعه السابق والسمين في الدر ٤ / ٧٠٦.

(٤) وانظر البغوي ٦ / ١٠٢.

(٥) الرازي ٢٧ / ٨٤.

(٦) معاني الفراء ٣ / ١٢ ، ١١.

(٧) القرطبي ١٥ / ٣٢٩.

٧٩

مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلاً مُسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (٦٧) هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ فَإِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)(٦٨)

قوله تعالى : (قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) لما أورد على المشركين تلك الأدلة الدالة على إثبات إله العالم أمره بهذا القول ؛ ليصرفهم عن عبادة الأوثان ، وبين وجه النهي في ذلك وهو ما جاءه من البينات ، وهو ما تقدم من الدلائل على أن إله العالم قد ثبت كونه موصوفا بصفات الجلال والعظمة على ما تقدم وصريح العقل يشهد بأن العبادة لا تليق إلا به ، والأحجار المنحوتة والأخشاب المصوّرة لا تصلح أن تكون شريكا له فقال : وأمرت أن أسلم لرب العالمين ، وذلك حين دعي إلى الكفر (١).

قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ...) لما استدل على إثبات الإلهية بدليل الآفاق وذكر منها الليل والنهار والأرض والسماء ، ثم ذكر الدليل على إثبات الإله القادر بخلق الأنفس وهو نوعان : أحدهما : حسن العودة ورزق الطيّبات ؛ ذكر النوع الثاني وهو : تكوين البدن من ابتداء كونه نطفة وجنينا إلى آخر الشّيخوخة والموت فقال : (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ) ، قيل : المراد آدم (٢). قال ابن الخطيب : وعندي لا حاجة إلى ذلك لأن كل إنسان فهو مخلوق من المني ومن دم الطّمث والمني مخلوق من دم فالإنسان مخلوق من الدّم ، والدم إنما يتولد من الأغذية والأغذية إما حيوانية وإما نباتية ، والحال في ذلك الحيوان كالحال في تكوين الإنسان فكانت الأغذية كلها منتهية إلى النبات والنبات إنما يكون من التراب والماء فثبت أن كل إنسان متكوّن من التراب ، ثم إن ذلك التراب يصير نطفة ثم علقة ، ثم بعد كونه علقة مراتب إلى أن ينفصل من بطن الأم. والله تعالى ترك ذكرها ههنا لأنه ذكرها في آيات أخر ، قال : (ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً) أي أطفالا (ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ)(٣). (قال الزمخشري (٤) : قوله : لتبلغوا أشدّكم) متعلق بفعل محذوف ، تقديره ثم يبعثكم لتبلغوا أشدّكم (٥) ، (ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخاً وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ) أي : أن يصير شيخا ، أو من قبل هذه الأحوال إذا خرج سقطا ثم قال : (وَلِتَبْلُغُوا أَجَلاً مُسَمًّى) أي ولتبلغوا جميعا (أَجَلاً مُسَمًّى) وقتا محدودا لا تجاوزونه وهو وقت الموت. وقيل : يوم القيامة ، (لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) أي لكي تعقلوا توحيد ربكم وقدرته وتستدلوا بهذه الأحوال العجيبة على وحدانية الله تعالى (٦).

__________________

(١) بالمعنى من الرازي المرجع السابق.

(٢) ذكره الرازي في تفسيره ٢٧ / ٨٥.

(٣) ذكره في تفسيره المرجع السابق.

(٤) ما بين القوسين سقط من ب.

(٥) قال : «لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ، متعلق بفعل محذوف تقديره ثم يبقيكم لتبلغوا وكذلك لتكونوا. وأما «وَلِتَبْلُغُوا أَجَلاً مُسَمًّى» فمعناه ونفعل ذلك لتبلغوا أجلا مسمى وهو وقت الموت» الكشاف ٣ / ٤٣٦.

(٦) السابق وانظر البغوي ٦ / ١٠٢.

٨٠