اللّباب في علوم الكتاب - ج ١٧

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي

اللّباب في علوم الكتاب - ج ١٧

المؤلف:

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي


المحقق: عادل أحمد عبد الموجود و علي محمّد معوّض
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-2298-3

الصفحات: ٥٨٤

وَلكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ ما يَشاءُ إِنَّهُ بِعِبادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ (٢٧) وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ ما قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ)(٢٨)

قوله : (وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ) (مبتدأ ، و «حجتهم» (١)) مبتدأ ثان و (داحضة) خبر الثاني ، والثاني وخبره خبر الأول (٢). وأعرب مكيّ : حجتهم بدلا من الموصول بدل اشتمال (٣).

والهاء في «له» تعود على الله تعالى ، أو على الرسول ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ أي من بعد ما استجاب الناس لله أو من بعد ما استجاب الله لرسوله حين دعا على قومه (٤). وقال ابن الخطيب : يعود على «الدين» أي من بعد ما استجاب النّاس لذلك الدين (٥).

فصل

المعنى والذين يخاصمون في دين الله نبيّه. وقال قتادة : هم اليهود ، قالوا كتابنا قبل كتابكم ونبينا قبل نبيكم ، فنحن خير منكم ، فهذه خصومتهم من بعد ما استجاب له الناس ، فأسلموا ودخلوا في دينه لظهور معجزته (حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ) خصومتهم باطلة (عِنْدَ رَبِّهِمْ)(٦) قال ابن الخطيب : تلك المخاصمة هي أن اليهود قالوا : ألستم تقولون إن الأخذ بالمتفق عليه أولى بالأخذ من المختلف فيه فنبوة موسى ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ وحقيقة (٧) التوراة معلومة بالاتفاق ، ونبوة محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ليست متفقا عليها فوجب الأخذ باليهودية ، فبين تعالى فساد هذه الحجة ، وذلك لأن اليهود أجمعوا على أنه إنما وجب الإيمان بموسى ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ لأجل ظهور المعجزات على قوله وهاهنا ظهرت (٨) المعجزات على وفق قول محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ، واليهود شاهدوا تلك المعجزات ، فإن كان ظهور المعجزة يدل على الصدق فهاهنا يجب الاعتراف بنبوة محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وإن كان لا يدل على الصدق وجب في حق موسى أن لا يقروا بنبوته بظهور المعجزات ؛ لأنه يكون متناقضا (٩) ، ولما قرر (الله تعالى) هذه الدلائل خوف المنكرين بعذاب القيامة فقال : (وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ) في الآخرة.

قوله تعالى : (اللهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزانَ) قال قتادة ومجاهد ومقاتل : سمي العدل ميزانا ؛ لأن الميزان آلة للإنصاف والتسوية. قال ابن عباس ـ (رضي الله عنهما) (١٠) ـ أمر الله تعالى بالوفاء ونهى عن البخس (١١).

__________________

(١) ما بين القوسين سقط من أبسبب انتقال النظر.

(٢) قال السمين في الدر ٤ / ٣٥٠.

(٣) قال : رفع على البدل من «الذين» وهو بدل الاشتمال و «داحضة» الخبر مشكل إعراب القرآن ٢ / ٢٧٦.

(٤) انظر الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ١٦ / ١٤.

(٥) الرازي ٢٧ / ١٥٩.

(٦) البغوي ٦ / ١١٩.

(٧) في تفسيره : وحقية.

(٨) في ب ظهر وما في أموافق لما في الرازي.

(٩) انظر الرازي ٢٧ / ١٥٩.

(١٠) زيادة من أ.

(١١) في ب الفحش وما هنا في أموافق لما في البغوي ٦ / ١٢٠.

١٨١

ومعنى الآية أنه تعالى أنزل الكتاب المشتمل على الدلائل والبيّنات (١) وأنزل الميزان وهو الفصل الذي هو القسطاس المستقيم وأنهم لا يعلمون أن القيامة حق (٢) يفاجئهم ، ومتى كان الأمر كذلك وجب على العاقل أن يجتهد (٣) في النظر والاستدلال ، ويترك طريقة أهل الجهل والتقليد. ولما كان الرسول ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ يهددهم يوم القيامة ولم يروا لذلك أثرا قالوا على سبيل السخرية متى تقوم الساعة؟ وليتها قامت حتى يظهر لنا الحقّ أهو الذي نحن عليه أم الذي عليه محمد وأصحابه (٤)؟!.

قوله : (لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ) إنما ذكر «قريب» وإن كان صفة لمؤنث لأن الساعة في معنى الوقت أو البعث أو على معنى النّسب أي ذات قرب (٥) ، أو على حذف مضاف ، أي مجيء الساعة (٦). وقيل للفرق بينها وبين قرابة النسب (٧). وقيل : لأن تأنيثها مجازي نقله مكي (٨). وليس بشيء ؛ إذ لا يجوز : الشمس طالع ، ولا القدر فائر ، وجملة الترجي أو الإشفاق معلّقة للدراية. وتقدم مثله آخر الأنبياء (٩).

فصل

قال مقاتل : ذكر النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ الساعة وعنده قوم من المشركين فقالوا مستهزءين : متى تكون الساعة؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية : (يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِها) ظنا منهم أنهم غير آتية (وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ) خائفون (مِنْها وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ) أي أنها آتية لا ريب فيها ، ثم قال : (أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمارُونَ) يخاصمون. وقيل : يدخلهم المرية والشك (١٠) في «وقوع الساعة» لفي ضلال بعيد ؛ لأن استيفاء (١١) حقّ المظلوم من الظالم واجب في العدل فلو لم تحصل القيامة لزم إسناد الظلم إلى الله عزوجل ، وهذا من أمحل المحالات ، فلا جرم كان إنكار القيامة ضلالا بعيدا.

قوله تعالى : (اللهُ لَطِيفٌ بِعِبادِهِ) قال ابن عباس ـ (رضي الله عنهما) ـ : حفيّ

__________________

(١) في ب البيانات جمع بيان وما في أهنا موافق لما في الرازي بينات جمع بينة.

(٢) في الرازي : متى تفاجئهم.

(٣) وفيه : أن يجدّ ويجتهد.

(٤) وانظر الرازي ٢٧ / ١٥٩.

(٥) ذكر هذه الأوجه ابن الأنباري في البيان ٢ / ٣٤٦ ومكي في المشكل ٢ / ٢٧٧ ، وانظر التبيان ١١٣٢.

(٦) ذكره الزمخشري في كشافه ٣ / ٤٩٥ والسمين في الدر ٤ / ٧٥٠.

(٧) في النسختين قراءة النسب وهو تصحيف والأصح ما كتبته أعلى.

(٨) مشكل إعراب القرآن ٢ / ٢٧٦ والبيان ٢ / ٣٤٦ وقد قال بالتأنيث المجازي الزجاج في معاني القرآن وإعرابه ٤ / ٣٩٦ والقرطبي في الجامع ١٦ / ١٥.

(٩) من قوله : «وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ» [الأنبياء : ١١١]. وانظر اللباب ٦ / ٣٥٣ ب ميكروفيلم.

(١٠) انظر البغوي والخازن ٦ / ١٢٠.

(١١) هذا قول الرازي في تفسيره ٢٧ / ١٦٠.

١٨٢

بهم. وقال عكرمة : بارّ بهم. وقال السديّ : رفيق بهم. وقال مقاتل : لطيف بالبر والفاجر حيث لم يهلكهم جوعا بمعاصيهم بدليل قوله : (يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ) وكل من رزقه الله من مؤمن وكافر وذي روح فهو ممّن يشاء الله أن يرزقه.

قال جعفر الصادق : اللطيف في الرزق من وجهين :

أحدهما : أنه جعل رزقك من الطيبات.

الثاني : أنه لم يدفعه إليك مرة واحدة (١).

و (هُوَ الْقَوِيُّ) القادر على ما يشاء «العزيز» الذي لا يغالب.

فصل

إنما حسن ذكر هذا الكلام هاهنا ؛ لأنه أنزل عليهم الكتاب المشتمل على هذه الدلائل اللطيفة ، فكان ذلك من لطف الله (تعالى) (٢) بعباده ، وأيضا فالمتفرقون استوجبوا العذاب الشديد. ثم إنه تعالى أخر عنهم ذلك العذاب فكان ذلك أيضا من لطف الله تعالى ، فلما سبق ذكر إيصال أعظم المنافع إليهم (و) (٣) دفع أعظم المضارّ عنهم لا جرم حسن ذكره هاهنا (٤).

قوله : (مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ ...) الآية الحرث في اللغة الكسب ، أي من كان يريد بعمله الآخرة نزد له في حرثه بالتضعيف بالواحد عشرة إلى ما شاء الله من الزيادة. قاله مقاتل (٥). وقيل : معناه إنا نزيد في توفيقه وإعانته وتسهيل سبيل الخيرات والطاعات عليه (٦).

وقال الزمخشري : إنه تعالى سمّى ما يعمله العامل مما يطلب به الفائدة حرثا على سبيل المجاز(٧). واعلم أنه قد تقدم أن كون الشرط ماضيا والجزاء مضارعا مجزوما لا يختص مجيئه بكان خلافا لأبي الحكم (٨) مصنّف كتاب الإعراب فإنه قال : لا يجوز ذلك إلا مع «كان» إلا في ضرورة شعر. وأطلق النحويون جواز ذلك وأنشدوا بيت الفرزدق :

__________________

(١) البغوي والخازن في تفسيريهما السابقين.

(٢) زيادة من أ.

(٣) زيادة من أأيضا.

(٤) قاله الرازي في تفسيره ٢٧ / ١٦٠.

(٥) قاله البغوي في معالم التنزيل ٦ / ١٢٠.

(٦) نقله الرازي في المرجع السابق.

(٧) نقل الكشاف ٣ / ٤٦٥ قال : سمي ما يعمله العامل مما ينبغي به الفائدة والزكاء حرثا ، على المجاز.

(٨) نقل المؤلف هذا عن السمين عن أبي حيان في البحر قوله : «ولا نعلم خلافا في الجزم فإنه فصيح مختار إلا ما ذكره صاحب كتاب الإعراب وهو أبو الحكم بن عذرة عن بعض النحويين أنه لا يجيء في الكلام الفصيح وإنما يجيء مع كان ؛ لأنها أصل الأفعال ولا يجيء مع غيرها من الأفعال. انظر البحر ٧ / ٥١٤ ، والدر المصون ٤ / ٧٥١.

١٨٣

٤٣٧٨ ـ دسّت رسولا بأنّ القوم إن قدروا

عليك يشفوا صدورا ذات توغير (١)

وقوله أيضا :

٤٣٧٩ ـ تعشّ فإن عاهدتني لا تخونني

نكن مثل من يا ذئب يصطحبان (٢)

وقرأ ابن مقسم والزّعفرانيّ ومحبوب : يزد ويؤته (٣) بالياء من تحت ، أي الله تعالى.

وقرأ سلام يؤته ـ بضم هاء الكناية (٤) ـ وهو الأصل ، وهو لغة الحجاز وتقدم خلاف القراء في ذلك.

فصل

قال قتادة : معنى قوله : ومن كان يريد (حرث) (٥) الدنيا أي يريد جملة حرث الدّنيا نؤته منها أي نؤته بقدر ما قسم له كما قال : (عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ) [الإسراء : ١٨] وما له في الآخرة من نصيب ؛ لأنه لم يعمل للآخرة قال ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ : «بشّر هذه الأمّة بالسناء والرّفعة والنّصر والتّمكين في الأرض ، فمن عمل منهم عمل الآخرة للدّنيا لم يكن له في الآخرة نصيب» (٦). واعلم أنه تعالى قال في طلب الآخرة (إنه) (٧) يزيد له في حرثه ولم يذكر أنه يعطيه الدنيا أم لا بل سكت عنه نفيا وإثباتا.

وأما طالب (٨) الدنيا فبين أنه لا يعطيه شيئا من نصيب الآخرة على التنصيص ، وهذا يدل على التفاوت العظيم كأنه يقول : الآخرة أصل والدنيا تبع فواجد الأصل يكون واجدا للتّبع بقدر الحاجة ، إلا أنه لم يذكر ذلك تنبيها على أن الدّنيا أحسن من أن يقرن ذكرها بذكر الآخرة. وأيضا بين أن طالب الآخرة يزاد في مطلوبه وطالب الدنيا يعطى بعض

__________________

(١) من بحر البسيط له. ودست : أرسلت في خفية. والتوغير : الإغراء بالحقد. وقد تقدم.

(٢) البيت من الطويل له أيضا وقد رواه في الكتاب : تعال فإن .. البيت.

على أن الرواية هذه التي أتى بها المؤلف هي المشهورة. والبيت فيه شاهدان : شاهد معنا وهو جزم «نكن» جوابا لشرط فعله ماض (فإن عاهدتني).

وشاهد آخر غير مراد هنا وهو استعمال من للتثنية. وانظر كتاب سيبويه ٢ / ٣١٦ ، والخصائص ٢ / ٤٢٢ وشرح ابن يعيش ٢ / ١٣٢ ، ٤ / ١٣ ، والأشموني ١ / ١٥٣ والهمع ١ / ٨٧ والبحر المحيط ٧ / ٥١٤ والدر المصون ٤ / ٧٥١ والمغني ٤٠٤ وشرح شواهده للسيوطي ٥٣٦ و ٧٢٩ والديوان ٢ / ٣٢٩.

(٣) من القراءة الشاذة ذكرها صاحب البحر ٧ / ٥١٤ ومحبوب هو محمد بن الحسن بن هلال بن محبوب أبو بكر محبوب البصري مولى قريش مشهور كبير ، روى القراءة عن شبل بن عباد ، وأبي عمرو بن العلاء وعنه خلف بن هشام وروح بن عبد المؤمن. انظر غاية النهاية ٢ / ١٢٣.

(٤) المحتسب لأبي الفتح ٢ / ٢٤٩ وهي كسابقتها شذوذا.

(٥) سقط من أالأصل.

(٦) أخرجه الإمام أحمد في مسنده عن أبي بن كعب ٥ / ١٣٤.

(٧) زيادة من أ.

(٨) في ب طلب.

١٨٤

مطلوبه ولا يحصل له في الآخرة من نصيب البتة فبين أن طالب الآخرة يكون حاله أبدا في التزايد ، وأن طالب الدنيا يكون حاله في النقصان والباطلان في الآخرة ، وذلك يدل على تفضيل طلب الآخرة.

وأيضا فإنه تعالى بين أن منافع الآخرة ومنافع الدنيا ليست حاضرة ناجزة ، بل لا بدّ فيهما(١) من الحرث والحرث لا يتأتى إلا بتحمل المشاق (في البذر ثم التسقية (٢) والتنمية ثم الحصد ثم التنقية فلما سمى الله كلا القسمين حرثا علمنا أن كل واحد منهما لا يحصل) والمتاعب. ثم بين أنّ مصير الآخرة إلى الزيادة والكمال وأن مصير الدنيا إلى النّقصان والعناء ، فكأنه قيل : إذا كان لا بد في القسمين من متاعب الحراثة من التبقية والتنمية (٣) والحصد (٤) والتّنقية فصرف هذه المتاعب إلى ما يكون في التزايد الباقي أولى من صرفها إلى ما يكون في التناقص والانقضاء.

فصل

قال ابن الخطيب : فإن قيل : ظاهر اللفظ يدل على أن من صلّى لأجل طلب الثواب أو لأجل دفع العقاب فإنه تصح صلاته ، وأجمعوا على أنها لا تصح.

فالجواب : أنه تعالى قال : من كان يريد حرث الآخرة ، والحرث لا يتأتّى إلا بإلقاء البذر الصّحيح في الأرض ، والبذر الصحيح الجامع للخيرات والسعادات ليس إلا عبودية الله سبحانه وتعالى (٥).

فصل

إذا توضأ بغير نية ، لم يصح ، لأنه لم يرد حرث الآخرة ، وذلك لا يحصل بالوضوء العاري عن النية.

قوله تعالى : (أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ ...) الآية. لما بين القانون الأعظم في أعمال الآخرة والدنيا أردفه ببيان ما هو الأصل في باب الضّلالة والسعادة (٦) فقال : (أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ شَرَعُوا لَهُمْ) ومعنى الهمزة في «أم» التقرير والتقريع. والضمير في «شرعوا» (٧) يجوز أن يكون عائدا على «الشركاء» ، والضمير في «لهم» على الكفار ، ويجوز العكس ؛ لأنهم جعلوا لهم أنصباء ، والمعنى شركاؤهم أي شياطينهم الذين زينوا لهم الشرك وإنكار البعث ، والعمل للدنيا. وقيل : شركاؤهم أوثانهم ، وإنما أضيفت إليهم ؛ لأنهم هم الذين اتّخذوها شركاء لله. ولما كانت سببا لضلالتهم جعلت شارعة

__________________

(١) في ب منها.

(٢) ما بين القوسين ساقط من أالأصل.

(٣) في الرازي التسمية.

(٤) في ب ثم الحصد.

(٥) انظر الرازي ٢٧ / ١٦٢.

(٦) في ب الشقاوة وهو الأصح.

(٧) في ب عن وانظر الرازي السابق وانظر الكشاف ٣ / ٤٦٦ والبحر ٧ / ٥١٥.

١٨٥

لدين ضلالتهم لهم كما قال إبراهيم ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ : (رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ).

قال المفسرون : يعني كفار مكة أي (أ) (١) لهم آلهة سنوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله. قال ابن عباس ـ (رضي الله عنهما) (٢) ـ شرعوا لهم دينا غير دين الإسلام (٣).

قوله : (وَلَوْ لا كَلِمَةُ الْفَصْلِ) أي لولا القضاء السابق بتأخير الجزاء أو لولا الوعد بأن الفصل يكون بينهم يوم القيامة (لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ) أي بين الكافرين والمؤمنين ، أو بين المشركين وشركائهم (٤).

قوله : (وَإِنَّ الظَّالِمِينَ) العامة بكسر «إن» على الاستئناف ومسلم بن جنوب (٥) والأعرج بفتحها (٦) عطفا على كلمة الفصل. وفصل بين المتعاطفين بجواب «لولا» ، تقديره : ولولا كلمة واستقرار الظالمين في العذاب لقضي بينهم في الدنيا (٧). وهو نظير قوله : (وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكانَ لِزاماً وَأَجَلٌ مُسَمًّى) [طه : ١٢٩]. ثم إنه تعالى ذكر أحوال أهل العقاب وأحوال أهل الثواب. أما الأول فهو قوله : (تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ) أي ترى المشركين يوم القيامة خائفين وجلين (مِمَّا كَسَبُوا) من السيئات ، (وَهُوَ واقِعٌ بِهِمْ) أي جزاء كسبهم واقع سواء أشفقوا أو لم يشفقوا.

وأما الثاني ـ وهو أحوال أهل الثواب ـ فهو قوله : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي رَوْضاتِ الْجَنَّاتِ) قال أبو حيان : اللغة الكثيرة تسكين واو «روضات» ، ولغة هذيل (٨) فتح الواو إجراء لها مجرى (٩) الصحيح نحو : جفنات (١٠). ولم يقرأ أحد فيما علمناه بلغتهم (١١). قال شهاب الدين : إن عنى لم يقرأ أحد بلغتهم في هذا الباب من حيث هو فليس كذلك ؛ لما تقدم في سورة النور أن الأعمش قرأ : «ثلاث عورات» ـ بفتح الواو ـ وإن عنى أنه لم يقرأ في روضات بخصوصها فقريب ، لكن ليس هو ظاهر عادته (١٢).

__________________

(١) الهمزة ساقطة من ب.

(٢) زيادة من أ.

(٣) انظر البغوي ٦ / ١٢٠ و ١٢١.

(٤) الرازي ٢٧ / ١٦٣.

(٥) كذا في النسختين جنوب والأصح جندب أبو عبد الله الهذليّ مولاهم المدني القاص ، تابعي مشهور عرض على عبد الله بن عياش ونافع وعنه ابنه وزيد بن أسلم ، وابن أبي ذئب ، وغيرهم مات سنة ١٣ ه‍. انظر الغاية ٢ / ٢٩٦.

(٦) انظر مختصر ابن خالويه ١٣٤ والكشاف ٢ / ٤٦٦.

(٧) بالمعنى من الكشاف ـ المرجع السابق ـ وباللفظ من الدر المصون ٤ / ٧٥٢.

(٨) هو هذيل بن مدركة كما قال أبو حيان في البحر ٧ / ٥١٥.

(٩) في البحر : إجراء للمعتلّ مجرى.

(١٠) في النسختين حصيات وفي البحر والسمين جفنات وهو المراد.

(١١) وانظر البحر ٧ / ٥١٥.

(١٢) الدر المصون ٤ / ٧٥٢ وهو بالمعنى منه.

١٨٦

فصل

اعلم أن روضة الجنة أطيب بقعة (١) فيها ، وفيه تنبيه على أن الفسّاق من أهل الصلاة كلهم من أهل الجنة ؛ لأنه خص الذين آمنوا وعملوا الصالحات بأنهم في روضات الجنّات ، وهي البقاع الشّريفة كالبقاع التي دون تلك الروضات ، لا بد وأن تكون مخصوصة بمن كانوا دون الذين آمنوا وعملوا الصالحات.

ثم قال : (لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ) وهذا يدل على أن تلك الأشياء حاضرة عنده مهيّأة (٢). والعندية مجاز و (عِنْدَ رَبِّهِمْ) يجوز أن يكون ظرفا «ليشاءون». قاله الحوفي (٣) ، أو للاستقرار العامل في «لهم» قاله الزمخشري (٤). ثم قال : (ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ) وهذا يدل على أنّ الجزاء المرتب على العمل إنما حصل بطريق الفضل من الله تعالى لا بطريق الوجوب والاستحقاق.

قوله تعالى : (ذلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللهُ عِبادَهُ) كقوله : (كَالَّذِي خاضُوا)(٥). وقد تقدم تحقيقه. وتقدمت القراءات في يبشّر (٦). وقرأ مجاهد وحميد بن قيس : يبشر ـ بضم الياء وسكون الباء وكسر الشين (٧) ـ من أبشر منقولا من بشر بالكسر لا من بشر بالفتح ؛ لأنه متعدّ والتشديد في «بشر» للتكثير لا للتعدية ، لأنه متعد بدونها (٨).

ونقل أبو حيان قراءة يبشر بفتح الياء وضم الشين عن حمزة والكسائي (٩) (أي) (١٠) من السّبعة ، ولم يذكر غيرهما من السبعة ، وقد وافقهما على ذلك ابن كثير وأبو عمرو (١١). و «ذلك» مبتدأ ، والموصول بعده خبره ، وعائده محذوف على التدريج

__________________

(١) في ب قطعة.

(٢) وانظر الرازي ٢٧ / ١٦٣.

(٣) نقله عنه أبو حيان في البحر ٧ / ٥١٥. وقد رفض الزمخشري هذا الرأي.

(٤) منصوب بالظرف لا بيشاؤون. الكشاف ٣ / ٤٦٦.

(٥) في حذف العائد كما سيقرره بعد والآية ٦٩ من التوبة.

(٦) ولا أعرف مقصوده بتقديم القراءة في يبشر هل هي في مريم ، أو الإسراء أو الحجر ، أو الكهف أو التوبة ، وقد وصلت إلى مريم من قوله : لتبشّر به المتّقين ٩٧ فاستنتجت الآتي : قرىء يبشر بفتح الياء وسكون الموحدة وضم الشين مخففة من بشر الثلاثي ونسبت لابن كثير وأبي عمرو وحمزة والكسائي ، والباقون بالتشديد للتكثير لا للتعدية ، وقد قرأ نافع وابن عامر بالتشديد في القرآن كله وافقهم الكسائيّ هنا في الشورى ، بالإضافة إلى ما ذكر من القراءات أعلى. وانظر السبعة ٢٠٥ و ٢٠٦ والإتحاف ٣٨٣ واللباب ميكروفيلم.

(٧) نقلها صاحب الكشاف ٣ / ٤٦٦ ، وابن جنّي في المحتسب ٢ / ٢٥١ ، والسمين في الدر المصون ٤ / ٧٥٢.

(٨) انظر المرجعين الأخيرين السابقين.

(٩) البحر المحيط ٧ / ٥١٥.

(١٠) زيادة من أفقط.

(١١) نقل ابن مجاهد ـ كما سبق من قليل ـ في السبعة ـ أن ابن كثير وأبا عمرو يوافقانهما في هذا الموضع فقط من الشورى وانظر السبعة ٢٠٥ و ٢٠٦.

١٨٧

المذكور كقوله (كَالَّذِي خاضُوا) أي يبشّر به (١) ، ثم يبشّره (٢) على الاتساع. وأما على رأي يونس (٣) فلا يحتاج إلى عائد ؛ لأنها عنده (٤) مصدرية وهو قول الفراء (٥) أيضا ، أي ذلك تبشير الله عباده. وذلك إشارة إلى ما أعده الله تعالى لهم من الكرامة. وقال الزمخشري (٦) : أو ذلك التبشير الذي يبشّره الله عباده. قال أبو حيان : وليس بظاهر ؛ إذ لم يتقدم في هذه السورة لفظ البشرى ولا ما يدل عليها من «بشّر» أو شبهه (٧).

فصل

هذه الآيات دالة على تعظيم حال الثواب من وجوه :

الأول : أن الملك (٨) الذي هو أعظم الموجودات وأكرمهم إذا رتب على أعمال شاقة جزاء ، دل ذلك على أن ذلك الجزاء قد بلغ إلى حيث لا يعلم كنهه إلّا الله تعالى.

الثاني : أن قوله تعالى : «و (لَهُمْ ما يَشاؤُنَ) يدخل في باب غير المتناهي ؛ لأنه لا درجة إلا والإنسان يريد ما هو أعلى منها.

الثالث : أنه تعالى قال : (ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ) والذي يحكم بكبره من له الكبرياء والعظمة على الإطلاق يكون في غاية الكبر (٩).

واعلم أنه تعالى لما أوحى إلى محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ هذا الكتاب الشريف ، وأودع فيه أقسام الدلائل والتكاليف ورتبه على الطاعة والثواب وأمره بتبليغه إلى الأمة أمره بأن يقول إني لا أطلب منكم بسبب هذا التبليغ نفعا حاضرا فقال : (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى). في هذا الاستثناء قولان :

أحدهما : أنه منقطع ؛ إذ ليست المودة من جنس الأجر (١٠).

__________________

(١) فحذف الياء من الضمير المجرور محلا.

(٢) ثم اتّصل بعد ذلك الضمير بالفعل مضموما هيئة ولكنه منصوب محلا ، وانظر البيان ٢ / ٣٤٧.

(٣) وهو يونس بن حبيب الذي نقل عنه سيبويه كثيرا أبو عبد الرحمن الضبيّ أخذ عن أبي عمرو ، وحمّاد ابن سلمة. انظر إنباه الرواة للقفطي.

(٤) نقله عنه السيوطي في همعه ١ / ٨٢ بينما قال الأخفش في المعاني ٦٨٦ : وجعل «الَّذِي يُبَشِّرُ» اسما للفعل كأنه تبشير ، كما قال : «اصدع بِما تُؤْمَرُ» أي اصدع بالأمر ولا يمكن أن تضمر فيها الباء وتحذفها لأنك لا تقول : كلم الذي مررت ، وأنت تريد به.

(٥) وهو المفهوم من عبارته في المعاني قال : «كخوضهم الذي خاضوه» المعاني ١ / ٤٤٦. وممن وافقهما من المتأخرين ابن مالك في التسهيل «٣٧» قال : «وقد تقع الذي مصدرية».

(٦) الكشاف ٣ / ٤٦٦.

(٧) البحر المحيط ٧ / ٥١٥ و ٥١٦.

(٨) في الرازي : السلطان.

(٩) انظر الرازي ٢٧ / ١٦٤.

(١٠) قال به أيضا غير الزمخشري الأخفش في المعاني ٦٨٦ ومكي في المشكل ٢ / ٢٧٧ وابن الأنباري في البيان ٢ / ٢٤٧.

١٨٨

والثاني : أنه متصل (١) ، أي لا أسألكم عليه أجرا إلا هذا وهو أن تودّوا أهل قرابتي ولم يكن هذا أجرا في الحقيقة ؛ لأن قرابته قرابتهم وكانت صلتهم لازمة لهم في المودة. قاله الزمخشري(٢).

وقال أيضا : فإن قلت : هلا قيل : إلّا مودّة القربى ، أو إلا المودة للقربى (٣)؟! قلت : جعلوا مكانا للمودة ومقرا لها ، كقولك : في آل فلان مودة (٤) وليست «في» صلة المودة ، كاللام إذا قلت : إلا المودة للقربى (٥) ، إنما هي متعلقة بمحذوف فتعلق الظرف به في قولك : المال في الكيس ، وتقديره : إلا المودة ثابتة في القربى ومتمكنة فيها (٦).

وقال أبو البقاء : وقيل : متصل ، أي لا أسألكم شيئا إلا المودة (٧).

قال شهاب الدين : وفي تأويله متصلا بما ذكر نظر ؛ لمجيئه بشيء الذي هو عام ، وما من استثناء منقطع إلا ويمكن تأويله بما ذكر ، ألا ترى إلى قولك : ما جاءني أحد إلا حمار ، أنه يصح ما جاءني شيء إلا حمارا (٨).

وقرأ زيد بن عليّ : «مودة» بدون ألف ولام (٩).

فصل

في الآية ثلاثة أقوال :

الأول : قال الشّعبيّ : أكثر الناس علينا في هذه الآية فكتبنا إلى ابن عباس نسأله عن ذلك ، فكتب ابن عباس أن رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ كان (١٠) وسط النسب من قريش ليس بطن من بطونهم إلا قد ولده ، وكان له فيهم قرابة ، فقال الله عزوجل (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً) على ما أدعوكم إليه إلا أن تؤثروني (١١) لقرابتي أي تصلوا ما بيني وبينكم من القرابة ، والمعنى أنكم قومي وأحق من أجابني وأطاعني ، فإذا قد أبيتم ذلك فاحفظوا حق

__________________

(١) وبه قال الزجاج في المعاني ٤ / ٣٩٨ وأبو البقاء في التبيان ١١٣٢ ناقلا له.

(٢) الكشاف ٣ / ٦.

(٣) وفيه : وما معنى قوله : إلا المودة في القربى؟ قلت ... الخ.

(٤) فيه : ولي فيهم هوى وحب شديد تريد : أحبهم وهم مكان حبّي ومحلّه.

(٥) في ب في القربى خطأ وتحريف.

(٦) الكشاف ٣ / ٤٦٦ ، واللفظ لفظ السمين ناقلا عنه ٤ / ٧٥٣.

(٧) التبيان لأبي البقاء العكبري ١١٣٢.

(٨) الدر المصون له ٤ / ٧٥٣ ، ٧٥٤ واعتراض السمين أن تقدير أبي البقاء يصح في المنقطع لا في المتصل لأنه أتى بلفظ عام وهو شيء.

(٩) عزاها صاحب شواذ القرآن (٢١٥) إلى عيسى الكوفي ، بينما نسبها أبو حيان إلى ما ذكر المؤلف البحر المحيط ٧ / ٥١٦ ، وهي من الشواذ غير المتواترة.

(١٠) في ب : في وسط وفي الرازي : واسط وفي السمين أوسط وكذا في القرطبي ١٦ / ٢١.

(١١) ما في المراجع تودّوني وكذا ب.

١٨٩

القربى وصلوا رحمي ، ولا تؤذوني (١). وإلى هذا ذهب مجاهد وقتادة وعكرمة ومقاتل والسدي والضّحّاك (٢).

الثاني : روى الكلبي عن ابن عباس ، قال : إن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ لما قدم المدينة كانت تنوبه(٣) نوائب وحقوق ، وليس في يده سعة فقالت (الأنصار) (٤) : إن هذا الرجل هداكم (٥) هو ابن أخيكم ، وأجاركم من بلدكم ، فاجمعوا له طائفة من أموالكم ، ففعلوا ثم أتوه بها ، فردها عليهمونزل قوله تعالى : (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) أي على الإيمان (إلا) (٦) أن لا تؤذوا أقاربي وعشيرتي ، وتحفظوني فيهم ، قاله سعيد بن جبير وعمرو بن شعيب(٧).

الثالث : قال الحسن : معناه إلا أن تودّوا الله وتتقربوا إليه بالطاعة والعمل الصالح ، ورواه ابن أبي نجيح عن مجاهد (٨).

فالقربى على القول الأول بالقرابة التي بمعنى الرّحم ، وعلى الثاني بمعنى الأقارب ، وعلى الثالث فعلى من القرب والتّقريب.

فإن قيل : طلب الأجر على تبليغ الوحي لا يجوز لوجوه :

أحدها : أنه تعالى حكى عن أكثر الأنبياء التصريح بنفي طلب الأجر ، فقال في قصة نوح ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ (وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ) [الشعراء : ١٠٩] .. الآية وكذا في قصة هود وصالح ولوط وشعيب ـ عليهم الصّلاة والسّلام ـ ورسولنا أفضل الأنبياء فبأن لا يطلب الأجر على النبوة والرسالة أولى.

وثانيها : أنه ـ عليه الصّلاة السّلام ـ صرّح بنفي طلب الأجر فقال : (قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ) [ص : ٨٦] وقال : (قُلْ ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ) [سبأ : ٤٧] .. الآية وطلب الأجر على أداء الواجب لا يليق بأقل الناس فضلا عن أعلم العلماء.

ورابعها : أن النبوة أفضل من الحكمة ، وقد قال تعالى : (وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً) [البقرة : ٢٦٩] ووصف الدنيا بأنها متاع قليل فقال : (قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ) [النساء : ٧٧] فكيف يحسن بالعاقل مقابلة أشرف الأنبياء بأخس (٩) الأشياء؟!

__________________

(١) الرازي ٢٧ / ١٦٤ والقرطبي المرجع السابق.

(٢) ذكره البغوي في تفسيره ٦ / ١٢١.

(٣) في الرازي تعروه.

(٤) سقط من أ.

(٥) في الرازي : هداكم الله على يده.

(٦) سقط من ب وفي الرازي : إلا أن تودّوا أقاربي. الرازي السابق.

(٧) نقله القرطبي في الجامع ١٦ / ٢١.

(٨) السابق ٢٦ / ٢٢ وانظر البغوي ٦ / ١٢١ والرازي السابق ٢٧ / ١٦٥.

(٩) في ب : أحسن تحريف.

١٩٠

وخامسها : أن طلب الأجر يوجب التهمة ، وذلك ينافي القطع بصحة النبوة. فثبت بهذه الوجوه أنه لا يجوز من النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أن يطلب أجرا ألبتة على التبليغ والرسالة ، وها هنا قد ذكر ما يجري مجرى طلب الأجر وهو المودة في القربى (هذا تقرير (١) السؤال).

فالجواب : أنه لا نزاع في أنه لا يجوز طلب الأجر على التبليغ ، وأما قوله : إلا المودة في القربى فالجواب عنه من وجهين :

الأول : أن هذا من باب قوله :

٤٣٨٠ ـ ولا عيب فيهم غير أنّ سيوفهم

بهنّ فلول من قراع الكتائب (٢)

يعني أنا لا أطلب منكم إلا هذا. وهذا في الحقيقة ليس أجرا ؛ لأن حصول المودة بين المسلمين أمر واجب ، قال تعالى : (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) [التوبة : ٧١] ، وقال ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ : المؤمنون كالبنيان يشدّ بعضه بعضا (٣) ، والآيات والأخبار في هذا كثيرة. وإذا (٤) كان حصول المودة بين المسلمين واجب فحصولها في حق أشرف المسلمين أولى ، فقوله : (إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) تقديره والمودة في القربى ليست أجرا ، فرجع الحاصل إلى أنه (٥) لا أجر ألبتة.

الثاني : إن هذا استثناء منقطع ، وتم الكلام عند قوله : (لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً) ، ثم قال : إلّا المودّة في القربى أي أذكركم قرابتي منكم فكأنه في اللفظ أجر وليس بأجر (٦).

فصل

اختلفوا في قرابته ، فقيل : هم فاطمة وعلي وأبناؤهما ، وفيهم نزل : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) [الأحزاب : ٣٣].

وروى زيد بن أرقم (٧) عن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أنه قال : «إنّي تارك فيكم الثّقلين كتاب الله تعالى وأهل بيتي وأذكّركم الله في أهل بيتي» (٨). قيل لزيد بن أرقم : فمن أهل بيته؟

__________________

(١) زيادة من الرازي.

(٢) للنابغة الذبياني من الطويل وقد أتى به شاهدا لما يسمى المدح بما يشبه الذم. وهذا البيت مشهور في الشواهد البلاغية معناه : إذا كان هذا عيبهم ، فليس فيهم عيب ، بل هو مدح فيهم.

انظر تفسير الخازن لباب التأويل ٦ / ١٢٢ وتفسير الرازي ٢٧ / ١٦٥ ، والمغني ١١٤ ، والهمع ١ / ٢٣٢.

(٣) رواه البخاري بلفظ المؤمن للمؤمن عن أبي موسى رضي الله عنه باب المظالم ٢ / ٦٧ وانظر أيضا مسند الإمام أحمد ٤ / ٤٠٤ و ٤٠٥ و ٤٠٩.

(٤) في ب : وإنه كان.

(٥) وفيها : أن لا.

(٦) انظر في هذين الوجهين الإمام الرازي ٢٧ / ١٦٥ ، والإمام الخازن ٦ / ١٢٢.

(٧) ابن زيد بن النعمان كان صحابيا مات سنة ٦٦. انظر خلاصة الكمال ١٢٦.

(٨) رواه الإمام أحمد في مسنده ٣ / ١٤ و ١٧ و ٢٦ و ٥٩ و ٤ / ٣٦٧ و ٣٧١ وقد روي الحديث : أنا تارك فيكم ثقلين.

١٩١

فقال : هم آل عليّ وآل عقيل وآل جعفر ، وآل عباس ـ رضي الله عنهم ـ وروى ابن عمر عن ابن بكر ـ رضي الله تعالى عنه ـ قال : ارقبوا محمدا ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ في أهل بيته. وقيل : هم الذين تحرم عليهم الصدقة من أقاربه ويقسم فيهم الخمس وهم بنو هاشم ، وبنو المطلب الذين لم يتفرقوا بجاهلية ولا إسلام. وقيل : هذه الآية منسوخة ، وإليه ذهب الضحاك بن مزاحم والحسين بن الفضل. قال البغوي وهذا قول (غير) (١) مرض ؛ لأن مودة النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وكف الأذى عنه ومودة أقاربه والتقرب إلى الله تعالى بالطاعة والعمل الصالح من فرائض الدين (٢).

قوله تعالى : (وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً) أي من يكتسب طاعة (نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً) العامة على «نزد» بالنون ، وزيد بن علي وعبد الوارث عن أبي عمرو ـ يزد ـ بالياء (٣) من تحت ـ أي يزد الله. والعامة «حسنا» بالتنوين مصدرا على «فعل» نحو : شكر وهو مفعول به ، وعبد الوارث ـ عن أبي عمرو ـ حسنى بألف التأنيث (٤) على وزن بشرى ، ورجعى ، وهو مفعول به أيضا. ويجوز أن يكون صفة كفضلى ، فيكون وصفا لمحذوف أي خصلة حسنى. قيل : نزلت هذه الآية في أبي بكر الصديق ـ رضي الله تعالى عنه ـ والظاهر العموم في أي حسنة كانت ، إلا أنها لما ذكرت عقيب المودة في القربى دل ذلك على أن المقصود التأكيد في تلك المودّة (٥).

ثمّ قال سبحانه وتعالى : (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ شَكُورٌ) : للقليل (حتى يضاعفها) (٦) والشكر في حق الله تعالى مجاز ، والمعنى أنه تعالى يحسن للمطيعين في إيصال الثواب إليهم ، وفي أن يزيد عليهم أنواعا كثيرة من التفضل.

قوله : (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً) اعلم أن الكلام ابتداء من أول هذه السورة في تقرير أن هذا الكتاب إنما حصل بوحي الله تعالى ، قال تعالى : (كَذلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ) واتصال الكلام في تقرير هذا المعنى وتعلق بعضه ببعض (حتى (٧) وصل) إلى هاهنا ، ثم حكى هاهنا شبهة القوم وهي قولهم : إن هذا ليس وحيا من الله تعالى فقال : (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً)(٨). قال الزمخشري : «أم» منقطعة ومعنى الهمزة للتوبيخ (٩) والمعنى : أيقع (١٠) في قلوبهم ويجري على ألسنتهم أن ينسبوا مثله على الافتراء على الله سبحانه وتعالى الذي هو أقبح الأنواع وأفحشها ، ثم أجاب عنه بأن قال :

__________________

(١) زيادة من البغوي.

(٢) وانظر هذه الأقوال في البغوي والخازن ٦ / ١٢٢.

(٣) ذكرها ابن خالويه في مختصره ١٣٤ وأبو حيان في البحر ٧ / ٥١٦ وهي شاذة غير متواترة.

(٤) لم ترو عن أبي عمرو في المتواتر ؛ انظر البحر المحيط ٧ / ٥١٦ ومختصر ابن خالويه ١٣٤.

(٥) ذكره الرازي ٢٧ / ١٦٧.

(٦) زيادة من البغوي ٦ / ١٢٢.

(٧) زيادة من الرازي.

(٨) المرجع السابق.

(٩) الكشاف ٣ / ٤٦٨.

(١٠) في ب ليقع. والتصحيح من الرازي.

١٩٢

(فَإِنْ يَشَإِ اللهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ) قال مجاهد : يربط على قلبك بالصبر حتى لا يشقّ عليك أذاهم وقولهم : إنه مفتر كذاب ، وقال قتادة : يعني يطبع على قلبك فينسيك (١) القرآن وما آتاك فأخبرهم أنه لو افترى على الله كذبا لفعل به ، وما أخبر في هذه الآية (٢) فإنه لا يجترىء على افتراء الكذب إلّا من كان في هذه الحالة والمقصود من هذا الكلام المبالغة في تقرير الاستبعاد ، ومثاله : أن ينسب رجل بعض الأمناء إلى الخيانة فيقول الأمين : لعل الله أعمى قلبي ، وهو لا يريد إثبات الخذلان ولا عمى القلب لنفسه وإنما يريد استبعاد صدق الله تعالى الخيانة عنه (٣).

قوله تعالى : (وَيَمْحُ اللهُ الْباطِلَ) هذا مستأنف غير داخل في جزاء الشرط ؛ لأنه تعالى يمحو الباطل مطلقا ، وسقطت الواو منه لفظا لالتقاء الساكنين في الدّرج ، وخطّا حملا للخطّ على اللفظ كما كتبوا : (سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ) [العلق : ١٨] عليه ، ولكن ينبغي أن لا يجوز الوقف على هذه الآية لأنه إن وقف عليه بالأصل ـ وهو الواو ـ خالفنا خط المصحف وإن وقف عليه بغيرها موافقا للرسم خالفنا الأصل (٤). وتقدّم بحث مثل هذا.

وقد منع مكيّ الوقف على نحو : (وَمَنْ تَقِ السَّيِّئاتِ) [غافر : ٩]. وقال الكسائي: فيه تقديم وتأخير مجازه والله يمح الباطل فهو في محل رفع ، ولكن حذفت منه الواو في المصحف حملا على اللفظ كما حذفت من قوله : (وَيَدْعُ الْإِنْسانُ) [الإسراء : ١١] (سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ) [العلق : ١٨].

فصل

أخبر تعالى أن ما يقولونه باطل يمحوه الله (وَيُحِقُّ الْحَقَّ) أي الإسلام بكلماته ، أي بما أنزل الله تعالى من كتاب ، وقد فعل الله ذلك فمحى باطلهم ، وأعلى كلمة الإسلام (إِنَّهُ(٥)عَلِيمٌ) بما في صدرك وصدورهم ، قال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ : لما نزلت (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) وقع في قلوب قوم منها شيء وقالوا : يريد أن يحثنا(٦) على أقاربه من بعده ، فنزل جبريل فأخبره أنهم اتهموه فأنزل الله هذه الآية فقال القوم يا رسول الله(٧) : (ف) (٨) إنا نشهد أنك صادق فنزل : (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ) قال ابن عباس : يريد أولياءه وأهل طاعته (٩). قال الزمخشري : يقال (١٠) : قبلت منه الشيء وقبلته عنه.

__________________

(١) انظر البغوي وفي ب فيسرك والتصحيح من البغوي.

(٢) انظر البغوي ٦ / ١٢٣.

(٣) الرازي ٢٧ / ١٦٧ و ١٦٨.

(٤) قاله شهاب الدين السمين في الدر المصون ٤ / ٧٥٥.

(٥) تصحيح من البغوي ٦ / ١٢٣ ، وفي ب يخشى.

(٦) زيادة من ب عن البغوي.

(٧) انظر البغوي ٦ / ١٢٣.

(٨) الكشاف ٣ / ٤٦٨.

١٩٣

فصل

قيل : التوبة بترك المعاصي نية وفعلا ، والإقبال على الطاعة نيّة وفعلا. وقال سهل ابن عبد الله : التوبة الانتقال من الأحوال المذمومة إلى الأحوال الممدوحة (١). وقيل : الندم على الماضي والترك في الحال والعزم على أن لا يعود إليه في المستقبل روى جابر أن أعرابيا دخل مسجد رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فقال : اللهم إني أستغفرك وأتوب إليك ، وكبّر ، فلما فرغ من صلاته ـ قال عليّ ـ رضي الله تعالى عنه : يا هذا إن سرعة اللسان بالاستغفار توبة الكذابين ، فقال يا أمير المؤمنين (وما) (٢) التوبة؟ فقال (٣) : اسم يقع على ستة أشياء على الماضي من الذنوب الندامة ، ولتضييع الفريضة الإعادة ورد المظالم وإدامة (٤) النفس في الطاعة كما ربيتها (٥) في المعصية ، وإذاقة النفس مرارة الطاعة كما أذقتها حلاوة المعصية ، والبكاء بدل كل ضحك ضحكته (٦).

قالت المعتزلة : يجب على الله قبول التوبة ، وقال أهل السنة : لا يجب على الله تعالى ، وكل ما يقبله فهو كرم وفضل ، واحتجوا بهذه الآية فقالوا : إنه تعالى تمدح بقبول التوبة ، ولو كان ذلك القبول واجبا لما حصل المدح (٧) العظيم ، ألا ترى أنه من مدح نفسه بأن لا يضرب الناس (٨) ظلما كان ذلك مدحا.

قوله : (وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ) إما أن يكون المراد منه أن يعفو عن الكبائر بعد التوبة ، أو المراد أن يعفو عن الصغائر أو المراد : أن يعفو عن الكبائر قبل التوبة (٩).

والأول باطل وإلا صار قوله : (وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ) عين قوله : (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ) والتكرار خلاف الأصل) (١٠).

والثاني أيضا باطل ؛ لأن ذلك واجب ، وأداء الواجب لا يمدح به فبقي القسم الثالث فيكون المعنى أنه تارة يعفو بواسطة قبول التوبة ، وتارة يعفو ابتداء من غير توبة (١١).

فصل

روى أنس ـ (رضي الله عنه) (١٢) ـ قال : قال رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : «لله أشدّ فرحا

__________________

(١) البغوي المرجع السابق.

(٢ و ٣) تكملتان من تفسير الرازي.

(٤) في الرازي : ولإذابة النفس.

(٥) في ب وأمهر. والتصحيح من الرازي.

(٦) وانظر تفسير الإمام الرازي ٢٧ / ١٦٨ ، والكشاف ٣ / ٤٦٨ و ٤٦٩.

(٧) في الرازي : التمدح.

(٨) وفيه : ولا يقتلهم غضبا ، والعبارة بتصرف من المؤلف في عبارة الرازي ٢٧ / ١٦٨.

(٩) السابق.

(١٠) ما بين القوسين سقط من ب.

(١١) الرازي المرجع السابق.

(١٢) سقط من ب.

١٩٤

بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه ، فأيس منها فأتى شجرة فاضطجع في ظلّها ، قد أيس من راحلته فبينا هو كذلك إذ هو بها قائمة عنده فأخذ بخطامها ثمّ قال من شدّة الفرح : اللهمّ أنت عبدي وأنا ربّك» أخطأ من شدّة الفرح.

قوله : (وَيَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ) قرأ الأخوان وحفص يفعلون بالياء من تحت ؛ نظرا إلى قوله: «من (عِبادِهِ) وقال بعده : (وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ) والباقون (١) بالخطاب إقبالا على الناس عامة ، وهو خطاب للمشركين.

قوله تعالى : (وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا) يجوز أن يكون الموصول فاعلا (٢) أي يجيبون ربهم إذا دعاهم كقوله تعالى : (اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ) [الأنفال : ٢٤] واستجاب كأجاب ، ومنه قوله الشاعر :

٤٣٨١ ـ وداع دعا يا من يجيب إلى النّدى

فلم يستجبه عند ذاك مجيب (٣)

ويجوز أن تكون السين للطلب على بابها بمعنى ويستدعي المؤمنون الإجابة من ربهم بالأعمال الصالحة (٤). ويجوز أن يكون الموصول مفعولا به والفاعل مضمر يعود على الله بمعنى : ويجيب الذين آمنوا أي دعاءهم. وقيل : ثمّ لام مقدرة أي ويستجيب الله للذين آمنوا (٥) ، (فحذفها ، للعلم بها (٦) ، كقوله : (وَإِذا كالُوهُمْ) [المطففين : ٣] قال عطاء عن ابن عباس معناه : ويثيب الذين آمنوا) (٧) وعملوا الصالحات (وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ) سوى ثواب أعمالهم تفضلا منه ، وروى أبو صالح عنه : يشفعهم ويزيدهم من فضله. (ثمّ) (٨) قال في إخوان إخوانهم(٩) : (وَالْكافِرُونَ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ).

قوله تعالى : (وَلَوْ بَسَطَ اللهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ ،) قال خبّاب بن الأرتّ : فينا نزلت هذه الآية ، وذلك أنا نظرنا إلى أموال بني قريظة والنّضير وبني قينقاع وتمنيناها فأنزل الله عزوجل (وَلَوْ بَسَطَ اللهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا) ، لطغوا في الأرض ، قال ابن عباس

__________________

(١) من القراءات المتواترة ، انظر السبعة ٥٨٠ ، والإتحاف ٣٨٣ ، ومعاني القرآن للفراء ٣ / ٢٣.

(٢) البحر المحيط ٧ / ٥١٧.

(٣) من تمام الطويل وهو لكعب بن سعد الغنوي من قطعة أوردها القالي في أماليه ٢ / ١٥١. وشاهده : أن أجاب واستجاب بمعنى واحد ، و «فلم يستجبه» بمعنى فلم يجبه. وانظر الأصمعيّات ٩٦ ، ومجاز القرآن ١ / ٦٧ و ٢ / ١٠٧ والاقتضاب ٣ / ٣٩٩ ، واللسان جوب ، والمسائل العسكرية للفارسي ١٥٥ ، والدر المصون ٤ / ٧٥٥.

(٤) نقله الفراء في المعاني ٣ / ٢٤.

(٥) قال بهذين الوجهين ابن الأنباري في البيان ١ / ٣٤٨.

(٦) الكشاف ٣ / ٤٦٩.

(٧) ما بين القوسين كله سقط من ب بسبب انتقال النظر.

(٨) زيادة من ب.

(٩) انظر البغوي ٦ / ١٢٤.

١٩٥

ـ (رضي الله عنهما) (١) ـ : بغيهم طلب (هم) (٢) منزلة بعد منزلة ، ومركبا بعد مركب وملبسا بعد ملبس ، ولكن ينزل أرزاقهم بقدر ما شاء نظرا منه لعباده (٣).

(قرأ ابن كثير (٤) وأبو عمرو ينزّل مشددة ، والباقون (٥) مخففة) إنّه بعباده خبير بصير. روى أنس بن مالك عن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ عن جبريل عن الله عزوجل في حديث طويل وفيه يقول الله عزوجل : «ما تردّدت في شيء أنا فاعله تردّدي في قبض روح عبدي المؤمن يكره الموت وأكره مساءته (٦) ولا بدّ له منه وإنّ من عبادى المؤمنين لمن يسألني الباب عن العبادة فأكفّه عنه (أن) (٧) لا يدخله عجب فيفسده ذلك وإنّ من عبادي المؤمنين لمن لا يصلح إيمانه إلّا الغنى ولو أفقرته لأفسده ذلك ، وإنّ منّ عبادي (المؤمنين) (٨) لمن لا يصلح إيمانه إلّا الفقر ولو أغنيته لأفسده ذلك ، وإنّ من عبادي (المؤمنين) لمن لا يصلح إيمانه إلّا الصّحّة ، ولو أسقمته لأفسده ذلك ، وإنّ من عبادي (المؤمنين) لمن لا يصلح إيمانه إلّا السّقم ولو أصححته لأفسده ذلك وذلك أنّي أدبّر أمر عبادي بعلمي بقلوبهم إنّي عليم خبير» (٩).

فصل

وجه التعلق أنه تعالى لما قال في الآية الأولى إنه يجيب دعاء المؤمنين ورد عليه سؤال وهو أن المؤمن قد يكون في شدة وبليّة وفقر ثم يدعو فلا يظهر أثر الإجابة فكيف الجمع بينه وبين قوله : ويستجيب الذين آمنوا؟! فأجاب تعالى عنه بقوله : (وَلَوْ بَسَطَ اللهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ ،) ولأقدموا على المعاصي ، فلذلك وجب أن لا يعطيهم ما طلبوه ، ويؤيده الحديث المتقدم (١٠).

فصل (١١)

قال الجبائيّ : هذه الآية تدل على فساد قول المجبرة من وجهين :

__________________

(١) زيادة من أ.

(٢) كذلك.

(٣) البغوي المرجع السابق.

(٤) ما بين القوسين سقط من ب.

(٥) كذا ذكر المؤلف وفي الرازي : قرأ ابن كثير وأبو عمرو ينزل خفيفة والباقون بالتشديد ولم أجدها في المتواتر عنهما ولا في الشواذ ، وقد ذكرها الرازي في تفسيره ولكن على العكس ممّا ذكر المؤلف انظر الرازي ٢٧ / ١٧١.

(٦) في ب إساءته.

(٧) زيادة من البغوي.

(٨) كلمة المؤمنين سقطت من ب محررة.

(٩) أخرجه الإمام البغوي في تفسيره عن هشام الكناني عن أنس. البغوي ٦ / ١٢٥ ، وانظر الخازن نفس الصفحة ومسند الإمام أحمد ٦ / ٢٥٦ ، والقرطبي ١٦ / ٢٨ وهو جزء من حديث.

(١٠) الرازي ٢٧ / ١٧٠.

(١١) هذا الفصل كله سقط من نسخة ب.

١٩٦

الأول : أنه تعالى لو بسط الرزق لعباده لبغوا في الأرض غير مراد ، فعلمنا أنه تعالى لا يريد البغي في الأرض ، وذلك يوجب فساد قول المجبرة.

الثاني : أنه تعالى إنما لم يرد بسط الرزق ؛ لأنه يفضي إلى المفسدة ، فلما بين تعالى أنه لا يريد ما يفضي إلى المفسدة فبأن لا يكون مريدا للمفسدة كان أولى.

وأجيب : بأن الميل إلى البغي والقسوة والقهر صفة حدثت بعد أن لم تكن ، فلا بد لها من فاعل وفاعل هذه الأحوال إما العبد أو الله ، والأول باطل ؛ لأنه إنما يفعل هذه الأشياء لو مال طبعه إليها وعاد السؤال في أنه من المحدث لذلك الميل الثاني؟ ويلزم التسلسل ، وأيضا فالميل الشديد إلى الظلم والقسوة عيوب ونقصانات ، والعاقل لا يرضى بتحصيل موجبات النقصان لنفسه ، ولما بطل هذا ثبت أن محدث هذا الميل والرغبة هو الله تعالى.

ثم أورد الجبائي على نفسه سؤالا :

فإن قيل : أليس قد يبسط الله الرزق لبعض عباده مع أنه يبغي؟!.

فأجاب عنه : بأن الذي يبسط له الرزق إذا بغى كان المعلوم من حاله أنه يبغي على كل حال سواء أعطي ذلك الرزق أو لم يعط (١). قال ابن الخطيب : هذا الجواب فاسد ، ويدل عليه القرآن والعقل أما القرآن فقوله تعالى : (كَلَّا إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى) [العلق : ٦ ـ ٧] حكم مطابق لكون حصول الغنى سبب لحصول الطغيان وأما العقل فهو أن النفس إذا كانت مائلة إلى الشر فمع حصول الغنى تميل إلى الشر أكثر ، فثبت أن وجدان المال يوجب الطغيان (٢).

فصل

في كون بسط الرزق موجبا للطغيان وجوه :

الأول : أن الله تعالى لو سوّى في الرزق بين الكل لا متنع كون البعض محتاجا إلى البعض ، وذلك يوجب خراب العالم وتعطيل المصالح.

الثاني : أن هذه الآية مختصة بالعرب ، فإنه (٣) كلما اتسع رزقهم ، ووجدوا من ماء المطر ما يرويهم ومن الكلأ والعشب ما يشبعهم ، أقدموا على النهب والغارة.

الثالث : أن الإنسان متكبر بالطبع ، فإذا وجد الغنى والقدرة عاد إلى مقتضى خلقته الأصلية وهو التكبر وإذا وقع في شدة وبليّة ومكروه انكسر وعاد إلى التواضع والطاعة (٤).

__________________

(١) انظر الرازي مع تغيير وتصرف في العبارة ٢٧ / ١٧٠.

(٢) بالمعنى من تفسيره ٢٧ / ١٧٠.

(٣) في ب وإنه.

(٤) المرجع السابق.

١٩٧

قوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ) أي المطر (مِنْ بَعْدِ ما قَنَطُوا) من بعد ما يئس الناس منه. وإنزال الغيث بعد القنوط أدعى إلى الشكر ؛ لأن الفرح بحصول النعمة بعد البلية أتمّ.

قال الزمخشري : قرىء قنطوا ، بفتح النون وكسرها (١). (فأما فتح النون فهي قراءة العامة،وأما كسرها فهي قراءة يحيى بن وثّاب ، والأعمش (٢) وهي لغة وعليها قراءة : (يَقْنَطُ) [الحجر : ٥٦] (لا تَقْنَطُوا) [الزمر : ٥٣] بفتح النون في المتواتر. ولم يقرأ في الكسر في الماضي إلا شاذا و «ما» مصدرية أي من بعد قنوطهم) (٣). قال مقاتل : حبس الله المطر عن أهل مكة سبع سنين حين قنطوا ، ثم أنزل الله المطر فذكرهم الله نعمه.

قوله : (وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ) يبسط مطره ، كما قال : (وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ (٤) رَحْمَتِهِ) [الأعراف : ٥٧] وهو الولي الحميد. «الوليّ» : الذي يتولى عباده بإحسانه «الحميد» المحمود على ما يوصل إلى الخلق من الرحمة وقيل : «الولي» لأهل طاعته ، «الحميد» عند خلقه.

قوله تعالى : (وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَثَّ فِيهِما مِنْ دابَّةٍ وَهُوَ عَلى جَمْعِهِمْ إِذا يَشاءُ قَدِيرٌ (٢٩) وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ (٣٠) وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ)(٣١)

قوله تعالى : (وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ...) الآية قد تقدم الكلام على دلالة خلق السماوات والأرض والحيوانات على وجود الإله الحكيم.

فإن قيل : كيف يجوز إطلاق لفظ الدابّة على الملائكة؟!.

فالجواب : فيه وجوه :

الأول : أنه قد يضاف الفعل إلى جماعة ، وإن كان فاعله واحدا منهم كما يقال : «بنو فلان فعلوا كذا» ، وإنما فعله واحد منهم ومنه قوله : «يخرج منهما اللّؤلؤ والمرجان» (٤).

الثاني : أن الدابة عبارة عما فيه الروح والحركة ، والملائكة لهم الروح والحركة.

الثالث : لا يبعد أن يقال : إنه تعالى خلق في السماوات أنواعا من الحيوانات يمشون

__________________

(١) الكشاف ٣ / ٤٦٩.

(٢) وهي من الأربع فوق العشر انظر الإتحاف ٣٨٣ ، ثمّ الكشاف السابق والبحر المحيط ٧ / ٥١٨.

(٣) ما بين القوسين ساقط من ب.

(٤) [الرحمن : ٢٢] وانظر تفسير الإمام العلامة الرازي ٢٧ / ١٧١.

١٩٨

مشي الأناس على الأرض. وروى العبّاس ـ (رضي الله عنه) (١) ـ أن رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ قال : فوق السماء السابعة بحر (بين) (٢) أسفله وأعلاه كما بين السماء (٣) والأرض ، ثم فوق ذلك ثمانية أوعال بين ركبهنّ (٤) وأظلافهنّ كما بين السّماء والأرض ، ثمّ فوق ذلك العرش(٥) ... الحديث.

قوله : (وَما بَثَّ) يجوز أن تكون مجرورة المحل عطفا على «السماوات» أو مرفوعته عطفا على «خلق» ، على حذف مضاف أي وخلق ما بثّ. قاله أبو حيان (٦). وفيه نظر ؛ لأنه يئول إلى جره بالإضافة «لخلق» المقدر (٧) فلا يعدل عنه.

قوله : «إذا يشاء» «إذا» منصوبة «بجمعهم» لا «بقدير» ، قال أبو البقاء : لأن ذلك يؤدي إلى أن يصير المعنى : وهو على جمعهم قدير إذا يشاء ، فتتعلق القدرة بالمشيئة وهو محال (٨). قال شهاب الدين : ولا أدري ما وجه كونه محالا على مذهب أهل السنة ، فإن كان يقول بقول المعتزلة ، وهو أن القدرة تتعلق بما لم يشأ الله مشى كلامه ، ولكنه مذهب رديء لا يجوز اعتقاده. ونقول : يجوز تعلق الظرف به أيضا (٩). قال الزمخشري : «إذا» تدخل على المضارع كما تدخل على الماضي ، قال تعالى : (وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى) ومنه : (إِذا يَشاءُ قَدِيرٌ)(١٠) ، والمقصود أنه تعالى خلقها لا لعجز ولا لمصلحة ولهذا قال : (وَهُوَ عَلى جَمْعِهِمْ إِذا يَشاءُ قَدِيرٌ) ، يعني الجمع والحشر والمحاسبة (١١).

فصل

احتج الجبّائيّ بقوله : إذا يشاء قدير على أن مشيئة الله تعالى محدثة ، قال : لأن كلمة «إذا» ظرف لما (لم) (١٢) يستقبل من الزمان وكلمة «يشاء» صيغة المستقبل فلو كانت مشيئته تعالى قديمة لم يكن لتخصيصها بذلك الوقت المستقبل فائدة ، ولما دل قوله : «إذا يشاء» على التخصيص علمنا أن مشيئته تعالى محدثة.

وأجيب : بأن هاتين الكلمتين كما دخلتا على المشيئة فقد دخلتا أيضا على لفظ «القدير» فلزم على هذا أن تكون قدرته صفة محدثة ، ولما كان هذا باطلا فكذا القول في المشيئة (١٣).

__________________

(١) سقط من ب.

(٢) كذلك.

(٣) في ابن ماجة : بين سماء إلى سماء.

(٤) وفيه : بين أظلافهن وركبهن.

(٥) وفيه : فوق ظهورهن العرش ، انظر ابن ماجة ١ / ٦٩ نقلا عن العباس بن عبد المطلب وهو جزء من حديث طويل.

(٦) البحر المحيط ٧ / ٥١٨.

(٧) في ب المقدرة.

(٨) التبيان ١١٣٣.

(٩) الدر المصون ٤ / ٧٥٦.

(١٠) الكشاف ٣ / ٤٧٠. والآية الأولى من الليل.

(١١) بتوضيح وتكملة من الرازي لكلام الزمخشري ٢٧ / ١٧١.

(١٢) زيادة من ألا معنى لها ، فهو تحريف.

(١٣) قاله ونقله الرازي في تفسيره ٢٧ / ١٧٢.

١٩٩

قوله : (وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) قرأ نافع وابن عامر بما كسبت بغير فاء (١) ، والباقون بالفاء «فما» في القراءة الأولى الظاهر أنها موصولة (٢) بمعنى الذي ، والخبر الجار من قوله «بما كسبت».

وقال قوم منهم أبو البقاء : إنها شرطية حذفت منها الفاء ، قال أبو البقاء : كقوله تعالى : (وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ) [الأنعام : ١٢١].

وقول الآخر :

٤٣٨٢ ـ من يفعل الحسنات الله يشكرها

 ......... (٣)

وهذا ليس مذهب الجمهور ، إنما قال به الأخفش وبعض البغداديّين (٤) ، وأما قوله : (إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ) فليس جوابا للشرط ، إنما هو جواب لقسم مقدر حذفت لامه الموطّئة قبل أداة الشرط (٥).

وأما القراءة الثانية ، فالظاهر أنها فيها شرطية. وقال أبو البقاء : إنّه ضعيف (٦) ولا يلتفت إلى ذلك. ويجوز تكون الموصولة ، والفاء داخلة في الخبر تشبيها للموصول بالشرط بشروط مذكورة في هذا الكتاب. وقد وافق نافع وابن عامر مصاحفهما ، فإن الفاء ساقطة من مصاحف المدينة والشام ، وكذلك الباقون ، فإنها ثابتة في مصاحف مكّة والعراق (٧).

فصل

اختلفوا فيما يحصل في الدنيا من الآلام والأسقام ، والقحط ، والغرق ، والمصائب هل هي عقوبات على ذنوب سلفت أم لا؟ فمنهم من أنكر ذلك لوجوه :

الأول : قوله تعالى : (الْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ) [غافر : ١٧] بيّن تعالى أن ذلك إنما يحصل يوم القيامة وقال تعالى : (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) [الفاتحة : ٣] أي يوم الجزاء ، وأجمعوا على أن المراد منه يوم القيامة.

الثاني : مصائب الدنيا يشترك فيها الزنديق ، والصّدّيق ، فيمتنع أن يكون عقوبة على

__________________

(١) وكذا قرأ أبو جعفر من السبعة أيضا انظر السبعة ٥٨١ ، والإتحاف ٣٨٣.

(٢) وهو أحد قولي ابن الأنباري في البيان ٢ / ٣٤٩ وانظر الجامع للإمام القرطبي ١٦ / ٣٠.

(٣) سبق هذا البيت وبيان ما فيه ، وانظر التبيان ١١٣٣.

(٤) حذف الفاء ضرورة عند المحققين والجمهور في موضع اللزوم كالبيت السابق وقد روي : من يفعل الخير فالرّحمن يشكره فلا ضرورة إذن. وأجاز الكوفيون حذف العلامة اختيارا استدلالا بقوله : «أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ» على قراءة الرفع وهي شاذة. وهذا على غير رأي سيبويه والجمهور. انظر شرح الكافية ٢ / ٢٦٣.

(٥) والتقدير : ولئن أطعتموهم ، وهذا قول السمين في الدر ٤ / ٧٥٦.

(٦) التبيان ١١٣٣.

(٧) الكشاف ٣ / ٤٧٠ والسمين في الدر المصون ٤ / ٧٥٧.

٢٠٠