إعراب القراءات الشّواذ - ج ١

محبّ الدين عبدالله بن الحسين البغدادي [ أبي البقاء العكبري ]

إعراب القراءات الشّواذ - ج ١

المؤلف:

محبّ الدين عبدالله بن الحسين البغدادي [ أبي البقاء العكبري ]


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: المكتبة الأزهريّة للتراث
الطبعة: ١
ISBN: 977-315-069-0
الصفحات: ٤٤٨
الجزء ١ الجزء ٢

والقصد :

كان أبو البقاء فى الذروة ، والسنام من النثر ، وإن له لنصيبا من الشعر ، غير كثير ...

والسيوطى (رحمه‌الله) بعد أن سجل الأبيات المتقدمة يقول :

«ولم يقل غيرها» (١).

وزيد البيتان السابقان من حاشية الأصل (٢) ، ويكون مراد السيوطى أنه لم يقل غير هذه القصيدة.

وفاته :

توفى ليلة الأحد ثامن ربيع الآخر سنة ست عشرة ، وستمائة (٣).

* * *

__________________

(١) ٢ / ٤٠ بغية الوعاة ...

(٢) ٢ / ٣٩ بأسفل الصفحة بغية الوعاة.

(٣) ٢ / ٣٩ بغية الوعاة.

٢١

رجاء

أرجو ـ ملحا فى الرجاء ـ اتباع ما يلى :

أولا : الكتاب رفيع القيمة ، جليل الأثر ؛ لأنه يتعلق بكتاب الحياة ، والأحياء :

القرآن العظيم.

ومؤلفه رحمه‌الله رحمة واسعة ، وعى ثقافة عصره ، وتبحّر فى علوم اللغة ، واللسان العربى ، ومن ذلك : جاء بالعجب العجاب ، وجعل الكتاب نبراسا لمن أتى بعده.

ثانيا : عنيت كتب التفسير بالقراءات ، ونشطت الحركة العلمية نشاطا منقطع النظير ..

والمفسرون على مختلف مشاربهم ، ونزعاتهم عنوا عناية فائفة بالقراءات وتوجيهها ، وتلمس وجوه الإعراب ، ومختلف اللهجات العربية ...

وقد وضعت ما تيسر لى من المراجع المهمة تحت بصرى ، ووجدت اللاحق أفاد من السابق ، وبنى عليه ، ونقل آراءه ، ...

ولو أتيت بكل ذلك لطال الكتاب طولا مملا ، وظهر فيه التكرار .. ولكننى آثرت إثبات ما احتاج إليه الأمر ، وأحلت على الكتب المنوعة ، محددا الجزء ، والصفحة ، أو اقتصرت على جزء من النقول احتاج إليه الأمر ، ووضعت نقطا .. لتدل على ما بقى من نقل ...

ولتتم الفائدة للقارئ ، والمستبصر يحسن أن يضع هذه المراجع أمام عينيه ؛ ليرجع إليها ؛ لتكمل له الفائدة.

وإننى إذ فعلت ذلك فإنما لاعتمادى على فطنة القارئ ، وبصره ، وأرجو من يرى عيبا ، أو تقصيرا أن يستر ذلك ، فخير الناس من ستر.

وما توفيقى إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب

د. عبد الحميد السيد محمد عبد الحميد

دكتوراه مع مرتبة الشرف الأولى من كلية اللغة العربية ـ جامعة الأزهر

عضو هيئة التدريس بكلية الآداب ، جامعة جنوب الوادى

عميد معهد إعداد الدعاة (الأسبق)

٢٢

بسم الله الرّحمن الرّحيم

أولا : نسخ الكتاب ثلاثة :

الأولى : وهى أصل للنسختين : الثانية ، والثالثة :

١ ـ النسخة الأولى : محفوظة بدار الكتب المصرية تحت رقم ١١٩٩ تفسير.

مصورة عام ١٣٥٣ ه‍ ، ١٩٣٤ م ، وعدد صفحاتها ٦٩٥ صفحة ، وعدد أسطر كل صفحة ١٧ سطرا ، مكتوبة بخط النسخ الجميل ، الرفيع ، وعلى الصفحات تعليقات ، وإشارات إلى السادة القراء ، ...

وهذه النسحة كانت مملوكة لرجل يدعى : عبد الجواد الكيالى ، وقد سجل مالك النسخة اسمه ، وأشار إليها كاتب النسخة (ب) بآخر النسخة.

والنسخة تقع فى مجلدين :

الأول : من أول الكتاب إلى آخر سورة إبراهيم (عليه الصلاة والسلام).

والثاني : من أول سورة الحجر ، إلى آخر سورة الناس.

وقد التزم الكاتب عدد السطور التزاما تاما ، ولم يترك فراغات.

والخط جميل ، ولعلها كتبت فى العصر التالى لعصر المؤلف (رحمهما‌الله).

وقد كتب فى الصفحة الأولى :

ميكروفيلم : إعراب القراءات الشاذة

تأليف محب الدين أبى البقاء عبد الله بن الحسين .. ٦٩٥ صفحة

وفى الصفحة الثانية

٢٣

كتاب إعراب

القراءات الشاذة : تأليف الإمام العلامة ، وحيد دهره

وفريد عصره ، حجة العرب ، لسان الأدب ، محب الدين

أبى البقاء : عبد الله بن الحسين بن عبد الله العكبرى.

(تغمده الله برحمته)

آمين ،

تفسير ١٢٥٧ ١٩٣٥ / ٢٤٦٠

ثم خاتم دار الكتب المصرية

وفى الصفحة ٦٩٤ ما سجله كتبة النسخة ، وفى صفحة ٦٩٥ ما سجله حسن رشيد من أنه كتب النسخة ، وفراغه من كتابتها ... وفى الورقة الأخيرة من النسخة (ب) ما سجله حسن رشيد من أن النسخة للكيالى.

٢٤

بسم الله الرّحمن الرّحيم

النسخة الثانية :

محفوظة بدار الكتب المصرية تحت رقم ١٢٥٧ تفسير ،

وهى منسوخة حديثا من النسخة الأولى سنة ١٣٥٤ ه‍ ، ١٩٣٥ ميلادية فى مجلد واحد ، يشمل الجزأين ، وتقع فى ٦٩٥ صفحة من الحجم المتوسط.

وخطها بخط النسخ الجميل ، وتمتاز عن الأصل بشىء من التنسيق ...

واللفظ القرآنى مكتوب بالمداد الأحمر ، واسم السورة فى وسط سطر مستقل.

كتبها : حسن رشيد على نفقة دار الكتب المصرية من النسخة الفتوغرافية الموضوعة بدار الكتب تحت رقم ١١٩٩ تفسير ، وهى الأولى.

وقد فرغ من كتابتها يوم الجمعة ، الثانى والعشرين من جمادى الآخرة سنة ١٣٥٤ ه‍ ، الموافق سنة ١٩٣٥ ميلادية.

ومع أن النسخة الثانية منقولة من الأولى ، إلا أنها تختلف عنها ، لاختلاف الناسخين ، وطريقة كل منهما ...

وقد أثبتتنا فى التحقيق ما بين النسختين من خلاف ، أو زيادة ، أو نقص ...

وهذا مما جعلنى أجعل فى التحقيق النسخة الأولى الأصل ، ورمزها (أ) والنسخة الثانية رمزها (ب).

وفى الورقة الأخيرة من النسخة (ب) كتب ما يلى :

عنوان المصنّف : كتاب تفسير إعراب القراءات الشواذ. ت

٢٥

اسم المؤلف : وحيد دهره ، وفريد عصره : محب الدين ، أبى البقاء عبد الله بن الحسين ٢١٤ ورقة.

مصور عن النسخة المحفوظة بدار الكتب القومية

تحت رقم ١١٩٩ تفسير.

النسخة الثالثة : فى معهد إحياء المخطوطات العربية بالقاهرة ، وهى نسخة مصورة على ميكروفيلم من النسخة الأولى ، وقد جاءت طبق الأصل من النسخة الأولى ، وقد أغنت النسخة الأولى عنها ، والثانية.

والله الرحمن المستعان ، وهو ولى التوفيق ،

٢٦

٢٧

٢٨

٢٩

٣٠

٣١
٣٢

٣٣
٣٤

بسم الله الرّحمن الرّحيم

مقدّمة الكتاب :

يسّر ، وأعن ، واختم بخير يا كريم.

قال شيخنا حجة الإسلام ، عماد الشريعة ، حجة العرب ، ولسان الأدب : محبّ الدين : أبو البقاء : عبد الله بن الحسين ، بن عبد الله ، العكبراوى (١) ، النحوى (رفع الله درجته).

الحمد لله على جزيل قدره ، حمد موفّق لحمده ، وأشهد ألّا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، شهادة مصدّق بإنجاز وعده ، وأشهد أن محمدا عبده ، ورسوله ، ابتعثه بالحق من عنده ، وجعل الملائكة المقربين من أنصاره ، وجنده (صلّى الله عليه ، وعلى آله ، أولى الأمر من بعده ما ارتجس (٢) سحاب ببرقه ، ورعده).

أمّا بعد

فإنه التمس منى أنّ أملى كتابا ، يشتمل على تعليل القراءات الشاذّة ، الخارجة عن قراءة العشرة ، المشهورين ، خاصّة ؛ لأن القراءات المشهورة ، قد اشتمل على تعليلها كتابنا (٣) فى إعراب القرآن ، فأجبته إلى ذلك ، واجتهدت فى تتبّع ملتمسه ، واقتصرت على حكاية ألفاظها ، دون من عزيت (٤) إليه ، وذكرت وجوهها على الاستيفاء ، والاختصار.

(والله الموفّق لبلوغ البغية منه ، والانتفاع به).

__________________

(١) سبقت الترجمة له ، والتعريف به ، والعكبراوى : نسبة إلى «عكبرا» بلدة على دجلة ، فوق بغداد.

(٢) ارتجس : «... أصل يدل على اختلاط ... والرّجس : صوت الرعد ، وذلك : أنه يتردد ...» معجم مقاييس اللغة ، مادة (رجس).

(٣) الكتاب : «التبيان فى إعراب القرآن».

والكتاب : يعرض لأهم وجوه القراءات ، ويعرب جميع آى القرآن.

للعلامة : أبى البقاء : عبد الله بن الحسين ، العكبرى ، المتوفى سنة ٦١٦ ه‍.

والكتاب تحقيق الأستاذ / على البجاوى.

طبع بمطبعة دار الجيل ـ بيروت ـ لبنان.

(٤) عزيت : نسبت ... والعزو : النسب ، ... والانتماء ، والاتصال. معجم مقاييس اللغة مادة (عزوى).

٣٥

سورة الحمد [الفاتحة]

١ ـ قوله تعالى : (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

يقرأ ـ بالنصب فيهما ـ على أنه أضمر أعنى ، أو أمدح (١).

وهذا : يسمى النصب على المدح ، ولا خلاف بين أهل العربية فى جوازه (٢) ، وفيه عندى وجه آخر ، وهو : أن يكون بمعنى التسمية ، وتكون الباء متعلقة بفعل محذوف (٣).

تقديره : أبدأ بتسمية الله الرحمن الرحيم ، ففى النصب على هذا وجهان (٤) :

أحدهما : أن يكون مفعولا ثانيا ، أى : بأن تسمّوا الله الرحمن الرحيم ، كقولك : «سميتك زيدا».

والثانى : أن يكون منصوبا على الموضع ، كما تقول : «مررت بزيد الظريف العاقل» فتحملها على الموضع ؛ لأن موضع الجار والمجرور نصب.

وفيه وجه آخر : وهو : أن تجعل «اسم» زائدا ، وهو قول ذهب إليه جماعة من العلماء.

فتقديره : ابدءوا بالله ، ثم حمل الصفتين على الموضع.

__________________

(١) ... أمدح الرحمن ، الرحيم ، أو أعظم ... وما أشبه ذلك.

(٢) والنصب بفعل واجب الحذف ، ولا خلاف عند النحاة إلى جوازه.

انظر ص ٦٠٥ شرح ابن الناظم لألفية ابن مالك ـ بتحقيقنا ـ وانظر شرح الهوارى للألفية ، ج ٤ ص ٥٤ ـ بتحقيقنا ـ ، وانظر شرح الأشمونى ج ٣ ص ٣٤٧ ـ بتحقيقنا.

(٣) انظر البحر المحيط ، لأبى حيان ١ / ١٤ ، والنهر ... ١ / ٤ ، والدر اللقيط ١ / ١٦ لتاج الدين الحنفى وقد ذكر أبو حيان معانى الباء ، كما ذكر فى النهر مذهب سيبويه فى معانيها ، واتجه الحنفى إلى أن الباء فى البسملة للاستعانة ، نحو كتبت بالقلم ، وانظر كتابنا «الباء» ورأى العكبرى أن الباء متعلقة بفعل محذوف ، تقديره : أبدأ ...

(٤) وجها النصب : على المفعول الثانى ، أو على الموضع ، كما مثّل لذلك ، كما ذهب إلى وجه ثالث ... كما قدر وجه قراءة الرفع.

٣٦

ويقرأ ـ بالرفع ـ على أنه خبر مبتدأ ، محذوف ، أى : هو الرحمن ، الرّحيم.

وفى هذا التقدير زيادة مدح ؛ لأن الصفة تصير جملة تامّة.

وشواهد هذا فى كتب العربية ، ومنه قول الخرنق (١) :

لا يبعدن قومى الّذين همو

سمّ العداة ، وآفة الجزر

النازلين بكلّ معترك

والطيّبون معاقد الأزر

أرادت : أعنى : النازلين ، وهم الطّيّبون (٢).

وعلى هذا حمل قوله تعالى : (وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ) (٣) [البقرة : ١٧٧] ، و (وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ) (٤) [النساء : ١٦٢] فى أحد الوجوه (٥).

٢ ـ قوله : (الْحَمْدُ لِلَّهِ) (٦) :

يقرأ ـ بنصب الدال ـ وفيه وجهان :

أحدهما : هو مصدر ، أى : احمدوا الحمد ، ثم خصصه بقوله : لله.

والثانى : هو مفعول به ، أى : لازموا الحمد ، أو أخلصوا الحمد.

__________________

(١) الخرنق : من الأسماء المنقولة إلى العلمية ؛ لأن الخرنق : ولد الأرنب للذكر ، والأنثى ... وهى خرنق بنت هفان ، ترثى زوجها ، وابنها علقمة ... ومن قتل من قومها ...

(٢) يريد أبو البقاء : أن نصب «النازلين» على أنه مفعول به لفعل محذوف ، تقديره : أعنى ، ... ورفع «الطيبون» على أنه خبر لمبتدأ محذوف ، تقديره : هم الطيبون ...

انظر كتابنا الشواهد النحوية ج ٣ الشاهد رقم (١٦) تحت الطبع.

(٣) والنصب على الاختصاص ، والمدح ... ١ / ٢٢٠ الكشاف.

(٤) والنصب على المدح ؛ لبيان فضل الصلاة ... ١ / ٥٩٠ الكشاف.

(٥) يريد أبو البقاء : أن النصب فى الآيتين جاء على تقدير : أمدح ، أو أخص ، أو أعنى ، ...

(٦) يقول الزمخشرى : «... بإضمار فعله ، على أنه من المصادر التى تنصبها العرب بأفعال مضمرة ...

كقولهم : شكرا ، وكفّرا ، وعجبا ، وما أشبه ذلك». ١ / ٩ الكشاف. والنصب على المفعولية ـ أيضا ...

٣٧

ويقرأ ـ بكسر الدال ـ وهو : أن يكون أتبع حركة الدال حركة اللام (١).

وقد فصلت العرب مثل ذلك ، فقالوا : «لمغيرة» فكسروا الميم ، وقالوا : «الجنة لمن خاف وعيد الله» ، بكسر الواو ، إتباعا ، وقالوا : فى النّداء : «يا زيد ابن عمرو» : فجعلوا حركة الدال كحركة النّون ، مع أن بينهما حاجزا ، إلا أنّ فى كسر الدّال هنا بعدا من وجه آخر ، وهو : أنه أتبع حركة الإعراب حركة البناء ، ولكن هو جائز ـ على ضعفه.

ويقرأ ـ بضم الدال ، واللام ـ وهو أنه أتبع حركة اللام حركة الدال.

وهذا أقرب من الذى قبله من وجهين :

أحدهما : أن إتباع الثانى الأول أحسن من العكس.

والثانى : أن إتباع حركة الإعراب حركة البناء أولى من العكس ؛ لأن الإعراب دالّ على معنى ، وحركة البناء لا تدل على معنى ، ومراعاة المعانى أولى (٢).

وعلى القراءة : بضم الدال ، واللام إشكال ، وهو كيفية النطق باللام ، مضمومة.

والمشهور فيه : أن اللام ـ مع ضمها ـ مرققة ، كما لو انكسر ما قبلها.

والوجه فى ذلك : أن الضم عارض فيها ، فلا يعتد به فى العدول بها إلى التفخيم ، إذ هذا شأن كل عارض ، ألا ترى أن من ألقى حركة الهمزة على لام المعرفة يحرّك اللام ، ولا يحذف عنها همزة الوصل فى اللغة الجيدة ؛ لأن حركتها عارضة ، تجرى مجرى المعدومة ، فثبتت همزة الوصل. كما ثبتت معها ، إذا سكنت.

__________________

(١) ... «بضم اللام ؛ لإتباعها الدال ، والذى جرهما على ذلك» ، أى : على الإتباع ١ / ١٠ الكشاف. وقد ذكر العكبرى ، نظائر لما تقدم.

(٢) تعليل طيب للإتباع ، مستحسن عنده. انظر الكشاف ١ / ١٠. وانظر ١ / ١٨ النهر.

٣٨

وكذلك قوله تعالى : (قُمِ اللَّيْلَ) [المزمل : ٢] فإن الميم قد تحركت ، ولم ترد الواو فى «قوم» كما تردّ فى «قوما».

وقال بعض المحققين من القراء : اللام هنا مغلّظة ، كما هى فى قوله تعالى : (يَجْمَعُ اللهُ الرُّسُلَ) [المائدة : ١٠٩] ونحوه ؛ لأن اللام إنما ترقق ، بعد الكسرة.

وعندى : أن الوجه هو الأوّل ؛ لأن الضم فيها عارض ، فيبقى الترقيق دليلا على أنه معدول عن الأصل ، كما تبقى همزة الوصل ، مع لام المعرفة إذا تحركت.

٣ ـ قوله : (رَبِّ الْعالَمِينَ) :

يقرأ ـ بالنّصب (١) ـ والوجه فيه : أنه على المدح ـ كما تقدم فى (الرَّحْمنِ).

وقيل : هو على النداء ، أى : يا ربّ العالمين ـ وفيه بعد.

ويقرأ ـ بالرفع على تقدير : هو ربّ.

فهذا : وجه حسن.

٤ ـ قوله : (الْعالَمِينَ) (٢) :

يقرأ ـ بالهمزة ـ ساكنة.

__________________

(١) استشكل أبو البقاء قراءة من قرأ بضم الدال ، واللام (الْحَمْدُ لِلَّهِ).

وذلك : من ناحية مخارج الحروف ؛ إذ أن اللام مع ضمها مرققة ، ونظّر لذلك انكسار ما قبلها.

وأجاب عن ذلك : بأن الضم عارض فيها ، فلا يعتد به فى العدول بها مفخمة ، وذلك شأن كل عارض ، وقد نظر لذلك ـ أيضا ـ بما ذكره ... كما ذكر رأى بعض المحققين فى أن اللام مغلظة فى الآية الكريمة : (يَجْمَعُ اللهُ الرُّسُلَ) ، ومال إليه ...

النصب فى كلمة «ربّ» جاء على المدح ، والتقدير : أمدح ... ونحوه ، كما تقدم ... وهو الوجه الذى ارتضاه ، واستضعف أن يكون النّصب على النداء ، أى : يا رب العالمين : واستبعده ، واستحسن قراءة الرفع ، على تقدير : هو ربّ العالمين ...

(٢) العالمين : جمع عالم ـ بفتح اللام : ما سوى الله (عزوجل).

٣٩

قال الشيخ : وهذه لغة ، وردت الرواية بها ، قالوا : «عألم ، وخأتم» وأنشدوا للعجاج (١) :

فخندف هامة هذا العالم

قوم لهم عزّ السّنام الأسنم (٢)

فإن قيل : هلا كانت الرواية بالألف؟ قيل «الهمز» مسموع من الشاعر.

والوجه فيه : أنه لو لم يهمز لكان بعض القصيدة مردفا ، وبعضها غير مردف ، وهذا غير مستحسن فى القوافى (٣).

فإن قيل : فما وجه الهمز من القياس؟

قيل : الألف ، والهمزة من مخرج واحد ، والهمزة حرف حىّ ، والألف ضعيف فى غاية اللين ، فعدل عنها إلى ما يصاقبها فى المخرج ، وهو أقوى منها ؛ ولأن الهمزة إذا سكنت ، وانفتح ما قبلها يجوز أن تقلب ألفا ، مثل «فأس ، ورأس» ما كان ذلك إلا لشبهها بها : فإبدال الألف همزة قياس لما بينهما من الشبه ، ولأن فى ذلك ضربا من الاقتصاص (٤).

__________________

(١) العجاج : العجاج والد رؤبة ، واسمه عبد الله .. من بنى مالك بن سعد مناة بن تميم ... لقى أبا هريرة وسمع منه أحاديث ... ٢ / ٥٩٥ الشعر والشعراء.

(٢) البيت للعجاج ، وهو من الرجز ، أو هو بيتان منه ، وهو من شواهد ابن يعيش ١٠ ، ١٢ ، ١٣ ، والمقرب ١٠٧ ، والشافية ٤٢٨ ، ...

وقد جاء على لهجة من يهمز «العألم ، والخأتم» فى العالم ، والخاتم ، ... وما أشبه ذلك.

ويقول ابن يعيش : «روى هذا البيت مهموزا ، وذلك : من قبل أن الألف فى «العالم» تأسيس لا يجوز معها إلا مثل «الساجم ، واللازم ...» لتجرى القافية عن منهاج واحد.

والبيت فى رواية ابن يعيش :

يا دار سلمى اسلمى ، ثمّ اسلمى

فحندف هامة هذا العالم

وانظر هامش ١٠ / ١٣ على شرح ابن يعيش.

(٣) جرى البيت على «التأسيس» فى القافية : وهو : ألف بينها ، وبين حرف الروى حرف واحد متحرك ، «أما الردف» فهو حرف مد ، أو لين قبل الروى مباشرة. انظر كتابنا «الطريق المعين إلى علمى الخليل ابن أحمد».

(٤) وقد أحسن أبو البقاء التعليل.

٤٠