إعجاز البيان في تفسير اُمّ القرآن

صدر الدين القونوي

إعجاز البيان في تفسير اُمّ القرآن

المؤلف:

صدر الدين القونوي


المحقق: السيّد جلال الدين الآشتياني
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-371-183-8
الصفحات: ٣٩١

كلّ وارث ، فبحسب أصالته وكلّيّته بالنسبة إلى ما تفرّع منه ، والله ـ من حيث إنّه الجامع والأصل ـ خير الوارثين بالنسبة إلى المواريث والإرث الأسمائي ، فتنبّه.

ثم نقول : إنّ الله ختم العبادة الصفاتيّة بالسجود الواقع في الحشر (١) من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله حال فتح باب الشفاعة ، وممّن شاء من الشفعاء ، والذين يؤذن لهم في السجود ، كما ثبت في الشريعة ، وليس بعد تلك السجدة إلّا العبادة الذاتيّة التي لا يقترن معها أمر ولا تكليف.

وختم إتيانه بصفة ظاهريّته من حضرة غيبه الذاتي ، وتوجّهه إلى كافّة خلقه بإتيانه في ظلل (٢) من الغمام يوم القيامة للفصل والقضاء ، فإنّه كإتيانه الأوّل من غيب هويّته في العماء (٣) للظهور والإظهار ، وفصل الأعيان القابلة للوجود بالرحمة الشاملة من الأعيان الباقية في حضرة الثبوت ، والحكم على كلّ منها بما يستحقّه لذاتها بموجب استعداداتها وعلمه بها (كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً) (٤) فافهم ، فقد كشف لك ما لا ينكشف إلّا للنّدر.

وختم القرآن العزيز من حيث الإنزال بسورة «براءة» المميّزة بين المقبولين والمردودين ؛ لأنّ آخر حكم يتنزّل هو التمييز ، ولهذا كان يوم القيامة يوم الفصل ، فيميّز الله فيه الخبيث من الطيّب ، ويجعل الخبيث بعضه على بعض ، فيركمه جميعا ، فيجعله في جهنّم (أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) (٥) وختم أحكام الشرائع بشريعتنا كما ختم الأنبياء بنبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله.

وختم حكم شريعتنا بطلوع الشمس من مغربها ، نظير طلوع الروح الحيواني وتقلّص نور الروح الإلهي من مغرب البدن ، فإنّ نسبة الشمس إلى الصورة العاميّة (٦) الكونيّة نسبة الروح الحيواني إلى أبداننا ، ونسبة القلم الأعلى من حيث الإنسان الكامل نسبة الروح الإلهي المدبّر (٧) لنشأتنا (٨) ، فكما أنّه لا اعتبار لإيمان أحد بعد طلوع الشمس من مغربها ، ولا لعلمه ، كما قال سبحانه : (لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً) (٩) وفسّر ذلك نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله بهذا ، كذلك لا اعتبار لعمل حال إعراض روح الإنسان

__________________

(١) ق : المحشر.

(٢) ق : ظليل.

(٣) ه : العمام.

(٤) الإسراء (١٧) الآية ١٤.

(٥) البقرة (٢) الآية ٢٧.

(٦) ق : العامة.

(٧) ه : المدير.

(٨) ق : لنشأتها.

(٩) الأنعام (٦) الآية ١٥٨.

٣٤١

عن تدبير بدنه ، ومفارقة روحه الحيواني ، كما قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : «إنّ الله يقبل توبة عبده ما لم يغرغر» (١) ، فافهم.

وختم الخلافة الظاهرة في هذه الأمّة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بالمهديّ عليه‌السلام.

وختم مطلق الخلافة عن الله تعالى بعيسى بن مريم على نبيّنا وعليه‌السلام.

وختم الولاية المحمديّة بمن تحقّق بالبرزخيّة الثابتة بين الذات والألوهيّة ؛ لأنّ ختميّة النبوّة تختصّ بحضرة الألوهيّة ، ولها السيادة في عين العبوديّة ، ولختميّة الولاية العامّة سرّ باطن ربوبيّة العالمين بالملك والتربية والإصلاع وغير ذلك ، ونسبته إلى الصورة الوجوديّة نسبة النفس ، فافهم. فكلّ ممّن (٢) ذكرنا ـ صورة مرتبة الإلهيّة من أمّهات المراتب.

وختم الكمّل من عبيد الاختصاص الوارثين بعبد له جمع الجمع ، لا جامع بعده مثله ولا حائز (٣) لكلّ المواريث غيره ، وله كمال الآخريّة المستوعبة كلّ حكم دون سواه ، فلهذا لا يعرفه غير مولاه.

وختم التجلّيات (٤) ـ الحاصلة للسائرين ـ بالتجلّي الذاتي الذي انختم بظهوره أيضا سير السائرين إلى الله.

وختم الحجّ ـ الذي هو نظيره ـ بالطواف حول المقام الذي كان وجهة السائرين.

ولكلّ مقام من المقامات الكلّيّة ختم يخصّه الله ، وسرّ يكمّله (٥) به ويبديه وينصّه ، ولو لا التطويل ، لعيّنت لك أمّهات المقامات ، وبمن ختمت أو تختم ، ولكن قد أوردت أنموذجا من ذلك للتنبيه والتذكير (٦) وفيه غنية للألبّاء من أكابر المشاركين وما شاء الله كتمه ، فلا حيلة في إظهاره (وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً) (٧) ، (وَاللهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ) (٨).

__________________

(١) جامع المسانيد ، ج ٢٦ ، ص ٣٠.

(٢) ق : من.

(٣) ه : جائز.

(٤) ه : المتجليات.

(٥) ه : بكمله.

(٦) ه : التذكرة.

(٧) الإسراء (١٧) الآية ٨٥.

(٨) الأحزاب (٣٣) الآية ٤.

٣٤٢

وصل في وصل يتضمّن نبذا من

الأسرار الشرعيّة الأصليّة والقرآنيّة

اعلم ، أنّ خطاب الحقّ عباده بألسنة الشرائع ـ وسيّما الخطاب المختصّ بشريعتنا ـ ينقسم بنحو من القسمة إلى سبعة أقسام كلّيّة تحت كلّ قسم منها أقسام.

فالقسم الأوّل من السبعة يتضمّن الإنباء عن الحقائق ، ويبيّن (١) المضارّ الجليّة والخفيّة والمنافع ، وينقسم إلى قسمين : قسم تستقلّ العقول بإدراكه ابتداء ، أو بعد تنبيه وتذكير ، وقسم لا تستقلّ (٢) العقول (٣) بإدراكه ، بل تفتقر في إدراكه إلى نور إلهي كاشف.

والمراد من ذكر ما هذا شأنه تنبيه النفوس المستعدّة وإمداد الهمم للتشوّق إلى نيله ، والسعي في تحصيله ، كيلا تقنع بالحاصل لها في أوّل وهلة ، فتظنّه الغاية ، وأن ليس وراءه أمر آخر ، فتفتر وتتقاعد عن طلب المزيد.

وربما وقع الإخبار عن بعض ما يتضمّنه هذا القسم بألفاظ توهم بعدا وعظمة مفرطة ، مع أنّ المخبر عنه قد يكون مشهودا حاضرا ولا يشعر به ، ولا يعرف أنّه المسمّى بذلك الاسم ، أو الموصوف بتلك العظمة.

والسرّ فيه إبقاء حرمة الأسرار لتوفّر الرغبات إلى التحقّق بمعرفتها ، ولا تفتر عن الجدّ في الطلب الذي ربما أفاد بعون الله الاطّلاع عليها وعلى غيرها ، بل على الأصل الذي قرنت السعادة بمعرفته.

__________________

(١) ق : يتبيّن ، ه : تبيّن.

(٢) ه : يستقلّ.

(٣) ه : العقل.

٣٤٣

فإنّ من جملة فقه النفوس أنّه متى عرفت شيئا من هذا النوع من حيث فرعيّته قبل التحقّق بمعرفة أصله ، سقطت عظمة ذلك الأمر عندها ، وازدرته بعد ذلك ، وربما قاست بقيّة ما سمعته من أسرار الحقّ بصفة التعظيم على ما تنبّهت (١) له ، فتفتر بالكلّيّة وتهلك ، بل ربما تقف عند الفترة ، وربما عادت مستحقرة شعائر الله سبحانه ، مستخفّة بحرماته ، بخلاف من (٢) سمعها بسمع الإيمان الظاهر ، واستحضرها بصفة التعظيم إلى أن يطلعه الحقّ عليها ، فيعرفها من أصلها ، فيعظّمها أكثر من تعظيم المؤمن المحجوب بما لا نسبة (٣) ، فإنّ هذا التعظيم نتيجة العلم الذي لا يزول ، والتعظيم الأوّل تعظيم وهمي بصدد الزوال ، فكان الشارع ومن تحقّق بتبعيّته ، (٤) وشاركه في أصل مأخذه لو صرّح بمثل هذا كان سببا في شقاء المستحقر المزدري ، وحاشا من بعث رحمة للعالمين أن يكون كذلك.

وأصحاب الآفة المذكورة هم أصحاب الفطرة (٥) البتراء ، واللوائح الأولى الذين لم يبقوا (٦) على طهارة الإيمان الصحيح ، ولا فازوا بحقيقة الشهود الذاتي والكشف الصريح ، فإنّ أهل الكشف المحقّق والشهود يعظّمون الأشياء ، ويرونها شعائر الحقّ ومظاهره وصور أسمائه ، والمضطرّين (٧) وقفوا عند أسماء الأسماء لم يعرفوا حقائق الأسماء ولا المسمّى بها ، فتعظيمهم (٨) وسمي وهمي يزيله الحسّ وفقه النفس فاعتبر الشارع صلى‌الله‌عليه‌وآله ما ذكرنا امدادا للهمم ، وتحريضا على طلب المزيد بالتشويق المدرج فيما ذكرنا ، وليعلم الألبّاء كمال قوّته في التبليغ حيث لم يكتم ولم يوضح ، بل عبّر عن الأسرار بعبارة تامّة مؤدّية للمقصود بيانه بالنسبة إلى الفطن اللبيب والتسمية (٩) المطابقة مع السلامة من بشاعة التصريح ، وآفاته وعدم تفطّن الغبيّ المراد ، فجمع بين الكشف والكتم ؛ ليرتقي الضعيف النفس بالتشويق إلى حضرة القدس ، وليزداد اللبيب استبصارا ، فجزاه الله وإخوانه عنّا وعن سائر المسترشدين أفضل الجزاء ، آمين.

__________________

(١) ق : نبّهت.

(٢) ه : ما.

(٣) لعل هنا سقطا.

(٤) ه : تبعيّته.

(٥) ق : الفطنة.

(٦) ق : لم يتّفقوا.

(٧) عطف على اسم إنّ.

(٨) ق : تعظمهم.

(٩) عطف على «عبارة».

٣٤٤

والقسم الآخر ما هو ضرب مثال لأمر (١) آخر يعلمه بالإرشاد الإلهي أهل النهي وهو على ضربين أيضا :

الضرب الواحد هو ما كان المثال نفسه فيه مرادا بالقصد الأوّل أيضا كالأمر الذي لأجله وقع التمثيل ، وذلك لشرف المثال وتضمّنه الفوائد العزيزة.

والضرب الآخر هو أن يكون المراد بالقصد الأوّل ما لأجله ضرب المثال وقصد به التنبيه عليه. وأمّا ما يتضمّن المثال من الفوائد فيقع مرادا بالقصد الثاني لا بالقصد الأوّل.

ولو لا الخوف من العقول الضعيفة ، ورعاية الحكمة التي راعاها الشارع ويلزمنا الوقوف عندها ، لذكرنا من كلّ قسم مسألة شرعيّة ، ونبّهنا على أصلها في الجناب الإلهى ، لكن نذكر أنموذجا يكتفي به اللبيب ، وهو أنّ المراد بالقصد الأوّل ينقسم إلى قسمين : مطلق ، ومقيّد :

فالمطلق الكمال المتحصّل من تكميل مرتبة العلم والوجود ، وقد نبّهت عليه غير مرّة ، ومنذ قريب أيضا.

والمقيّد في كلّ زمان وعصر كامل ذلك العصر ، وما سواه مراد له وواقع بالقصد الثاني من تلك الحيثيّة وإن كان واقعا باعتبار آخر بالقصد الأوّل ؛ لما أشرنا إليه ، ويتلو هذا ـ أعني المراد بالقصد الأوّل ـ فيما ذكرنا (٢) أوائل المخاطبين ؛ فإنّهم أوّل هدف تعيّن لسهام الأحكام الشرعيّة وخصوصا من كان سببا لنزول حكم مشروع لم يقصد الشارع تقريره ابتداء ، فافهم ترشد إن شاء الله تعالى.

والقسم الآخر ما قصدت به مصلحة العالم من حفظه ، وصلاح حال أهله آجلا كالعلوم ، والأعمال النافعة في الدنيا والآخرة ، وعند الله ومن شاء من عباده نفعا يعمّ صور المنتفعين وأرواحهم ، وعاجلا كقوله تعالى : (وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ) (٣) ، وكأخذ الزكاة من الأغنياء وردّها على (٤) الفقراء ، وترك قتال الرهبان لما لم يتعلّق بذلك مصلحة ، وأخذ الجزية وغير ذلك ممّا ذكر في سرّ النبوّة والسبل والفوائد المتعيّنة منها (٥).

__________________

(١) ق : الأمر.

(٢) ق : ذكر.

(٣) البقرة (٢) الآية ١٧٩.

(٤) ق : في.

(٥) كذا في الأصل ـ ولا يخفى أنّ الأقسام سبعة وإلى هنا تمّت ثلاثة أقسام فالظاهر أنّ الثلاثة الأخرى سقطت. وكذا سقطت الثلاثة الأخرى في نسخة الهند.

٣٤٥

والقسم السابع هو ما أريد من الجميع بالقصد المطلق الأوّل (١) الذي ذكرته آنفا ، وله سراية في جميع الأقسام ، ومن تحقّق بميراث المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وذاق سرّ التنزّل القرآني من أمّ الكتاب الأكبر بالذوق الاختصاصي عرف أسرار الكتاب العزيز ، وانحصار أقسامه الكلّيّة فيما ذكرناه ، ورأى أنّ فيه التحقّق (٢) التامّ ، وفيه ما قصد (٣) به رعاية حال المخاطبين وفهومهم ، وما تواطؤوا عليه ، وفيه أيضا ما روعيت به حكمة (٤) الموطن والزمان والمكان ، وحال المخاطبين الأوّل ، لحرمة المرتبة الأوّليّة كالسدر المخضود ، والطلح المنضود ، والماء المسكوب ، والظلّ الممدود وغير ذلك مما تكرّر ذكره في الكتاب والسّنة ، ولا حظّ لأكثر الأمّة من ظاهر ذلك في الترغيب وغيره ، ومثله وأساور من فضّة للرجال ، وأنّه تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء (٥) ، فافهم وتذكّر.

ولنذكر الآن أمّهات الأحكام الشرعيّة الكلّيّة فنقول : الحلال على قسمين : مطلق ، ومقيّد ، فالحلال المطلق هو الوجود ؛ لأنّه لم يحجر (٦) على قابل له أصلا ، والمقيّد من وجه هو كلّ أمر يباشره الإنسان المكلّف ، أو يتقلّب فيه بصفة الفعل أو القول أو الحال ، مما لم يحجر عليه هنا ، ولم يتوجّه عليه المطالبة فيما بعد أو العقوبة عاجلا وآجلا.

والحرام حرامان : مطلق وهو الإحاطة بكنه الحقّ بحيث أن يشهد ويعرف كشهود (٧) نفسه بنفسه وكمعرفته بها. والحرام المقيّد من وجه كلّ ما لم يتغيّر حكم الحقّ فيه لتغيّر حال المكلّف ، ولازمه (٨) المطالبة و (٩) المؤاخذة كالشرك وكنكاح الوالدة والولد ونحو ذلك ؛ فإنّ هذا النوع ليس كتحريم الميتة ومثلها ؛ فإنّه متى انصبغ المكلّف بالحالة الاضطراريّة عادة حلال فهذا النوع من الحكم يتنوّع بتنوّع حال المكلّف ، فهو يعيّنه أوّلا بحالة وينسخه ثانيا بحالة (١٠) أخرى ، (١١) وأكثر الأحكام المشروعة هذا شأنها ولا حاجة إلى التعديد والتطويل ، وما سوى ما نذكره فجزئيّات بالنسبة إلى هذه ، فافهم.

__________________

(١) ق : الأوّل المطلق.

(٢) ق : التحقيق.

(٣) ق : يقصد.

(٤) في بعض النسخ : حكمه.

(٥) ه : الضوء.

(٦) ق : يحجره.

(٧) ق : كشهوده.

(٨) ق : ولازمته المطلبة.

(٩) ه : أو.

(١٠) ق : بحالته.

(١١). ق : بحالته.

٣٤٦

والمباح أيضا مطلق ومقيّد ، فالمطلق كالتنفّس والتحيّز والحركة من حيث الجملة ، والمقيّد كشرب الماء والتغذّي بما لا يستغني البدن عنه ، وكذلك ضرورة التدثّر والاستكنان وغيرهما مما يحرس به الإنسان نفسه ضرورة.

والمكروه هو عبارة عن التغليب في ذكر (١) كلّ أمر ممتزج من خير وشرّ وكلّ متشابه لأحد الجانبين ميلا (٢) بهوى ، أو عادة أو استحسان عقلي غير مستند إلى نصّ صريح مشروع. فإنّ الحزم والاحتياط المرعيّ في التقوى يقضي بالاحتراز منه لما يتوقّع من حصول ضرر خفي بالنسبة إلى الأكثرين بسببه ، وسلامة البعض نادرا من ضرره للعناية أو لخاصّيّة الإكسير العلمي والحالي (٣) لا يحتجّ بها كحال أهل الأمزجة والنفوس القوية مع الأغذية الرديّة المضرّة من السمومات وغيرها ، وكالطبيب المتدارك ضرر الأغذية الرديّة وغيرها بما يردع ضررها من معجون وترياق وغير ذلك ، ولسان هذا المقام فيما نحن بصدده قوله تعالى : (إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ) (٤) وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «أتبع السيّئة بالحسنة (٥) تمحها» (٦) فاعلم ذلك.

والمندوب أصله كلّ أمر هو مظنّة للنفع من وجه ضعيف أو خفيّ ؛ لكونه ممتزجا ممّا لا ضرر فيه ، وما يرجى نفعه غالبا وممّا (٧) عساه يكون بليغ النفع أحيانا بالنسبة إلى البعض ، وكأنّه عكس المكروه. وقد نبّه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على قاعدة جامعة بين الأمرين فقال : «إنّ الرجل ليتكلّم بالكلمة من سخط الله ما يظنّ أن تبلغ ما بلغت فيهوي (٨) بها في النار سبعين خريفا ، وإنّ الرجل ليتكلّم بالكلمة من رضوان الله ما يظنّ أن تبلغ ما بلغت ، فيكتب بها في علّيّين ـ وفي أخرى ـ فيكتب الله له بها رضاه إلى يوم يلقاه» (٩).

وأمّا سرّ الناسخ والمنسوخ : فالناسخ هو حكم الاسم الثابت الدولة الذي إذا تعيّنت سلطنته (١٠) في شريعة ، دامت الشريعة دوام سلطنة ذلك الاسم ويستمرّ ترجمتها عن أحوال الأعيان التي تحويها دائرته.

__________________

(١) ق : لا توجد.

(٢) ق : مثلا.

(٣) في بعض النسخ : الحال.

(٤) هود (١١) الآية ١١٤.

(٥) ق : الحسنة.

(٦) معجم مستدرك الوسائل ، ج ٨ ، ص ٢٠٨.

(٧) ق ، ه : ما.

(٨) ق ، ه : يهوى.

(٩) جامع المسانيد ، ج ٢٧ ، ص ١٥٨.

(١٠) ه : سلطنة.

٣٤٧

والمنسوخ كلّ لسان وحكم متعيّن من الحقّ لطائفة خاصّة من حيث سلطنة الاسم يكون فلكه أصغر من فلك الشريعة (١) يظهر حكمه فيها ، وقد قدّر الحقّ انتهاء حكم ذلك الاسم قبل انتهاء دولة الشريعة التي تعيّن (٢) فيها ذلك الحكم والزمان ، فإذا ظهر سلطان ذلك (٣) الاسم المقابل للاسم الحاكم في الأمر المقابل للنسخ مع اندراجهما في حيطة الاسم الذي تستند (٤) إليه تلك الشريعة ، اندرج حكم الاسم المتقدّم من الاسمين المخاطبين في الاسم الآخر المتأخّر ، وظهرت سلطنة المتأخّر ودامت دوام دولته كما نبّه الحقّ على أصالة ذلك على لسان الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله بقوله «إنّ رحمتي تغلب غضبي» (٥).

والمحكم هو البيّن بنفسه وما يقتضيه الحقّ لكونه إلها ، وما يقتضيه الكون ، لكونه مألوها.

والمتشابه ما يصحّ إضافته إلى الحقّ من وجه وإلى الكون من وجه آخر ، ويختلف الحكم باختلاف النسب والإضافات ، فافهم ، فقد نبّهتك على أصول الأحكام المشروعة في الحضرات الإلهيّة وعرّفتك بسرّ خطاب الحقّ عباده بألسنة الشرائع وبلسان شريعتنا المهيمنة (٦) على كلّ شريعة ، وذوق كلّ نبي ، فاعرف قدر ما نبّهت عليه ، وقدر النبيّ الذي انتسبت إليه ، وقم بحقوق شريعته ، فإنّه من قام بحقوق الشريعة المحمديّة القيام التامّ ، واستعمله الحقّ في (٧) وفاء آدابها ورعاية ما جاءت به على ما ينبغي ، جلّى له الحقّ ما استبطنه من الأسرار في جميع الشرائع المتقدّمة ، وتحقّق بها وبسرّ أمر الله فيها ، فحكم بها ، وظهر بأيّ حالة ووصف شاء من أوصافها مع عدم خروجه من حكم (٨) الشريعة المحمديّة المستوعبة (٩) المحيطة ، فإن ارتقى من آدابه وآداب شريعته الظاهرة إلى آدابه وآدابها الباطنة ، والتحم بروحانيّته ، والتحق بالصفوة من عترته والكمّل من إخوانه ، استطعم ما استطعموا ، وحكم في الأشياء وبها بما به حكموا ، و (ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) (١٠).

__________________

(١) ق : التي (فيه إضافة).

(٢) ق : يتعين.

(٣) ق : لا توجد.

(٤) ه : يستند.

(٥) كنوز الحقائق ، ج ١ ، ص ٢٩.

(٦) ق : المهيّمة.

(٧) ه : لا توجد.

(٨) ق : لا توجد.

(٩) المتبوعية.

(١٠) الحديد (٥٧) الآية ٢١ ؛ الجمعه (٦٢) الآية ٤.

٣٤٨

وصل من جوامع الحكم المناسبة

لأن تكون (١) في خاتمة الكتاب

اعلم ، أنّ من الأشياء ما يحصى علما من حيث أحكامه ومراتبه وصفاته ، ولا يشهد ولا يرى. ومن الأشياء ما يشهد ويرى من حيث هو قابل للشهود ، ومن حيث تعلّقه وتقيّده بشئونه المسمّاة باعتبار صفات وباعتبار أسماء ومراتب ، ونحو ذلك. هذا مع تعذّر الإحاطة به ، والحكم بالحصر عليه ، وحظّنا من الحقّ هذا القسم ، ولقد أحسن بعض التراجم بقوله :

وجد العيان ساك (٢) و (٣) تحقيقا ولم

تحظ العقول بكنهه تصحيحا

واعلم ، أنّ كلّ ما له عدّة وجوه باعتبار شؤونه المختلفة و (٤) غير ذلك ، فإنّ التفاضل في معرفته إنّما يكون بحسب شرف الوجوه وعلوّها أو نزولها بالنسبة عن الدرجة التي يثبت بها الشرف ، أو بكثرة الوجوه والنسب والأحكام التفصيلية (٥) بمعنى أنّ علم زيد ـ مثلا ـ يتعلّق بخمسة أوجه ، وعلم بكر بعشرة ، وأمّا في معرفة الحقيقة من حيث هي في نفس الأمر فلا يقع فيها تفاضل ولا تفاوت بين العارفين بها أصلا إلّا إذا (٦) كان من معرفة الحقّ ، فإنّه ليس كذلك ؛ إذ المدرك من الحقّ علما وشهودا ليس إلّا ما تعيّن منه ، وتقيّد بحسب الأعيان ، أو قل بحسب شؤونه الظاهر بعضها للبعض ، أو التي هو بها أو بحسبها ، وأدرك منها البعض البعض ،

__________________

(١) ه : يكون.

(٢) ق : هناك.

(٣) كذا في الأصل ولعله سناك.

(٤) ق : أو.

(٥) ق : التفصيلية.

(٦) ق : ما.

٣٤٩

وأدركته (١) من حيثها ، وهذا القدر هو المتعيّن من الغيب (٢) الذي لا يتعيّن لنفسه ، ولا يتعيّن فيه لنفسه شيء ، والتعيّن دائم البروز من الغيب غير المتعيّن ؛ لأنّه لا نهاية للممكنات القابلة لتجلّيه ، والمعيّنة له ، أو قل : لشئونه التي يتعيّن ويتنوّع ظهوره فيها ، والحقّ تابع للمجلى وصفته ومرتبته كما تقرّر ، فافهم وأمعن التأمّل ، وانظر ما دسست لك في هذه الكلمات ، تر العجب.

__________________

(١) كذا في الأصل. والظاهر : أدركه.

(٢) ق : غيب الذات ، ه : غيب.

٣٥٠

وصل

اعلم ، أنّه لمّا يسّر الله تكميل هذا الكتاب ـ المودع فيه من جوامع الحكم ولطائف الكلم ما لا يستخلص المقصود منه إلّا من انتظم في سلك أكابر المحقّقين ، فضلا عن الاطّلاع على معدنه ومنبعه ومكتنزه ومشرعه ـ ، تعيّن للعبد أن يشكر ربّه بلسان عبوديّته (١).

وأعلى مراتب الشكر معرفة حقيقته وكون الحقّ هو المولى المنعم لا سواه ، فأنا أنبّه على سرّ الشكر وموجباته بتنبيه عامّ الحكم في جميع الصفات ؛ مشيرا إلى الذوق الكمالي ، ثم أضرع إلى ربّي بما أظهر بي وعلّم وأوضح وفهّم. فنقول (٢) :

الشكر : هو من نعوت الحقّ سبحانه ؛ فإنّه الشكور ، ويتعيّن به ـ أي بالشكر ـ التعريف والثناء المقيّد ، وله موجبان : أحدهما : النعمة الواصلة من عين المنّة ابتداء ، ومن حيث ملاحظة سرّ (وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ) (٣) والآخر الإحسان الوارد في مقابلة الصبر الظاهر والواصل لامتحان العبد ، واستخلاص زبد نشأته بمخضات (٤) الشؤون التي تقلّب فيها. وهذا الإحسان هو ثمرة شكر الحقّ عبده يثمر في العبد شكرا آخر يستوجب به العبد (٥) المزيد ، فلا يزال الأمر دائرا أبدا بين المرتبة الإلهيّة والعبديّة ، حتى تكمل حقيقة الشكر بظهور أحكامها كلّها في مقام العبد بهذا التردّد ، والمخض (٦) الواقع على النحو المذكور ، فيظهر حال الكمال العبدي والوصفي بصورة الكمال الإلهي.

__________________

(١) ه : عبودية.

(٢) ق : فأقول.

(٣) نحل (١٦) الآية ٥٣.

(٤) ق : لمحضات ، ه : بمحصات. والظاهر : بممخضات.

(٥) ق : العبد به.

(٦) ق : المحض ، ه : المحص.

٣٥١

وهكذا الأمر في كلّ وصف وحال يضاف إلى الحقّ وإلى العبد على الوجه الذي يسمّى اشتراكا في مقام الجمع والسوى ، وفي مقام الحجاب بالنسبة إلى الكون ، فإنّ الصفة تتردّد بين الرتبة الربوبيّة ، والكونيّة تبدأ من حضرة الحقّ وجودا ، ومن حضرة الكون تعيّنا ، وهي طاهرة مقدّسة مطلقة القبول (١) وقد تعيّنت أولا بحكم العين في الكون ، وليس (٢) إذ ذاك من العين إلّا نفس التعيّن.

فإذا دخلت الوجود الكوني وقعت في دائرة المغالبة بين حكم طهارتها الأصليّة وبين الانصباغ (٣) الذي تقتضيها (٤) الأحكام الكونيّة ، من حيث حقائقها المختلفة أخذا وردّا ، وتأثيرا وتأثّرا ، وقيدا وإطلاقا ببطون وظهور ، فلا تزال (٥) كذلك إلى أن تكمل تلك الصفة الإلهيّة بظهور أثرها في الطور والمقام الإنساني الذي هو المجلى المقصود (٦) ، ويستفيد الإنسان أيضا من حيث تلك الصفة كمالا حاليا وصفيّا يتّحد به ويترقّى إلى الطور الإلهي ، الذي هو حضرة أحديّة الجمع ، فإذا ظهر سرّ الكمال من حيث كلّ اسم وصفة وحال ومظهر ومرتبة وزمان وموطن في المقامين : الإلهي ، والكوني ، وتحقّق العبد بحكم الطورين : الإطلاق من حيث حضرة الحقّ ، والتعيّنات من حيث الرتبة العبدية ، فانطلق العبد في قيد ، وتقيّد الحقّ في إطلاق ، فقد ظهر الكامل الجامع المقصود ، ونعم الرفد المرفود ، والمقام المحمود.

__________________

(١) كذا في الأصل ـ ولعله عن القيود ـ ح. كذا في نسخة الهند ونسخة دار الكتب الرضوية.

(٢) ق : ليس بها.

(٣) ق : الإصباغ التي.

(٤) ه : يقتضيها.

(٥) ه : يزال.

(٦) ق : بالمقصود.

٣٥٢

والثناء الذي به الختام

اللهمّ إنّك قد علمت وعلّمت أنّ الثناء من كلّ مثن على كلّ مثنى عليه تعريف للمثنى عليه ، فإمّا من حيث الذات أو الصفات أو الأحوال أو المجموع ، وظهور كلّ ذلك أو بعضه بحسب ما يليق بجلالك منّا متعذّر إلّا بك ؛ لأنّك غير معلوم لغيرك كما تعلم نفسك ، فإن أصبنا في أمر من تعريف أو غيره فأنت المصيب فيما أبديته لنا (١) من صور مدحك وحقائق ثنائك وأحكام شؤونك وأسمائك ونحو ذلك ، والمظهر ما اخترت ظهوره من أحوال ذاتك وملابس بقائك. وإن أخطأنا أو قصرنا فلسنا الملومين حيث رشحنا بما انطوينا عليه. وما أدع فينا بموجب استعدادنا ومبلغ علمنا وبحسب زعمنا : إنّما نثبته لك أو ننفيه عنك هو كمال لائق بك ، أو أمر صالح نسبته إليك.

اللهمّ فلك الحمد الجامع لكمال المحامد كلّها ، المطلق عن قيود (٢) النعوت والأحكام والتصوّرات ، حسب ما ترضاه لنفسك منك وممّن اخترت ظهور ثنائك به ، أو تكميله بما أظهرت به وله ، على ما أصبنا من الأحكام والتعريفات المضافة في ظاهر المدارك منّا وبنا إليك.

ولك الحمد أيضا على ما قبلنا منك من حيث إقامتك لنا في مقام القبول منك ولك العقبى ، ومنك نرجو العفو في مقام الأدب التامّ وبلسانه عمّا أخللنا من واجب حقّ عظمتك وجلالك عجزا وقصورا عن الإحاطة بكنهك ، والاطّلاع على سرّك ، والاستشراف على (٣)

__________________

(١) ق ، ه : بنا.

(٢) ق : قيد.

(٣) ق : على كلّ.

٣٥٣

أمرك ؛ إذ لا نعلم من حيث إضافة العلم وغيره من الأوصاف إلينا ، ولا نستطيع حالة التعريف الحمد والثناء ـ الذي هذا لسانه ـ أكثر مما ظهر بنا.

فإن ازددنا سعة وحيطة واستشرافا (ظهرت منّا وبنا ؛ إذ ما من كوامن الزيادات إلّا ما شئت ظهوره) ، (١) ولك (٢) أوّل الأمر وآخره ، وباطنه المجمل وظاهره ، وإن اتّصفنا بعد بالحصر ووقفنا ، فلنا النهاية لا لك ، إلّا (٣) من حيث نحن ، ولا غرو ؛ إذ (٤) جملة (٥) ما اطّلعنا عليه أنّه ما من معلوم تعيّنت صورته تماما في علمك إلّا ولا بدّ أن يظهر حكمه بك وفي حضرتك ، ومن جملة ذلك ظهور معنى النهاية وثبوتها لموصوف مّا بها ، وحيث لم تجسر العقول على نسبته (٦) إليك لجلالك ، فنحن له أهل ؛ إذ لا ثالث ، فلا عتب ، ولنا العذر أيضا إن نحن ظهرنا بما لا يصحّ نسبته لغيرنا ، وهذا عذرنا وحالنا ، مع كلّ ما يجزي عليه لسان ذمّ ، ويوسم بالنقص من حيث الاسم (٧) والوصف ، ومع ذلك كلّه فمنّا الإقرار بألسنة المراتب والأحوال والأسرار ، بل لنا العلم بما علّمتنا (٨) ، والحكم أنّ الحجّة البالغة لك على من جعلته سواك في كلّ موطن ومقام ؛ إذ (٩) لا شيء لشيء منك إلّا ما أضفته لتكميل مراتب ظهوراتك ، وبسط أنوار تجلّياتك ، بتعيّنات مراداتك ، لا أنّ أحدا منّا يستحقّ دونك إضافة شيء إليه إضافة حقيقيّة بنسبة جزئيّة أو كلّيّه.

وكيف يصحّ ذلك والأمر كلّه لك؟! بل أنت هو الظاهر في صور أحوالك التي هي تفصيل شأنك ، ونشر بساط سعة علمك الذاتي ، وحيطتك بالأشياء التي جعلتها مكنوناتك (١٠) ، فاقتضى كمالك الحاكم على جلالك وجمالك تخصيص كلّ حال واسم ، وإضافة كلّ متعيّن بحكم خصوصيّته المميّزة له من مطلق شأنك ، ونعته وتعريفه (١١) برسم ، ليظهر التعدّد ، ويكمل ظهور السعة المستجنّة في غيب الذات بدوام تنوّعات ظهورك والتجدّد.

فمن غلب عليه حكم حصّة من شأنك ، على حكم أحديّة ذاتك ؛ لانحرافه ـ وإن عدّ من

__________________

(١) ما بين القوسين لا توجد.

(٢) ق : ذلك.

(٣) ق : لا توجد.

(٤) ق : إذ من ، ه : إذن.

(٥) ه : جمله.

(٦) ه : نسبة.

(٧) ق : الوصف والاسم.

(٨) ق : أعلمتنا.

(٩) ق : وان ، ه : ان.

(١٠) ه : مكوناتك.

(١١). ه : تعريفته.

٣٥٤

العلماء ـ نسب ما أدرك إلى الشأن ، بل إلى خاصّة (١) وتوهّم من اسمه ورسمه غير الحقيقة لحد عن الطريق (٢) ، فعاد حكم ذلك في ملابس ابتلاءاتك المرضيّة وغير المرضيّة عليه ، حيث كان وكيف كما أخبرت في كتابك المجيد بقولك : (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ) (٣) ومن بقي بحكم ذاتك ولم تستهلكه وتقهره أصباغ ظهوراتك ، ثبت شهوده ومعرفته من حيث هما لك حالة اختلاف أحكام شؤونك التي هي عند من شئت أسماؤك وصفاتك ، فلم ينحرف إلى طرف من الوسط ، وكان ممّن استوطن بالذات مركز الدائرة الوجوديّة وأقسط.

اللهمّ وأنت المسؤول من حيث مبلغ العلم الحالي ـ أن لا تنظمنا في سلك ، ولا تقرّنا (٤) بأهل صدق ولا إفك ، بل إن اخترت تعيّننا ولا بدّ بأمر أو أمور ، فليكن تعيّنك لنا بحسب تعيّنك إذ ذاك ، وعلى نحو ما تختاره لنفسك من نفسك ، وممن شئت من المتعيّنين (٥) باعتبار نسبة التعيّن إليك ، أو إليه لك.

وإذ قد أهّلتنا لهذا الأمر ، وأطلعتنا على هذا السرّ ، فلا تقمنا بعد في حال ولا مقام يقتضي ثبوتنا ، وثبوت شيء مّا لنا ، أو طلبه منّا إلّا وكن الكفيل بالقيام بحقّك في ذلك ، والمنسوب إليه ما هنالك ، لتحصل السلامة من كلّ شوب ، والطهارة والخلاص من كلّ ريب ، وخذنا منّا وكن لنا عوضا عن كلّ شيء ، وأعنّا (٦) على ما تحبّه وترضاه لك منّا ، ولنا منك ، كلّ الحبّ والرضا ، في أكمل مراتب محبّتك ، وأعلى درجات رضاك ، آمين.

تمّ الكتاب (وَاللهُ يَقُولُ الْحَقَ) (٧) و (يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) (٨) والأمر كله لله. هو الأوّل والآخر ، والظاهر والباطن.

تمّت

وقد وقع الفراغ من تسطير هذه النسخة الشريفة المسمّاة بإعجاز البيان في تفسير

__________________

(١) ق : خاصيته.

(٢) ق : الطريقة.

(٣) الأنبياء (٢١) الآية ٣٥.

(٤) ه : تقترنا.

(٥) ق : المعينين.

(٦) ق : ه : وعنّا.

(٧) الأحزاب (٣٣) الآية ٤.

(٨) البقرة (٢) الآيات ١٤٢ و ٢١٣ ؛ النور (٢٤) الآية ٤٦.

٣٥٥

أمّ القرآن من مصنّفات شيخ المحقّقين وزبدة الأكملين برهان المدقّقين وأبي الأولاد الإلهيّين صدر الملّة والحقّ والدين وأبي المعالي محمّد بن إسحاق القونوي الرومي تلميذ الشيخ الأكبر محيي الدين بن العربي قدس‌سرهما ونوّر ضريحهما ، آمين.

خاتمة التحقيق

بعد حمد الله تبارك وتعالى على توفيقه لإتمام هذا العمل ، يجب علينا أن نلفت نظر القارئ الكريم إلى أنّه لم يكن عندنا في تصحيح هذا الكتاب أيّة نسخة خطّية ، فاعتمدنا على النسخة المطبوعة بمصر بتحقيق الأستاذ عبد القادر أحمد عطا ونسخة الأستاذ العلّامة السيد جلال الدين الآشتياني المصحّحة والتي قوبلت باهتمام الأستاذ دام ظله على نسختين مخطوتتين ، وما أدّى إليه النظر وفكري الفاتر.

والحمد لله أولا وآخرا.

٣٥٦

الفهارس

فهرس الآيات

فهرس الاصطلاحات

فهرس المواضع

٣٥٧
٣٥٨

فهرس الآيات

الآية

الصفحة

الآية

الصفحة

الفاتحة (١)

فاستبقوا الخيرات

١٤٨

٢٣٠

بسم الله الرّحمن الرّحيم

١

٤٩

فهدى الله الّذين آمنوا

٢١٣

٢٦٢

ايّاك نعبد ...

٥

٨٣،٢٢٧

قل لله المشرق والمغرب ...

١٤٢

٢٦٦

الحمد لله ربّ العالمين

٢

١٤٠

كذلك جعلناكم امّة وسطا

١٤٣

٢٦٦

أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم

٧

١٧٧

فأينما تولّوا فثمّ وجه الله

١١٥

٢٦٦

مالك يوم الدّين

٤

١٧٩

ولا يحيطون بشيء من علمه ...

٢٥٥

٢٧٨

اهدنا الصّراط المستقيم

٦

٢٧، ٤٧ ، ٢٩٧

تلك الرّسل فضّلنا بعضهم على بعض

٢٥٣

٢٨٧

صراط الّذين أنعمت عليهم غير المغضوب ...

٧

٢٨٤، ٢٨٥، ٢٩٧

لا نفرّق بين احد من رسله

٢٨٥

٢٨٧

أولئك هم الخاسرون

٢٧

٣٤١

البقرة (٢)

ولكم في القصاص حياة

١٧٩

٣٤٥

هل ينظرون الّا ان يأتيهم الله ...

٢١٠

٤٣

آل عمران (٣)

ولا يحيطون بشيء من علمه

٢٥٥

٥٥

قل اللهمّ مالك الملك ...

٢٦

١٨١

ويهدى من يشاء إلى صراط مستقيم

٢١٣

١٦٨، ٢٢٧

والرّاسخون في العلم يقولون ...

٧

٢٥٠

اقيموا الصّلوة

٤٣

٢٠٠

والى الله المصير

٢٨

٢٥١

كلوا من طيّبات ما رزقناكم

٥٧

٢٠٢

وآتنا ما وعدتنا على رسلك

١٩٤

٢٩٠

انّ الله يحب التّوّابين

٢٢٢

٢٠٤

ويحذّركم الله نفسه

٣٠

٣١٩

واشكروا لي

١٥٢

٢٢٤

النساء (٤)

ولكلّ وجهة هو مولّيها

١٤٨

٢٢٩

من يعمل سوء يحزبه

١٢٣

٢٠٠

انّ الله لا يظلم مثقال ذرّة ...

٤٠

٢٤٠

٣٥٩

الآية

الصفحة

الآية

الصفحة

ويؤت من لدنه اجرا عظيما

٤٠

٢٤٠

وزكريّا ويحيى

٨٥

٢٨٧

خلقكم من نفس واحدة

١

٢٥٩

ومن آبائهم وذرّيّاتهم و...

٨٧

٢٨٧

ومن يطع الله ورسوله

٦٩

٢٨٦

ذلك هدى الله يهدى به ...

٨٨

٢٨٧

ذلك الفضل من الله ...

٧٠

٢٨٦

أولئك الّذين آتيناهم الكتاب

٨٩

٢٨٧

ان الله يأمركم ان تؤدوا الأمانات الى أهلها

٨٥

٣٣٢

أولئك الّذين هدى الله ...

٩٠

٢٨٧

لئلا يكون للناس على الله حجة ...

١٦٥

٣٣٦

ولو شاء الله لجمعهم على الهدى ...

٣٥

٣٢٠

المائدة (٥)

لا ينفع نفسا إيمانها ...

١٥٨

٣٤١

ولا تحرموا طيّبات ما احلّ الله لها

٨٧

٢٠٢

الأعراف (٧)

ليس على الّذين آمنوا ...

٩٣

٢٤٩

ولله الأسماء الحسنى

١٨٠

١٥٣

تعلم ما في نفسي ولا اعلم ما في نفسك

١١٦

٣٢٠

قل من حرّم زينة الله

٣٢

١٧٧

الانعام (٦)

انّ الّذين تدعون من دون الله

١٩٤

٢٣٠

الذين يدعون ربّهم ...

٥٢

١٨

قل من حرّم زينة الله

٣٢

٢٨٩

وسيجزيهم وصفهم

١٣٩

٩٤،٢٢٤

ولو كنت اعلم الغيب لاستكثرت من الخير

١٨٨

٣٢٠

وعنده مفاتيح الغيب

٥٩

١٣٩

الأنفال (٨)

وربّك الغنى ذو الرّحمه

١٣٣

١٦٨

ويجعل الخبيث بعضه على بعض

٣٧

١٩٤

فالق الإصباح

٩٦

١٨٣

وما رميت إذ رميت ...

١٧

٢٠٦

ما فرّطنا في الكتاب من شيء

٥٩

١٨٧

وما كان الله ليعذّبهم وأنت فيهم

٣٣

٣٠٠

ولا رطب ولا يابس

٣٨

١٨٧

ليميّز الله الخبيث من الطيّب

٣٧

٣٠٥

فلله الحجّة البالغة

١٤٩

٢٠٥

يونس (١٠)

كتب ربّكم على نفسه الرّحمة

٥٤

٢١٤، ٢٢٤، ٢٨٩

يدبّر الأمر

٣١

١٢٨

أولئك الّذين هدى الله ...

٩٠

٢٤٩

انّ الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات

٩

٢٦٢

ووهبنا له اسحق ويعقوب

٨٤

٢٨٧

انّ الظنّ لا يغنى من الحقّ شيئا

٣٦

٣١٩

٣٦٠