إعجاز البيان في تفسير اُمّ القرآن

صدر الدين القونوي

إعجاز البيان في تفسير اُمّ القرآن

المؤلف:

صدر الدين القونوي


المحقق: السيّد جلال الدين الآشتياني
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-371-183-8
الصفحات: ٣٩١

ولمرتبته أحكام تظهر في وجوده المتعيّن بحقيقته الثابتة ، فتسمّى آثار تلك الأحكام في ذات صاحبها أحوالا. والمرتبة عبارة عن حقيقة كلّ شيء لا من حيث تجرّدها ، بل من حيث معقوليّة نسبتها الجامعة بينها وبين الوجود المظهر لها والحقائق التابعة لها ؛ فإنّه قد (١) بيّنّا أنّ بعض الحقائق تابع للبعض ، وأنّ التابعة أحوال للمتبوعة وصفات ولوازم. وبيّنّا أيضا أنّ الموجودات (٢) ليست بأمر زائد على حقائق مختلفة ظهرت بوجود واحد تعيّن وتعدّد في مراتبها وبحسبها ، لا أنّه (٣) إذا اعتبر مجرّدا عن الاقتران بهذه الحقائق يتعدّد في نفسه.

وللحقّ ذات ومرتبة ، ومرتبته عبارة عن معقوليّة نسبة كونه إلها ، وهذه النسبة من حيث هي هي مسمّاة بالألوهيّة ، وللحقّ سبحانه من حيث هي آثار في المألوهين ، وصفات لازمة تسمّى أحكام الألوهيّة. وذاته سبحانه من حيث تجرّدها عن جميع الاعتبارات المقيّدة ، وعدم تعلّقها بشيء ، وتعلّق شيء بها ؛ لعدم المناسبة لا كلام فيها ، كما مرّ بيانه غير مرّة.

ومن حيث معقوليّة نسبة تعلّقها بالخلق ، وتعلّقهم بها ، وبحسب أحوالهم من كونهم مجاليه ومظاهره ، يضاف (٤) إليها أحوال ، كالرضى والغضب ، والإجابة والفرح ، وغير ذلك عبّر عنها بالشؤون. وتضاف (٥) إليها من حيث آثار مرتبتها التي هي الألوهيّة في كلّ مؤثّر فيه ، صفات تسمّى أحكام المرتبة ، كالقبض والبسط ، والإحياء والإماتة ، والقهر واللطف ، ونحو ذلك فاعلم واستحضر هذه المقدّمة الكلّيّة لتنتفع بها ـ إن شاء الله تعالى ـ وبعد أن تقرّر هذا ، فلنشرع في شرح الحمد بلسان التنبيه.

معنى الحمد :

فنقول قوله تعالى : (الْحَمْدُ لِلَّهِ) الحمد من مقام التفصيل والجمع لا الأحديّة ، ولا يصحّ بين متماثلين ، بل لا بدّ من علوّ المحمود على الحامد من حيث هو محمود بالنسبة إلى الحامد من حيث هو حامد ، حال الحمد وعلى أيّ وجه ظهر الحمد ؛ فإنّه من حيث صورته لسان من ألسنة الكمال ، فهو في البداية إشارة إلى كمال قصد الحامد في نفسه ، وإلى كمال

__________________

(١) ق : لا توجد.

(٢) ق : الوجودات.

(٣) ق : لأنّه.

(٤) ق ، ه : ينضاف.

(٥) ق ، ه : ينضاف.

١٤١

مبدئيّة ظهور حكم القصد ، من كون الحامد متوجّها لإظهار ما شرع فيه بالحمد.

وهو أيضا تنبيه على معرفة المثني بالمحمود من الوجه الذي بعثه على الحمد ، وبالحال الموجب له ذلك.

وهو ـ أعني الحمد ـ في الآخر تعريف بكمال ما شرع فيه ، وبحصول ما كان مطلوبا مع أنّه يسري في ذلك حكم طلبي متعلّقه دوام التحقق بذلك الكمال ، وبقاء حكمه بعد نفوذه على الوجه الأتمّ وإيناع (١) الثمرات العظيمة الجدوى. ولأوّل الحمد الغيب المفتتح به ، ولآخره الشهادة المقتضية له وإن انتهى إلى الغيب.

وأمّا السرّ الجامع بينهما فراجع إلى المقام الذي تساوى (٢) نسبة الأطراف والمحامد [بالنسبة] إليه ، ويختص بحمد الحمد الذي له الشمول والإحاطة ، ومن ألسنته (٣) «الحمد لله على كلّ حال» فافهم.

ثم اعلم ، أنّ أوّل ما يستفاد من إخبار كلّ مخبر عن أمر مّا ، أو تعريفه له بلسان الثناء أو غيره كونه حاكما على نفسه بأنّه عارف بما أخبر عنه وأثنى عليه وعرّفه من حيث ما هو مخبر ومثن ومعرّف.

ثم تقع الفائدة من تفصيل إخباره وتعريفه وثنائه أنّ ما ادّعاه وحكم به على نفسه وعلى من عرّفه وأخبر عنه وأثنى عليه هل هو صحيح أم لا؟ ويظهر ذلك بالإصابة (٤) والصدق وعدمهما ، فهو في أوّل أمره (٥) مدّع معرفة نفسه من حيث حكمه عليها ، ومعرفة المخبر عنه والمثنى عليه والمعرّف ، وفي الحال الثاني مبرهن على دعواه ، ومعرب عمّا يوضح صحّة ما ادّعاه لنفسه ولغيره.

وإذا تقرّر هذا ، فنقول : الحمد من حيث هو مطلق وكلّي لا لسان له ولا حكم يظهر عنه أو يضاف إليه ، وهكذا شأن جميع الصفات والأسماء والحقائق المجرّدة الكلّيّة ، المنسوبة إلى الحقّ وإلى الخلق على سبيل الاختصاص أو الاشتراك النسبي. وقد تقدّمت في بيان ذلك تنبيهات شتّى.

__________________

(١) ق : إيفاعه ، وفي بعض النسخ : إيناعه والصحيح ما أثبتناه.

(٢) أي : تتساوى. وفي ق : يتساوى.

(٣) في بعض النسخ : ألسنة.

(٤) ب : بالإضافة.

(٥) ق : مره.

١٤٢

ثم ليعلم أنّ الحمد هو الثناء كما مرّ ، وكلّ ثناء من كلّ مثن على كلّ مثنى عليه فهو تعريف كما بيّنّا ، وهذا التعريف من المثني قد يكون بذاته أو بأحوالها أو بمرتبته أو بأحكامها أو بالمجموع. وقد سبقت في تعرّف (١) الذوات وأحوالها والمراتب وأحكامها تلويحات كافية ، ومع ذلك فنزيده (٢) هنا إيضاحا بمثال نذكره في الإنسان ؛ لكونه الأنموذج الأكمل والمراد بالقصد الأوّل. وإذا عرفت كيفيّة الأمر فيه ، وبالنسبة إليه ، عرف اطّراده فيما سواه من الموجودات بحسب (٣) نسبته منه ؛ إذ ليس شيء خارجا عنه فأقول :

حقيقة الإنسان عينه الثابتة ، التي قلنا : إنّها عبارة عن نسبة معلوميّته (٤) للحقّ وتميّزه في حضرته أزلا حسب مرتبته وعلم ربّه.

وأحوال هذه الحقيقة ما يتقلّب فيه الإنسان وينضاف إليه ويوصف به من الصور والنشآت والتطوّرات وغير ذلك من الأمور التي ظهرت بالوجود المستفاد من الحقّ.

ومرتبته عبارة عن عبوديّته ومألوهيّته.

وأحكام هذه المرتبة (٥) الأمور والصفات المنضافة إليه من كونه عبدا ممكنا ومألوها ، ومن كونها (٦) أيضا مرآة للحضرتين : الإلهيّة والكونيّة ، ونسخة جامعة لما اشتملتا عليه ظاهرا بصورة الحضرة والخلافة.

ولمّا كان جميع ما يظهر بالإنسان والعالم وفيهما ، ويوصفان به على سبيل الاشتراك وعلى سبيل التخصيص ليس بأمر زائد على سرّ التجلّي الإلهي الجمعي الأحدي وظهور حكمه فيهما بحسب الأسماء والصفات وبموجب (٧) أحكام النسب العلميّة المتعدّدة بقبول القابل ، كان ثناء كلّ منهما ـ أعني الإنسان والعالم جمعا وفرادى ـ على الحقّ من حيث كلّ اعتبار وقسم من الأقسام والاعتبارات المذكورة هو نفس دلالته على أصل ذلك الأمر ونسبه (٨) في الجناب الإلهي وإعرابه عنه.

فتارة من حيث التفصيل ، وتارة من حيث أحديّة الجمع ، مرّة في مقام المضاهاة من حيث

__________________

(١) ق : تعريف.

(٢) ق : فسنزيده.

(٣) ق : بحسبت.

(٤) في بعض النسخ : معلومة.

(٥) ق : المرتبة هي.

(٦) ق : كونه.

(٧) ق : بموجب نسب.

(٨) ق : منبعه.

١٤٣

المثليّة للظهور بالصورة ، وأخرى في مقام المقابلة بالنقائص ، لما يمتاز به الكون عن موجده ومولاه ، ولما ينفرد به الحقّ في مقام المقابلة ممّا لا يشاركه فيه سواه.

فثناؤه من جهة التفصيل أنّ كلّ فرد فرد من الحقائق والأجزاء العرضيّة والجوهريّة التي اشتملت عليه (١) ذات الإنسان والعالم ـ يثني على الاسم والصفة الإلهيّة الناظرة إليه والمرتبطة بالحقّ من حيث هي بالألسن الأربعة المذكورة : لسان الذات ، والحال ، والمرتبة ، والحكم.

ومتعلّق الثناء من حيث الجملة بلسان أحديّة الجمع الحضرة الذاتيّة الجامعة المحيطة بجميع الأسماء والصفات والعوالم والحضرات والنسب والإضافات. وحكم هذه النسبة الجامعة يظهر في كلّ قسم من الأقسام المذكورة ، من حيث النسبة إلى الجناب الإلهي ذاتا (٢) وصفة وفعلا وإلى المقام الكوني ، ويعبّر عن هذا (٣) الحكم الجمعي الأحدي في مقام الحمد ب «حمد الحمد» فإنّ له في كلّ مقام اسما بحسبه.

وموجب هذا الحمد أنّ النعمة الذاتيّة الإلهيّة الكبرى ـ التي بها وجود الأشياء وبقاؤها وظهور (٤) أحكام الحقائق والأسماء والصفات وآثارها ـ لمّا كانت واصلة إلى الإنسان. والعالم وما اشتملا عليه ، تارة من جهة الأسماء والصفات والمراتب ، وتارة لا من حيثيّته بعينها ، (٥) اقتضت الحكمة العادلة وحكم الحضرة الكاملة ومقابلة ذلك بحمد وشكر جامع وحدانيّ النعت ، كامل الوصف ، مستوعب جميع أنواع الحمد ، يظهر بالكمّل من حيث حمدهم ربّهم به ومن حيث حمده سبحانه نفسه بهم بصورة جامعة بين الحمدين في حالة واحدة لا حالتين ، حمدا يعلو على حكم الحضرتين : الإلهيّة والكونيّة ، وما اختصّ بهما من اسم ووصف وعين ، فافهم والله المرشد.

واعلم ، أنّ قولنا : إنّه لا يمكن أن يصدر ثناء من كلّ (٦) مثن على كلّ مثنى عليه دون معرفة المثنى عليه من حيث (٧) هو مثنى عليه لهذا المثني ، وإنّ الثناء في الحقيقة تعريف والتعريف

__________________

(١) ق : ه : عليها.

(٢) ب ، ه : ذاتا واسما.

(٣) ق : ذلك.

(٤) ق : ظهورها.

(٥) ق : تعيّنها.

(٦) ق : لا توجد.

(٧) ب : حيث ما.

١٤٤

لا يصحّ بدون معرفة المعرّف ، إنّما ذلك فيما عدا التعريف الذاتي ؛ فالتعريف الذاتي أمر وجداني والوجدانيات والأمور الذاتيّة (١) من أوضح مراتب العلم وأجلى أقسامه ، فالشيء (٢) بهذا الاعتبار هو المثني على نفسه ، والدالّ عليه من وجهين باعتبارين ، كما أشرنا إلى ذلك في سرّ العلم ، فافهم.

وأيضا فلمّا كانت الموجودات بأسرها كلمات الله ، كان ثناؤها على الحقّ ـ كما اومأت إليه ـ هو بما (٣) استفادته منه وانطبع في مرائي أعيانها من تجلّيه ، فالمقترن بها من نور الحقّ وسرّ صفاته وأسمائه بما استفادته هو المثني فيهم ومنهم على الحقّ ، فإذن الحقّ هو المثني على نفسه من حيث مراتب خلقه وبخلقه ، لا هم.

وهكذا الشأن في الأمور كلّها غير الحمد ، فرجع الأمر كلّه إليه ، وعادت عاقبة كلّ ثناء عليه ، وكان الحمد صفته ونسبة من نسبه لا تغايره إلّا باعتبار تسميتها حمدا ، فكان الحامد من هذا الوجه وهذا الاعتبار هو الحمد والمحمود ولتتذكّر ما نبّهت عليه في حمد الحمد فهذا من سرّه.

واعلم ، أنّه قد بقيت تتمّة لطيفة من أقسام الحمد وهي ـ مع اندراجها في الأقسام والأصول المذكورة ـ تفيد مزيد إيضاح ؛ فإنّ لسان مرتبتها أقرب نسبة من المدارك ممّا تقدّم ذكره.

فإذا عرفت هذا ، فنقول : الحمد ينقسم من وجه إلى حمد المحمود نفسه ، وإلى حمد غيره له. ثم إنّ الحمد بما يحمد الشيء نفسه أو بما يحمده (٤) غيره على أنواع ثلاثة ؛ لأنّه إمّا أن يحمده بصفة فعل أو صفة تنزيه أو صفة ثبوتيّة قائمة بالمحمود يستحسنها الحامد ، فيثني على المحمود من حيث هي ، أو عليها من حيث ظهور حكمها بالمحمود وفيه ، بما بيّنه وبينها من المناسبة الثابتة ؛ بما فيه منها ، كما بيّنّا. وهذا القسم من وجه يندرج في قسم صفة الفعل ؛ فإنّ الاستحسان ونحوه لا يخلو عن نوع انفعال.

وحمد الحمد يسري ويظهر في كلّ الأقسام بذاته ولو لم يكن لما صحّ حمد ؛ لما عرفت

__________________

(١) ب : الثابتة.

(٢) ق : فالمثني.

(٣) ق : ما.

(٤) ق : يحمد.

١٤٥

من أنّ الحكم في كلّ موجود ومرتبة للسرّ الجمعي ، فتذكّر. (١)

ثم الحمد نوعان : أحدهما ـ وهو العلم ـ الحمد بما عليه المحمود. والثاني أخصّ منه ، وهو الحمد بما يكون منه ، ويسمّى شكرا. وتعيين (٢) الكلمات والصور والصفات والأحوال والكيفيّات الظاهرة والمعقولة من حيث دلالتها على ما ذكر لا يتناهى ، وليس للحمد والمحمودين والحامدين قسم ولا مرتبة تخرج عن هذه الأصول التي ذكرناها.

وخاتمة الضوابط في هذا الباب هو أن تعلم أنّ كلّ ما ينسب إلى الجناب الإلهي بلسان الحمد (٣) والثناء لا يخلو إمّا أن يفيد أمرا ثبوتيّا أو سلبيّا ، فالسلب راجع إلى التسبيح ، والإثبات مندرج في الحمد ، فافهم. ومع أيّ مرتبة من مراتب الحمد المذكورة حضر معها الحامد حال الحمد ؛ فإنّ النتيجة والجزاء من جهة الحقّ تكون لذلك الحامد من حيث تلك المرتبة وبحسبها ، ومن حضر مع حمد الحمد وسرّ الجمعيّة دون التقيد بمرتبة ما أو صفة أو موجب على التعيين ، كان (٤) ثمرة حمده الحقّ سبحانه وتعالى ؛ إذ ليس لصاحب هذا الحمد همّة متعلّقة بكون ولا متقيّدة بمرتبة ولا صفة ولا اسم ولا غير ذلك ، والثمرات بحسب الأصول ، فافهم وتدبّر سرّ هذا الفصل وحصره وإيجازه ؛ فإنّك إن خرقت بعون الله حجب جمله ، تنزّهت في رياض تفاصيله ، والله وليّ الإحسان والإرشاد.

الحمد لله

قوله تعالى : (لِلَّهِ).

اعلم ، أنّه قد نبّهنا على كلّيّات أسرار التسمية والأسماء ومتعلّقاتها وأحكامها بأصول حاصرة (٥) شاملة الحكم ، عزيزة المنال ، لا تخرج عن (٦) حيطة الذوق المختصّة بمقامها (٧) ذوق إلّا بنسبة جزئيّة تفصيليّة شاهدة باندراجها تحت حيطة الذوق والأصول المذكورة ، وقد سبق في شرح هذا الاسم عند الكلام على البسملة ما يسّر الحقّ ذكره ، ونحن نذكرها هنا

__________________

(١) ب : فتدبّر.

(٢) ب : تعيّن.

(٣) ق : المدح.

(٤) أي كان ذلك الحضور.

(٥) ق : حاضرة.

(٦) ق : عن دائرة.

(٧) ق : لمقامها.

١٤٦

أيضا ما يستدعيه هذا الموضع حسب تيسير الله ومشيئته ، فنقول :

قوله تعالى : (الْحَمْدُ لِلَّهِ) إضافة الحمد إلى الحقّ من حيث هذا الاسم إخبار ، وهذا الاسم اسم جامع كلّي ، لا يتعيّن له ـ من حيث هو ـ حمد ولا حكم ، ولا يصحّ إليه إسناد أمر أصلا ، كما أشرت إلى ذلك في الحمد المطلق وسائر الحقائق المجرّدة.

وكلّ توجّه وسؤال والتجاء ينضاف إلى هذا الاسم ، فإنّه إنّما ينضاف إليه بنسبة جزئيّة مقيّدة بحسب حال المتوجّه والسائل والملتجئ ، فلا يذكر ولا يرد مطلقا إلّا من حيث اللفظ فحسب لا من حيث الحقيقة ؛ فإنّه إذا قال المريض ـ مثلا ـ يا الله ، فإنّما يلتجئ إلى هذا الاسم من كونه شافيا ومن كونه واهبا للعافية ، وكذا الغريق إذا قال : يا الله ، فإنّما يتوجّه إلى هذا الاسم الجامع للأسماء من كونه مغيثا ومنجيا ونحو ذلك.

وهكذا الأمر في الحمد لا بدّ من أن يتعيّن بحسب أحد الأمور التي سلف ذكرها [بحيث] يكون هو الباعث على الحمد والموجب له.

وهذا الاسم كثر القول فيه والخلاف في أنّه هل هو جامد اسم علم ، أو مشتقّ؟ ولهم في هذا (١) كلام كثير لست ممّن يشتغل بنقله وقلبه ، وإنّما أذكر ما تقتضيه قاعدة التحقيق بحسب ذوقي ومعرفتي ، وأوفّق بينه وبين ما يقتضيه حكم اللسان ـ إن شاء الله تعالى ـ ، فأقول :

لا يصحّ أن يكون للحقّ اسم علم يدلّ عليه دلالة مطابقة بحيث لا يفهم منه معنى آخر ، وسأوضّح لك سرّ ذلك بلسان الذوق والنظر والاصطلاح اللغوي ، الذي به نزل القرآن العزيز ، وهو ظرف المعاني والأوامر والإخبارات الشرعيّة.

فأمّا ذوقا فإنّ الحقّ من حيث ذاته وتجرّده (٢) عن سائر التعلّقات لا يقتضي أمرا ولا يناسبه شيء ، ولا يتقيّد بحكم ولا اعتبار ، ولا يتعلّق به معرفة ، ولا ينضبط بوجه ، وكلّ ما سمّى أو تعقّل بواسطة اعتبار أو اسم أو غيرهما فقد تقيّد من وجه ، وانحصر باعتبار ، وانضبط بحكم ، والحقّ من حيث إطلاقه وتجرّده وغناه الذاتي لا يجوز عليه شيء

__________________

(١) ق : ذلك.

(٢) ق ، ه : تجريده.

١٤٧

ممّا ذكرنا ، ولا يصحّ عليه حكم سلبي أو إيجابي أو جمع بينهما أو تنزّه عنهما ، بل لا لسان لهذا المقام ولا حكم عليه ، كما تقرّر ذلك من قبل وتكرّر.

وقد بيّنّا أيضا فيما مرّ أنّ إدراك حقائق الأشياء من حيث بساطتها ووحدتها متعذّر ؛ لأنّ الواحد والبسيط لا يدركه إلّا واحد (١) وبسيط ، ويتعذّر إدراكنا شيئا من حيث أحديّتنا ؛ لما سلف ، ولا خلاف في أحديّة الحقّ وتجرّده من حيث ذاته وعدم تعلّقه بشيء تجرّدا يعلو على (٢) كلّ تجرّد وبساطة ،

فإذا عجزنا عن إدراك حقائق الأشياء في مقام تجرّدها ـ والمناسبة ثابتة بيننا من عدّة وجوه مع عدم خلّوها عن التعلّق والقيود ـ فلأن نعجز عن إدراك حقيقة الحقّ وضبطها أولى وإذا ثبت عجزنا عن التحقّق بمعرفتها ، ـ وإن شهدناها ـ فتسميتنا (٣) لها باسم يدلّ عليها بالمطابقة دون استلزامه معنى زائدا على كنه الحقيقة متعذّرة ضرورة.

فإن قيل : هب أنّه يستحيل أن نضع لذات الحقّ اسما علما مطابقا كما ذكرت ولكن لم لا يجوز أن يسمّي الحقّ نفسه باسم يدلّ على ذاته بالمطابقة ، ثم يعرّفنا بذلك ، فنعرف ذلك الاسم وحكمه بتعريفه كون هو المسمّي نفسه على ما يعلمها لا نحن؟

فنقول : الجواب عن هذا من وجهين. أحدهما الاستقراء (٤) ، فإنّ هذا النوع لم نجده في الأسماء ، ولا نقل إلينا عن الرسل الذين (٥) هم أعلم الخلق بالله ، وسيّما نبيّنا محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله الذي نعتقد أنّه أكمل الرسل وأعلمهم صلى‌الله‌عليه‌وآله. ولو كان لنقل إلينا ، وكيف لا؟ ومثل هذا من أهمّ ما يخبر به ، وأعزّه وأنفعه ، سيّما فيما يرجع إلى الالتجاء إلى الله والتضرّع في المهمّات إليه ، وخصوصا والنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول في دعائه : «اللهمّ إنّي أسألك بكلّ اسم سمّيت به نفسك أو أنزلته في كتابك ، أو علّمته أحدا من عبادك ، أو استأثرت به في علم غيبك (٦).

فهذا ممّا يستروح منه أنّ السؤال من الحقّ بأعزّ أسمائه وأحقّها (٧) نسبة إليه أنفع للسائل وآكد في أسباب الإجابة ونيل المراد ، وأحقّ الأسماء نسبة إليه سبحانه ما كملت دلالته

__________________

(١) ب : أو.

(٢) ق : عن ، ب : على.

(٣) ق : فتسميتها.

(٤) ب : الاستقرار.

(٥) ق : الذي.

(٦) ر. ك : معجم مستدرك الوسائل ، ج ٩ ، ص ٤٢٦.

(٧) ق : أحبّها.

١٤٨

عليه وتوحّد معناه دون مشاركة في المفهوم منه وحيث لم نجد ذلك مع مسّ الحاجة إليه والاسترواح الحاصل من مفهوم الدعاء النبوي دلّ على عدم ظهور هذا الاسم من الحقّ ، فهو إمّا أمر متعذّر في نفسه ، أو هو ممّا استأثر به الحقّ في علم غيبه ، كما أخبر صلى‌الله‌عليه‌وآله.

ولو أمكن حصوله لأحد من الخلق لحصل لنبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ فإنّه أكرم الخلق على الله ، وأتمّهم استعدادا في قبول فيضه والتلقّي منه ، ولهذا منح علم الأوّلين والآخرين ، فلو حصل له هذا الاسم ـ مع ما تقرّر أنّ مثل هذا يكون أجلّ الأسماء وأشرفها وأكملها ؛ لكمال مطابقة الذات واختصاصه بكمال الدلالة عليها ، دون تضمّنه معنى آخر يوهم اشتراكا ، أو يفهم تعدّدا أو كثرة أو غير ذلك ـ لم يحتج أن يقول صلى‌الله‌عليه‌وآله في دعائه : «أو علّمته أحدا من عبادك ، أو استأثرت به في علم غيبك» ؛ فإنّ من ظفر بأجلّ ما يتوسّل به إلى الحقّ ويرغب به إليه ، استغنى عن التوسّل بغيره ، سيّما على سبيل الإجمال والإبهام ، لعلوّ هذا الاسم على ما سواه من الأسماء ؛

فلمّا استعمل صلى‌الله‌عليه‌وآله في دعائه التقاسيم المذكورة عملا بالأحوط ، وأخذا بالأولى والأحقّ ، (١) علم أنّه لم يكن متعيّنا عنده.

فإن قيل : قد رأينا من عباد الله ـ وسمعنا أيضا عن جماعة ـ أنّهم عرفوا اسما ، أو أسماء للحقّ ، فتصرّفوا بها في كثير من الأمور ، وكانوا يدعون الحقّ بذلك فيما يعنى لهم ، فلم تتأخّر إجابته إيّاهم فيما سألوا ، وهذا مستفيض وصحيح عند المحقّقين من أهل الله ، ومن هذا القبيل مسألة بلعام في دعوته على موسى عليه‌السلام وقومه بالاسم ، حتى ماتوا في التّيه بعد أن بقوا فيه حيارى ما شاء الله من السنين ، وقد ذكر ذلك جماعة من المفسّرين في (٢) معنى قوله تعالى : (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا) (٣) هذا ، مع أنّ بلعام من الغاوين كما أخبر الله. ومع ذلك نفذت دعوته في موسى عليه‌السلام وقومه ؛ لخاصية الاسم.

فنقول في جواب ذلك : نحن لم نمنع أن يكون للحقّ اسم أو أسماء يتصرّف بها في الوجود من مكّنه الحقّ منها وعرّفه بشيء منها ، بل نتحقّق ذلك ونتيقّنه ، وإنّما منعنا عموم نفوذ حكم

__________________

(١) ق : إلّا خلق.

(٢) ق : من.

(٣) الأعراف (٧) الآية ١٧٥.

١٤٩

الاسم ، وأن يكون دلالته على ذات الحقّ بالمطابقة التامّة ، دون تضمّنه معنى آخر غير الذات ، كالصفات والأفعال ونحو هما ، وما ذكرتم لا ينافي ما قرّرناه ، فاعلم ذلك.

والجواب الآخر : أنّ التعريف الواصل إلينا من الحقّ بهذا الاسم لا يمكن أن يكون بدون واسطة أصلا ، ونحن نبيّن ذلك ونقرّره باللسان الشرعي والذوقي.

أمّا الشرعي فقوله تعالى : (وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ) (١) الآية.

وأمّا الذوقي فإنّ أقلّ ما يتوقّف عليه الخطاب حجاب واحد ، وهو نسبة المخاطبة ، الحاصلة بين المخاطب والمخاطب ، والخطاب من أحكام التجلّي ولوازمه ، والتجلّي لا يكون إلّا في مظهر ، وأحكام التجلّي تابعة للمظاهر وأحوالها فإنّه قد بيّنّا أنّ تجلّي الحقّ وخطابه وإن كان واحدا ، فإنّه ينصبغ بحكم ما يصل إليه ويمرّ عليه ، والمخاطب مقيّد باستعداد خاصّ ومرتبة وروحانيّة وحال وصورة وموطن وغير ذلك. ولكلّ ممّا (٢) ذكرنا أثر فيما يرد من الحقّ.

فإذا ما يرد علينا ويصل إلينا ، لم يبق على ما كان عليه ، ولم يصحّ إدراكنا له بحسبه ، بل بحسبنا.

ثم لو فرضنا أنّه لم يلحق ذلك الخطاب تغيّر من حيث القابل ونسبته ، (٣) كما صحّ وثبت ، لكان (٤) مجرّد تقيّده (٥) بالصفة الخطابيّة اختصاصها بمخاطب واحد أو مخاطبين مخرجا له عمّا كان عليه من الإطلاق والتجريد التامّ ، الذي يقتضيه الحقّ لذاته. فكيف؟

والأمر لا ينفكّ عن أحكام القيود المنبّه عليها وإذا كان الأمر على ذلك ، فلا مطابقة ؛ لأنّ المقيّد بعدّة اعتبارات وقيود لا يطابق المطلق التامّ الإطلاق والتجريد ، العاري عن كلّ نعت وصفة وحكم وقيد واعتبار وغير ذلك.

فإن ادّعى معرفة هذا الاسم بطريق الشهود من حيث أحديّة التجلّي والخطاب ، فنقول :

__________________

(١) الشورى (٤٢) الآية ٥١.

(٢) ق : ما.

(٣) ق : بسببه.

(٤) ب : لكن.

(٥) ق : تقييده.

١٥٠

الذوق الصحيح التامّ أفاد أنّ مشاهدة الحقّ تقتضي الفناء الذي لا يبقى معه للمشاهد فضلة يضبط بها ما أدرك.

وفي التحقيق الأتمّ أنّه متى شهد أحد الحقّ فإنّما يشهد بما فيه من الحقّ ، وما فيه من الحقّ عبارة عن تجلّيه الغيبي الذي قبله المتجلّى له بأحديّة عينه الثابتة المتعيّنة في العلم ، التي يمتاز بها عن غيره من الوجه الخاصّ دون واسطة ، فاستعدّ به لقبول ما يبدو له من التجلّيات الظاهرة فيما بعد (١) بواسطة المظاهر الصفاتيّة والأسمائيّة.

وبهذا حصل الجمع بين قولهم : «ما يعرف الله إلّا الله» وقولنا «لا يمكن إدراك شيء بما ينافيه» وبين دعوى العارف أنّه قد عرف الله معرفة ذوق وشهود. و (٢) من عرف سرّ قرب الفرائض والنوافل وما بيّنّا في ذلك ، تنبّه لما أومأنا إليه.

وعلى كلّ حال ، فنحن مقيّدون من حيث استعدادنا ومراتبنا (٣) وأحوالنا وغير ذلك ، فلا نقبل إلّا مقيّدا مثلنا وبحسبنا كما مرّ ، والتجليات الواردة علينا ـ ذاتيّة كانت أو أسمائيّة وصفاتيّة ـ فلا تخلو عن أحكام القيود المذكورة ، ومن التقط ما قدّمنا من التنبيهات ، وجمع النكت المبثوثة مستحضرا لها ، استغنى عن مزيد البيان والتقرير ، فإنّه قد سبق ذكر ما يستنتج منه مثل هذا وغيره من الأسرار الجليلة.

ثم نقول : وأمّا التقرير (٤) العقلي فهو أن يقال : المراد من وضع الاسم الإشارة بذكره إلى المسمّى ، فلو كان لله بحسب ذاته اسم ، لكان المراد من ذلك الاسم ذكره مع غيره لتعريف ذلك المسمّى ، فإذا ثبت بالاتّفاق أنّ أحدا لا يعرف ذات الحقّ البتّة ، لم يبق في وضع الاسم لتلك الحقيقة فائدة فثبت أنّ هذا النوع من الاسم مفقود.

وأيضا فالاسم الموضوع إنّما يحتاج إليه في الشيء الذي يدرك بالحسّ ويتصوّر في الوهم وينضبط في العقل ، حتى يمتاز بذلك الاسم الموضوع إلى ذاته المخصوصة ، والحقّ سبحانه يمتنع إدراكه بالحواسّ ، (٥) وكذا تصوّره في الأوهام ، وانضباطه بمدارك العقول ،

__________________

(١) ب : دون.

(٢) ق : لم يرد.

(٣) ق : مرتبتنا.

(٤) هذا قسيم التقرير الذوقي الذي مرّ في ص ١٥٠.

(٥) ق : الحواسّ.

١٥١

فيمتنع وضع الاسم العلم له.

إنّما الممكن في حقّه سبحانه أن يذكر بالألفاظ الدالّة على صفاته ، كقولنا : «خالق» و «بارئ» و «محسن» ونحو ذلك.

ثم المقصود من وضع الاسم العلم له هو أن يتميّز ذلك المسمّى عمّا يشاركه في نوعه أو جنسه أو ما كان ، والحقّ منزّه عن أن يكون تحت جنس أو نوع ، أو يشاركه أحد ، فيمتنع وضع اسم علم له.

ثم إنّ الاسم العلم لا يوضع إلّا لما كان معلوما ، والخلق لا يعلمون الحقّ من حيث ذاته ، فكان وضع الاسم العلم له محالا.

وأيضا فالألفاظ إنّما تدلّ على ما تشخّص في الأذهان ، لا على ما في الأعيان ، ولهذا قيل : الألفاظ تدلّ على المعاني ، والمعاني هي التي عناها العاني ، وهي أمور ذهنيّة ، والدليل عليه أنّه إذا رئي جسم من بعيد ، وظنّ أنّه صخرة ، قيل : إنّه صخرة ، فإذا قرب وشوهدت حركته ، قيل : طير ، فإذا قرب جدّا (١) ، قيل : إنسان ، فاختلاف الأسماء لاختلاف التصوّرات الذهنيّة يدلّ على أنّ مدلول الألفاظ هو الصور الذهنيّة ، لا الأعيان الخارجيّة.

وممّا يؤيّد ما ذكرنا أنّ اللفظ لو دلّ على الوجود الخارجي لكان إذا قال إنسان : العالم قديم ، وقال غيره : العالم حادث ، لزم كون العالم قديما حادثا معا. أمّا إذا قلنا : الألفاظ دالّة على المعاني الذهنية ، كان هذان القولان دالّين على حصول هذين الحكمين من هذين الإنسانين بحسب تصوّرهما الذهني ، ولا تناقض في ذلك.

وإذا صحّ أنّ مدلول الألفاظ هو ما في الأذهان ، لا ما في الأعيان ، والذي في الأذهان أمور متشخّصة متقيّدة (٢) متميّزة عن باقي المتشخّصات الذهنيّة ، والحقّ من حيث ذاته معتل عن سائر التشخّصات والتصوّرات الخارجيّة والذهنيّة والعقليّة ، فكيف تكون الألفاظ اليسيرة المركّبة ـ تركيبا جزئيّا ـ دالّة على ذاته المطلقة دلالة تامّة على سبيل المطابقة ، دون اشتراك بحكم وضعي ، (٣) أو مفهوم مقيّد بقيد وضعي أو اصطلاحي؟! هذا تعذّره بيّن جدّا.

__________________

(١) ب : جسدا.

(٢) في بعض النسخ : مقيّدة.

(٣) ق : وصفي.

١٥٢

وبعد أن قرّرنا حكم ما قصدنا تقريره باللسانين : الذوقي والعقلي ، فلنتمّم ذلك بذكر ما يقتضيه حكم اللسان في هذا الاسم ليحصل الجمع والتطبيق الذي التزمته في أوّل الكتاب ، والتوفيق بين الحكم الذوقي والاصطلاح اللغوي العربي ، والله الموفّق.

قال بعض أهل العربيّة في الاسم «الله» : إنّه قد خصّ بسبع خواصّ لا توجد (١) في غيره من الأسماء :

إحداها : أنّ جميع أسماء الحقّ تنسب إلى هذا الاسم ، ولا ينسب هو إلى شيء منها. واستدلّ بقوله تعالى : (وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها) (٢) فنسب جميع أسمائه إليه ، ولم يفعل ذلك بغيره (٣) تنبيها على جلالته.

ومنها : كونه لم يسمّ به أحد من الخلق ، بخلاف باقي الأسماء. واستدلّوا بقوله : (هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا) (٤) أي هل تعلم شيئا يسمّى بالله غيره؟

ومنها : أنّهم حذفوا «يا» من أوّله وزادوا ميما مشدّدة في آخره ، فقالوا «اللهمّ» ولم يفعل ذلك بغيره. (٥) ومنها : أنّهم ألزموه الألف واللام عوضا عن همزته ، ولم يفعل ذلك بغيره.

ومنها : أنّهم قالوا : يا الله ، فقطعوا همزته ، ولم يفعل ذلك بغيره ، وجمعوا بين «يا» التي هي للنداء والألف واللام ، ولم يفعل ذلك بغيره إلّا في ضرورة الشعر ، كقوله :

من أجلك يا التي هيّمت (٦) قلبي

وأنت بخيلة بالودّ (٧) عنّي

وأنشد الفرّاء :

مبارك هو ومن سمّاه

على اسمك اللهمّ يا الله

وقال آخر :

يا لغلامان (٨) اللذان فرّا

إيّاكما أن تكسباني (٩) شرّا

__________________

(١) ه : توجده.

(٢) الأعراف (٧) الآية ١٨٠.

(٣) ق : لغيره.

(٤) مريم (١٩) الآية ٦٥.

(٥) ق : لغيره.

(٦) ق : تيمت ، ه : هميت.

(٧) ق : بالوصل.

(٨) ق : والغلامان ، ب : فالغلامان.

(٩) ق : تكسبانا.

١٥٣

ومنها : تخصيصهم إيّاه في القسم بحالة لا تكون لغيره وهو إدخالهم التاء عليه في قولهم : «تالله لا أفعل» وقولهم : «وأيمن الله لأفعلنّ».

فتذكّر بهذه الخواصّ السبع الحكم السباعيّ الذي نبّهت عليه عند الكلام على حروفه ، مرتقيا إلى الفرديّة الأولى والتربيع التابع له ، ثم إلى التثنية التي لها الأوّليّة والحكم الخماسيّ التالي (١) له والمقترن به ، واعتبر التطابق الذي بين الحقائق ، وتبعيّة ما ظهر من الجزئيّات لما بطن من أصولها الكلّيّة ، ينفتح لك أبواب شتّى من المعارف العزيزة (٢) والله المرشد.

اشتقاق لفظ الجلالة

وأمّا اشتقاقات (٣) هذا الاسم الكريم فأحدها مأخوذ من أله (٤) الرجل إلى الرجل يأله إلاها : فزع إليه فآلهه ، أي أجاره وآمنه.

والاشتقاق الثاني مأخوذ من وله يوله ، وأصله (٥) «ولاه» فأبدلت الواو همزة ، كما قالوا : وساد وإساد وشاح وإشاح. والوله عبارة عن المحبّة الشديدة ، وكان يجب أن يقال : مألوه كمعبود ، لكن خالفوا البناء ليكون اسم علم ، فقالوا : إلاه. كما قيل للمحسوب والمكتوب : حساب وكتاب.

الاشتقاق الآخر مأخوذ من لاه يلوه. إذا احتجب.

والآخر «لاه يلوه» إذا ارتفع.

والآخر اشتقاقه من ألهت بالمكان إذا أقمت به.

والآخر اشتقاقه من الإلهيّة ، وهي القدرة على الاختراع.

والوجه الآخر في اشتقاقه قالوا : الأصل في قولنا : الله الهاء التي هي كناية عن الغائب. وذلك أنّهم أثبتوا موجودا في نظر عقولهم ، وأشاروا إليه بحرف الكناية ، ثم زيد فيه لام الملك ، لما علموا أنّه خالق الأشياء ومالكها ، فصار «له» ، ثم زيدت فيه الألف واللام تعظيما ، وفخّموه توكيدا لهذا المعنى ، فصار بعد هذه التصرّفات على صورة قولنا : «الله» والآخر : أله

__________________

(١) ق : بالتالي.

(٢) ق : الغريزة.

(٣) في الأصل : وأمّا اشتقاق.

(٤) ب : تألّه.

(٥) ه : أصلها.

١٥٤

الرجل يأله ، إذا تحيّر في الشيء ولم يهتد إليه والوله ذهاب العقل.

والآخر وله الفصيل إذ ولع بأمّه. والمعنى أنّ العباد مولهون ومولعون في التضرّع إلى الله في كلّ الأحوال.

والآخر اشتقاقه من أله يأله إلاهه ، كعبد يعبد عبادة ، وقرأ ابن عبّاس ـ رضي الله عنهما ـ (وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ) أي عبادتك.

وقيل أيضا. أصل هذا الاسم «إله» ثم أدخلت عليه الألف واللام ، فصار الإله ، ثم خفّفت الهمزة بأن ألقيت حركتها على اللام الساكنة قبلها ، وحذفت ؛ فصار اللاه ، ثم أجريت الحركة العارضة مجرى الحركة اللازمة ، فأدغمت اللام الأولى في الثانية بعد أن سكّنت حركتها ، فقيل «الله».

فبهذا قد بيّنّا ما يختصّ بهذا الاسم الجامع من الشرح من حيث الذوق ومن حيث البحث النظري ، ومن حيث الاصطلاح اللغوي.

تطابق معاني الاسم ظاهرا وباطنا

فأنت إذا اعتبرت وجوه اشتقاقاته وما فيها من المعاني ، وأسقطت ما هو كالمكرّر منها من حيث اندراج بعضها في البعض ـ اندراجا معنويّا ـ علمت أيضا صورة المطابقة بين معاني هذا الاسم من حيث ظاهره ، وبين الأسرار الباطنة المنسوبة إليه فيما مرّ. ولو لا التطويل لعيّنتها لك ، ولكن فيما ذكر غنية للّبيب المتبصّر.

ولمّا لم يصحّ استناد العالم إلى الحقّ من حيث ذاته ؛ لما بيّنّا ، بل من حيث معقوليّة نسبة كونه إلها ، وتعقّل الحقّ من كونه إلها اعتبار زائد على ذاته ، وتعلّق العالم بالحقّ والحقّ بالعالم إنّما يصحّ بهذه النسبة ، فلا جرم صار مرجع سائر الأسماء والمراتب والنسب إلى هذه النسبة الواحدة الجامعة لسائر ما ذكر ؛ فإنّها أصل كلّ حكم واسم ووصف ونعت ونسبة وغير ذلك ممّا يسند إلى الحقّ سبحانه ، ويضاف إليه ، فافهم والله المرشد.

ربّ

وإذا وضّحنا سرّ الحمد ، ومراتبه وأقسامه ، وسرّ الاسم «الله» المضاف إليه الحمد في

١٥٥

هذه السورة ، فلنبيّن سرّ الاسم «الربّ» التالي له ، فنقول :

هذا الاسم لا يعقل ولا يرد إلّا مضافا ، وله من حيث الاصطلاح اللغوي خمسة أحكام تستلزم خمس صفات.

فأمّا الأحكام فالثبات ، والسيادة ، (١) والإصلاح ، والملك ، والتربية ؛ لأنّ الربّ هو المصلح ، والسيّد ، والمالك ، والثابت والمربّي.

صلاحه تعالى

فأمّا سرّ كونه مصلحا فلأنّ الممكنات من حيث هي وبالنظر إليها ليس نسبتها إلى الوجود وقبوله والظهور به بأولى من بقائها في مرتبة إمكانها من حيث نسبة اللاقبول واللاظهور ، فترجيح الحقّ جانب إيجادها على بقائها في حجاب إمكانها ـ مع ثبوت أنّ الخير في الوجود والشرّ في العدم ، وكونه سبحانه يزيد العبد إلى نعمة الإيجاد من كونه إيجادا فحسب نعما أخر لا تحصى ولا (٢) يقدر أحد (٣) على أداء شكر اليسير منها ، كالصلاح التامّ ونحوه ـ دليل على رعاية ما هو الأنفع في حقّ العبد والأولى والأصلح.

حكم السيادة

وأما السيادة (٤) فثابتة للحقّ من حيث افتقار غيره إليه في استفادة الوجود منه وغناه بذاته عن استفادة الوجود من الغير ؛ لأنّه عين الوجود ومنبعه ، والغنى حقيقة إضافيّة سلبيّة تدلّ على عدم احتياج الغنيّ إلى غيره فيما ثبت له الاستغناء عنه ، فقد يكون أمرا واحدا.

وقد يكون أكثر من واحد ، مع تعذّر ظهور حكمه على الإطلاق ، كما بيّنّا في سرّ الحمد وغيره من الحقائق.

وله ـ أعني الغنى (٥) ـ أربع مراتب : مرتبة ظاهرة محلّ حكمها الأوّل عالم الدنيا ، ومادّته

__________________

(١) ق : السيارة.

(٢) ب : فلا.

(٣) ق : أحدا.

(٤) ق : السيارة.

(٥) ق : للغنى.

١٥٦

متاع الدنيا. ومرتبة باطنة ، وهي على قسمين : قسم لا تتعدّى فائدته موطن الدنيا ، وهو الغنى النفسي الحاصل للقانعين من أهل النفوس الآبية (١) والمتمكّنين من التصرّف في الموجودات بأسرار الأسماء والحروف والتوجّهات الباطنة ، والعلم بالكيمياء والتسخيرات. وقسم لا تتقيد فائدته بموطن دون موطن ، وبحال دون حال ، كحال الواثقين بالله والمتوكّلين عليه والمتمكّنين من التصرّف مع تركه ؛ إيثارا لما عند الله وتأدّبا معه.

وقسم (٢) جامع بين سائر الأقسام المذكورة.

ومراتب الفقر في مقابلة هذه المراتب المذكورة ، فكلّ نسبة عدميّة تعقل في مقابلة كلّ مرتبة من مراتب الغنى هي مرتبة من مراتب الفقر ، والإطلاق محال كما مرّ ، والفقر الجامع المقابل للغنى الجامع لا يصحّ إلّا للإنسان الكامل ، فافهم.

حكم الثبات

وأمّا حكم الثبات ـ وهو الحكم الثالث من الخمسة التي للاسم «الربّ» ـ فهو ثبات الحقّ من حيث ذاته ، ومن حيث امتيازه عمّا سواه بالأمور الثابتة له بكلّ وجه وعلى كلّ حال ، وفي كلّ مرتبة دون مشارك ، وقد ذكرتها على سبيل الحصر في مراتب التمييز من قبل ، فلا حاجة إلى إعادتها ، ومن وقف عليها ، علم سرّ ما أشرنا إليه.

حكم الملك

وأمّا حكم الملك فظاهر في الكون من حيث إحاطة الحقّ به علما ووجودا وقدرة ، وكون مشيئة الكون تابعة للمشيئة الإلهيّة كما أخبر وأظهر وعلّم ، فهو يفعل أبدا ما يشاء كيف شاء ، ومتى شاء ، وبما شاء ، وفيما شاء.

حكم التربية

وأمّا حكم التربية فيختصّ بالإمداد الحاصل لكلّ موجود ممكن من الحقّ ،

__________________

(١) ق : الآتية.

(٢) وهو المرتبة الرابعة.

١٥٧

ليدوم وجوده ويبقى ؛ فإنّ الوجود لمّا لم يكن ذاتيّا له ، بل مستفادا ، افتقر إلى الإمداد بما به بقاؤه ، وإلّا فالحكم العدمي الإمكاني يطلبه في الزمن الثاني من زمان وجوده وهو قابل له ، فدوام حكم الترجيح الحاصل بالإبقاء ، وشروطه ممّا لا يستغني عنه ممكن في وجوده.

لوازم الأحكام

وأمّا الصفات الخمس اللازمة للأحكام فهو التلوين المقابل للثبات ، والعبوديّة المقابلة للسيادة ، والإعدام والإهلاك في مقابلة الإصلاح والإبقاء والإيجاد ونحو ذلك ، والمملوكيّة المقابلة لنسبة المالكيّة ، وعدم قبول التربية والظهور بحكمها في مقابلة التربية.

وبعض هذا يندرج في البعض ؛ فالتلوين مندرج في الثبات ؛ لأنّه عبارة عن التغيّر ، وحكم التغيّر ثابت لنفس التغيّر والمتغيّر ، والمحو ثابت في الإثبات ، وكذلك الممحوّ (١) ثابت له أنّه ممحو ، وأنّه ممتاز بهذا الحكم عن سواه من حيث ما يغايره ، فحكم الثبات شامل كلّ شيء ؛ لأنّ كلّ حكم يقتضيه أمر لذاته ـ كائنا ما كان ـ فهو ثابت له ، وثابت اختصاصه به أو مشاركة غيره له فيه.

وأمّا اندراج العبوديّة (٢) في السيادة فهو أنّ العبوديّة (٣) عبارة عن نسبة جامعة بين نسبتي الفقر والانفعال والمتضايفان لمّا توقّف معرفة كلّ منهما وظهوره ، على الآخر ، علم أنّه لا غنى لأحدهما عن الآخر ، هذا سرّ الأمر (٤) من حيث الحاجة. (٥)

وأمّا سرّه من حيث الانفعال فإنّ الذوق الصحيح والكشف التامّ الصريح أفاد أنّه لا يؤثّر مؤثّر حتى يتأثّر ، فأوّل ما يظهر حكم الانفعال في الفاعل ، ثم يسري منه إلى من يكون محلّا لأثره وظهور فعله.

وأمّا المالكيّة والمملوكيّة فمندرجة (٦) في مرتبتي الفعل والانفعال ؛ لأنّ روح المالك هو

__________________

(١) ق : محو ، ب : ممحوّ.

(٢) ه : العبودة.

(٣) ه : العبودة.

(٤) في بعض النسخ : الأمور.

(٥) أي نسبة الفقر في ق : المجامعة.

(٦) ق : مندرجة.

١٥٨

القدرة والتمكّن من التصرف والتصريف ، دون قيد وتحجير بحال دون حال ، وعلى وجه دون وجه ، وفي أمر دون أمر ، والسرّ في ذلك ما أسلفناه.

سرّ التربية

وأمّا التربية فهي حقيقة كلّيّة تتضمّن معظم أسرار التدبير الوجودي والحكم الكوني والربّاني ، وهي وإن (١) اندرجت من بعض الوجوه فيما مرّ ذكره ، فلها (٢) امتياز من وجوه شتّى.

منها أنّ الإبقاء قد يحصل بمنع ما ينافي البقاء (٣) عن أن يغلب الشيء الذي يراد بقاؤه ويقهره بحيث يذهب عينه (٤) أو يخفى ويضعف حكمه ، وقد يكون بإمداد ما يوجب غلبة الضدّ المقتضي للفناء ، وعلى كلّ حال فأنا أبيّن سرّ التربية وأدرج فيه جملا من الأسرار الربانيّة و (٥) الكونيّة المتعلّقة بهذا الباب ممّا يعظم نفعه وتجلّ جدواه ، والله الهادي ، فأقول :

التربية مخصوصة بالأغذية التي يدوم بها الحياة والبقاء ، والغذاء عبارة عمّا به قوام الصورة الوجوديّة والحياة القائمة بها ، وله ظاهر وباطن.

فلمطلق الصورة الوجوديّة الأعيان وأحكامها ، وللصورة المتشخّصة من حيث الظاهر المشابه لما منه تركيب الصورة الظاهرة ، ومن حيث الباطن ما لا تعرف تلك الحقيقة إلّا به ولا تظهر ذاتها أو حكمها بدونه ، وما عدا هذين الأصلين فتبع لهما وفرع عنهما.

ونسبة كلّ صورة كونيّة معيّنة إلى مطلق الصورة الوجوديّة نسبة الأعضاء ، ولكلّ واحد منها ارتباط بمرتبة روحانية من مراتب الأرواح ، ولكلّ روح استناد إلى حقيقة إلهيّة من الأسماء ، وللحقائق نسب مختلفة توجب في الأرواح قوى مختلفة ، يظهر سرّ ذلك وأثره في مظاهر الأرواح من الصورة (٦) العلويّة وغيرها ، بواسطة الحركات والتشكلات والامتزاجات المعنويّة والروحانيّة والصوريّة ، الفلكيّة والكوكبيّة وسواها ، وبين الجمع (٧) تناسب من وجه ، وتنافر من وجه آخر.

__________________

(١) ق : لم يرد.

(٢) ب : فلمّا.

(٣) ق : التقاء.

(٤) ق : عنه.

(٥) ق : لم يرد.

(٦) ق : الصور.

(٧) ق : الجميع.

١٥٩

ومحلّ سلطنة الاسم ، «الربّ» وحكمه في كلّ وقت من ذلك كلّه الغالب ظهورا ومناسبة وقوّة وهكذا الأمر في الصور الإنسانيّة ، بمعنى أنّ لكلّ عضو من أعضاء الإنسان قوّة ، ولكلّ قوّة ارتباط بحقيقة روحانيّة وأسمائيّة وكونيّة صوريّة مادّية ، وكلّ آخذ من الكلّ ، معط للكلّ ، كلّ فرد لفرد آخر يناسبه ، والنسب والرقائق والإضافات تنشأ فيما بين ذلك ، ويظهر حكمها ، وهكذا الأمر في مطلق الصورة الوجوديّة مع الحقائق الغيبيّة التي هي الصورة المعنوية التي طابقتها هذه الصورة الظاهرة العامّة الكونيّة.

ويمتاز الإنسان من بين سائر الصور الوجوديّة بعدّة أمور ، منها أنّ لكلّ ما عداه غذاء خاصّا من حيث مرتبة خاصّة على وجه خاصّ لا يتعدّاه ولا يتأتّى له التغذّي بسواه ، والإنسان بجمعيّته (١) وإطلاقه يتغذّى بجميع أنواع الأغذية ، هذا له من حيث صورته ، وغذاؤه من حيث معناه وباطنه قبوله جميع أحكام الحقائق وآثار الأسماء والنسب ، وظهوره بها ، وإظهاره كلّها والاتّصاف بجميعها.

واعلم ، أنّ الغذاء ـ على اختلاف ضروبه وأنواعه ـ مظهر صفة البقاء ، وهو من سدنة الاسم «القيّوم» ولا يتغذّى شيء بمنافيه (٢) من الوجه المنافي ، والمراد من التغذّي حبّ دوام ظهور الاسم «الظاهر» وأحكامه.

وسرّ التفصيل في عين الجمع بتجلّي الاسم النوري الذي هو الوجود والتنزّه عنه إشارة إلى عود التجليات عند انسلاخها من ملابس أحكام المتجلّى له ، وانتهاء حكمها فيه إلى معدنها الذي هو الغيب الذاتي والمرتبة المشار إليها بقوله : «كنت كنزا مخفيّا لم أعرف» (٣) الحديث ، ومقام : «كان الله ولا شيء معه» و «الله غنيّ عن العالمين» ونحو ذلك ، وقد سبق في ذلك تنبيهات كافية.

فمتى كاد الاسم «الظاهر» أن يميل من مقام اعتداله ميلا يوجب انصباغ الباطن بحكمه ؛ لكونه صاحب الوقت والغاية ، أظهر الاسم «الباطن» قوّته وغناه الذاتيّ.

ومتى بالغ «الباطن» في ترجيح مرتبة بنسبة غناه ونزاهته ، أظهر «الظاهر» سرّ توقّف

__________________

(١) ق : لجمعيته.

(٢) بما ينافيه.

(٣) أحاديث مثنوي ، ص ٢٩.

١٦٠