اللّباب في علوم الكتاب - ج ١٦

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي

اللّباب في علوم الكتاب - ج ١٦

المؤلف:

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي


المحقق: عادل أحمد عبد الموجود و علي محمّد معوّض
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-2298-3

الصفحات: ٥٧٤

فالجواب : أن حركة الشمس التي لا تدرك بها القمر مختصة بالشمس فجعلها كالصادرة منها فذكر بصيغة الفعل لأن صيغة الفعل لا تطلق على من لا يصدر منه الفعل فلا يقال : يخيط ولا يكون تصدر منه الخياطة وأما حركة القمر فليست مختصة بكوكب من الكواكب بل الكل فيها مشترك بسبب حركة فلك (١) لا يختص بكوكب فالحركة ليست كالصادرة منه فأطلق على (٢) اسم الفاعل لأنه لا يستلزم صدور الفعل يقال : فلان خيّاط وإن لم يكن يخيط. فإن قيل : قوله : (يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً) يدل على أن الليل سابق.

فالجواب : أن المراد من الليل ها هنا سلطان الليل وهو القمر ولا يسبق الشمس بالحركة اليوميّة السريعة والمراد من الليل هناك نفس الليل وكل واحد لما كان في عقب الآخر فكأنه طالبه.

فإن قيل : قد ذكر ههنا سابق (النهار) (٣) وقال هناك يطلبه ولم يقل طالبه.

فالجواب : لما بينا (٤) (من) (٥) أن المراد في هذه السورة من الليل كواكب الليل وحركاتها بحركة (٦) الفلك فكأنها لا حركة لها فلا سبق ولا من شأنها أنها سابقة والمراد هناك نفس الليل والنهار وهما زمانان لا قرار لهما فهو يطلب حثيثا لصدور المنقضي (٧) منه.

فإن قيل : ما الحكمة في إطلاق الليل وإرادة سلطانه وهو القمر وماذا يكون لو قال : ولا القمر سابق الشّمس.

فالجواب : لو قال ولا القمر سابق الشمس ما كان يفهم أن الإشارة إلى الحركة اليومية فكان يتوهم المناقض بأن الشمس إذا كانت لا تدرك القمر فالقمر أسرع ظاهرا وإذا قال : ولا القمر سابق يظن أن القمر لا يسبق فليس بأسرع فقال اللّيل والنهار ليعلم أن الإشارة إلى الحركة التي بها تتم الدورة في يوم وليلة مرة وأن جميع الكواكب لها طلوع وغروب في اللّيل والنهار (٨).

قوله : (وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ) قرأ عمارة (٩) بنصب «النّهار» (١٠) حذف التنوين لالتقاء الساكنين.

__________________

(١) في «ب» تلك. اسم إشارة.

(٢) في «ب» عليه.

(٣) سقط من «ب».

(٤) في «ب» لما بين.

(٥) سقط من «ب».

(٦) في «ب» بحركات.

(٧) في الرازي التّقصّي وفي «ب» المقتضي. وانظر : تفسير الإمام الفخر ٢٦ / ٧٣ و ٧٤.

(٨) تفسير الإمام الفخر الرازي ٢٦ / ٧٣ و ٧٤.

(٩) لم أجده في مرجع من مراجع تراجم القراء وقد ترجم له الخطيب في التاريخ : «عمارة بن عقيل بن بلال بن جرير من شعراء الدولة العباسية وكان النحويون يأخذون عنه». تاريخ بغداد ١٢ / ٢٨٢ و ٢٨٣ ، والأغاني ٢٠ / ١٨٣.

(١٠) مختصر ابن خالويه ١٢٥ والمحتسب ٢ / ٨١ وانظر : الخصائص ١ / ١٢٥ و ٢٤٩ و ٣٧٣ و ٣١٨ وهي من الشواذ رواية وتجوز صنعا. وانظر : البحر ٧ / ٣٣٨ والسمين ٤ / ٥١٩ و ٥٢٠.

٢٢١

قال المبرد : سمعته يقرؤها فقلت : ما هذا؟ فقال : أردت سابق ـ يعني بالتنوين ـ فخففت (١).

قوله : (وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) أي يجرون. وهذا يحقق أن لكلّ طلوع في يوم وليلة لا يسبق بعضها بعضا بالنسبة إلى هذه الحركة والتنوين في قوله : «كلّ» عوض عن الإضافة (٢). والمعنى كل واحد. وإسقاط التنوين للإضافة حتى لا يجتمع التعريف والتنكير في شيء واحد فلما أسقط المضاف إليه لفظا رد التنوين عليه لفظا وفي المعنى معرف بالإضافة.

فإن قيل : فهل يختلف الأمر عند الإضافة لفظا وتركها؟.

فالجواب : نعم ، لأن قول القائل : كل واحد من الناس كذا لا يذهب الفهم إلى غيرهم فيفيد اقتصار الفهم عليه ، فإذا قال : كلّ كذا يدخل في الفهم عموم أكثر من العموم عند الإضافة وهذا كما في : «قبل وبعد» إذا قلت : أفعل قبل كذا فإذا حذفت المضاف وقلت أفعل قبل أفاد فهم الفعل قبل كلّ شيء (٣).

فإن قيل : فهل بين قولنا : «كل منهم» وبين : «كلّهم» وبين «كلّ» فرق؟.

فالجواب : نعم فقولك : كلهم يثبت الأمر للاقتصار عليهم ، وقولك : كلّ منهم يثبت الأمر أولا للعموم ثم استدركه بالتخصيص فقال : منهم وقولك : كلّ يثبت الأمر على العموم وتركت (٤) عليه (٥). فإن قيل : إذا كان «كلّ» معناه كل واحد منهم والمذكور الشمس والقمر فكيف قال : يسبحون؟.

فالجواب : أن قوله «كل» للعموم فكأنه أخبر عن كل كوكب في السماء سيّارا. وأيضا فلفظ «كل» يجوز أن يوحّد نظرا إلى كون لفظه موحّدا غير مثنى ولا مجموع ويجوز أن يجمع لكون معناه جمعا ، وأما التثنية فلا يدل عليه (٦) اللفظ ولا المعنى وعلى هذا يحسن أن يقال : «زيد وعمرو كلّ جاء» ولا يقال : (كل) (٧) جاءا بالتثنية. وجواب آخرا قوله : (وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ) فالمراد من الليل الكواكب فقال : «يسبحون» (٨).

فصل

الفلك هو الجسم (٩) المستدير أو السطح المستدير أو الدائرة لأن أهل اللغة اتفقوا على أن فلكة المغزل سميت فلكة لاستدارتها وفلك الخيمة هي الخشبة المسطحة

__________________

(١) نقله في كامله ١ / ٢٥٣.

(٢) الكشاف ٣ / ٣٢٤ والرازي ٢٦ / ٧٤.

(٣) المرجع السابق.

(٤) في «ب» ونزلت وفي الرازي المصدر السابق : وتتركه.

(٥) التفسير الكبير للرازي ٢٦ / ٧٤.

(٦) في الرازي : عليها.

(٧) كذا وجد في الرازي وافتقد في «ب».

(٨) انظر كل ما مضى في المرجع السابق.

(٩) الرازي السابق وانظر : اللسان : «ف ل ك» ٣٤٦٤ و ٣٤٦٥.

٢٢٢

المستديرة التي توضع على رأس العمود ، لئلا يمزق العمود الخيمة وهي صفحة مستديرة.

فإن قيل : فعلى هذا تكون السماء مستديرة وقد اتفق أكثر المفسرين (على) (١) أنّ السماء مبسوطة لها أطراف على جبال وهي كالسّقف المستوي ويدل عليه قوله تعالى : (وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ) [الطور : ٥]. قال ابن الخطيب : ليس في النصوص ما يدل دلالة قاطعة على كون السماء مبسوطة غير مستديرة بل دل الدليل الحسّيّ على كونها مستديرة فوجب المصير إليه والسقف المقبّب لا يخرج عن كونه سقفا وكذلك (٢) كونه (٣) على جبال. وأما الدليل الحسي فوجوه :

الأول : أن من أمعن في النظر في جانب الجنوب تظهر (٤) له كواكب مثل سهيل وغيره ظهورا أبديا ولو كان السماء سطحا (٥) مستويا لبان الكلّ للكلّ بخلاف ما إذا كان مستديرا فإن بعضه حينئذ يستتر (٦) بأطراف الأرض فلا يرى.

الثاني (٧) : أن الشمس إذا كانت مقارنة للحمل مثلا فإذا غربت ظهر لك كواكب في منطقة البروج من الحمل إلى الميزان ثم في كل قليل يستتر (٨) الكوكب الذي يكون طلوعه بعد طلوع الشمس وبالعكس وهذا دليل ظاهر وإن بحث فيه يصير (قطعيّا) (٩).

الثالث : أن الشمس قبل طلوعها وبعد غروبها يظهر ضوؤها ويستنير نورها وإلا لما كان كذا بل كان (عند) (١٠) إعادتها إلى السماء يظهر لكل أحد جرمها ونورها معا لكون السماء مستوية (حينئذ(١١) مكشوفة كلها لكل أحد.

الرابع : لو كانت السماء مستوية) لكان القمر عند ما يكون فوق رؤوسنا على المسامتة أقرب ما يكون إلينا وعند ما يكون على الأفق أبعد منا لأن العمود أصغر من القطر والوتر وكذلك في الشمس والكواكب وكان يجب أن يرى أكبر لأن القريب يرى أكبر وليس كذلك.

الخامس : لو كانت السماء مستوية لكان ارتفاعها أول النهار ووسطه وآخره مستويا وليس كذلك. والوجوه كثيرة وفي هذا كفاية.

فصل

قال المنجّمون قوله تعالى : (يَسْبَحُونَ) يدل على أنها أحياء لأن ذلك لا يطلق إلا

__________________

(١) سقط من «ب».

(٢) في «ب» ولذلك. وما في الرازي موافق لما هنا.

(٣) في الرازي كونها.

(٤) في «ب» يظهر وهو ما في الرازي.

(٥) في «ب» مسطحا. وهو الموافق للرازي.

(٦) في «ب» يستر بتاء واحدة وهو المخالف للرازي.

(٧) في «ب» الثانية.

(٨) كذا في الرازي وما في «ب» تستتر الكواكب.

(٩) سقط من «ب».

(١٠) كذلك.

(١١) ما بين القوسين كله وجد في الرازي وسقط من «ب».

٢٢٣

على العاقل قال ابن الخطيب إن أرادوا القدر الذي يكون منها التسبيح فنقول به لأن كل شيء يسبح بحمده وإن أرادوا شيئا آخر فلم يثبت ذلك والاستعمال لا يدل كما في قوله تعالى في حق الأصنام : (ما لَكُمْ لا تَنْطِقُونَ) [الصافات : ٩٢] وقوله : (أَلا تَأْكُلُونَ) [الصافات : ٩١].

قوله تعالى : (وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (٤١) وَخَلَقْنا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ ما يَرْكَبُونَ (٤٢) وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلا صَرِيخَ لَهُمْ وَلا هُمْ يُنْقَذُونَ (٤٣) إِلاَّ رَحْمَةً مِنَّا وَمَتاعاً إِلى حِينٍ)(٤٤)

قوله تعالى : (وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ) لما منّ بإحياء الأرض وهي مكان الحيوانات بين أنه لم يقتصر عليه بل بين للإنسان طريقا يتخذ من البحر ويسير فيها كما يسير في البر وهو كقوله تعالى : (وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) [الإسراء : ٧٠] ويؤيد هذا قوله تعالى : (وَخَلَقْنا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ ما يَرْكَبُونَ) إذا فسرناه بأن المراد منه الإبل فإنها سفن البرّ. ووجه آخر وهو أن الله تعالى لما بين سباحة الكواكب في الأفلاك ذكر ما هو مثله وهو سباحة الفلك في البحار ووجه آخر وهو أن الأمور التي أنعم الله (تعالى) (١) بها على عباده منها ضرورة ومنها نافعة فالأول للحاجة والثاني للزينة فخلق الله الأرض وإحياؤها من القبيل الأول فإنها المكان الذي لولاه لما وجد الإنسان ولو لا إحياؤها لما عاش الإنسان ، والليل والنهار في قوله : (وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ) أيضا من القبيل الأول لأنه الزمان الذي لولاه لما حدث الإنسان والشمس والقمر وحركتهما لو لم تكن لما عاش الإنسان ، ثم إنه تعالى لما ذكر من القبيل الأول آيتين ذكر من القبيل الثاني وهو الزينة آيتين :

إحداهما : الفلك التي تجري في البحر فتستخرج (٢) من البحر ما يتزيّن به كما قال تعالى : (وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَواخِرَ) [فاطر : ١٢].

وثانيهما : الدّوابّ التي هي في البرّ كالفلك في البحر في قوله : (وَخَلَقْنا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ ما يَرْكَبُونَ) فإن الدوابّ زينة كما قال تعالى : (وَالْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها وَزِينَةً) [النحل : ٨].

قوله : (أَنَّا حَمَلْنا) مبتدأ «وآية» خبر مقدم (٣) ، وجوز أبو البقاء أن يكون : (أَنَّا حَمَلْنا) خبر مبتدأ محذوف بناء منه على أن «آية لهم» مبتدأ وخبر كلام مستقل بنفسه كما

__________________

(١) أسقط من «ب».

(٢) في «ب» فيستخرج بالياء لا بالتاء.

(٣) قاله شهاب الدين السمين في الدر المصون ٤ / ٥٢٠ وانظر : التبيان لأبي البقاء ١٠٨٣ والبيان للأنباري ٢ / ٢٩٦.

٢٢٤

تقدم في نظيره (١) ، والظاهر أن الضميرين في «لهم» و «ذرّيّتهم» لشيء واحد (٢). ويراد بالذرية آباؤهم المحمولين في سفينة نوح ـ عليه (الصلاة و) السلام ـ أو يكون الضميران مختلفين أي ذرية القرون الماضية (٣). ووجه الامتنان عليهم أنهم في ذلك مثل الذرية من حيث إنهم ينتفعون بها كانتفاع أولئك. وقوله «ما يركبون» هذا يحتمل أن يكون من جنس الفلك إن أريد بالفلك سفينة نوح ـ عليه (الصلاة و) السلام ـ خاصة وأن يكون من جنس آخر كالإبل ونحوه ولهذا سمتها العرب سفن البرّ فقوله : (مِنْ مِثْلِهِ) أي من مثل الفلك أو من مثل ما ذكر من خلق الأزواج ، (في قوله (٤) «وآخر من شكله أزواج») (٥). والضمير في «لهم» يحتمل أن يكون عائدا إلى الذرية أي حملنا ذريتهم وخلقنا للمحمولين ما يركبون ، ويحتمل أن يعود إلى العباد الذين عاد إليهم قوله : (وَآيَةٌ لَهُمْ). وهو الظاهر لعود الضمائر إلى شيء واحد (٦). و «من» يحتمل أن تكون صلة أي خلقنا لهم مثله (٧) ، وأن تكون للبيان ؛ لأن المخلوق كان أشياء. وقال من مثل الفلك للبيان (٨). وتقدم اشتقاق الذّرّيّة في البقرة (٩) ، واختلاف القراء فيها في الأعراف (١٠).

فصل

قال المفسرون : المراد بالذّرّية (١١) الآباء والأجداد واسم الذرية يقع على الآباء كما يقع على الأولاد أي حملنا آباءكم في الفلك ، والألف واللام للتعريف أي فلك نوح وهو مذكور في قوله : (وَاصْنَعِ الْفُلْكَ) [هود : ٣٧] وهو معلوم عند العرب. وقال الأكثرون (١٢) : الذرية لا تطلق إلا على الولد. وعلى هذا فالمراد إما أن يكون الفلك

__________________

(١) التبيان له ١٠٨٣.

(٢) الدر المصون ٤ / ٥٢٠.

(٣) البحر المحيط ٧ / ٣٣٨ والجامع لأحكام القرآن ١٥ / ٣٤ والدر المصون ٤ / ٥٢٠.

(٤) ما بين القوسين ساقط من «ب».

(٥) انظر السابق.

(٦) قاله الإمام الفخر الرازي ٢٦ / ٧٩.

(٧) وهذا رأي الأخفش وسيبويه يقول : «من» لا يكون صلة إلا عند النفي تقول ما جاءني من أحد كما في قوله تعالى : «وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ». نقلها الرازي في تفسيره.

(٨) قال بذلك الرّازي وانظر : التفسير الكبير له ٢٦ / ٨١.

(٩) عند الآية ٢٦٦ :«وَأَصابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفاءُ». وبين المؤلف هناك أن الكسر والفتح والضمّ على فاء الكلمة لغات واردة وأنها إما أن تكون من ذروت فتكون ذرية أصلها «ذرّيوة» أو ذريت أو من ذرأ الله الخلق أو من الذّرّ. اللباب ميكروفيلم.

(١٠) عند قوله تعالى : «وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ» الآية ١٧٢ وذكر هناك أنّ ابن كثير وعاصما وحمزة والكسائيّ بالإفراد. والباقون بالجمع. وانظر : اللباب ٣ / ١٧٤ ب.

(١١) الرازي ٢٦ / ٧٨.

(١٢) وقد اختاره الفراء في معاني القرآن فقال : «إنما يخاطب أهل مكة فجعل الذرية التي كانت مع نوح ـ

٢٢٥

المعين الذي كان لنوح وإما أن يكون المراد الجنس كقوله تعالى : (وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعامِ ما تَرْكَبُونَ) [الزخرف : ١٢] وقوله : (وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَواخِرَ) [فاطر : ١٢] وقوله : (فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ). إلى غير ذلك من استعمال لام التعريف في الفلك لبيان الجنس فإن كان المراد سفينة نوح ففيه وجوه :

الأول : أن المراد : حملنا أولادهم إلى يوم القيامة في ذلك الفلك ولو لا ذلك لما بقي للأب نسل ولا عقب وعلى هذا فقوله : (حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ) إشارة إلى كمال النعمة أي لم تكن النعمة مقتصرة عليكم بل متعدية إلى أعقابكم إلى يوم القيامة وهذا قول الزمخشري (١) ، ويحتمل أن يقال : إنه تعالى إنما خص الذريات بالذكر لأن الموجودين كانوا كفارا لا فائدة في وجودهم فقال : (حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ) أي لم يكن الحمل حملا لهم وإنّما كان حملا لما في أصلابهم من المؤمنين كمن حمل صندوقا لا قيمة له وفيه جواهر (ف) قيل (٢) : إنه لم يحمل الصندوق إنما حمل (٣) ما فيه.

الثاني : أنّ المراد بالذّرّيّة الجنس أي حملنا أجناسهم لأن ذلك الحيوان من جنسه ونوعه ، والذرية تطلق على الجنس ولذلك (٤) تطلق على النّساء كنهي النبي ـ عليه (الصلاة و) السلام ـ عن قتل الذّراري أي النساء (٥) لأنّ المرأة وإن كانت صنفا غير صنف الرجل لكنها من جنسه ونوعه يقال : ذرارينا أي أمثالنا.

الثالث (٦) : أن الضمير في قوله : (وَآيَةٌ لَهُمْ) عائد على العباد ، حيث قال : (يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ) وقال بعد ذلك : (وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ). (وإذا علم (٧) هذا فكأنه تعالى قال: «وآية للعباد أنا حملنا ذريتهم»). وإذا علم هذا فكأنه تعالى قال : «وآية للعباد أنا حملنا ذريات العباد». ولا يلزم أن يكون المراد بالضمير في الموضعين أشخاصا معيّنين كقوله : (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) [النساء : ٢٩] (وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ)(٨). وكذلك (٩)

__________________

ـ لأهل مكة لأنها أصل لهم فقال : «ذرّيتّهم» وهم أبناء الذرية». ٢ / ٣٧٩. وانظر : «اللّسان» : ١٤٩٤ و ١٤٩٥.

(١) معنى كلامه هذا في الكشاف ٣ / ٣٢٤. قال : «إنه حمل آباءهم الأقدمين وفي أصلابهم هم وذرياتهم».

(٢) زيادة لتكميل السياق.

(٣) هذا رأي الإمام الرازي في تفسيره ٢٦ / ٧٩.

(٤) في «ب» وكذلك.

(٥) السابق وانظره أيضا في الكشاف ٣ / ٣٢٤.

(٦) وهذه الأوجه كلها من ذكر الرازي الإمام الفخر. انظر المرجع السابق.

(٧) ما بين القوسين تكرير وزيادة من «أ» على «ب» ، والفخر الرازي.

(٨) كذا في النسختين الآية تلك ٦٥ من الأنعام وما في الرازي «ويريد بعضكم بعضا».

(٩) كذا في «ب» والرازي كذلك و «أ» لذلك.

٢٢٦

إذا تقاتل قوم ومات الكلّ في القتال يقال : هؤلاء القوم هم قتلوا أنفسهم. «فهم» في الموضعين يكون عائدا إلى القوم ولا يكون المراد أشخاصا معيّنين بل المراد أن بعضهم قتل بعضهم فكذلك قوله تعالى : (آيَةٌ لَهُمْ) أي آية لكل بعض منهم أنا (١) حملنا ذرية كلّ (بعض) (٢) منهم ، أو ذرية بعض منهم. وإن قلنا : المراد جنس الفلك وهو الأظهر لأن سفينة نوح لم تكن بحضرتهم ولم يعلموا من حمل فيها فأما جنس الفلك فآية ظاهرة لكل أحد وقوله تعالى في سفينة نوح : (وَجَعَلْناها آيَةً لِلْعالَمِينَ) [العنكبوت: ١٥] أي بوجود جنسها ومثلها. ويؤيده قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آياتِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ) [لقمان : ٣١]. وإن وقيل : المراد سفينة نوح فوجه المناسبة أنه ذكرهم بحال نوح وأن المكذّبين هلكوا والمؤمنين فازوا فكذلك هم إن آمنوا يفوزوا وإن كذبوا يهلكوا. والأول أظهر وهو أن المراد بالفلك الموجود في زمانهم ويؤيده قوله تعالى : (وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ).

فإن قيل : لم قال (حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ) ولم يقل : «حملناهم» ليكون أعم (٣) كما قال : (وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْناها وَأَخْرَجْنا مِنْها حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ) ولم يقل : تأكل ذرّيّتهم؟.

فالجواب : قوله تعالى : (حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ) أي ذريات العباد ولم يقل حملناهم لأن سكون الأرض عام (ل) (٤) كلّ أحد يسكنها فقال : (وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ) إلى أن قال : (فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ) ؛ لأن الأكل عام وأما الحمل في السفينة فمن الناس من لا يركبها في عمره ولا يحمل فيها ولكن ذرية العباد لا بد لهم من ذلك فإنّ فيهم من يحتاج إليها فيحمل فيها.

فإن قيل : ما الحكمة في كونه جمع الفلك في قوله : (وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَواخِرَ) وأفرده في قوله: (فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ).

فالجواب : أن فيه تدقيقا مليحا في علم اللغة وهو أن الفلك (٥) تكون حركتها مثل حركة تلك الكلمة في الصورة ، والحركتان مختلفتان في المعنى مثاله قولك : سجد يسجد سجودا للمصدر وهم قوم سجود في جمع «ساجد» يظن أنها كلمة واحدة لمعنيين وليس كذلك بل السجود عند كونه مصدرا حركته أصلية إذا قلنا : إن الفعل مشتق من المصدر (٦)

__________________

(١) في «ب» أن.

(٢) فقدت في «ب» ووجدت في الرازي كما هنا.

(٣) في «أ» أهمّ. وهنا «ب» الصّحيح.

(٤) اللام من الرازي ولم توجد في النسختين. وانظر كل ما مضى في تفسير الرازي ٢٦ / ٧٩.

(٥) في الرازي : الكلمة بدل الفلك.

(٦) وهذا غير مذهب الكوفيين فقد ذهبوا إلى أن الفعل أصل المشتقات واستدلوا على ذلك بأدلة منها أن المصدر يتبع فعله صحة وإعلالا فإذا صح الفعل صحّ المصدر نحو : لاوذ لواذا ، وإذا أعلّ الفعل أعلّ ـ

٢٢٧

وحركة السجود عند كونه للجمع حركة (١) معتبرة من حيث إن الجمع مشتق (٢) من الواحد وينبغي أن يلحق المشتق تغيير في حرف أو حركة أو في مجموعهما ، فساجد لما أردنا أن يشتقّ منه لفظ جمع غيّرناه وجئنا بلفظ السّجود فإذن السجود للمصدر والجمع ليس من قبيل الألفاظ المشتركة التي وضعت بحركة واحدة لمعنيين. وإذا عرف هذا فنقول «الفلك» عند كونه واحدا مثل : «قفل وبرد» (٣) وعند كونها جمعا مثل خشب أو برد (٤) أو غيرهما.

فإن قيل : فإذا جعلته جمعا ما يكون واحدها؟.

فالجواب : نقول جاز أن يكون واحدها فلكة أو غيرها مما لم يستعمل كواحد النّساء لم يستعمل وكذا القول في : «إمام مبين» إمام كزمام وكتاب عند قوله تعالى : (كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ) أي بأئمّتهم إمام كسهام وحفان (٥) ، وهذا من دقيق التّصريف. وأما من جهة المعنى ففيه سؤالات :

السؤال الأول : قال ههنا : (حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ) منّ عليهم بحمل ذرّياتهم وقال تعالى : (إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ) [الحاقة : ١١] منّ عليهم هناك بحمل أنفسهم.

فالجواب : أن من ينفع المتعلق بالغير يكون قد نفع ذلك الغير ومن يدفع الضر عن المتعلّق بالغير لا يكون قد دفع الضر عن ذلك الغير بل يكون قد نفعه كمن أحسن إلى ولد إنسان وفرّحه فرح بفرحه أبوه وإذا دفع الألم عن ولد إنسان يكون قد فرّح أباه ولا يكون في الحقيقة أزال الألم عن أبيه فعند طغيان الماء كان الضرر يلحقهم فقال : دفعت (٦) عنكم الضّرر ولو قال : دفعت عن أولادكم الضرر لما حصل بيان دفع الضرر عنهم وههنا أراد بيان المنافع فقال : (حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ) لأنّ النفع حاصل بنفع الذرية ، ويدل على هذا قوله : (فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ) فإن امتلأ الفلك من الأموال يحصل (بذكره) (٧)

__________________

ـ المصدر نحو : قام قياما وشأن الفرع أن يتبع الأصل. وذهب البصريون إلى أن المصادر أصل الاشتقاق ومن أدلتهم على ذلك أن المصدر يدل على الحدث والفعل وسائر المشتقات تدل على الحدث والزمان أو الحدث والذات وشأن الفرع أن يدل على معنى الأصل ويزيد عليه زيادة هي الغرض من اشتقاقه وصياغته انظر : التبيان في تصريف الأسماء ٣٣ للدكتور كحيل.

(١) كذا في النسختين وفي الرازي : «متغيرة».

(٢) في «ب» يشتق.

(٣) البرد من الثياب ثوب به خطوط. وخص بعضهم به الوشي. اللسان : «ب ر د» ٢٥٠.

(٤) جمع البرد صاحب اللسان فقال «والجمع أبراد وأبرد وبرود». اللسان المرجع السابق.

(٥) يوضح الرازي هذه النقطة في كتابه فيقول : «وكذا القول في إمام مبين ، وفي قوله : «نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ» أي بأئمتهم ؛ عند قوله تعالى : «إِمامٍ مُبِينٍ» إمام كزمام وكتاب وعند قوله تعالى :«كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ» إمام كسهام وكرام وجفان وهذا من دقيق التصريف. الرازي ٢٦ / ٨٠ و ٧٩.

(٦) في «ب» كلتا الكلمتين رفعت بالراء وما هنا في «أ» موافق للرازي.

(٧) سقط من «ب».

٢٢٨

بيان المنفعة (١) وإذا دفع المضرة فلا لأن الفلك كلما كان أثقل كان الخلاص بها أبطأ وهنالك السلامة فاختار هناك ما يدل على الخلاص من الضرر وهو الجري وههنا ما يدل على كمال المنفعة وهو الشّحن.

فإن قيل : قال تعالى : (وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) ولم يقل : وحملنا ذريتكم مع أن المقصود في الموضعين بيان النعمة لا دفع النّقمة نقول : لما قال في البرّ والبحر عمّ الخلق لأن ما من أحد إلا وحمل في البر والبحر وأما الحمل في البحر فلم يعمّ فقال إن كنا ما حملناكم بأنفسكم فقد حملنا من يهمكم أمره من الأولاد والأقارب والإخوان والأصدقاء.

فصل

وفي قوله : «المشحون» فائدة أخرى وهي أن الآدميّ يرسب في الماء ويغرق فحمله في الفلك واقع بقدرته لكن من الطّبيعيّين (٢) من يقول : الخفيف لا يرسب في الماء لأنه يطلب جهة فوق فقال : (الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ) وهو أثقل من الثقال التي ترسب ومع هذا حمل الله الإنسان فيه مع ثقله.

فإن قيل : ما الحكمة في قوله : (وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ) (و) (٣)(وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ)؟ ولم يقل: وآية لهم الفلك جعلناها بحيث تحملهم؟.

فالجواب : أن حملهم في الفلك هو العجيب. أما نفس الفلك فليس بعجيب لأنه كبيت مبنيّ من خشب وأما نفس الأرض فعجيب ونفس الليل عجيب لا قدرة لأحد عليهما إلا الله (٤).

قوله : (وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ) قرأ الحسن بتشديد (٥) الراء وهذه الآية تدل على أن المراد بقوله : (مِنْ مِثْلِهِ) الفلك الموجود (٦) في زمانهم وليس المراد الإبل كما قاله بعض المفسرين بأن المراد الإبل لأنها سفن البرّ لأن ذلك يؤدي إلى أن يكون قوله : (وَخَلَقْنا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ ما يَرْكَبُونَ) فاصلا بين متصلين. ويحتمل أن يقال : الضمير في مثله يعود إلى معلوم غير مذكور. وتقريره أن يقال : وخلقنا لهم من مثل ما ذكر من المخلوقات كما في

__________________

(١) في «ب» فإذا وفي الرازي : فأما.

(٢) الأصح لها هكذا عند ما ننسب إلى لفظ المذكر. أما المؤنث فنقول الطّبيعيّات. وإنما فعلوا ذلك قصدا للفرق بين المذكر والمؤنث ومع حذف تاء التأنيث فالحذف يشجع الحذف.

(٣) زيادة للسياق. وانظر في هذا كله تفسير الرازي ٢٦ / ٨٠.

(٤) المرجع السابق.

(٥) من الأربع الشواذ على العشرة فقد نقلها صاحب الإتحاف ٣٦٥ وانظر : مختصر ابن خالويه ١٢٥ والكشاف ٣ / ٣٢٥.

(٦) في «ب» الموجودة.

٢٢٩

قوله تعالى : (لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ) أن الهاء عائدة إلى ما ذكرنا أي من (١) ثمرنا.

فصل

في قوله : (وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ) فائدتان :

إحداهما : أن في حال النعمة ينبغي أن لا يؤمن (٢) عذاب الله.

والثانية : أن ذلك جواب عن سؤال مقدر وهو أن الطّبيعيّ يقول : السفينة تحمل بمقتضى الطّبيعة والمجوّف لا يرسب ، فقال : ليس كذلك بل لو شاء الله إغراقهم لأغرقهم وليس كذلك بمقتضى الطبيعة ولو صح كلامه الفاسد لكان لقائل أن يقول : ألست توافق أن من السفن ما ينقلب وينكسر ومنها ما يثقبه ثاقب فيرسب وكل ذلك بمشيئة الله فإن شاء أغرقهم من غير شيء من هذه الأسباب كما هو مذهب أهل السنة أو شيء من تلك الأسباب التي سلمتها أنت (٣).

قوله : (فَلا صَرِيخَ لَهُمْ) فعيل بمعنى فاعل لا مغيث (٤) لهم. وقيل : فلا مستغيث (٥). وقال الزمخشري : فلا إغاثة جعله مصدرا من «أصرخ» (٦). قال أبو حيان «ويحتاج إلى نقل أن «صريحا» يكون مصدرا بمعنى إصراخ» (٧). والعامة على فتح «صريخ». وحكى أبو البقاء أنه قرىء بالرفع والتنوين (٨). قال : ووجهه (٩) على ما في قوله : (فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ).

فصل

معناه : لا مغيث لهم يمنع عنهم الغرق (وَلا هُمْ يُنْقَذُونَ) إذا أدركهم الغرق لأن الخلاص من العذاب إما أن يكون برفع العذاب من أصله أو برفعه بعد وقوعه فقال : (فَلا صَرِيخَ لَهُمْ) يدفع ولا هم ينقذون بعد الوقوع فيه وهو كقوله تعالى : (لا تُغْنِ عَنِّي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلا يُنْقِذُونِ.) وفيه فائدة أخرى غير الحصر وهي أنه تعالى قال : لا صريخ لهم ولم يقل : ولا منقذ لهم ؛ لأ (نّ) (١٠) من لا يكون من شأنه أن ينصر لا يشرع (١١) في

__________________

(١) قاله الرازي ٢٦ / ٨١.

(٢) في الرازي : أن في حال النعمة ينبغي أن لا يأمنوا عذاب الله.

(٣) وفيه : كما تسلم أنت. وانظر : تفسيره ٢٦ / ٨٢.

(٤) نقله أبو حيان في البحر ٧ / ٣٣٩ والسمين في الدر ٤ / ٥٢٠ والزجاج ٤ / ٥٢٠.

(٥) نقله السمين في الدر المرجع السابق.

(٦) الكشاف ٣ / ٣٢٥ وقد وافقه الفراء في المعاني ٢ / ٣٧٩.

(٧) البحر ٧ / ٣٣٩.

(٨) التبيان ١٠٨٣.

(٩) النحاس ٤ / ٣٩٧ والكشاف ٣ / ٣٢٤ ومشكل الإعراب ٢ / ٢٢٧.

(١٠) لفظ النون سقط من نسخة «ب».

(١١) في «ب» يسرع بالسين.

٢٣٠

النصر مخافة أن يغلب ويذهب ماء وجهه وإنما ينصر ويغيث من كان من شأنه أن يغيث فقال : (فَلا صَرِيخَ لَهُمْ) وأما من لا يكون من شأنه أن ينقذ إذا رأى من يعين (١) عليه في نصره يشرع في الإنقاذ وإن لم يثق من نفسه في الإنقاذ ولا يغلب على ظنه وإنما يبذل المجهود فقال : (وَلا هُمْ يُنْقَذُونَ) ولم يقل : ولا منقذ لهم ، ثم استثنى وقال : (إِلَّا رَحْمَةً مِنَّا وَمَتاعاً إِلى حِينٍ) وهو يفيد أمرين :

أحدهما : انقسام الإنقاذ إلى قسمين : الرحمة والمتاع أي فمن علم أنه يؤمن (٢) فينقذه الله رحمة وفيمن علم أنه لا يؤمن فليمتنع (٣) زمانا ويزداد إثمه.

وثانيهما : أنه بيان لكون الإنقاذ غير مفيد للدوام بل الزّوال في الدنيا لا بدّ منه ، فينقذه رحمة ويمتعه إلى حين ثم يميته فإذن الزوال لازم أن يقع. قال ابن عباس المراد «بالحين» انقضاء آجالهم يعني (إلّا) (٤) أن يرحمهم ويمتعهم إلى حين آجالهم.

قوله : (إِلَّا رَحْمَةً) منصوب على المفعول (٥) له وهو استثناء (٦) مفرغ ، وقيل : استثناء (٧) منقطع وقيل : على المصدر بفعل مقدّر ، أو على إسقاط الخافض أي إلا برحمة (٨) ، والفاء في قوله : (فَلا صَرِيخَ) رابطة لهذه الجملة بما قبلها (٩) ؛ فالضمير في «لهم» عائد على «المغرقين» (١٠). وجوز ابن عطية هذا ووجها آخر وجعله أحسن منه وهو أن يكون استئناف إخبار عن المسافرين في البحر ناجين كانوا أو مغرقين هم بهذه الحالة لا نجاة لهم إلّا برحمة الله وليس قوله : (فَلا صَرِيخَ لَهُمْ) مربوطا بالمغرقين انتهى (١١).

وليس جعله هذا الأحسن بالحسن لئلا تخرج الفاء عن موضوعها والكلام عن التئامه (١٢).

__________________

(١) في الرازي : من يعز عليه في ضر.

(٢) في «ب» مؤمن ينقذه.

(٣) في «ب» فليمتع.

(٤) سقط من «ب» وانظر : الرازي ٢٦ / ٨٢ وزاد المسير ٧ / ٢٢.

(٥) التبيان ١٠٨٣ والبيان ٢ / ٢٩٧ وتأويل المشكل ٢ / ٢٢٨ ومعاني الزجاج ٤ / ٢٨٩ والإعراب للنحاس ٣ / ٣٩٧ والدر المصون ٤ / ٥١٥.

(٦) قاله أبو حيان في البحر ٧ / ٣٣٩.

(٧) لم يحدده الكسائي ونقل هذا الرأي أبو البقاء في التبيان ١٠٨٤.

(٨) في «ب» رحمة وهذا تحريف غير مقصود. وقد ذكر هذين الوجهين العكبري في التبيان ١٠٨٣ و ١٠٨٤ والأنباري في البيان ٢ / ٢٩٧ ومكي في مشكل الإعراب ٢ / ٢٢٨ والسمين في الدر ٤ / ٥٢١ ومعنى قول الكشاف أنه منصوب على المفعول له. انظره ٣ / ٣٢٤.

(٩) الدر المصون ٤ / ٥٢١ والبحر ٧ / ٣٣٩.

(١٠) السمين ٤ / ٥٢١.

(١١) المرجعان السابقان.

(١٢) هذا معنى كلام أبي حيان على ابن عطية معترضا عليه كعادته قال : «وليس بحسن ولا أحسن».

٢٣١

قوله تعالى : (وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا ما بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَما خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (٤٥) وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ إِلاَّ كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ (٤٦) وَإِذا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشاءُ اللهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ)(٤٧)

قوله : (وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا) جوابها محذوف أي أعرضوا يدل عليه قوله بعده : (إِلَّا كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ). وعلى هذا فلفظ «كانوا» (١) زائد ، قال ابن عباس : ما بين أيديكم يعني الآخرة فاعملوا لها ، وما خلفكم يعني الدنيا فاحذروها ولا تغترّوا بها (٢). وقيل : ما بين أيديكم وقائع الله فيمن كان قبلكم من الأمم وما خلفكم عذاب الآخرة قاله قتادة ومقاتل (٣) ، (لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)(٤).

قوله : (وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ) أي دلالة على صدق محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ إلا كانوا عنها معرضين. وهذا الاستئناف في محل (نصب) (٥) حال (٦) كما تقدم في نظائره ، وهذه الآية متعلقة بقوله تعالى : (يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ ما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) أي إذا جاءتهم الرسل كذبوا وإذا أتوا بالآيات أعرضوا.

قوله : (وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا) لما عدد الآيات بقوله : (وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ)(٧) (و) (آيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ) (و) (آيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ) وكانت الآيات تفيد اليقين والقطع ولم تفدهم (٨) اليقين قال فلا أقلّ من أن يحترزوا (٩) وقوع العذاب ، فإن من أخبر بوقوع العذاب يتقيه وإن لم يقطع بصدق المخبر احتياطا فقال تعالى : إذا ذكرتم الدليل القاطع لا يعترفون به فإذا قيل لهم اتقوا لا يتقون فهم في غاية الجهل ونهاية الغفلة لا مثل العلماء الذين يبنون الأمر على الأحوط ويدل على ذلك قوله تعالى : (لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) بحرف التمنّي أي أن يخفى عليه البرهان لا يترك الاحتراز والاحتياط.

قوله : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ) أي أعطاكم الله. وهذا إشارة إلى أنهم بخلوا بجميع التكاليف لأن المكلف يجب عليه التعظيم لجانب الله والشفقة على خلق الله وهم تركوا التعظيم حيث قيل لهم : اتّقوا (فلم (١٠) يتّقوا) وتركوا الشفقة على خلق الله

__________________

(١) قاله الرازي في التفسير الكبير ٢٦ / ٨٣.

(٢) ورأي الكلبي أيضا. زاد المسير ٧ / ٢٣.

(٣) السابق.

(٤) أي لتكونوا على رجاء الرحمة من الله.

(٥) زيادة يتم لها الكلام والسياق.

(٦) قاله السمين في الدر ٤ / ٥٢١.

(٧) ما بين القوسين سقط من «ب».

(٨) في «ب» ولم يفدهم بالتذكير على أن الفاعل اليقين.

(٩) في النسختين : يجوزوا فإن من جوز. والتصحيح من الرازي ، انظر : الرازي ٢٦ / ٨٢.

(١٠) ما بين القوسين ساقط من «ب».

٢٣٢

حيث قيل لهم : أنفقوا ولم ينفقوا فما الحكمة في حذف الجواب في قوله : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا)؟ وههنا أجاب وأتى بأكثر من الجواب ولو قال : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا) قالوا (أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشاءُ اللهُ أَطْعَمَهُ) لكان كافيا فما الفائدة في قوله تعالى : (قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا)؟ فالجواب : أن الكفار كانوا يقولون بأنّ الإطعام من الصّفات الحميدة وكانوا يفتخرون بطعمة الأضياف فأوردوا في ذلك على المؤمنين معتقدين بأن أفعالنا منّا (١) ولو لا إطعامنا منّا لما اندفعت (٢) حاجة الضيف وأنتم تقولون : إنّ إلهكم يرزق من يشاء فلم تقولون (٣) لنا : أنفقوا؟ فلما كان غرضهم الرد على المؤمنين ، لا الامتناع من الإطعام قال تعالى عنهم : (قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا) إشارة إلى الرد. وأما قوله : اتّقوا ما بين أيديكم» فلم يكن لهم رد على المؤمنين فأعرضوا فأعرض (الله) (٤) عن ذكر إعراضهم لحصول(٥) العلم به.

فصل

قال المفسرون : إن المؤمنين قالوا لكفار مكة : أنفقوا على المساكين مما (٦) زعمتم أنه لله من أموالكم وهو ما جعلوا لله من حروثهم (٧) وأنعامهم «قالوا أنطعم» أنرزق (مَنْ لَوْ يَشاءُ اللهُ) رزقه ثم لم يرزقه مع قدرته عليه فنحن نوافق مشيئة الله فلا نطعم من لم يطعمه الله. وهذا مما يتمسك به البخلاء يقولون : لا نعطي من حرمه الله. وهذا الذي يزعمون باطل ؛ لأن الله تعالى أغنى بعض الخلق وأفقر بعضهم ابتلاء فمنع الدنيا من الفقير لا بخلا ، وأمر الغني بالإنفاق لا حاجة إلى ماله ولكن ليبلو الغنيّ بالفقير فيما فرض له في مال الغني ولا اعتراض لأحد على مشيئة الله وحكمه في خلقه.

فإن قيل : ما الفائدة من (٨) تغيير اللفظ في جوابهم حيث لم يقولوا : أننفق من لو يشاء الله رزقه وذلك أنهم أمروا بالإنفاق في قوله : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا) فكان جوابهم أن يقولوا : أننفق ؛ فلم قالوا : أنطعم؟.

فالجواب : أن في هذا بيان غاية مخالفتهم لأنهم إذا أمروا بالإنفاق والإنفاق يدخل فيه الإطعام وغيره فلم يأتوا بالإنفاق ولا بأقلّ منه وهو الإطعام. وهذا كقول القائل لغيره :«أعط زيدا دينارا» فيقول: لا أعطيه درهما مع أن المطابق هو أن يقول لا أعطيه دينارا

__________________

(١) في الرازي : «ثناء» لا منّا.

(٢) كذا في «ب» وفي الرازي اندفع.

(٣) كذا في «ب» والعرف النحوي وفي «أ» : فلم تقولوا بحذف النون لحن لغوي.

(٤) زيادة من الرازي.

(٥) انظر : الرازي ٢٦ / ٨٤.

(٦) في «ب» فيما.

(٧) في «ب» حرثهم بالإفراد. وهذا القول ينسب إلى مقاتل. انظر : زاد المسير ٧ / ٢٤ والجامع للقرطبي ١٥ / ٣٦ و ٣٧ والبحر المحيط ٧ / ٣٤٠.

(٨) في «ب» في. وهو الموافق للرازي ٢٦ / ٨٤.

٢٣٣

ولكن المبالغة في هذا الوجه أتمّ. فكذلك ههنا.

فإن قيل : قولهم : (مَنْ لَوْ يَشاءُ اللهُ أَطْعَمَهُ) كلام حق فلماذا ذكر في معرض الذّمّ؟.

فالجواب : لأن مرادهم كان الإنكار لقدرة الله أو لعدم جواز الأمر بالإنفاق مع قدرة الله وكلاهما فاسد فبيّن الله ذلك بقوله : (مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ) فإنه يدل على قدرته ويصحّح (١) أمره بالإعطاء لأن من كان له في يد الغير مال وله في خزانته مال فهو مخير إن أراد أعطى مما في خزانته وإن أراد أمر من عنده المال بالإعطاء ، ولا يجوز أن يقول من في يده مال : في خزانتك أكثر مما في يدي أعطه منه (٢).

قوله : (مَنْ لَوْ يَشاءُ اللهُ أَطْعَمَهُ) مفعول «أنطعم» و «أطعمه» جواب «لو» وجاء على أحد الجائزين (و) (٣) هو تجرده من اللام. والأفصح (٤) أن يكون بلام (٥) ، نحو : (لَوْ نَشاءُ لَجَعَلْناهُ حُطاماً)(٦) [الواقعة : ٦٥] قوله : (إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) يقول الكفار للمؤمنين : ما أنتم إلا في خطأ بيّن (٧) في اتّباعكم محمدا وترك ما نحن عليه وهذا إشارة إلى أنهم قطعوا المؤمنين بهذا الكلام وأن أمرهم بالإنفاق مع قولهم بقدرة الله ظاهر الفساد واعتقادهم هو الفاسد.

فصل

اعلم أنّ «إن» وردت للنفي بمعنى «ما» وكان الأصل في «إن» أن تكون للشرط والأصل في «ما» أن تكون للنفي لكنهما اشتركا من بعض الوجوه فتعارضا (٨). واستعمل «ما» في الشرط ، واستعمل «إن» في النفي. أما وجه اشتراكهما فهو أن كل واحدة منهما حرف مركب من حرفين متقاربين فإن الهمزة تقرب من الألف والميم من النون ولا بد أن يكون المعنى الذي يدخل عليه «ما» و «إن» لا يكون ثابتا أما في «ما» فظاهر وأما في «إن» فلأنك إذا قلت : «إن جاء زيد أكرمه» ينبغي أن لا يكون منه في الحال (مجيء) (٩)

__________________

(١) في «ب» صحح وما في الرازي موافق لما هنا أعلى.

(٢) انظر : تفسير الإمام فخر الدّين الرازي ٢٦ / ٨٤ و ٨٥.

(٣) سقط من ب.

(٤) نقول : إن حكمه كقول الله ـ عزوجل ـ «اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ» فكانت القاعدة تقتضي القول استحاذ كاستجاب واستعاذ لكنا نقول : إنه شاذ قياسا فصيح استعمالا فكان على المؤلف أن يذكر بدل الأفصح الأكثر.

(٥) حيث إنّ الجواب ماض مثبت غير منفي وإذا كان كذلك كانت اللام هي الكثيرة وبدونها يكون قليلا.

(٦) وجاء من حيث القلة قوله : «لَوْ نَشاءُ جَعَلْناهُ أُجاجاً» ٦٩ من نفس السورة.

(٧) في ب مبين.

(٨) أي أخذ كل منهما من الآخر شيئا فأصبحا متعارضين. وفي ب «فتعارضا». تحريف.

(٩) سقط من ب وفي الرازي ٢٦ / ٨٥ : «أن لا يكون له في الحال مجيء» ، وانظر : تفسير الإمام الفخر الرازي ٢٦ / ٨٥.

٢٣٤

فاستعمل إن مكان «ما». وقيل : «إن زيد قائم» أي ما زيد بقائم. واستعمل ما في الشرط تقول : ما تصنع أصنع والذي يدل على ما ذكرنا أن «ما» النافية تستعمل بحيث لا تستعمل إن (وذلك) (١) لأنك تقول : «ما إن جلس زيد» فتجعل إن «صلة» ولا تقول : «إن (٢) جلس زيد» ، بمعنى النفي وبمعنى الشرط تقول : إمّا (٣) ترين فتجعل «إن» أصلا و «ما» صلة فدلنا هذا على أنّ «إن» في الشرط أصل و «ما» دخيل فيه و «ما» في النفي بالعكس.

فصل

قوله : (إِنْ أَنْتُمْ)(٤) يفيد ما لا يفيد قوله : «أنتم في ضلال» لأنه يوجب الحصر وأنه (٥) ليسوا في غير الضّلال. ووصف الضلال بالمبين أي أنه لظهوره تبين (٦) نفسه أنه ضلال أي في ضلال لا يخفى على أحد أنه في ضلال.

وقوله : (فِي ضَلالٍ) يفيد (٧) كونهم مغمورين فيه غائصين ، فأما قوله في موضع آخر : (عَلى بَيِّنَةٍ) و (عَلى هُدىً) فهو إشارة إلى كونهم راكبين متن الطريق المستقيم قادرين عليه (٨).

فصل

إنما وصفوا المؤمنين بأنهم في ضلال مبين لظنهم أن كلام المؤمنين متناقض ومن يتناقض كلامه يكون في غاية الضلال. قال ابن الخطيب : ووجه (٩) ذلك أنهم قالوا : أنطعم من لو يشاء الله أطعمه وهذا إشارة إلى أن الله إن شاء أن يطعمهم فهو يطعمهم فكان الأمر بإطعامهم أمرا بتحصيل الحاصل وإن لم يشأ إطعامهم لا يقدر أحد على إطعامهم لامتناع وقوع ما لم يشأ فلا قدرة لنا على الإطعام فكيف تأمروننا بالإطعام؟! ووجه آخر وهو أنهم قالوا إن أراد الله تجويعهم فلو أطعمناهم يكون ذلك سعيا في إبطال

__________________

(١) سقط من ب.

(٢) في ب «ما» بدل «أن» تحريف ولحن وربما سهو من النّاسخ.

(٣) الأصل إن ما ، فلفظ «إما» مركب من «إن» و «ما» وقلبت النون ميما وأدغمت الميمان في بعضهما ولقد أورد هذه القضية كلها الإمام الرازي في تفسيره ٢٦ / ٨٥. ولقد نقل السيوطي في الأشباه والنظائر أن «إما» مركبة من إن الشرطية وما النافية حيث قال : «ومن الاختصار تركيب إما العاطفة على قول سيبويه من إن الشرطية وما النافية». الأشباه والنظائر ١ / ٢٩. وهذا بخلاف كلامه في الهمع فقد ذكر أنها من «إن» و «ما» الزائدة. الهمع ٢ / ١٣٥ وهو رأي الكوفيين ونقله عنهم ابن هشام في المغني ٦١.

وانظر : قضايا التركيب ٢٠٦ و ٢٠٧.

(٤) في ب لا يفيد خطأ لأن الغرض الإيجاب لا النفي.

(٥) كذا في أوالرازي وفي ب أنهم ليسوا.

(٦) في ب مبين.

(٧) في ب مفيد.

(٨ و ٩) تفسير الرازي له ٢٦ / ٨٥ و ٨٦.

٢٣٥

فعل الله وأنه لا يجوز وأنتم تقولون أطعموهم فهو ضلال. واعلم أنه لم يكن في الضلال إلا هم حيث نظروا إلى المراد ولم ينظروا إلى الطلب والأمر وذلك لأن العبد إذا أمره السّيد بأمر لا ينبغي الاطّلاع على المقصود (١) الذي لأجله الذي أمره به مثاله إذا أراد الملك الركوب للهجوم على عدوّه بحيث لا يطّلع عليه أحد وقال للعبد : أحضر المركوب فلو تطلع واستكشف المقصود الذي لأجله الركوب لنسب إلى أنه يريد أن يطلع عدوه على الحذر منه وكشف سره فالأدب في الطاعة هو اتباع الأمر لا تتبع المراد فالله تعالى إذ (ا)(٢) قال : أنفقوا مما رزقكم الله لا يجوز أن يقال : لم لم يطعمهم (الله) (٣) مما في خزائنه؟.

قوله تعالى : (وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٤٨) ما يَنْظُرُونَ إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ (٤٩) فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلا إِلى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ (٥٠) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ (٥١) قالُوا يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ (٥٢) إِنْ كانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ (٥٣) فَالْيَوْمَ لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَلا تُجْزَوْنَ إِلاَّ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)(٥٤)

قوله : (وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ) أي القيامة والبعث (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) وهذا إشارة إلى ما اعتقدوا أن التقوى المأمور بها في قوله : (وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا) والإنفاق المذكور في قوله : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا) لا فائدة فيه لأن الوعد لا حقيقة له وقولهم : (مَتى هذَا الْوَعْدُ) أي متى يقع الموعود به.

فصل

«إن» للشرط وهي تستدعي جزاء (٤) و «متى» استفهام لا تصلح جوابا فيه فما الجواب؟.

قيل : هو في صورة الاستفهام وهو في المعنى إنكار كأنهم قالوا : إن كنتم صادقين في وقوع الحشر فقولوا متى يكون.

فصل

الظاهر أن هذا الخطاب مع الأنبياء لأنهم لما أنكروا الرسالة قالوا إن كنتم أيها المدّعون للرسالة صادقين فأخبرونا متى يكون ما تعدوننا به.

__________________

(١) في الرازي : لا ينبغي أن يكشف سبب الأمر والاطلاع على المقصود الذي أمر به لأجله.

(٢) ألف «إذا» زيادة من ب على أوالرازي.

(٣) سقط من ب.

(٤) أو جوابا فكلاهما صحيحان.

٢٣٦

فإن قيل : ليس في هذا الموضع وعد فالإشارة بقوله : (هذَا الْوَعْدُ) إلى أي وعد؟.

فالجواب : هو ما في قوله تعالى : (وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا ما بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَما خَلْفَكُمْ) من قيام الساعة ، أو نقول : هو معلوم وإن لم يكن مذكورا لكون الأنبياء مقيمين على تذكيرهم بالساعة والحساب(١) والثواب والعقاب.

قوله : (ما يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً). قال ابن عباس : ما ينتظرون إلّا الصيحة المعلومة يريد النفخة الأولى (٢) ، والتنكير للتكثير.

فإن قيل (٣) : هم ما كانوا ينتظرون بل كانوا يجزمون بعدمها.

فالجواب : المراد بالانتظار فعلهم لأنهم كانوا يفعلون ما يستحق به فاعله الهوان وتعجيل العذاب وتقريب الساعة لو لا حكم الله وعلمه بأنهم لا يفوتونه أو يقال : لما لم يكن قولهم «متى» استفهاما حقيقيا قال ينتظرون انتظارا غير حقيقي لأن القائل متى يفهم منه الانتظار نظر لقوله.

فصل

ذكر في الصيحة أمورا تدل على عظمها :

أحدها : التنكير.

وثانيها : قوله «واحدة» أي لا يحتاج معها إلى ثانية.

ثالثها : «تأخذهم» أي تعمّهم بالأخذ وتصل إلى من في الأرض مشارقها ومغاربها (٤).

قوله : (وَهُمْ يَخِصِّمُونَ) قرأ حمزة بسكون الخاء وتخفيف الصاد من خصم يخصم. والمعنى يخصم بعضهم بعضا فالمفعول محذوف (٥) ، وأبو عمرو وقالون بإخفاء فتحة الخاء ، وتشديد الصاد. ونافع وابن كثير وهشام كذلك إلا أنه بإخلاص فتحة الخاء ، والباقون بكسر الخاء (٦) وتشديد الصاد والأصل في القراءات الثلاث يختصمون فأدغمت التاء في الصاد. فنافع وابن كثير وهشام نقلوا فتحتها إلى الساكن قبلها نقلا كاملا ، وأبو عمرو وقالون اختلسا حركتها تنبيها على أن الخاء أصلها السكون والباقون حذفوا حركتها

__________________

(١) وقد قال بهذه الأقوال كلها الإمام العلامة فخر الدين في التفسير الكبير ٢٦ / ٨٦.

(٢) قاله الخازن والبغوي في تفسيريهما ٦ / ١١.

(٣ و ٤) الرازي ٢٦ / ٨٦ و ٨٧.

(٥) انظر : الإتحاف ٣٦٥ والسبعة ٥٤١ وإبراز المعاني ٦٥٩ وكشف مكي ٢ / ٢١٧ و ٢١٨ والنشر ٢ / ٣٥٤ وتقريب النشر ١٦٥ ونسبها الفراء في المعاني إلى يحيى بن وثاب ٢ / ٣٧٩. وانظر : حجة ابن خالويه ٢٩٨ وزاد المسير ٧ / ٢٥ والكشاف ٣ / ٣٢٥.

(٦) المراجع السابقة وانظر في هذا كله البحر لأبي حيان ٧ / ٣٤٠ و ٣٤١ والدر المصون ٤ / ٥٢٢ وهي قراءات متواترة.

٢٣٧

فالتقى ساكنان كذلك فكسر (وا) (١) أولهما. فهذه أربع قراءات قرىء بها في المشهور ، وروي عن أبي عمرو وقالون سكون الخاء وتشديد الصاد فالنحاة يستشكلونها للجمع بين ساكنين على غير حدّيهما. وقرأ جماعة «يخصّمون» بكسر الياء والخاء وتشديد الصاد وكسروا الياء إتباعا (٢). وقرأ أبيّ يختصمون على الأصل (٣) ، وقال أبو حيان وروي عنهما ـ أي عن أبي عمرو وقالون ـ سكون الخاء ، وتخفيف الصاد من خصم (٤). قال شهاب الدين : هذه هي قراءة حمزة ولم يحكها هو عنه ، وهذا يشبه قوله : (يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ)(٥) [البقرة : ٢٠] في البقرة و (لا يَهْدِي)(٦) في يونس وقرأ ابن محيصن «يرجعون» مبنيّا للمفعول (٧).

فصل

قال عليه (الصلاة و) السلام : «لتقومنّ السّاعة وقد نشر الرجلان ثوبهما بينهما فلا يبيعانه ولا يطويانه ولتقومنّ السّاعة وقد رفع الرّجل أكلته إلى فيه (٨) فلا يطعمها».

قوله : (فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً) أي لا يقدرون على الإيصاء قال مقاتل : أي أعجلوا عن الوصية فماتوا (وَلا إِلى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ) ينقلبون. أي أنّ الساعة لا تمهلهم لشيء (٩).

واعلم أن قول القائل : فلان في هذه الحالة لا يوصي دون قوله لا يستطيع التوصية لأن من لا يوصي قد يستطيعها والتوصية بالقول ، والقول يوجد أسرع مما يوجد الفعل فقال : لا يستطيعون كلمة ، فكيف الذي يحتاج إلى زمن (١٠) طويل من أداء الواجبات ورد المظالم؟! واعتبار الوصية من بين سائر الكلمات يدل على أنه لا قدرة له على أهم الكلمات فإن وقت الموت الحاجة إلى الوصية أمسّ. والتنكير في التوصية للتعميم أي لا

__________________

(١) ما بين القوسين زيادة من أففي ب كسر بدون واو. وانظر هذا في الدر ٤ / ٥٢٢ والإتحاف والمراجع السابقة.

(٢) نقلها أبو حيان ٧ / ٣٤١ والسمين في الدر ٤ / ٥٢٢ والزمخشري في الكشاف ٣ / ٣٢٥.

(٣) المراجع الثلاثة السابقة. وانظر أيضا معاني القرآن للفراء ٢ / ٣٧٩ ومعاني القرآن وإعرابه للزجاج ٤ / ٢٩٠ وفصّل الزجاج قراءة : «يخصمون» بفتح الخاء مع الياء قال : «والقراءة الجيدة يخصمون بفتح الخاء والأصل : يختصمون فطرحت فتحة التاء على الخاء وأدغمت في الصاد».

(٤) البحر ٧ / ٣٤١.

(٥) وكسر الطاء قراءة مجاهد. والفتح أعلى وأفصح كما قال الزمخشري انظر : الكشاف ١ / ٢١٩.

(٦) وهي قراءة حمزة والكسائي وهي الآية ٣٥ من يونس وانظر : السبعة ٣٢٦ والإتحاف ٣٦٥.

(٧) السابق وانظر : البحر ٧ / ٣٤١ والدر ٤ / ٥٢٣.

(٨) من حديث طويل رواه البخاريّ في صحيحه ٤ / ٢٣١ وقد رواه أبو هريرة.

(٩) قال بهذه المعاني البغوي والخازن في تفسيريهما ٦ / ١١.

(١٠) كذا هنا وفي الرازي : إلى زمان وفي ب إلى «أمن» تحريف.

٢٣٨

يقدر على توصية (ما) (١) ولو كانت بكلمة يسيرة ، ولأن الوصية (٢) قد تحصل بالإشارة ، فالعاجز (٣) عنها عاجز عن غيرها. وقوله : (وَلا إِلى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ) بيان لشدة الحاجة إلى التوصية ، ثم بين ما بعد الصيحة الأولى فقال : (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ) أي نفخ فيه أخرى كقوله تعالى : (ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ) [الزمر : ٦٨] وقرأ الأعرج ونفخ في الصور بفتح الواو (٤). وهي القبور واحدها جدث ، وقرىء من الأجداف (٥) بالفاء. وهو لغة في الأجداث يقال : جدث ، وجدف كثمّ وفمّ ، وثوم ، وفوم (٦).

فإن قيل : أين (٧) يكون ذلك الوقت أجداث وقد زلزت الصيحة الجبال؟.

فالجواب : أن الله يجمع أجزاء كل ميت في الموضع الذي أقبر فيه من ذلك الموضع وهو جدثه.

قوله : (إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ) أي يخرجون من القبور أحياء. وقرأ ابن أبي إسحاق وأبو عمرو في رواية : ينسلون (٨) بضم السين ، يقال : نسل الثعلب ينسل وينسل إذا أسرع في عدوه ، ومنه قيل للولد : نسل لخروجه من ظهر أبيه وبطن أمه (٩).

فإن قيل : المسيء (١٠) إذا توجه إلى من أحسن إليه يقدم رجلا ويؤخر أخرى والنّسلان سرعة الشيء فكيف يوجد بينهم ذلك؟.

فالجواب : ينسلون من غير اختيارهم والمعنى أنه أراد أن يبين كمال قدرته ونفوذ إرادته حيث ينفخ في الصور فيكون في وقته جمع وإحياء وقيام وعدو في زمان واحد ، فقوله : «إذا هم ينسلون» أي في زمان واحد ينتهون إلى هذه الدرجة وهي النسلان الذي لا يكون إلا بعد مراتب.

فإن قيل : قال في آية (فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ) وقال ههنا : (فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ) والقيام غير النسلان فقوله في الموضعين : «إذا هم» يقتضي أن يكونا معا.

__________________

(١) سقط من ب.

(٢) في ب التوصية وهو الموافق للرازي.

(٣) في ب والعاجز بالواو.

(٤) ذكرها أبو الفتح في المحتسب ٢ / ٢١٢ وهي من الشواذ وانظر كذلك الزمخشري في كشافه ٣ / ٣٢٥.

وقد أنكر الزجاج هذه إن قرئت فلم يعترف بأن قارئا قرأها بالفعل فقال : «وما قرأ أحد أحسن صوركم ولا قرأ أحد ونفخ في الصور من وجه يثبت» ٤ / ٢٩٠.

(٥) ذكرها الزمخشري في الكشاف ٣ / ٣٢٥ وأبو حيان في البحر ٧ / ٣٤١.

(٦) انظر : الإبدال لابن السكيت ١٢٥ : ١٢٧ وأمالي القالي ٢ / ٣٤.

(٧) الرازي ٢٦ / ٨٨.

(٨) لم أجدها عنه في المتواتر انظر : مختصر ابن خالويه ١٢٥ والكشاف ٣ / ٣٢٦.

(٩) انظر : اللسان : «٤٤١٣» والمصدر النّسلان.

(١٠) الرازي ٢٦ / ٨٧ و ٨٨.

٢٣٩

فالجواب من وجهين :

الأول : أن القيام لا ينافي المشي السريع لأن الماشي قائم ولا ينافي النظر.

الثاني : أن لسرعة (١) الأمور كأن الكل في زمان واحد كقول القائل :

٤١٨٣ ـ مكرّ مفرّ مقبل مدبر معا

 ..........(٢)

واعلم أن النفختين تورثان تزلزلا وانقلابا للأجرام فعند اجتماع (٣) الأجرام يفرّقها. وهو المراد بالنفخة الأولى وعند تفرق الأجرام يجمعها وهو النفخة الثانية.

قوله : (يا وَيْلَنا) العامة على الإضافة إلى ضمير المتكلمين دون تأنيث وهو «ويل» مضاف لما بعده. ونقل أبو البقاء أن «وي» كلمة برأسها عن الكوفيين و «لنا» جار ومجرور (٤) انتهى. قال شهاب الدين : ولا معنى لهذا إلا بتأويل بعيد وهو أن يكون يا عجب لنا ، لأن «وي» تفسير بمعنى أعجب منا (٥). وابن أبي ليلى يا ويلتنا بتاء التأنيث وعنه أيضا يا ويلتي بإبدال التاء ألفا (٦). وتأويل هذه أن كل واحد منهم يقول يا ويلتي (٧).

قوله : (مَنْ بَعَثَنا) العامة على فتح ميم «من» و «بعثنا» فعلا ماضيا خبرا «لمن» الاستفهامية قبله ، وابن عباس والضحاك وأبو نهيك بكسر الميم على أنها حرف (٨) جر ، و «بعثنا» مصدر مجرور «بمن» ، ف «من» الأولى تتعلق (٩) بالويل والثانية تتعلق (١٠) بالبعث. والمرقد يجوز أن يكون مصدرا (١١) أي من رقادنا وأن يكون (١٢) مكانا وهو مفرد

__________________

(١) في ب سرعة والرازي موافق ل «أ».

(٢) صدر بيت من الطويل عجزه :

 ..........

كجلمود صخر حطّه السّيل من عل

وهو يصف فرسه النشيط بصفات كثيرة الكرور والفرار والإقبال والإدبار. وهذه مبالغة في سرعته الخارقة وعدم بلادته. ومحل الشاهد : أن لسرعة هذا الحصان كأنه يفعل هذه الأشياء في زمن ومكان واحد. وانظر : شذور الذهب ١٤٧ ، والمحتسب ٢ / ٣٤٢ وابن يعيش ٤ / ٨٩ والتصريح ٢ / ٥٤ والهمع ١ / ٢١٠ وحاشية الدمنهوري ٨١ والفخر الرازي ٢٦ / ٨٨ والكتاب ٤ / ٢٢٨ ، والمغني ١٥٤.

(٣) في ب إجماع.

(٤) التبيان له ١٠٨٤.

(٥) الدر المصون ٤ / ٥٢٣.

(٦) المحتسب ٢ / ٢١٣ ومختصر ابن خالويه ١٢٥ والكشاف ٣ / ٣٢٦ الأولى فقط وانظر البحر ٧ / ٣٤١ والسمين ٤ / ٥٢٣.

(٧) المرجع الأخير السابق.

(٨) انظر : مختصر ابن خالويه ١٢٥ ونسبها إلى علي أيضا. وانظر : الكشاف ٣ / ٣٢٦ والبحر ٧ / ٣٤١ وهي من الشواذ.

(٩) في ب «متعلق».

(١٠) في ب «متعلق» أيضا.

(١١) أي مصدرا ميميا كملعب ، ومذبح مما ماضيه بفتح العين ومضارعه أيضا.

(١٢) أي اسم مكان على مفعل كالعلة السابقة للمصدر.

٢٤٠