اللّباب في علوم الكتاب - ج ١٦

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي

اللّباب في علوم الكتاب - ج ١٦

المؤلف:

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي


المحقق: عادل أحمد عبد الموجود و علي محمّد معوّض
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-2298-3

الصفحات: ٥٧٤

الإنسان فإذا كان الهلاك عاما لا يبقى من الإنسان من يعمّر فلا يبقى الأبنية والزروع فما تبقى الخيرات الإلهية فإن بقاءها لحفظ (١) الإنسان إياها عن التلف والهلاك بالسّقي والقلب (٢).

الثالث : أن إنزال المطر إنعام من الله في حق العباد فإذا لم يستحقوا الإنعام قطعت الأمطار عنهم فيظهر الجفاف على وجه الأرض فتموت (٣) جميع الحيوانات.

فإن قيل : كيف يقال لما عليه الخلق من الأرض وجه الأرض وظهر الأرض مع أن الظهر مقابله(٤) الوجه فهو كالتضاد؟ فيقال : من حيث إنّ الأرض كالدابة الحاملة للأثقال والحمل يكون على الظهر وأما وجه الأرض فلأن الظاهر من باب والبطن والباطن من باب ووجه (٥) الأرض ظهر لأنه هو الظاهر وغيره منها باطن وبطن.

قوله : (وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) قيل : هو يوم (٦) القيامة. وقيل : يوم لا يوجد في الخلق مؤمن وقيل : لكل أمة أجل ، ولكل أجل كتاب وأجل (٧) قوم محمد ـ عليه (الصلاة (٨) و) السلام ـ أيام القتل والأسر كيوم بدر وغيره.

قوله : (فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللهَ كانَ بِعِبادِهِ بَصِيراً) تسلية للمؤمنين لأنه قال : ما ترك على ظهرها من دابة وقال (لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً) [الأنفال : ٢٥] فقال : فإذا جاء الهلاك فالله بالعباد بصير (٩) ، قال ابن عباس : يريد أهل طاعته وأهل معصيته (١٠) ، (و) (١١) روى أبو أمامة عن أبيّ بن كعب قال : قال رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : «من قرأ سورة الملائكة دعته يوم القيامة ثمانية أبواب الجنّة أن ادخل من أيّ الأبواب شئت» (١٢). [والله الموفّق للصّواب ، وإليه المرجع والمآب](١٣).

__________________

(١) في «ب» يحفظ وفي الرازي بحفظ.

(٢) في الرازي بالسقي والعلف وفي «ب» بالسفن تحريف.

(٣) في «ب» فيموتوا.

(٤) فيها : مقابلة بتاء لا هاء.

(٥) في «ب» فوجه بالفاء.

(٦) نقله القرطبي عن يحيى. انظر : الجامع ١٤ / ٦٢.

(٧) في «ب» فأجل بالفاء ونقل هذين الوجهين الإمام الفخر الرازي في تفسيره.

(٨) زيادة من «ب».

(٩) في «ب» بصيرا بالنصب.

(١٠) نقله الإمام الخازن في لباب التأويل ٥ / ٣٠٦ والإمام البغوي في معالم التنزيل ٥ / ٣٠٦.

(١١) سقط من «ب».

(١٢) الحديث رواه البيضاوي نقلا عن الكشاف للزمخشري. انظر البيضاوي ٢ / ١٤٩ والكشاف ٣ / ١٣ ومجمع البيان للطبرسي ٨ / ٦٢٤ بلفظ : دعته ثلاثة أبواب. وانظر السّراج المنير للخطيب ٣ / ٣٣٥.

(١٣) هذه العبارة كلها التي بيت القوسين ساقطة من (أ) وزائدة من نسخة (ب).

١٦١

سورة «يس»

مكية (١) وهي ثلاث وثمانون آية ، وسبعمائة وتسع وعشرون كلمة ، وثلاثة آلاف حرف.

بسم الله الرحمن الرحيم

قوله تعالى : (يس (١) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (٢) إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (٣) عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٤) تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (٥) لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ فَهُمْ غافِلُونَ)(٦)

قوله تعالى : (يس) بسكون النون. وأدغم النون في الواو بعدها ابن كثير وأبو عمرو (٢) وحمزة وحفص وقالون (٣) وورش بخلاف عنه. وكذلك النون من (ن وَالْقَلَمِ)(٤) وأظهرهما الباقون (٥). فمن أدغم فللخفّة ، ولأنه لما وصل والنفي متقاربان من كلمتين أولهما ساكن وجب الإدغام كالمثلين. ومن أظهر فللمبالغة في تفكيك هذه الحروف بعضها من بعض ، لأنه بنية الوقف (٦) وهذا أجري على القياس(٧) في الحروف المقطعة وكذلك التقى فيها الساكنان وصلا ونقل إليها حركة همزة الوصل على رأي نحو (الم. اللهُ) كما تقدم تقريره.

(وأمال (٨) الياء من «يس» الأخوان ، وأبو بكر (٩) ؛ لأنها اسم من الأسماء كما تقدم تقريره) أوّل البقرة (١٠).

__________________

(١) بالإجماع. نقله القرطبي في الجامع لأحكام القرآن ١٥ / ١.

(٢) السبعة ٥٣٨ والنشر ٢ / ٣٥٣ وإبراز المعاني ٨٧ وحجّة ابن خالويه ٢٩٧ والكشف ٢ / ٢١٤.

(٣) عيسى بن مينا بن وردان الزرقيّ أبو موسى قارىء المدينة ونحويّها قرأ على نافع وأخذ عنه عرضا وروى عنه إبراهيم وأحمد وغيرهما. مات سنة ٢٠٥. وقيل غير ذلك. انظر : غاية النهاية ١ / ٦١٥ و ٦١٦.

(٤) الأولى والثانية من القلم.

(٥) مراجع القراءات السابقة والإتحاف أيضا ٣٦٣.

(٦) الكشف في القراءات لمكي ٢ / ٢١٤ وحجة ابن خالويه ٢٩٧ ومشكل إعراب القرآن ٢ / ٢٢٠ والبيان ٢ / ٢٩٠.

(٧) والإظهار أقيس ، فهذه الحروف حقها أن يوقف عليها على كل حرف منها ، لأنها ليست بخبر لما قبلها ، ولا يخبر عنها ، ولا يعطف عليها كالعدد فحقها الوقف والسكون عليها.

(٨) ما بين القوسين ساقط من «ب».

(٩) مراجع القراءات السابقة.

(١٠) اللباب ١ / ٢٦ «ب».

١٦٢

قال الفارسيّ : وإذا أمالوا «ياء» وهي حرف نداء فلأن يميلوا «يا» من «يس» أجدر (١). وقرأ عيسى وابن أبي إسحاق بفتح النون (٢) إمّا على البناء على الفتح تخفيفا (٣) ك «أين وكيف» وإما على أنه مفعول ب «اتل» (٤) وإما على أنه مجرور بحرف القسم (٥) ، وهو على الوجهين غير منصرف للعلمية والتأنيث (٦) ويجوز أن يكون منصوبا على إسقاط حرف القسم (٧) كقوله :

٤١٦٧ ـ ..........

 ... أمانة الله الثّريد(٨)

وقرأ الكلبي (٩) بضم النون ، فقيل على أنها خبر مبتدأ مضمر ، أي هذه يس ومنعت من الصرف ؛ لما تقدم.

وقيل : بل هي حركة بناء ك «حيث» (١٠) فيجوز أن (يكون) خبرا كما تقدم وأن يكون مقسما بها نحو : «عهد الله لأفعلن».

وقيل : لأنها منادى فبنيت على الضم ، ولهذا فسّرها الكلبي القارىء لها ب «يا إنسان». قال : وهي لغة طيّىء (١١). قال الزمخشري : إن صح معناه فوجهه أن يكون أصله يا أنيسين فكثر النداء به على ألسنتهم حتى اقتصروا على شطره كما قالوا في القسم : «م الله» في أيمن الله (١٢).

قال أبو حيان : والذي نقل عن العرب في تصغير إنسان أنيسان بياء بعدها ألف فدل أن أصله أنسيان ؛ لأن التصغير يرد الأشياء إلى أصولها ، ولا نعلم أنهم قالوا في تصغيره : أنيسين. وعلى تقدير أنه يصغر كذلك فلا يجوز ذلك إلا أن يبنى على الضم (١٣) ، لأنه

__________________

(١) حجة القراءات السبع له ٦ / ١٩٣.

(٢) المحتسب ٢ / ٢٠٣ ونسبها ابن خالويه إلى عيسى فقط. المختصر ١٢٤ وانظر أيضا الكشاف ٣ / ٣١٣.

(٣) البيان ٢ / ٢٩٠ والمحتسب ٢ / ٢٠٣ والكشاف ٣ / ٣١٣ والتبيان ١٠٧٨ ومشكل إعراب القرآن ٢ / ٢٢٠.

(٤) الكشاف والمشكل السابقين. والبحر المحيط ٧ / ٣٢٣. وهو مذهب سيبويه في ٣ / ٢٥٨ على أنه اسم السورة وإليه ذهب الزجاج في أحد قوليه المعاني له ٤ / ٢٧٧.

(٥) البحر المحيط ٧ / ٣٢٣.

(٦) مشكل إعراب القرآن ٢ / ٢٢٠.

(٧) معاني القرآن وإعرابه للزجاج ٤ / ٢٧٧.

(٨) بعض بيت من الطويل مجهول قائله وهو بتمامه :

إذا ما الخبز تأدمه بلحم

فذاك أمانة الله الثّريد

وتأدمه : تخلطه. والثريد : طعام. والشاهد «أمانة» نصبها على إسقاط حرف الجر والقسم. والأصل أحلف وأقسم بأمانة. انظر الكتاب ٣ / ٦١ و ٤٩٨ وابن يعيش ٩ / ٩٢ و ١٠٢ و ١٠٤ والدر المصون ٤ / ٤٩٢.

(٩) المحتسب ٢ / ٢٠٣ والبحر ٧ / ٣٢٣ وهي شاذة.

(١٠) قال بذلك صاحب الكشاف ٣ / ٣١٣.

(١١) المحتسب ٢ / ٢٠٣.

(١٢) الكشاف ٣ / ٣١٣.

(١٣) في البحر : ولا يبقى موقوفا لأنّه ...

١٦٣

منادى مقبل عليه ، ومع ذلك فلا يجوز لأنه تحقير ويمتنع من ذلك في حق النّبوّة (١).

قال شهاب الدين : أما (٢) الاعتراض الأخير فصحيح نصوا على أن التصغير لا يدخل في الأسماء المعظمة شرعا ، ولذلك يحكى أن ابن قتيبة (لمّا قال) (٣) في المهيمن إنه مصغر من «مؤمن» والأصل : مؤيمن فأبدلت الهمزة هاء قيل له : هذا يقرب من الكفر فليتّق الله قائله (٤).

وتقدمت هذه الحكايات في المائدة (٥) وما قيل فيها. وقد تقدم للزمخشري في «طه» (٦) ما يقرب من هذا البحث (٧) وتقدم كلام الشيخ معه (٨).

وقرأ ابن أبي إسحاق أيضا وأبو السّمّال يس بكسر النون (٩) ، وذلك على أصل التقاء الساكنين ولا يجوز أن يكون حركة إعراب (١٠). (وَالْقُرْآنِ) إما قسم مستأنف إن لم تجعل ما تقدم قسما وإما عطف على ما قبله إن كان مقسما به (١١). وقد تقدم كلام عن الخليل في ذلك أوائل البقرة (١٢) فاعتبره هنا فإنّه حسن جدّا.

__________________

(١) البحر ٧ / ٣٢٣.

(٢) الدر المصون ٤ / ٤٩٣.

(٣) سقط من «ب».

(٤) قال في غريب القرآن : «ومن صفاته المهيمن وهو الشهيد ؛ لأن أهل النظر من أصحاب اللغة يرون أن «مهيمنا» اسم مبنيّ من آمن كما بني (بطيروبيطار) من بطر ... وكان الأصل مؤيمن ، ثم قلبت الهمزة هاء لقرب مخرجها» وهذه العبارة في غريب القرآن ١١ و ١٢ ، وفي اللسان : «ه م ن» : وقال بعضهم : مهيمن معنى مؤيمن ، والهاء بدل من الهمزة كما قالوا هرقت وأرقت وكما قالوا : إياك وهيّاك. قال الأزهري : وهذا على قياس العربية صحيح مع ما جاء في التفسير أنه بمعنى الأمين.

[والبطر معناه الشق]. ونقل السيوطي في الأشباه والنظائر رأي المبرد قال المبرد : بلغني أن ابن قتيبة قال : إن مهيمنا تصغير «مؤمن» ، والهاء بدل من الهمزة ، فوجهت إليه أن اتّق الله فإنّ هذا خطأ يوجب الكفر على من تعمده ، وإنما هو مثل مسيطر. انظر : الأشباه والنظائر ٣ / ١٢٨.

(٥) عند قوله عزوجل : «مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ» من الآية ٤٨.

(٦) أي في سورة طه عليه‌السلام.

(٧) قال : وإنّ الأصل «طاء» فقلبت همزته هاء أو قلبت ألفا في يطأ فيمن قال : لا هناك المرتع ثم بني عليه الأمر والهاء للسكت. ويجوز أن يكتفى بشطري الاسمين وهما الدالان بلفظهما على المسمّيين والله أعلم بصحة ما يقال : إن «طأها» في لغة عك في معنى يا رجل. الكشاف ٢ / ٥٢٨.

(٨) هذا تمام كلام السمين ويقصد بالشيخ أبا حيان شيخه وأستاذه. انظر : البحر المحيط ٦ / ٢٢٤.

(٩) من القراءات الشاذة ذكرها أبو الفتح في المحتسب ٢ / ٢٠٣ وابن خالويه في مختصره ١٢٤ ، والفراء ٢ / ٣٧١.

(١٠) والكلام بني على الإدراج فلا يجوز إذا كسرنا أو فتحنا ، لأن الكلام متصل. وهذا معنى كلام ابن جني في المحتسب المرجع السابق.

(١١) الدر المصون ٤ / ٤٩٢ و ٤٩٣ والتبيان ١٠٧٩.

(١٢) ذكر أن هذه أحرف مقطعة محكيّة لا تعرب ، إلا أن تخبر عنها. وموضعها نصب بفعل محذوف تقديره اقرأ أو في موضع رفع خبر لمبتدأ محذوف تقديره هذا. وإذا جعلت قسما كان موضعها خفض كما ـ

١٦٤

فصل

قد تقدمت في سورة العنكبوت ذكر حروف التهجي وأن كل سورة بدأ الله فيها بحروف التهجي كان في أوائله الذكر أو الكتاب أو القرآن. ولنذكر ههنا أن في ذكر هذه الحروف أوائل السور أمورا تدل على أنها غير خالية عن الحكمة لكن علم الإنسان لا يصل إليها. والذي يدل على أن فيها حكمة من حيث الجملة هو أن الله تعالى ذكر من الحروف نصفها وهي أربعة عشر حرفا وهي نصف ثمانية وعشرين حرفا هي جميع الحروف التي في لسان العرب على قولنا : الهمزة ألف متحركة.

ثم إنه تعالى قسم الحروف ثلاثة أقسام تسعة أحرف من الألف إلى الذال والتسعة الأخيرة من الفاء إلى الياء وعشرة في الوسط من الراء إلى الغين ، وذكر من القسم الأول حرفين الألف والحاء وترك سبعة (١) ، ولم يترك من القسم الأول من حروف الحلق والصدر إلا واحدا لم يذكره وهو الخاء ولم يذكر من القسم الأخير من حروف الشّفة إلا واحدا لم يتركه وهو الميم. والعشر الأواسط ذكر منه حرفا وترك حرفا ، فترك الزاي وذكر الراء وذكر السين وترك الشّين ، وذكر الصاد وترك الضاد ، وذكر الطاء وترك الظّاء وذكر العين وترك الغين. وليس هذا أمرا يقع اتفاقا بل هو ترتيب مقصود وهو لحكمة لكنها غير معلومة وهب أن واحدا يدعي فيه شيئا فماذا يقول في كون بعض السور مفتتحة بحرف كسورة «ن» و «ق» و «ص» وبعضها بحرفين كسورة «حم» و «يس» و «طه» وبعضها بثلاثة أحرف كسورة «الم» وطسم» و «الر» وبعضها بأربعة أحرف كسورة «المر» و «المص» وبعضها بخمسة كسورة «حمعسق» و «كهيعص» وهب أنّ قائلا يقول : إن هذا إشارة بأن الكلام إما حرف ، وإما فعل ، وإما اسم ، والحرف كثيرا ما جاء على حرف كواو العطف وفاء العقيب ، وهمزة الاستفهام ، وكاف التشبيه ، وياء الإلصاق (٢) وغيرها ، وجاء على حرفين كمن للتبعيض و «أو» للتخيير ، و «أم» للاستفهام المتوسط (٣) ، وإن للشرط (٤) وغيرها. والفعل والاسم والحرف جاء على ثلاثة أحرف كإلى وعلى في الحرف وإلى وعلى في الاسم وألا يألو وعلا يعلو في الفعل ، والاسم والفعل جاءا على أربعة أحرف ، والاسم خاصة جاء على ثلاثة أحرف وأربعة وخمسة ك «عجل» (٥) وسنجل (٦)

__________________

ـ أخبر هنا. وانظر : الكتاب ٣ / ٢٥٧ ـ ٢٥٩ واللباب ١ / ١٦ ب ميكروفيلم.

(١) في الرازي : وترك من القسم الآخر حرفين هما الفاء والواو وذكر سبعة ولم ...

(٢) مثل : أمسكت بزيد ومررت به والإلصاق إما أن يكون حقيقيا أو مجازيا كما مثل والإلصاق معنى لا يفارق الباء. المغني ١٠١.

(٣) مثل : «أضربت زيدا أم قتلته» ولما كانت تتوسط بين محتملي الوجود لشيئين : أحدهما : بالاستفهام قيل : إنها حرف عطف. وقد أنكرها أبو عبيدة «الهمع ٢ / ١٣٢».

(٤) في «ب» للشرطية.

(٥) كذا في النسختين وفي الرازي ك «فجل».

(٦) في اللسان سنجال قرية بأرمينية.

١٦٥

وجردحل (١). فما جاء في القرآن إشارة إلى أن تركيب العربية من هذه الحروف على هذه الوجوه فماذا يقول هذا القائل في تخصيص بعض السور بالحرف الواحد ، والبعض بأكثر فلا يعلم ما السّرّ إلا الله ومن أعلمه الله به وإذا علم هذا فالعبادة منها قلبية ومنها لسانية ومنها جارحية ، وكل واحد منها قسمان :

قسم عقل معناه وحقيقته وقسم لم يعلم.

أما القلبية مع أنها أبعد عن الشك والجهل ففيها ما لم يعلم دليله عقلا وإنما وجب الإيمان به والاعتقاد سمعا كالصّراط الذي هو أرق من الشعر وأحدّ من السيف ، ويمر عليه المؤمن كالبرق الخاطف ، والميزان الذي توزن به الأعمال الذي لا ثقل لها في نظر الناظر وكيفية الجنة والنار فإن هذه الأشياء وجودها لم يعلم بدليل عقلي وإنما المعلوم بالعقل إمكانها ووقوعها معلوم (و) (٢) مقطوع به بالسمع ومنها ما علم كالتوحيد والنبوة وقدرة الله وصدق الرسول وكذلك في العبادات الجارحية ما علم معناه وما لم يعلم كمقادير النصب وعدد الركعات والحكمة في ذلك أن العبد إذا أتى بما أمر به من غير أن يعلم ما فيه من الفائدة لا يكون الإتيان إلا لمحض (٣) العبادة بخلاف ما لو علم الفائدة فربما يأتي بها لفائدة وإن لم يؤمن (٤) كما لو قال السيد لعبده : انقل هذه الحجارة من ههنا ولم يعلمه بما في النقل فنقلها ولو قال انقلها فإن تحتها كنزا هو لك فإنه ينقلها وإن لم يؤمر. وإذا علم هذا فكذلك في العبادات اللّسانية الذكرية يجب أن يكون ما لم يفهم معناه إذا تكلم به العبد علم أنه لا يعقل غير الانقياد لأمر المعبود الإلهيّ. فإذا قال : حم ، يس ، طس (٥) علم أنه لا يذكر ذلك لمعنى يفهمه بل يتلفظ به امتثالا لما أمر به (٦).

فصل

قال ابن عباس : يس قسم ، وروي عنه أن معناه يا إنسان بلغة طيىء. قيل : لأن تصغير إنسان أنيسين كما تقدم عن الزمخشري فكأنه حذف الصدر (٧) منه وأخذ العجز وقال : ياسين أي يا أنيسين.

قال أكثر المفسرين يعني محمدا ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ قاله الحسن وسعيد بن جبير وجماعة.

وقال أبو (العالية (٨) : يا رجل. وقال أبو بكر الوراق : يا سيّد البشر (٩). وقوله : (وَالْقُرْآنِ

__________________

(١) الجردحل من الإبل : الناقة الضخمة الغليظة ، اللسان : «ج ر د ح ل».

(٢) سقط من «ب».

(٣) في «ب» بمحض.

(٤) وفيها : يؤمر ، وانظر في هذا الرازي ٢٦ / ٤٠.

(٥) الأولى من النمل.

(٦) ينظر هذا كله في التفسير الكبير للرازي ٢٦ / ٤٠.

(٧) في «ب» المصدر. خطأ وتحريف.

(٨) ما بين القوسين كله سقط من «أ».

(٩) ذكر هذه الأوجه مجتمعة الإمام القرطبي في الجامع لأحكام القرآن ١٥ / ٤.

١٦٦

الْحَكِيمِ) أي ذي) الحكمة ك (عِيشَةٍ راضِيَةٍ) [الحاقة : ٢١] أي ذات رضا ، أو أنه ناطق بالحكمة وهو كالحيّ المتكلم.

قوله : «إنّك» جواب القسم (١) و (عَلى صِراطٍ) يجوز أن يكون متعلقا ب «المرسلين» (٢) يقول : أرسلت عليه ، كما قال تعالى : (وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً) [الفيل : ٣] وأن يكون متعلقا بمحذوف على أنه حال من الضمير المستكنّ في (لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ) لوقوعه خبرا (٣) ، وأن يكون حالا من (٤) «المرسلين» وأن يكون خبرا ثانيا ل «إنّك» (٥).

فصل

أقسم بالقرآن على أن محمدا من المرسلين. وهو رد على الكفار ، حيث قالوا : (لست (٦) مرسلا).

فإن قيل : المطلب ثبت (٧) بالدليل لا بالقسم فما الحكمة بالإقسام؟!.

فالجواب من وجوه :

الأول : إن العرب كانوا يتقون (٨) الأيمان الفاجرة وكانوا يقولون بأن الأيمان الفاجرة توجب خراب العالم وصحح النبي ـ عليه الصلاة والسلام (٩) ـ ذلك بقوله : «اليمين الكاذبة تدع الدّيار بلاقع». ثم إنهم كانوا يقولون : إن النبي ـ عليه (الصلاة (١٠) و) السلام ـ يصيبه عذاب آلهتهم ، وهي الكواكب والنبي عليه (الصلاة و) السلام يحلف بأمر الله وإنزال كلامه عليه بأشياء مختلفة ، وما كان يصيبه عذاب بل كان كل يوم أرفع شأنا وأمنع مكانا ، فكان ذلك يوجب اعتقاد أنه ليس بكاذب.

الثاني : أن المتناظر (ين) (١١) إذا وقع بينهما كلام ، وغلب أحدهما الآخر بتمشية دليله وأسكته يقول المغلوب : إنك قدرت هذا بقوة جدالك ، وأنت خبير في نفسك بضعف مقالتك ، وتعلم أن الأمر ليس كما تقول وإن أقمت عليه الدليل صورة ، وعجزت

__________________

(١) وهو يس والقرآن الحكيم. انظر : الدر المصون ٤ / ٤٩٤.

(٢) الكشاف ٣ / ٣١٤ والبيان ٢ / ٢٩٠.

(٣) ذكره أبو البقاء في التبيان ١٠٧٨.

(٤) الدر المصون للسمين الحلبي ٤ / ٤٩٤.

(٥) رجحه الزجاج والفراء في معانيهما. انظر : معاني الزجاج ٤ / ٢٧٨ ومعاني الفراء ٢ / ٢٧٢ ومشكل إعراب القرآن لمكي ٢ / ٢٢١ والبيان لابن الأنباري ٢ / ٢٩٠. وقد قال الزجاج : «وأحسن ما في العربية أن يكون «لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ» خبر إنّ ويكون «عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ» خبرا ثانيا». انظر معاني القرآن للزجاج ٤ / ٧٨.

(٦) ما بين القوسين ساقط من «ب» وهي من الآية ٤٣ من سورة «الرعد».

(٧) في «ب» يثبت بالمضارعة.

(٨) كذا هي في النسختين وفي الرازي : يتوقون.

(٩) في «ب» صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(١٠) ما بين القوسين زيادة من «ب».

(١١) في ب «المتناظر» فقط.

١٦٧

أنا عن القدح فيه وهذا كثير الوقوع بين المتناظرين فعند هذا لا يجوز أن يأتي هو بدليل آخر ؛ لأن الساكت المنقطع يقول في الدليل الآخر ما قاله في الأول ، فلا يجد أمرا إلا باليمين فيقول : والله إنّي لست مكابرا ، وإنّ الأمر على ما ذكرت ولم علمت خلافه لرجعت إليه فههنا يتعين اليمين ، فكذلك النبي عليه (الصلاة و) السلام أقام البراهين ، وقالت الكفرة : (ما هذا إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُكُمْ) [سبأ : ٤٣] وقالوا (لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ هذا سِحْرٌ مُبِينٌ) [الأحقاف: ٧] فالتمسك (١) بالأيمان لعدم فائدة.

الدليل الثالث : أن هذا ليس مجرد الحلف بل دليل خرج في صورة اليمين ؛ لأن القرآن معجزة ودليل كونه مرسلا هو المعجزة والقرآن كذلك.

فإن قيل : لم لم يذكر في صورة الدليل؟ وما الحكمة في صورة اليمين؟

فالجواب : أن الدليل إذا ذكر لا في صورة اليمين ، قد لا يقبل عليه السامع فلا يفيد فائدة ، فإذا ابتدأ (٢) به على صورة اليمين لا يقع ولا سيما من العظيم إلا على عظيم ، والأمر العظيم تتوفر الدواعي على الإصغاء إليه فلصورة اليمين تقبل عليه الأسماع لكونه دليلا شافيا يتشربه الفؤاد فيقع في السمع وفي القلب.

قوله : (عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) أي إنّك على صراط مستقيم. والمستقيم أقرب الطرق الموصلة إلى المقصد والدين كذلك فإنه يوصل إلى الله وهو المقصد (٣).

قوله : (تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ) قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وأبو بكر (٤) برفع «تنزيل» على أنه خبر مبتدأ مضمر (٥) أي هو تنزيل. ويجوز أن يكون خبرا لمبتدأ إذا جعلت (٦)(يس) اسما للسورة أي هذه السورة المسمّاة ب (يس) تنزيل ، أو هذه الأحرف المقطعة تنزيل.

والجملة (٧) القسمية على هذا اعتراض. والباقون بالنصب على المصدر (٨) كأنه قال : نزل تنزيل العزيز الرحيم لتنذر. أو على أنه مفعول بفعل منويّ (٩) كأنه قال والقرآن الحكيم أعني تنزيل العزيز الرحيم إنك لمن المرسلين لتنذر. وهذا اختيار الزمخشري.

__________________

(١) في «ب» والمتمسك.

(٢) وفيها ابتدىء للمجهول.

(٣) في (ب) القصد وكذلك تنظر هذه الأشياء في الرازي ٢٦ / ٤١.

(٤) ينظر : حجة ابن خالويه ٢٩٧ و ٢٩٨ والنشر ٢ / ٣٥٣ والسبعة ٥٣٩ والإتحاف ٣٦٣ ومعاني الفراء ٢ / ٢٧٢ ومعاني الزجاج ٤ / ٢٧٨.

(٥) إعراب القرآن للنحاس ٣ / ٣٨٣ والبيان ٢ / ٢٩٠ والتبيان ١٠٧٨ ومشكل إعراب القرآن ٢ / ٢٢١ ومعاني الزجاج ٤ / ٢٧٨.

(٦) الدر المصون ٤ / ٤٩٤.

(٧) في «ب» فالجملة.

(٨) المراجع السابقة.

(٩) الكشاف ٣ / ٣١٤ وانظر في الرفع والنصب على المصدر البحر المحيط ٧ / ٣٢٣.

١٦٨

وهو المراد بقوله : «أو على المدح» (١). وهو في المعنى كالرفع على خبر ابتداء مضمر. و «تنزيل» مصدر مضاف لفاعله (٢).

وقيل : هو بمعنى منزّل (٣). وقرأ أبو حيوة واليزيدي وأبو جعفر يزيد بن القعقاع وشيبة تنزيل بالجر(٤) على النعت للقرآن أو البدل منه (٥) ، كأن قال : والقرآن الحكيم تنزيل العزيز الرحيم إنك لمن المرسلين.

وقوله : (الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ) إشارة إلى أن الملك إذا أرسل فالمرسل إليهم إما أن يخالفوا المرسل ويعينوا المرسل ، وحينئذ لا يقدر الملك على الانتقام منهم إلا إذا كان عزيزا ، أو يخافوا المرسل ويكرموا المرسل وحينئذ يرحمهم الملك. أو يقال : المرسل يكون معه في رسالته منع عن أشياء وإطلاق لأشياء والمنع يؤكده العزة والإطلاق يدل على الرحمة (٦).

قوله : «لتنذر» يجوز أن يتعلق ب «تنزيل» (٧) أو بمعنى المرسلين يعني بإضمار فعل يدل عليه هذا اللفظ أي أرسلناك لتنذر.

قوله : (ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ) يجوز أن تكون «ما» هذه بمعنى الذي (٨) ، وأن تكون نكرة موصوفة والعائد (٩) على الوجهين مقّدر (١٠).

أي ما أنذره آباؤهم فتكون ما وصلتها أو وصفتها في محل نصب مفعولا ثانيا لقوله : «لتنذر» كقوله : (إِنَّا أَنْذَرْناكُمْ عَذاباً قَرِيباً) [النبأ : ٤٠] أو التقدير لتنذر قوما الذي أنذره آباؤهم من العذاب ، أو لتنذر قوما عذابا أنذره آباؤهم (١١).

ويجوز أن تكون مصدرية (١٢) أي إنذار آبائهم أي مثله. ويجوز أن تكون ما

__________________

(١) الكشاف ٣ / ٣١٤.

(٢) البيان ٢ / ٢١٠.

(٣) التبيان ١٠٧٨.

(٤) قراءة شاذة. انظر : البحر المحيط ٧ / ٣٢٣ ومختصر ابن خالويه ١٢٤.

(٥) النحاس ٤ / ٣٨٣ والبيان ٢ / ٢٩٠ والمشكل ٢ / ٢٢٢ والتبيان ١٠٧٨ والكشاف ٣ / ٣١٤ والبحر ٧ / ٣٢٣ والدر المصون ٤ / ٤٩٤ والقرطبي ١٥ / ٦ والرازي ٢٦ / ٤٠.

(٦) الرّازيّ ٢٦ / ٤٠.

(٧) قاله أبو البقاء في التّبيان ١٠٧٨ والسّمين في الدّر المصون ٤ / ٤٩٤ وأبو حيان في البحر المحيط ٧ / ٣٢٣.

(٨) نقله أبو حيان في المرجع السابق عن عكرمة ، كما نقله الزمخشري ٣ / ٣١٤ وأبو البقاء في التبيان ١٠٧٩ والفراء في معانيه ٢ / ٢٧٢ والنحاس في إعرابه ٣ / ٣٨٣ والزجاج في معانيه أيضا ٤ / ٢٧٨.

(٩) التبيان المرجع السابق وفي «ب» والفائدة تحريف.

(١٠) في «ب» تقدر تحريف أيضا.

(١١) الدر المصون ٤ / ٤٩٥.

(١٢) البيان ٢ / ٢٩١ ومشكل إعراب القرآن ٢ / ٢٢٢ وهو قول عكرمة انظر : الدر المصون ٤ / ٤٩٥.

١٦٩

نافية (١) ، وتكون الجملة المنفية صفة ل «قوما» أي قوما غير منذر آباؤهم. ويجوز أن تكون زائدة أي قوما أنذر آباؤهم. والجملة المثبتة أيضا صفة ل «قوما». قاله أبو البقاء (٢).

وهو مناف للوجه الذي قبله. فعلى قولنا ما نافية ، فالمعنى ما أنذر آباؤهم الأدنون وإن قلنا : ما للإثبات فالمعنى لينذروا (٣) بما أنذر آباؤهم الأولون. وقوله : (فَهُمْ غافِلُونَ) أي عن الإيمان والرشد.

قوله تعالى : (لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (٧) إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالاً فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ (٨) وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ (٩) وَسَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (١٠) إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ (١١) إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ)(١٢)

قوله : (لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ) وجب العذاب (عَلى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) وهذا كقوله: (وَلكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذابِ عَلَى الْكافِرِينَ) [الزمر : ٧١] وفي الآية وجوه :

أشهرها : أن المراد من القول هو قوله تعالى : (وَلكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي) [السجدة : ١٣] (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ) [ص : ٨٥].

والثاني : أن معناه لقد سبق في علمه أن هذا يؤمن وهذا لا يؤمن فحق القول أي وجد وثبت بحيث لا يبدّل بغيره. لا يبدل القول لدي.

الثالث : المراد لقد حق القول الذي قاله الله على لسان الرسل من التوحيد وغيره وبان برهانه ، فإنهم لمّا لم يؤمنوا عند ما ما حق القول واستمروا ، فإن كانوا يريدون شيئا أوضح من البرهان فهو العناد (٤) وعند العناد لا يفيد الإيمان. وقوله : (عَلى أَكْثَرِهِمْ) على هذا الوجه معناه أن من لم تبلغه الدعوة والبرهان قليلون فحق القول على أكثرهم وهو من (٥) لم يوجد منه الإيمان وعلى الأول والثاني ظاهر ، لأن أكثر (٦) الكفار ماتوا على الكفر.

قوله تعالى : (إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالاً) نزلت في أبي جهل وصاحبيه ، وذلك أن أبا جهل كان (قد) (٧) حلف لئن رأى محمدا يصلّي ليرضخنّ رأسه بالحجارة فأتاه وهو

__________________

(١) وهو اختيار الزّجّاج والفراء والنحاس ومكّيّ وأبي البقاء والزمخشري انظر : المراجع السابقة.

(٢) التبيان ١٠٧٩.

(٣) في ب «لتنذروا».

(٤) في الرازي : العيان.

(٥) في «ب» : الذي لم يوجد.

(٦) وفيها : أكبر بالباء.

(٧) سقط من «ب».

١٧٠

يصلي ومعه حجر ليدمغه به فلما رفعه (١) انثنت يده إلى عنقه ، ولزق الحجر بيده ، فلما رجع إلى أصحابه وأخبرهم بما رأى سقط الحجر ، فقال رجل من بني مخزوم أنا أقتله بهذا الحجر ، فأتاه وهو يصلّي ليرميه بالحجر فأعمى الله بصره فجعل يسمع صوته ولا يراه فرجع إلى أصحابه فلم يرهم حتى نادوه فقالوا له : ماذا صنعت؟ فقال : ما رأيته ، ولقد سمعت كلامه ، وحال بيني وبينه كهيئة الفحل يخطر بذنبه لو دنوت منه لأكلني ، فأنزل الله تعالى : (إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالاً)(٢).

ووجه المناسبة لما تقدم أنه لما قال : (لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلى أَكْثَرِهِمْ) وتقدم أن المراد به البرهان قال بعد ذلك : بل عاينوا وأبصروا ما يقرب من الضّرورة حيث التزقت يده بعنقه ومنع من إرسال الحجر ، وهو مضطر إلى الإيمان ولم يؤمن على أنه لا يؤمن أصلا (٣).

وقال الفراء : معناه حبسناهم عن الإنفاق في سبيل الله (٤) ، كقوله تعالى : (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ) [الإسراء : ٢٩] معناه ولا تمسكها عن النفقة.

الرابع : قال ابن الخطيب وهو الأقوى وأنشد مناسبة لما تقدم : إنّ ذلك كناية عن منع الله إياهم عن الاهتداء وأما مناسبة قول الفراء لما تقدم أن قوله تعالى : (فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) يدخل فيه أنهم لا يصلون كقوله تعالى : (لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ) [البقرة : ١٤٣] أي صلاتكم عند بعض المفسرين ، والزكاة مناسبة للصلاة فكأنه قال : لا يصلّون ولا يزكون (٥).

قوله : (فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ) في هذا الضمير وجهان :

أشهرهما : أنه عائد على الأغلال (٦) ، لأنها هي المحدّث عنها ، ومعنى هذا الترتيب بالفاء أن الغلّ لغلظه وعرضه يصل إلى الذقن ، لأنه يلبس (٧) العنق جميعه. قال الزمخشري : والمعنى إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا ثقالا غلاظا بحيث تبلغ إلى الأذقان فلم يتمكّن المغلول معها من أن يطأطىء رأسه (٨).

الثاني : أن الضمير يعود على «الأيدي» ، لأن الغلّ لا يكون إلّا في العنق ، واليدين ، ولذلك سمي جامعة ، ودلّ على الأيدي وإن لم تذكر للملازمة المفهومة من هذه الآلة

__________________

(١) في «ب» رضحه.

(٢) انظر : تفسير القرطبي الجامع لأحكام القرآن ١٥ / ٧ والرازي ٢٦ / ٤٤ ومعاني الفراء ٢ / ٢٧٣.

(٣) الرازي ٢٦ / ٤٤.

(٤) معاني الفراء ٢ / ٢٧٣.

(٥) انظر : تفسير الرازي ٢٦ / ٤٤.

(٦) وبه قال الزمخشري في الكشاف ٣ / ٣١٥ ونقله أبو حيان في البحر ٧ / ٣٢٤ والسمين في الدر ٤ / ٤٩٥ والرازي في تفسيره ٢٦ / ٤٤.

(٧) الدر المصون ٤ / ٤٩٥.

(٨) الكشاف ٣ / ٣١٥.

١٧١

أعني الغلّ ، وإليه ذهب الطّبريّ (١). إلا أن الزمخشري قال : جعل الإقماح نتيجة قوله : (فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ) ولو كان للأيدي لم يكن معنى التسبب في الإقماح ظاهرا ، على أن هذا الإضمار فيه ضرب من التعسف وترك للظاهر (٢).

وفي هذا الكلام قولان :

أحدهما : أن جعل الأغلال حقيقة.

والثاني : أنه استعارة ، وعلى كل من القولين جماعة من الصّحابة والتابعين (٣).

وقال الزّمخشريّ : (مثل) (٤) لتصميمهم على الكفر ، وأنّه لا سبيل إلى ارعوائهم بأن جعلهم كالمغلولين المقمحين في أنهم لا يلتفتون إلى الحق ، ولا يعطفون أعناقهم نحوه ، ولا يطأطئون رؤوسهم له ، وكالحاصلين بين سدّين لا يبصرون ما قدامهم ما خلفهم (٥) في أن لا تأمل لهم ولا تبصر وأنهم متعامون عن آيات الله (٦). وقال غيره : هذا استعارة لمنع الله إيّاهم من الإيمان وحولهم (٧) بينهم وبينه. (و) (٨) قال ابن عطية : وهذا أرجح الأقوال ؛ لأنه تعالى لما ذكر أنهم لا يؤمنون لما سبق لهم في الأول عقب ذلك بأن جعل لهم من المنع وإحاطة الشّقاوة ما حالهم معه حال المغلوبين (٩). وتقدم تفسير الأذقان (١٠).

وقال ابن الخطيب : المانع إما أن يكون في النفس فهو الغلّ وإما من الخارج فالسد ، فلم يقع نظرهم على أنفسهم فيرون الآيات التي في أنفسهم كما قال تعالى : (سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ) [فصلت : ٥٣] وذلك لأن المقمح لا يرى (في)

__________________

(١) جامع البيان ٢٢ / ٩٨. وذهب إليه من المتأخرين الزجاج في المعاني ٤ / ٢٧٩ والفراء كذلك في معانيه ٢ / ٢٧٢ والنحاس في الإعراب ٣ / ٣٨٣ والرازي في تفسيره ٢٦ / ٤٤.

(٢) قال : الذي يدعوه المعنى إلى نفسه إلى الباطن الذي يجفو عنه ترك الحق الأبلج إلى الباطن اللّجلج.

انظر : الكشاف ٣ / ٣١٦.

(٣) قاله بالحقيقة عكرمة نقلا عن البحر ٧ / ٣٢٤ وقال ابن عباس وابن إسحاق استعارة لحالة الكفرة انظر : البحر المرجع السابق والقرطبي ١٥ / ٨.

(٤) سقط من «ب».

(٥) في الكشاف : ولا ما خلفهم.

(٦) وفيه : عن النظر في ... انظر الكشاف ٣ / ٣١٦ و ٣١٧.

(٧) في «ب» وحال بينهم وبينه. وفي البحر والدر المصون : وجوله وانظر : البحر ٧ / ٣٢٤ والدر المصون ٤ / ٤٩٦.

(٨) زيادة من «ب».

(٩) في المرجعين السابقين : المغلولين ، وفي «ب» المعلومين ، وهنا في «أ» المغلوبين.

(١٠) عند الآية ١٠٧ من سورة «الإسراء» : «يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً» فإن «الأذقان» جمع ذقن وهو مجتمع اللّحيين.

١٧٢

نفسه ولا يقع بصره على بدنه ، ولا يقع نظرهم على الآفاق فلا يتبين لهم الآيات التي في الآفاق. وعلى هذا فقوله : (إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ ... وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا) إشارة إلى عدم هدايتهم لآيات الله في (الأنفس (١) و) الآفاق. (فَهُمْ مُقْمَحُونَ) هذه الفاء لأحسن ترتيب ، لأنه لما وصلت الأغلال إلى الأذقان لعرضها لزم عن ذلك ارتفاع رؤوسهم إلى فوق. أو لما جمعت الأيدي إلى الأذقان وصارت تحتها لزم من ذلك رفعها إلى فوق فترتفع رؤوسهم (٢).

والإقماح رفع الرأس إلى فوق كالإقناع ، وهو من قمح البعير رأسه إذا رفعها بعد الشّرب ، إما لبرودة الماء وإما لكراهة طعمه قموحا وقماحا ـ بكسر القاف وضمها ـ وأقمحته أنا إقماحا ، والجمع قماح (٣) ، وأنشد :

٤١٦٨ ـ ونحن على جوانبها قعود

نغضّ الطّرف كالإبل القماح (٤)

يصف نفسه وجماعة كانوا في سفينة ، فأصابهم الميد (٥).

قال الزجاج قيل : الكانونين شهرا قماح ، لأن الإبل إذا وردن الماء رفعت رؤوسها ، لشدة البرد(٦) وأنشد أبو زيد للهذلي :

٤١٦٩ ـ فتى ما ابن الأغرّ إذا شتونا

وحبّ الزّاد في شهري قماح (٧)

__________________

(١) ما بين الأقواس زيادة من «أ» الأصل عن «ب».

(٢) انظر : تفسير الإمام الفخر الرازي التفسير الكبير ٢٦ / ٤٥ والدر المصون للسمين الحلبي ٤ / ٤٩٦.

(٣) لسان العرب لابن منظور : «ق م ح» ، ومجاز القرآن لأبي عبيدة ٢ / ١٥٧ قال : «المقمح والمقنح واحد تفسيره أي يجذب الذّقن حتّى يصير في الصّدر ثم يرفع رأسه. وانظر أيضا غريب القرآن لابن قتيبة ٣٦٤ والقرطبي ١٥ / ٨ ومعاني القرآن وإعرابه للزجاج ٤ / ٢٧٩ ومعاني الفراء ٢ / ٢٧٣ والبحر المحيط ٧ / ٣٢٥.

(٤) من تمام الوافر لبشر بن أبي خازم يصف ركبان السفينة بالغثيان والدّوار عند اضطراب الموج.

وشاهده : كالإبل القماح فهم رافعون رؤوسهم في اضطراب كما ترفع الإبل رؤوسها إذا أصيبت بداء القماح ، وانظر : ديوانه ٤٨ ، ومجاز القرآن ٢ / ٥٧ وغريب القرآن ٣٦٤ ، والقرطبي ١٥ / ٨ ، واللسان : «ق م ح» ، وديوان المفضليات ٨٤٤.

(٥) وهو ما يصيب من الحيرة عن السكر أو الغثيان أو ركوب البحر. اللسان : «م ي د» ، وفي «ب» البيد.

وهو تحريف.

(٦) معاني القرآن وإعرابه ٤ / ٢٧٩ والشهران الشديدا البرد كانون الأول وكانون الثاني أي ديسمبر ويناير وقماح ككتاب وغراب.

(٧) من الوافر لمالك بن خالد الهذليّ وفتى ما أي أيّ فتى؟ والشاهد : شهري قماح فهما شهران تعاف الإبل الماء فيهما لشدة برودته. انظر : الإنصاف ٦٦ واللسان : «ق م ح» والبحر ٧ / ٣٢٥ وديوان الهذليين ٣ / ٥.

١٧٣

كذا رواه بضم القاف ، وابن السّكّيت (١) بكسرها. وقال اللّيث (٢) : القموح رفع البعير رأسه إذا شرب الماء الكريه ثم يعود. وقال أبو عبيدة إذا رفع رأسه عن الحوض ولم يشرب (٣). والمشهور أنه رفع الرأس إلى السماء كما تقدم تحريره.

وقال الحسن : القامح الطامح يبصره إلى موضع قدمه. وهذا ينبو عنه اللفظ والمعنى. وزاد بعضهم مع رفع الرأس غضّ البصر (٤) مستدلا بالبيت المتقدم :

٤١٧٠ ـ ..........

نغض الطرف كالإبل القماح

وزاد مجاهد مع ذلك وضع اليد على الفم. وسأل الناس أمير المؤمنين (عليا) (٥) ـ كرم الله وجهه ـ عن هذه الآية فجلع يديه تحت لحيته (٦) ، ورفع رأسه. وهذه الكيفية ترجّح قول الطّبريّ في عود «فهي» على الأيدي (٧).

قوله : (وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا) تقدم خلاف القراء في فتح السّين وضمّها والفرق بينهما مستوفى آخر الكهف (٨) والحمد لله.

وأما فائدة السد من بين الأيدي فإنهم في الدنيا سالكون فينبغي أن يسلكوا الطّريقة المستقيمة (مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا) فلا يقدرون على السلوك. وأما فائدة السد من خلفهم فهو أنّ الإنسان له فطريّة والكافر ما أدركها فكأنه تعالى يقول : جعلنا من بين أيديهم سدّا فلا يسلكون طريق الاهتداء الذي هو فطرية وجعلنا من خلفهم سدا فلا يرجعون إلى الهداية والجبلية التي هي فطرية ، وأيضا فإن الإنسان مبدأه من الله ومصيره إليه فعمي الكافر لا يبصر ما بين من المصير إلى الله ، وما خلفه من الدخول في الوجود بخلق الله وأيضا فإنّ السالك إذا لم يكن له بدّ من سلوك طريق ، فإن اشتدّ الطريق الذي قدامه يفوته المقصد ولكنه يرجع ، وإذا اشتد الطريق من خلفه ومن قدامه والموضع الذي هو فيه لا

__________________

(١) يعقوب بن إسحاق أبو يوسف النحوي اللغوي توفي سنة ٢٤٦ انظر : إنباه الرواة ٤ / ٥٠ ـ ٥٧.

(٢) الليث بن نصر بن يسار الخراسانيّ صاحب العربية ، انظر : البغية ٢ / ٢٧٠. وانظر رأيهما في اللسان : «ق م ح» والبحر ٧ / ٣٢٤ و ٣٢٥.

(٣) عبارته : «يجذب الذقن حتى يصير في الصّدر ثم يرفع رأسه» المجاز ٢ / ١٥٧.

(٤) قاله الفراء في معانيه ٢ / ٣٧٣.

(٥) سقط من «أ».

(٦) في «ب» لحييه.

(٧) وانظر : البحر المحيط ٧ / ٣٢٤ ، فقد جمع هذه الأقوال.

(٨) عند قوله : «حَتَّى إِذا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ» من الآية ٩٣ والآية ٩٤ «عَلى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا» وضم الشين في «يس» هنا ابن كثير ونافع ، وأبو عمرو ، وابن عامر ، وأبو بكر عن عاصم ، وفتحها عاصم فيما رواها عنه حفص وفتحها أيضا حمزة والكسائي. وهما لغتان. والفرق بينهما (بين المضموم والمفتوح) أن المضموم ما كان من صنع الله ، والمفتوح من البشر. ومن قائل : إن المفتوح المصدر ، والمضموم الشيء المسدود وذهب في يس إلى أن الضم بمعنى سدّة العين. انظر : السبعة ٥٣٩ وحجة ابن خالويه ٢٣١ والكشاف ٢ / ٧٥ و ٧٦.

١٧٤

يكون موضع إقامة يهلك. فقوله (وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا) إشارة إلى هلاكهم (١) فصاروا بمنزلة من يبنى (٢) عليه الحائط وهو واقف.

قوله : «فأغشيناهم» العامة على الغين المعجمة أي غطّينا أبصارهم وهو على حذف مضاف. وابن عباس وعمر بن عبد العزيز ، والحسن ، وابن يعمر ، وأبو رجاء في آخرين بالعين المهملة (٣).

وهو ضعف البصر. يقال : عشي بصره ، وأعشيته أنا (٤).

وهذا يحتمل الحقيقة والاستعارة.

فصل (٥)

قوله : «فأغشيناهم» بحرف الفاء يقتضي أن يكون الإغشاء مرتبا على جعل السد فما وجهه؟ فيقال من وجهين :

أحدهما : أن ذلك بيان لأمور مرتبة ليس بعضها سببا في البعض فكأنه تعالى قال : إنّا جعلنا في أعناقهم أغلالا فلا يبصرون أنفسهم لإقماحهم ، وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فلا يبصرون ما في الآفاق وحينئذ يمكن أن يروا السماء وما على يمينهم وشمالهم فقال بعد هذا كله : جعلنا على أبصارهم غشاوة فلا يبصرون شيئا أصلا.

والثاني : أن ذلك بيان لكون السدّ قريبا منهم بحيث يصير ذلك كالغشاوة على أبصارهم ، فإن من جعل من خلفه وقدّامه سدين ملتزقين به بحيث يبقى بينهما ملتزقا بهما يبقى عينه على سطح السد فلا يبصر شيئا ، لأن شرط المرئيّ أن يكون قريبا من العين جدّا.

فإن قيل : ذكر السد من بين الأيدي ومن خلف ، ولم يذكر من اليمين والشّمال فما الحكمة فيه؟.

فالجواب : إن قلنا : إنه إشارة إلى الهداية الفطرية والنظرية فظاهر. وأما على غير ذلك فيقال : إنه حصل العموم بما ذكر والمنع من انتهاج المناهج المستقيمة ، لأنهم إذا قصدوا السلوك إلى جانب اليمين أو جانب الشمال صاروا متوجّهين إلى شيء ، ومولّين (٦)

__________________

(١) في «ب» إهلاكهم.

(٢) وفيها : تبنى عليه الحائط.

(٣) ذكرها ابن خالويه وقال : إنها قراءة النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ انظر : مختصر ابن خالويه ١٢٤ والمحتسب ٢ / ٢٠٤ ومعاني الفراء ٢ / ٣٧٣ ، وزاد المسير ٧ / ٨ ومعاني الزجاج ٤ / ٢٨٠ والقرطبي ١٥ / ١٠ والكشاف ٣ / ٣١٦.

(٤) في «أ» أغشى بصره وأغشيته. والتصحيح أعلى من «ب».

(٥) كذا في «ب» ، وفي «أ» قوله بدل فصل. والتصحيح من «ب».

(٦) في «ب» : متولين.

١٧٥

عن شيء فصار ما إليه توجّههم ما بين أيديهم فجعل الله السد هناك فمنعه (١) من السلوك فكيفما توجه الكافر يجعل الله بين أيديه سدا وأيضا (فإنّا) (٢) لما بينا أن جعل السد سببا لاستتار بصره فكان السد ملتزقا به وهو ملتزق بالسدين ، فلا قدره له على الحركة يمنة ولا يسرة ، فلا حاجة إلى السد عن اليمين وعن الشّمال.

وقوله : (فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ) أي لا يبصرون شيئا ، أو لا يبصرون سبيل الحق ؛ لأن الكافر مصدور عن سبيل الهدى (٣).

قوله : (وَسَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ) تقدم الكلام عليه أول البقرة (٤) ، بين أن الإنذار (٥) لا ينفعهم مع ما فعل الله بهم من الغلّ والسدّ والإغشاء والإعماء (٦) بقوله : (أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) أي الإنذار وعدمه سيّان بالنسبة إلى إيمانهم.

(إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ) قال من قبل : (لِتُنْذِرَ قَوْماً) وذلك يقتضي الإنذار العام وقال هنا : (إِنَّما تُنْذِرُ) وهو يقتضي التخصيص ، فكيف الجمع بينهما؟! وطريقه من وجوه :

الأول : أن قوله : «لتنذر» أي (كيف) (٧) ـ ما كان سواء كان مفيدا أو لم يكن.

وقوله : «إنّما تنذر» أي الإنذار المفيد لا يكون إلا بالنسبة لمن يتبع الذّكر ويخشى.

الثاني : (هو) (٨) أنّ الله تعالى لما بين أن الإرسال أو الإنزال للإنذار وذكر (أن) (٩) الإنذار وعدمه سيان بالنسبة إلى أهل العناد قال لنبيه : ليس إنذارك غير مفيد من جميع الوجوه ، فأنذر على سبيل العموم وإنما ينذر (١٠) بذلك الإنذار العام (١١) من يتبع الذكر كأنه يقول : يا محمد أنذر بإنذارك وتتبّع بذكرك.

الثالث : أن يقول : لتنذر أولا فإذا أنذرت وبالغت (وبلغت) (١٢) ، واستهزأ البعض وتولى واستكبر فبعد ذلك إنما تنذر الّذين اتّبعوك (١٣). والمراد بالذكر : القرآن لتعريف الذكر بالألف واللام. وقد تقدم ذكر القرآن في قوله تعالى : (وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ.) وقيل :

__________________

(١) وفيها : فيمنعه.

(٢) ما بين القوسين سقط من «ب».

(٣) وانظر في هذا كله تفسير العلامة الرازي ٢٦ / ٤٦ ، ٤٧.

(٤) من الآية ٦ منها وهي قوله تعالى : «سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ» وقد بين هناك أن «سواء» مبتدأ ، وما بعده الخبر وهو جملة في صيغة التأويل بالمفرد أي سواء عليك أو عليهم الإنذار وعدمه. انظر : اللباب ١ / ٣٦ ب.

(٥) في «ب» الأنداد.

(٦) في «ب» الإغماء.

(٧) سقط من «ب» لفظ كيف فقط.

(٨ و ٩) سقط من «ب».

(١٠) في «ب» : لتنذر.

(١١) في «أ» العالم.

(١٢) زيادة للسياق.

(١٣) في «ب» يتبعوك.

١٧٦

ما في القرآن من الآيات لقوله : (وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ) [ص : ١] فما جعل القرآن نفس الذكر. والمعنى إنما تنذر العلماء الّذين يخشون ربهم. وقوله : (وَخَشِيَ الرَّحْمنَ) أي عمل صالحا لقوله : (فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ) وهذا جزاء العمل كقوله : (فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) [الحج : ٥٠] والمراد بالغيب : ما غاب وهو أحوال يوم القيامة. وقيل الوحدانية(١).

وقوله : «فبشّره» إشارة إلى الرسالة ، فإنّ النّبيّ بشير ونذير.

وقوله : «بمغفرة» على التنكير أي بمغفرة واسعة تسير من جميع الجوانب (وَأَجْرٍ كَرِيمٍ) أي ذي كرم كقوله : (وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) والمراد به الجنة.

قوله تعالى : (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى) عند البعث. لما بين الرسالة وهو أصل من الأصول الثلاثة التي يصير بهم المكلف مؤمنا مسلما ذكر أصلا آخر وهو الحشر. ووجه آخر وهو أن الله تعالى لما ذكر الإنذار والبشارة بقوله : (فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ) ولم يظهر ذلك بكماله في الدنيا فقال : إن لم ير في الدنيا فالله يحيي الموتى ويجزى المنذرون والمبشرون ووجه آخر وهو أنه تعالى لما ذكر خشية الرحمن بالغيب ذكر ما يؤكده وهو إحياء الموتى (٢).

فصل

(إِنَّا نَحْنُ) يحتمل وجهين :

أحدهما : أن يكون مبتدأ وخبرا كقوله :

٤١٧١ ـ أنا أبو النّجم وشعري شعري (٣)

ومثل هذا يقال عند الشّهرة العظيمة ، وذلك لأنّ من لا يعرف يقال (٤) (له) (٥) : من أنت؟ فيقول : أنا ابن فلان فيعرف ، ومن يكون مشهورا إذا قيل له : من أنت ، يقول (٦) :

__________________

(١) انظر : الرازي ٢٦ / ٤٧ وزاد المسير ٧ / ٨.

(٢) الرازي المرجع السابق.

(٣) من الرجز لأبي النجم.

والاستشهاد بالبيت على أن «أنا أبو النّجم» مبتدأ مؤخر ك (إِنَّا نَحْنُ) من الآية الكريمة. والبيت في الخصائص ٣ / ٣٣٧ والمنصف ١ / ١٠ وأمالي الشجري ١ / ٢٤٤ وشرح ابن يعيش ١ / ٩٨ و ٩ / ٨٣ والمغني ٣٢٩ و ٤٣٧ و ٦٥٧ والهمع ١ / ٦٠ و ٢ / ٩٥ والدّرر اللوامع ١ / ٣٥ و ٢ / ٧٦ والأشموني ١ / ١٥٥ والرازي ٢٦ / ٤٨.

ومن الإمكان ـ وهو الأرجح ـ أن يكون التنظير بالبيت في : «وشعري شعري» ومعنى : وشعري شعري المعروف الموصوف كما بلغت وعرفت فكذلك : (إِنَّا نَحْنُ) أي معروفون بأوصاف الكمال فالمبتدأ والخبر معرفتان.

(٤) في «ب» فيقال.

(٥) سقط من (ب).

(٦) في «ب» فيقول.

١٧٧

أنا ولا معرفة لي أظهر من نفسي فيقال : إنّا نحن معروفون بأوصاف الكمال ، وإذا عرفنا بأنفسنا فلا ينكر قدرتنا على إحياء الموتى.

والثاني : أن الخبر «نحيي» كأنه قال : (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى) و «نحن» يكون تأكيدا. وفي قوله : (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى) إشارة إلى الوحيد ؛ لأن الإشراك يوجب التمييز ، فإن «زيدا» إذا شاركه غيره في الاسم ، فلو قال : «أنا زيد» لا يحصل التعريف التام ، (لأن) (١) للسامع أن يقول : أيّما زيد؟ فيقول : ابن عمرو ، (ولو (٢) كان هناك زيد آخر أبو عمرو لا يكفي قوله : ابن عمرو) فلما قال الله: (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى) أي ليس غيرنا أحد يشركنا حتى يقول : أنا كذا فيمتاز ، وحينئذ تصير الأصول(٣) الثلاثة مذكورة : الرسالة والتوحيد والحشر (٤).

قوله : (وَنَكْتُبُ) العامة على بنائه للفاعل ، فيكون (ما قَدَّمُوا) مفعولا به و «آثارهم» عطف عليه. وزرّ ومسروق قرآه مبنيا للمفعول ، و «آثارهم» (٥) بالرفع عطفا على «ما قدّموا» لقيامه مقام الفاعل (٦).

فصل

المعنى ما قدموا وأخروا ، فاكتفي بأحدهما ، لدلالته على الآخر كقوله تعالى : (سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ) [النحل : ٨١] أي والبرد. وقيل : المعنى ما أسلفوا من الأعمال صالحة كانت أو فاسدة ، كقوله تعالى : (بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ)(٧) أي بما قدمت في الوجود وأوجدته. وقيل : نكتب نيّاتهم فإنها قبل الأعمال و «آثارهم» أي أعمالهم. وفي «آثارهم» وجوه :

أحدها : ما سنوا من سنة حسنة وسيئة. فالحسنة كالكتب المصنّفة والقناطر المبنية ، والسيئة كالظّلامة (٨) المستمرة التي وضعها ظالم والكتب المضلة. قال ـ عليه

__________________

(١ و ٢) ما بين الأقواس ساقط من (ب وأ) وتكملة من الرازي.

(٣) في «ب» الأمور.

(٤) وانظر في هذا كله تفسير الفخر الرازي ٢٦ / ٤٨ و ٤٩.

(٥) في «ب» وآباؤهم تحريف.

(٦) من القراءات الشاذة ذكرها ابن خالويه في المختصر ١٢٤ وابن الجوزي في زاد المسير ٧ / ٨ منسوبة إلى إبراهيم النخعيّ والجحدريّ وذكرها في الكشاف دون نسبة. الكشاف ٣ / ٣١٧.

(٧) الآية ٩٥ من سورة «البقرة» و ٦٢ من سورة «النساء» و ٤٧ من سورة «القصص» و ٤٨ من سورة «الشورى» و ٧ من سورة «الجمعة». وقد ذكر هذه الآراء الثلاثة الفخر الرازي في تفسيره ٢٦ / ٤٩ ورجح الفراء والزجاج في معانيهما الرأي الثاني. انظر معاني الفراء ٢ / ٣٧٣ والزجاج ٤ / ٢٨١ والكشاف ٣ / ٣١٦.

(٨) كذا في «ب» والرازي وفي «أ» كالطلابات. واختار هذا الرأي ابن عباس وابن جبير والفراء وابن قتيبة والزجاج. انظر زاد المسير ٧ / ٩.

١٧٨

(الصلاة (١) و) السلام : «من سنّ في الإسلام سنّة حسنة فعمل بها من بعده كان له أجرها ومثل أجر من عمل بها من غير أن ينقص من أجورهم شيئا ، ومن سنّ في الإسلام سنّة سيّئة فعمل بها من بعده كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من غير أن ينقص من أوزارهم شيئا» (٢) وقيل : نكتب آثارهم أي خطاهم إلى المسجد (٣) ؛ لما روي أبو سعيد الخدري قال : شكت بنو سلمة بعد منازلهم من المسجد فأنزل الله : (وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ) فقال ـ عليه (الصّلاة و) السلام ـ : «إنّ الله يكتب خطواتكم ويثيبكم عليه» (٤). وقال ـ عليه (الصّلاة و) السّلام ـ : «أعظم النّاس أجرا في الصّلاة أبعدهم ممشى والّذي ينتظر الصّلاة حتّى يصلّيها مع الإمام أعظم أجرا من الّذي يصلّي ثمّ ينام» (٥) فإن قيل : الكتابة قبل الإحياء فكيف أخر في الذكر حيث قال : («نحيي») (٦) و «نكتب» ولم يقل : نكتب ما قدّموا ونحييهم؟.

فالجواب : أن الكتابة معظمة ، لا من الإحياء ، لأن الإحياء إن لم يكن للحساب (٧) لا يعظم ، والكتابة في نفسها إن لم تكن إحياء وإعادة لا يبقى لها أثر أصلا والإحياء هو المعتبر ، والكتابة مؤكدة معظمة لأمره فلهذا قدم الإحياء. (و) (٨) لأنه تعالى قال : (إِنَّا نَحْنُ) وذلك يفيد العظمة والجبروت ، والإحياء العظيم يختص بالله ، والكتابة دونه تقرير العريف الأمر العظيم وذلك مما يعظم ذلك الأمر العظيم.

قوله : (وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ) العامة على نصب «كل» على الاشتغال (٩). وأبو السّمّال قرأه مرفوعا بالابتداء (١٠) والأرجح قراءة العامة ، لعطف جملة الاشتغال على جملة فعلية (١١).

__________________

(١) زيادات من «ب».

(٢) رواه مسلم في صحيحه ٨ / ٦١ عن جرير بن عبد الله من حديث طويل.

(٣) زاد المسير ٧ / ٩ والرازي ٢٦ / ٤٩.

(٤) الرازي السابق.

(٥) عن أبي موسى ، رواه البخاريّ في صحيحه ١ / ١٢٠.

(٦) سقط من «ب».

(٧) كذا في «أ» والرازي وما في «ب» المصاب.

(٨) سقط من «ب».

(٩) ذكرت في القرطبي ١٥ / ١٣ ومعاني الفراء ٢ / ٣٧٣ ومشكل الإعراب ٢ / ٢٢٢ والتبيان ٨١٥ و ١٠٧٩ والبيان ٢ / ٢٩١ وإعراب القرآن للنّحاس ٣ / ٣٨٦ والبحر المحيط ٧ / ٣٢٥ والدر المصون ٤ / ٤٩٩.

والكل رجح النصب.

(١٠) مختصر ابن خالويه ١٢٤ والبحر المحيط ٧ / ٣٢٥ وزاد المسير ٧ / ٩ بنسبتها إلى ابن السّميقع وابن أبي عبلة. وانظر : الكشاف أيضا ٣ / ٣٧٧ والقرطبي ١٥ / ١٣.

(١١) المراجع السابقة.

١٧٩

فصل

«أحصيناه» حفظناه وثبّتناه (فِي إِمامٍ مُبِينٍ). فقوله «أحصيناه» أبلغ من كتبناه ، لأن من كتب شيئا مفرقا يحتاج إلى جمع عدده (١) ، فقال يحصي (٢) فيه. وإمام جاء جمعا في قوله : (يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ) [الإسراء : ٧١] أي بأئمتهم (٣) وحينئذ ف «إمام» إذا كان فردا فهو ككتاب وحجاب ، وإذا كان جمعا فهو كجبال. والمبين هو المظهر للأمور لكونه مظهرا (للملائكة (٤) ما) يفعلون وللناس ما يفعل بهم ، وهو الفارق بين أحوال الخلق فيجعل فريقا في الجنة وفريقا في السعير. وسمي الكتاب إماما ، لأن الملائكة يأتمون به ، ويتبعونه ، وهو اللوح المحفوظ. وهذا بيان لكونه ما قدموا وآثارهم أمرا مكتوبا عليهم لا يبدّل ، فإن القلم جفّ بما هو كائن ، فلما قال (نَكْتُبُ ما قَدَّمُوا) بين أن قبل ذلك كتابة أخرى ، فإن الله تعالى كتب عليهم أنهم سيفعلون كذا وكذا ثم إذا فعلوا كتب عليهم أنهم فعلوه (٥). وقيل : إن ذلك مؤكّد لمعنى قوله : (وَنَكْتُبُ) ؛ لأن من يكتب (٦) شيئا في أوراق ويرميها قد لا يجدها ، فكأنه لم يكتب فقال : نكتب ونحفظ ذلك في إمام مبين وهو كقوله تعالى : (عِلْمُها)(٧)(عِنْدَ رَبِّي فِي كِتابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسى) [طه : ٥٢]. وقيل : إنّ ذلك تعميم بعد التخصيص كأنه تعالى يكتب ما قدموا وآثارهم ، وليست الكتابة مقتصرة عليه بل كل شيء محصى في إمام مبين ، وهذا يفيد أن شيئا من الأفعال والأقوال لا يعزب عن (علم) (٨) الله ، ولا يفوته وهو قوله تعالى : (وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ) [القمر : ٥٢ ـ ٥٣] يعني ليس ما في الزبر منحصرا فيما فعلوه بل كل شيء مكتوب (٩).

قوله تعالى : (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً أَصْحابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جاءَهَا الْمُرْسَلُونَ (١٣) إِذْ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُما فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ فَقالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ (١٤) قالُوا ما أَنْتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنا وَما أَنْزَلَ الرَّحْمنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ (١٥) قالُوا رَبُّنا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ (١٦) وَما عَلَيْنا إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ (١٧) قالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ (١٨) قالُوا طائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ) (١٩)

قوله تعالى : (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً أَصْحابَ الْقَرْيَةِ) تقدم الكلام على نظيره في

__________________

(١) قاله أبو عبيدة في المجاز ٢ / ١٥٩.

(٢) في «ب» نحصي.

(٣) في «ب» بأمتهم.

(٤) سقط من «ب».

(٥) انظر في هذا تفسير العلامة الرازي ٢٦ / ٤٩ و ٥٠.

(٦) في «ب» كتب بصيغة الماضي.

(٧) لفظة «علمها» سقطت من «ب».

(٨) سقط من «ب».

(٩) تفسير الفخر الرازي ٢٦ / ٥٠.

١٨٠