اللّباب في علوم الكتاب - ج ١٥

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي

اللّباب في علوم الكتاب - ج ١٥

المؤلف:

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي


المحقق: عادل أحمد عبد الموجود و علي محمّد معوّض
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-2298-3

الصفحات: ٦١٥

ابن أبي عبلة «غير» بالجر (١) صفة لطعام واستضعفها الناس من أجل عدم بروز الضمير لجريانه على غير من هو له فكان من حقه أن يقال : غير ناظرين إناه أنتم ، وهذا رأي البصريين (٢) ، والكوفيون يجيزون ذلك إن لم يلبس كهذه (٣) الآية ، وقد تقدمت هذه المسألة وفروعها وما قيل فيها ، وهل (٤) هذا مختص بالاسم أو يجري في الفعل خلاف مشهور قلّ من يضبطه (٥).

قوله : «إناه» قرأ العامة «إناه» مفردا أي نضجه ، يقال : أنى الطّعام إنّى ، نحو : قلاه قلّى ، أي غير منتظرين إدراكه ووقت نضجه (٦) ويقال : أنى الحميم (٧) إذا انتهى حرّه ، وأنى أن يفعل (٨) كذا أي حان إنى بكسر الهمزة مقصورة ؛ وقرأ الأعمش «آناءه» جمعا على أفعال (٩) ، فأبدلت الهمزة الثانية ألفا والياء همزة لتطرفها بعد ألف زائدة فصار في اللفظ «كآناء» من قوله : (وَمِنْ آناءِ اللَّيْلِ) وإن كان المعنى مختلفا ، قال البغويّ : إذا فتحت (١٠) الهمزة مددت فقلت : الآناء وفيه لغتان أنى يأني ، وآن يئين مثل : حان يحين.

قوله : (وَلكِنْ إِذا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذا طَعِمْتُمْ) أكلتم «فانتشروا» تفرقوا واخرجوا من منزله.

فصل

قال ابن الخطيب قوله : (إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ) إما أن يكون فيه تقديم وتأخير تقدير ه «ولا تدخلوا إلى طعام إلا أن يؤذن لكم» فلا يكون منعا من الدخول في غير وقت

__________________

(١) انظر : البحر المحيط ٧ / ٢٤٦ والكشاف ٣ / ٢٧٠ والبيان ٢ / ٢٧٢ وهي من الشواذ غير المتواترة.

(٢) كابن الأنباري انظر : المرجع السابق والمرجعين السابقين له.

(٣) وممن أجاز ذلك الفراء في معانيه ٢ / ٣٤٧.

(٤) في «ب» وقيل : وهو تحريف.

(٥) عند الآية ٤ من سورة «الشعراء» وهي قوله : «إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ».

(٦) انظر : غريب القرآن لابن قتيبة ٣٥٢ ومجاز القرآن لأبي عبيدة ٢ / ١٤٠ والقرطبي ١٤ / ٢٢٦ والبحر المحيط ٧ / ٢٤٦ والإنصاف ٥٧ و ٥٨ واللسان : «خ ض ع».

(٧) معالم التنزيل للبغوي ٥ / ٢٧٢ و ٢٧٣.

(٨) انظر : المجاز ٢ / ١٤٠ فقد قال : ويقال : أنى لك أن تفعل يأني أنيا ، والاسم : إنّى ، وأنى أبلغ. وانظر أيضا اللّسان (أني) ص ١٦٠ و ١٦١.

(٩) لم أجدها منسوبة إليه إلا في البحر ٧ / ٢٤٦ وانظر شواذ القرآن ١٩٥ فقد نسبها إليه أيضا وزاد بالجرّ يعني بالقراءة هذه قراءة الهمز.

(١٠) انظر : معالم التنزيل للبغوي ٥ / ٢٧٢.

٥٨١

الطعام بغير الإذن وإما أن لا يكون فيه تقديم وتأخير فيكون معنى (١) : ولا تدخلوا إلا أن يؤذن لكم إلى طعام فيكون الإذن مشروطا بكونه إلى طعام فإن لم يؤذن إلى طعام فلا يجوز الدخول فلو أذن لواحد في الدخول لاستماع كلام لا لأكل طعام لا يجوز (٢) فنقول المراد هو الثاني ليعم النهي عن الدّخول ، وأما كونه (٣) لا يجوز إلا بإذن (٤) إلى طعام فلما تقدم في سبب النزول أن الخطاب مع قوم كانوا يتحيّنون حين الطعام ويدخلون من غير إذن فمنعوا من الدخول في وقتهم (٥) بغير إذن ، والأولى أن يقال المراد هو الثاني لأن التقديم والتأخير خلاف الأصل. وقوله : (إِلى طَعامٍ) من باب التخصيص بالذكر فلا يدل على نفي ما عداه لا سيما إذا علم أن غيره مثله فإن من جاز دخول بيته بإذنه إلى طعامه ، جاز دخوله إلى غير طعامه (٦) فإن غير الطعام يمكن وجوده مع الطعام فإن من الجائز أن يتكلم معه وقت ما يدعوه إلى الطعام ويستعينه (٧) (٧) في حوائجه ويعلمه مما عنده من العلوم مع زيادة الطعام (٨) فإن رضي بالكل فرضاه بالبعض أقرب إلى العقل (٩) فيصير من باب : (فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍ) [الإسراء : ٢٣] وقوله: (غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ)(١٠) أي لا تنتظروا وقت الطعام فإنه ربما لا يتهيّأ (١١).

فصل

لا يشترط في الإذن التصريح به بل إذا حصل العلم بالرضا جاز الدخول ولهذا قال : (إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ) من غير بيان فاعل فالآذن إن كان الله أو النبي أو العقل المؤيد بالدليل جاز والنقل دال عليه حيث قال : (أَوْ صَدِيقِكُمْ) [النور : ٦١] فلو جاء الرجل وعلم أن لا مانع في البيت من يكشف أو بحضور (١٢) غير محرم أو علم خلو الدار من الأهل (١٣) وهي محتاجة إلى إطفاء حريق فيها أو غير ذلك جاز الدخول وفي معنى البيت موضع مباح (١٤) اختاره شخص لعبادته أو اشتغاله بشغل فيأتيه أحد ويطيل المكث عنده (١٥).

قوله : (وَلا مُسْتَأْنِسِينَ) يجوز أن يكون منصوبا عطفا على «غير» أي لا

__________________

(١) في «ب» والرازي «معناه» بالضمير.

(٢) في تفسير الفخر : «نقول» بدون الفاء.

(٣) وفيه : «وأما قوله فلا يجوز».

(٤) وفيه : إلا بالإذن الذي إلى طعام.

(٥) وفيه «في وقته».

(٦) وفيه «طعامه بإذنه».

(٧) في «ب» والفخر : «ويستقصيه».

(٧) في «ب» والفخر : «ويستقصيه».

(٨) وفيه : «إلا طعام».

(٩) في الفخر : «الفعل».

(١٠) سقطت من الفخر.

(١١) انظر في هذا كله تفسير ابن الخطيب الفخر الرازي ٢٥ / ٢٢٤.

(١٢) في «ب» حضور.

(١٣) في «ب» الأصل.

(١٤) في «ب» بيت بدل من «مباح».

(١٥) انظر : تفسير الرازي ٢٥ / ٢٢٤ و ٢٢٥.

٥٨٢

تدخلوها غير ناظرين ولا مستأنسين (١) والمعنى ولا طالبين الأنس للحديث ، وكانوا يجلسون بعد الطعام يتحدثون طويلا فنهوا عن ذلك.

قوله : «لحديث» يحتمل أن تكون لام العلة أي مستأنسين لأجل أن يحدث بعضكم بعضا وأن تكون المقوية للعامل لأنه قرع أي ولا مستأنسين حديث أهل البيت أو غيرهم (٢).

قوله : (إِنَّ ذلِكُمْ) أي إن انتظاركم واستئناسكم فأشير إليهما إشارة الواحد كقوله : (عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ) [البقرة : ٦٨] أي إن المذكور.

قوله : (فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ) قرىء «لا يستحي» بياء واحدة ، والأخرى محذوفة ، واختلف فيها هل هي الأولى أو الثانية وتقدم ذلك في البقرة ، وأنها رواية عن ابن كثير وهي لغة تميم يقولون استحى يستحي مثل : استقى يستقي (٣).

قوله : (وَاللهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ) أن لا يترك تأديبكم وهذا إشارة إلى أنّ ذلك حق وأدب ، ثم ذكر أدبا آخر فقال : (وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ) أي من وراء ستر ، فبعد آية الحجاب لم يكن لأحد أن ينظر إلى امرأة من نساء رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ منتقبة كانت أو غير منتقبة (ذلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ) من الريب لأن العين روزنة (٤) القلب فإذا لم تر العين لا يشتهي القلب ، فأما وإن رأت العين فقد يشتهي القلب وقد لا يشتهي ، فالقلب عند عدم الرؤية أطهر وعدم الفتنة حينئذ أظهر (٥).

قوله : (وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً) نزلت في (٦) رجل من أصحاب النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ قال : لئن قبض رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ لأنكحن عائشة. قال مقاتل بن سليمان : هو طلحة ابن عبيد الله (٧) فأخبر الله عزوجل ـ أن ذلك محرّم وقال : (إِنَّ ذلِكُمْ كانَ عِنْدَ اللهِ عَظِيماً). وروى معمر عن الزهري أن العالية بنت ظبيان التي طلق النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ تزوجت رجلا وولدت له وذلك قبل تحريم أزواج النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ على الناس (٨).

__________________

(١) هذا قول أبي البقاء في التبيان ١٠٦١ والسمين في الدر ٤ / ٤٠١.

(٢) انظر : البحر ٧ / ٢٤٧ والدر ٤ / ٤٠١. والمقوية التي تقوي اسم الفاعل في طلبه المفعول حيث إنّ اسم الفاعل فرع عن الفعل في العمل.

(٣) يشير بآية البقرة إلى قوله : «إِنَّ اللهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً ما بَعُوضَةً» وهي الآية «٢٦» منها.

(٤) قال في اللسان : «والرّوزنة : الكوة ، وفي المحكم : الخرق في أعلى السقف ، التهذيب : يقال للكوة النافذة الروزن قال : وأحسبه معرّبا» اللسان «رزن» ١٦٣٩.

(٥) تفسير الرازي ٢٥ / ٢٢٥.

(٦) ذكره السيوطي بالتفصيل في أسباب النزول ١٤٣ والقرطبي ١٤ / ٢٢٨ وزاد المسير ٦ / ٤١٦.

(٧) المراجع السابقة.

(٨) ذكره البغوي في معالم التنزيل ٥ / ٢٧٣.

٥٨٣

قوله : (إِنْ تُبْدُوا شَيْئاً أَوْ تُخْفُوهُ) الآية نزلت (١) فيمن أضمر نكاح عائشة بعد رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وقيل : قال رجل من الصحابة ما بالنا نمنع الدخول على بنات أعمامنا فنزلت هذه الآية (٢) ، ولما نزلت آية الحجاب قال الآباء والأقارب ونحن أيضا نكلمهن من وراء حجاب فأنزل الله ـ عزوجل ـ (لا جُناحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبائِهِنَ وَلا إِخْوانِهِنَّ وَلا أَبْناءِ إِخْوانِهِنَّ وَلا أَبْناءِ أَخَواتِهِنَ) أي لا إثم عليهنّ في ترك الاحتجاب عن هؤلاء (٣)(وَلا نِسائِهِنَّ) قيل : أراد به نساء المسلمات حتى لا يجوز للكتابيات الدخول عليهن (٤).

وقيل : هو عام في المسلمات والكتابيات (٥) وإنّما قال : (وَلا نِسائِهِنَّ) لأنهن من أجناسهن ، وقدم الآباء لأن اطلاعهم على بناتهم أكثر ، وكيف وهم رأوا جميع بدن البنات في حال صغرهن ثم الأبناء ثم الإخوة وذلك ظاهر ، إنما الكلام في بني الإخوة حيث قدمهم الله عليه على بنات (٦) الأخوات لأن بني الأخوات آباؤهم ليس المحارم خالات (٧) أبنائهم وبني الإخوة آباؤهم محارم أيضا ، ففي بني الأخوات مفسدة ما وهي أن الابن ربما يحكي خالته عند أبيه وهو ليس بمحرم ولا كذلك بنو الإخوة. فإن قيل : لم يذكر الله تعالى من المحارم الأعمام والأخوال ولم يقل : ولا أعمامهن ولا أخوالهن؟.

فالجواب من وجهين :

أحدهما : أن ذلك معلوم من بني الإخوة وبني الأخوات لأن من علم أن بني الأخ للعمّات محارم علم أن بنات الأخ عند آبائهم وهم غير محارم وكذلك الحال في ابن (٨) الخال.

قوله : (وَلا ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ) ذكر هذا بعد الكل ، فإن المفسدة في التكشف لهم ظاهرة(٩) ، واختلفوا في عبد المرأة هل يكون محرما لها فقيل يكون لها لقوله : (وَلا ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ) ، وقيل : المراد من كان دون البلوغ (١٠).

قوله : (وَاتَّقِينَ) عطف على محذوف أي امتثلن ما أمرتن به واتّقين الله (١١) أن يراكنّ غير هؤلاء (١٢) ، وقوله : (إِنَّ اللهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً) في غاية الحسن في هذا

__________________

(١ و ٢) المرجع السابق وانظر : تفسير الخازن ٥ / ٢٧٣ المسمى لباب التنزيل.

(٣) زاد المسير ٦ / ٤١٧.

(٤ و ٥) الخازن والبغوي ٥ / ٢٧٣.

(٦) في «ب» وتفسير الفخر الرازي : «بني الأخوات».

(٧) في تفسير الفخر : «إنما هم أزواج خالات أبنائهم».

(٨) في «ب» والرازي : «أمر الخال».

(٩) وانظر هذا كله في التفسير الكبير للفخر الرازي ٢٥ / ٢٢٦.

(١٠) ذكره الخازن في لباب التأويل والبغوي في معالم التنزيل ٥ / ٢٧٤ وابن الجوزي في زاد المسير ٦ / ٤١٨.

(١١) قاله السمين في الدر ٤ / ٤٠٦.

(١٢) قاله البغوي في معالم التنزيل ٥ / ٢٧٤.

٥٨٤

الموضع لأن ما سبق إشارة إلى جواز الخلوة بهم والتكشف لهم فقال إن الله شاهد عند اختلاء بعضكم ببعض فخلوتكم مثل ملئكم بشهادة الله تعالى فاتقوا (١) الله فإنه شهيد على أعمال العباد.

قوله : (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ) العامة على نصب «الملائكة» نسقا على اسم «إن» و «يصلّون» هل هو خبر عن (اللهَ وَمَلائِكَتَهُ) أو عن «الملائكة» فقط ، وخبر الجلالة محذوف لتغاير الصلاتين خلاف (٢). وقرأ ابن عباس ورويت (٣) عن أبي عمرو : وملائكته رفعا (٤) فيحتمل أن يكون عطفا على محل اسم «إنّ» عند بعضهم (٥) ، وأن يكون مبتدأ والخبر محذوف وهو مذهب البصريين (٦) ، وقد تقدم فيه بحث نحو : زيد ضارب وعمرو أي ضارب في الأرض.

فصل

لما أمر (٧) بالاستئذان وعدم النظر إلى نسائه احتراما له كمل بيان حرمته وذلك أن حالاته منحصرة في حالتين حالة خلوة فذكر ما يدل على احترامه في تلك الحالة بقوله : (لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ) وحالة بكونه في ملأ والملأ إما الملأ الأعلى وإما الملأ الأدنى أما احترامه في الملأ الأعلى فإن الله وملائكته يصلون عليه ، وأما احترامه في الملأ الأدنى فقوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً).

فصل

قال ابن عباس : أراد أنّ الله يرحم النبي والملائكة يدعون له ، وعن ابن عباس

__________________

(١) قاله الفخر الرازي ٢٥ / ٢٢٧.

(٢) تقدم عند قوله تعالى : «هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ» من الآية ٤٣ من نفس السورة.

(٣) هو محمد بن المتوكل أبو عبد الله اللؤلؤي رويس المقرىء ، قرأ على يعقوب الحضرميّ تصدر للإقراء قرأ عليه محمد بن هارون التمار وأبو عبد الله الزبيري مات بالبصرة سنة ٢٣٨ ه‍ ، انظر : معرفة القراء الكبار للذهبي ١ / ٢١٦ وغاية النهاية ٢ / ٢٣٤ و ٢٣٥.

(٤) لم ترد هذه القراءة مروية عن أبي عمرو في السبع أو العشر المتواترة كما لم ترد عن طريق الأربع الشواذ فوق العشرة وعلى ذلك فهي غير متواترة انظر : مختصر ابن خالويه ١٢٠ والكشاف ٣ / ٢٧٢.

(٥) وهو ما يسمى بالعطف على المحل وهو القسم الثاني من أقسام العطف وقول ه «عند بعضهم» أي بعض البصريين لأن للعطف على المحل شروطا ثلاثة معروفة من بينها وجوب المحرز ـ أي الطالب لذلك المحل والطالب لرفع لفظ الجلالة ـ وهو الله ـ هو الابتداء والابتداء هو التجرد والتجرد قد زال بدخول «إنّ» ولكن الكوفيين أجازوا تلك المسألة وشبيهتها لأنهم لم يشترطوا المحرز ، ولأن «أن» لم تعمل عندهم في الخبر شيئا بل هو مرفوع بما كان مرفوعا به قبل دخولها.

(٦) لأنهم يشترطون في العطف على المحل وجود المحرز كما قلت.

(٧) تفسير الرازي ٢٥ / ٢٢٧.

٥٨٥

أيضا : يصلون يزكون ، وقيل : الصلاة من الله الرحمة ، ومن الملائكة الاستغفار (١). وقال أبو العالية : صلاة الله ثناؤه عليه عند الملائكة وصلاة الملائكة الدعاء (٢) ، روى عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : لقيني كعب بن عجرة فقال : ألا أهدي لك هديّة سمعتها من رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فقلت بلى فأهدها إليّ قال : قلنا يا رسول الله قد علمنا كيف نسلم فكيف نصلي عليك؟ قال : «قولوا اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد» (٣) وروى أبو حميد السّاعديّ أنهم قالوا يا رسول الله : كيف نصلي عليك؟ فقال رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ قولوا : اللهم صلّ على محمد وأزواجه وذريته كما صليت على إبراهيم وبارك على محمد وأزواجه وذريته كما باركت على إبراهيم إنك حميد مجيد (٤). وروى ابن مسعود قال : قال رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : «إنّ أولى النّاس بي يوم القيامة أكثرهم عليّ صلاة» (٥). وروى أبو هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ قال : «من صلّى عليّ واحدة صلّى الله عليه عشرا» (٦) ، وروى عبد الله بن أبي طلحة عن أبيه عن رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أنه جاء ذات يوم والبشر في وجهه فقال : «إنّي جاءني جبريل فقال : أما يرضيك يا محمد أن لا يصلّي عليك أحد من أمّتك إلّا صلّيت عليه عشرا ولا يسلّم عليك أحد من أمّتك إلّا سلّمت عليه عشرا» (٧) وروى عامر بن ربيعة (٨) أنه سمع النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ يقول «من صلّى عليّ صلاة صلّت الملائكة عليه ما صلّى عليّ فليقلّ العبد من ذلك أو ليكثر» (٩) وروى عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : «إنّ لله ملائكة سيّاحين في الأرض يبلّغون عن أمّتي السّلام» (١٠).

فصل

دلت الآية على وجوب (١١) الصلاة على النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ لأن الأمر للوجوب ولا تجب

__________________

(١) معالم التنزيل للبغوي ٥ / ٢٧٤.

(٢) زاد المسير ٦ / ٣٩٨.

(٣) السابق.

(٤) رواه البخاري ٣ / ١٧٨ والإمام مالك في الموطأ باب السفر برقم ٦٦ ومسند الإمام أحمد ١ / ٦٣ و ٣ / ٤٧ و ٤ / ١١٨ و ٢٤١ و ٢٤٣ و ٢٤٤ و ٥ / ٢٧٤ و ٢٧٤ و ٤٢٤.

(٥) الحديث في الترمذي ١ / ٣٢ الوتر «باب ما جاء في فضل الصلاة على النبي».

(٦) نقله البغوي في معالم التنزيل ٥ / ٢٧٥ والجامع في أحكام القرآن للقرطبي ١٤ / ٢٣٥.

(٧) المرجعان السابقان القرطبي ١٤ / ٢٣٧ والبغوي ٥ / ٢٧٥ وانظر الخازن ٥ / ٢٧٥ وفي القرطبي «والبشرى في وجهه» بدل «البشر».

(٨) ابن كعب بن مالك العنزي أسلم قديما ، وهاجر إلى الحبشة ، وإلى المدينة وشهد بدرا والمشاهد له اثنان وعشرون حديثا مات سنة ٣٣ ه‍ انظر: خلاصة الكمال ٨٤.

(٩) البغوي ٥ / ٢٧٥.

(١٠) القرطبي ١٤ / ٢٢٧.

(١١) وهو قول محمد بن المواز ، وابن العربي والدارقطني فيما ذكر القرطبي ، والذي عليه الجم الغفير والجمهور الكثير أن ذلك من سنن الصلاة ومستحباتها كالإمام مالك وسفيان الثوري وأهل المدينة وأهل الكوفة.

٥٨٦

في غير التشهد فتجب في التشهد وكذلك قوله : (وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) أمر فيجب السلام ولم يجب في غير الصلاة فيجب فيها وهو قولنا في التشهد : السّلام عليك أيّها النّبيّ ، وذكر في السلام المصدر للتأكيد ، ولم يؤكد الصلاة لأنها كانت مؤكدة بقوله : (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ).

فإن قيل : إذا صلى الله وملائكته عليه فأي حاجة به إلى صلاتنا؟.

فالجواب : أن الصلاة عليه ليس لحاجة (١) إليها وإلا فلا حاجة إلى صلاة الملائكة مع صلاة الله عليه ، وإنما هو إظهاره وتعظيمه (كما أن الله تعالى) (٢) وجب علينا ذكر نفسه ولا حاجة له إليه وإنما هو لإظهاره وتعظيمه منا شفقة علينا ليثيبنا عليه ولهذا قال عليه (الصلاة (٣) و) السلام : «ومن صلى علي واحدة صلى الله عليه عشرا».

قوله (تعالى (٤)) : (إِنَ (٥) الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ) فيه أوجه أي يقولون فيه ما صورته أذى وإن كان تعالى لا يلحقه ضرر ذلك حيث وصفوه بما لا يليق بجلاله من اتخاذ الأنداد ونسبة الولد والزوجة (٦) إليه ، قال ابن عباس هم اليهود والنصارى والمشركون (٧) ، قال عليه (الصلاة (٨) و) السلام يقول الله تعالى : «شتمني عبدي يقول اتّخذ الله ولدا وأنا الأحد الصّمد لم ألد ولم أولد ولم يكن لي كفوا أحد» (٩) ، وقال عليه (الصلاة (١٠) و) السلام قال الله تعالى : يؤذيني ابن آدم يسبّ الدّهر وأنا الدّهر بيدي الأمر أقلّب اللّيل والنّهار (١١) ، وقيل : يؤذون الله : يلحدون في أسمائه وصفاته (١٢) ، وقال عكرمة : هم أصحاب التصاوير (١٣) ، روى أبو هريرة قال : سمعت النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ يقول : «قال الله تعالى : ومن أظلم ممّن يخلق كخلقي فليخلقوا ذرّة أو ليخلقوا حبّة أو شعيرة» (١٤)

__________________

(١) في تفسير الفخر الرازي «لحاجته إليها».

(٢) ما بين القوسين ساقط من «ب».

(٣) سقط من «ب».

(٤) سقط من «ب».

(٥) انظر : تفسير الفخر الرازي ٢٥ / ٢٢٨.

(٦) في «ب» والزوجية بياء النسبة.

(٧) ذكر هذا المعنى البغوي والخازن عنه بدون سند انظر تفسيريهما ٥ / ٢٧٥ وزاد المسير لابن الجوزي ٦ / ٤٤٢٠ ، ومعنى آذى الله : وصفه بما هو منزه عنه وعصيانه ولعنهم بالدنيا : بالقتل والجلاء وفي الآخرة بالنار.

(٨) زيادة من «ب».

(٩) أورده البغوي والخازن في تفسيريهما مرويا عن أبي هريرة رضي الله عنه ـ عن رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ورواه البخاري بصيغة كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك وشتمني ولم يكن له ذلك.

(١٠) زيادة من «ب».

(١١) الحديث أورده البخاري مرويا عن أبي هريرة ٣ / ١٨٧ وكذلك أورده مسلم في صحيحه باب الألفاظ وفي مسند الإمام أحمد ٣ / ٢٣٨ و ٣٧٢.

(١٢) نقله البغوي في تفسيره ٥ / ٢٧٦.

(١٣) المرجع السابق وانظر : القرطبي ١٤ / ٢٣٨.

(١٤) في صحيح البخاري ٤ / ٤٤ باب اللباس وانظر : مسند الإمام أحمد ٢ / ٢٣٢ و ٢٥٩ و ٣٩١ و ٤٥١ و ٥٢٧.

٥٨٧

ويحتمل أن يكون على حذف مضاف أي أولياء الله كقوله : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) [يوسف : ٨٢] أي أهل القرية (١) قال عليه (الصلاة (٢) و) السلام : قال الله تعالى : «من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب». وقال : «من أهان لي وليا فقد بارزني بالمحاربة» (٣). ومعنى الأذى هو مخالفة أمر الله وارتكاب معاصيه وذكره على ما يتعارفه الناس بينهم والله عزوجل منزه عن أن يلحقه أذى من أحد ، وقال بعضهم أتى بالجلالة تعظيما ، والمراد يؤذون رسولي كقوله : (إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ) [الفتح : ١٠] وأما إيذاء الرسول فقال ابن عباس : هو أنه شجّ في وجهه وكسرت رباعيّته ، وقيل : ساحر شاعر معلم مجنون (٤) ، ثم قال : (لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) واللعن الطرد ، وهذا إشارة إلى بعد لا رجاء للقرب معه ، لأن البعيد في الدنيا يرجو القرب في الآخرة فإذا خاب في الآخرة فقد خاب وخسر. ثم إنه تعالى لم يحصر جزاءه في الإبعاد بل أوعده بالعذاب المهين فقال : (وَأَعَدَّ لَهُمْ) وهذا يفيد التأكيد ؛ لأن السيد إذا عذب عبده حالة الغضب من غير إعداد يكون دون ما أعد له قيدا وغلّا (٥).

قوله : (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا) أي من غير ما عملوا ما أوجب أذاهم ، وقال مجاهد : يقعون فيهم ويرمونهم بغير كلام (٦) ، وقيل : إن من جلد مائة على شرب الخمر أو حدّ أربعين على لعب النّرد فقد أوذي بغير ما اكتسب (٧).

قوله : (فَقَدِ احْتَمَلُوا) خبر (وَالَّذِينَ) ودخلت الفاء لشبه الموصول بالشرط (٨).

وقوله : (بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً) قال مقاتل (٩) : نزلت في علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ كانوا يؤذونه ويسمعونه (١٠) وقيل : نزلت في شأن عائشة ، وقال الضحاك والكلبي : نزلت في الزّناة (الذين) (١١) كانوا يتمشون في طريق المدينة يتبعون النساء إذا برزن بالليل لقضاء حوائجهن فيغمزون المرأة فإن سكتت اتبعوها وإن زجرتهم انتهوا عنها ولم يكونوا

__________________

(١) هذا هو الوجه الثاني في معنى قوله : «إِنَّ اللهَ» * فقوله : «ويحتمل أن يكون على حذف مضاف» معطوف على قوله «أي يقولون فيه ما صورته أذى وإن كان تعالى لا يلحقه ضرر ذلك» وانظر : البحر المحيط لأبي حيان ٧ / ٢٤٩ ، والدر المصون ٤ / ٤٠٢ والكشاف ٣ / ٢٧٣ و ٢٧٤.

(٢) سقط من «أ».

(٣) ذكر الأول البخاري في صحيحه باب الرقاق وانظر الاثنين في الخازن والبغوي بدون سند ٥ / ٢٧٦.

(٤) زاد المسير ٦ / ٤٢٠ والبغوي والخازن ٥ / ٢٧٦.

(٥) قاله الفخر الرازي في تفسيره ٢٥ / ٢٢٨.

(٦) أو جرم قاله الخازن والبغوي في المرجعين السابقين.

(٧) هذا هو رأي الفخر ٢٥ / ٢٢٨ و ٢٢٩.

(٨) في أن الشرط يجيء جوابه بالفاء فإنها لا تأتي إلا إذا كان الجواب جملة اسمية أو جملة فعلية فعلها طلبي أو جملة فعلية مصدرة بالسين وسوف أو بقد كما هنا ، وانظر : الدر المصون للسمين الحلبي ٤ / ٤٠٢.

(٩) تفسير الخازن والبغوي ٥ / ٢٧٦.

(١٠) في تفسير البغوي : «ويشتمونه».

(١١) سقطت من «ب».

٥٨٨

يطلبون إلا الإماء ولكن كانوا لا يعرفون الحرة من الأمة ؛ لأن زي الكل كان واحدا يخرجن في درع وخمار الحرة والأمة فشكوا ذلك إلى أزواجهن فذكروا ذلك لرسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فنزلت (١) هذه الآية : (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ) الآية ، ثم نهى الحرائر أن يتشبهن بالإماء فقال ـ عزوجل ـ : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَ).

فإن قيل : البهتان (٢) هو الزور ، وهو لا يكون إلا في القول ، والإيذاء قد يكون بغير القول ، فمن آذى مؤمنا بالضرب أو أخذ ماله لا يكون قد احتمل (٣) بهتانا؟.

فالجواب : أن المراد : والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بالقول لأن الله تعالى أراد إظهار شرف المؤمنين لأنه لما ذكر أن من آذى الله ورسوله لعن ، وإيذاء الله أن ينكر وجوده أو يشرك به من لا يبصر لا يسمع وذلك قول فذكر إيذاء المؤمنين بالقول وعلى هذا خص إيذاء القول بالذكر لأنه أعم ؛ لأنه الإنسان لا يقدر أن يؤذي الله بما يؤلمه من ضرب أو أخذ مال ويؤذيه بالقول وكذا الغائب لا يمكن إيذاؤه بالفعل ويمكن إيذاؤه بالقول بأن يقول فيه ما يصل إليه فيتأذى ، ووجه آخر في الجواب بأن يقال : قوله بعد ذلك : وإثما مبينا ، كأنه استدرك فكان قوله احتمل بهتانا إن كان بالقول ، وإثما مبينا ما كان الإيذاء(٤).

قوله : «يدنين» كقول ه «قل لعبادي يقيموا (٥)» و «من» للتّبعيض ، و «الجلابيب» جمع «الجلباب» وهو الملاءة التي تشتمل بها المرأة فوق الدرع والخمار ، قال ابن عباس و (أبو) (٦) عبيدة من نساء المؤمنين أن يغطين رؤوسهن ووجوههنّ بالجلابيب إلا عينا واحدة ليعلم أنهن حرائر (٧). وقوله : (ذلِكَ أَدْنى) أي إدناء الجلابيب أقرب إلى عرفانهنّ (٨) أي أدنى أن يعرفن أنهن حرائر (٩)(فَلا يُؤْذَيْنَ) لا يتعرض لهن ، ويمكن أن يقال : المراد يعرفن أنهن لا يزنين لأن من تستر وجهها مع أنه ليس بعورة لا يطمع فيها أنها تكشف عورتها فيعرفن أنهنّ مستورات لا يمكن طلب الزنا منهن (١٠). (وَكانَ اللهُ

__________________

(١) المرجعان السابقان.

(٢) انظر : تفسير الإمام فخر الدين الرازي ٢٥ / ٢٢٩.

(٣) في «ب» فقد بزيادة الفاء.

(٤) انظر : تفسير الرازي ٢٥ / ٢٣٠.

(٥) في أنه خبر يراد به الأمر والآية ٣١. وقد خرج الأمر مخرج الخبر إيماء إلى جلل الأمر.

(٦) زيادة يقتضيها العرف فقد سقطت من كلتا النسختين.

(٧) انظر : معالم التنزيل للبغوي ٥ / ٢٧٦ و ٢٧٧.

(٨) قاله السمين في الدر ٤ / ٤٠٢.

(٩) فلا يتبعن وانظر : البغوي ٥ / ٢٧٧ والرازي ٢٥ / ٢٣٠.

(١٠) هذا رأي الإمام الفخر الرازي انظره فيما سبق.

٥٨٩

غَفُوراً رَحِيماً) قال أنس : مرت بعمر بن الخطاب جارية مقنّعة فعلاها بالدرّة ، وقال : يا لكاع أتتشبّهين بالحرائر ألقي القناع (١).

قوله : (لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) لما ذكر حال المشركين الذين يؤذون الله ورسوله والمجاهر الذي يؤذي المؤمنين ذكر حال المسرّ الذي لا يظهر الحق ويظهر الباطل وهو المنافق ولما كان المذكور من قبل أقواما ثلاثة نظر إلى أمور ثلاثة وهم المؤذون لله والمؤذون للرسول ، والمؤذون للمؤمنين ذكر للمسرين ثلاثة نظرا إلى اعتبار أمور ثلاثة :

أحدها : المنافق الذي يؤذي الله سرّا.

والثاني : الذي في قلبه مرض وهو الذي يؤذي المؤمن باتباع نسائه.

والثالث : المرجف الذي يؤذي النبي عليه (الصلاة (٢) و) السلام بالإرجاف بقوله : غلب محمد ، وسيخرج من المدينة وسيؤخذ ، وهؤلاء وإن كانوا قوما واحدا إلّا أنّ لهم ثلاث اعتبارات وهذا لقوله تعالى : (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ) حيث ذكر أصنافا عشرة وكلهم يوجد في واحد بالشخص لكنه كثير الاعتبار (٣) فقال : (لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ) أي عن نفاقهم (وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) يعني الزناة ، (وَالْمُرْجِفُونَ) بالمدينة» بالكذب وذلك أن ناسا منهم كانوا إذا خرجت سرايا رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ يوقعون في الناس أنهم قتلوا وهزموا ويقولون قد أتاكم العدو ونحوه ، وقال الكلبي : كانوا يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا ويفشو الأخبار (٤).

قوله : (لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ) أي لنحرّشنّك (٥) ولنسلّطنّك عليهم لتخرجهم من المدينة (ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ فِيها) لا يساكنونك فيها أي في المدينة (إِلَّا قَلِيلاً) حتى يخرجوا منها ، وقيل : لنسلطنهم (٦) عليهم بقتلهم ونخرجهم من المدينة.

قوله : (إِلَّا قَلِيلاً) أي إلّا زمانا قليلا ، أو إلا جوارا قليلا ، وقيل : «قليلا» نصب على الحال من فاعل «يجاورونك» أي إلا أقلّاء أذلّاء بمعنى قليلين ، وقيل : قليلا منصوب على الاستثناء أي لا يجاورك إلا القليل منهم على أذل حال وأقله (٧).

قوله : «ملعونين» حال من فاعل «يجاورونك» قاله ابن عطية (٨) ، والزمخشري (٩)

__________________

(١) تفسير الخازن والبغوي ٥ / ٢٧٧ وفي تفسير الخازن : «متنقبة» والبغوي فيه : «متقنعة».

(٢) زيادة من «ب» على «أ».

(٣) تفسير الرازي ٢٥ / ٢٣١.

(٤) قاله البغوي في معالم التنزيل ٥ / ٢٧٧.

(٥) قاله ابن قتيبة في غريب القرآن ٣٥٢ وقد قال : «أي لنسلّطنكّ عليهم ونولعنك بهم» وانظر : البغوي ٥ / ٢٧٧.

(٦) في البغوي لنسلطنك وهو الظاهر.

(٧) الدر المصون ٤ / ٤٠٣ والبحر المحيط ٧ / ٢٥١.

(٨) المرجع الأخير السابق.

(٩) الكشاف ٣ / ٢٧٤ و ٢٧٥.

٥٩٠

وأبو البقاء (١) ، قال ابن عطية لأنه بمعنى منتفون منها ملعونين (٢) ، وقال الزمخشري : دخل حرف الاستثناء على الحال والظرف معا كما مر في قوله : (إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ غَيْرَ)(٣) وتقدم بحث أبي حيان معه ، وهو عائد هنا (٤) ، وجوز الزمخشري أن ينتصب على الشّتم (٥) ؛ وجوز ابن عطية أن يكون بدلا من (٦) «قليلا» على أنه حال كما تقدم تقريره (٧) ، ويجوز أن يكون «ملعونين» نعتا ، ل «قليلا» على أنه منصوب على الاستثناء من واو «يجاورونك» كما تقدم تقريره ، أي لا يجاورك منهم أحد قليلا ملعونا ، ويجوز أن يكون منصوبا «بأخذوا» الذي هو جواب الشرط ، وهذا عند الكسائي والفراء فإنهما يجيزان تقدم معمول الجواب على أداة الشرط نحو : خيرا إن تأتني تصب ، وقد منع الزمخشري من ذلك فقال : ولا يصح أن ينتصب «بأخذ» لأن ما بعد كلمة الشرط لا يعمل فيما قبلها (٨) ، وهذا منه مشي على الجارّة ، وقوله ما بعد كلمة الشرط يشمل فعل الشرط والجواب ، فأما الجواب فتقدم حكمه وأما الشرط فأجاز الكسائيّ أيضا تقديم معموله على الأداة ، نحو : «زيدا إن تضرب أهنك» (٩) فتلخص في المسألة ثلاثة مذاهب المنع مطلقا ، الجواز مطلقا ، التفصيل يجوز تقديم معمولي الجواب ، ولا يجوز تقديم معمولي الشرط وهو رأي الفراء.

قوله : «وقتّلوا» العامة على التشديد ، وقرىء بالتخفيف (١٠). وهذه يردها مجيء المصدر على التفعيل إلا أن يقال : جاء على غير مصدره (١١) ، وقوله : (سُنَّةَ اللهِ) تقدم نظيرها.

__________________

(١) التبيان ١٠٦٠.

(٢) في البحر ٧ / ٢٥١ قال : ـ أي ابن عطية ـ «كأنه قال : ينتفون من المدينة ملعونين».

(٣) الكشاف ٣ / ٢٧٥.

(٤) فقد قال أبو حيان بأنه لا يقع بعد «إلا» في الاستثناء إلا المستثنى والمستثنى منه أو صفته ولا يجوز في ما عدا هذا عند الجمهور ، وقد أجاز ذلك الكسائي والأخفش وأجازوا : ما قام القوم إلا يوم الجمعة ضاحكين وقد تعرضت لتلك القضية بالتفصيل عند الآية «٥٣» من تلك السورة.

(٥) الكشاف ٣ / ٢٧٤.

(٦) نقله عنه أبو حيان في بحره ٧ / ٢٥١.

(٧) وممن قال بحاليته أيضا مكي في مشكل إعراب القرآن وقد أجاز النصب على الذم والشتم أيضا كالزمخشري ، انظر : المشكل ٢ / ٢٠٢ وقال بهذين القولين أيضا ابن الأنباري في بيانه ٢ / ٢٧٢ و ٢٧٣.

(٨) انظر : الكشاف ٣ / ٢٧٥.

(٩) هذا انطباع من المؤلف يشبه انطباع أبي حيان والسمين في كل من البحر والدر وانظر : البحر ٧ / ٢٥١ والدر ٤ / ٤٠٣.

(١٠) نقل هذه القراءة أبو حيان في البحر ٧ / ٢٥١ وقد جعلها صاحب شواذ القرآن عربية ولم يثبتها قراءة انظر : الشواذ ١٩٥.

(١١) البحر المحيط ٧ / ٢٥١ والدر المصون ٤ / ٤٠٤.

٥٩١

قوله (١) : «ملعونين» مطرودين من باب الله وبابك ، وإذا خرجوا لا ينفكّون عن الذلة ولا يجدون ملجأ بل أينما يكونون يؤخذون ويقتلون ، وهذا ليس بدعا بل هو سنة جارية وعادة مستمرة تفعل بالمكذبين (وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً) أي ليست هذه السنة مثل الحكم الذي يتبدل وينسخ فإن النسخ يكون في الأقوال أما الأفعال إذا وقعت والأخبار لا تنسخ.

قوله : (يَسْئَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللهِ) لما بين حالهم في الدنيا أنهم يلعنون ويهانون ويقتلون أراد أن يبين حالهم في الآخرة ، فذكرهم بالقيامة وما يكون لهم فيها فقال : (يَسْئَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللهِ) أي إن وقت القيامة علمه عند الله لا يبين لهم فإن الله أخفاها لحكمة وهي امتناع المكلف عن الاجتراء وخوفهم منها في كل وقت.

قوله : (وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ) الظاهر أن «لعل» تعلق كما تعلق التمني و «قريبا» خبر كان على حذف موصوف أي شيئا قريبا ، وقيل : التقدير : قيام الساعة فروعيت «الساعة» في تأنيث «يكون» وروعي المضاف المحذوف في تذكير «قريبا» وقيل : «قريبا» أكثر استعماله استعمال الظروف فهو هنا ظرف في موضع الخبر (٢). وقال ابن الخطيب : فعيل يستوي فيه المذكّر والمؤنث قال تعالى : (إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) [الأعراف : ٥٦] أي لعلّ الساعة تكون قريبة.

فصل

المعنى أي شيء يعلمك أمر الساعة ومتى يكون قيامها أي أنت لا تعرفه لعل الساعة تكون قريبا. وهذا إشارة إلى التخويف ، ثم قال : (إِنَّ اللهَ لَعَنَ الْكافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً) أي كما أنهم ملعونون في الدنيا عندكم فكذلك هم يلعنون عند الله وأعد لهم سعيرا كما قال : (لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ ، وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً خالِدِينَ فِيها أَبَداً) مطيلين المكث فيها مستمرين ، وقوله «فيها» أي في السعير لأنها مؤنثة ، أو لأنه في معنى «جهنم» (٣) «ولا يجدون وليا ولا نصيرا» حال ثانية (٤) ، أو من «خالدين» لا يجدون وليا ولا نصيرا أي لا صديق يشفع لهم ، ولا ناصر يدفع عنهم.

قوله : «يوم» معمول «لخالدين» (٥) أو لمحذوف ، أو «لنصير» أو «لاذكر» ، أو ل «يقولون» بعده (٦) ، وقرأ العامة تقلّب ـ مبنيّا للمفعول (و) وجوههم رفع على ما لم

__________________

(١) في «ب» فصل بدل «قوله».

(٢) المرجعان السابقان.

(٣) الدر المصون ٤ / ٤٠٤.

(٤) وكانت الأولى هي قوله : «خالدين فيها لا يجدون وليا ولا نصيرا» ، وانظر المرجع السابق.

(٥) وهو قوله : «خالِدِينَ فِيها» الآية ٦٥ من السورة الحالية.

(٦) المرجع السابق وقد اقتصر أبو البقاء في التبيان على ثلاثة أوجه فقال في ١٠٦١ يجوز أن يكون ظرفا ل «لا يجدون» أو «نصيرا» أو «ليقولون».

٥٩٢

يسم فاعله ، وقرأ الحسن وعيسى والرؤاسي (١) ـ بفتح التاء ـ أي تتقلّب (و) وجوههم فاعل به (٢) ، وأبو حيوة نقلّب بالنون أي نحن (و) وجوههم بالنصب (٣). وعيسى (٤)(٥) تقلّب ـ بضم التاء وكسر اللام ـ أي تقلب السعير أو الملائكة وجوههم بالنصب على المفعول به «يقولون» حال (٦) و «يا ليتنا» محكيّ.

قوله (٧) : (تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ) ظهرا لبطن كانوا يسحبون عليها يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسول في الدنيا.

قوله : «سادتنا» قرأ ابن عامر في آخرين بالجمع بالألف والتاء ، قال البغوي على جمع الجمع(٨) ، والباقون «سادتنا» على أنه جمع تكسير غير مجموع بألف وتاء (٩) ، ثم «سادة» يجوز أن يكون جمعا لسيّد ولكن لا ينقاس لأن «فيعلا» (١٠) لا يجمع على «فعلة» وسادة فعلة ، إذ الأصل سودة ، ويجوز أن يكون جمعا لسائد نحو : فاجر وفجرة وكافر وكفرة ، وهو أقرب إلى القياس مما قبله ، وابن عامر جمع هذا ثانيا بالألف والتاء وهو غير مقيس أيضا نحو : بيوتات ، وجمالات (١١).

فصل

لما بين أنه لا شفيع لهم يدفع عنهم العذاب بين أن بعض أعضائه أيضا لا يدفع العذاب عن البعض بخلاف عذاب الدنيا فإن الإنسان يدفع عن وجهه الضربة اتّقاء بيده فإن من يقصد رأسه ووجهه يجعل يده جنّة لوجهه ووقاية له يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسول في الدنيا فيندمون حيث لا تنفعهم الندامة ثم يقولون (رَبَّنا إِنَّا أَطَعْنا سادَتَنا) أي

__________________

(١) هو محمد بن الحسن الرؤاسي أبو جعفر كان من أكابر المدرسة الكوفية وله اختيار في القراءة ينسب إليه ، توفي سنة ١٨٧ ه‍ انظر : غاية النهاية ٢ / ١١٦.

(٢) أورد هذه القراءة الفراء في معانيه ٢ / ٣٥٠ فقد قال : «ولو قرئت : «نقلّب وتقلّب» كانا وجهين» وانظر : مختصر ابن خالويه ١٢٠ والبحر المحيط ٧ / ٢٥٢ والكشاف ٣ / ٢٧٥ بدون نسبة فيه.

(٣) أوردها ابن خالويه في المختصر ١٢٠.

(٤) هو عيسى بن عمر الكوفي.

(٥) المحتسب ٢ / ١٨٤ والتبيان ١٠٦١.

(٦) من «الوجوه» ويضعف أن يكون حالا من الضمير المجرور لأنه مضاف إليه انظر : التبيان ١٠٦١ والدر المصون ٤ / ٤٠٤.

(٧) في «ب» فصل بدل قوله.

(٨) انظر : معالم التنزيل له ٥ / ٢٧٧.

(٩) قراءة ابن عامر غير قراءة سبعية متواترة وانظر : الإتحاف ٣٥٦ والسبعة ٥٢٣ ومعاني القرآن للفراء ٢ / ٥٠ والقرطبي ١٤ / ٢٤٩.

(١٠) في «ب» (فعيل) وهو خطأ فالمقصود «فيعل» لأن سيد على وزن فيعل فالأصل سيود.

(١١) قاله شهاب الدين السمين في الدر ٤ / ٤٠٥.

٥٩٣

أطعنا السادة بدل طاعة الله وطاعة الرسول (فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا). (رَبَّنا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً)(١) قرأ عاصم «كبيرا» ـ بالباء الموحدة ـ والباقون بالمثلثة وتقدم معناهما في البقرة (٢) ، والمراد بضعفين من العذاب أي ضعفي عذاب غيرهم.

قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى فَبَرَّأَهُ اللهُ مِمَّا قالُوا وَكانَ عِنْدَ اللهِ وَجِيهاً (٦٩) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (٧٠) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فازَ فَوْزاً عَظِيماً (٧١) إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً (٧٢) لِيُعَذِّبَ اللهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ وَيَتُوبَ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً)(٧٣)

قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى) الآية لما بين أن من يؤذي الله ورسوله يلعن ويعذب ، وكان ذلك إشارة إلى أن الإيذاء كفر أرشد المؤمنين إلى الامتناع من الإيذاء الذي هو دونه وهو لا يورث كفرا وهو من لم يرض بقسمة النبي عليه (الصلاة و) السلام وبحكمه (بالفيء لبعض) فقال : لا تكونوا كالذين آذوا موسى قال بعضهم : إيذاؤهم لموسى بنسبة عيب في بدنه ، وقيل : إن قارون قال لامرأة : قولي إن موسى قد وقع في فاحشة والإيذاء المذكور في القرآن كاف وهو قولهم : «اذهب (أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا) وقولهم : (لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ) إلى غير ذلك فقال للمؤمنين : لا تكونوا أمثالهم إذا طلبكم الرسول للقتال لا تقولوا اذهب أنت وربك فقاتلا وإذا أمركم الرسول بشيء فأتوا منه ما استطعتم ، وقوله : (فَبَرَّأَهُ اللهُ مِمَّا قالُوا) على الأول ظاهر لأنه أبرز جسمه لقومه فرأوه وعلموا فساد اعتقادهم ونطقت المرأة بالحق وأمر ملائكته حتى عبروا بهارون عليهم فرأوه غير مجروح فعلموا براءة موسى ـ عليه الصلاة والسلام ـ عن ما رموه به وعلى الثاني فبرأه الله مما قالوا أي أخرجه عن عهدة ما طلبوا بإعطائه البعض إياهم وإظهاره عدم جواز البعض وقطع حججهم ثم ضرب عليهم الذّلّة والمسكنة وغضب عليهم (٣).

قوله : (عِنْدَ اللهِ) العامة على «عند» الظرفية المجازية ، وابن مسعود والأعمش وأبو حيوة «عبدا» من (٤) العبودية «لله» جار ومجرور وهي حسنة قال ابن خالويه

__________________

(١) انظر : تفسير الإمام الفخر الرازي ٢٣٢ و ٢٣٣.

(٢) عند الآية : «قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما» وهي الآية ٢١٩.

(٣) الإمام الفخر الرازي ٢٥ / ٢٣٣.

(٤) المختصر لابن خالويه ١٢٠ والمحتسب ٢ / ١٨٥ والقرطبي ١٤ / ٢٥٠ والبحر ٧ / ٢٥٣.

٥٩٤

صلّيت (١) خلف ابن شنبوذ (٢) في رمضان فسمعته يقرأ بقراءة ابن مسعود (٣) هذه قال شهاب الدين : وكان مولعا بنقل الشاذة (٤) ، وما في (مِمَّا قالُوا) إمّا مصدرية ، وإما بمعنى الذي (٥) ، و «وجيها» كريما ذا جاه ، يقال وجه الرّجل يوجه وجاهة فهو وجيه إذا كان ذا جاه وقدر (٦). قال ابن عباس : كان حظيّا عند الله لا يسأل شيئا إلّا أعطاه وقال الحسن : كان مستجاب الدعوة ، وقيل : كان محببا مقبولا (٧) ، واختلفوا فيما أوذي به موسى فروى أبو هريرة قال : قال رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : «إنّ موسى كانرجلا حييا سترا لا يرى من جلده شيء استحياء منه فآذاه من آذاه من بني إسرائيل فقال : ما يستتر هذا التّستّر إلا من عيب بجلده إما برص ، وإما أدرة ، وإمّا آفة ، وإن الله أراد أن يبرئه مما قالوا فخلا يوما وحده فخلع فوضع ثيابه على حجر ثم اغتسل فلما فرغ أقبل إلى ثيابه ليأخذها وإن الحجر غدا بثوبه فأخذ موسى عصاه وطلب الحجر فجعل يقول ثوبي حجر ، ثوبي حجر حتى انتهى إلى ملأ من بني إسرائيل فرأوه عريانا أحسن ما خلق الله وأبرأه ممّا يقولون وقام الحجر فأخذ ثوبه واستتر وطفق بالحجر يضربه بعصاه فوالله إن بالحجر لندبا من أثر ضربه ثلاثا أو أربعا أو خمسا» (٨). وقيل : لما (٩) مات هارون في التيه ادّعوا على موسى أنه قتله فأمر الله الملائكة حتى مروا به على بني إسرائيل فعرفوا أنه لم يقتله ولم يروا ببدنه جرحا ، وقال أبو العالية : إن قارون استأجر امرأة لتقذف موسى بنفسها على رأس الملأ فعصمه الله وبرأ موسى وأهلك قارون (١٠) ، وروى أبو وائل (١١) قال : سمعت

__________________

(١) المرجع السابق.

(٢) محمد بن أحمد بن أيوب بن الصلت بن شنبوذ أبو الحسن البغدادي شيخ الإقراء بالعراق أخذ عن كثيرين منهم أحمد بن نصر بن وأخذ عنه كثير منهم الحسن بن سعيد المطوّعي. مات سنة ٣٢٨ ه‍ انظر : غاية النهاية ٢ / ٥٢ : ٥٦.

(٣) اضطرب في نقل هذه القراءة عنه رحمه‌الله ، ففي المحتسب : «وكان عبدا لله وجيها» وفي المختصر لابن خالوي ه «وكان عبد الله وجيها» ونسبت للأعمش وأبي حيوة. قال ابن خالويه وقيل : لابن مسعود وما في البحر والقرطبي والكشاف يوافق ما في المختصر انظر : البحر ٧ / ٣٥٣ والجامع ١٤ / ٢٥٢ والكشاف ٣ / ٢٧٦ وانظر شواذ القرآن ١٩٦ «وكان عبدا لله» موافقة لابن جني في المحتسب وقد ذكر الإتحاف تلك القراءة رغم أنها شاذة فقال : وعن المطوعي «وكان عبد الله» بفتح العين فباء موحدة مع تنوين الدال منصوبة من العبودية لله بالجر ووجيها صفة «عبدا» الإتحاف ٣٥٦.

(٤) الدر المصون ٤ / ٤٠٦.

(٥) السابق.

(٦) قال ابن منظور في اللسان «وج ه» : «ورجل وجيه ذو وجاهة ، وقد وجه الرجل ـ بالضم ـ صار وجيها أي ذا جاه وقدر وانظر أيضا القرطبي ١٤ / ٢٥٢.

(٧) انظر هذه الأقوال في زاد المسير لابن الجوزي ١٦ / ٤٢٦ ومعالم التنزيل ٥ / ٢٧٨.

(٨) الحديث أورده البخاري في صحيحه تفسير سورة ٣٣ و ١١١. انظره في البخاري ٣ / ١٧٨ وانظر : مسند الإمام أحمد ٢ / ٥١٥ وتفسير البغوي ٥ / ٢٧٨.

(٩) المرجع الأخير السابق.

(١٠) وانظر أيضا الخازن ٥ / ٢٧٨.

(١١) هو شقيق بن سلمة الأسدي أبو وائل الكوفي أحد سادة التابعين مخضرم عن أبي بكرة وعمر ، وعثمان ـ

٥٩٥

عبد الله قال : قسم النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ قسما فقال رجل إن هذه القسمة ما أريد بها وجه الله فأتيت النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فأخبرته فغضب حتى رأيت الغضب في وجهه ثم قال «يرحم الله موسى أوذي بأكثر من هذا فصبر».

قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً). قال ابن عباس : صوابا ، وقال قتادة عدلا ، وقال الحسن : صدقا ، وقيل : مستقيما ، وقال عكرمة : هو قول لا إله إلا الله (١)(يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمالَكُمْ) ، قال ابن عباس : يتقبل حسناتكم ، وقال مقاتل : يزكي أعمالكم (٢)(وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فازَ فَوْزاً عَظِيماً) ؛ لأن النجاة من العذاب تعظيم بعظم العذاب فإن من أراد أن يضرب عبده سوطا ثم نجا منه لا يقال : فاز فوزا عظيما ، ويحتمل أنه أراد بالفوز العظيم الثواب الكبير الدائم الأبديّ (٣).

قوله : (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ) وهذا إما حقيقة وإما تمثيل وتخييل. وأراد بالأمانة الطاعة والفرائض التي فرضها الله على عباده عرضها على السموات والأرض والجبال على أنهم إن أدوها أثابهم وإن ضيّعوها عذبهم ، قاله ابن عباس (٤). وقال ابن مسعود : الأمانة أداء الصّلوات وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحجّ البيت وصدق الحديث وقضاء الدّين والعدل في المكيال والميزان وأشدّ من هذا كلّه الودائع (٥). وقال مجاهد : الأمانة (٦) الفرائض وحدود الدين. وقال أبو العالية : ما أمروا به ونهوا عنه (٧) ، وقال زيد بن أسلم : هي الصوم والغسل من الجنابة وما يخفى من الشرائع (٨). وقال عبد الله بن عمرو بن العاص : أول ما خلق الله من الإنسان فرجه وقال : هذه أمانة استودعتكها فالفرج أمانة والأذن أمانة والعين أمانة واليد أمانة والرّجل أمانة ولا إيمان لمن لا أمانة له ، وقيل : هي أمانات الناس والوفاء بالعهود فحق كل مؤمن أن لا يغشّ مؤمنا ولا معاهدا في شيء قليل ولا كثير. وهذه رواية الضّحاك عن ابن عباس وجماعة من التابعين (٩) ، وأكثر السلف أن الله عرض هذه الأمانة على السموات والأرض

__________________

ـ وعنه الشعبيّ وعمرو بن مرة وغيرهما مات في خلافة عمر بن العزيز وانظر الخلاصة ١٦٧ وانظر : تفسير الخازن والبغوي ٥ / ٢٧٨.

(١) أورد هذه الأقوال المرجعان السابقان والقرطبيّ ١٤ / ٢٥٣ وزاد المسير ٦ / ٤٢٧ وغريب القرآن لابن قتيبة فسره بالقصد تفسيره ٣٥٢.

(٢) قاله ابن الجوزي في الزاد ٦ / ٤٢٧ والبغوي في معالم التنزيل ٥ / ٢٧٩.

(٣) هذا قول الفخر الرازي في تفسيره ٢٥ / ٢٣٤.

(٤) وهي رواية ابن أبي طلحة عنه المرجعان السابقان.

(٥) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ١٤ / ٢٥٤.

(٦) البغوي ٥ / ٢٧٩.

(٧) السابق والخازن ٥ / ٢٧٩ وهذا رأي أبي الدرداء السابقان والقرطبي ١٤ / ٢٥٤.

(٨) المراجع السابقة.

(٩) البغوي والخازن ٥ / ٢٧٩.

٥٩٦

والجبال فقال لهن : أتحملن هذه الأمانة بما فيها؟ قلن : وما فيها؟ قال : إن أحسنتنّ جوزيتنّ وإن عصيتنّ عوقبتنّ فقلن : لا يا رب نحن مسخّرات لأمرك لا نريد ثوابا ولا عقابا (١) وقلن ذلك خوفا وخشية وتعظيما لله خوفا أن لا يقوموا بها لا معصية ومخالفة وكان العرض عليهن تخييرا لا إلزاما ولو ألزمهن لم يمتنعن من حملها ، والجمادات فيها خاشعة لله ـ عزوجل ـ ساجدة له كما قال تعالى للسموات والأرض : (ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ) [فصلت : ١١] وقال في الحجارة : (وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ) [البقرة : ٧٤] ، وقال : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ ...) [الحج : ١٨] الآية. وقال بعضهم : ركّب الله (عزوجل) (٢) فيهن العقل والفهم حين عرض الأمانة عليهن حتى عقلن الخطاب وأجبن بما أجبن. وقيل : المراد من العرض على السموات والأرض هو العرض على أهل السموات عرضها على من فيها من الملائكة وقيل : المراد المقابلة أي قابلنا الأمانة مع السموات فرجحت الأمانة وهي الدين والأول أصح (٣) ، وهو قول أكثر العلماء.

قوله : «فأبين» أتى بضمير هذه كضمير الإناث لأن جمع التكسير غير العاقل يجوز فيه ذلك وإن كان مذكرا وإنما ذكرنا ذلك لئلا يتوهم أنه قد غلب المؤنث ـ وهو السموات ـ على المذكر وهو الجبال (٤). واعلم أنه لم يكن إباؤهن كإباء إبليس في قوله تعالى : (أَبى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ) [الحجر : ٣١] ؛ لأن السجود هناك كان فرضا وههنا الأمانة كانت عرضا والإباء هناك كان استكبارا وههنا استصغارا لقوله تعالى : (وَأَشْفَقْنَ مِنْها)(٥) أي خفن من الأمانة أن لا يؤدينها فيلحقهن العقاب (وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ) يعني آدم عليه‌السلام فقال يا آدم : إني عرضت الأمانة على أهل السموات والأرض والجبال فلم تطقها فهل أنت آخذها بما فيها؟ فقال يا رب : وما فيها؟ قال : إن أحسنت جوزيت وإن أسأت عوقبت فتحملها آدم عليه‌السلام. فقال الله تعالى أما إذ تحمّلتها فسأعينك أجعل لبصرك حجابا فإذا خشيت فاغلق وأجعل لفرجك سترا فإذا خشيت فلا تكشفه على ما حرمت (٦) عليك قال مجاهد (٧) : فما كان بين أن تحملها وبين أن أخرج من الجنة إلا مقدار ما بين الظهر إلى العصر (إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً) قال ابن عباس : ظلوما لنفسه جهولا بأمر الله وما احتمل من الأمانة (٨) وقال مقاتل : ظلوما لنفسه جهولا بعاقبة ما تحمل (٩). وذكر الزجاج (١٠) وغيره من أهل المعاني في قوله : (وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ) قولا ، فقالوا : إن الله

__________________

(١) وهي رواية معمر عن الحسن البصري رحمه‌الله ، انظر القرطبي ١٤ / ٢٥٤.

(٢) سقط من «ب».

(٣) قاله الخازن والبغوي ٥ / ٢٧٩ و ٢٨٠.

(٤) قاله السمين في الدر ٤ / ٤٠٦.

(٥) قاله الرازي ٢٥ / ٢٣٥.

(٦) معالم التنزيل والخازن ٥ / ٢٨٠.

(٧) السابقان.

(٨) زاد المسير ٦ / ٤٢٩.

(٩) البغوي ٥ / ٢٨٠.

(١٠) معاني القرآن وإعرابه ٤ / ٢٣٨.

٥٩٧

ائتمن آدم وأولاده على شيء وائتمن أهل السماوات والأرض والجبال على شيء فالأمانة في حق بني آدم ما ذكرنا من الطاعة والقيام بالفرائض والأمانة في حق السموات والأرض هي الخضوع والطاعة لما خلقهم له ، (فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها) أي أدين الأمانة يقال فلان لم يتحمل الأمانة أي يخون فيها (وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ) أي خان فيها ، ويقال : فلان حمل الأمانة أي أثم فيها بالخيانة قال تعالى : وليحملن أثقالهم ، (إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً) حكي عن الحسن على هذا التأويل أنه قال : (وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ) يعني الكافر والمنافق حمل الأمانة أي خان ، والأول قول السلف (١).

قوله : «ليعذّب» متعلق بقوله : (وَحَمَلَهَا) فقيل : هي لام الصيرورة لأنه لم يحملها لذلك(٢) ، وقيل : لام العلة على المجاز لما كانت نتيجة حمله ذلك جعلت كالعلة (٣) الباعثة.

فصل

قال مقاتل : ليعذّب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات بما خانوا الأمانة ونقضوا الميثاق(٤). ثم قال : (وَيَتُوبَ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ) ، قرأ الأعمش برفع «ويتوب» (٥) على الاستئناف أي يهديهم ويرحمهم بما أدوا من الأمانة ، وقال ابن قتيبة (٦) عرضنا الأمانة ليظهر نفاق المنافق وشرك المشرك فيعذبهما الله ويظهر إيمان المؤمن فيتوب الله عليه أي يعود عليه بالرحمة والمغفرة إن حصل منه تقصير (٧) في الطاعات. وعطف المشرك على المنافق ولم يعد اسمه تعالى فلم يقل : «ويعذب الله المشركين» وعند التوبة أعاد اسمه وقال : (وَيَتُوبَ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ) ولو قال : يتوب على المؤمنين والمؤمنات كان المعنى حاصلا ولكنه أراد تفضيل المؤمن على

__________________

(١) ذكره البغوي في معالم التنزيل ٥ / ٢٨٠ و ٢٨١.

(٢) هذا يشبه قول أبي حيان في البحر المحيط ٧ / ٢٥٤ : «لأنه لم يحملها لأن يعذب لكنه حملها فآل الأمر إلى أن يعذب من نافق وأشرك ويتوب على من آمن». وانظر تفسير السمين ٤ / ٤٠٦. وهذه اللام هي التي نسميها لام العاقبة كقوله تعالى :«فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا».

(٣) وهو قول الزمخشري في الكشاف ٣ / ٢٧٧ قال : واللام في ليعذب لام التعليل على طريق المجاز لأن التعذيب نتيجة حمل الأمانة كما أن التأديب في «ضربته للتأديب» نتيجة الضرب واللام متعلقة ب «حمل» أو ب «عرضنا».

(٤) ذكره البغوي في معالم التنزيل ٥ / ٢٨١.

(٥) هذه قراءة من الأربع فوق العشرة المتواترة انظر : الإتحاف ٣٥٦ والقرطبي ١٤ / ٢٥٨ وقد نسبها للحسن. والكشاف ٣ / ٢٧٧ والبحر ٧ / ٢٥٤ ومختصر ابن خالويه ١١١.

(٦) هو : عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري النحويّ اللغوي الكاتب كان رأسا في العربية واللغة والأخبار ثقة دينا فاضلا أخذ عن أبي إسحاق بن راهويه وأبي حاتم وعنه ابنه القاضي أحمد وابن درستويه من مصنفاته : إعراب القرآن ، معاني القرآن ، غريب القرآن مات سنة ٣٦٧ انظر : بغية الوعاة ٢ / ٦٣.

(٧) انظر : غريب القرآن له ٣٥٢ وتأويل مشكل القرآن أيضا له ٢٣٨.

٥٩٨

المنافق فجعله كالكلام المستأنف ويجب هناك ذكر الفاعل فقال (وَيَتُوبَ اللهُ)(١) ثم قال : (وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً) لما ذكر في الإنسان وصفين الظلوم والجهول ذكر من أوصافه وصفين فقال (وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً) أي كان غفورا للظالم رحيما على الجهول.

روى الثّعلبيّ عن أبي أمامة عن أبيّ بن كعب قال : قال رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : «من قرأ سورة الأحزاب وعلّمها أهله وما ملكت يمينه أعطي الأمان من عذاب القبر» (٢).

تمّ الجزء الخامس عشر ، ويليه الجزء السّادس عشر

وأوّله : تفسير سورة سبأ

__________________

(١) قاله الفخر الرازي في تفسيره ٢٥ / ٢٣٧.

(٢) الحديث ذكر بدون سند في كل من الكشاف ومجمع البيان الكشاف ٣ / ٢٧٨ ومجمع البيان للطبرسي ٨ / ٥٢٤ وضعفه صاحب السراج المنير في تفسيره ٣ / ٢٧٧.

٥٩٩
٦٠٠