اللّباب في علوم الكتاب - ج ١٥

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي

اللّباب في علوم الكتاب - ج ١٥

المؤلف:

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي


المحقق: عادل أحمد عبد الموجود و علي محمّد معوّض
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-2298-3

الصفحات: ٦١٥

على نظيرها في الوعد (١). واعلم أن أكثر المفسرين قال : إن السموات مبسوطة كصحف مستوية (٢) لقوله تعالى : (يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ) [الأنبياء : ١٠٤]. وقال بعضهم : إنها مستديرة وهو قول (جميع (٣)) المهندسين والغزاليّ (٤) ـ رحمه‌الله (٥) ـ قال ونحن نوافقهم على ذلك فإن لهم عليها دليلا من المحسوسات ومخالفة الحسّ لا يجوز وإن كان في الباب خبر نؤوله بما يحتمله فضلا من (أن (٦)) ليس في القرآن والخبر مما يدل على ذلك صريحا بل ما يدل عليه الاستدارة (٧) كقوله تعالى : (لٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) [الأنبياء : ٣٣] «والفلك» اسم لشيء مستدير بل الواجب أن يقال : إن السماء سواء كانت مستديرة أو صفحة مستقيمة هو مخلوق بقدرة الله لا بإيجاب وطبع (وتقدم (٨)) الكلام على نظير الآية إلى قوله : «كريم» (٩). والكريم الحسن ، أو ذي كرم لأنه يأتي كثيرا من غير حساب أو مكرم (١٠) مثل نقيص للمنقص.

قوله : (هذا خَلْقُ اللهِ) يعني هذا الذي ذكرت مما يعاينون خلق الله (فَأَرُونِي ما ذا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ) من آلهتكم التي تعبدونها وتقدم «ماذا» الاستفهام في البقرة (١١). (بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) أي بين ، أو مبين للعاقل أنه ضلال ، والمراد بالظالمين المشركين الواضعين العبادة في غير موضعها.

قوله تعالى : (وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (١٢) وَإِذْ قالَ لُقْمانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (١٣) وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (١٤) وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (١٥) يا بُنَيَّ إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّماواتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللهُ إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (١٦) يا بُنَيَّ

__________________

(١) يقصد قوله تعالى : «اللهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ ...» الآية وهي الآية رقم «٢».

(٢) في «ب» لصحف مبسوطة.

(٣) سقطت من «ب».

(٤) ساقط من «ب».

(٥) تقدم.

(٦) نقله الفخر الرازي ٢٥ / ١٤٣ وما بين القوسين سقط من «ب».

(٧) في «ب» ما يدل على الاستدارة.

(٨) سقطت من «ب».

(٩) يشير إلى الآية «٧» من الشعراء وهي قوله تعالى : أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ.

(١٠) في «ب» يكرم.

(١١) يقصد قول الله عزوجل «ما ذا أَرادَ اللهُ بِهذا مَثَلاً» من الآية ٣٦ من نفس السورة.

٤٤١

أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ إِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (١٧) وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ (١٨) وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ)(١٩)

قوله تعالى : (وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ) لقمان قيل : أعجمي وهو الظاهر فمنعه للتعريف والعجمة الشخصية (١) ، وقيل : عربي مشتق من اللّقم وهو حينئذ مرجّل لأنه لم يسبق له وضع في النكرات (٢) ومنعه حينئذ للتعريف وزيادة الألف والنون (٣) ، والعامل في «إذ» مضمر.

قال ابن إسحاق (٤) لقمان هو ناعور (٥) بن ناحور بن تارخ ، وهو آزر ، وقال وهب (٦) كان ابن أخت أيوب وقال مقاتل : ذكر أنه كان ابن خالة أيوب ، وقال الواقدي (٧) : كان قاضيا في بني إسرائيل (٨) واتفق العلماء على أنه كان حكيما ولم يكن نبيا إلا عكرمة فإنه قال كان (٩) نبيا وانفرد بهذا القول وقال بعضهم خيّر لقمان بين النّبوّة والحكمة فاختار الحكمة ، وروي أنه كان نائما نصف النهار (١٠) فنودي يا لقمان : هل لك أن يجعلك الله خليفة في الأرض فتحكم بين الناس بالحقّ فأجاب الصوت وقال : إن خيّرني ربي قبلت العافية ولم أقبل البلاء وإن عزم علي فسمعا وطاعة فإني أعلم إن فعل بي ذلك أعانني وعصمني فقالت الملائكة بصوت لا يراهم (١١) لم يا لقمان؟ قال : لأن الحاكم بأشد المنازل وأكدرها يغشاه الظلم من كل مكان أن يعن فبالحري أن ينجو وإن أخطأ أخطأ طريق الجنة ومن يكن في الدنيا ذليلا خير من أن يكون شريفا ، ومن يختر الدنيا على الآخرة تغنه الدنيا ولا يصيب الآخرة فتعجبت الملائكة من حسن منطقه فقام من نومه فأعطي الحكمة فانتبه وهو يتكلم بها ثم نودي داود بعده فقبلها ولم يشترط ما

__________________

(١) القرطبي ١٤ / ٥٩ وإعراب القرآن للنحاس ٣ / ٢٨٣.

(٢) السابقان.

(٣) السابقان.

(٤) ابن إسحاق محمد بن إسحاق بن يسار المطلبي مولى قيس بن مخرمة أبو عبد الله المدنيّ أحد الأئمة الأعلام لا سيما في المغازي والسير عن أبيه وعطاء والزهري وعنه يحيى الأنصاري وعبد الله بن عون ، مات سنة ١٥١. انظر : خلاصة الكمال ٣٢٧ وانظر رأيه في القرطبي ١٤ / ٥٩.

(٥) في القرطبي «باعوراء».

(٦) وهب بن منبه بن كامل الأنباري الصنعاني أبو عبد الله الإخباري عن ابن عباس وجابر وأبي سعيد ، وعنه همام بن نافع وخلق ، قتل سنة ١١٠ ه‍. انظر : خلاصة الكمال «٤١٩». وانظر رأيه في القرطبي ١٤ / ٥٩.

(٧) الواقدي محمد بن عمران بن واقد الأسلمي مولاهم الواقدي أبو عبد الله المدني أحد الأعلام وقاضي العراق عن ابن عجلان وابن جريج ومالك وعنه أحمد بن منصور الرمادي وابن سعد مات سنة ٢٠٧ ، انظر : خلاصة الكمال ٣٥٣.

(٨) زاد المسير ٦ / ٣١٧ والقرطبي ١٤ / ٥٩.

(٩) المرجع السابق.

(١٠) في «ب» وسط النهار.

(١١) في «ب» لا يراه.

٤٤٢

اشترط لقمان فهوى في الخطيئة غير مرة ، كلّ ذلك بعفو الله عنه وكان لقمان تؤازره الحكمة ، قال خالد الربعي (١) : كان لقمان عبدا حبشيا نجارا ، وقال سعيد بن المسيب (٢) : كان خياطا ، وقيل : كان راعي غنم (٣) ، فروي أنه لقيه رجل وهو يتكلم بالحكمة فقال : ألست فلانا الراعي فبم بلغت ما بلغت؟ قال : بصدق الحديث ، وأداء الأمانة وترك ما لا يعنيني ، وقال مجاهد (٤) : كان عبدا أسود عظيم الشّفتين مشقّق القدمين ، وقال الحسن : اعتزل لقمان الناس فنزل ما بين الرقّة (وبيت (٥)) المقدس لا يخالطهم ، وقال أبو جعفر (٦) : كان لقمان الحبشيّ عبدا لرجل فجاء به إلى السوق ليبيعه (٧) فكان كلما جاء إنسان يشتريه قال له لقمان : ما تصنع بي (فاعل (٨) فيقول : أصنع بك كذا وكذا فيقول : حاجتي إليك أن لا تشتريني حتى جاء رجل فقال له : ما تصنع بي) قال أصيّرك بوابا على بابي فقال : أنت اشتري (٩) فاشتراه وجاء به إلى جاره قال : وكان لمولاه ثلاث بنات يبغين في القرية ، وأراد أن يخرج إلى ضيعة له فقال له : إني أدخلت إليهن طعامهنّ وما يحتجن إليه فإذا خرجت فأغلق الباب واقعد من ورائه ولا تفتحه حتى أحضر قال : ففعل فخرجن إليه كما كنّ يخرجن فقلن (له (١٠)) : افتح الباب فأبى (عليهن (١١)) فسجنّه (١٢) فغسل الدم وجلس ، فلما قدم (١٣) مولاه لم يخبره (ثم عاد (١٤) مولاه بعد ذلك فخرج إليه وقال : إني قد أدخلت إليهن ما يحتجن إليه فلا تفتح الباب فأغلق الباب فجئن إليه فقلن له : افتح الباب فأبى فشججنه ورجعن فغسل الدم وجلس فلما جاء مولاه لم يخبره) قال : فقالت الكبرى : ما بال هذا العبد الحبشي أولى بطاعة الله ـ عزوجل ـ مني والله لأتوبنّ فتابت ، (وقالت (١٥)) الصغرى : ما بال هذا العبد الحبشيّ وهذه الكبرى أولى بطاعة الله ـ عزوجل ـ مني والله لأتوبنّ فتابت فقالت الوسطى : ما بال هاتين وهذا العبد الحبشي أولى بطاعة الله مني والله لأتوبن فتابت فتبن إلى الله تعالى وكنّ عوابد (١٦) القرية فقال غواة القرية ما بال هذا العبد الحبشيّ وبنات فلان أولى بطاعة الله ـ عزوجل ـ منّا فتابوا ، وعن مكحول : أن لقمان كان عبدا حبشيا لرجل من بني إسرائيل

__________________

(١) السابق والقرطبي ١٤ / ٥٩.

(٢) المراجع السابقة.

(٣) المراجع السابقة.

(٤) المراجع السابقة.

(٥) سقط من «ب».

(٦) هو ابن جرير الطبري وقد سبقت ترجمته.

(٧) في «ب» يبيعه بدون لام.

(٨) ما بين القوسين ساقط من «ب».

(٩) في «ب» اشترني وهو الأصح.

(١٠) ساقط من «ب».

(١١) ساقط من «ب».

(١٢) الأصح فشججنه أي الباب ـ كما في الكلمة الثانية التي ذكرها وكما في «ب».

(١٣) في «ب» جاء.

(١٤) ما بين القوسين كله ساقط من «ب».

(١٥) ساقط أيضا من «ب».

(١٦) في «ب» عابدات.

٤٤٣

وكان مولاه يلعب بالنّرد (١) ويخاطر عليه ، وكان على بابه نهر جار فلعب يوما بالنّرد على أن من قهر (٢) صاحبه شرب (٣) الماء الذي في البحر كله أو افتدى منه فقمر سيد لقمان فقال له القامر : اشرب ما في النهر كله وإلا فافتديه فقال سلني الفداء فقال : عينيك أفقاهما أو جميع ما تملك فقال : أمهلني يوما قال لك ذلك. فأمسى كئيبا حزينا فكلمه لقمان فأعرض عنه فأعاد عليه القول فأعرض عنه فقال أخبرني فلعل لك عندي فرجا فأخبره فقال : إذا قال لك الرجل اشرب ما في النهر فقل له أشرب ما بين حفتي النهر أو المد (فإنه (٤)) يقول لك ما بين حفتي النهر فقل له احبس عني المد حتى أشرب ما بين الحفتين فإنه لا يستطيع وتكون قد خرجت مما (٥) ضمنته له فعرف الرجل أنه قد صدق فطابت نفسه ، فلما أصبح الرجل جاء فقال أوف لي شرطي فقال له نعم أشرب ما بين الضفتين أو المد فقال ما بين الضفتين (٦) قال فاحبس عني المد قال كيف أستطيع فخصمه قال فأعتقه مولاه فأكرمه الله تعالى وكان يختلف إلى داود ـ عليه‌السلام ـ يقتبس منه فاختلف إليه سنة وداود يتخذ درعا يسأله ما هذا ولم يخبره داود حتى فرغ منها ولبسها(٧) على نفسه فقال عند ذاك : الصمت حكمة.

فصل

لما بين الله تعالى فساد اعتقاد المشركين في عبادة من لا يخلق شيئا بقوله : (هذا خَلْقُ اللهِ فَأَرُونِي ما ذا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ) بين أن المشرك ظالم ضالّ ذكر ما يدل على أن ضلالهم وظلمهم نقيض الحكمة إن لم يكن هناك نبوة وذكر حكاية لقمان فقال : (وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ). (والحكمة (٨)) عبارة عن توفيق العمل بالعلم ، فإن أريد تحديدها بما يدخل فيه حكمة الله فنقول : حصول العلم على وفق المعلوم (٩).

قوله : (أَنِ اشْكُرْ) هذه «أن» المفسرة ، فسر الله إيتاء الحكمة بقوله : (أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ) ثم بين أن الشكر لا يشفع (١٠) إلا الشاكر بقوله : (وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ) وبين أن من كفر لا يتضرر غير الكافر ، فقال : (وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ) أي غير محتاج إلى شكره ، وقدم الشكر على الكفران ههنا وقال في الروم : «و (مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ

__________________

(١) قال في اللسان «والنرد معروف شيء يلعب به فارسي معرب وليس بعربي وهو النردشير» اللسان : «ن ر د» ٤٣٩٢.

(٢) في «ب» قمر.

(٣) في «ب» يشرب.

(٤) ساقط من «ب».

(٥) في «ب» عما.

(٦) في «ب» الحفتين بدل من الضفتين.

(٧) في «ب» ولبسه بتذكيره.

(٨) ساقط من «ب».

(٩) قال بذلك فخر الدين الرازي في كتابه : «التفسير الكبير» ٢٥ / ١٤٥.

(١٠) المرجع السابق وفيه ثم بين أن بالشكر لا ينتفع وما في «ب» ثم بين أن الشكر لا ينفع.

٤٤٤

صالِحاً فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ)(١) لأن الذكر في الروم كان للترهيب ولذلك قال : (يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ) فقدم التخويف ، وههنا الذكر للترغيب ؛ لأن وعظ الأب للابن يكون بطريق اللطف والوعد (٢).

قوله : (وَإِذْ قالَ لُقْمانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ) هذا عطف على ما تقدم والتقدير آتينا لقمان الحكمة حين جعلناه شاكرا في نفسه ، وحين جعلناه واعظا لغيره.

قوله : (يا بُنَيَّ) قرأ ابن (٣) كثير بإسكان الياء وفتحها حفص والباقون (٤) بالكسر (لا تُشْرِكْ بِاللهِ) بدأ في الوعظ بالأهم وهو المنع من الإشراك وقال : (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) ، أما أنه ظلم فلأنه وضع النفس الشريفة المكرمة في عبادة الخسيس ، فوضع العبادة في غير موضعها.

قوله : (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ) لما منعه من العبادة لغير الله والخدمة قريب منها في الصورة بين أنها غير ممتنعة بل هي واجبة لغير الله (في بعض (٥) الصور) كخدمة الأبوين ثم بين السبب فقال : (حَمَلَتْهُ أُمُّهُ) يعني لله على العبد نعمة الابتداء بالخلق ونعمة الإبقاء بالرزق أي صارت بقدرة الله سبب وجوده فإنها حملته وبرضاعه حصل التربية والبقاء.

قوله : (وَهْناً عَلى وَهْنٍ) يجوز أن ينتصب (٦) على الحال من (أمّه (٧)) أي ضعفا على ضعف. وقال ابن عباس : شدة على شدة (٨) ، وقال مجاهد : مشقة بعد مشقة (٩) وقال الزجاج : المرأة إذا حملت (١٠) توالى عليها الضعف والمشقة ، وقيل : الحمل ضعف والوضع ضعف ، وقيل : منصوب على إسقاط (١١) الخافض أي في وهن. قال أبو البقاء (١٢) : «و (عَلى وَهْنٍ) صفة له «لوهنا». وقرأ الثّقفيّ (١٣) وأبو عمرو ـ في رواية ـ وهنا

__________________

(١) الآية ٤٤ من السورة السابقة.

(٢) المرجع السابق.

(٣) انظر : السبعة ٥١٢.

(٤) وهم أبو بكر عن عاصم ونافع وأبو عمرو وابن عامر وحمزة والكسائي.

انظر : المرجع السابق والنشر ٢ / ٣٤٦ ، وحجة ابن خالويه ٢٨٤ ، والقرطبي ١٤ / ٦٣ ، والبحر المحيط ٧ / ١٧٦.

(٥) ساقط من «ب».

(٦) في «ب» ينصب.

(٧) ذكره القرطبي عن الإمام القشيري رضي الله عنه. انظر : القرطبي ١٤ / ٦٤.

(٨) انظر : تفسير ابن كثير ٣ / ٤٤٥.

(٩) السابق.

(١٠) انظر : معاني القرآن وإعرابه للزجاج ٤ / ١٩٦.

(١١) ذكره أبو جعفر النحاس في كتابه «إعراب القرآن» انظره : ٣ / ٢٨٥ قال : «فما علمت أن أحدا من النحويين ذكره فيكون مفعولا ثانيا على حذف الجر أي حملته بضعف على ضعف».

(١٢) نقله في التبيان أيضا ١٠٤٤.

(١٣) المراد به عيسى بن عمر الثقفي وقد مر الترجمة له.

٤٤٥

على وهن ـ بفتح الهاء فيهما (١) ـ فاحتمل أن تكونا لغتين كالشّعر والشّعر ، واحتمل أن يكون المفتوح مصدر «وهن» بالكسر يوهن وهنا.

قوله : (وَفِصالُهُ) قرأ الجحدريّ وقتادة وأبو رجاء (٢) والحسن «وفصله» دون ألف (٣) ـ أي وفطامه في عامين.

فإن قيل : وصى الله بالوالدين ، وذكر السبب في حق الأم مع أن الأب وجد منه الحشر من الأم لأنه حمله في صلبه سنين ورباه بكسبه سنين فهو أبلغ.

فالجواب : أن المشقة الحاصلة للأم أعظم فإن (٤) الأب حمله خلفة لكونه من جملة جسده ، والأم حملته ثقلا آدميّا مودع فيها وبعد وضعه وتربيته ليلا ونهارا وبينهما ما لا يخفى من المشقة.

قوله : (أَنِ اشْكُرْ) في «أن» وجهان :

أحدهما : أنها مفسرة (٥).

والثاني : أنها مصدرية في محل نصب ب «وصّينا» قاله الزجاج (٦) ، لما كان الوالدان سبب وجود الولد والموجد في الحقيقة للولد والوالدين هو الله أمر بأن يشكر قبلهما. ثم بين الفرق فقال (إِلَيَّ الْمَصِيرُ) أي المرجع ، قال سفيان بن عيينة (٧) في هذه الآية من صلى الصلوات الخمس فقد شكر الله ، ومن دعا للوالدين في أدبار الصّلوات الخمس فقد شكر الوالدين.

قوله : (وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما) يعني أن خدمتهما واجبة ، وطاعتهما لازمة ما لم يكن فيها ترك طاعة الله فإن أفضى إليه فلا تطعهما ، وتقدم تفسير الآية في العنكبوت. وقوله : «معروفا» صفة لمصدر محذوف (٨) أي صحابا معروفا وقيل : الأصل: بمعروف (٩).

قوله : (وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَّ) أي دين من أقبل إلى طاعتي وهو النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ

__________________

(١) هذه قراءة شاذة ذكرها ابن خالويه في المختصر ١١٧ و ١١٦ والمحتسب ٢ / ١٦٧ وانظر أيضا القرطبي ١٤ / ٦٤ وزاد المسير ٦ / ٣١٩ والبحر ٧ / ١٨٧ والكشاف ٣ / ٢٣٢.

(٢) أبو رجاء عمران بن تيم العطاردي البصري التابعي الكبير كان مخضرما ، أسلم في حياة النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وعرض القرآن على ابن عباس وتلقن من أبي موسى روى عنه أبو الأشهب العطاردي مات سنة ١٠٥ ه‍ انظر : طبقات القراء ١ / ٦٠٤.

(٣) الإتحاف ٣٥٩ والكشاف ٣ / ٢٣٢ والبحر ٧ / ١٨٧ ومختصر ابن خالويه ١١٧ والمحتسب ٢ / ١٦٧.

(٤) في «ب» «لأنّ».

(٥) وقد تقدم أنها قول كثير من العلماء كالنحاس والفخر الرازي.

(٦) ذكره في معاني القرآن وإعرابه ٤ / ١٩٦.

(٧) انظر القرطبي ١٤ / ٦٥.

(٨) التبيان ١٠٤٤.

(٩) السابق.

٤٤٦

قال عطاء عن ابن عباس : يريد : أبا بكر (١) ، وذلك أنه حين أسلم أتاه عثمان وطلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف وقالوا له : (لقد) صدّقت هذا الرجل وآمنت (٢) به قال نعم هو صادق فآمنوا ثم حملهم (٣) إلى النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ حتى أسلموا وهؤلاء لهم سابقة الإسلام أسلموا بإرشاد أبي بكر قال الله (تعالى (٤)) : (وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَّ) يعني أبا بكر.

قوله : «إليّ» متعلق «بأناب» ثم «إليّ» متعلق بمحذوف لأنه خبر «مرجعكم» فأنبّئكم بما كنتم تعملون. قيل : نزلت هاتان الآيتان في سعد بن أبي وقّاص (٥) وأمّه ، وقيل : الآية عامة (٦).

قوله : (يا بُنَيَّ إِنَّها) هذا الضمير يرجع إلى الخطيئة ، وذلك أن ابن لقمان قال لأبيه : يا أبت إن عملت الخطيئة حيث لا يراني أحد كيف يعلمها (الله (٧))؟ فقال : (يا بُنَيَّ إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ). قوله : (إِنْ تَكُ) الضمير ضمير القصة ، والجملة الشرطية مفسرة (للضمير(٨)) ، وتقدم أن نافعا يقرأ مثقال (٩) بالرفع على أن كان تامة (١٠) وهو فاعلها وعلى هذا فيقال : لم ألحقت فعله تاء التأنيث؟ قيل : لإضافته إلى مؤنث ؛ ولأنه بمعنى «زنة حبّة» (١١) ، وجوز الزمخشري في ضمير «إنّها» أن تكون للحبة من (١٢) السيئات والإحسان في قراءة من نصب «مثقال». وقيل : الضمير يعود على ما يفهم من (١٣) سياق الكلام أي إنّ التي سألت عنها (إن تك (١٤)) ، قال المفسرون : إنه سأل أباه أرأيت الحبّة تقع في (١٥) مغاص البحر يعلمها الله؟.

__________________

(١) نقله أبو الفرج الجوزي في زاد المسير ٦ / ٣٢٠ كما ذكره السيوطي في أسباب النزول ١٢٥.

(٢) نفسه. وفي «ب» وأثبت.

(٣) في «ب» «فحملهم».

(٤) ساقط من «ب».

(٥) ذكر ذلك ابن كثير عن الطبراني ٣ / ٤٤٥.

(٦) وهو ما لم يوافق عليه القرطبي حيث قال : «والصحيح أن هاتين الآيتين نزلتا في شأن سعد بن أبي وقاص» القرطبي ١٤ / ٦٣.

(٧) ساقط من «ب».

(٨) ساقط من «ب».

(٩) تقدمت كلمة : «مثقال» في السور النساء ويونس ، والأنبياء ، ولكنه يقصد آية الأنبياء وهي قول الله ـ عزوجل ـ : «وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَكَفى بِنا حاسِبِينَ». وهي الآية ٤٧ من السورة هذه.

انظر : اللباب ٦ / ٣٢١. حيث أوضح هناك أن نافعا يقرأ بالرفع كما ذكر أعلى.

(١٠) كان التامة هي التي لا تحتاج إلى اسم وخبر بل تحتاج إلى فاعل فقط كأي فعل متعدّ كهذه التي معنا ، وكقول الله تعالى : «وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ».

(١١) ذكره أبو حيان في بحره ٧ / ١٨٧.

(١٢) انظر : كشافه ٣ / ٢٣٣ قال : «فمن نصب كان الضمير للهنة من الإساءة والإحسان أي : إن كانت مثلا في الصغر والقماءة كحبة الخردل فكانت مع صغرها في أخفى موضع وأحرزه كجوف الصخرة».

(١٣) وهو ما يسمى بضمير القصة والبصريون يجيزون ذلك في المؤنث والمذكر على حدّ ، بينما لم يجزه الكوفيون في المذكر. القرطبي ١٤ / ٦٧.

(١٤) ساقط من «ب».

(١٥) نقله الكشاف ٣ / ٢٣٣.

٤٤٧

قوله : «فتكن» الفاء لإفادة الاجتماع يعني إن كانت صغيرة ومع صغرها تكون خفية في موضع حريز (١) كالصّخرة لا تخفى على الله لأن الفاء للاتصال بالتعقيب وقرأ عبد الكريم الجحدريّ (٢) «فتكنّ» بكسر (٣) الكاف ، وتشديد النون مفتوحة أي فتستقر. وقرأ محمّد بن أبي محمّد (٤) البعلبكّيّ : فتكنّ ؛ إلا أنه مبنيّ للمجهول (٥) ، وقتادة «فتكن» بكسر الكاف وتخفيف النون مضارع «وكن» (٦) أي استقر في وكنه ووكره.

فصل

الصخرة لا بد وأن تكون في السموات أو في الأرض فما الفائدة من ذكرها؟ قال بعض المفسرين المراد بالصخرة صخرة عليها الثّور وهي لا في الأرض (٧) ولا في السماء ، (وقال (٨) الزمخشري : فيه إضمار تقديره إن تكن في صخرة أو في موضع آخر في السموات أو في الأرض). وقيل : هذا من تقديم الخاصّ وتأخير العام ، وهو جائز في مثل هذا التقسيم (٩) ، وقيل : خفاء الشيء يكون بطرق منها أن يكون في غاية الصّغر ، ومنها أن يكون بعيدا ، ومنها أن يكون في ظلمة ومنها أن يكون وراء حجاب فإن بيّن أحد هذه الأمور فلا يخفى في العادة فأثبت الله الرؤية والعلم مع انتفاء الشرائط فقوله : (إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ) إشارة إلى الصغر ، وقوله : (فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ) إشارة (إلى الحجاب ، وقوله : (فِي السَّماواتِ)(١٠) إشارة إلى البعد ، فإنها أبعد الأبعاد ، وقوله : (أَوْ فِي الْأَرْضِ) إشارة) إلى الظلمة فإن جوف الأرض أظلم الأماكن ، وقوله : (يَأْتِ بِهَا اللهُ) أبلغ من قول القائل : يعلمه الله لأن من يظهر له شيء (ولا يقدر (١١) على إظهاره لغيره يكون حاله في العلم دون حال من يظهر له الشيء) ويظهره لغيره فقوله : (يَأْتِ بِهَا اللهُ) أي يظهرها (للإشهار (١٢)) (إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ) نافذ القدرة ، «خبير» عالم ببواطن الأمور ، روي في بعض الكتب أن هذه آخر كلمة تكلم بها لقمان فانشقت مرارته من هيبتها فمات ، قال الحسن : معنى الآية هو (١٣) الإحاطة بالأشياء صغيرها وكبيرها.

__________________

(١) في «ب» جلد.

(٢) لم أقف عليه.

(٣) انظر : مختصر ابن خالويه في شواذ القراءات ١١٧.

(٤) هو محمد بن هاشم بن سعيد البعلبكي روى عنه أحمد بن عمير الدمشقي وغيره. انظر : اللباب في تهذيب الأسماء لابن الأثير ١ / ١٦١ و ١٦٢.

(٥) المرجع السابق.

(٦) السابق والمحتسب ٢ / ١٦٨ وانظر في هذه القراءات الشاذة أيضا البحر ٧ / ١٨٧ والقرطبي ١٤ / ٦٧ والكشاف ٣ / ٢٣٣.

(٧) انظر : تفسير الفخر ٢٥ / ١٤٨.

(٨) ما بين القوسين ساقط من «ب».

(٩) في «ب» التفسير.

(١٠) ساقط من «ب».

(١١) ما بين القوسين أيضا ساقط من «ب».

(١٢) ساقط من «ب».

(١٣) في «ب» هي.

٤٤٨

قوله : (يا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ) لما منعه من الشرك وخوفه بعلم الله وقدرته أمره بما يلزم من التوحيد وهو الصلاة (١) وهي العبادة لوجه الله مخلصا وبهذا يعلم أن الصلاة كانت في سائر الملل غير أن هيئاته اختلفت (٢). وقوله : (وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ) أي إذا كملت أنت في نفسك بعبادة الله فكمل غيرك فإن شغل الأنبياء رتبتهم (٣) عن العلماء هو أن يكملوا في أنفسهم ويكملوا غيرهم (وَاصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ) يعني من الأذى لأن من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر يؤذى فأمره بالصبر عليه (٤).

فإن قيل : كيف قدم (في (٥)) وصيته لابنه الأمر بالمعروف على النهي عن المنكر وحين أمر ابنه قدم النهي عن المنكر على الأمر بالمعروف فقال : (لا تُشْرِكْ بِاللهِ) ثم قال : (أَقِمِ الصَّلاةَ)؟.

فالجواب : أنه كان يعلم أن ابنه معترف بوجود الإله فما أمره بهذا المعروف بل نهاه عن المنكر الذي يترتب على هذا المعروف ، وأما (٦) ابنه فأمره أمرا مطلقا والمعروف يقدم على (٧) المنكر. قوله : (مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) يجوز أن يكون عزم بمعنى مفعول أي من معزومات (٨) الأمور أو بمعنى عازم كقوله : (فَإِذا عَزَمَ الْأَمْرُ) [محمد : ٢١] وهو مجاز بليغ ، وزعم المبرد أن العين (٩) تبدل حاء فيقال «حزم ، وعزم» والصحيح أنهما مادتان مختلفتان اتفقا في المعنى ، والمراد من الآية أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصبر على الأذى (فيهما (١٠)) من الأمور الواجهة التي أمر الله تعالى بها ويعزم عليها لوجوبها.

قوله : (وَلا تُصَعِّرْ) قرأ ابن كثير وابن عامر وعاصم «تصاعر» (١١) بألف وتخفيف العين ، والباقون بالألف وتشديد العين ، والرسم يحتملهما ، فإنه رسم بغير ألف ، وهما

__________________

(١) في «ب» وهي أيضا.

(٢) تفسير الفخر الرازي ٢٥ / ١٤٨.

(٣) في تفسير الفخر : «وورثتهم من العلماء» وهو الأصح من كلتا النسختين.

(٤) انظر : التفسير الكبير للإمام فخر الدين الرازي ٢٥ / ١٤٨ في كل ما سبق.

(٥) ساقط من «ب».

(٦) في «ب» فأما.

(٧) نقله في تفسير الفخر الرازي ٢٥ / ١٤٩.

(٨) انظر : ٣ / ٢٣٣ ، من تفسير الكشاف.

(٩) نقله أبو حيان في البحر ٧ / ١٨٨ ، قال : «وقال مؤرّج : العزم والحزم بلغة هذيل والحزم والعزم أصلان وما قاله المبرد من أن العين قلبت حاء ، ليس بشيء لاطراد تصاريف كل واحد من اللفظين وليس أحدهما أصلا للآخر».

(١٠) سقط من ب.

(١١) قاله في الإتحاف ٣٥٠ ، وابن مجاهد في السبعة ٥١٣ والبحر ٧ / ١٨٨ والفراء ٢ / ٣٢٨ والكشاف ٣ / ٢٣٤.

٤٤٩

لغتان لغة الحجاز التخفيف وتميم التثقيل فمن التثقيل قوله :

٤٠٥٠ ـ وكنّا إذا الجبّار صعّر خدّه

أقمنا له من ميله فيقوّم (١)

ويقال أيضا : تصعّر ، قال :

٤٠٥١ ..........

أقمنا له من خدّه المتصعّر (٢)

وهو من الميل ، وذلك أن المتكبر يميل بخدّه تكبرا كقوله (ثانِيَ عِطْفِهِ) [الحج : ٩]. قال أبو عبيدة : أصله من الصّعر داء يأخذ الإبل في أعناقها فتميل وتلتوي (٣) ؛ يقال : صعّر وجهه وصاعر(٤) إذا مال وأعرض تكبّرا ، ورجل أصعر أي مائل العنق ، وتفسير اليزيديّ (٥) له بأنه التّشدّق في الكلام (٦) لا يوافق الآية هنا ، قال ابن عباس : يقول لا تنكبر فتحتقر الناس وتعرض عنهم وجهك إذا كلموك (٧) ، وقال مجاهد : هو الرجل يكون بينك وبين إحنة فتلقاه فيعرض عنك (٨) بوجهه ، وقال عكرمة : هو الذي إذا سلم عليه لوى عنقه تكبرا (٩) ، وقال الربيع بن أنس وقتادة ولا تحتقر الفقراء ليكون الغنيّ والفقير عندك سواء (١٠) ، واعلم أنه لما أمره بأن يكون كاملا في نفسه مكملا لغيره فكان يخشى بعدهما من أمرين :

__________________

(١) البيت من الطويل. وهو مختلف في نسبته ما بين عمرو بن حنيّ التغلبي والمتلمّس. وجيء بالبيت استشهادا بلغة تميم وهي التثقيل في «صعّر» وقد نسب أبو عبيدة البيت في المجاز ٢ / ١٢٧ إلى عمرو ، ونسب الأصمعي في الأصمعيات ٢٤٥ البيت للمتلمس.

انظر : البحر المحيط ٧ / ١٨٢ والقرطبي ١٤ / ٦٩ وابن كثير ٣ / ٤٤٦ وابن جرير ٢١ / ٤٧ ومجمع البيان للطبرسي ٧ / ٥٠٠ وقد روي البيت بقافية الخطاب والغيبة والإطلاق فروي : «فتقوّم» وروي : «فيقوّم» كما هو أعلى وروي : «فتقوّما» كما في ابن كثير. وانظر اللسان : «ص ع ر» ٢٢٤٧ والتاج : «د ر أ» ١ / ٢٢٢.

(٢) شطر بيت من الطويل عجزا وصدره :

إذا الأصعر الجبّار صعّر خدّه

 ...........

وهو للأخطل التّغلبيّ وجيء به استشهادا للغة التثقيل وهي لغة تميم في كلمة «متصعر» وفي الديوان : «متصاعر» بلغة التخفيف وهي لغة أهل الحجاز وعلى ذلك فلا شاهد فيه حينئذ ، ويكون شاهدا لقراءة ابن كثير وصحبه أي لا على لغة الحجازيين. انظر : الديوان «٤٣٣» والقرطبي ١٤ / ٦٩ والبحر المحيط.

(٣) مجاز القرآن لأبي عبيدة ٢ / ١٢٧.

(٤) انظر : اللسان : «ص ع ر» ٢٤٤٧.

(٥) اليزيدي : يحيى بن المبارك بن المغيرة أبو محمد اليزيديّ النحوي المقرىء ، حدث عن أبي عمرو والخليل وعنهما أخذ العربية ، صنف مختصرا في النحو ، المقصور والممدود ، النوادر وغير ذلك مات سنة ٢٠٢ ه‍ انظر : بغية الوعاة ٢ / ٣٤٠.

(٦) نقله في البحر ٧ / ١٨٢.

(٧) زاد المسير ٦ / ٣٢٢.

(٨) السابق.

(٩) السابق.

(١٠) وهو رأي أبي العالية أيضا. انظره في زاد المسير ٦ / ٣٢٢.

٤٥٠

أحدهما : التكبر على الغير لكونه مكملا له.

والثاني : التبختر في المشي لكونه كاملا في نفسه فقال : (وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ) تكبرا (وَلا) تمشي (فِي الْأَرْضِ مَرَحاً) أي خيلاء (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ) في نفسه «فخور» على الناس بنفسه.

قوله : «واقصد» (هذا قاصر (١)) بمعنى اقتصد واسلك الطريقة الوسطى بين ذلك قواما أي ليكن مشيك قصدا لا تخيلا ولا إسراعا (٢). وقال عطاء : امش بالوقار والسكينة لقوله : (يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً) [الفرقان : ٦٣].

(وقرىء) (٣) «وأقصد» بهمزة قطع من أقصد إذا سدّد (٤) سهمه للرّمية.

قوله : (وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ) من تبعيضيّه ، وعند الأخفش يجوز أن تكون زائدة (٥) ، ويؤيده قوله (يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ) [الحجرات : ٣]. وقيل : (مِنْ صَوْتِكَ) صفة لموصوف محذوف أي شيئا من (٦) صوتك ، وكان (٧) الجاهلية يتمدحون برفع الصوت ، قال : [من المتقارب] :

٤٠٥٢ ـ جهير الكلام جهير العطاس

جهير الرّواء جهير النّعم (٨)

والمعنى أنقص من صوتك ، وقال مقاتل : اخفض من صوتك.

فإن قيل : لم ذكر المانع من رفع الصوت ولم يذكر المانع من سرعة المشي؟.

فالجواب : أن رفع الصوت يؤذي السامع ويقرع الصّماخ (٩) بقوته ، وربما يخرق الغشاء الذي داخل الأذن ، وأما سرعة المشيء فلا تؤذي وإن أذت فلا يؤذي غير من في طريقه والصوت يبلغ من على اليمين وعلى اليسار ولأن اللمس يؤذي آلة اللمس والصوت

__________________

(١) سقط من «ب».

(٢) في «ب» ولا إسرافا.

(٣) سقطت من «ب».

(٤) في «ب» شدد بالشين والأصح هنا والقراءة لعيسى الحجازي.

انظر : الكشاف ٣ / ٢٣٤ والبحر المحيط ٧ / ١٨٩ ، ومختصر ابن خالويه ١١٧.

(٥) نقلها السمين في الدر المصون ٤ / ٣٤٤ وأبو البقاء في التبيان ١٠٤٥.

(٦) المرجعان السابقان.

(٧) في «ب» وكانت بتاء التأنيث.

(٨) هذا أحد بيتين أنشدهما المبرد في كامله ، والآخر هو :

ويعدو على الأين عدو الظّليم

ويعلو الرّجال بخلق عمم

وهما لرجل مجهول يمدح خليفة العباسيين الرشيد مدحا مبينا في الوجه والكلام ورخامة الصوت ومهما كان الأمر فإنه هو الدائم الذي لا يتغير فلم يبال «بأين» (إعياء) أو غيره والاستشهاد بالبيت برفع الكلام في قوله «جهير الكلام». انظر : الكامل ٢ / ١٦٣ والقرطبي ١٤ / ٧٢ والبحر المحيط ٧ / ١٨٩ والسراج المنير ٣ / ١٩٠.

(٩) هو صماخ الأذن وهو الخرق الباطن الذي يفضي إلى الرأس. وقيل : هو الأذن نفسه. اللسان [ص. م. خ].

٤٥١

يؤذي آلة السمع ، وآلة السمع على باب القلب فإن الكلام ينتقل من السمع إلى القلب ولا كذلك اللمس وأيضا فلأن قبيح القول أقبح من قبيح الفعل وحسنه أحسن لأن اللسان ترجمان القلب (١).

قوله : (إِنَّ أَنْكَرَ) قيل : أنكر مبنيّ من مبنيّ للمفعول نحو : «أشغل من ذات النّحيين» (٢) ، وهو مختلف فيه (٣) ووحد «صوت» لأنه يراد به الجنس ولإضافته لجمع ، وقيل : يحتمل أن يكون «أنكر» من باب «أطوع له من بنانه» ومعناه أشدّ طاعة (٤). فإن «أفعل» لا يجيء (في (٥)) «مفعل» (٦) ولا في «مفعول» (٧) ولا في باب العيوب (٨) إلا ما شذّ كقولهم (٩) : «أطوع من كذا» (١٠) للتفضيل على المطيع و «أشغل من ذات النّحيين» (١١) و «أحمق (١٢) (من فلان (١٣)») من باب العيوب (١٤) ، وعلى هذا فهو من باب «أفعل» (١٥) كأشغل في باب مفعول (١٦) فيكون للتفضيل على المنكر. أو نقول هو من باب «أشغل» مأخوذ من نكر الشيء فهو منكور ، وهذا أنكر منه ، وعلى هذا فله معنى لطيف وهو أن كل حيوان قد يفهم من صوته (١٧) بأنه يصيح من ثقل أو تعب كالبعير أو لغير ذلك والحمار لو مات تحت الحمل لا يصيح ولو قتل لا يصيح وفي بعض أوقات عدم الحاجة يصيح وينهق بصوت منكر (فيمكن (١٨)) أن يقال : هو من نكير كأحدّ من حديد (١٩).

فإن قيل : كيف يفهم كونه أنكر الأصوات مع أن حزّ المنشار بالمبرد ودق النحاس بالحديد أشد صوتا؟!.

__________________

(١) تفسير الفخر الرازي ٢٥ / ١٥١.

(٢) ذكره في جمهرة الأمثال كما ذكره الميداني في مجمع الأمثال ٢ / ١٨٤ والنّحيان مثنى (نحي) وهو وعاء من جلد كان يوضع فيه السّمن وذكر المؤلف هذا المثال على أن الفعل مأخوذ من مبني للمفعول «مشغول» وشغل وكذلك الآية (أنكر) من منكر «وأنكر».

(٣) انظر : الأشموني ٢ / ٤٤.

(٤) فيكون على باب التفضيل والمشاركة.

(٥) سقطت من «ب».

(٦) يقصد أن التفضيل يبنى من الفعل الثلاثي وأنكر فعل رباعي واسم فاعله «منكر» واسم مفعوله «منكر».

(٧) يشير إلى أن الفعل الثلاثي هذا الذي يصاغ منه أفعل التفضيل لا بد أن يكون مبنيا للمعلوم لا للمجهول.

(٨) يشير إلى أنّ هذا الفعل يخلو من أي عيب وأحمق فيه العيب.

(٩) في «ب» لقولهم.

(١٠) فكان على القاعدة أن نقول أشد طاعة حيث إنّ «أطاع» رباعي كأنكر.

(١١) وأشغل هنا من فعل مبني للمجهول «شغلت فهي مشغولة».

(١٢) وأحمق مبني من (حمق) وهو فعل عيب.

(١٣) سقطت من «ب».

(١٤) في «ب» الصوت وهو تحريف.

(١٥) أي أفعل فعلاء كأحمق حمقاء وأحمر حمراء أو باب أفعل الزائد على ثلاثة أحرف.

(١٦) أي البناء المجهول لا المعلوم.

(١٧) تفسير الفخر الرازي ٢٥ / ١٥١.

(١٨) سقطت من «ب».

(١٩) في تفسير الفخر الرازي : كأجدر من جدير.

٤٥٢

فالجواب من وجهين :

الأول : أن المراد أنكر أصوات الحيوانات صوتا الحمير فلا يرد السؤال.

الثاني : أن الآمر بمصلحة وعبادة لا ينكر صوته بخلاف صوت (الحمير) (١).

فصل

قال مقاتل : اخفض من صوتك (إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ) أقبح الأصوات (لَصَوْتُ الْحَمِيرِ) أوله زفير ، وآخره شهيق وهما صوت (أهل (٢) النار) وقال موسى بن أعين (٣) سمعت سفيان الثوري يقول في قوله تعالى : (إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ) قال صياح كل شيء تسبيح (٤) لله تعالى إلا الحمار وقال جعفر (٥) الصادق في قوله تعالى : (إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ) قال : هي العطسة (٦) القبيحة المنكرة ، قال وهب تكلم لقمان اثني عشر ألف كلمة من الحكمة أدخلها الناس في كلامهم ومن حكمه : قال خالد الربعي (٧) كان لقمان عبدا حبشيا فدفع (له) مولاه إليه شاة فقال اذبحها فأتني (٨) بأطيب مضغتين منها فأتاه باللّسان والقلب فسأله مولاه فقال : ليس شيء أطيب منهما إذا طابا ولا أخبث منهما إذا خبثا.

قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ (٢٠) وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللهُ قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَوَلَوْ كانَ الشَّيْطانُ يَدْعُوهُمْ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ (٢١) وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى وَإِلَى اللهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ (٢٢) وَمَنْ كَفَرَ فَلا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٢٣) نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلاً ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلى عَذابٍ غَلِيظٍ (٢٤) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٢٥) لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ)(٢٦)

قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُمْ ...) الآية (أي) (٩) سخر لأجلكم ما في السماوات والقمر والنجوم مسخرات بأمره وفيها الفوائد لعباده وسخر ما في الأرض لأجل عباده.

__________________

(١) سقطت من «ب».

(٢) كذلك.

(٣) هو : موسى بن أعين الجزري أبو سعيد الحراني عن خصيف ، والأعمش وجماعة وعنه : الوليد بن مسلم وغيره مات سنة ١٧٧. انظر : خلاصة الكمال ٣٨٩.

(٤) نقله القرطبي في ١٤ / ٧٧ ، بلفظ «إلا نهيق الحمار».

(٥) تقدم.

(٦) في «ب» العطية الكبيرة وهو تحريف.

(٧) انظر : تفسير ابن كثير ٣ / ٤٤٣.

(٨) في «ب» وائتني.

(٩) ساقط من «ب».

٤٥٣

قوله : (وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ) قرأ نافع وأبو عمرو وحفص (نعمه) جمع نعمة مضافا لها الضمير «فظاهرة» حال (١) منها ، والباقون «نعمة» بسكون (٢) العين ، وتنوين تاء التأنيث ، اسم جنس يراد به الجمع كقوله : (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لا تُحْصُوها) [إبراهيم ٣٤] و [النحل : ١٨] فظاهرة (نعت) (٣) لها ، وقرأ ابن عباس ويحيى بن عمارة (٤) «وأصبغ» بأبدال السين صادا (٥) وهي لغة كلب (٦) ، يفعلون ذلك مع الغين والخاء والقاف ، وتقدم نظير هذه الجمل كلها في البقرة (٧).

فصل

قال عكرمة عن ابن عباس النعمة الظاهرة الإسلام ، والقرآن ، والباطنة ما ستر عليك من الذنوب ، ولم يعجل (٨) عليك بالنقمة ، وقال الضحاك : الظاهرة حسن (٩) الصورة وتسوية الأعضاء ، والباطنة المعرفة ، وقال مقاتل : الظاهرة تسوية الخلقة ، والرزق ، والإسلام والباطنة : ما ستر عليك من الذنوب(١٠) وقال الربيع (١١) الظاهرة الجوارح ، والباطنة القلب (١٢) ، وقيل : الظاهرة تمام الرزق والباطنة حسن (١٣) الخلق ، وقال عطاء : الظاهرة تخفيف الشرائع ، والباطنة الشفاعة (١٤) ، وقال مجاهد : الظاهرة ظهور الإسلام والنصر على الأعداء والباطنة الإمداد (١٥) بالملائكة ، وقيل : الظاهرة الإمداد بالملائكة والباطنة إلقاء الرعب في قلوب الكفار (١٦) ، وقال سهل بن (١٧) عبد الله : الظاهرة : اتّباع الرسول والباطنة محبته.

__________________

(١) السبعة لابن مجاهد ٥١٣ والإتحاف ٣٥٠ والكشاف ٣ / ٢٣٤ والقرطبي ١٤ / ٧٣ والبحر المحيط ٧ / ١٩٠ ، والحجة لابن خالويه ٢٨٦ ، والنشر ٢ / ٣٤٧ وتقريبه ١٥٩.

(٢) السابقة.

(٣) ساقط من «ب».

(٤) وقيل : ابن عباد عن سعيد بن جبير وعنه الأعمش ، وثّقة ابن حبّان.

انظر : خلاصة الكمال ٤٢٦.

(٥) ذكره ابن جني في المحتسب ٢ / ١٦٨ و ١٦٩ ، وانظر كذلك القرطبي ١٤ / ٧٣ والبحر المحيط ٧ / ١٩٠.

(٦) في «ب» كليب.

(٧) يقصد قوله تعالى : «صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً» وهي الآية ١٣٨ من السورة وقوله : «اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ» وهي الآية ٤٠ من نفس السورة والقراء الذين ذكرهم وذكروا أعلى هم نفس القراء. انظر : اللباب ١ / ١٢٠ ب ميكروفيلم.

(٨) في «ب» يتحمل وهو تحريف وانظر هذا الرأي في زاد المسير ٦ / ٣٢٤.

(٩) نفسه.

(١٠) فتح القدير للشوكاني ٤ / ٢٤١.

(١١) تقدم.

(١٢) القرطبي ١٤ / ٧١ ، ٧٢ ، ٧٤.

(١٣) فتح القدير ٤ / ٢٤١.

(١٤ و ١٥ و ١٦) المراجع السابقة.

(١٧) هو ابن أبي حزم مهران أو عبد الله القطعي أبو بكر البصري.

انظر : اللباب ٣ / ٤٦ وتقريب التهذيب ١ / ٣٣٨.

٤٥٤

قوله : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ (بِغَيْرِ عِلْمٍ) نزلت في النضر بن (١) الحرث ، وأبيّ بن خلف وأشباههم كانوا يجادلون النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ) وفي صفاته (بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ) أي بغير هدى أرسلناه إليه (وحيا (٢) ولا بكتاب يتلى عليه وعظا) (وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللهُ قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا) بين أن مجادلتهم مع كونها من غير علم فهي في غاية القبح ، فإن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ كان يدعوهم إلى كلام الله وهم يأخذون بكلام آبائهم وبين كلام الله وكلام العلماء بون عظيم فكيف ما بين كلام الله وكلام الجهال (٣)؟ ثم قال : (أَوَلَوْ كانَ الشَّيْطانُ يَدْعُوهُمْ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ) ، جواب «لو» محذوف ومجازه : يدعوهم فيتبعونه أي يتبعون الشيطان وإن كان الشيطان يدعوهم إلى عذاب السعير ، والمعنى أن الله يدعوهم إلى الثواب ، والشيطان يدعوهم إلى العذاب وهم مع هذا يتبعون (الشيطان) (٤) وقد تقدم الكلام على (أَوَلَوْ) ونحوه.

قوله : (وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللهِ) قرأ عليّ (والسّلميّ (٥)) «يسلّم» بالتشديد (٦) ، لما بين حال المشرك والمجادل (٧) في الله بين حال المستسلم المسلم لأمر الله وقوله : (وَهُوَ مُحْسِنٌ) أي لله يعني يخلص دينه لله ويفوض أمره إليه وهو محسن في عمله (فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى) أي اعتصم بالعهد الأوثق الذي لا يخاف انقطاعه لأن أوثق العرى جانب الله ، فإن كل ما عداه هالك منقطع وهو باق لا انقطاع له (وَإِلَى اللهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ) يعني فقد استمسك بالعروة التي توصله إلى الله لأن عاقبة كلّ شيء إليه. فإن قيل : كيف قال ههنا : (وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللهِ) (فعداه «بإلى (٨)» وقال في البقرة : (بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ)) فعداه باللّام؟ فقال الزمخشري : أسلم لله(٩) أي إلى الله يعني أنّ «أسلم» يتعدى تارة «باللام» وتارة «بإلى» كما يتعدى «أرسل» تارة باللام ، وتارة «بإلى» قال تعالى : (وَأَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ) [النساء : ٧٩] وقال : (كَما أَرْسَلْنا إِلى فِرْعَوْنَ رَسُولاً) [المزمل : ١٥] ثم قال : (وَمَنْ كَفَرَ فَلا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا) (لما بين (١٠) حال

__________________

(١) ما بين القوسين كله ساقط من «ب».

(٢) كذلك.

(٣) تفسير الفخر الرازي ٢٥ / ١٥٣.

(٤) ساقط من «ب».

(٥) سقطت من «ب».

(٦) إعراب القرآن للنحاس ٤ / ٢٨٧ ومختصر ابن خالويه ١١٧ بنسبتها أيضا إلى عبد الله بن مسلم بن يسار. والقرطبي ١٤ / ٧٤ والكشاف ٣ / ٢٣٥ والبحر المحيط ٧ / ١٩٠ ومعاني الفراء ٢ / ٣٢٩.

(٧) في «ب» والمجاهد وهو تحريف.

(٨) ما بين القوسين ساقط من «ب».

(٩) الكشاف للزمخشري ٣ / ٢٣٥ قال : «فإن قلت : ما له عدي بإلى وقد عدي باللام في قوله : بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن؟ قلت : معناه مع اللام أنه جعل وجهه وهو ذاته ونفسه سالما لله أي خالصا له. ومعناه مع «إلى» أنه سلم إليه نفسه كما يسلم المتاع إلى الرجل إذا دفع إليه».

(١٠) ما بين القوسين ساقط من «ب».

٤٥٥

المسلم رجع إلى بيان حال الكافر وقال : (وَمَنْ كَفَرَ فَلا يَحْزُنْكَ)) أي لا تحزن إذا كفر كافر ، فإن من يكذب وهو مقطوع بأن صدقه بين عن قرب لا تحزن بل قد يتوب (١) المكذب عن تكذيبه ، وأما إذا كان لا يرجو ظهور صدقه فإنه يتألم من التكذيب فقال : «لا (يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ) فإن المرجع إليّ «فينبئهم (بِما عَمِلُوا) فينخجلون ثم قال (إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) أي لا يخفى عليه سرّهم وعلانيتهم فينبئهم بما أسرّته صدورهم.

قوله : (نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلاً) أي نمهلهم ليتمتعوا بنعم الدنيا قليلا إلى انقضاء آجالهم (ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ) نلجئهم ونردهم في الآخرة (إِلى عَذابٍ غَلِيظٍ) وهو عذاب النار.

قوله : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ ...) الآية لما استدل بخلق السموات بغير عمد ، وبنعمه الظاهرة والباطنة بين أنهم يعترفون بذلك ولا ينكرونه وهذا يقتضي أن الحمد كله لله لأن خالق السموات والأرض محتاج (٢) إليه كلّ من في السماوات والأرض ، وكون الحمد كله لله (٣) يقتضي أن لا يعبد غيره لكنهم لا يعلمون هذا ، ووجه آخر وهو أن الله تعالى لما سلى قلب النبي ـ عليه‌السلام (٤) ـ بقوله : (فَلا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا) أي لا تحزن على تكذيبك فإن صدقك وكذبهم يتبين عن قريب وهو رجوعهم إلينا بل لا يتأخر إلى ذلك اليوم بل يتبين قبل يوم القيامة بأنهم يعترفون بأن خالق السموات والأرض هو الله ، ثم قال في دعوى الوحدانية وتبيين كذبهم في الشرك (قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ) على (ظهور (٥)) صدقك وكذبهم (٦)(بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ) أي ليس لهم علم يمنعهم من تكذيبك مع اعترافهم بما يوجب تصديقك ، وعلى هذا يكون (لا يَعْلَمُونَ) استعجالا للفعل مع القطع عن المفعول بالكلية ، كما يقال : فلان يعطي ويمنع ولا يكون ضميره من يعطي بل يريد أن له عطاء ومنعا فكذلك ههنا قال : (لا يَعْلَمُونَ) أي ليس لهم علم ، وعلى الأولى يكون (لا يَعْلَمُونَ) (له (٧) مفعول مفهوم) وهو أنهم لا يعلمون أن الحمد كلّه لله وعلى الثاني هو كقول القائل : فلان لا علم له بكذا.

قوله : لا علم له وكذا قوله : فلان لا ينفع زيدا ولا يضره دون قوله : «فلان لا يضر ولا ينفع(٨)».

قوله تعالى : (لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ذكر ما يلزم منه وهو أن يكون له ما

__________________

(١) في تفسير الفخر الرازي بل قد يؤنب المكذب على الزيادة في التكذيب.

(٢) في «ب» يحتاج.

(٣) في «ب» وكون الحمد كلمة لله.

(٤) في «ب» صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(٥) ساقط من «ب».

(٦) في «ب» وتبين كذبهم.

(٧) ساقط من «ب».

(٨) وانظر في هذا كله التفسير الكبير للفخر الرازي ٢٥ / ١٥٥.

٤٥٦

فيهما (إِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) أي إن الكل لله وهو غير محتاج إليه غير منتفع به وخلق منافعها لكم ، فهو غني لعدم حاجته «حميد» مشكور (لدفعه (١)) حوائجكم بها.

قوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٢٧) ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلاَّ كَنَفْسٍ واحِدَةٍ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (٢٨) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى وَأَنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (٢٩) ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْباطِلُ وَأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (٣٠) أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آياتِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (٣١) وَإِذا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلاَّ كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ)(٣٢)

قوله : (وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ ...) الآية. لما قال : لله ما في السماوات والأرض أوهم تناهي ملكه لانحصار ما (٢) في السموات والأرض فيهما وحكم العقل الصريح بتناهيهما بين أن في قدرته وعلمه عجائب لا نهاية لها فقال : (وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ) يكتب بها والأبحر مداد لا تغني عجائب صنع الله ، قال المفسرون نزل بمكة قوله تعالى : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ) [الإسراء : ٨٥] ، إلى قوله : (وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً) فلما هاجر رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أتاه أحبار اليهود فقالوا يا محمد : بلغنا أنك تقول : وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ، أفعنيتنا أم قومك؟ فقال ـ عليه‌السلام ـ : كلا قد عنيت. قالوا : ألست تتلو فيما جاءك (٣) إنا أوتينا التوراة وفيها علم كل شيء؟ فقال رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : هي في علم الله قليل ، وقد أتاكم ما إن عملتم به انتفعتم قالوا يا محمد : كيف تزعم هذا وأنت تقول : (وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً) فكيف يجمع (٤) هذا علم قليل وخير كثير؟ فأنزل الله هذه الآية (٥). وقال قتادة : إن المشركين (٦) قالوا : إن القرآن وما يأتي به محمد يوشك أن ينفذ فينقطع فنزلت : (وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ). ووحّد الشجرة (٧) ، وجمع الأقلام ولم يقل : ولو أن ما في الأرض من الأشجار أقلام ولم يقل من شجرة قلم إشارة إلى التكثير يعني لو أن بعدد كلّ شجرة أقلاما ، قال الزمخشري (٨) :

__________________

(١) ساقط من «ب».

(٢) في «ب» من.

(٣) في «ب» ما جاءك.

(٤) في «ب» يجتمع.

(٥) وهو قول ابن عباس ، انظر : الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ١٤ / ٧٦ وأسباب النزول للسيوطي ١٣٥.

(٦) ذكره الفخر الرازي في التفسير الكبير ٢٥ / ١٥٧.

(٧) المرجع السابق.

(٨) انظر : تفسير الكشاف له ٣ / ٢٣٦.

٤٥٧

فإن قلت : لم قيل : من شجرة بالتوحيد؟ قلت : أريد تفصيل الشجرة وتقصّيها شجرة شجرة حتى لا يبقى من جنس الشجر واحدة إلا قد بريت أقلاما. قال أبو حيان : وهو من (١) وقوع المفرد موقع الجمع والنكرة موضع المعرفة كقوله : (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها) [البقرة : ١٠٦].

قال شهاب الدين : وهذا يذهب بالمعنى الذي أبداه الزمخشري (٢).

قوله : «والبحر» قرأ أبو عمرو بالنصب ، والباقون بالرفع (٣) ، فالنصب من وجهين :

أحدهما : العطف على اسم «أنّ» أي ولو أنّ البحر (٤) ، و «يمدّه» الخبر.

والثاني : النصب بفعل مضمر يفسره «يمده». والواو حينئذ للحال ، والجملة حالية ، ولم يحتج إلى ضمير رابط بين الحال وصاحبها للاستغناء عنه بالواو ، والتقدير : ولو أنّ الّذي في الأرض حال كون البحر ممدودا بكذا. وأما الرفع ، فمن وجهين :

أحدهما : العطف على «أن» وما في حيّزها (٥) ، وقد تقدم في «أنّ» الواقعة بعد «لو» مذهبان مذهب سيبويه الرفع على الابتداء (٦) ، ومذهب المبرد على الفاعلية (٧) بفعل مقدر وهما عائدان هنا. فعلى مذهب سيبويه يكون تقدير العطف ولو أنّ البحر ، إلا أن أبا حيان قال : إنه لا يلي المبتدأ اسما صريحا (٨) إلا في ضرورة كقوله :

٤٠٥٣ ـ لو بغير الماء حلقي شرق

 ............. (٩)

__________________

(١) تفسير البحر المحيط ٧ / ١٩٢.

(٢) الدر المصون ٤ / ٣٤٩.

(٣) ذكره في الإتحاف ٣٥٠ ، والفراء في معاني القرآن ٢ / ٣٢٩ وأبو حيان في بحره ٧ / ١٩١ ، والقرطبي ١٤ / ٧٧.

(٤) ذكر ذلك العكبري في التبيان ٢ / ١٠٤٥ وابن الأنباري في البيان ٢ / ٢٥٦ وأبو حيان في البحر ٧ / ١٩١ ومكي في مشكل إعراب القرآن ٢ / ١٨٤.

(٥) التبيان ٢ / ١٠٤٥ والبيان ٢ / ٢٥٦ والكشف ١٩٧ / ٢ والقرطبي ١٤ / ٧٧ والمشكل ٢ / ١٨٤ والكشاف في كلا الوجهين النصب والرفع ٣ / ٢٣٦.

(٦) يقول في الكتاب ٣ / ١٢١ : «لو أنه ذاهب لكان خيرا له» فأن مبنية على «لو» كما كانت مبنية على «لولا» كأنك «قلت : لو ذاك» ثم جعلت «أنّ» وما بعدها في موضعه فهذا تمثيل وإن كانوا لا يبنون على «لو» غير «أنّ».

(٧) يقول في المقتضب ٣ / ٧٧ و «لو» لا تقع إلا على فعل فإن قدمت الاسم قبل الفعل فيها كان على فعل مضمر ، وذلك كقوله ـ عزوجل ـ : «فلو لا أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي» إنما أنتم رفع بفعل يفسره ما بعده وكذلك :

فلو غير أخوالي أرادوا نقيصتي

جعلت لهم فوق العرانين ميسما

ومن ذلك قول العرب : لو ذات سوار لطمتني «إنما أراد : لو لطمتني ذات سوار».

(٨) انظر : البحر ٧ / ١٩١.

(٩) هذا صدر بيت من الرمل لعديّ بن زيد وعجزه :

 ............

كنت كالغصّان بالماء اعتصاري ـ

٤٥٨

وهذا القول يؤدي إلى ذلك ، ثم أجاب بأنه يغتفر (١) في المعطوف عليه كقولهم : «رب رجل وأخيه يقولان ذلك» (٢) وعلى مذهب المبرد يكون تقديره ولو ثبت البحر ، وعلى التقديرين يكون يمدّه» جملة حالية من البحر.

والثاني : أن «البحر» مبتدأ (٣) (ويمده) الخبر والجملة حالية كما تقدم في جملة الاشتغال ، والرابط الواو ، وقد جعله الزمخشري (٤) سؤالا وجوابا وأنشد :

٤٠٥٤ ـ وقد أغتدي والطّير في وكناتها

 ............. (٥)

و «من شجرة» حال ، إما من الموصول ، أو من الضمير المستتر في الجار الواقع صلة ، و «أقلام» خبر «أنّ» (٦) ، قال أبو حيان : وفيه دليل على من يقول كالزمخشري ومن تعصب له من العجم على أن خبر أنّ الواقعة بعد «لو» لا يكون اسما البتة لا جامدا ولا مشتقا بل يتعين أن يكون فعلا (٧) وهو باطل وأنشد :

٤٠٥٥ ـ ولو أنّها عصفورة لحسبتها

مسوّمة تدعو عبيدا وأزنما (٨)

__________________

ـ والبيت في الجنى الداني ٢٨١ ، والبيت بلا نسبة في إيضاح الشعر ٥٨٢ وانظر : الحيوان ٥ / ١٣٨ و ٥٩٣ والشعر والشّعراء ٢٢٩ والاشتقاق ٢٦٩ والجنى الداني ٢٨٠ واللسان : «ش ر ق» ٢٢٤٧ وكذلك : «ع ص ر» والتصريح ٢ / ٢٥٩ والهمع ٢ / ٦٦ والأشموني ٤ / ٤٠ والمغني ٢٦٨ وشرح شواهده للسيوطي ٦٥٨ والبحر ٧ / ١٩١. والاعتصار : شرب الماء قليلا قليلا لنزول الغصّة ، والغصّة الشّجا والضّيق على ما فسره ابن منظور في لسانه «غصص» ، واستشهد ببيت عدي هذا والاستشهاد بالبيت على أنّ «أنّ» بعد «لو» في موضع رفع على الابتداء ولو لا يليها المبتدأ وهو اسم صريح إلا في ضرورة الشعر وهذا رأي أبي حيان.

(١) بالمعنى من البحر ٧ / ٩١.

(٢) وجه التنظير بهذا القول على رأي أبي حيان أننا لو عطفنا «والبحر» بالرفع على أن ومعموليها وهو رفع بالابتداء لزم من ذلك أن «لو» يليها الاسم مبتدأ إذ يصير التقدير : ولو البحر ، وهو لا يجوز إلا في الضرورة ولكن يجوز في المعطوف عليه نحو : ربّ رجل وأخيه (فرجل) محله الرفع على الابتداء.

انظر : البحر المحيط ٧ / ١٩١.

(٣) التبيان ١٠٤٥.

(٤) الكشاف ٣ / ٢٣٦ قال : «فإن قلت : زعمت أن قوله والبحر يمده حال في أحد وجهي الرفع وليس فيه ضمير راجع إلى ذي الحال قلت هو كقوله : وقد أغتدي والطّير في وكناتها. وجئت والجيش مصطف ، وما أشبه ذلك من الأحوال التي حكمها حكم الظروف».

(٥) البيت من الطويل وهو لامرىء القيس من معلقته المشهورة وهنا صدره وعجزه :

 .............

بمنجرد قيد الأوابد هيكل

(٦) البحر المحيط ٧ / ١٩٠.

(٧) المرجع السابق.

(٨) البيت من الطويل وقائله العوام بن شوزب وفي حاشية الأمير على المغني لجرير ، أو العوام الشيباني ، والضمير في «أنها» تعود على الأسودة التي ترى من بعد ، والمسومة ، المعلمة من الخيل ، و «عبيد» ، وأزنم «قبيلتان». والشاهد فيه قوله : «عصفورة» حيث وقع خيرا لأن وهو اسم جامد وهو خبر لأن ـ

٤٥٩

وقال :

٤٠٥٦ ـ ما أطيب العيش لو أنّ الفتى حجر

تنبو الحوادث عنه وهو ملموم (١)

وقال :

٤٠٥٧ ـ ولو أنّ حيّا فائت الموت فإنّه

أخو الحرب فوق القارح العدوان (٢)

قال : وهو كثير في كلامهم (٣) ، قال شهاب الدين (٤) : وقد تقدم أن هذه الآية ونحوها يبطل ظاهر قول المتقدمين في «لو» أنها حرف امتناع لامتناع إذ يلزم محذور عظيم وهو أن ما بعدها إذا كان مثبتا (٥) لفظا فهو مثبت معنى وبالعكس ، وقوله : ما نفدت منفي لفظا فلو كان مثبتا معنى فسد (٦) المعنى ، فعليك بالالتفات إلى أول البقرة (٧). وقرأ عبد الله (٨) : «وبحر» (٩) بالتنكير وفيه وجهان معروفان (١٠) ، وسوغ الابتداء بالنكرة وقوعها بعد واو الحال وهو معدود من مسوغات الابتداء بالنكرة ، وأنشدوا :

٤٠٥٨ ـ سرينا ونجم قد أضاء فمذ بدا

محيّاك أخفى ضوؤه كلّ شارق (١١)

__________________

ـ الواقعة بعد «لو». وهذا رد من أبي حيان على الزمخشري انظر : البحر المحيط ٧ / ١٩١ وحاشية الأمير على المغني ١ / ٢١٤ ، والأشموني ٤ / ٤١ والمعاني الكبير لابن قتيبة ٩٢٧ والحيوان ٥ / ٢٤٠ و ٦ / ٤٣٠ والمغني ٢٧٠ والجنى الداني للمرادي ٢٨١ وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة ٤٦٨ وتأويل مشكل القرآن له (٦) ، واللسان : «ز ن م» ، والدر المصون ٤ / ٣٤٧. أقول : وقد بنى الزمخشري رأيه السابق على معنى الشرط في «لو».

(١) البيت من بحر البسيط ، وقد نسب في المغني بحاشية الأمير لتميم بن مقبل ، وقوله : «تنبو الحوادث» تبتعد عنه مصائب الدهر ومشكلاته والشاعر يريد ويتمنى أن يكون الإنسان كالحجر لا يحسّ بمشاكل حوله ، والشاهد فيه كسابقه حيث وقع خبر «أنّ» اسما جامدا وهو قوله : «حجر» وأن هذه هي الواقعة بعد «لو» وقد روي البيت بالرواية العليا وما أطيب رواية أخرى انظر : ديوان تميم بن مقبل ٣٧٣ ، والبحر المحيط ٧ / ١٩١ ، والأشموني ٤ / ٤١ ، وابن يعيش ١ / ٨٧.

(٢) من الطويل وهو لصخر بن عمرو السّلميّ ، والقارح : الفرس الذي تمت أسنانه وذلك في الخامسة من عمره ، وأخو الحرب المراد به صاحب الحرب ، والعدوان : شديد العدو والشاعر يخبر أن كل فرد سيلقى ما قدر له ولا يهرب من مصيره هذا والشاهد فيه كسابقيه في : «فائت الموت» حيث وقع اسم فاعل خبر «أن» الواقعة بعد «لو».

انظر : الأصمعيات ١٤٧ والبحر المحيط ٧ / ١٩١ ، واللّسان (عدا) ٢٨٥٤ ، وابن الناظم ٢٧٨.

(٣) انظر : البحر المحيط لأبي حيان ١٩٠ و ١٩١.

(٤) الدر المصون ٤ / ٣٤٨.

(٥) الأصح كما في «ب» والدر المصون : (منفيّا).

(٦) في «ب» : لفسد بزيادة لام.

(٧) المرجع السابق.

(٨) يقصد به عبد الله بن مسعود وقد عرفت به.

(٩) قراءة شاذة غير متواترة ذكرها ابن جني في المحتسب ٢ / ١٦٩ وقرأ بها أيضا ابن مصرف وانظر : البحر المحيط ٧ / ١٩١.

(١٠) يقصد الوجهين السابقين في كلمة «البحر» المعرفة نفسها وهما وجها الرفع حيث يجوز في «بحر» العطف على محل أنّ واسمها ، أو الابتداء وما بعده خبر وهو «يمده».

(١١) البيت من الطويل وهو مجهول قائله والشاهد فيه : «ونجم قد أضاء» حيث سوّغ الابتداء بالنكرة ووجه ـ

٤٦٠