اللّباب في علوم الكتاب - ج ١٥

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي

اللّباب في علوم الكتاب - ج ١٥

المؤلف:

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي


المحقق: عادل أحمد عبد الموجود و علي محمّد معوّض
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-2298-3

الصفحات: ٦١٥

ولم يبين وقال في المؤمن : (فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ) تحقيقا لكمال الرحمة ، فإنه عند الخير بيّن بشارة وعند غيره أشار إليه إشارة (١).

قوله تعالى : (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ (٤٥) وَمِنْ آياتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّياحَ مُبَشِّراتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٤٦) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلاً إِلى قَوْمِهِمْ فَجاؤُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَانْتَقَمْنا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ)(٤٧)

قوله : «ليجزي» في متعلّقة أوجه :

أحدها : «يمهدون».

والثاني : «يصّدّعون».

والثالث : محذوف (٢). (و) قال ابن عطية : تقديره (٣) : «ذلك ليجزي» وتكون الإشارة إلى (ما تقدر من (٤)) قوله : «من كفر ومن عمل».

هذا قوله وجعل أبو حيان قسيم قوله : (الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا) محذوفا لدلالة قوله (إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ) عليه (٥) هذا إذا علقت اللام ب «يصّدّعون» أو بذلك المحذوف ، قال : تقديره «ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات من فضله والكافرين بعدله» (٦).

فصل

قال ابن عباس : «ليجزي الذين آمنوا وعملوا ليثيبهم الله أكثر من ثواب أعمالهم».

قوله : (وَمِنْ آياتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّياحَ مُبَشِّراتٍ) لما ذكر ظهور الفساد والهلاك بسبب الشرك ذكر ظهور الصلاح ولم يذكر أنه سبب العمل الصالح لأن الكريم لا يذكر لإحسانه عوضا ويذكر لإضراره سببا لئلا يتوهم (به) (٧) الظلم فقال : (يُرْسِلَ الرِّياحَ مُبَشِّراتٍ) قيل : بالمطر (٨) كما قال تعالى : (بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ) [النمل : ٦٣] ، أي قبل الفطرة (٩) ، وقيل مبشرات بصلاح الأهوية والأحوال ؛ فإن الرياح لو لم تهبّ لظهر الوباء والفساد (١٠) وقرأ العامة : «الرياح» جمعا لأجل «مبشرات» ، والأعمش بالإفراد ، وأراد الجنس لأجل (١١) «مبشرات».

__________________

(١) انظر : التفسير الكبير للإمام الفخر الرازي ٢٥ / ١٢٩ و ١٣٠.

(٢) انظر : الكشاف ٣ / ٢٢٥ والبحر المحيط ٧ / ١٧٧ والدر المصون ٤ / ٣٣٠.

(٣) نقله عنه أبو حيان في البحر المحيط ٧ / ١٧٧.

(٤) ساقط من «ب» ولكنه في البحر و «أ» بالطبع.

(٥) انظر : البحر المحيط ٧ / ١٧٧.

(٦) المرجع السابق.

(٧) ساقط من «ب».

(٨) انظر : القرطبي ١٤ / ٤٣.

(٩) في تفسير الفخر الرازي المطر بدل القطرة.

(١٠) نقله في التفسير الكبير للفخر الرازي ٢٥ / ١٣٠ و ١٣١.

(١١) الإتحاف ٣٤٨ والبحر ٧ / ١٧٨.

٤٢١

قوله : (وَلِيُذِيقَكُمْ) إما عطف على معنى مبشرات لأن الحال والصفة يفهمان العلة فكان التقدير : «ليبشّر وليذيقكم» (١) وإما أن يتعلق بمحذوف أي وليذيقكم أرسلها ، وإما أن يكون الواو مزيدة على رأي فتتعلق اللام بأن يرسل (٢).

قوله : (وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ) (نعمته) (٣) بالمطر أو الخصب (وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ) لما أسند الفعل إلى الفلك عقبه بقوله «بأمره» أي الفعل ظاهر عليه ولكنه بأمر الله ، والمعنى في ولتجري الفلك في البحر بهذه الرياح بأمره وكذلك لما قال : «ولتبتعوا» مسندا إلى العباد ذكر بعده «من (فضله)» (٤).

أي لا استقلال لغيره بشيء ، والمعنى لتطلبوا من رزقه بالتجارة في البحر (وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) هذه النعم.

فصل (٥)

قال تعالى : (ظَهَرَ الْفَسادُ ـ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا) (وقال ههنا(٦) : (وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ) فخاطبهم ههنا تشريفا ، ولأن رحمته قريب من المحسنين والمحسنين قريب فيخاطب والمسمّى مبعد فلم يخاطب وقال هناك : (بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا)) فأضاف ما أصابهم إلى أنفسهم ، وأضاف ما أصاب المؤمن إلى رحمته فقال : (مِنْ رَحْمَتِهِ) ؛ لأن الكريم لا يذكر لرحمته وإحسانه عوضا فلا يقول أعطيتك لأنك فعلت كذا بل يقول هذا لك مني ، وأما ما فعلت من الحسنة فجزاؤه بعد عندي ، وأيضا فلو قال : أرسلت بسبب فعلكم لا يكون بشارة عظيمة ، وأما إذا قال من رحمته كان (٧) غاية البشارة وأيضا فلو قال : بما فعلتم لكان ذلك موهما (٨) لنقصان ثوابهم في الآخرة ، وأما في حق الكفار فإذا قال بما فعلتم إنما عن (٩) نقصان عقابهم وهو كذلك وقال (١٠) هناك : (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) وقال ههنا : ولعلكم تشكرون ، قالوا وإشارة إلى توفيقهم للشكر في النعم فعطف على النعم.

(قوله (١١) : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلاً إِلى قَوْمِهِمْ فَجاؤُهُمْ بِالْبَيِّناتِ) لما بين الأصلين) بالبراهين ذكر الأصل الثالث وهو (١٢) النبوة فقال : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ

__________________

(١) وهو ما يسمى بالعطف على التوهم البحر ٧ / ٧٨ والدر ٤ / ٢٣١.

(٢) المراجع السابقة.

(٣) ساقط من «ب».

(٤) ساقط من «ب».

(٥) في «ب» فإن قيل بدلا من «فصل».

(٦) ما بين القوسين كله ساقط من «ب».

(٧) في «ب» كانت رحمته غاية البشارة.

(٨) في «ب» توهما.

(٩) في «ب» بناء على.

(١٠) في «ب» فقال.

(١١) ما بين القوسين كله ساقط من «ب».

(١٢) وانظر في هذا الفخر الرازي ٢٥ / ١٣١.

٤٢٢

رُسُلاً) أي إرسالهم دليل رسالتك فإنهم لم يكن لهم شغل غير شغلك ولم يظهر عليهم غير ما أظهر (١) عليك ، ومن آمن بهم كان له (الانتصار) (٢) ومن كذّبهم أصابهم البوار ، وفي تعلق الآية وجه (٣) آخر وهو أن الله لما بين بالبراهين ولم ينتفع بها الكفار سلّى قلب النبي عليه (الصلاة (٤) و) السلام وقال : حالك كحال من تقدمك كان كذلك وجاءوا بالبينات أيضا : أي بالدلائل والدّلالات الواضحات على صدقهم وكان في قومهم كافر ومؤمن كما في قومك (فَانْتَقَمْنا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا) عذبنا الذين كذبوهم ونصرنا المؤمنين.

[قوله :](٥) وكان حقّا ، وقف بعضهم على «حقا» وابتدأ بما بعده فجعل اسم «كان» مضمرا فيها و «حقا» خبرها ، أي وكان الانتقام حقّا ، قال ابن عطية : وهذا ضعيف (٦) لأنه لم (يدر (٧)) قدر ما عرضه في نظم الآية يعني الوقف (٨) على «حقا» ؛ وجعل بعضهم «حقا» منصوبا على المصدر واسم كان ضمير (الأمر (٩) والشأن) و «علينا» خبر مقدم ، و «نصر» اسم مؤخر ، وجعل (١٠) بعضهم «حقا» خبرها و «علينا» متعلق «بحقا» ، أو بمحذوف صفة له (١١) ، فعلى الأول يكون بشارة للمؤمنين الذين آمنوا بمحمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أي علينا نصركم أيّها المؤمنون ونصرهم إنجاؤهم من العذاب ، وعلى الثاني معناه وكان حقا علينا ؛ أي نصر المؤمنين كان حقا علينا.

قوله تعالى : (اللهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَيَبْسُطُهُ فِي السَّماءِ كَيْفَ يَشاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ فَإِذا أَصابَ بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (٤٨) وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ (٤٩) فَانْظُرْ إِلى آثارِ رَحْمَتِ اللهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ ذلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتى وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)(٥٠)

قوله : (اللهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً) أي تنشره وتبسطه في السّماء كيف يشاء سيره يوما أو يومين وأكثر على ما يشاء و (يَجْعَلُهُ كِسَفاً) قطعا متفرقة ، (فَتَرَى الْوَدْقَ) المطر (يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ) وسطه (فَإِذا أَصابَ بِهِ) بالودق (مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ) أي يفرحون بالمطر.

قوله : (وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ) أي وقد كانوا من قبل أن ينزل عليهم.

__________________

(١) في «ب» ظهر بثلاثية الفعل.

(٢) تصحيح من الفخر الرازي ففي النسختين «الأنصار».

(٣) انظر : تفسير الفخر الرازي ٢٥ / ١٣٢.

(٤) زيادة من «ب».

(٥) زيادة من «ب».

(٦) انظر : البحر المحيط ٧ / ١٧٨.

(٧) زيادة من «أ».

(٨) التبيان ١٠٤١.

(٩) ساقط من «ب».

(١٠) في البحر ٧ / ١٧٨ والصحيح أن «نصر» اسمها و «حقا» خبرها وعلينا متعلقة «بحقّا».

(١١) البحر المحيط ٧ / ١٧٨ ، والدر المصون ٤ / ٣٣١.

٤٢٣

وقيل : وما كانوا (إلا (١)) «مبلسين» أي آيسين (٢).

قوله : (مِنْ قَبْلِهِ) فيه وجهان :

أحدهما : أنه تكري ر «لمن قبل» الأولى على سبيل التوكيد (٣).

والثاني : أن يكون غير مكرّر (٤) ؛ وذلك (أَنْ يَجْعَلَ)(٥) الضمير في «قبله» للسّحاب ، وجاز ذلك لأنه اسم جنس يجوز تذكيره وتأنيثه ، أو للريح (٦) فتتعلق («من» الثانية (٧)) بينزّل. وقيل: يجوز عود الضمير على «كسفا» كذا أطلق أبو البقاء (٨) ، وأبو حيان (٩) ، وهذه بقراءة من سكّن السّين (١٠).

وقد تقدمت قراءات «كسفا» في «سبحان» (١١). وقد أبدى الزمخشريّ وابن عطيّة (فائدة التوكيد (١٢) المذكور فقال ابن عطية) أفاد (١٣) الإعلام بسرعة تقلب (١٤) قلوب البشر من الإبلاس إلى الاستبشار ، وذلك أن قوله : (مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ) يحتمل الفسحة في الزمان أي من قبل أن ينزل بكثير كالأيام ونحوه ، فجاء قوله : (مِنْ قَبْلِهِ) (بمعنى (١٥)) أن ذلك متصل بالمطر ، فهذا تأكيد مفيد. وقال الزمخشري (١٦) : ومعنى التأكيد فيه الدلالة على أنّ عهدهم بالمطر قد نفد (١٧) فاستحكم بأسهم وتمادى إبلاسهم ، فكان استبشارهم على قدر اغتمامهم (١٨) بذلك ، وهو كلام حسن ، إلّا أنّ أبا حيّان لم يرتضه منهما فقال : ما ذكراه من فائدة التأكيد غير ظاهر فإنما هو (١٩) لمجرد التوكيد ويفيد رفع المجاز انتهى.

قال شهاب الدين ولا أدري عدم الظّهور لماذا (٢٠).

__________________

(١) ساقط من «ب».

(٢) انظر : غريب القرآن ٣٤٢ واللسان : «أي س» والقرطبي ١٤ / ٤٤.

(٣) نقله الكشاف ٣ / ٢٢٦٥ والأخفش في معانيه ٢ / ٦٥٨ والقرطبي ١٤ / ٤٤ والمحكم «قبل».

(٤) البحر المحيط ٧ / ١٧٨ وقد رجح ذلك أبو حيان.

(٥) ساقط من «ب».

(٦) في «ب» أو الريح.

(٧) ساقط من «ب».

(٨) التبيان ١٠٤٢.

(٩) البحر المحيط ٧ / ١٧٨.

(١٠) من «كسفا».

(١١) وهي قول الله تعالى : «أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً»، وهي الآية ٩٢ من الإسراء. وقد قرأ بإسكان السين على الإفراد أبو جعفر ، وابن ذكوان ، وهشام ، وقرأ بفتح السين جمعا ابن كثير ونافع وأبو عمرو ، وروى حفص عن عاصم أنه فتح السين في كل القرآن إلا الطور (٤٤).

انظر : اللباب ٦ / ١١٣ بتصرف والإتحاف ٣٤٨ والسبعة ٣٥٨ والبحر المحيط ٦ / ٧٩.

(١٢) ما بين القوسين ساقط من «ب».

(١٣) المحرر الوجيز لابن عطية ، والبحر المحيط ٧ / ١٧٨ و ١٧٩.

(١٤) في «ب» تقليب.

(١٥) ساقط من «ب».

(١٦) الكشاف ٣ / ٢٢٦.

(١٧) في الكشاف بعد.

(١٨) في «ب» اهتمامهم.

(١٩) في «ب» وإنما هو.

(٢٠) انظر : الدر المصون ٤ / ٣٣٢.

٤٢٤

قال قطرب : وإن كانوا من قبل التّنزيل من قبل المطر (١) ، وقيل التقدير (٢) من قبل إنزال المطر من قبل أن يزرعوا ، ودل المطر على الزرع لأنه يخرج بسبب المطر ودل على ذلك قوله : (فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا) يعني الزرع قال أبو حيّان : وهذا لا يستقيم (٣) ؛ (لأن (٤)) (مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ) متعلق «بمبلسين» ، (ولا (٥) يمكن من قبل الزرع أن يتعلق «بمبلسين») ؛ لأن حرفي جرّ لا يتعلقان بعامل واحد إلا بوساطة حرف العطف (أ) والبدل ، وليس هنا عطف والبدل لا يجوز إذ إنزال الغيث ليس هو الزرع ولا الزرع بعضه ، وقد يتخيل فيه بدل الاشتمال بتكلف إما لاشتمال (الإنزال (٦)) على الزرع بمعنى أن الزرع يكون ناشئا عن الإنزال فكأن الإنزال مشتمل عليه ، وهذا على مذهب من يقول الأول مشتمل على الثاني. وقال المبرد (٧) الثاني السّحاب ؛ لأنهم لما رأوا السّحاب كانوا راجين المطر انتهى (٨) يريد من قبل رؤية السحاب ويحتاج أيضا إلى حرف عطف ليصح تعلق الحرفين بمبلسين (٩). (وقال الرّمانيّ (١٠) من قبل الإرسال (١١)) ، وقال الكرمانيّ (١٢) : من قبل الاستبشار (١٣) ؛ لأنه قرنه بالإبلاس ، ولأنه (منّ (١٤)) عليهم بالاستبشار ويحتاج قولهما إلى حرف العطف لما تقدم. وادعاء حرف العطف ليس بالسهل فإن فيه خلافا بعضهم يقيسه ، وبعضهم لا يقيسه ، هذا كله في المفردات ، أما إذا كان في الجمل فلا خلاف في اقتياسه (١٥).

وفي حرف عبد الله بن مسعود : وإن كانوا من قبل أن ينزل عليهم لمبلسين (١٦) غير مكرر.

قوله : (فَانْظُرْ إِلى آثارِ)(١٧) قرأ ابن عامر والأخوان وحفص بالجمع والباقون

__________________

(١) انظر : القرطبي ١٤ / ٤٤ ، والبحر المحيط ٧ / ١٧٨ ، ١٧٩.

(٢) المرجعان السابقان.

(٣) البحر المحيط ٧ / ١٧٩.

(٤) ساقط من ب.

(٥) ساقط من ب.

(٦) ساقط من ب.

(٧) المبرد هو أبو العباس محمّد بن يزيد الأزديّ الثّماليّ ، أخذ النحو عن الجرميّ ، والمازنيّ وغيرهما وكان على المازني يعوّل. مات سنة ٢٨٥ ه‍. انظر : أخبار النحويين البصريين ٧٢.

(٨) نقله في البحر المحيط ٧ / ١٧٩ وتبعه أبو جعفر النحاس في إعراب القرآن ٣ / ٢٧٧.

(٩) البحر المحيط ٧ / ١٧٩.

(١٠) علي بن عيسى أبو الحسن كان إماما في العربية ، علّامة في الأدب أخذ عن الزّجاج وابن السّراج ، وابن دريد من مصنفاته التفسير ، الحدود الأكبر ، الأصغر ، مات سنة ٣٨٤ ه‍.

انظر : بغية الوعاة ٢ / ١٨٠ وانظر رأيه في البحر ٧ / ١٧٩.

(١١) ما بين القوسين ساقط من «ب».

(١٢) تقدم.

(١٣) نقله في البحر المحيط ٧ / ١٧٩ أيضا.

(١٤) ساقط من «ب».

(١٥) كل هذه الكلمات نقلها الشارح من البحر لأبي حيان ٧ / ١٧٩.

(١٦) لم أعثر على هذه القراءة في الكتب المتواترة أو الشاذة.

(١٧) السبعة ٥٠٨ ومعاني الفراء ٢ / ٣٢٦ والكشف ٢ / ١٨٥ والإتحاف ٣٤٨ و ٣٤٩.

٤٢٥

بالإفراد ، (وسلّام) (١) بكسر الهمزة ، وسكون الثاء وهي لغة فيه. وقرأ العامة «كيف يحيي» بياء الغيبة ، أي أثر الرحمة فيمن قرأ بالإفراد ، ومن قرأ بالجمع فالفعل مسند لله تعالى وهو يحتمل في الإفراد والجحدريّ وأبو حيوة (٢) وابن السّميقع (٣) «تحيي» بتاء (٤) التأنيث وفيها تخريجان أظهرهما : أن الفاعل عائد على الرحمة. والثاني : قاله أبو الفضل (٥) عائد على «أثر» (٦) وأنث «أثر» لاكتسابه بالإضافة التأنيث كنظائر (له) (٧) تقدمت ، وردّ عليه بأن شرط ذلك كون المضاف (بمعنى المضاف (٨)) إليه أو من سببه لا أجنبيا (٩) ، وهذا أجنبي و (كَيْفَ يُحْيِ) معلق «لانظر» وهو في محل (١٠) نصب على إسقاط الخافض. وقال أبو الفتح (١١) : الجملة من (كَيْفَ يُحْيِ) في موضع نصب على الحال حملا على المعنى انتهى (١٢). وكيف تقع جملة الطلب (١٣) حالا؟ وأراد برحمة الله هنا المطر أي انظر إلى حسن تأثيره في الأرض كيف يحيي الأرض بعد موتها؟!.

قوله : (إِنَّ ذلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتى) أي إن ذلك الذي يحيي الأرض لمحيي الموتى ، فأتى باللام المؤكدة لاسم الفاعل.

__________________

(١) سقطت من «ب» وهو : سلام بن سليمان الطويل أبو المنذر المزني مولاهم البصري ثقة جليل ومقرىء كبير ، أخذ عن عاصم وأبي عمرو ، والجحدريّ وعنه الحضرميّ ، وهارون بن موسى ، مات سنة ١٧١ ه‍. انظر : طبقات القراء ١ / ٣٠٩.

(٢) في «ب» أبو حيان وهو تحريف وقد تقدمت ترجمة أبي حيوة.

(٣) ابن السميقع : محمد بن عبد الرحمن أبو عبد الله اليماني له اختيار في القراءة ينسب إليه شذ فيه قرأ على أبي حيوة وطاوس عن ابن عباس وهو أحد رجال نافع قرأ عليهم وأخذ عنهم.

انظر : غاية النهاية ٢ / ١٦٢.

(٤) انظر : المحتسب لابن جني ٢ / ١٦٥. وهي من الشواذ غير المتواترة والبحر ٧ / ١٧٩ الذي أورد قراءة جديدة إلى زيد بن علي «نحيي» بنون التعظيم.

(٥) أبو الفضل هو عبد الرحمن بن أحمد بن الحسن بندار أبو الفضل الرازي العجلي الإمام المقرىء شيخ الإسلام الثقة الورع الكامل مؤلف كتاب جامع الوقوف وغيره قرأ على أبي داود الداراني وأبي الحسن الحمّادي وغيرهما وروى عنه القراءات محمد بن إبراهيم المزكي ومنصور بن محمد شيخ أبي العلاء مات سنة ٧٣٥ ه‍ انظر : طبقات القراء ١ / ٣٦٣.

(٦) البحر ٧ / ١٧٩.

(٧) سقطت من «ب».

(٨) ساقط من «ب».

(٩) البحر ٧ / ١٧٩.

(١٠) الدر المصون للسمين ٤ / ٣٣٤.

(١١) أبو الفتح : عثمان بن جني كان من أحذق أهل الأدب وأعلمهم بعلم النحو والتصريف صنف في النحو والتصريف كتبا أبدع فيها كالخصائص والمنصف ، وسر الصناعة وغيرها مات سنة ٣٩٢ ه‍ ، نزهة الألباء ٢٢٠ ـ ٢٢٢.

(١٢) المحتسب له ٢ / ١٦٥ مع تصرف بسيط في العبارة.

(١٣) أي أن شرط وقوع الخبر والحال جملة أن تكون تلك الجملة خبرية إلا أن الطلب إذا قصد معناه على الخبرية جاز وكلام أبي الفتح على ذلك جائز والمراد : محييا أو محيية فالمراد أنه واقع في الحال ، والحال خبر.

٤٢٦

قوله تعالى : (وَلَئِنْ أَرْسَلْنا رِيحاً فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ (٥١) فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (٥٢) وَما أَنْتَ بِهادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلاَّ مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا فَهُمْ مُسْلِمُونَ (٥٣) اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ)(٥٤)

قوله : (وَلَئِنْ أَرْسَلْنا رِيحاً فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا) لما بين أنهم عند توقف الخير يكونون منيبين آيسين ، وعند ظهوره يكونون مستبشرين بين أن تلك الحالة أيضا لا يدومون عليها بل لو أصاب زرعهم ريح مفسد لكفروا فهم متقلبون غير تامّين نظرهم إلى الحالة (١) لا إلى المآل (٢).

فصل

سمى النافعة رياحا ، والضارة ريحا لوجوه :

أحدها : أن النافعة كثيرة الأنواع كبيرة الأفراد ، فجمعها لأن في كل يوم وليلة (تهبّ (٣)) نفحات من الرياح النافعة ، (و (٤)) لا تهب الريح (٥) الضارة في أعوام بل الضارة لا تهب في الدهور.

الثاني : أن النافعة لا تكون إلا رياحا وأما الضارة فنفحة واحدة تقتل كريح السّموم.

الثالث : جاء في الحديث أن ريحا هبّت فقال عليه (الصلاة و (٦)) السلام : «اللهم اجعلها رياحا ولا تجعلها ريحا» (٧). إشارة إلى قوله تعالى : (يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ) [الأعراف : ٥٧] وقوله : (يُرْسِلَ الرِّياحَ مُبَشِّراتٍ) [الروم : ٤٦] وإشارة إلى قوله تعالى : ف (أَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ) [الذاريات : ٤١] وقوله : (رِيحاً صَرْصَراً تَنْزِعُ النَّاسَ) [القمر : ١٩ ، ٢٠].

فصل

معنى الآية ولئن أرسلنا ريحا أي مضرّة أفسدت الزرع فرأوه مصفرا بعد الخضرة لظلّوا لصاروا من بعد اصفرار الزرع يكفرون يجحدون ما سلف من النعمة يعني أنهم يفرحون عند الخصب ، ولو أرسلت عذابا على زرعهم (جحدوا (٨)) سالف نعمتي.

قوله : «فرأوه» أي فرأوا النبات لدلالة السياق عليه أو على الأثر ، لأن الرحمة هي

__________________

(١) في «ب» الحال ـ وهو الأصح.

(٢) انظر : التفسير الكبير للفخر الرازي ٢٥ / ١٣٤.

(٣) ساقط من «ب».

(٤) ساقط من «ب».

(٥) في «ب» الرياح.

(٦) زيادة من «ب».

(٧) الحديث أورده ابن الأثير في النهاية في غريب الحديث والأثر ٢ / ٢٧٢.

(٨) ساقط من «ب».

٤٢٧

الغيث وأثرها هو النبات وهذا ظاهر على قراءة الإفراد ، وأما على قراءة الجمع فيعود على المعنى. وقيل : الضمير للسّحاب. وقيل : للريح (١). وقرأ (جناح (٢)) بن حبيش مصفارا (٣) بألف و «لظلوا» جواب القسم الموطأ له «بلئن» وهو ماض لفظا مستقبل (٤) معنى ، كقوله : (ما تَبِعُوا قِبْلَتَكَ) [البقرة : ١٤٥] والضمير في «من بعده» يعود على الاصفرار المدلول عليه بالصفة كقوله :

٤٠٤٥ ـ إذا نهي السّفيه جرى إليه

 ............. (٥)

أي السّفه ، لدلالة السفيه عليه.

قوله (تعالى (٦) :) «إنك (لا تُسْمِعُ الْمَوْتى) لما علم رسوله وجوه الأدلة ووعد وأوعد ولم يزدهم دعاؤه إلا فرارا وكفرا وإصرارا (٧) ، قال : «إنك (لا تُسْمِعُ الْمَوْتى) وقد تقدم الكلام على نحو (فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ) إلى آخره في الأنبياء ، وفي النمل (٨). واعلم أن إرشاد الميّت محال والمحال أبعد من الممكن ثم إرشاد الأصمّ صعب فإنه لا يسمع الكلام وإنما يفهم بالإشارة والإفهام بالإشارة صعب ثم إرشاد الأعمى أيضا صعب وإنك إذا قلت له الطريق على يمينك يدور إلى يمينه لكنه لا يبقى عليه بل يحيد عن قرب ، وإرشاد الأصمّ أصعب ولهذا تكون المعاشرة مع الأعمى أسهل من المعاشرة مع الأصم الذي لا يسمع لأن غايته الإفهام بالكلام وليس كلّ ما يفهم بالكلام يفهم بالإشارة ، فإن المعدوم والغائب لا إشارة إليه فقال : «إنك (لا تُسْمِعُ الْمَوْتى) (ثم قال (٩) : ولا الصمّ ولا تهدي العمي) وقال في الأصم : (إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ) ؛ ليكون أدخل في الامتناع لأن الأصمّ وإن كان يفهم فإنما يفهم بالإشارة ، (فإذا ولّى (١٠) لا يكون نظره إلى المشير فامتنع إفهامه بالإشارة أيضا) ثم قال : (وَما أَنْتَ بِهادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا) لما نفى

__________________

(١) انظر هذه الأقوال في القرطبي ١٤ / ٤٥.

(٢) ساقط من «ب».

(٣) انظر : مختصر ابن خالويه ١١٦ وهي شاذة غير متواترة.

(٤) الدر المصون ٤ / ٣٣٤.

(٥) هذا صدر بيت من الوافر وهو مجهول قائله عجزه :

 ..........

وخالف السّفيه إلى خلاف

وقوله : «إذا نهي» متعلقه عام أي عن أي شيء وخالف السفيه ناهيه أو زاجره هذا على تقدير المفعول ، وجملة «والسفيه إلى خلاف» تذييل أي أن المخالفة والميل إلى مخالفة الناصح شأن واستشهد بالبيت في كلمة «إليه» حيث عاد الضمير الذي في تلك الكلمة إلى المصدر المفهوم المدلول عليه بالوصف السابق في كلمة «السفيه» ، والمصدر المفهوم هو السّفه ، وانظر : معاني القرآن للفراء ١ / ١٠٤ ومجالس ثعلب ٦٠ والمحتسب ١ / ١٧٠ ، والإنصاف ١٤٠ ، والهمع ١ / ٦٥ والخزانة ٣ / ٢٢٦ و ٢٢٧.

(٦) زيادة من «ب».

(٧) في «ب» وإضرار بالضاد.

(٨) يشير إلى قوله تعالى من سورة الأنبياء : «وَلا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعاءَ إِذا ما يُنْذَرُونَ» الآية ٤٥ والآية «٨٠» من النمل.

(٩) سقط من «ب».

(١٠) سقط من «ب».

٤٢٨

استماع الميت والأصم وأثبت إسماع المؤمن بآياته لزم أن يكون المؤمن حيّا سميعا وهو كذلك لأن المؤمن ينظر في البراهين ويسمع زواجر الوعظ فتظهر منه الأفعال الحسنة ويفعل ما يجب عليه فهم مسلمون مطيعون كما قال تعالى (عنهم) (١) : (سَمِعْنا وَأَطَعْنا) [البقرة : ٢٨٥].

قوله : (اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ) لما أعاد دليل الآفاق بقوله : (اللهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ) أعاد دليلا من دلائل الأنفس أيضا وهو خلق الآدمي وذكر أحواله فقال : (خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ) أي (بأذى (٢) ضعف) كقوله : (أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ) [المرسلات : ٢٠] ، وقرىء : «ضعف» بضم الضاد ، وفتحها (٣) ، فالضم لغة قريش ، والفتح لغة تميم ، (مِنْ ضَعْفٍ) أي من نطفة. وتقدم الكلام في القراءتين والفرق بينهما في الأنفال (٤) ، (ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً) (أي (٥)) من بعد ضعف الطفولية شبابا وهو وقت القوة (ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً) هرما (وَشَيْبَةً) والشيبة هي تمام الضعف (يَخْلُقُ ما يَشاءُ).

(فإن قيل (٦) : ما الحكمة في قوله ههنا : (وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ)) فقدم العلم على القدرة ، وقوله من قبل : (وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) والعزة إشارة إلى كمال القدرة ، والحكمة إشارة إلى كمال العلم ، فقدم القدرة هناك على العلم؟!.

فالجواب أن المذكور هناك الإعادة (وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) لأن الإعادة بقوله : (كُنْ فَيَكُونُ) فالقدرة هناك أظهر وههنا المذكور الإبداء وهو أطوار وأحوال والعلم بكل حال حاصل فالعلم ههنا أظهر ثم إن قوله تعالى : (وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ) فيه تبشير وإنذار ؛ لأنه إذا كان عالما بأحوال الخلق يكون عالما بأحوال المخلوق فإن عملوا خيرا علمه (٧) ثم إذا كان قادرا فإذا علم الخير أثاب ، وإذا علم الشر عاقب ، ولما كان العلم بالأحوال قبل الإثابة والعقاب اللّذين هما بالقدرة (والعلم (٨)) قدم العلم ، وأما الآية الأخرى فالعلم بتلك الأحوال قبل العقاب فقال : (وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

__________________

(١) سقط من «ب».

(٢) سقط من «ب».

(٣) وهي قراءة الجحدري انظر : القرطبي ١٤ / ٤٦ والبحر المحيط ٧ / ١٨٠ بنسبة هذه القراءة إلى الجمهور «ضعف» بضم الضاد وبالفتح إلى عاصم وحمزة.

(٤) وهي الآية ٦٦ «أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً» فعاصم وحمزة وخلف بفتح الضاد وافقهم الأعمش بخلفه ، والباقون بضمها وكلاهما مصدر ، وقيل : الفتح في العقل والرأي ، والضم في البدن ، وقرأ أبو جعفر بفتح العين والمد والهمزة مفتوحة بلا تنوين جمعا على فعلاء كظريف وظرفاء ، ولا يصح ـ كما روى عن الهاشمي ـ من ضم الهمزة وقد وافق الهاشمي المطوعي والباقون بإسكان العين والتنوين بلا مطّ ولا همز.

انظر : اللباب بتصرف ٤ / ١٥٧.

(٥) ساقط من «ب».

(٦) ساقط من «ب» بأكمله.

(٧) في تفسير الفخ ر «وإن عملوا شرا علمه» انظر : تفسير الفخر ٢٥ / ١٣٦.

(٨) زيادة على ما في تفسير الفخر الرازي ٢٥ / ١٢٦.

٤٢٩

قوله تعالى : (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ ما لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ كَذلِكَ كانُوا يُؤْفَكُونَ (٥٥) وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللهِ إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهذا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (٥٦) فَيَوْمَئِذٍ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (٥٧) وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ مُبْطِلُونَ)(٥٨)

قوله : (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ) يحلف المشركون (ما لَبِثُوا) في الدنيا (غَيْرَ ساعَةٍ) أي إلا ساعة ، لما ذكر الإعادة والإبداء (١) ذكره بذكر أحوالها ووقتها.

قوله : (ما لَبِثُوا) جواب قوله (يُقْسِمُ) وهو على المعنى ؛ إذ لو حكى قولهم بعينه لقيل : ما لبثنا ، والمعنى أنهم استقلوا أجل الدنيا لما عاينوا الآخرة (٢). وقال مقاتل والكلبي : ما لبثوا (٣) في قبورهم غير ساعة كما قال : (كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَها) [النازعات : ٤٦] وقوله : (يَرَوْنَ ما يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ) [الأحقاف : ٣٥].

قوله : «كذلك» أي مثل ذلك الإفك (كانُوا يُؤْفَكُونَ) أي يصرفون عن الحق في الدنيا (٤) ، وقال الكلبي ومقاتل كذبوا في (قبورهم) (٥) قولهم غير ساعة كما كذبوا في الدنيا أن لا بعث ، والمعنى (٦) أن الله تعالى أراد أن يفضحهم (٧) فحلفوا على شيء (يتبين (٨)) لأهل الجمع أنهم كاذبون (٩) ، ثم ذكر إنكار المؤمنين عليهم فقال : (وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللهِ) أي فيما كتب الله لكم في سابق (١٠) علمه في اللّبث في القبور. وقيل : في كتاب الله في حكم الله (١١) أي فيما وعد به في كتابه من الحشر والبعث فيكون (فِي كِتابِ اللهِ) متعلقا «بلبثتم» وقال مقاتل وقتادة: فيه تقديم وتأخير (١٢) معناه وقال الذين أوتوا العلم بكتاب الله والإيمان لقد لبثتم إلى يوم البعث.

__________________

(١) المرجع السابق.

(٢) انظر : القرطبي ١٤ / ٤٧ وزاد المسير لابن الجوزي ٦ / ٣١١.

(٣) المرجعان السابقان.

(٤) انظر : غريب القرآن لابن قتيبة ٣٤٣ والقرطبي ١٤ / ٤٧ والكشاف أفك قال في الغريب «ويقال : أفك الرجل إذا عدل به عن الصدق وعن الخير ، وأرض مأفوكة ، أي محرومة المطر». انظر : غريب القرآن ٣٤٣.

(٥) زيادة لا معنى لها والأصح : كذبوا في قولهم غير ساعة.

(٦) في «ب» أي أن.

(٧) زاد المسير ٦ / ٣١١.

(٨) ساقط من «ب».

(٩) قال القرطبي في ١٤ / ٤٧ «وقد زعم جماعة من أهل النظر أن القيامة لا يجوز أن يكون فيها كذب لما هم فيه والقرآن يدل على غير ذلك».

(١٠) انظر المراجع السابقة.

(١١) انظر المراجع السابقة.

(١٢) انظر المراجع السابقة.

٤٣٠

و «في» ترد بمعنى الباء [و] العامة على سكون عين «البعث» والحسن بفتحها (١) ، وقرىء بكسرها(٢) ، فالمكسور اسم ، والمفتوح مصدر.

قوله : (فَهذا يَوْمُ الْبَعْثِ) في الفاء قولان : أظهرهما : أنها عاطفة هذه الجملة على (لَقَدْ لَبِثْتُمْ)(٣).

وقال الزمخشري هي جواب (٤) شرط مقدر كقوله :

٤٠٤٦ ـ فقد جئنا خراسانا

كأنه قيل : إن صحّ ما قلتم إن «خراسان» أقصى ما يراد بكم وآن لنا أن نخلص وكذلك إن كنتم منكرين فهذا يوم البعث ، ويشير إلى البيت المشهور :

٤٠٤٧ ـ قالوا خراسان أقصى ما يراد بنا

قلنا القفول فقد جئنا خراسانا (٥)

قوله : (لا تَعْلَمُونَ) أي البعث أي ما يراد بكم (أو) لا يقدر له مفعول أي لم يكونوا من أولي العلم وهو المنع (٦).

فصل

اعلم أن الموعود بوعد (٧) إذا ضرب له أجل يستقل المدة ويريد تأخيرها ، فالمجرم إذا حشر علم أن مصيره (إلى النار يستقل (٨) مدة اللّبث ويختار تأخير الحشر والإبقاء في الإبقاء ، والمؤمن إذا حشر علم أن مصيره) إلى الجنة فيستكثر المدة ولا يريد تأخيرها فيختلف الفريقان ويقول أحدهما : إن مدة لبثنا قليل وإليه الإشارة بقوله : (وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللهِ إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ) ونحن صرنا إلى يوم البعث ، وهذا يوم البعث (وَلكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) وقوعه في الدنيا يعني أن طلبكم (التأخير (٩) لأنكم كنتم لا تعلمون البعث ولا تعترفون به ، فصار مصيركم إلى النار فتطلبون التأخير) ولا ينفعكم العلم به الآن.

قوله : (فَيَوْمَئِذٍ) أي إذ يشفع ذلك يقول الذين أوتوا العلم تلك المقالة (لا يَنْفَعُ) هو

__________________

(١) المحتسب ٢ / ١٦٦ وهي من الشواذ.

(٢) نقلها في البحر ولم يعزها إلى معين.

(٣) هذا رأي أبي حيان في البحر ، انظر البحر المحيط ٧ / ١٨٠.

(٤) انظر : الكشاف ٣ / ٢٢٧.

(٥) البيت من البسيط وهو للعباس بن الأحنف والقفول : الرجوع إلى ديار الأهل والمعنى في التألم من فراق الأهل والصحب والأحبة. والشاهد فيه «فقد جئنا خراسانا» فالفاء هنا جواب الشرط مقدر على رأى الزمخشري والتقدير : فقلنا فقد جئنا وهلا أذنتم لنا بالرجوع تصديقا لوعدكم إيانا ، وفسر الآية بالبيت الكشاف ٣ / ٢٢٧ والأغاني ٨ / ٢٤. ودلائل الإعجاز ٢٢٥ ، وديوانه ١٢.

(٦) في «ب» : «وهو أبلغ» وهو الصواب.

(٧) في «ب» بوعيد ؛ وهو خطأ وتحريف.

(٨) ما بين القوسين ساقط من «ب».

(٩) ما بين القوسين ساقط من «ب».

٤٣١

الناصب ليومئذ قبله ، وقرأ الكوفيون (١) هنا وفي غافر (٢) بالياء (٣) من تحت وافقهم نافع على ما في غافر ؛ لأن التأنيث مجازيّ ولأنه قد فصل أيضا والباقون بالتأنيث فيهما مراعاة للفظ (٤).

قوله : (وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ) قال الزمخشري من قولك : استعتبني فلان فأعتبته أي استرضاني فأرضيته ، وذلك إذا كان (٥) جانبا (عليه) وحقيقة «أعتبته» أزلت عتبه ألا ترى إلى قوله :

٤٠٤٨ ـ غضبت تميم أن تقتّل عامر

يوم النّسار فأعتبوا بالصّيلم (٦)(٧)

كيف جعلهم غضابا ، ثم قال : «فأعتبوا» أي أزيل غضبهم ، والغضب في معنى العتب والمعنى لا يقال (لهم) (٨) أرضوا ربكم بتوبة وطاعة ، ومثله قوله تعالى : (فَالْيَوْمَ لا يُخْرَجُونَ مِنْها وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ)(٩). فإن قلت : كيف جعلوا غير مستعتبين في بعض الآيات وغير معتبين في بعضها وهو قوله : (وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَما هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ) قلت : أما كونهم غير مستعتبين فهذا معناه ، وأما كونهم (١٠) غير معتبين فمعناه أنهم غير راضين بما هم فيه فشبّهت حالهم بحال قوم جني عليهم فهم عاتبون على الجاني غير راضين (منه (١١)) فإن يستعتبوا الله أي يسألون إزالة ما هم فيه فما هم من المجابين (١٢) انتهى. وقال ابن عطية ويستعتبون (١٣) بمعنى يعتبون كما تقول يملك ، ويستملك ، والباب في «استفعل» طلب الشيء وليس هذا منه ؛ لأن المعنى كان يفسد إذ كان المفهوم منه ولا يطلب منهم عتبى. قال شهاب الدين (١٤) : «وليس (هذا) (١٥) فاسدا لما تقدم في قول الزمخشري (١٦).

__________________

(١) هم عاصم وحمزة والكسائي.

(٢) وهو قول الله من الآية ٥٢ منها : «يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ».

(٣) انظر : الإتحاف ٣٤٩ والسبعة ٥٠٩ والكشف ٢ / ١٨٦ والبحر المحيط ٧ / ١٨١ ، والقرطبي ١٤ / ٤٩ وزاد المسير ٦ / ٣١٢.

(٤) المراجع السابقة.

(٥) في الكشاف : «كنت جانيا» وانظر الكشاف للزمخشري ٣ / ٢٢٧.

(٦) ساقط من «ب» وموجودة في الكشاف أيضا.

(٧) البيت من تمام الكامل وهو لبشر بن أبي خازم الأسدي و «النّسار» ماء لبني عامر و «الصّيلم» الداهية المستأصلة ويسمى به السيف والمعنى أن قوم الشاعر أزالوا غضب تميم لمقاتلة عامر بالسيف أي أرضوهم بالقتل وهذا هو الشاهد كما قرره الزمخشري فوق. وقد تقدم.

(٨) ساقط من «ب».

(٩) الجاثية : ٣٥.

(١٠) في «ب» وإن قلت : غير معتبين.

(١١) ساقط من «ب» وهو في الكشاف «عنه».

(١٢) في الكشاف : من المجابين لإزالته.

(١٣) البحر المحيط ٧ / ١٨١.

(١٤) الدر المصون ٤ / ٣٣٦.

(١٥) ساقط من «ب».

(١٦) في الدر المصون : «أبي القاسم» بدلا من الزمخشري.

٤٣٢

قوله : (وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ) وهذا إشارة إلى إزالة الأعذار والإتيان بما فوق الكفاية من الإنذار وأنه لم يبق من جانب الرسول تقصير فإن طلبوا شيئا آخر فذاك عناد محض لأن من كذّب دليلا لا يصعب عليه تكذيب الدلائل بل لا يجوز للمستدل أن يشرع في دليل آخر بعد ذكره دليلا جيّدا مستقيما ظاهرا لا إشكال عليه ، وعانده الخصم لأنه إما أن يعترف بورود سؤال الخصم عليه أو لا يعترف فإن اعترف يكون انقطاعا وهو يقدح في الدليل والمستدلّ إما أن يكون الدليل فاسدا وإما أن المستدل جاهل (١) بوجه الدلالة والاستدلال وكلاهما لا يجوز الاعتراف (به (٢)) من العالم فكيف من النبي عليه الصلاة والسلام (٣) وإن لم يعترف بكون الشّروع في غيره يوهم (٤) أن الخصم معاند فيحترز عن العناد في الثاني أكثر.

فإن قيل : فالأنبياء عليهم (الصلاة (٥) و) السلام ذكروا أنواعا من الدلائل ، فنقول : سردوها سردا ثم فردوها فردا فردا (كما (٦)) يقول : الدليل عليه من وجوه : الأول : كذا ، والثاني : كذا ، والثالث : كذا. وفي مثل هذا الواجب عدم الالتفات إلى عناد المعاند لأنه يريد تضييع الوقت كي لا يتمكن المستدلّ من الإتيان بجميع ما وعد من الدليل فتنحطّ درجته وإلى هذا أشار بقوله : (وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ) أي ما أنتم إلا على باطل ، ووحد في قوله : «جئتهم» وجمع في قوله : «إن أنتم» لنكتة وهي أنه تعالى أخبر في موضع آخر فقال : «ولئن جئتهم بكل آية» أي جاءت بها الرسل فقال الكفار ما أنتم أيها المدعون الرسالة (كلكم (٧)) إلا كذا.

قوله تعالى : (كَذلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلى قُلُوبِ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ (٥٩) فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ)(٦٠)

قوله : (كَذلِكَ يَطْبَعُ) أي مثل ذلك الطبع يطبع الله على قلوب الّذين لا يعلمون توحيد الله.

(فإن قيل : من (٨) لا يعلم شيئا أيّ فائدة في الإخبار عن الطبع على قلبه؟

فالجواب :) معناه أن من لا يعلم الآن فقد طبع على قلبه من قبل ، ثم إنه تعالى

__________________

(١) في «ب» وإما أن يكون المستدل جاهلا وفي تفسير الفخر وإما بأن المستدلّ جاهل.

(٢) ساقط من «ب» وموجود في تفسير الرازي.

(٣) في «ب» صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(٤) في تفسير الرازي : «موهما أن الخصم ليس معاندا فيكون اجتراؤه على العناد في الثاني».

(٥) زيادة من «ب».

(٦) ساقط من «ب» وفي تفسير الرازي «كمن يقول الدليل ....»

(٧) ساقط من «ب».

(٨) ما بين القوسين ساقط من «ب» وموجود بأكمله في الفخر الرازي.

٤٣٣

سلّى نبيه عليه (الصلاة (١) و) السلام فقال : (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ) في نصرتك وإظهارك على عدوك وتبيين صدقك (٢).

قوله : (وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ) العامة من الاستخفاف (٣) ـ بخاء معجمة وفاء ـ ويعقوب ، وابن أبي إسحاق (٤) بحاء مهملة (٥) وقاف من الاستحقاق. وابن أبي (عبلة (٦)) ويعقوب بتخفيف نون التوكيد والنهي من باب : لا أرينك ههنا (٧).

فصل

المعنى ولا يستجهلنّك أي لا يجهلنّك (٨)(الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ) على الجهل واتباعهم في البغي(٩) ، وقيل : لا يستحقّن رأيك وحلمك الذين لا يؤمنون بالبعث والحساب ، وهذا إشارة إلى وجوب مداومة النبي ـ عليه‌السلام ـ على الدعاء إلى الإيمان ، فإنه لو سكت لقال الكافرون : إنه متقلب قابل الرأي لا ثبات له.

روى أبو أمامة عن أبيّ بن كعب قال : قال رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : «من قرأ سورة الرّوم كان له من الأجر عشر حسنات بعدد كلّ ملك يسبّح الله بين السّماء والأرض وأدرك ما صنع في يومه وليلته»(١٠). رواه الثعلبي في تفسيره والله أعلم (وأحكم) (١١).

__________________

(١) زيادة من «ب».

(٢) انظر : تفسير الفخر الرازي ٢٥ / ١٣٧ و ١٣٨.

(٣) قال ابن منظور في اللسان : «واستخف فلان بحقّي إذا استهان به واستخفه الفرح إذا ارتاح لأمر».

انظر : اللسان : «خ ف ف» ١٢١٢.

وقال الزجاج في معاني القرآن : «أي لا يستفزنّك عن دينك الذين لا يوقنون ، أي هم ضلّال شاكّون».

انظر : معاني القرآن وإعرابه للزجاج ٤ / ١٩٢.

(٤) ابن أبي إسحاق : هو أبو بحر عبد الله بن أبي إسحاق زيد الحضرمي البصري اشتهر بكنية والده ، أخذ عن نصر بن عاصم ، ويحيى بن يعمر ، وجدّ في العلم حتى بلغ الغاية فيه مات سنة ١١٧ ه‍.

انظر : نشأة النحو ٦١.

(٥) أوردها ابن جني في المحتسب في القراءات الشاذة ٢ / ١٦٦ وهي معترض عليها كما قال ابن جنّي لمخالفتها لفظا ومعنى القراءة المعتادة إذ يصير المعنى لا يغلبنك فيصيروا أحق بك منك بنفسك.

(٦) ساقط من «ب».

(٧) انظر هذه القراءة في الإتحاف ٣٤٩ والبحر المحيط ٧ / ١٨١ والكشاف ٣ / ٢٢٨ ، ومعن ى «لا أرينك ههنا» أنه مثال مأخوذ من قولهم في المثل «بعين ما أرينّك» ومعناه اعمل كأني انظر إليك ودخل التوكيد لدخول (ما) لأن ما زائدة للتوكيد ولأجلها دخلت النون. ومثله المثالوالنهي مقصود به هنا الدوام والثبات على الحال التي هو فيها يقول سيبويه في الكتاب ٣ / ٥١٧ : ومن مواضعها أفعال غير الواجب التي في قولك : بجهد ما تبلغنّ ، وأشباهه ، وإنما كان ذلك لمكان «ما».

(٨) في «ب» لا يحملنّك وهو الأصح.

(٩) في «ب» الغيّ.

(١٠) انظر : الكشاف ٣ / ٢٢٨ والبيضاوي ٢ / ١١٩ ومجمع البيان ٨ / ٤٥٩ والسّراج المنير ٣ / ١٧٩.

(١١) زيادة من «ب».

٤٣٤

سورة لقمان

مكية (١) وهي أربع وثلاثون آية ، وخمسمائة وثمان وأربعون كلمة ، وألفان ومائة وعشرة حرف.

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قوله تعالى : (الم (١) تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ (٢) هُدىً وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ (٣) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ)(٤)

(أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٥) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَها هُزُواً أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (٦) وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا وَلَّى مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ)(٧)

قوله تعالى : (الم. تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ) تلك إشارة إلى غائب (٢) ، والمعنى آيات القرآن (أي (٣)) آيات الكتاب الحكيم. والحكيم (قيل (٤)) : فعيل بمعنى مفعل وهذا قليل. قالوا عقدت اللّبن فهو عقيد (٥) ، (أو بمعنى (٦) فاعل) أو بمعنى ذي الحكمة أو أصله (٧) الحكيم قائله (ثم(٨)) حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه وهو الضمير المجرور ، فانقلب مرفوعا فاستتر في الصّفة قاله الزمخشري (٩) ، وهو حسن الصّناعة.

__________________

(١) في قول الأكثرين وروي عن عطاء أنها مكية سوى آيتين منها نزلتا بالمدينة ومن قائل : إنها مكية إلا ثلاث آيات.

انظر : فتح القدير ٤ / ٢٣٣ ، وزاد المسير لابن الجوزي ٦ / ٣١٤ ، والقرطبي ١٤ / ٥٠.

(٢) في «ب» إلى ما غاب.

(٣) زيادة من «ب».

(٤) ساقط من «ب».

(٥) انظر : البحر المحيط ٧ / ١٨٢.

(٦) ساقط من «ب» ولكنها في البحر أيضا فهي توافق «أ».

(٧) الكشاف ٣ / ٢٢٩.

(٨) ساقط من «ب».

(٩) المرجع السابق.

٤٣٥

قوله : (هُدىً وَرَحْمَةً) العامة على النصب على الحال من «آيات» والعامل ما في اسم الإشارة من معنى الفعل أو المدح (١). وحمزة بالرفع على خبر (٢) مبتدأ مضمر وجوز بعضهم أن يكون «هدى» منصوبا على الحال حال رفع «رحمة». قال : ويكون رفعها على خبر ابتداء مضمر (٣) ، (وجوز بعضهم (٤) أن يكون هدى) أي وهو رحمة وفيه بعد.

فصل(٥)

قال في البقرة : ذلك الكتاب ، ولم يقل : «الحكيم» وههنا قال : «الحكيم» ؛ لأنه لما زاد ذكر وصف في الكتاب زاد ذكر أمر أحواله فقال هدى ورحمة وقال هنال : (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) ، فقوله: «هدى» (في مقابلة (٦) قوله : «الكتاب» وقوله : «ورحمة») مقابلة قوله «الحكيم» ووصف الكتاب بالحكيم على معنى ذو الحكمة (٧) كقوله تعالى : (فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ) [الحاقة : ٦٩] أي ذات رضا وقال هناك : «للمتّقين» وقال هنا : «للمحسنين» ؛ لأنه لما ذكر أنه هدى ولم يذكر شيئا آخر قال : «للمتّقين» أي يهدى (به (٨)) من يتقي من الشرك والعناد ، وههنا زاد قوله : (وَرَحْمَةً) فقال : «للمحسنين» ؛ لأن رحمة الله قريب من المحسنين وقال تعالى : (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ) [يونس : ٢٦] فناسب زيادة قوله «ورحمة» ، ولأن المحسن يتقي ، (وزيادة (٩)).

قوله : (الَّذِينَ يُقِيمُونَ) صفة أو بدل أو بيان لما قبله ، أو منصوب أو مرفوع على (١٠) القطع وعلى كل تقدير فهو تفسير للإحسان. وسئل الأصمعي عن الألمعي فأنشد :

٤٠٤٩ ـ الألمعيّ الّذي يظنّ بك الظّن

ن كأن قد رأى وقد سمعا (١١)

يعني أن الألمعي هو الذي إذا ظن شيئا كان كمن رآه وسمعه كذلك المحسنون هم

__________________

(١) انظر : الكشف ٢ / ١٨٧ ، ومعاني القرآن للفراء ٢ / ٣٢٦ ، والحجة في القراءات السبع لابن خالويه ٢٨٤ ، ومعاني القرآن وإعرابه للزجاج ٤٣ / ١٩٣ ، وإعراب القرآن للنحاس ٣ / ٢٨١.

(٢) انظر : معاني الفراء ٢ / ٣٢٦ ، والإتحاف ٣٤٩ ، والسبعة ٥١٢.

(٣) انظر : التبيان لأبي البقاء ١٠٤٣ وتأويل ذلك أيضا في مشكل إعراب القرآن لمكي ٢ / ١٨١.

(٤) زيادة لا معنى لها من «أ».

(٥) في «ب» فإن قيل بدل «فصل».

(٦) ساقط من «ب».

(٧) انظر : تفسير الفخر الرازي ٢٥ / ١٣٩.

(٨) سقط من «ب».

(٩) زيادة من «أ».

(١٠) نقله القرطبي في تفسيره الجامع لأحكام القرآن ١٤ / ٥٠.

(١١) البيت من المنسرح وهو لأوس بن حجر وهو ثالث بيت من قصيدة يمدح فيها فضالة بن كلدة في حياته ورثائه بعد مماته والشاهد بالبيت «الذي يظن» فهو يفسر الموصوف وهو الألمعي كما أن «الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ» مفسّر «للمحسنين» الموصوف أي هم المعينون. انظر : ذيل الأمالي والنوادر ٣٤ ، والخصائص ٢ / ١١٢ ، والكامل للمبرد ٤ / ٣٧ و ٣٨ والبحر المحيط ٧ / ١٨٣ والكشاف ٣ / ٢٢٩ وديوان أوس «٣».

٤٣٦

الذين يفعلون هذه الطاعات ومثله وسئل بعضهم عن الهلوع فلم يزد أن تلا : (إِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً وإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً).

فصل

قال في البقرة : (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ) ولم يقل هنا : الذين يؤمنون بالغيب ؛ لأن المتّقي هو التارك للكفر ويلزم (١) منه أن يكون مؤمنا ، والمؤمن (٢) هو الآتي بحقيقة الإيمان ، ويلزمه أن لا يكون كافرا ، فلما كان المتقي دالا على المؤمن بالالتزام مدح بالإيمان هناك ، ولما كان المحسن دالا على الإيمان بالتنصيص لم يصرح بالإيمان (٣).

وتقدم الكلام على نظير قوله : (الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ) إلى قوله : (الْمُفْلِحُونَ)(٤).

قوله : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ) لما بين أن القرآن كتاب حكيم يشتمل على آيات حكيمة بين حال الكفار أنهم يتركون ذلك ويشتغلون بغيره (٥). قال مقاتل والكلبي : نزلت في النّضر بن الحارث كان يتّجر (٦) فيأتي الحيرة ويشتري أخبار العجم ويحدث (٧) بها قريشا ويقول : إن محمدا يحدثكم بحديث عاد وثمود وأنا أحدثكم بحديث «رستم ، واسفنديار» ، وأخبار الأكاسرة فيستملحون حديثه ويتركون استماع القرآن ، فأنزل الله هذه الآية ، وقال مجاهد : يعني شراء القيان (٨) والمغنّين ، ووجه الكلام على هذا التأويل من يشتري ذات أو ذا لهو الحديث ، قال عليه (الصلاة و) السلام : «لا يحل (تعليم) المغنيات ولا بيعهن (٩) وأثمانهن حرام» وفي مثل هذا نزلت الآية (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) وما من رجل يرفع صوته بالغناء إلّا بعث الله

__________________

(١) في «ب» ويلزمه.

(٢) في «ب» والفخر الرازي والمحسن.

(٣) انظر : تفسير الفخر الرازي «التفسير الكبير» ج ٢٥ / ١٤٠.

(٤) في البقرة والتوبة والنمل والأنفال والمائدة وقال هناك في البقرة إن إقامة الصلاة تعديل أركانها وحفظها من أن يقع زيغ في فرائضها وسننها وآدابها ، من أقام العود إذا قوّمه ، أو الدوام عليها والمحافظة عليها وإيتاء الزكاة إعطاؤها لمستحقيها. ومعنى «هم يوقنون» الإيقان إتقان العلم بانتفاء الشّكّ والشبهة عنه انظر : اللباب ١ / ٦٧ : ٦٩ ب بتصرف.

(٥) في «ب» ويشتغلون بذلك.

(٦) انظر : زاد المسير لابن الجوزي ٦ / ٣١٥ وأسباب النزول للواحدي عن الكلبي ومقاتل بدون سنة ١٩٧ وأسباب النزول للسيوطي وقد قال السيوطي : إنها نزلت في رجل من قريش اشترى جارية مغنية.

(٧) في «ب» ويعلم بها قريشا.

(٨) انظر : زاد المسير لابن الجوزي ٦ / ٣١٥ والطبري ١ / ٤١ والدر المنثور للسيوطي ٦ / ٥٠٤.

(٩) الحديث أورده السيوطي في الدر المنثور ٦ / ٥٠٤ عن أبي أمامة أن رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ قال : لا تبيعوا القينات ولا تشتروهنّ ولا تعلموهنّ ولا خير في أثمانهن.

٤٣٧

عليه شيطانين أحدهما على هذا المنكب والآخر على هذا المنكب فلا يزالان يضربانه بأرجلهما حتى يكون هو الذي يسكت قال النحويون قوله : (لَهْوَ الْحَدِيثِ) من باب الإضافة بمعنى «من» ؛ لأن اللهو يكون حديثا وغيره فهو كباب (١) ، وهذا أبلغ من حذف المضاف (٢).

قوله : «ليضلّ» (قرأه ابن (٣) كثير وأبو عمرو) بفتح حرف المضارعة ، والباقون (٤) بضمه لم ن «أضلّ غيره» فمفعوله محذوف ، وهو مستلزم (٥) للضلال لأن من «أضلّ» فقد «ضلّ» من غير عكس ، وقد تقدم ذلك في إبراهيم (٦). قال الزمخشري هنا : فإن (٧) قلت : القراءة بالرفع بينة لأن النضر كان غرضه باشتراء اللهو أن يصد الناس عن الدخول في الإسلام واستماع القرآن ويضلهم عنه ، فما معنى القراءة بالفتح؟ قلت : معنيان :

أحدهما : ليثبت على ضلالة الذي كان عليه ولا يصدف (٨) ويزيد فيه ويمده فإن المخذول كان شديد التمكّن في عداوة الدين وصد الناس عنه.

الثاني : أن موضع «ليضل» (موضع) (٩) من قبل أنّ من «أضلّ» كان ضالّا لا محالة ، فدل بالرّديف على المردوف.

فصل

روي عن عبد الله بن مسعود وابن عباس وعكرمة وسعيد بن جبير قالوا : (لهو (١٠)) الحديث هو الغناء (١١) ، والآية نزلت فيه ، ومعنى قوله : (يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ) أي يستبدل ويختار الغناء والمزامير والمعازف على القرآن ، وقال ابن جريح (١٢) : هو الطبل (١٣) ، وقال الضحاك : هو الشرك (١٤) ، وقال قتادة : حسب المرء من الضلالة أن يختار حديث الباطل على حديث الحقّ (١٥).

__________________

(١) كان من المفروض (فهو كباب ساج وجبّة خز) وقيل : هو على حذف مضاف أي ذوات لهو حديث : انظر : الكشاف ٣ / ٢٢٩ ويكون المراد من هذا بيان الجنس الذي منه المضاف كما بين ذلك الزمخشري.

(٢) أي من تقديرنا : «ذات لهو» أو «ذي لهو».

(٣) هذه الفقرة التي بين القوسين زيادة من «ب».

(٤) انظر : الإتحاف ٢٧٢ و ٣٤٩ والكشاف بدون نسبة ٣ / ٢٣٠ والنشر ٢ / ٣٤٦ وتقريبه ص ١٥٩ ومعاني القرآن وإعرابه للزجاج ٤ / ١٩٤ وإعراب القرآن للنحاس ٣ / ٢٨٢.

(٥) في «ب» وهو ملتزم.

(٦) يقصد قوله تعالى : «جَعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ» وهي الآية «٣٠» من نفس السورة.

(٧) انظر : الكشاف ٣ / ٢٣٠.

(٨) هكذا هي هنا وفي الكشاف وما في «ب» يصد.

(٩) ساقط من «ب» وهي في الكشاف.

(١٠) ساقط من «ب».

(١١) نقله في زاد المسير ٦ / ٣١٦ والقرطبي ١٤ / ٥١.

(١٢) نقله في زاد المسير ٦ / ٣١٦.

(١٣) السابق.

(١٤) معاني القرآن للزجاج ٤ / ١٩٤.

(١٥) السابقان.

٤٣٨

قوله : (بِغَيْرِ عِلْمٍ) حال أي يشتري بغير علم بأحوال التجارة حيث اشتري ما يخسر قيمة الدّارين.

قوله : «ويتّخذها» قرأ الأخوان وحفص بالنصب أي بنصب (١) الذّال عطفا على «ليضلّ» وهو علة (٢) كالذي قبله. والباقون بالرفع عطفا على «يشتري» فهو صلة ، وقيل : الرفع على الاستئناف من غير عطف على الصلة ، والضمير المنصوب يعود على الآيات المتقدمة أو السبيل لأنه يؤنّث ، أو الأحاديث الدال عليها الحديث (٣) لأنه اسم جنس (٤).

قوله : (أُولئِكَ لَهُمْ) حمل أولا على لفظ «من» فأفرد (ثم) (٥) على معناها فجمع ثم على لفظها فأفرد في قوله : (وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِ) وله نظائر تقدم التنبيه عليها في المائدة عند قوله : (مَنْ لَعَنَهُ اللهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ)(٦). قال أبو حيان : ولا نعلم جاء في القرآن (٧) ما حمل على اللفظ ثم على المعنى ثم على اللفظ غير هاتين الآيتين (٨) ، قال شهاب الدين : ووجد (٩) غيرهما كما تقدم التنبيه عليه في المائدة. وقوله : (عَذابٌ مُهِينٌ) أي دائم.

قوله : (وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا وَلَّى مُسْتَكْبِراً) أي يشتري الحديث الباطل ، ويأتيه الحق الصّراح مجّانا فيعرض عليه.

قوله : (كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها) حال من فاعل «ولّى» أو من ضمير «مستكبرا» (١٠) وقوله : وكأن في أذنيه وقرأ» حال ثالثة أو بدل مما قبلها ، أو حال من فاعل «يسمعها» أو تبيين لما قبلها (١١) ، وجوز الزمخشري أن تكون جملة التنبيه (١٢) استئنافيتين.

__________________

(١) انظر : السبعة ٥١٢ ومعاني القرآن للفراء ٢ / ٣٢٧ وحجة ابن خالويه ٢٨٤ والإتحاف ٣٥٠ والنشر ٢ / ٣٤٦.

(٢) في «ب» علمه وهو تحريف.

(٣) في «ب» الأحاديث وهو خطأ لأن المقصود المفرد.

(٤) نقله مكي في الكشف عن وجوه القراءات ٢ / ١٧٨ و ١٨٨ وابن الأنباري في البيان في غريب إعراب القرآن ، ٢ / ٢٥٣ ، ٢٥٤.

(٥) سقط من «ب».

(٦) وهي الآية رقم ٦٠ من المائدة وهي : «قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللهِ مَنْ لَعَنَهُ اللهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولئِكَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضَلُّ عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ».

(٧) هكذا هي في تفسير أبي حيان.

(٨) يقصد هذه الآية وآية الطلاق : «وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها قَدْ أَحْسَنَ اللهُ لَهُ رِزْقاً» وهي الآية ١١ من الطلاق. انظر : البحر ٧ / ١٨٤.

(٩) الدر المصون ٤ / ٣٤٠.

(١٠) انظر : التبيان ١٠٤٣ والبحر المحيط ٧ / ١٨٤.

(١١) المرجعان السابقان.

(١٢) هكذا هي في النسختين ولعله يقصد التشبيه وانظر : الكشاف ٣ / ٢٣٠.

٤٣٩

فصل

معنى (كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها) شغل المتكبر الذي لا يلتفت إلى الكلام ويجعل نفسه كأنها غافلة ، وقوله : (كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً) أدخل في الإعراض (فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ) أي مؤلم ، ووصفه أولا بأنه «مهين» وهو إشارة إلى الدوام فكأنه قال : «مؤلم دائم» (١).

قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ (٨) خالِدِينَ فِيها وَعْدَ اللهِ حَقًّا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٩) خَلَقَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دابَّةٍ وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (١٠) هذا خَلْقُ اللهِ فَأَرُونِي ما ذا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ)(١١)

قوله : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ...) الآية لما بين حال المعرض عن سماع الآيات بين حال من يقبل على تلك الآيات بأنّ لهم جنات النعيم. ولذلك عذاب مهين ووحد العذاب ، وجمع الجنات إشارة إلى أن الرحمة (واسعة (٢) أكثر من الغضب ، ونكّر «العذاب» وعرف «الجنات» إشارة إلى أن الرحمة) تبين النعمة وتعرفها ولم يبين النعمة وإنما نبه عليها تنبيها.

قوله : «خالدين» حال (٣) ، وخبر «إنّ» الجملة من قوله : (لَهُمْ جَنَّاتُ) والأحسن أن يجعل «لهم» هو الخبر وحده (٤) ، و «جنّات» فاعل به ، وقرأ زيد بن عليّ «خالدون» (٥) بالواو فيجوز أن يكون هو الخبر والجملة أو الجارّ وحده حال ، ويجوز أن يكون («خالدون») خبرا ثانيا.

قوله : (وَعْدَ اللهِ) مصدر مؤكد لنفسه (٦) ؛ لأن قوله : (لَهُمْ جَنَّاتُ) في معنى وعدهم الله ذلك ، و «حقّا» مصدر مؤكد لغيره (٧) ، أي لمضمون تلك الجملة الأولى ، وعاملها مختلف ، فتقدير الأولى وعد الله ذلك وعدا ، وتقدير الثاني : أحقّ ذلك حقّا. واعلم أنه لم يؤكد (الْعَذابِ الْمُهِينِ) ، وأكد نعيم الجنات بقوله : (وَعْدَ اللهِ حَقًّا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) «العزيز» في اقتداره «الحكيم» في أفعاله.

قوله : (خَلَقَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ) وهذا تبيين لقوّته وحكمته ، وقد تقدم الكلام

__________________

(١) انظر : تفسير الرازي ٢٥ / ١٤١.

(٢) ساقط من «ب».

(٣) نقله في البحر ٧ / ١٨٥ والتبيان ١٠٤٣.

(٤) قاله ابن الأنباري في البيان ٢ / ٢٥٤.

(٥) نقلها عنه أبو حيان في البحر ٧ / ١٨٥ و ١٨٤.

(٦) البحر ٧ / ١٨٥ و ١٨٤ والتبيان ١٠٣٦ و ١٠٤٣ وقد ذكرت أيضا في السورة السابقة في قوله : «وَعْدَ اللهِ لا يُخْلِفُ اللهُ وَعْدَهُ» وانظر ـ أيضا ـ الكشاف ٣ / ٢٣٠.

(٧) المرجع السابق.

٤٤٠