اللّباب في علوم الكتاب - ج ١٥

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي

اللّباب في علوم الكتاب - ج ١٥

المؤلف:

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي


المحقق: عادل أحمد عبد الموجود و علي محمّد معوّض
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-2298-3

الصفحات: ٦١٥

سورة «الروم»

مكية (١) وهي ستون آية ، وثمان مائة وتسع عشرة كلمة ، وثلاثة آلاف وخمسمائة وأربعة وثلاث حرفا.

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قوله تعالى : (الم (١) غُلِبَتِ الرُّومُ (٢) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (٣) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (٤) بِنَصْرِ اللهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ)(٥)

قوله تعالى : (الم. غُلِبَتِ الرُّومُ) وجه تعلق هذه السورة بما قبلها أن الله تعالى لما قال : (وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) وكان يجادل المشركين بنسبتهم إلى عدم العقل كما في قوله : (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ) [البقرة : ١٨] وكان أهل الكتاب يوافقون النبي والإله (٢) كما قال : (وَإِلهُنا وَإِلهُكُمْ واحِدٌ) [العنكبوت : ٤٦] وكانوا يؤمنون بكثير مما يقوله ، بل كثير منهم كانوا مؤمنين (به (٣)) كما قال : (فَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ) [العنكبوت : ٤٧] أبغض المشركون أهل الكتاب وتركوا مراجعتهم وكانوا من قبل يراجعونهم في الأمور ، وكان بين فارس والروم قتال والمشركون يودون أن تغلب فارس الروم لأن أهل فارس كانوا مجوسا آمنين ، والمسلمين يودّون غلبة الروم على فارس لكونهم أهل كتاب فبعث «كسرى» جيشا إلى الروم واستعمل عليهم رجلا (يقال (٤) له : شهريار وبعث «قيصر» جيشا واستعمل عليهم) رجلا يدعى يحانس ، فالتقيا باذرعات ، وبصرى ، وقال عكرمة : هي أذرعات وكسكر (٥) ، وقال مجاهد : أرض الجزيرة (٦) ، وقال مقاتل : الأردن (٧) وفلسطين وهي أدني الشام إلى أرض العرب والعجم فغلبت فارس الروم فبلغ ذلك المسلمين بمكة ، فشق ذلك عليهم وفرح به كفار مكة وقالوا للمسلمين : إنكم

__________________

(١) كلها من غير خلاف ، وانظر : القرطبي ١٤ / ٢.

(٢) في «ب» والآية.

(٣) ساقط من «ب».

(٤) ما بين المعقوفين كله ساقط من «ب».

(٥) انظر القرطبي ١٤ / ٢.

(٦) السابق.

(٧) السابق.

٣٨١

أهل الكتاب والنصارى أهل كتاب ونحن أمّيّون (١) وقد ظهر إخواننا من أهل فارس على إخوانكم من الرّوم وإنكم إن قاتلتمونا لنظهرنّ عليكم فأنزل الله هذه الآيات (٢) لبيان أن الغلبة لا تدل على الحق بل الله قد يريد في ثواب المؤمنين من يبتليه ، ويسلط عليه الأعادي ، وقد يختار تعجيل العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر قبل يوم الميعاد (٣).

فصل

قد تقدم أن كل سورة افتتحت بحروف التّهجّي فإن في أولها ذكر الكتاب أو التنزيل أو القرآن ، كقوله : (الم. ذلِكَ الْكِتابُ) (المص. كِتابٌ) (طه ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ) (الم. تَنْزِيلُ الْكِتابِ) (حم. تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) (يس. وَالْقُرْآنِ) (ق. وَالْقُرْآنِ) إلا هذه السورة وسورتين (٤) أخريين ذكرناهما في العنكبوت ، وذكرنا الحكمة منهما هناك. وأما ما يتعلق بهذه السورة فنقول : إن السورة التي في أوائلها التنزيل والكتاب والقرآن في أوائلها ذكر ما هو معجزة فقدمت عليها الحروف على ما تقدم بيانه في العنكبوت ، وهذه في أوائلها ذكر ما هو معجزة وهو الإخبار عن الغيب ، فقدمت الحروف التي لا يعلم معناها ليتنبه السامع فيقبل بقلبه على الاستماع لما ترد عليه المعجزة ويفزع للاستماع.

قوله : (فِي أَدْنَى الْأَرْضِ) زعم بعضهم أن «أل» عوض من الضمير ، وأن الأصل «في أدنى أرضهم» وهو قول كوفي ، وهذا على قول إن الهرب كان من جهة بلادهم ، وأما من يقول : إنه من جهة بلاد العرب فلا يتأتي ذلك. وقرأ العامة «غلبت» مبنيا للمفعول ، وعلي بن أبي طالب وأبو سعيد الخدري وابن عمر وأهل الشام ببنائه للفاعل (٥).

قوله : (وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ) أي الروم من بعد غلب فارس إيّاهم. والغلب ، والغلبة «لغتان» فعلى القراءة الشهيرة يكون المصدر مضافا لمفعوله. ثم هذا المفعول إما أن يكون مرفوع المحل على أن المصدر المضاف إليه مأخوذ من مبني (للمفعول (٦)) على خلاف في ذلك. وإما منصوب المحل على أن المصدر من مبني للفاعل ، والفاعل محذوف تقديره : من بعد أن غلبهم عدوهم وهم فارس (٧) ، وأما على القراءة الثانية فهو مضاف لفاعله.

__________________

(١) في «ب» آمنون.

(٢) في «ب» الآية.

(٣) في «ب» القيامة.

(٤) وهما مريم والعنكبوت.

(٥) انظر : مختصر ابن خالويه ١١٦ ، ومعاني القرآن للفراء ٢ / ٣١٩. ولم يروها الفراء عن غيره ، وانظر : البحر المحيط ٧ / ١٦١ ، والقرطبي ١٤ / ٤. وقد نسب الزجاج هذه القراءة أيضا إلى أبي عمرو وانظر : معاني الزجاج ٤ / ١٧٥ بينما اقتصر الزمخشري في الكشاف على القراءة المشهورة ٣ / ٢٤١ ، وكذلك غير المشهورة بدون ذكر نسبة.

(٦) سقطت من «ب».

(٧) قال أبو إسحاق الزجاج في كتابه إعراب القرآن ومعانيه : «الغلب والطلب مصدران تقول : غلبت غلبا وطلبت طلبا». انظر : معاني الزجاج ٤ / ١٧٧ وانظر : الكشاف ٣ / ٢١٤ ، والدر المصون ٤ / ٣١٢ والتبيان ١٠٣٦.

٣٨٢

قوله : «سيغلبون» خبر المبتدأ ، و (مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ) متعلق به ، والعامة ـ بل نقل بعضهم الإجماع (١) ـ على سيغلبون مبنيا للفاعل ، فعلى الشهيرة واضح أي من بعد أن غلبتهم فارس سيغلبون فارس ، وأما على القراءة الثانية فأخبر أنهم سيغلبون ثانيا بعد أن غلبوا (٢) أولا ، وروي عن ابن عمر أنه قرأ ببنائه للمفعول (٣). وهذا مخالف لما ورد في سبب الآية ، وما ورد في الأحاديث ، وقد يلائم هذا بعض ملاءمة من قرأ «غلبت» مبنيا للفاعل ، وقد تقدم أن ابن عمر ممن قرأ (بذلك (٤)). وقد خرج النحاس (٥) قراءة عبد الله بن عمر على تخريج حسن ، وهو أن المعنى : وفارس من بعد غلبهم للروم (٦) سيغلبون إلا أن فيه إضمار ما لم يذكر ولا جرى سبب ذكره (٧).

قوله : (فِي بِضْعِ سِنِينَ) متعلق بما قبله ، وتقدم تفسير البضع واشتقاقه في «يوسف» (٨). وقال الفراء : الأصل (٩) في غلبهم غلبتهم بتاء التأنيث فحذلت للإضافة كإقام الصلاة ، وغلطه النحاس بأن إقام الصلاة قد يقال فيها (١٠) ذلك لاعتلالها ، وأما هنا فلا ضرورة تدعو إليه. وقرأ ابن السّميفع (١١) وأبو حيوة غلبهم (١٢) فيحتمل أن يكون ذلك تخفيفا شاذّا ، وأن يكون لغة في المفتوح كالظّعن والظّعن.

__________________

(١) هو ابن عطية قال : «وأجمع الناس على «سيغلبون» أنه بفتح الياء يراد به الروم» انظر : المحرر الوجيز «ميكروفيلم».

(٢) في «ب» تغلبوا.

(٣) انظر : مختصر ابن خالويه ١١٦ ، وإعراب القرآن المنسوب للزجاج ٢ / ٤٦١ ، والدر المصون ٤ / ٣١٣ ، والقرطبي ١٤ / ٥ ، وإعراب القرآن للنحاس ٣ / ٢٦١ لكنه قال : «ستغلبون» بالبناء للمجهول من ناحية الخطاب.

(٤) ساقط من «ب».

(٥) النحاس : هو أبو جعفر أحمد بن محمد المصري ، تلقى مبادىء اللغة بمصر ثم ارتحل إلى العراق فتلقى عن الأخفش ، والزجاج وابن الأنباري كان قويّ الذاكرة جيد التصنيف ، مات مقتولا سنة ٣٣٧ ه‍. انظر : نشأة النحو ١٥٧.

(٦) لم أجد في كتاب أبي جعفر النحاس هذا التأويل والتخريج ولعل هذا راجع إلى اختلاف نسخ الكتاب وقد ذكر هذه القراءة الواردة عن ابن عمر.

(٧) انظر : إعراب القرآن المسمى «الدر المصون في علوم الكتاب المكنون» للسمين ٤ / ٣١٣.

(٨) يشير إلى قوله «فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ» من الآية ٤٢.

(٩) معاني القرآن للفراء ٢ / ٣٦٩.

(١٠) انظر : إعراب القرآن للنحاس ٣ / ٢٦١ ، ٢٦٢.

(١١) ابن السميفع : محمد بن عبد الرحمن بن السميفع أبو عبد الله اليماني له اختيار في القراءة ينسب إليه شذ فيه ، قرأ على أبي حيوة وطاوس. انظر : غاية النهاية ٢ / ١٦٢.

(١٢) قال ابن خالويه في المختصر : إنها لعلي كرم الله وجهه ونقلها أبو حيان في البحر عن علي ، وابن عمر ومعاوية بن قرة ٧ / ١٦١ وانظر : مختصر ابن خالويه ١١٦.

٣٨٣

فصل

قوله : (فِي أَدْنَى الْأَرْضِ) أي أرض العرب ، لأن الألف واللام للعهد ، والمعهود عندهم أرضهم. فإن قيل : أي فائدة في ذكر قوله : (مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ) لأن قوله : (سَيَغْلِبُونَ) بعد قوله: (غُلِبَتِ الرُّومُ) لا يكون إلا من بعد الغلبة؟

فالجواب : فائدته إظهار القدرة وبيان أن ذلك بأمر الله لأن من غلب بعد غلبه لا يكون إلا ضعيفا فلو كان غلبتهم بشوكتهم لكان الواجب أن يغلبوا قبل غلبهم فإذا غلبوا بعد ما غلبوا دل عليه أن ذلك بأمر الله (فقال) (١) من بعد غلبهم ليتفكروا في ضعفهم ويتذكروا أنه ليس بقوتهم وإنما ذلك بأمر هو من الله ، وقوله : في أدنى الأرض لبيان شدة ضعفهم أي انتهى ضعفهم إلى أن وصل عدوهم إلى طرف الحجاز وكسروهم وهم في بلادهم ثم غلبوا حتى وصلوا إلى المدائن وبنوا هناك «الرومية» لبيان أن هذه الغلبة العظيمة بعد ذلك الضعف العظيم بإذن الله تعالى (٢).

فصل

قال : (فِي بِضْعِ سِنِينَ) وهو ما بين الثلاثة والعشرة فأبهم الوقت مع أن المعجزة في تعيين الوقت أتم لأن السنة والشهر واليوم والساعة كلها معلومة عند الله وبينها لنبيه ، وما أذن له في إظهاره لأن الكفار كانوا معاندين والأمور التي تقع في البلاد النائية تكون معلومة الوقوع بحيث لا يمكن إنكارها لكن وقتها يمكن الاختلاف فيه فالمعاند كان يتمكن من أن يرجف بوقوع الواقعة قبل الوقوع ليحصل الخلاف في كلامه ، ولمّا نزلت الآية خرج أبو بكر ـ رضي الله عنه ـ إلى الكفار فقال : فرحتم بظهور (٣) إخوانكم فلا تفرحوا فو الله لتظهرنّ الرّوم على فارس أخبرنا بذلك نبينا محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فقام إليه أبيّ بن خلف الجمحيّ فقال : كذبت فقال : أنت أكذب يا عدوّ الله (فقال اجعل بيننا (٤)) أجلا أناحبك عليه ، والمناحبة المراهنة على عشر قلائص مني وعشر قلائص منك فإن ظهرت الروم على فارس غرمت وإن ظهرت فارس غرمت ، وجعلوا الأجل ثلاث سنين فجاء أبو بكر إلى النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فأخبره بذلك ، وذلك قبل تحريم القمار ، فقال رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : ما هكذا ذكرت إنما البضع ما بين الثلاث إلى التسع فزايده (٥) في الخطر ، وماده (في (٦) الأجل) فجعلها مائة قلوص ، إلى تسع سنين ، وقيل : إلى سبع سنين قال : قد فعلت وهذا يدل على علم النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ بوقت الغلبة ثم إنّ أبيّ بن خلف خشي أن يخرج أبو بكر من مكة فأتاه ولزمه (٧) وقال (أبيّ (٨)) : أخاف أن تخرج من مكة فأقم

__________________

(١) ساقط من «ب».

(٢) انظر : تفسير الفخر الرازي ٢٥ / ٩٦.

(٣) في «ب» لتطهور.

(٤) ساقط من «ب».

(٥) في «ب» فزاده.

(٦) ساقط من «ب».

(٧) في «ب» فلزمه.

(٨) ساقط من «ب» وفيها «وقال إني أخاف أن يخرج أبو بكر من مكة فأقم لي كفيلا».

٣٨٤

لي كفيلا فكفل له ابن عبد الله بن أبي بكر ، فلما أراد أبي بن خلف أن يخرج إلى أحد رآه عبد الله بن أبي بكر فلزمه وقال : والله لا أدعك حتى تعطيني كفيلا فأعطاه ، ثم خرج إلى أحد ثم رجع أبي بن خلف فمات بمكة من جراحته التي جرحه رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ حين بارزه وظهرت الروم على فارس يوم الحديبية ، وذلك عند رأس سبع سنين من مناحبتهم. وقيل : كان يوم بدر ، قال الشعبي : لم تمض (١) تلك المدة التي عقدوا المناحبة بينهم أهل مكة وصاحب قمارهم أبي بن خلف والمسلمون وصاحب قمارهم أبو بكر الصديق ، وذلك قبل تحريم القمار حتى غلبت الروم فارس ، وربطوا خيولهم بالمدائن وبنوا الرومية فقمر (٢) أبو بكر أبيّا ، وأخذ مال الخطر من ورثته ، وجاء به يحمله إلى النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فقال النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ تصدق به (٣).

قوله : (مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ) العامة على بنائهما ضمّا لقطعهما على الإضافة وإرادتهما أي من قبل الغلب ومن بعده أو من قبل كل أمر ومن بعده ، وإنما بني على الضم لما قطعت عن الإضافة لأن غير الضمة من الفتح والكسرة تشبيه بما (٤) يدخل عليهما وهو النصب والجر ، أما النصب ففي قولك : «جئت قبله أو بعده». وأما الجر ففي قولك : «من قبله ومن بعده» فبني عليه لعدم دخول مثلها عليه في الإعراب وهو الرفع ، وحكى الفراء كسرها من غير تنوين. وغلطه النحاس وقال : إنما يجوز من قبل (٥) ومن بعد يعني مكسورا منونا ، قال شهاب الدين : وقد قرىء بذلك (٦) ووجهه أنه لم ينو إضافتهما فأعربهما كقوله :

٤٠٣٣ ـ فساغ لي الشّراب وكنت قبلا

أكاد أغصّ بالماء القراح (٧)

وقوله :

٤٠٣٤ ـ ونحن قتلنا الأسد أسد خفيّة

فما شربوا بعدا على لذّة خمرا (٨)

وحكي من قبل بالتنوين والجر ومن بعد بالبناء على الضم (٩).

__________________

(١) انظر : تفسير القرطبي ١٤ / ٣.

(٢) أي غلبة.

(٣) انظر هذه القصص في تفسير القرطبي ١٤ / ١ ، ٢ ، ٣ ، ٤ ، ٥.

(٤) في «ب» ما يدخل عليهما. انظر : المعاني ٢ / ٣٢٠.

(٥) إعراب القرآن للنحاس ٣ / ٢٦٣ : ٢٦٥.

(٦) انظر : الدر المصون ٤ / ٣١٤.

(٧) البيت من الوافر ، ويروى : من الماء الفرات ، ومن الماء الحميم وهاتان هما المشهورتان وهو في أبيات تروى ليزيد بن الصعق ، ورواية الشطر الأخير فيها : أكاد أغصّ بنقطة الماء الحميم. يقول : إنه بعد أن أخذ بثأره استساغ له الشراب الذي كان لا يستسيغه قبل ذلك. والشاهد : حذف المضاف إليه لفظا ومعنى ؛ ولهذا نكر فنوّن منصوبا. وقد تقدم.

(٨) البيت من الطويل وقائله مجهول. وقد تقدم.

(٩) حكاه القرطبي في الجامع ١٤ / ٧ وأبو حيان في البحر ٧ / ١٦٢. ومعاني الزجاج ٤ / ١٧٦ وقد أنكرها هو والنحاس في الإعراب في ٤ / ٢٦٣.

٣٨٥

وقد خرج بعضهم ما حكاه الفراء على أنه قدر أن المضاف إليه موجود فترك الأول بحاله (١) وأنشد :

٤٠٣٥ ـ ...........

بين ذراعي وجبهة الأسد (٢)

والفرق لائح ، فإن في اللفظ مثل المحذوف على خلاف في تقدير البيت أيضا.

فصل (٣)

وعلى قراءة عبد الله بن عمر ، وأبي سعيد الخدري ، والحسين ، وعيسى بن عمر غلبت الروم بفتح الغين واللام سيغلبون بضم الياء وفتح اللام. قالوا : نزلت حين أخبر النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ عن غلبة الروم فارسا في أدنى الأرض (إليكم (٤)) وهم من بعد غلبهم سيغلبون المسلمين في بضع سنين وعند انقضاء هذه المدة أخذ المسلمون في جهاد الروم والأول قول أكثر المفسرين وهو الأصح ولله الأمر من قبل ومن بعد أي من قبل دولة الروم على فارس ومن بعدها فأي الفريقين كان لهم الغلبة فهو بأمر الله وقضائه وقدره.

قوله : (وَيَوْمَئِذٍ) أي إذ تغلب الروم فارسا ، والنصاب «ليوم» (يفرح (٥) وقوله : (بِنَصْرِ اللهِ يَنْصُرُ) من التجنيس ، وقد تقدم آخر الكهف ، وقوله : بنصر اللّ ه «الظاهر تعلقه» بيفرح). وجوز أبو البقاء (٦) أن يتعلق «بينصر» وهذا فيه تفكيك للنّظم.

فصل

المعنى : يومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله الروم على فارس. قال السدي : فرح النبي

__________________

(١) يقول أبو الفتح ابن جني في خصائصه : «وسمع أيضا : «لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ» فحذف ولم بين».

انظر : الخصائص ٢ / ٣٦٥ وقد سبق إلى هذا المعنى الفراء نفسه فقال : «ولا تنكرنّ أن تضيف قبل ، وبعد وأشباههما وإن لم يظهر فقد قال ... وقال الآخر ، وأنشد البيت» المعاني ٢ / ٣٢٢.

(٢) البيت من المنسرح وقد نسب إلى الفرزدق وليس بديوانه وقد استشهد فوق بشطره الثاني وصدره :

يا من رأى عارضا أكفكفه

ويروى : عارضا أرقت له ، ويروى : أسرّ به ، والعارض : السحاب المعترض في الأفق ، وذراعا الأسد وجبهته من منازل القمر يستدل بها على نزول المطر ، والشاهد في البيت : حذف المضاف إليه وبقاء المضاف على حاله وهو قوله : «ذراعي» فلو لم يقصد ذلك لقال «ذراعين» فالنون حذفت للإضافة كما هو معروف لدى المثنى والجمع السالم فكان الأصل حينئذ «ذراعي الأسد وجبهة الأسد» وهذا على تقدير الفراء والمبرد بينما روى سيبويه غير ذلك حيث يؤدي إلى الفصل بين المضاف والمضاف إليه وهو ممنوع. انظر : الكتاب ١ / ١٨٠ ، والمقتضب ٤ / ٢٢٩ ، والخصائص ٢ / ٤٠٧ وابن يعيش ٣ / ٢١ وتمهيد القواعد ٢ / ٤٥٤ والتصريح ١ / ١٠٥ والأشموني ٢ / ٢٧٤ ومعاني الفراء ٢ / ٣٢٢ ومعاني الزجاج ٤ / ١٧٧ وإعراب النحاس ٣ / ٢٦٣ والمذكر والمؤنث للفراء ١١٥ ، والمذكر والمؤنث لابن الأنباري ١ / ٤٢٨ ، واللسان «يا» وسر صناعة الإعراب ١ / ٢٩٧ ، وخزانة الأدب ١ / ٣٦٩ ، ٢ / ٢٤٦ بولاق.

(٣) ساقط من «ب».

(٤) زيادة من «أ».

(٥) ما بين المعقوفين ساقط كله من «ب».

(٦) انظر : التبيان ١٠٣٦.

٣٨٦

ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ والمؤمنون بظهورهم على المشركين يوم بدر ، فظهور أهل الكتاب على أهل الشرك (يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ) الغالب «الرحيم» للمؤمنين.

قوله تعالى : (وَعْدَ اللهِ لا يُخْلِفُ اللهُ وَعْدَهُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٦) يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ (٧) أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ ما خَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلاَّ بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ لَكافِرُونَ (٨) أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوها أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوها وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٩) ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ وَكانُوا بِها يَسْتَهْزِؤُنَ)(١٠)

قوله : (وَعْدَ اللهِ) مصدر مؤكد ناصبه (١) مضمر أي وعدهم الله ذلك وعدا بظهور الروم على فارس (لا يُخْلِفُ اللهُ وَعْدَهُ) وهذا مقدر لمعنى هذا المصدر ويجوز أن يكون قوله : (لا يُخْلِفُ اللهُ وَعْدَهُ) حالا من المصدر (٢) فيكون كالمصدر الموصوف فهو مبين للنوع (و (٣)) كأنه قيل : وعد الله وعدا غير مخلف (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ).

قوله : (يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا) يعني أمر معايشهم كيف يكتسبون ويتّجرون ومتى يغرسون قال الحسن (٤) : إن أحدهم لينقر الدرهم بطرف ظفره فيذكر وزنه ، ولا يخطىء وهو لا يحسن (يصلي (٥)) والمعنى أن علمهم منحصر في الدنيا بل لا يعلمون الدنيا كما هي وإنما يعلمون ظاهرها وهو ملاذها ولا يعلمون باطنها وهو مضارها ومتاعبها ولا يعلمون فناها (وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ) ساهون جاهلون بها لا يتفكرون فيها ، وذكرهم الثانية ليفيد أن الغفلة منهم (٦) وإلا فأسباب التذكر حاصلة.

قوله : (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ) فقوله في أنفسهم ظرف للتفكّر ، وليس مفعولا للتفكر ، (إذ متعلقه خلق) (٧) السماوات والأرض ، والمعنى أن أسباب التفكر حاصلة وهي أنفسهم لو تفكروا فيها لعلموا وحدانيّة الله ، وصدقوا بالحشر أما الوحدانية فلأن الله تعالى خلقهم في أحسن تقويم ، ومن يفكر في تشريح بدن الإنسان وحواسه (٨) رأى في ذلك حكما كل واحدة منها كافية في معرفة كون الله فاعلا مختارا قادرا كاملا عالما ، ومن يكون كذلك يكون واحدا وإلا لكان عاجزا عن إرادة شريكه ضد ما أراده وأما دلالة

__________________

(١) الدر المصون ٤ / ٣١٥.

(٢) السابق.

(٣) زيادة من أ.

(٤) القرطبي ١٤ / ٨.

(٥) ساقط من «ب».

(٦) في «ب» فيهم.

(٧) ساقط من «ب».

(٨) في «ب» وجوارحه.

٣٨٧

الإنسان على الحشر فلأنه إذا تفكر في نفسه يرى قوى (١) مصائره إلى الزوال ، وأجزاء ماثلة إلى الانحلال وله فناء ضروري فلو لم يكن حياة أخرى لكان خلقه على هذا الوجه عبثا وإليه الإشارة بقوله (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً) [المؤمنون : ١١٥] ، وهذا ظاهر ، لأن من يفعل شيئا للعبث ، فلو بالغ في أحكامه (٢) لضحك منه فأذن خلقه لذلك للبقاء ولا بقاء دون اللقاء بالآخرة فإذن لا بد من البعث. ثم إنه تعالى ذكر بعد دليل الأنفس دليل الأقطار فقال : (ما خَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى) ، فقوله : (إِلَّا بِالْحَقِّ) إشارة إلى وجه دلالتها على الوحدانية وقد بينا ذلك في قوله : (خَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ) [العنكبوت : ٤٤].

قوله : (ما خَلَقَ) «ما» نافية ، وفي هذه الجملة وجهان :

أحدهما : أنها مستأنفة لا تعلق لها بما قبلها.

والثاني : أنها معلقة للتفكّر فتكون في محل نصب (٣) على إسقاط الخافض ويضعف أن تكون استفهامية بمعنى النفي ، وفيها الوجهان المذكوران. والباء في «بالحق» إما سببية (٤) ، وإما حالية (٥) لإقامة قيل الحق ، وقوله : (وَأَجَلٍ مُسَمًّى) تذكير بالأصل الآخر الذي أنكروه أي لوقت معلوم ، إذا انتهت إليه فنيت وهو يوم القيامة ، (وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ لَكافِرُونَ) لا يعلمون أنه لا بد بعد هذه الحياة من لقاء وبقاء.

قوله : «بلقاء» منعلق «بالكافرين (٦)» واللام لا تمنع من ذلك لكونها في خبر «إنّ». فإن قيل : ما الحكمة في تقديمه ههنا دلائل الأنفس على دلائل الآفاق وقدم دليل الآفاق على دلائل (٧) الأنفس في قوله : (سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ) [فصلت : ٥٣]؟.

فالجواب : أن المفيد إذا أفاد فائدة يتذكرها على وجه جيد يختاره فإن مهمة السامع المستفيد فذاك(٨) ، وإلا يذكرها (٩) على وجه أبين منه وينزل درجة فدرجة وأما المستفيد فإنه يفهم أولا الأبين ثم يرتقي إلى فهم ذلك الأخفى الذي لم يكن فهمه فيفهمه بعد فهم الأبين (١٠) المذكور آخرا فالمذكور من المفيد آخرا مفهوم عند المستمع أولا ، إذا علم هذا

__________________

(١) في «ب» قواه صائرة وهو الأصح.

(٢) انظر : تفسير القرطبي ٢٥ / ٩٧ و ٩٨ و ٩٩.

(٣) انظر : التبيان لأبي البقاء ١٠٣٧ ، والدر المصون ٤ / ٣١٥.

(٤) يقول الفراء في معاني القرآن : «إلا بالحق : للثواب والعقاب والعمل» انظر : المعاني ٢ / ٣٢٢.

(٥) ذكرها في الكشاف ٣ / ٢١٥ ، يقول : «الباء في قوله إلا بالحق مثلها في قولك دخلت عليه بثياب السفر».

(٦) الأصح «بالكافرون».

(٧) انظر : تفسير الفخر الرازي ٢٥ / ٩٩.

(٨) في «ب» فذلك.

(٩) في «ب» فيذكرها.

(١٠) في «ب» الذي ذكر آخرا فالمفيد من الذي ذكر آخرا.

٣٨٨

فنقول ههنا (الفعل (١)) كان منسوبا إلى السامع حيث قال : (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ) فقال : (فِي أَنْفُسِهِمْ) يعني فيما فهموه (٢) أولا ولم يرتقوا إلى ما فهموه ثانيا ، وأما في قوله «سنريهم» الأمر منسوبا إلى المفيد المسمع فذكر أولا الآفاق ، فإن لم يفهموه فالأنفس (٣) ، لأن دلائل الأنفس لا ذهول للإنسان عنها ، وأما دلائل الآفاق فيمكن الذهول عنها ، وهذا الترتيب مراعى في قوله تعالى : (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ) [آل عمران : ١٩١] أي يعلمون الله بدلائل الأنفس في سائر الأحوال ويتفكرون في خلق السماوات والأرض بدلائل الآفاق.

فصل (٤)

وجه دلالة الخلق بالحقّ (٥) على الوحدانية ظاهر ، وأما وجه دلالته على الحشر فلأن (تخريب (٦)) السموات وعدمها لا يعلم بالعقل إلا إمكانه ، وأما وقوعه فلا يعلم إلا بالسمع لأن الله قادر على إبقاء الحوادث أبدا كما أنه يبقي الجنة والنار بعد إحداثهما أبدا ، والخلق دليل إمكان العدم ، لأن المخلوق لم يجب له القدم فجاز عليه (٧) العدم ، فإذا أخبر الصادق عن أمر ممكن وجب على العاقل التصديق والإذعان ؛ لأن العالم لما كان خلقه بالحق ينبغي أن يكون بعد هذه الحياة حياة أخرى باقية لأن هذه الحياة ليست لعبا ولهوا كما تبين بقوله : (وَما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ) (وخلق السموات (٨) والأرض للهو واللعب عبث ، والعبث ليس بحق) فخلق السماوات والأرض بالحق يدل على أنه لا بد بعد هذه الحياة الدنيا من حياة.

فإن قيل : ما الفائدة في قوله ههنا : (كَثِيراً مِنَ النَّاسِ) وقال من قبل : (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ)؟.

فالجواب : (فائدته (٩)) أنه من قبل لم يذكر دليلا على الأصلين وههنا قد ذكر الدلائل الراسخة والبراهين اللائحة ولا شك في أن الإيمان بعد الدليل أكثر من الإيمان قبل الدليل فبعد الدليل لا بد (أن يؤمن) (١٠) من ذلك الأكثر جمع فلا يبقى الأكثر كما هو ، فقال بعد إقامة الدليل وإنّ كثيرا ، وقال قبله: (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ) لأنه بعد الدليل الذي لا يمكن الذهول عنه وهو السماوات والأرض لأن من البعيد أن يذهل الإنسان عن السماء التي فوقه ، والأرض التي تحته ، فلهذا ذكر ما يقع الذهول عنه وهو أمر أمثالهم ،

__________________

(١) ساقط من «ب».

(٢) في «ب» فيما فهموا.

(٣) في «ب» بالأنفس.

(٤) في «ب» فإن قيل بدلا من (فصل).

(٥) الخلق على الخالق بدلالة الوحدانية في «ب».

(٦) ساقط من «ب».

(٧) في «ب» فحان عليه.

(٨) ساقط كله من «ب» ما بين القوسين.

(٩) ساقط من «ب».

(١٠) ساقط من «ب».

٣٨٩

وحكاية أشكالهم فقال : (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) وقال في الدليلين المتقدمين (أَوَلَمْ يَرَوْا) (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا) إذ لا حاجة هناك إلى السير بحضور (١) النفس والسماء والأرض ، وقال ههنا (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فَيَنْظُرُوا) ذكرهم بحال أمثالهم ، ومآل (٢) أشكالهم ثم ذكر أنهم أولى بالهلاك ، لأن من تقدم من (عادٍ وَثَمُودَ) كانوا (٣) أشدّ منهم قوة ، ولم ينفعهم قواهم (٤) وكانوا أكثر مالا وعمارة ، ولم يمنعهم من الهلاك أموالهم وحصونهم.

قوله : (وَأَثارُوا الْأَرْضَ) حرثوها وقلبوها للزراعة (ومن ه «البقرة تثير الأرض (٥)» وقيل : منه سمي ثورا) ، وأنتم لا حراثة لكم ، (وَعَمَرُوها أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوها) أهل مكة ، قيل : قال ذلك لأنه لم يكن لأهل مكة حرث ، وقوله : (أَكْثَرَ مِمَّا) نعت (٦) مصدر محذوف أي عمارة أكثر من عمارتهم. وقرىء : «وآثاروا (٧)» بألف بعد الهمزة وهي إشباع لفتح الهمزة.

قوله : (وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ) فلم يؤمنوا فأهلكهم الله ، (فَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ) بنقص حقوقهم (وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) ببخس حقوقهم.

قوله : (عاقِبَةَ الَّذِينَ) قرأ نافع ، وابن كثير ، وأبو عمرو بالرفع (٨) ، والباقون بالنصب ، فالرفع على أنها اسم كان (٩) ، وذكر الفعل لأن التأنيث مجازي ، وفي الخبر حينئذ وجهان :

أحدهما : «السوءى» أي الفعلة السوءى والخصلة السوءى.

والثاني : (أَنْ كَذَّبُوا) أي كان آخر أمرهم التكذيب فعلى الأول يكون في (أَنْ كَذَّبُوا) وجهان :

أحدهما : أنه على إسقاط الخافض إما لام العلة أي لأن كذبوا ، وإما باء السببية أي

__________________

(١) في «ب» لحضور باللام. وما هنا والفخر الرازي بحضور بالباء.

(٢) في «ب» أمثال أشكالهم.

(٣) في «ب» وكانوا أكثر منهم قوة.

(٤) في «ب» قوتهم.

(٥) ما بين القوسين بياض في «ب» وهو ساقط منها. وانظر : غريب القرآن لابن قتيبة ٣٤٠ ، والمجاز لأبي عبيدة ٢ / ١١٩ قال : «استخرجوها».

(٦) انظر : الدر المصون ٤ / ٣١٥ والتبيان ١٠٣٧.

(٧) انظر : البحر المحيط ٧ / ١٦٤ ، وقد نسبها إلى أبي جعفر ، وانظر : السبعة لابن مجاهد ٥٠٦ وقد اعترض ابن مجاهد على هذه القراءة وكذلك أبو الفتح الذي قال : إنّ الإشباع من ضرورة الشعر.

انظر : البحر ٧ / ١٦٤ ، والمحتسب ٢ / ١٦٣.

(٨) انظر : الإتحاف ٣٦٤ والسبعة ٥٠٦ ، وإبراز المعاني ٦٤٠ وإعراب النحاس ٤ / ٢٦٦.

(٩) انظر : الكشف لمكي ٢ / ١٨٢ والبيان لابن الأنباري ٢ / ٢٤٩.

٣٩٠

بأن كذبوا فلما حذف الحرف (١) جرى القولان المشهوران بين (٢) الخليل وسيبويه في محل «أن» (٣).

والثاني : أنه بدل من «السّوءى» أي ثم كان عاقبتهم التكذيب ، وعلى الثاني يكون «السوءى» مصدرا «لأساءوا» أو يكون نعتا لمفعول محذوف أي أساء والفعلة السّوءى ، و «السوءى» تأنيث «للأسوأ» (٤). وجوز بعضهم (٥) أن يكون خبر كان محذوفا للإبهام ، و «السوءى» إما مصدر وإما مفعول كما تقدم أي اقترفوا الخطيئة السّوءى ؛ أي كان عاقبتهم الدّمار. وأما النصب (٦) فعلى خبر كان ، وفي الاسم وجهان :

أحدهما : «السوءى» إن كانت الفعلة السوءى عاقبة المسيئين ، و (أَنْ كَذَّبُوا) على ما تقدم.

الثاني : أن الاسم (أَنْ كَذَّبُوا) و «السّوءى» على ما تقدم. المعنى : ثم كان عاقبة الذين أساءوا السّوءى يعني : الخلة التي تسوؤهم وهي النار (وهي) (٧) السّوءى اسم لجهنم كما أن الحسنى اسم للجنة (أَنْ كَذَّبُوا) أي لأن كذبوا ، وقيل : تفسير «السوءى» ما بعده ، وهو قوله : (أَنْ كَذَّبُوا) يعني : ثم كان عاقبة المسيئين التكذيب حملهم تلك السيئات على أن كذبوا بآيات الله وكانوا بها يستهزئون.

قوله تعالى : (اللهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (١١) وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ (١٢) وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكائِهِمْ شُفَعاءُ وَكانُوا بِشُرَكائِهِمْ كافِرِينَ (١٣) وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ (١٤) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ (١٥) وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا وَلِقاءِ الْآخِرَةِ فَأُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ)(١٦)

قوله : (اللهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) أي يخلقهم ابتداء (٨) ثم يعيدهم بعد الموت أحياء

__________________

(١) في «ب» حذف الجر ، وانظر في الإعراب الدر المصون ٤ / ٣١٦ والتبيان ١٠٣٧ و ١٠٣٨ والبيان ٢ / ٢٤٩ ومشكل إعراب القرآن ٢ / ١٧٧ ومعاني الفراء ٢ / ٣٢٢ والقرطبي ١٤ / ١٠.

(٢) الخليل بن أحمد بن عبد الرحمن بن أحمد البصري الفرهودي سيد أهل زمنه في علمه وزهده كان من تلامذة أبي عمرو ، أخذ عنه سيبويه ، والنضر بن شميل وهو أول من استخدم علم العروض مات سنة ١٦٠ ه‍ نزهة الألباء ٢٩ ، ٣٢.

(٣) في «ب» محله.

(٤) انظر : الكشاف ٣ / ٢٢٦.

(٥) هو الزمخشري حيث قال : «وأن كذبوا» عطف بيان لها ، وخير كان محذوف كما يحذف جواب «لما» و «لو» إرادة الإبهام ، الكشاف ٣ / ٢٢٦.

(٦) أي نصب عاقبة وانظر : المراجع السابقة والبحر ٧ / ١٦٤.

(٧) ساقط من «ب».

(٨) القرطبي ١٤ / ١٠.

٣٩١

ولم يقل : «يعيدهم» رد (١) على الخلق ، ثمّ إليه ترجعون ؛ فيجزيهم بأعمالهم ، قرأ أبو بكر ، وأبو عمرو «يرجعون» ـ بالياء ـ (٢) والآخرون بالتاء (٣).

قوله : (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ) قرأ العامة «يبلس» ببنائه للفاعل وهو المعروف يقال : أبلس الرجل أي انقطعت حجته (٤) فسكت وهو قاصر لا يتعدى ، قال العجاج :

٤٠٣٦ ـ يا صاح هل تعرف رسما مكرسا

قال : نعم أعرفه وأبلسا (٥)

وقرأ السّلميّ : «يبلس» مبنيّا للمفعول (٦) ، وفيه بعد ، لأن أبلس يتعدى ، وقد خرّجت هذه القراءة على أن القائم مقام الفاعل مصدر الفعل ، ثم حذف (المضاف (٧) ، وأقيم) المضاف إليه مقامه ، إذ الأصل يبلس إبلاس المجرمين ، و «يبلس» هو الناصب «ليوم تقوم» و «يومئذ» مضاف لجملة تقديرها يومئذ يقوم وهذا كأنه تأكيد لفظي ، إذ يصير التقدير يبلس المجرمون (يوم تقوم الساعة) (٨).

فصل

قال قتادة والكلبيّ : المعنى يبلس المشركون من كل خير (٩) ؛ وقال الفراء : ينقطع (١٠) كلامهم وحججهم. وقال مجاهد : يفتضحون (١١). ولم يكن لهم شركائهم أصنامهم التي عبدوها ليشفعلوا لهم شفعاء ، (وَكانُوا بِشُرَكائِهِمْ كافِرِينَ) يتبرأون (١٢) منها وتتبرأ منهم.

قوله : (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ) أي بين أهل الجنة من أهل النار ، قال مقاتل: يتفرقون بعد الحساب إلى الجنة والنار فلا يجتمعون أبدا كما قال تعالى : (فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ). قوله : (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ)

__________________

(١) في «ب» رده بالهاء.

(٢) على ما بين في العنكبوت. انظر : القرطبي ١٤ / ١٠ والبحر المحيط ٧ / ١٦٤ والكشاف ٣ / ٢١٦ ، والإتحاف ٣٤٦ ، والسبعة ٥٠٦ ، والنشر ٢ / ٣٤٤ ، وتقريب النشر ١٥٩.

(٣) المراجع السابقة.

(٤) قال في اللسان ٣٤٣ «ب ل س» (والمبلس : البائس ولذلك قيل للذي يسكت عند انقطاع حجته ولا يكون عنده جواب : قد أبلس) وأنشد البيت الذي أعلى.

(٥) البيت للعجاج وقد تقدم.

(٦) مختصر ابن خالويه ١١٦ ، والكشاف ٣ / ٢١٦ ، والقرطبي ١٤ / ١٠.

(٧) ساقط من «ب».

(٨) الدر المصون ٤ / ٣١٥ ، والتبيان ١٠٣٨ ، ١٠٣٩ ، هذا وما بين القوسين ساقط من «ب».

(٩) تفسير ابن كثير ٣ / ٤٢٨.

(١٠) المعاني ٢ / ٣٢٣.

(١١) تفسير ابن كثير ٣ / ٤٢٨.

(١٢) انظر : ابن جرير الطبري ٢١ / ١٩.

٣٩٢

وهي البستان (١) الذي في غاية النضارة ، وقوله : «يحبرون» قال ابن عباس يكرمون (٢). وقال قتادة ومجاهد : ينعمون (٣) ، وقال مجاهد وأبو عبيدة : يسرون (٤) ، والحبر والحبور السرور. وقيل الحبرة في اللغة كل نعمة حسنة والتّحبير التّحسين يقال هو حسن الحبر والسّبر بكسر الحاء والسين وفتحهما (٥) وفي الحديث : «حبرته لك تحبيرا» (٦) ، أي حسنت لك صوتي والقرآن تحسينا ، وجاء في الحديث «يخرج من النّار رجل ذهب حبره وسبره» (٧) فالمفتوح (٨) مصدر والمكسور اسم ، والروضة الجنة ، قيل : ولا تكون روضة إلا وفيها نبت ، وقيل : إلا وفيها ماء ، وقيل : ما كانت منخفضة ، والمرتفعة يقال لها : ترعة ، وقيل : لا يقال لها روضة إلا وهي في مكان غليظ مرتفع (٩). قال الأعشى :

٤٠٣٧ ـ ما روضة من رياض الحزن معشبة

خضراء جاد عليها مسبل هطل (١٠)

وأصل رياض رواض ، فقلبت الواو (١١) ياء على حدّ حوض وحياض ونكر الروضة للتعظيم (١٢) ، وقال ههنا : «يحبرون» بصيغة الفعل ولم يقل «محبورون» وقال في الأخرى «(محضرون (١٣))» بصيغة الاسم ولم يقل «يحضرون» لأن الفعل يدل على التجديد ، والاسم لا يدل عليه ، فقوله «يحبرون» يعني كل ساعة يأتيهم ما يسرون به ، وقوله

__________________

(١) انظر : القرطبي ١٤ / ١١.

(٢) السابق ١٤ / ١٢.

(٣) السابق ١٤ / ١٢.

(٤) مجاز القرآن ٢ / ١٢٠.

(٥) اللسان «ح ب ر».

(٦) هو في حديث أبي موسى «لو علمت أنّك تسمع لقراءتي لحبرتها لك تحبيرا» ، انظر : النهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير ١ / ٣٢٧.

(٧) انظر : النهاية المرجع السابق ١ / ٣٢٧ ، وغريب الحديث لأبي عبيد ١ / ٨٥ ، الفائق في غريب الحديث للزمخشري ١ / ٢٢٩ ، واللسان «ح ب ر» ٧٤٩.

(٨) في «ب» فالفتح.

(٩) انظر الدر المصون ٤ / ٣١٧ ، والقرطبي ١٤ / ١١ واللسان «ح ب ر» ٧٤٩. وانظر : غريب القرآن لابن قتيبة ٣٤١.

(١٠) البيت له من البسيط. وقوله : «مسبل ، هطل» صفتان لموصوف محذوف أي سحاب أو غيث و «المسبل» المنتشر الكثير ، والهطل : غزير الماء. ولقد أتى البيت لشاهد لغوي وهو أن الروضة هي لا تسمى هكذا إلا في مكان مرتفع حيث قال : «الحزن» وهو المكان المرتفع ، وانظر : مجاز القرآن ٢ / ١٢٠ ، والمفضليات بشرح الأنباري ٢٢٠ ، وابن جرير ٢١ / ١٩١ وفتح القدير ٤ / ١٢٨ ومجمع البيان ٧ / ٤٦٥ ، والقرطبي ١٤ / ١١ وإعراب القرآن للنحاس ٣ / ٢٦٨ و ١٦٥ والديوان «١٠٧» د / محمّد محمّد حسين.

(١١) حيث وقعت الواو عينا لفعال معتلة وقبلها كسرة وبعدها ألف وكانت في المفرد شبيهة بالمعلة وهذا أحد وجوه قلب الواو ياء.

(١٢) من شأنها وهذا بخلاف ما لو قال «الروضة» بالتعريف.

(١٣) ساقط من «ب».

٣٩٣

«محضرون» أي الكفار في العذاب يبقون (فيه (١)) محضرون.

قوله تعالى : (فَسُبْحانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (١٧) وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ)(١٨)

قوله : (فَسُبْحانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ) أي سبحوا الله ، ومعناه صلوا عليه حين «تمسون» تدخلون في المساء ، وهو صلاة المغرب والعشاء (وَحِينَ تُصْبِحُونَ) أي تدخلون في الصباح وهو صلاة الصبح. (وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) قال ابن عباس : يحمده أهل السماوات والأرض ويصلون (وَعَشِيًّا) أي صلوا لله عشيا ؛ يعني صلاة العصر (وَحِينَ تُظْهِرُونَ) أي تدخلون في الظهيرة وهي صلاة الظهر ، قال نافع (٢) الأزرق لابن عباس : هل تجد الصلوات الخمس في القرآن؟ قال : نعم وقرأ هاتين الآيتين ، وقال : جمعت الآية الصلوات الخمس ومواقيتها. وروى أبو هريرة أن رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ قال «من قال سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرّة حطّت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر». (وقال عليه (٣) السلام : من قال حين يصبح وحين يمسي سبحان الله وبحمده مائة مرّة لم يأت أحد يوم القيامة بأفضل ممّا جاء به إلّا قال مثل ما قال أو زاد عليه ، وقال عليه‌السلام : «كلمتان خفيفتان على اللّسان ، ثقيلتان في الميزان حبيبتان على الرّحمن : سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم».

قوله : «تمسون وتصبحون» (تامّات) أي تدخلون في المساء والصباح كقولهم : إذا سمعت بسرى القين فاعلم بأنه (مصبح (٤)) أي مقيم في الصباح ، والعامة على إضافة الظرف إلى الفعل بعده ، وقرأ عكرمة (٥) : «حينا» بالتنوين ، والجملة بعده صفة له ، والعائد حينئذ محذوف أي تمسون فيه ، كقوله (وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ) [لقمان : ٣٣]. والناصب لهذا الظرف «سبحان (٦)» لأنّه نائب عن عامله.

قوله : (وَعَشِيًّا) عطف على «حين» وما بينهما (٧) اعتراض و (فِي السَّماواتِ) يجوز أن يتعلق بنفس الحمد (أي أن الحمد (٨)) يكون في هذين الظرفين.

__________________

(١) ساقط من «ب».

(٢) ابن جرير : نافع بن الأزرق وانظر : تفسير ابن جرير الطبري ٢١ / ٢٠ بروايات مختلفة.

(٣) ما بين القوسين كله ساقط من «ب».

(٤) وفي اللسان «ق ي ن» ومن أمثالهم : إذا سمعت يسرى القين فإنه مصبح قال أبو عبيد : يضرب للرجل يعرف بالكذب حتى يردّ صدقه ، والقين : الحدّاد. اللسان «ق ي ن» ٣٧٩٨ و ٣٧٩٩.

(٥) إذا أطلق عكرمة فإنه يراد به عكرمة بن خالد بن العاص المخزومي المكيّ تابعيّ ، ثقة روى عن أصحاب ابن عباس وقرأ على ابن عمر ، وقرأ عليه أبو عمرو بن العلاء مات سنة ١٥ ه‍ ، انظر : غاية النهاية ١ / ٥١٥. وانظر : المختصر لابن خالويه ١١٦ ، والمحتسب ٢ / ١٦٣ وهي شاذة غير متواترة.

(٦) الدر المصون ٤ / ٣١٨.

(٧) السابق.

(٨) ساقط من «ب».

٣٩٤

قوله تعالى : (يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَكَذلِكَ تُخْرَجُونَ)(١٩)

قوله : (يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ). قد تقدم اختلاف القراء في تخفيف الميت (١) وتثقيله وكذلك قوله «تخرجون» في سورة الأعراف (٢) ، و «كذلك» نعت مصدر محذوف أي ومثل ذلك الإخراج العجيب تخرجون (٣).

واعلم أن وجه تعلق إخراج الحي من الميت والميت من الحي بما قبله هو أن عند الإصباح يخرج الإنسان من سنّة النّوم (٤) وهو النوم إلى سنة الوجود وهي اليقظة وعند العشاء يخرج الإنسان من اليقظة إلى النوم. واختلف المفسرون في قوله : (يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ) فقال أكثرهم يخرج الدجاجة من البيضة ، والبيضة من الدجاجة وكذلك الحيوان من النطفة والنطفة من الحيوان. وقيل : يخرج المؤمن من الكافر والكافر من المؤمن ثم قال : (وَيُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها) وفي هذا معنى لطيف وهو أن الإنسان بالموت تبطل حواسه ، وأما نفسه الناطقة فتفارقه (٥) ، وتبقى بعده كما قال : (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً) [آل عمران : ١٦٩] لكن الحيوان نام متحرك حساس لكن النائم لا يتحرك ، ولا يحس ، والأرض الميتة (٦) لا يكون فيها نماء ، (ثم (٧)) النائم بالانتباه يتحرك ويحس والأرض الميتة بعد موتها (ينمو (٨)) نباتها ، فكما أن تحريك ذلك الساكن وهذا الواقف سهل على الله ، كذلك إحياء الميت سهل على الله ، وإلى هذا أشار بقوله (وَكَذلِكَ تُخْرَجُونَ).

قوله تعالى : (وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ إِذا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ (٢٠) وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (٢١) وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوانِكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْعالِمِينَ (٢٢) وَمِنْ آياتِهِ مَنامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَابْتِغاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (٢٣) وَمِنْ آياتِهِ يُرِيكُمُ

__________________

(١) قول الله تعالى : «وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ» وهي الآية ٢٧ من آل عمران ؛ فقد قرأ حفص ونافع وحمزة والكسائيّ وأبو جعفر ويعقوب وخلف بتشديد الياء المكسورة والباقون بالتخفيف ، انظر الإتحاف ١٧٣ و ٣٤٧ ، والسبعة ٢٠٣ واللباب ٢ / ١٣.

(٢) يقصد قول الله «قالَ فِيها تَحْيَوْنَ وَفِيها تَمُوتُونَ وَمِنْها تُخْرَجُونَ» وهي الآية ٢٥ من الأعراف فمن القراء من يقرأ بفتح الأول وضمّ الراء وهم حمزة والكسائي وخلف أي بالبناء للفاعل وغيرهم بالبناء للمفعول انظر : الإتحاف ٢٢٣ و ٣٤٧ و ٣٤٨ والسبعة ٥٠٦.

(٣) الدر المصون ٤ / ٣١٨.

(٤) في «ب» ـ وهو الأصح ـ الموت.

(٥) في «ب» تفارقه.

(٦) في «ب» الميت.

(٧) ساقط من «ب».

(٨) كذلك ساقط من «ب».

٣٩٥

الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ ماءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)(٢٤)

قوله : (وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ) مبتدأ أو خبر أي ومن جملة علامات توحيده وأنه يبعثكم خلقكم واختراعكم و «من» لابتداء الغاية ، وقوله : (مِنْ تُرابٍ) أي خلق أصلنا وهو آدم من تراب ، (أ) (١) وأنه خلقنا من نطفة والنطفة من الغذاء والغذاء إنما يتولد من الماء والتراب على ما تقدم شرحه (ثُمَّ إِذا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ) في الأرض. والترتيب والمهلة هنا ظاهران فإنهم يصيرون بشرا بعد أطوار كثيرة و «تنتشرون» حال.

و «إذا» هي الفجائيّة ، إلا أنّ الفجائية أكثر ما تقع (٢) بعد الفاء ؛ لأنها تقتضي التعقيب ووجه وقوعها (مع (٣)) «ثم» بالنسبة إلى ما يليق بالحالة الخاصة أي بعد تلك الأطوار التي قصّها علينا في موضع آخر من كوننا نطفة ثم علقة ثم مضغة (ثمّ (٤) عظما مجردا) ثم عظما مكسوّا لحما (فاجأ (٥)) البشرية فالانتشار.

قوله : (وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً) (مِنْ أَنْفُسِكُمْ) يعني من بني آدم ، وقيل خلق «حوّى» من ضلع آدم (لِتَسْكُنُوا إِلَيْها). والصحيح أن المراد من جنسكم كما قال : (لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ) [التوبة : ١٢٨] ويدل عليه قوله : (لِتَسْكُنُوا إِلَيْها) يعني أن الجنسين المختلفين لا يسكن أحدهما إلى الآخر ، أي لا يثبت نفسه معه ، ولا يميل قلبه إليه (وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً) (وقيل : مودة (٦)) بالمجامعة ، (ورحمة (٧)) للولد تمسّكا بقوله : (ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا) [مريم : ٢] ، وقيل : جعل بين الزوجين المودة (والرحمة (٨)) فهما يتوادّان ، ويتراحمان وما من شيء (٩) أحبّ إلى أحد من الآخر من غير رحم (١٠) بينهما. (إِنَّ فِي ذلِكَ) يحتمل أن يكون المراد منه إن في خلق الأزواج «لآيات». ويحتمل أن يقال : «إن في جعل المودة والرحمة بينهم آيات لقوم يتفكرون» في عظمة الله وقدرته.

قوله : (وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ثم لما أشار إلى دلائل الأنفس والآفاق (ذكر(١١)) ما هو من صفات الأنفس وهو قوله : (وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ) أي لغاتكم من عرب وعجم مع تنوع كل من (الجنسين (١٢)) إلى أنواع شتى لا سيّما العجم ، فإن لغاتهم

__________________

(١) زيادة من «ب».

(٢) في «ب» يقع بصيغة التذكير.

(٣) ساقط من «ب».

(٤) ساقط من «ب».

(٥) ساقط من «ب».

(٦) ساقط من «ب» وانظر : القرطبي ١٤ / ١٧.

(٧) ساقط من «ب».

(٨) ساقط من «ب» وانظر : القرطبي ١٤ / ١٧.

(٩) في «ب» أحد بدل شيء.

(١٠) في «ب» رحمة.

(١١) ساقط من «ب».

(١٢) ساقط من «ب».

٣٩٦

مختلفة ، وليس المراد بالألسنة الجوارح. وقيل : المراد بالألسن اختلاف الأصوات ، وأما اختلاف الألوان فالمراد أبيض وأسود وأحمر وأنتم ولد رجل واحد ، (وامرأة واحدة (١)). وقيل : المراد باختلاف الألوان الذي بين ألوان الإنسان فإن واحدا منهم مع كثرة عددهم ، وصغر حجم قدودهم لا يشتبه بغيره ، والسموات مع غيرها وقلة عددها مشتبهات في الصورة (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْعالِمِينَ) ، قرأ حفص بكسر اللام ، جعله جمع عالم ضد الجاهل ونحوه : (وَما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ) والباقون (٢) بفتحها لأنها آيات لجميع الناس وإن كان بعضهم يغفل عنها وقد تقدم أول الفاتحة (٣) الكلام في «العالمين» (قيل (٤)) : هو جمع أو اسم جمع. قوله : (وَمِنْ آياتِهِ مَنامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ) لما ذكر الأعراض اللازمة وهي الاختلاف ذكر الأعراض المفارقة ومن جملتها النوم بالليل والحركة بالنهار طلبا للرزق (و (٥)) قيل : في الآية تقديم وتأخير ليكون كل واحد مع ما يلائمه ، والتقدير ومن آياته منامكم بالليل وابتغاؤكم من فضله بالنهار ، فحذف حرف الجر لاتصاله بالليل ، وعطفه عليه لأن حرف العطف (٦) قد يقوم مقام الجارّ ، والأحسن أن يجعل على حاله.

والنوم بالنهار مما كانت العرب تعدّه نعمة من الله ، ولا سيما في أوقات القيلولة في البلاد الحارة ، وقوله : (وَابْتِغاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ) أي منهما (٧) فإن كثيرا ما (٨) يكتسب الإنسان بالليل ، ويدل على الأول قوله تعالى : (وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ) [الإسراء : ١٢] وقوله تعالى : (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِباساً وَجَعَلْنَا النَّهارَ مَعاشاً) [النبأ : ١٠ ، ١١] ، ثم قال : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ) سماع تدبير واعتبار وقال ههنا : (لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ) ومن قبل : (لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) وقال : «للعالمين» لأن المنام بالليل ، والابتغاء (٩) يظّن الجاهل أو الغافل أنهما مما يقتضيه طبع الحيوان فلا يظهر لكل أحد كونهما من نعم الله ، فلم يقل آيات للعالمين ، ولأن الأمرين الأولين وهو اختلاف الألسن (١٠) والألوان من اللوازم

__________________

(١) انظر : القرطبي ١٤ / ١٨ وما بين القوسين كله ساقط من «ب».

(٢) انظر : الإتحاف ٣٤٨ والسبعة ٥٠٦ وإبراز المعاني ٦٤٠ ، و ٦٤١ ومعاني الفراء ٢ / ٣٢٣ الذي قال فيه : يريد العالم من الجن والإنس ، ومن قرأها : «للعالمين» بالكسر فهو وجه جيد لأنه قال : «لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ».

(٣) قيل هناك : إن عالمين اسم جمع لأن واحده من غير لفظه ، ولا يجوز أن يكون جمعا «لعالم» ؛ لأن الصحيح في «عالم» أنه يطلق على كل موجود ، سوى البارىء لاشتقاقه من العلامة «و «عالمون» بصيغة الجميع لا يطلق إلا على العقلاء دون غيرهم فاستحال أن يكون «عالمون» جمع عالم لأن الجمع لا يكون أخصّ من المفرد.

(٤) ساقط من «ب».

(٥) زائد من «ب».

(٦) انظر : الدر المصون ٤ / ٣١٨ : ٣٢٠ ، والقرطبي ١٤ / ١٨ ، والبحر المحيط ٧ / ١٦٧.

(٧) في «ب» فيهما.

(٨) في «ب» مما.

(٩) في «ب» والإيقاظ بالنهار لا يظن.

(١٠) في «ب» الألسنة.

٣٩٧

والمنام والابتغاء من الأمور المفارقة فالنظر إليهما لا يدوم لزوالهما في بعض الأوقات ولا كذلك اختلاف الألسنة والألوان فإنهما يدومان بدوام الإنسان فجعلهما آيات عامة ، وأما قوله : (لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) فإن من الأشياء ما يعلم من غير تفكر ، ومنها ما يكفي فيه مجرّد الفكرة ، ومنها ما يحتاج بعض الناس في تفهمه إلى مثل حسيّة (١) كالأشكال الهندسية ، لأن خلق الأرواح لا تقع لأحد أنه بالطبع إلا إذا كان (٢) جامد الفكرة ، فإذا تفكر علم كون ذلك الخلق آية ، وأما المنام والابتغاء فقد يقع لكثير أنهما من أفعال العباد ، وقد يحتاج إلى مرشد بغير فكرة فقال : (لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ) ويجعلون بالهم من كلام المرشد.

قوله : (وَمِنْ آياتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً) لما ذكر العرضيات اللازمة للأنفس المفارقة ذكر العرضيات التي للآفاق.

قوله : (يُرِيكُمُ الْبَرْقَ) فيه أوجه أظهرها : الموافق لأخواته (٣) أن يكون جملة اسمية من مبتدأ وخبر إلا أنه حذف الحرف المصدري ، ولما حذف بطل عمله والأصل : ومن آياته أن يريكم ، كقوله :

٤٠٣٨ ـ ألّا أيّهذا الزّاجري أحضر الوغى

 ............. (٤)

الثاني : أن (مِنْ آياتِهِ) متعلق (٥) «بيريكم» أو بمحذوف على أنه حال من البرق ، والتقدي ر «يريكم البرق من آياته» فيكون قد عطف جملة فعلية على جملة اسمية.

والثالث : أن «يريكم» صفة لموصوف محذوف أي ومن آياته (آية (٦)) يريكم البرق بها أو فيها البرق فحذف الموصوف والعائد عليه ومثله :

٤٠٣٩ ـ وما الدّهر إلّا تارتان فمنهما(٧)

أموت .... (٨)

__________________

(١) في «ب» أمثلة حسنة.

(٢) في «ب» إلا إذا يكون جامدة الفكرة.

(٣) في «ب» الموافق إخوانه وانظر في ذلك التفسير الكبير للإمام الفخر ٢٥ / ١١٢ و ١١٣.

(٤) هذا صدر بيت من الطويل للشاعر طرفة بن العبد من معلقته المعروفة عجزه :

وأن أشهد اللّذّات هل أنت مخلدي

في هذا البيت يزجر من يعيب عليه لهوه ، والشاهد : حذف «أن» ونصب الفعل وهذا على قول الكوفيين بمن فيهم الفراء قائلين إن ذلك ضرورة ، وفيه شاهد آخر وهو رفع الفعل وهو «أحضر» بحذف الناصب وتعريه منه والمعنى لأن أحضر وهو المراد هنا وانظر : البيان ٢ / ٢٥٠ ، ومعاني القرآن للفراء ٢ / ٣٢٣ ومعاني القرآن للزجاج ١ / ١٣٩ والسبع الطوال لابن الأنباري ١٩٢ والمقتضب ٢ / ١٣٤ والمسائل العسكرية ٢٠٢ ، والمقتصد ٧٩ ، والتصريح ٢ / ٢٤٥ والهمع ١ / ٦ ومجالس ثعلب ٣١٧ والبيان ـ أيضا ـ لابن الأنباري ١ / ١٠١ والخزانة ١ / ١١٩ والديوان «٣٢» والحماسة البصرية ١ / ٢٧٠.

(٥) في «ب» يتعلق.

(٦) ساقط من «ب».

(٧) في «ب» مادتان على رواية في البيت.

(٨) تمامه :

وأخرى أبتغي العيش أكدح ـ

٣٩٨

أي منهما تارة أموت منها.

الرابع : أن التقدير : ومن آياته سحاب أو شيء يريكم ؛ فيريكم صفة لذلك المقدر ، وفاعل «يريكم» ضمير يعود عليه (١) بخلاف الوجه قبله ، فإن الفاعل ضمير الباري تعالى.

فصل

المعنى يريكم البرق خوفا للمسافرين من الصواعق ، وطمعا للمقيمين في المطر ، وينزل من السماء ماء فيحيي به الأرض بعد موتها (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ).

فصل

قدم لوازم الأنفس على العوارض المفارقة (حيث (٢) ذكر أولا اختلاف الألسنة (٣) والألوان ثم المنام والابتغاء ، وقدم في الآفاق العارضة المفارقة) على اللوازم حيث قال : (يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنَزِّلُ) عليكم» وذلك لأن الإنسان متغير الحال (٤) ، فالعوارض فيها أغرب من اللوازم فقدم ما هو عجيب لكونه أدخل في كونه «آية» فإن الإنسان يتغير حاله بالكبر والصغر والصحة والسقم فله صوت يعرف به لا يتغير وله لون يتميز به عن غيره ، وهو متغير (٥) بذلك في الأحوال وذلك لا يتغير وهو آية عجيبة والسماء (والأرض (٦)) ثابتان لا يتغيران ثم نرى في بعض الأحوال أمطارا هاطلة ، وبروقا هائلة والسماء كما كانت والأرض كما كانت وذلك آية تدل على فاعل مختار يديم أمرا مع تغير المحلّ ويزيل أمرا مع ثبات المحلّ.

فصل

كما قدم السماء على الأرض قدم ما هو من السماء وهو البرق والمطر على ما هو من الأرض وهو الإنبات والإحياء وكما أن في إنزال المطر وإنبات الشجر منافع كذلك في تقديم الرعد والبرق على المطر منفعة وهي أن البرق إذا لاح فالذي لا يكون تحت كنّ (٧)

__________________

ـ وقد تقدم.

والبيت من الطويل ، وقائله تميم من مقبل ، وشاهده : حذف الموصوف وإبقاء صفته لدلالة ما قبله عليه والأصل : وتارة أموت فيها وتارة أخرى أكدح فيها انظر : ديوانه (٢٤) والكتاب ٢ / ٣٤٦ ومعاني الفراء ٢ / ٣٢٣ والقرطبي ١٤ / ١٨ والمقتضب ٢ / ١٣٦ والهمع ٢ / ١٢٠ والمحتسب ١ / ٢١٢ والطبري ٢١ / ٢٢ والخزانة ٥ / ٥٥ ـ ٥٩ والكامل ٣ / ١٧٩ ومعاني القرآن للزجاج ٢ / ٢٤٨ و ٤ / ١٨٢. وانظر في إعراب هذا الوجه وما قبله الدر المصون ٤ / ٣٢٠ والتبيان ١٠٣٨ و ١٠٣٩ والبيان ٢ / ٢٥٠.

(١) انظر هذا الوجه في الدر المصون ٤ / ٣٢٠ والتبيان ١٠٣٩.

(٢) من هنا ساقط من «ب».

(٣) ساقط من «ب».

(٤) في تفسير الفخر الرازي : والعوارض له غير بعيدة ، وأما اللوازم فيه فقريبة.

(٥) في «ب» يتغير.

(٦) ساقط من «ب».

(٧) الكنّ مفرد الكنون وهو البيت اللسان «ك ن ن» ٩٤٢.

٣٩٩

يخاف الابتلال فيستعد له ، والذي له صهريج (١) ، أو مصنع يحتاج إلى الماء أو زرع يسوي مجاري الماء ، وأيضا أهل البوادي (٢) لا يعلمون أن البلاد عشبة إن لم يكونوا قد رأوا البروق اللائحة من جانب دون جانب ، واعلم أن دلائل البرق وفوائده وإن لم تظهر للمقيمين في البلاد فهي ظاهرة للبادين فلهذا جعل تقديم البرق على تنزيل الماء من السماء نعمة وآية.

فصل

أما كونه آية فلأن الذي في السحاب ليس إلا ماء وهواء وخروج النار (٣) منهما بحيث يحرق الجبال في غاية البعد فلا بد له من خالق وهو الله. وقالت الفلاسفة : السحاب فيه كثافة ولطافة بالنسبة إلى الهواء أو الماء فالهوى (٤) ألطف منه والماء أكثف فإذا هبت الريح قوية تحرك السحاب فيحدث صوت الرعد وتخرج منه النار ، كما أن النار تخرج من وقع الحجر على الحديد فإن قيل : الحديد والحجر جسمان صلبان ، والسحاب والريح جسمان (لينان (٥)) (فنقول (٦)) لكن حركة يد الإنسان ضعيفة ، وحركة الريح قوية تقلع الأشجار) فنقول لهم الرعد والبرق (أمران (٧)) حادثان لا بد لهما من مسبّب ، وقد (٨) علم بالبرهان كون كلّ حادث (فهما) (٩) من الله ثم نقول : (هب (١٠)) أن الأمر كما يقولون فهبوب تلك الريح القوية من الأمور الحادثة العجيبة فلا بد لها من سبب (١١) وينتهي إلى واجب الوجود فهو آية للعاقل على قدرة الله كيفما فرضتم.

فإن قيل : ما الحكمة في قوله ههنا : «آيات (لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) وقوله فيما تقدم : (لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)؟ فالجواب :

لما كان حدوث الولد من الوالد أمرا عاديا مطردا قليل الاختلاف كان يتطرق إلى الأوهام العامية أن ذلك بالطبيعة لأن المطرد أقرب إلى (١٢) الطبيعة (من) (١٣) المختلف ، والبرق والمطر ليس أمرا مطردا (غير مختلف (١٤)) بل يختلف إذ يقع ببلدة دون بلدة وفي وقت دون وقت ، وتارة يكون قويا (١٥) ، وتارة يكون ضعيفا فهو أظهر في العقل دلالة على الفاعل المختار ، فقال هو آية لمن له عقل وإن لم يتفكر تفكرا تاما.

__________________

(١) واحد الصهاريج وهي كالحياض يجتمع فيها الماء ، اللسان «ص ه ر ج» ٢٥١٦.

(٢) في «ب» الوادي.

(٣) في «ب» المياه.

(٤) الهواء وهو الأصح في «ب».

(٥) ساقط من «ب».

(٦) ساقط كله أيضا من «ب».

(٧) ساقط من «ب».

(٨) انظر الفخر الرازي ٢٥ / ١١٤.

(٩) زيادة من «ب».

(١٠) ساقط من «ب».

(١١) في «ب» نسب.

(١٢) في «ب» من.

(١٣) ساقط من «ب».

(١٤) ساقط من «ب».

(١٥) في «ب» قريبا.

٤٠٠