اللّباب في علوم الكتاب - ج ١٥

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي

اللّباب في علوم الكتاب - ج ١٥

المؤلف:

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي


المحقق: عادل أحمد عبد الموجود و علي محمّد معوّض
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-2298-3

الصفحات: ٦١٥

فصل

قال عمر بن الخطاب : فقام يمشي (١) والجارية أمامه ، فعبثت الريح ، فوصفت (٢) ردفها ، فكره موسى أن يرى ذلك منها ، فقال موسى عليه‌السلام (٣) : إني من عنصر إبراهيم ، فكوني خلفي حتى لا ترتفع الريح ثيابك ، فأرى ما لا يحل (٤) ، وفي رواية : كوني خلفي ودليني على الطريق برمي الحصى ، لأن صوت المرأة عورة.

فإن قيل : لم خشي موسى ـ عليه‌السلام (٥) ـ أن يكون ذلك أجرة له عن عمله ، ولم يكره مع الخضر ذلك حين قال : (لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً) [الكهف : ٧٧]؟

فالجواب : أن أخذ الأجرة على الصدقة لا يجوز ، وأما الاستئجار ابتداء (ف) (٦) غير مكروه(٧). قوله : (فَلَمَّا جاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ)(٨) مصدر كالعلل سمي به المقصوص ، قال الضّحاك : قال له : من أنت يا عبد الله؟ قال له : أنا موسى بن عمران بن يصهر بن فاهث بن لاوي بن يعقوب ، وذكر له جميع أمره من لدن (٩) ولادته وأمر القوابل والمراضع والقذف في اليم وقتل القبطي ، وأنهم يطلبوه فيقتلوه ، فقال شعيب عليه‌السلام (١٠) : (لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) أي : لا سلطان له بأرضنا (١١) ، فإن قيل إن المفسرين قالوا : إن فرعون يوم ركب خلف موسى ، ركب في ألف ألف وستمائه (١٢) ، والملك الذي هذا شأنه كيف يعقل ألا يكون في ملكه قرية على بعد ثمانية أيام من دار مملكته؟ فالجواب : هذا وإن كان نادرا إلا أنّه ليس بمحال (١٣).

قوله : (قالَتْ إِحْداهُما يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ) اتخذه أجيرا ليرعى أغنامنا ، (إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ) أي : خير من استعملت من قوي على العمل ، وأداء الأمانة ، وإنما جعل (خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ) اسما و (الْقَوِيُّ الْأَمِينُ) خبرا مع أن العكس أولى ، لأن العناية سبب (١٤) للتقديم (١٥). فإن قيل : القوة والأمانة لا يكفيان في حصول المقصود ما لم ينضم إليهما العطية والكتابة ، فلم أهمل أمر الكتابة؟ فالجواب (١٦) أنهما داخلان في الأمانة.

__________________

(١) في ب : موسى.

(٢) في ب : وصفت.

(٣) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(٤) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٢٤١.

(٥) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(٦) ف : تكملة ليست في المخطوط.

(٧) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٢٤١.

(٨) القصص : سقط من الأصل.

(٩) في ب : من ولد.

(١٠) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(١١) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٢٤٢.

(١٢) في ب : وثمانمائة.

(١٣) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٢٤٢.

(١٤) في ب : بسبب.

(١٥) انظر الكشاف ٣ / ١٦٣ ، الفخر الرازي ٢٤ / ٢٤٢.

(١٦) في ب : والجواب.

٢٤١

قال ابن مسعود : أفرس الناس ثلاثة : بنت شعيب ، (وصاحب يوسف) (١) ، وأبو بكر في (٢) عمر (٣).

فقال لها أبوها : وما علمك بقوته وأمانته؟ قالت : أما قوته ، فإنه رفع حجرا من رأس البئر لا يرفعه إلا عشرة ، وقيل : إلا أربعون ، وأمّا أمانته ، فإنه قال لي : امشي خلفي حتى لا تصف الريح بدنك (٤). قال شعيب عند ذلك : (إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ). قال أكثر المفسرين : إنه زوجه الصغيرة منهما ، وهي التي ذهبت لطلب موسى واسمها صفورة (٥). قوله : (أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى)(٦) روي عن أبي عمرو «أنكحك حدى» بحذف همزة «إحدى» (٧) ، وهذه تشبه قراءة ابن محيصن «فجاءته حداهما» ، وتقدم التشديد في نون «هاتين» في سورة النساء (٨).

قوله (عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي) في محل نصب على الحال ، إما من الفاعل أو من المفعول ، أي : مشروطا على أو عليك ذلك (٩). و «تأجرني» مضارع أجرته ، كنت له أجيرا ، ومفعوله (١٠) الثاني محذوف ، أي : وتأجرني نفسك (١١) ، و (ثَمانِيَ حِجَجٍ) ظرف له (١٢). ونقل أبو حيان عن الزمخشري أنها هي المفعول الثاني (١٣). قال شهاب الدين : الزمخشري لم يجعلها مفعولا ثانيا على هذا الوجه ، وإنّما جعلها مفعولا ثانيا على وجه آخر ، وأما (١٤) على هذا الوجه فلم (١٥) يجعلها غير ظرف ، وهذا نصه ليتبين لك ، قال : «تأجرني» من أجرته إذا كنت له أجيرا ، كقولك (١٦) : أبوته إذا كنت له أبا ، و (ثَمانِيَ حِجَجٍ) ظرف (١٧) ، أو من أجرته (١٨) إذا أثبته ، ومنه تعزية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «آجركم الله ورحمكم» (١٩) ، و (ثَمانِيَ حِجَجٍ) مفعول به ، ومعناه رعية ثماني حجج (٢٠). فنقل الشيخ (٢١) عنه الوجه الأول من المعنيين المذكورين في «تأجرني» فقط ، وحكى عنه أنه أعرب (ثَمانِيَ حِجَجٍ) مفعولا به ، وكيف يستقيم ذلك أو يتجه؟ وانظر إلى الزمخشري

__________________

(١) ما بين القوسين سقط من ب.

(٢) في النسختين : و. والتصويب من الفخر الرازي.

(٣) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٢٤٢.

(٤) انظر البغوي ٦ / ٣٣٣.

(٥) المرجع السابق.

(٦) في ب : إحدى ابنتي.

(٧) انظر المختصر (١١٢) ، البحر المحيط ٧ / ١١٥.

(٨) عند قوله تعالى :«وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما» من الآية (١٦).

(٩) انظر التبيان ٢ / ١٠١٩.

(١٠) في ب : ومفعول. وهو تحريف.

(١١) انظر البحر المحيط ٧ / ١١٥.

(١٢) انظر البيان ٢ / ٢٣١ ، التبيان ٢ / ١٠١٩.

(١٣) البحر المحيط ٧ / ١١٥.

(١٤) في الأصل : أما.

(١٥) في ب : فلا.

(١٦) في ب : كقوله.

(١٧) في الكشاف : ظرفه.

(١٨) في الكشاف : أو من أجرته كذا.

(١٩) انظر الكافي الشاف في تخريج أحاديث الكشاف (١٢٦).

(٢٠) الكشاف ٣ / ١٧٣.

(٢١) في ب : النسخ. وهو تحريف.

٢٤٢

كيف قدر مضافا ليصح (١) المعنى به ، أي : رعي ثماني حجج ، لأن العمل هو الذي تقع به الإثابة لا نفس الزمان ، فكيف يوجه الإجارة على الزمان (٢)؟

(قوله) (٣)(فَمِنْ عِنْدِكَ) يجوز أن يكون في محل رفع خبرا لمبتدأ محذوف تقديره : فهي من عندك ، أو نصب أي : فقد زدتها أو تفضلت بها من عندك (٤).

فصل

معنى الآية : أريد أن أنكحك إحدى ابنتيّ هاتين على أن تكون أجيرا لي ثمان سنين قال الفراء(٥): أي تجعل ثوابي من تزويجها أن ترعى غنمي ثماني حجج (٦) ، تقول العرب : أجرك الله بأجرك ، أي : أثابك والحجج : السّنون ، واحدها حجّة.

(فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً) أي : عشر سنين (فَمِنْ عِنْدِكَ) أي : ذلك تفضل منك وتبرع ليس بواجب (٧) عليك (٨). واعلم أن هذا اللفظ ـ وإن كان على الترديد ـ فلا شبهة أنه عند التزويج عين ، ولا شبهة في أن العقد وقع على أقل الأجلين ، والزيادة كالتبرع (٩). ودلت الآية على أنّ العمل قد يكون مهرا كالمال ، وعلى أن إلحاق الزيادة بالثمن والمثمّن جائز ، ولكنه (١٠) شرع من قبلنا (١١) ، ودلّت أيضا على أنه يجوز أن يشرط الوليّ ، وعلى أنّ عقد النكاح لا تفسده الشروط التي لا يوجبها العقد (١٢). (واستدل بعض الحنفية بهذه الآية على صحة بيع أحد هذين العبدين ، أو الثوبين ، وفيه نظر ، لأنها مراضاة لا معاقدة. ودلت الآية أيضا على صحة الإجارة بالطعمة والكسوة ، كما جرت به العادة ، ويؤيده قوله عليه‌السلام : «إن موسى أجر نفسه ثماني سين أو عشرة على عفة فرجه وطعام بطنه». وهو مذهب الحنابلة قاله ابن كثير (١٣).

فصل

قال النووي : الإجارة بكسر الهمزة هو المشهور ، وحكى الرافعي (١٤) أن الجياني (١٥) حكى في الشامل أيضا ضم الهمزة ، قال أهل اللغة : وأصل الأجر الثواب ،

__________________

(١) في الأصل : يصح.

(٢) الدر المصون ٥ / ٢١٦.

(٣) ما بين القوسين بياض في الأصل.

(٤) انظر التبيان ٢ / ١٠١٩.

(٥) قال الفراء : سقط من الأصل.

(٦) معاني القرآن ٢ / ٣٠٥.

(٧) في ب : بواحد. وهو تحريف.

(٨) انظر البغوي ٦ / ٣٣٣ ـ ٣٣٤.

(٩) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٢٤٢.

(١٠) في ب : ولكن.

(١١) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٢٤٢.

(١٢) المرجع السابق.

(١٣) انظر تفسير ابن كثير ٣ / ٣٨٥.

(١٤) هو عبد الكريم بن محمد الرافعي ، فقيه شافعي قزويني ، تضلع في المذهب والعلوم الإسلامية وله مشاركة في التاريخ واللغة ، من كتبه : فتح العزيز في شرح الوجيز للغزالي ، والتدوين في أخبار قزوين.

مات سنة ٦٢٣ ه‍. المنجد في الأعلام (٢٦٠).

(١٥) في النسختين : الحار. والتصويب من تهذيب الأسماء واللغات للنووي ص ٤.

٢٤٣

يقال : أجرت فلانا عن عمله كذا أي : أثبته ، والله يأجر العبد أي ؛ يثيبه ، والمستأجر يثيب المأجور عوضا عن بذل المنافع. قال الواحدي : قال المبرد : يقال أجرت داري ومملوكي غير ممدود ، وآجرت ممدود قال المبرد : والأول أكثر) (١)(٢).

قوله : (وَما أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ) أي ؛ ألزمك تمام العشر. وأن أشقّ ، مفعول «أريد» وحقيقة قولهم (٣) : شقّ عليه أي : شقّ ظنّه نصفين فتارة يقول أطيق ، وتارة لا أطيق ، وهو من أحسن مجاز (٤).

قوله (سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّالِحِينَ) قال عمر : أي في حسن (٥) الصحبة والوفاء ولين الجانب (٦). وقيل : أراد الصلاح على العموم ، وإنما قال (إِنْ شاءَ اللهُ) للاتكال على توفيقه ومعونته (٧) ، فإن قيل : كيف ينعقد العقد بهذا الشّرط ، ولو قلت : أنت طالق إن شاء الله لا تطلّق؟ فالجواب : هذا مما يختلف بالشرائع (٨).

قوله : «ذلك» مبتدأ ، والإشارة به إلى ما تعاقدا (٩) عليه ، والظرف خبره (١٠) ، وأضيفت «بين» لمفرد لتكررها عطفا بالواو ، فإن قلت : المال بين زيد فعمرو لم يجز ، وأما قوله :

٣٩٨٩ ـ بين الدّخول فحومل (١١)

فكان (١٢) الأصمعي يأباها ، ويروي «وحومل» بالواو ، والصحيح بالفاء ، وأول البيت على أن الدّخول وحومل مكانان كل منهما مشتمل على أماكن ، نحو قولك : داري بين مصر ، لأنه يريد به المكان الجامع (١٣) ، والأصل ذلك بيننا ففرق بالعطف.

قوله : (أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ) أي شرطية وجوابها (فَلا عُدْوانَ عَلَيَّ)(١٤). وفي «ما» هذه قولان :

أشهرهما : أنها زائدة (١٥) ، كزيادتها في أخواتها من أدوات الشرط.

__________________

(١) انظر تهذيب الأسماء واللغات (٤).

(٢) ما بين القوسين سقط من ب.

(٣) في ب : قوله.

(٤) انظر الكشاف ٣ / ١٦٤.

(٥) في الأصل : جنس.

(٦) انظر البغوي ٦ / ٣٣٤.

(٧) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٢٤٢.

(٨) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٣٤٣.

(٩) في الأصل : تعاقد.

(١٠) انظر الكشاف ٣ / ١٠١٩ ، البحر المحيط ٧ / ١١٥.

(١١) جزء بيت من بحر الطويل قاله امرؤ القيس ، وهو مطلع معلقته ، وتمامه :

قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل

بسقط اللّوى بين الدّخول فحومل

وقد تقدم.

(١٢) في الأصل : كان.

(١٣) يريد على التأويل : داري بين قرى مصر.

(١٤) انظر البيان ٢ / ٢٣١ ، التبيان ٢ / ٢٣١.

(١٥) انظر مشكل إعراب القرآن ٢ / ١٥٩ ، البيان ٢ / ٢٣١.

٢٤٤

والثاني : أنها نكرة ، و «الأجلين» بدل منها (١).

وقرأ الحسن وأبو عمرو في رواية «أيما» بتخفيف الياء (٢) كقوله :

٣٩٩٠ ـ تنظّرت نسرا والسّماكين أيهما

عليّ من الغيث استهلّت مواطره (٣)

وقرأ عبد الله «أي الأجلين ما قضيت» بإقحام «ما» بين «الأجلين» و «قضيت» (٤).

قال الزمخشري (٥) : فإن قلت : ما الفرق بين موقع زيادة «ما» (٦) في القراءتين (٧)؟ قلت : وقعت في المستفيضة مؤكدة لإبهام ، «أي» زيادة في شياعها ، وفي الشاذة تأكيدا للقضاء كأنّه قال : أي الأجلين صمّمت على قضائه وجرّدت عزيمتي له (٨).

وقرأ أبو حيوة وابن قطيب «عدوان» (٩). قال الزمخشري : فإن قلت : تصوّر العدوان إنما هو في أحد (١٠) الأجلين الذي هو أقصرهما ، وهو المطالبة بتتمة العشر (١١) ، فما معنى تعلق العدوان بهما جميعا؟ قلت : معناه : كما أني إن طولبت بالزيادة على العشر (كان عدوانا) (١٢) لا شك فيه ، فكذلك إن طولبت بالزيادة على الثماني (١٣) ، أراد بذلك تقرير أمر الخيار ، وأنه (١٤) ثابت مستقر ، وأنّ الأجلين على السواء إما هذا وإما هذا ، ويكون اختيار الأقل والزائد موكولا (١٥) إلى رأيه من غير أن يكون لأحدهما عليه إجبار. ثم قال : وقيل : معناه فلا أكون متعدّيا ، وهو في نفي العدوان عن نفسه كقولك : لا إثم عليّ ولا تبعة (١٦).

قال أبو حيان : وجوابه الأول فيه تكثير (١٧). قال شهاب الدين : كأنه أعجبه الثاني (١٨). والثاني (١٩) لم يرتضه الزمخشري ، لأنه ليس جوابا في الحقيقة ، فإن السؤال

__________________

(١) ونسب لابن كيسان. انظر إعراب القرآن ٢ / ١٥٩ ، القرطبي ١٣ / ٢٧٩.

(٢) انظر المختصر (١١٢) ، المحتسب ٢ / ١٥٠ ، البحر المحيط ٧ / ١١٥ ، الإتحاف (٣٤٢).

(٣) البيت من بحر الطويل قاله الفرزدق ، وهو في ديوانه ١ / ٢٨١ ، المحتسب ١ / ٤١ ، ٢ / ١٥٢ الكشاف ٣ / ١٦٤ ، شرح الكافية الشافية ١ / ٣٢٨ ، المغني ١ / ٧٧ ، البحر المحيط ٧ / ١١٥ ، شرح شواهد المغني ١ / ٣٢٦.

(٤) انظر معاني القرآن للفراء ٢ / ٣٠٥ ، المختصر (١١٢) ، الكشاف ٣ / ١٦٤ ، البحر المحيط ٧ / ١١٥.

(٥) قال الزمخشري : مكرر في ب.

(٦) في الكشاف : ما الفرق بين موقعي (ما) المزيدة.

(٧) في ب : الموضعين.

(٨) الكشاف ٣ / ١٦٤.

(٩) بكسر العين. المختصر (١١٢) ، البحر المحيط ٧ / ١١٥.

(١٠) في ب : إحدى.

(١١) في ب : وهو للطالب تتمة للعشر.

(١٢) ما بين القوسين تكملة من الكشاف.

(١٣) في ب : الثمان.

(١٤) في ب : امر الخيار أنه.

(١٥) في ب : مأكولا.

(١٦) الكشاف ٣ / ١٦٤. بتصرف يسير.

(١٧) البحر المحيط ٧ / ١١٦.

(١٨) في ب : الباقي. وهو تحريف.

(١٩) يشير بقوله : (الثاني) إلى قول الزمخشري : وقيل : معناه فلا أكون متعديا ...

٢٤٥

باق أيضا ، ولذلك نقله عن غيره (١) ، وقال المبرد : وقد علم أنه لا عدوان عليه في أيهما ، ولكن جمعهما ليجعل الأول كالأتمّ في الوفاء (٢).

فصل

قال المفسرون : المعن ى «أي الأجلين قضيت» أتممت وفرغت منه الثماني أو العشر ، (فَلا عُدْوانَ عَلَيَّ) لا ظلم عليّ بأن أطالب بأكثر (وَاللهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ) قال مقاتل (٣) : شهيد فيما بيني وبينك ، وقيل : حفيظ (٤) ، ولما استعمل الوكيل بمعنى الشاهد عدّي ب (على) (٥) قال سعيد بن جبير : سألني يهودي من أهل الحيرة : أيّ الأجلين قضى موسى؟ قلت : لا أدري حتى أقدم على حبر العرب فأسأله ، فقدمت فسألت ابن عباس فقال : قضى أكثرهما وأطيبهما ، إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا قال فعل (٦). وروي عن أبي ذر مرفوعا «إذا سئلت أيّ الأجلين قضى موسى؟» فقل (٧) خيرهما وأبرّهما ، وإذا سئلت أيّ المرأتين تزوّج موسى؟ فقل الصغرى منهما (٨) ، وهي التي جاءت فقالت: (يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ) فتزوج صغراهما ، وقضى أوفاهما» (٩). وقال (١٠) وهب : أنكحه الكبرى(١١). ولمّا تعاقدا العقد بينهما أمر شعيب ابنته أن تعطي موسى عصا يدفع (١٢) بها السباع عن غنمه ، واختلفوا في تلك العصا.

فقال عكرمة : عرج بها آدم من الجنة ، فأخذها جبريل بعد موت آدم ، فكانت معه حتى لقي بها موسى ليلا ، فدفعها إليه ، وقيل : كانت من آس الجنة حملها آدم من الجنة ، فتوارثتها الأنبياء ، وكان لا يأخذها غير نبي ، فصارت من آدم إلى نوح ، ثم إلى إبراهيم حتى وصلت إلى شعيب ، فكانت عصا الأنبياء عنده فأعطاها موسى (١٣) ، وقال السّدي : كانت تلك العصا استودعها إياه ملك في صورة رجل فأمر ابنته أن تأتيه بعصا ، فدخلت ، فأخذت العصا فأتته بها ، فلما رآها شعيب قال لها : ردّي هذه العصا ، وأتيه بغيرها ، فدخلت وألقتها ، وأرادت أن تأخذ غيرها ، فلا تقع (١٤) في يدها إلا هي ، حتى فعلت ذلك ثلاث مرات ، فأعطاها موسى ، وأخرجها موسى معه (١٥) ، ثم إن الشيخ ندم وقال : كانت وديعة فذهب في أثره فطلب أن يرد العصا ، فأبى موسى أن يعطيه وقال : (هِيَ عَصايَ)

__________________

(١) الدر المصون ٥ / ٣١٧.

(٢) انظر البحر المحيط ٧ / ١١٥.

(٣) في ب : قال ابن عباس ومقاتل.

(٤) انظر البغوي ٦ / ٣٣٤.

(٥) انظر الكشاف ٣ / ١٦٤.

(٦) أخرجه البخاري (شهادات) ٢ / ١٠٩ ، وانظر البغوي ٦ / ٣٣٤ ـ ٣٣٥.

(٧) في ب : فقيل.

(٨) في ب : فقيل أصغرهما.

(٩) انظر البغوي ٦ / ٣٣٥ ، تفسير ابن كثير ٣ / ٣٨٦.

(١٠) وقال : سقط من ب.

(١١) انظر البغوي ٦ / ٣٣٥.

(١٢) في ب : فدفع. وهو تحريف.

(١٣) انظر البغوي ٦ / ٣٣٥ ـ ٣٣٦.

(١٤) في ب : تمنع. وهو تحريف.

(١٥) في ب : معها. وهو تحريف.

٢٤٦

[طه : ١٨] ، فرضي أن يجعلا بينهما أول رجل يلقاهما ، فلقيهما ملك في صورة رجل ، فحكم أن تطرح العصا فمن حملها فهي له فطرح موسى العصا فعالجها الشيخ ليأخذها ، فلم يطقها ، فأخذها موسى بيده ، فرفعها فتركها له الشيخ (١) ثم إن موسى لما أتم الأجل وسلم شعيب ابنته إليه (٢) ، قال مجاهد : لما قضى موسى الأجل مكث بعد ذلك (عند صهره عشرا) (٣) أخرى فأقام (٤) عنده عشرين سنة ، ثم استأذنه في العود إلى مصر ، فأذن له فخرج بأهله إلى جانب الطور (٥).

قوله تعالى : (فَلَمَّا قَضى مُوسَى الْأَجَلَ وَسارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جانِبِ الطُّورِ ناراً قالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (٢٩) فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ مِنْ شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يا مُوسى إِنِّي أَنَا اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ (٣٠) وَأَنْ أَلْقِ عَصاكَ فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يا مُوسى أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ (٣١) اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذانِكَ بُرْهانانِ مِنْ رَبِّكَ إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ)(٣٢)

«آنس» أي : أبصر (مِنْ جانِبِ الطُّورِ ناراً) وكان في (٦) البرية في ليلة مظلمة شديدة البرد وأخذ امرأته الطلق ، فقال (لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ) عن الطريق لأنه كان قد أخطأ الطريق (٧).

قوله (أَوْ جَذْوَةٍ) قرأ حمزة (٨) بضم الجيم ، وعاصم بالفتح ، والباقون بالكسر (٩) وهي لغات في العود الذي في رأسه نار (١٠) ، هذا هو المشهور ، قال السّلمي (١١) :

٣٩٩١ ـ حما حبّ هذي النّار حبّ خليلتي

وحبّ الغواني فهو دون الحباحب

وبدّلت بعد المسك والبان شقوة

دخان الجذا في رأس أشمط شاحب (١٢)

__________________

(١) انظر البغوي ٦ / ٣٣٦.

(٢) انظر البغوي ٦ / ٣٣٦ ـ ٣٣٧.

(٣) ما بين القوسين في ب : عنده عشر.

(٤) في الأصل : وأقام.

(٥) انظر البغوي ٦ / ٣٣٨.

(٦) في : سقط من ب.

(٧) انظر البغوي ٦ / ٣٣٨.

(٨) حمزة : سقط من ب.

(٩) السبعة (٤٩٣) ، الكشف ٢ / ١٧٣ ، النشر ٢ / ٣٤١ ، الإتحاف (٣٤٢).

(١٠) قال الزمخشري : (الجذوة باللغات الثلاث ، وقرىء بهن جميعا العود الغليظ كانت في رأسه نار أو لم تكن) الكشاف ٣ / ١٦٥ ، وانظر التبيان ٢ / ١٠١٩.

(١١) هو أشجع بن عمرو السلميّ ، ويكنى أبا الوليد ، من ولد الشريف بن مطرود السلمي. الخزانة ١ / ٢٩٦ ـ ٢٩٩.

(١٢) البيتان من بحر الطويل ، قالهما أشجع بن عمرو السّلمي ، وهما في تفسير ابن عطية ١١ / ٢٩٥ ، البحر المحيط ٧ / ١٠٣.

٢٤٧

وقيده بعضم فقال : في رأسه نار من غير (١) لهب (٢). قال ابن مقبل (٣) :

٣٩٩٢ ـ باتت حواطب ليلى يلتمسن لها

جزال الجذا غير خوّار ولا دعر (٤)

الخوّار الذي يتقصف ، والدّعر الذي فيه لهب. وقد ورد ما يقتضي وجود اللهب فيه ، قال الشاعر :

٣٩٩٣ ـ وألقى على قبس من النار جذوة

شديدا عليها حرّها والتهابها (٥)

وقيل : الجذوة : العود الغليظ سواء كان في رأسه نار أو لم يكن (٦) ، وليس المراد هنا إلا ما يكون(٧) في رأسه نار.

قوله (مِنَ النَّارِ) صفة ل «جذوة» ولا يجوز تعلقها ب «آتيكم» ، كما تعلق بها «منها» ، لأن هذه النار ليست النار المذكورة ، والعرب إذا تقدّمت نكرة وأرادت (٨) إعادتها أعادتها مضمرة أو معرّفة بأل العهدية ، وقد جمع الأمران هنا. (لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ) تستدفئون.

قوله (مِنْ شاطِئِ) «من» لابتداء الغاية (٩) ، و «الأيمن» صفة للشاطىء أو للوادي ، والأيمن من اليمن ، وهو البركة ، أو من اليمين المعادل لليسار من العضوين ، ومعناه على هذا بالنسبة إلى موسى ، أي : الّذي على يمينك دون يسارك (١٠) ، والشاطىء ضفة الوادي (١١) والنهر أي : حافته وطرفه ، وكذلك الشّطّ والسيف والساحل كلها بمعنى ، وجمع الشاطىء «أشطاء» قاله الراغب (١٢) ، وشاطأت فلانا : ماشيته على الشاطىء (١٣).

__________________

(١) غير : سقط من ب.

(٢) وهو أبو عبيدة فإنه قال :(«أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ» أي : قطعة غليظة من الحطب ليس فيها لهب) مجاز القرآن ٢ / ١٠٢.

(٣) هو تميم بن أبي بن مقبل ، شاعر مخضرم أدرك الجاهلية والإسلام ، وكان يبكي أهل الجاهلية وبلغ مائة وعشرين سنة. الخزانة ١ / ٢٣١ ـ ٢٣٣.

(٤) البيت من بحر البسيط قاله ابن مقبل ، وهو في ديوانه (٩١) ونسبه الزمخشري في الكشاف إلى كثيّر ، انظر الكشاف ٣ / ١٦٥ وهو في مجاز القرآن ٢ / ١٠٣ ، الكامل ٢ / ٦٨٣ ، تفسير ابن عطية ١١ / ٢٩٤ ، القرطبي ١٣ / ٢٨١ ، اللسان (جذا) البحر المحيط ٧ / ١٠٣ ، شرح شواهد الكشاف (٥٣) الحواطب : جمع حاطبة ، وهي صفة نابت عن موصوفها ، والأصل : أمة حاطبة أي : تجمع الحطب. الجزل : ما عظم من الحطب ويبس. الجذا : جمع جذوة ، والعود الذي في طرفه نار بدون لهب. وهو موطن الشاهد.

الخوار : الذي يتقصف. الدعر : الذي فيه لهب.

(٥) البيت من بحر الطويل ، لم أهتد إلى قائله ، وهو في الكشاف ٣ / ١٦٥ ، القرطبي ١٣ / ٢٨١ ، البحر المحيط ٧ / ١٠٣ ، شرح شواهد الكشاف (١٣٦).

(٦) انظر الكشاف ٣ / ١٦٥.

(٧) يكون : سقط من ب.

(٨) في ب : وأعادت. وهو تحريف.

(٩) انظر الكشاف ٣ / ١٦٥.

(١٠) انظر البحر المحيط ٧ / ١١٦.

(١١) في ب : للوادي.

(١٢) المفردات في غريب القرآن (٢٦١).

(١٣) في اللسان (شطأ) : وشاطأت الرجل إذا مشيت على شاطىء ومشى هو على الشاطىء الآخر.

٢٤٨

قوله : (فِي الْبُقْعَةِ) متعلق (ب «نودي» أي) (١) بمحذوف على أنه حال من الشاطىء (٢) ، وقرأ العامة بضم الباء ، وهي اللغة الغالبة ، وقرأ مسلمة (٣) والأشهب العقيلي بفتحها (٤) وهي لغة حكاها أبو زيد قال : سمعتهم يقولون : هذه بقعة طيبة (٥) ، (ووصف البقعة بكونها مباركة لأنه حصل فيها ابتداء الرسالة ، وتكليم الله تعالى إياه) (٦)(٧).

قوله : (مِنَ الشَّجَرَةِ) هذا (٨) بدل من «شاطىء» بإعادة العامل ، وهو بدل اشتمال ، لأن الشجرة كانت ثابتة على الشاطىء كقوله (٩) : (لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ)(١٠) [الزخرف : ٣٣].

قوله (أَنْ يا مُوسى) هي المفسرة (١١) ، وجوّز فيها أن تكون هي المخففة (١٢) ، واسمها ضمير الشأن ، وجملة النداء مفسرة له ، وفيه بعد (١٣).

قوله : (إِنِّي أَنَا اللهُ) العامة على الكسر على إضمار القول ، أو على تضمين النداء معناه ، وقرىء بالفتح (١٤) ، وفيه إشكال ، لأنّه إن جعلت «أن» تفسيرية ، وجب كسر «إنّي» (١٥) للاستئناف المفسر للنداء بماذا كان ، وإن جعلتها مخففة لزم تقدير «أنّي» بمصدر ، والمصدر مفرد ، وضمير الشأن لا يفسر بمفرد ، والذي ينبغي أن تخرّج عليه هذه القراءة أن تكون «أن» تفسيرية و «أنّي» (١٦) معمولة لفعل مضمر تقديره أن يا موسى اعلم أنّي أنا الله (١٧) ، واعلم أنه تعالى قال في سورة النمل (نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَها) [النمل : ٨] وقال ها هنا : نودي أنّي أنا الله ربّ العالمين ، وقال في سورة طه (نُودِيَ إِنِّي أَنَا رَبُّكَ) [طه : ١١ ـ ١٢] ، ولا منافاة بين هذه الأشياء ، فهو تعالى ذكر الكلّ إلا أنه تعالى حكى في كل سورة بعض ما اشتمل عليه بعض ذلك النداء(١٨).

قوله : (وَأَنْ أَلْقِ عَصاكَ) تقدم الكلام على ذلك (١٩).

__________________

(١) ما بين القوسين سقط من الأصل.

(٢) انظر البحر المحيط ٧ / ١١٦.

(٣) في ب : مسلم.

(٤) المختصر (١١٢) ، البحر المحيط ٧ / ١١٦.

(٥) لم أجد ما قاله أبو زيد في النوادر ، وهو في البحر المحيط ٧ / ١١٦.

(٦) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٢٤٤.

(٧) ما بين القوسين سقط من ب.

(٨) في ب : وهذا.

(٩) في ب : لقوله.

(١٠) انظر الكشاف ٣ / ١٦٥.

(١١) انظر التبيان ٢ / ١٠٢٠ ، البحر المحيط ٧ / ١١٦.

(١٢) انظر البيان ٢ / ٢٣٢ ، التبيان ٢ / ١٠٢٠ ، البحر المحيط ٧ / ١١٦.

(١٣) من حيث أنّ ضمير الشأن لا يفسر إلا بجملة خبرية فلا يفسّر بالإنشائية كالنداء ولا الطلبية ولا بد أن يصرح بجزئيها ، فلا يجوز حذف جزء منها ، فإنه جيء به لتأكيدها وتفخيم مدلولها ، والحذف مناف لذلك. الهمع ١ / ٦٧.

(١٤) انظر تفسير ابن عطية ١١ / ٢٩٦ ، البحر المحيط ٧ / ١١٧.

(١٥) في ب : أن.

(١٦) في الأصل : وأنا.

(١٧) انظر البحر المحيط ٧ / ١٧.

(١٨) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٢٤٥ ، البحر المحيط ٧ / ١١٧.

(١٩) عند قوله تعالى :«وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَلْقِ عَصاكَ» [الأعراف : ١١٧].

٢٤٩

وقوله : (اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ) فقد عبّر عن هذا المعنى بثلاث عبارات : إحداها هذه ، وثانيها (وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ)(١) ، وثالثها (وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ) [النمل : ١٢] قوله (مِنَ الرَّهْبِ) متعلق بأحد أربعة أشياء ، إمّا ب «ولّى» (٢) ، وإمّا ب «مدبرا» (٣) ، وإمّا ب «اضمم» ، ويظهر هذا الثالث إذا فسّرنا الرّهب بالكمّ ، وإمّا (٤) بمحذوف أي : تسكن من الرهب (٥) وقرأ حفص بفتح الراء وإسكان الهاء. والأخوان وابن عامر وأبو بكر بالضم والإسكان ، والباقون بفتحتين (٦) ، والحسن (٧) وعيسى والجحدري وقتادة بضمتين (٨) وكلها لغات (٩) بمعنى الخوف وقيل (١٠) هو بفتحتين الكمّ بلغة حمير وحنيفة (١١) ، قال الزمخشر ي «هو من بدع التفاسير» قال : وليت شعري كيف صحته في اللغة ، وهل سمع من الثقات الأثبات التي ترتضى عربيتهم ، أم ليت شعري كيف موقعه في الآية ، وكيف تطبيقه المفضل (١٢) كسائر كلمات التنزيل ، على أن موسى صلوات الله عليه ليلة المناجاة ما كان عليه إلّا زرمانقة (١٣) من صوف لا كمّ لها (١٤).

الزّرمانقة : المدرعة. قال أبو حيان : هذا مروي عن الأصمعي ، وهو ثقة ، سمعتهم يقولون أعطني ما في رهبك أي كمّك ، وأما قوله : كيف موقعه؟ فقالوا : معناه : أخرج يدك من كمّك (١٥).

قال شهاب الدين : كيف يستقيم هذا التفسير ، يفسّرون (اضْمُمْ) بمعنى أخرج (١٦).

وقال الزمخشري : فإن قلت : قد جعل الجناح وهو اليد في أحد الموضعين مضموما ، وفي الآخر مضموما إليه ، وذلك قوله : (وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ) وقوله : (وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ) [طه : ٢٢] فما التوفيق بينهما؟ قلت : المراد بالجناح المضموم : هو اليد اليمنى ، وبالجناح المضموم إليه هو اليد اليسرى ، وكل واحدة من يمنى اليدين ويسراهما جناح. (١٧).

__________________

(١) في النسختين : واسلك.

(٢) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٢٤٧.

(٣) في الآية السابقة.

(٤) في الأصل : أو.

(٥) انظر التبيان ٢ / ١٠٢٠.

(٦) السبعة (٤٩٣) ، الكشف ٢ / ١٧٢ ، النشر ٢ / ٣٤١ ، الإتحاف (٣٤٢).

(٧) في الأصل : وحسن.

(٨) المختصر (١١٢).

(٩) انظر الكشف ٢ / ١٧٣ ، التبيان ٢ / ١٠٢٠.

(١٠) قيل : سقط من ب.

(١١) انظر القرطبي ١٣ / ٢٨٤ ، البحر المحيط ٧ / ١١٧.

(١٢) في ب : الفصل.

(١٣) الزّرمانقة : جبّة من صوف وهي عجمية معرّبة. اللسان (زرمق).

(١٤) الكشاف ٣ / ١٦٦.

(١٥) البحر المحيط ٧ / ١١٨.

(١٦) الدر المصون ٥ / ٢١٩.

(١٧) الكشاف ٣ / ١٦٦.

٢٥٠

فصل

قال الزمخشري (١) : في (وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ مِنَ الرَّهْبِ) معنيان :

أحدهما : أنّ موسى عليه‌السلام (٢) لمّا قلب الله له العصا حيّة فزع واضطرب واتقاها (٣) بيده كما يفعل الخائف من الشيء ، فقيل له : إنّ اتقاءك بيدك فيه (٤) غضاضة عند الأعداء فإذا ألقيتها وقد انقلبت (٥) حية فأدخل يدك (٦) مكان اتقائك بها ، ثم أخرجها بيضاء ليحصل الأمران : اجتناب ما منه (٧) غضاضة عليك ، وإظهار معجزة أخرى ، والمراد بالجناح اليد ، لأن يد الإنسان بمنزلة جناح الطائر ، وإذا أدخل يده اليمنى تحت عضد (٨) اليسرى ، فقد ضم جناحه إليه (٩).

(الثاني : أن يراد بضم جناحه (١٠) تجلده وضبطه نفسه وتشدده عند انقلاب العصا حيّة حتى لا يضطرب) (١١) ولا يرهب ، استعارة من فعل الطائر لأنه إذا خاف نشر جناحيه (١٢) وأرخاهما ، وإلا فجناحاه منضمان إليه مستمران ومعنى قوله (مِنَ الرَّهْبِ) أي : من أجل الرهب إذا (١٣) أصابك الرهب عند رؤية الحية فاضمم إليك جناحك (ومعنى (وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ)) (١٤) وقوله (اسْلُكْ يَدَكَ) على أحد التفسيرين واحد ، وإنما (١٥) خولف بين العبارتين وكرّر المعنى (١٦) لاختلاف الغرضين ، وذلك أنّ الغرض في أحدهما خروج اليد بيضاء ، وفي الثاني إخفاء الرهب (١٧). قال البغوي : المعنى (١٨) إذا هالك أمر يدك وما ترى من شعاعها ، فأدخلها في جيبك تعد إلى حالتها الأولى ، والجناح اليد كلها وقيل : العضد. وقال عطاء عن ابن عباس : أمره الله (أن يضمّ) (١٩) يده إلى صدره فيذهب عنه ما ناله من الخوف عند معاينة الحية. وقال : ما من خائف بعد موسى إلا إذا وضع يده على صدره زال خوفه.

وقال مجاهد : كل من فزع فضم جناحه إليه ذهب عنه الفزع ، وقيل : المراد من ضم الجناح السكون ، أي : سكّن روعك واحفظ عليك جأشك (٢٠) ، لأن من شأن الخائف أن يضطرب عليه قلبه وترتعد يداه (٢١) ، ومثله قوله : (وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِ)

__________________

(١) في ب : قال الزمخشري في قوله.

(٢) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(٣) في ب : والواها.

(٤) فيه : سقط من الأصل.

(٥) في الكشاف : فكما تنقلب.

(٦) في الكشاف : يدك تحت عضدك.

(٧) في الكشاف : ما هو.

(٨) في الكشاف : عضد يده.

(٩) في ب : إليها.

(١٠) في الكشاف : جناحه إليه.

(١١) ما بين القوسين سقط من الأصل.

(١٢) في ب : جناحه.

(١٣) في الكشاف : أي إذا.

(١٤) ما بين القوسين تكملة من الكشاف.

(١٥) في الكشاف : ولكن.

(١٦) في الكشاف : وإنما كرر المعنى الواحد.

(١٧) الكشاف ٣ / ١٦٥ ـ ١٦٦.

(١٨) في ب : معناه.

(١٩) ما بين القوسين سقط من ب.

(٢٠) في الأصل : واخفض عليك جناحك.

(٢١) في الأصل : يديه.

٢٥١

[الإسراء : ٢٤] يريد : المرفق ، وقوله : (وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ) [الشعراء : ٢١٥] أي : ارفق بهم وألن جانبك لهم ، وقال الفراء : أراد بالجناح العصا (١) ، معناه : واضمم إليك عصاك(٢).

قوله : «فذانك» تقدم قراءة (٣) التخفيف والتثقيل في النساء (٤) ، وقرأ ابن مسعود وعيسى وشبل وأبو نوفل (٥) بياء بعد نون مكسورة ، وهي لغة هذيل (٦) ، وقيل تميم (٧) ، وروى شبل عن كثير بياء بعد نون مفتوحة (٨) ، وهذا على لغة من يفتح نون التثنية ، كقوله :

٣٩٩٤ ـ على أحوذيّين استقلّت عشيّة

فما هي إلّا لمحة وتغيب (٩)

والياء بدل من إحدى النونين (كتظنّيت) (١٠)(١١).

وقرأ عبد الله بتشديد النون وياء بعدها ، ونسبت لهذيل (١٢). قال المهدوي : بل لغتهم تخفيفها(١٣) ، وكأن الكسرة هنا إشباع كقراءة هشام أفئيدة من الناس (١٤) [إبراهيم : ٣٧]. و «ذانك» إشارة إلى العصا واليد ، وهما مؤنثتان ، وإنما ذكّر ما أشير به (١٥) إليهما لتذكير خبرهما وهو «برهانان» ، كما أنه قد يؤنث لتأنيث خبره كقراءة (ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا) [الأنعام : ٢٣] فيمن أنّث ونصب «فتنتهم» (١٦) وكذا قوله :

__________________

(١) معاني القرآن ٢ / ٣٠٦.

(٢) انظر البغوي ٦ / ٣٣٩ ـ ٣٤٠.

(٣) قراءة : سقط من الأصل.

(٤) عند قوله تعالى : «وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما» من الآية (١٦) فقرأ ابن كثير وأبو عمرو «فذانّك» مشددة النون ، والباقون بالتخفيف. انظر السبعة (٢٢٩) الكشف ١ / ٣٨١. وانظر اللباب ٣ / ٣٧.

(٥) هو أبو نوفل بن أبي عقرب العرنجي اسم مسلم ، أو عمرو بن مسلم ، أخذ عن عائشة ، وابن عمر ، وأخذ عنه عبد الملك بن عمير وابن جدعان.

(٦) انظر البحر المحيط ٧ / ١١٨.

(٧) المرجع السابق.

(٨) المختصر (١١٣) ، البحر المحيط ٧ / ١١٨.

(٩) البيت من بحر الطويل قاله حميد بن ثور ، وهو في ديوانه (٥٥) ابن يعيش ٤ / ١٤١ المقرب (٤٠٠) ، البحر المحيط ٧ / ١١٨ ، المقاصد النحوية ١ / ١٧٧ ، شرح التصريح ١ / ٧٨ ، الهمع ١ / ٤٩ ، الأشموني ١ / ٩٠ ، الدرر ١ / ٢١.

الأحوذيّ : الخفيف في المشي ، وأراد بهما ههنا جناحي قطاة يصفهما لخفتهما ، استقلت : ارتفعت في الهواء. فما هي : فما مشاهدتها ، ثم حذف المضاف فانفصل الضمير وارتفع. والشاهد فيه فتح نون المثنى في قوله : (أحوذيّين) وهي لغة أسد حكاها الكسائي والفراء.

(١٠) انظر البيان ٢ / ٢٣٣ ، التبيان ٢ / ١٠٢٠.

(١١) ما بين القوسين سقط من ب.

(١٢) انظر البحر المحيط ٧ / ١١٨.

(١٣) المرجع السابق.

(١٤) انظر البحر المحيط ٥ / ٤٣٢.

(١٥) في ب : بهما.

(١٦) وهي قراءة نافع ، وأبي عمرو ، وأبي بكر عن عاصم وخلف وغيره عن عبيد عن شبل عن ابن كثير.

السبعة (٢٥٥) ، الكشف ١ / ٤٢٦ ، البحر المحيط ٧ / ١١٨.

٢٥٢

٣٩٩٥ ـ وقد خاب من كانت سريرته الغدر (١)

وتقدم إيضاح هذا في الأنعام (٢). والبرهان تقدم اشتقاقه (٣) ، وهو الحجة ، وقال الزمخشري هنا : فإنت قلت : لم سميت الحجة برهانا؟ قلت : لبياضها وإنارتها من قولهم (للمرأة البيضاء) (٤) برهرهة ، بتكرير العين واللام ، والدليل على زيادة النون قولهم أبره (٥) الرجل إذا جاء بالبرهان ، ونظيره تسميتهم إياها سلطانا من السّليط وهو الزيت لإنارتها (٦).

قوله : (إِلى فِرْعَوْنَ) متعلق بمحذوف ، فقدره أبو البقاء مرسلا إلى فرعون (٧) ، وغيره : اذهب (٨) إلى فرعون ، وهذا المقدر ينبغي أن يكون حالا من «برهانان» أي : مرسلا بهما إلى فرعون ، والعامل في هذه الحال ما في اسم الإشارة.

قوله تعالى : (قالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (٣٣) وَأَخِي هارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (٣٤) قالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُما سُلْطاناً فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُما بِآياتِنا أَنْتُما وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغالِبُونَ (٣٥) فَلَمَّا جاءَهُمْ مُوسى بِآياتِنا بَيِّناتٍ قالُوا ما هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُفْتَرىً وَما سَمِعْنا بِهذا فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ (٣٦) وَقالَ مُوسى رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جاءَ بِالْهُدى مِنْ عِنْدِهِ وَمَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ)(٣٧)

قوله : (قالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ) اعلم أنه تعالى لمّا قال : (فَذانِكَ بُرْهانانِ مِنْ رَبِّكَ إِلى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ)(٩) تضمن ذلك أن يذهب موسى بهذين البرهانين إلى فرعون وقومه ، فعند ذلك طلب من يقوّي قلبه فقال : (رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ وَأَخِي هارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً) ، لأنه كان في لسانه حبسة إما (١٠) في أصل الخلقة وإما لأنه وضع الجمرة في فيه عند ما (نتف لحية) (١١) فرعون (١٢).

__________________

(١) عجز بيت من بحر الطويل قاله أعشى تغلب ، وصدره :

ألم يك غدرا ما فعلتم بشمعل

وقد تقدم.

(٢) عند قوله تعالى : «ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا» من الآية (٢٣).

(٣) عند قوله تعالى :«قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ»[البقرة : ١١١].

(٤) ما بين القوسين سقط من ب.

(٥) في ب : ابن. وهو تحريف.

(٦) في النسختين : لإنارته ، والتصويب من الكشاف. انظر الكشاف ٣ / ١٦٦.

(٧) التبيان ٢ / ١٠٢٠ ، وسبقه إلى هذا التقدير ابن الأنباري. البيان ٢ / ٢٣٣.

(٨) في ب : ذهب. وهو تحريف.

(٩) من الآية السابقة.

(١٠) إما : سقط من ب.

(١١) ما بين القوسين في النسختين : تيقظ. والتصويب من الفخر الرازي.

(١٢) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٢٤٩.

٢٥٣

قوله (هُوَ أَفْصَحُ) الفصاحة لغة الخلوص ، ومنه : فصح وأفصح فهو مفصح وفصيح (١) ، أي : خلص من الرّغوة ، ومنه قولهم :

٣٩٩٦ ـ وتحت الرّغوة اللّبن الفصيح (٢)

ومنه : فصح الرّجل جادت لغته ، وأفصح : تكلّم بالعربية ، وقيل : بالعكس (٣) ، وقيل : الفصيح : الذي ينطق ، والأعجم : الذي لا ينطق ، ومن هذا استعير أفصح الصّبح ، أي : بدا ضوؤه ، وأفصح النصراني : دنا فصحه بكسر الفاء ، وهو عيد لهم (٤).

وأما في اصطلاح أهل البيان ، فهو خلوص الكلمة من تنافر الحروف (٥) ، كقوله : ترعى الهعخع(٦) ، ومن (٧) الغرابة (٨) كقوله :

٣٩٩٧ ـ ومرسنا مسرّجا (٩)

ومن مخالفة القياس اللّغوي كقوله :

__________________

(١) في ب : فصيح ومفصح.

(٢) عجز بيت من بحر المقتضب ، قاله نضلة السلمي ، وصدره :

فلم يخشوا مصالته عليهم

وهو في الحماسة البصرية ١ / ٢٢٧ ، اللسان (فصح) والشاهد فيه قوله : (الفصيح) فإنه هنا بمعنى الخالص ، ويروى : الصريح.

(٣) أي : الذي يتكلم بغير العربية ، ويفهم عنه سامعه.

(٤) انظر اللسان (فصح).

(٥) التنافر منه تكون الكلمة بسببه متناهية في الثقل على اللسان ، وعسر النطق بها ، كما روي : أن أعرابيّا سئل عن ناقته ، فقال : تركتها ترعى الهعخع ومنه ما دون ذلك كلفظ مستشزر في قول امرىء القيس :

غدائره مستشزرات إلى العلا

انظر الإيضاح (٥ ـ ٦).

(٦) الهعخع : اسم نبات. وهذه الكلمة تنافرت حروفها فهي ثقيلة على اللسان. الإيضاح (٥).

(٧) في ب : وأما.

(٨) الغرابة : أن تكون الكلمة وحشيّة ، لا يظهر معناها ، فيحتاج في معرفته إلى أن ينقّر عنها في كتب اللغة المبسوطة ، كما روي عن عيسى بن عمر النحوي أنه سقط عن حمار ، فاجتمع عليه الناس فقال : (ما لكم تكأكأتم عليّ تكأكؤكم على ذي جنّة؟ افرنقعوا عنّي) أي : اجتمعتم تنحوا أو يخرج لها وجه بعيد ، كالبيت الذي استشهد به المؤلف. انظر الإيضاح (٦).

(٩) جزء رجز قال العجاج في وصف شعر محبوبته ، وتمامه :

وفاحما ومرسنا مسرّجا

وهو في الإيضاح للقزويني (٦) ، معاهد التنصيص ١ / ٦ ، الفاحم : الأسود ، و (فاحما) أي : شعرا فاحما ، فحذف الموصوف اكتفاء بالصفة. المرسن : بكسر السين وفتحها : الأنف ، وجمعه المراسين ، وأصله في ذوات الحوافر ثم استعمل للإنسان. وقوله : (مسرّجا) اختلف في تخريجه : فقيل : نسبة إلى السيوف السريجية ، فيكون قد وصفه بالاستقامة والاستواء ، وإما من سرجه تسريجا ، أي : حسنه ، فيكون موصوفا بالحسن ، ولهذا كان استعماله غريبا بدون قرينة. وهو موطن الشاهد.

٢٥٤

٣٩٩٨ ـ العليّ الأجلل (١)

وخلوص الكلام من ضعف التأليف كقوله :

٣٩٩٩ ـ جزى ربّه عنّي عديّ بن حاتم (٢)

ومن تنافر الكلمات (٣) كقوله :

٤٠٠٠ ـ وقبر حرب بمكان قفر

وليس قرب قبر حرب قبر (٤)

ومن التعقيد وهو إما إخلال نظم الكلام فلا يدرى كيف يتوصل إلى معناه ، كقوله :

٤٠٠١ ـ وما مثله في النّاس إلّا مملّكا

أبو أمّه حيّ أبوه يقاربه (٥)

وإما عدم انتقال الذهن من المعنى الأول إلى المعنى الثاني الذي هو لازمه والمراد به ظاهرا كقوله :

٤٠٠٢ ـ سأطلب بعد الدّار عنكم لتقربوا

وتسكب عيناي الدّموع لتجمدا (٦)

__________________

(١) جزء رجز قاله أبو النجم ، وتمامه : الحمد لله العليّ الأجلل. وهو في الخصائص ٣ / ٨٧ ، ٩٣ ، المنصف ١ / ٣٣٩ ، اللسان (جلل) الإيضاح للقزويني (٦) المقاصد النحوية ٤ / ٥٩٥ ، شرح التصريح ٢ / ٤٠٣ ، الهمع ٢ / ١٥٧ ، الأشموني ٤ / ٣٤٩ ، معاهد التنصيص ١ / ٧. والشاهد فيه قوله : (الأجلل) بدون إدغام ، فهو مخالف للقياس ، فإن القياس (الأجل) بالإدغام.

(٢) صدر بيت من بحر الكامل ، ينسب لأبي الأسود ، أو النابغة ، أو عبد الله بن همارق ، وعجزه :

جزاء الكلاب العاويات وقد فعل

وهو في الخصائص ١ / ٢٩٤ ، أمالي ابن الشجري ١ / ١٠٢ ، ابن يعيش ١ / ٧٦ ، المقاصد النحوية ٢ / ٤٨٧ ، الإيضاح للقزويني (٧) ، التصريح ١ / ٢٨٣ ، الهمع ١ / ٦٦ ، الأشموني ٢ / ٥٩ ، الخزانة ١ / ٢٧٧ ، الدرر ١ / ٤٤. والشاهد فيه عود الضمير في «ربّه» على متأخر لفظا ورتبة وهو (عديّ) والأخفش وابن جني أجازاه خلافا للجمهور ، وفي البيت تخريج آخر : وهو أن الضمير يعود على المصدر المفهوم ، أي : الجزاء.

(٣) التنافر منه ما تكون الكلمات بسببه متناهية في الثقل على اللسان وعسر النطق بها متتابعة كما في البيت الذي أنشده المؤلف ، ومنه ما دون ذلك كما في قول أبي تمام :

كريم متى أمدحه أمدحه والورى

معي وإذا ما لمته لمته وحدي

انظر الإيضاح (٧ ـ ٨).

(٤) البيت من بحر الرجز ، لم أهتد إلى قائله. وهو في الإيضاح (٥) ، معاهد التنصيص ١ / ٣٤ والشاهد فيه عدم فصاحة الكلام لثقلها على اللسان وعسر النطق بها متتابعة.

(٥) البيت من بحر الطويل ، قال الفرزدق ، وهو في الخصائص ١ / ١٤٦ ، ٣٢٩ ، ٢ / ٣٩٣ ، الإيضاح (٨) معاهد التنصيص ١ / ١٦.

والشاهد فيه التعقيد في النظم ، وهو عدم فهم المراد من الكلام على الوضوح ، وذلك لخلل في نظم الكلام ، فكان حقه أن يقول : وما مثله في الناس حي يقاربه إلّا مملكا أبو أمه أبوه ، ففصل بين (أبو أمه) وهو مبتدأ ، و (أبوه) وهو خبره ب (حيّ) وهو أجنبي ، وكذلك فصل بين (حيّ) و (يقاربه) وهو نعت (حيّ) ب (أبوه) وهو أجنبي ، وقدم المستثنى على المستثنى منه ، فهو كما تراه في غاية التعقيد.

(٦) البيت من بحر الطويل قاله العباس بن الأحنف ، وليس في ديوانه ، وهو في الإيضاح (٩) ، معاهد ـ

٢٥٥

وخلوص (المتكلم من) (١) النطق بجميع ذلك ، فصارت الفصاحة يوصف بها ثلاثة أشياء : الكلمة والكلام والمتكلم ، بخلاف البلاغة فإنه لا يوصف بها إلا الأخيران ، وهذا ليس (موضع) إيضاحه وإنما ذكرناه تنبيها على أصله (٢) ، ولسانا : تمييز.

قوله «ردءا» (منصوب) (٣) على الحال (٤) ، والرّدء : العون (٥) وهو فعل بمعنى مفعول كالدّفء بمعنى المدفوء به (٦) ، وردأته على عدوه أي (٧) : أعنته عليه (٨) ، وردأت الحائط : دعمته بخشبة لئلّا يسقط (٩) ، وقال النحاس : يقال : ردأته وأردأته (١٠) ، وقال سلامة بن جندل (١١) :

٤٠٠٣ ـ وردئي كل أبيض مشرفيّ

شحيذ الحدّ أبيض ذي فلول (١٢)

وقال آخر :

٤٠٠٤ ـ ألم تر أنّ أصرم كان ردئي

وخير النّاس في قلّ ومال (١٣)

وقرأ نافع بغير همزة «ردا» بالنقل ، وأبو جعفر كذلك إلا أنه لم ينوّنه ، كأنه أجرى الوصل مجرى الوقف (١٤) ، ونافع ليس من قاعدته النقل (١٥) في كلمة إلّا هنا ، وقيل : ليس نقل وإنما هو من أردى على كذا ، أي : زاد (١٦) ، قال :

__________________

ـ التنصيص ١ / ١٩. والشاهد فيه أنه أراد أن يكني عما يوجبه دوام التلاقي من السرور بالجمود ، لظنه أن الجمود خلو العين من البكاء مطلقا من غير اعتبار شيء آخر ، وليس الأمر كذلك ، لأن الجمود خلو العين من البكاء في حال إرادة البكاء منها ، فلا يكون كناية عن المسرة ، وإنما يكون كناية عن البخل.

(١) ما بين القوسين سقط من ب.

(٢) انظر هذه المباحث في الإيضاح للقزويني (٥ ـ ١١).

(٣) منصوب : سقط من ب.

(٤) انظر التبيان ٢ / ١٠٢٠.

(٥) في ب : القرن.

(٦) انظر الكشاف ٣ / ١٦٦ ، البحر المحيط ٧ / ١٠٣.

(٧) أي : سقط من ب.

(٨) انظر مجاز القرآن ٢ / ١٠٤.

(٩) انظر اللسان (ردأ).

(١٠) قال النحاس : (مشتق من أردأته ، أي : أعنته ، وقد حكي ردأته ردءا) إعراب القرآن ٣ / ٢٣٨.

(١١) هو سلامة بن جندل ، شاعر جاهلي من الفرسان اشتهر بوصف الخيل. المنجد ٣٠٤.

(١٢) البيت من بحر الوافر وهو في الكشاف ٣ / ١١٦ ، البحر المحيط ٧ / ١٠٣ ، شرح شواهد الكشاف (١٠٠). مشرفيّ : نسبة إلى مشارف اليمن ، قرى منها ، وقيل : من الشام. شحيذ الحد : من شحذ شحذا : أحدّ سنانه ، الفلول : جمع فلّ ـ بالفتح ـ وهو كسر في حد السيف ، أي : به فلول من قراع الكتائب.

(١٣) البيت من بحر الوافر لم أهتد إلى قائله ، وهو في القرطبي ١٣ / ٢٨٦. أصرم : يقال : رجل أصرم إذا افتقر وبقي متماسكا.

(١٤) السبعة (٤٩٤) الحجة لابن خالويه (٢٧٨) ، البحر المحيط ٧ / ١١٨ ، الإتحاف (٣٤٢).

(١٥) في ب : الفعل. وهو تحريف.

(١٦) ونسب هذا القول إلى مسلم بن جندب. انظر القرطبي ١٣ / ٢٨٦.

٢٥٦

٤٠٠٥ ـ وأسمر خطّيّا كأنّ كعوبه

نوى القسب قد أردى ذراعا على العشر (١)

أي : زاد ، وأنشده الجوهري (قد أربى) (٢) ، وهو بمعناه.

قوله : (يُصَدِّقُنِي) قرأ حمزة وعاصم بالرفع على الاستئناف أو الصفة ل «ردءا» أو (٣) الحال من (هاء) «أرسله» ، أو من الضمير في «ردءا» ، أي : مصدّقا ، والباقون بالجزم جوابا للأمر (٤) ، وزيد بن علي وأبيّ «يصدّقوني» ، أي : فرعون وملأه ، قال ابن خالويه : هذا شاهد لمن جزم ، لأنه لو كان رفعا ، لقال : «يصدّقونني» (٥). يعني بنونين ، وهذا سهو من ابن خالويه ، لأنه متى اجتمعت نون الرفع مع نون الوقاية جازت أوجه : أحدها : الحذف ، فهذا يجوز أن يكون مرفوعا ، وحذفت نونه(٦) ، فمن رفع القاف فالتقدير ردءا يصدقني ، ومن جزم كان على معنى الجزاء ، يعني : إن أرسلته صدّقني ، ونظيره : (فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي) [مريم : ٥ ـ ٦] ، وروى السّدّي عن بعض شيوخه : «ردءا كيما (٧) يصدقني» (٨).

والتصديق لهارون في قول الجميع ، وقال مقاتل : لكي يصدّقني فرعون (إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ) يعني فرعون وقومه (٩) ، وقال (١٠) ابن الخطيب : ليس الغرض بتصديق هارون أن يقول له صدقت أو يقول الناس : صدق موسى ، وإنما هو أن يخلص بلسانه الفصيح وجوه الدلائل ويجيب عن الشبهات ويجادل به الكفار فهذا هو التصديق المفيد ألا ترى إلى قوله (وَأَخِي هارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً فَأَرْسِلْهُ) ، وفائدة الفصاحة إنما تظهر فيما ذكرناه لا مجرد قوله : «صدقت» (١١).

فصل

قال السّدّيّ : إنّ (١٢) نبيّين وآيتين أقوى من نبيّ واحد وآية واحدة قال القاضي :

__________________

(١) البيت من بحر الطويل عزي في اللسان (ردى) إلى أوس ، وفي اللسان (قسب): (قال ابن بري : هذا البيت يذكر أنه لحاتم الطائي ولم أجده في شعره) ونسبه البغدادي في الخزانة إلى عتبة بن مرداس.

وقد تقدم.

(٢) انظر الصحاح (ربى) ٦ / ٢٣٦٢.

(٣) في ب : إذ. وهو تحريف.

(٤) السبعة ٤٩٤ ، الكشف ٢ / ١٧٣ ، البيان ٢ / ٢٣٣ ، التبيان ٢ / ١٠٢٠ ، البحر المحيط ٧ / ١١٨ النشر ٢ / ٣٤١ ، الإتحاف (٣٤٣).

(٥) المختصر (١١٤) ، وانظر أيضا البحر المحيط ٧ / ١١٨.

(٦) على خلاف بين النحاة في المحذوف النون الأولى أو الثانية ، فمذهب سيبويه أنها نون الرفع ورجحه ابن مالك ، وذهب أكثر المتأخرين إلى أن المحذوف نون الوقاية ، وعليه الأخفش الأوسط والصغير والمبرد ، وأبو علي وابن جني. والوجه الثاني : الفك. والثالث : الإدغام. انظر الهمع ١ / ٥١ ـ ٥٢.

(٧) في ب : فيما.

(٨) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٢٤٩.

(٩) المرجع السابق.

(١٠) في ب : قال.

(١١) الفخر الرازي ٢٤ / ٢٤٩.

(١٢) إنّ : تكملة من الفخر الرازي.

٢٥٧

والذي قاله من جهة العادة أقوى ، فأمّا من حيث الدلالة فلا فرق بين معجز ومعجزين (١).

قوله «عضدك» العامة على فتح العين وضم الضاد ، والحسن وزيد بن علي (بضمهما) (٢)(٣) وعن الحسن بضمة وسكون (٤) ، وعيسى بفتحهما (٥) ، وبعضهم بفتح العين وكسر الضاد (٦) ، وفيه لغة سادسة فتح (٧) العين وسكون الضاد (٨) ، وهذا كناية عن التقوية له (٩) بأخيه وكان هارون يومئذ بمصر.

قوله : (وَنَجْعَلُ لَكُما سُلْطاناً) أي : حجّة وبرهانا (فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُما). فإن قيل : بيّن تعالى أن السلطان هو بالآيات فكيف لا يصلون إليهما لأجل الآيات ، أو ليس فرعون قد وصل إلى صلب السحرة؟ فإن كانت هذه الآيات ظاهرة فالجواب : أن الآية التي هي قلب العصا حيّة كما أنها معجزة فهي أيضا تمنع من وصول ضرر فرعون إلى موسى وهارون ، لأنهم علموا أنه (١٠) متى ألقاها صارت حية عظيمة ، وإن أراد إرسالها عليهم أهلكتهم زجرهم ذلك عن الإقدام عليها ، فصارت مانعة من الوصول إليهما بالقتل وغيره وصارت آية ومعجزة وجمعت بين الأمرين ، وأما صلب السّحرة (١١) ففيه خلاف ، فقيل : إنهم ما صلبوا ، وليس في القرآن ما يدل على ذلك ، وإن سلم فوصول الضرر لغيرهما لا يقدح في عدم الوصول إليهما (١٢).

قوله : (بِآياتِنا) يجوز فيه أوجه أن يتعلق ب «نجعل» أو ب «يصلون» أو بمحذوف ، أي : اذهبا ، أو على البيان فيتعلق بمحذوف أيضا ، أو ب «الغالبون» على أن (أل) (١٣) ليست موصولة أو موصولة ، واتّسع فيه ما لا يتسع في غيره ، أو قسم وجوابه متقدم ، وهو (فَلا يَصِلُونَ) ، أو من لغو القسم ، قالهما الزمخشري (١٤) ، ورد عليه أبو حيان بأن جواب

__________________

(١) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٢٤٩.

(٢) المحتسب ٢ / ١٥٢ ، البحر المحيط ٧ / ١١٨.

(٣) ما بين القوسين في ب : بضمها. وهو تحريف.

(٤) انظر البحر المحيط ٧ / ١١٨.

(٥) المرجع السابق.

(٦) المرجع السابق.

(٧) في ب : بفتح.

(٨) قال أبو حيان : (ولا أعلم أحدا قرأ به) البحر المحيط ٧ / ١١٨ ، وقال ابن جني معقبا على قراءة الحسن بضمتين : (فيها خمس لغات : عضد ، وعضد ، وعضد ، وعضد وعضد ، وأفصحها وأعلاها عضد بوزن رجل) المحتسب ٢ / ١٥٢ ، وفي اللسان (عضد) : العضد والعضد والعضد والعضد من الإنسان وغيره : الساعد وهو ما بين المرفق إلى الكتف ، والكلام الأكثر العضد ، وحكى ثعلب : العضد بفتح العين والضاد.

(٩) له : سقط من ب.

(١٠) أنه : سقط من ب.

(١١) في ب : الشجرة. وهو تحريف.

(١٢) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٢٥٠.

(١٣) أل : سقط من ب.

(١٤) قال الزمخشري :(«بآياتنا» متعلق بنحو ما تعلق له «فِي تِسْعِ آياتٍ» أي : اذهبا بآياتنا ، أو ب «نَجْعَلُ لَكُما سُلْطاناً» أي : أو ب «لا يصلون» أي : تمتنعون منهم بآياتنا ، أو هو بيان للغالبون لا صلة لامتناع تقديم الصلة على الموصول ، ولو تأخر لم يكن إلا صلة له ، ويجوز أن يكون قسما جواب ه «لا يصلون» مقدّما عليه ، أو من لغو القسم) الكشاف ٣ / ١٦٧.

٢٥٨

القسم لا تدخله الفاء عند الجمهور (١). ويريد : بلغو القسم أن جوابه محذوف أي : وحقّ آياتنا (٢) لتغلبنّ (٣) ، ثم قال : (أَنْتُما وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغالِبُونَ) أي : لكما ولأتباعكما الغلبة.

قوله : (فَلَمَّا جاءَهُمْ مُوسى بِآياتِنا بَيِّناتٍ) واضحات وقد تقدم كيفية إطلاق لفظ الآيات ـ وهو جمع ـ على العصا واليد في سورة طه. (قالُوا ما هذا إِلَّا سِحْرٌ مُفْتَرىً) مختلق ، ثم ضموا إليه ما يدل على جهلهم ، وهو قولهم (ما سَمِعْنا بِهذا فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ) أي : ما حدّثنا بهذا الذي تدعونا إليه.

قوله : (وَقالَ مُوسى) هذه قراءة العامة بإثبات واو العطف ، وابن كثير حذفها (٤). وكل وافق مصحفه ، فإنها ثابتة في المصاحف غير مصحف مكة ؛ وإثباتها وحذفها واضحان ، وهو الذي يسميه أهل البيان : الوصل والفصل (٥). قوله (٦)(رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جاءَ بِالْهُدى مِنْ عِنْدِهِ) بالمحق من المبطل.

قوله : (وَمَنْ تَكُونُ) قرأ العامة «تكون» بالتأنيث ، و «له» خبرها ، و «عاقبة» اسمها ، ويجوز أن يكون اسمها ضمير القصة ، والتأنيث لأجل ذلك.

و (لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ) جملة (٧) في موضع الخبر ، وقرىء (٨) بالياء من تحت (٩) على أن تكون «عاقبة» اسمها ، والتذكير (١٠) للفصل ، ولأنه تأنيث مجازي ، ويجوز أن يكون اسمها ضمير الشأن (١١) ، والجملة خبر كما تقدم (١٢) ، ويجوز أن تكون تامة وفيها ضمير يرجع إلى «من» والجملة في موضع الحال ، ويجوز أن تكون ناقصة واسمها ضمير «من» والجملة خبرها (١٣) ، والمعنى : (مِنْ) يكون (لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ) أي : العاقبة (١٤) المحمودة في الدار الآخرة لقوله (١٥) تعالى (أُولئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ جَنَّاتُ عَدْنٍ) [الرعد : ٢٢ ـ ٢٣] ، والمراد من الدار : الدّنيا. وعاقبتها (١٦) وعقباها أن يختم للعبد بالرحمة والرضوان (١٧) ، (إِنَّهُ (١٨) لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) ، أي : الكافرون.

__________________

(١) البحر المحيط ٧ / ١١٨.

(٢) في ب : وحقّ أنا كاننا. وهو تحريف.

(٣) انظر البحر المحيط ٧ / ١١٩.

(٤) السبعة (٤٩٤) ، الحجة لابن خالويه (٢٧٨) الكشف ٢ / ١٧٤ ، النشر ٢ / ٣٤١ ، الإتحاف (٣٤٣).

(٥) الوصل : عطف بعض الجمل على بعض ، والفصل : تركه. انظر الإيضاح (١٥١).

(٦) قوله : سقط من الأصل.

(٧) في ب : وجملة. وهو تحريف.

(٨) في الأصل : وهي.

(٩) قرأ بها حمزة والكسائي وخلف. السبعة (٤٩٤) ، الكشف ١ / ٤٥٣ ، النشر ٢ / ٣٤١ ، الإتحاف (٣٤٣).

(١٠) في ب : والتذكر. وهو تحريف.

(١١) في ب : البيان. وهو تحريف.

(١٢) في ب : كما تقدم والجملة خبر.

(١٣) انظر التبيان ٢ / ١٠٢١.

(١٤) في ب : العقبى.

(١٥) في ب : كقوله.

(١٦) وعاقبتها : سقط من ب.

(١٧) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٢٥١.

(١٨) إنه : سقط من ب.

٢٥٩

قوله تعالى : (وَقالَ فِرْعَوْنُ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يا هامانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلى إِلهِ مُوسى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكاذِبِينَ (٣٨) وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنا لا يُرْجَعُونَ (٣٩) فَأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (٤٠) وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ لا يُنْصَرُونَ (٤١) وَأَتْبَعْناهُمْ فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ (٤٢) وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ مِنْ بَعْدِ ما أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولى بَصائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ)(٤٣)

قوله (١) : (وَقالَ فِرْعَوْنُ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي) فتضمن كلامه نفي إلهيّة غيره وإثبات إلهية نفسه (٢) ، (فَأَوْقِدْ لِي يا هامانُ عَلَى الطِّينِ) فاطبخ لي الآجرّ (٣) ، قيل : إنّه أول من اتخذ الآجرّ وبنى به (٤) ، (فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً) أي (٥) : قصرا عاليا. وقيل : منارة ، واختلفوا في ذلك فقيل : إنه بناه حتى بلغ ما لم يبلغه بنيان أحد من الخلق ، وإنه صعد ورمى بسهم وأن السهم عاد إليه ملطخا بدم ، وبعث الله جبريل عليه‌السلام فضربه بجناحه فقطعه ثلاث قطع (٦) ، وقيل : إنه لم يبن الصرح لأنه يبعد في العقل أنهم بصعود الصرح يقربون من السماء مع علمهم (٧) بأنّ من علا أعلى الجبال الشاهقة يرى السماء كما كان يراها وهو في قرار الأرض ، ومن شكّ في ذلك خرج عن حد العقل ، وهذا القول في أنه رمى السهم إلى السماء وأن من حاول ذلك كان من الخائبين ، ولا يليق بالعقل ، وإنما قال ذلك على سبيل التهكم (٨).

قوله : (لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلى إِلهِ مُوسى) أنظر إليه. والطّلوع والاطّلاع (٩) واحد ، يقال : طلع الجبل واطّلع واحد (١٠) ، (وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ) يعني موسى (مِنَ الْكاذِبِينَ) في زعمه أنّ للأرض والخلق إلها غيري وأنه رسوله. (وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ) واعلم أن الاستكبار بالحق إنما هو لله تعالى ، وهو المتكبر في الحقيقة ، قال عليه‌السلام (١١) فيما حكاه عن ربه : «الكبرياء ردائي والعظمة إزاري ، فمن نازعني واحدا منهما

__________________

(١) في ب : قوله تعالى.

(٢) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٢٥٢.

(٣) الآجرّ : طبيخ الطين ، والواحدة بالهاء آجرّة. اللسان (أجر).

(٤) انظر البغوي ٦ / ٢٤٣.

(٥) أي : سقط من الأصل.

(٦) انظر البغوي ٦ / ٤٣٤.

(٧) في ب : لعلمهم.

(٨) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٢٥٣.

(٩) الصعود.

(١٠) انظر الكشاف ٣ / ١٦٩.

(١١) في ب : عليه الصلاة والسلام.

٢٦٠