اللّباب في علوم الكتاب - ج ١٥

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي

اللّباب في علوم الكتاب - ج ١٥

المؤلف:

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي


المحقق: عادل أحمد عبد الموجود و علي محمّد معوّض
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-2298-3

الصفحات: ٦١٥

الحوفي فجعلها متعلقة ب «ناظرة» (١) ، وهذا لا يستقيم ، لأن اسم الاستفهام له صدر الكلام و (بِمَ يَرْجِعُ) معلق لناظرة (٢).

قوله : (فَلَمَّا جاءَ سُلَيْمانَ) أي : فلما جاء الرسول ، أضمره لدلالة قولها «مرسلة» ، فإنه يستلزم رسولا ، والمراد به الجنس لا حقيقة رسول واحد ، بدليل خطابه لهم بالجمع في قوله : «أتمدونني ..» إلى آخره (٣) ، وكذلك قرأ عبد الله : فلما جاءوا ، وقرأ (٤) : «فارجعوا إليهم» (٥) ، اعتبارا بالأصل المشار إليه.

قوله : «أتمدونني» استفهام إنكار ، وقرأ حمزة بإدغام نون الرفع في نون الوقاية ، وأما الياء فإنه يحذفها وقفا ، ويثبتها وصلا على قاعدته في الزوائد (٦) ، والباقون بنونين ـ على الأصل ـ وأما الياء فإن نافعا وأبا عمرو كحمزة يثبتانها وصلا ويحذفانها وقفا ، وابن كثير يثبتها في الحالين ، والباقون يحذفونها في الحالين.

وروي عن نافع أنه يقرأ بنون واحدة ، فتكملت ثلاث قراءات (٧) كما في : (تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ) [الزمر : ٦٤].

قال الزمخشري : ما الفرق بين قولك : أتمدونني (٨) بمال وأنا أغنى منكم (٩) ، وبين أن تقوله بالفاء؟ قلت : إذا قلته بالواو فقد جعلت مخاطبي عالما بزيادتي عليه في الغنى ، وهو ـ مع ذلك ـ يمدني بالمال ، وإذا قلته بالفاء فقد جعلته ممن خفي عليه حالي ، وإنما أخبره الساعة بما لا أحتاج معه إلى إمداده ، كأني أقول له (١٠) : أنكر عليك ما فعلت فإني غني عنه ، وعليه ورد قوله : (فَما آتانِيَ اللهُ)(١١) انتهى.

وفي هذا الفرق نظر ، إذ لا يفهم ذلك بمجرد الواو والفاء ، ثم إنه لم يجب عن السؤال الأول ، وهو أنه : لم عدل عن قوله : وأنا أغنى منكم (١٢) إلى قوله : (فَما آتانِيَ اللهُ)؟

وجوابه : أنه أسند إيتاء الغنى إلى الله ، إظهارا لنعمته عليه ، ولو قال : وأنا (١٣) أغنى منكم ، كان فيه افتخار (١٤) من غير ذكر لنعمة الله عليه ، فأظهر ـ بهذا الكلام ـ قلة

__________________

(١) انظر البحر المحيط ٧ / ٧٤.

(٢) انظر البحر المحيط ٧ / ٧٤.

(٣) المرجع السابق.

(٤) في ب : فاقرأ.

(٥) انظر تفسير ابن عطية ١١ / ٢٠٤ ، البحر المحيط ٧ / ٧٤.

(٦) في الأصل : الرواية ، وفي ب : الرواب. والصواب ما أثبته.

(٧) السبعة (٤٨١ ـ ٤٨٢) ، الكشف ٢ / ١٦٠ ، الإتحاف (٣٣٦ ـ ٣٣٧).

(٨) في الكشاف : أتمدني.

(٩) في ب : عنكم.

(١٠) له : تكملة من الكشاف.

(١١) الكشاف ٣ / ١٤٣.

(١٢) في ب : عنكم.

(١٣) في ب : أنا.

(١٤) في ب : إنكار. وهو تحريف.

١٦١

الاكتراث بذلك المال. قوله : (بَلْ أَنْتُمْ) إضراب انتقال ، قال الزمخشري : فإن قلت : فما وجه الإضراب؟ قلت : لما أنكر عليهم الإمداد ، وعلل إنكاره ، أضرب عن ذلك إلى بيان السبب الذي حملهم عليه ، وهو أنهم لا يعرفون سبب رضى إلا مما يهدى إليهم من حظوظ الدنيا التي لا يعرفون غيرها ، والهدية : يجوز إضافتها إلى المهدي وإلى المهدى إليه ، وهي هنا محتملة للأمرين (١). قال أبو حيان : وهي هنا مضافة للمهدى إليه ، وهذا هو الظاهر ، ويجوز أن تكون مضافة إلى المهدي ، أي : بل أنتم بهديتكم هذه التي أهديتموها تفرحون فرح افتخار (٢).

قال شهاب الدين : كيف يجعل الأول هو الظاهر ، ولم ينقل أن سليمان ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أرسل إليهم هدية في هذه الحالة ، حتى يضيفها إليهم ، بل الذي يتعين إضافتها إلى المهدي (٣). ومعنى الآية : (بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ) ، لأنكم أهل مفاخرة بالدنيا ومكاثرة بها تفرحون بإهداء بعضكم لبعض ، وأما أنا فلا أفرح بها وليست الدنيا من حاجتي ، لأن الله تعالى (٤) قد مكنني فيها وأعطاني منها ما لم يعط أحدا ، ومع ذلك أكرمني بالدين والنبوة (٥). قوله : «ارجع» الظاهر أن الضمير يعود على الرسول (٦) ، وتقدمت قراءة عبد الله : «ارجعوا» ، وقيل : يعود على الهدهد (٧). (فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ) وهذا جواب قسم مقدر ، وكذلك قوله (وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ). قوله : (لا قِبَلَ) صفة ل «جنود» ، أي : لا طاقة ، وحقيقته : لا مقابلة (٨) والضمير في «بها» عائد على «جنود» ، لأنه جمع تكسير فيجري مجرى المؤنثة الواحدة كقولهم : الرجال وأعضادها (٩). وقرأ عبد الله «بهم» (١٠) على الأصل. (وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْها) أي من بلادهم وأرض سبأ (١١) «أذلة» حال (١٢) ، والذال : أن يذهب عنهم ما كان عندهم من العز والملك (١٣). قوله : (وَهُمْ صاغِرُونَ) حال ثانية (١٢) ، والظاهر أنها مؤكدة ، لأن «أذلة» تغني عنها. فإن قيل : قوله (فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ) ، و (لَنُخْرِجَنَّهُمْ) قسم ، فلا بد أن يقع!

__________________

(١) الكشاف ٣ / ١٤٣. بتصرف.

(٢) البحر المحيط ٧ / ٧٤.

(٣) الدر المصون ٥ / ١٩٤ ـ ١٩٥.

(٤) تعالى : سقط من ب.

(٥) انظر البغوي ٦ / ٢٨١.

(٦) قيل : إن الرسول هو المنذر بن عمرو أمير الوفد. انظر القرطبي ١٣ / ٢٠١.

(٧) انظر الكشاف ٣ / ١٤٣.

(٨) المرجع السابق.

(٩) انظر البحر المحيط ٧ / ٧٤. ووجه الاستشهاد بالمثل أن الرجال جمع تكسير فيصح أن يعود عليه الضمير جمعا مذكرا أو مفردا مؤنثا على معنى جماعة الرجال.

(١٠) معاني القرآن للفراء ٢ / ٢٩٣ ، البحر المحيط ٧ / ٧٤.

(١١) انظر الكشاف ٣ / ١٤٣ ، البحر المحيط ٧ / ٧٤.

(١٢) انظر مشكل إعراب القرآن ٢ / ١٤٨ ، البيان ٢ / ٢٢٢.

(١٣) انظر الكشاف ٣ / ١٤٣.

(١٢) انظر مشكل إعراب القرآن ٢ / ١٤٨ ، البيان ٢ / ٢٢٢.

١٦٢

فالجواب : أنه معلق (١) على شرط حذف لفهم المعنى ، أي : إن (٢) لم يأتوني مسلمين ، والصغار: أن يقعوا في أسر واستعباد (٣).

فصل

قال ابن عباس : لما رجعت رسل بلقيس إليها من عند سليمان ، قالت : قد عرفت والله ما هذا بملك ، ولا لنا به من (٤) طاقة ، وبعثت إلى سليمان : إني قادمة عليك (٥) بملوك قومي ، حتى (٦) أنظر ما أمرك وما تدعو إليه من دينك ثم آذنت بالرحيل إلى سليمان ، فلما قربت منه على فرسخ ، فرأى سليمان رهجا قريبا ، فقال ما هذا؟ قالوا بلقيس قد نزلت منا بهذا المكان. قال ابن عباس : وكان بين الكوفة والحيرة قدر فرسخ ، فأقبل سليمان حينئذ على جنوده (٧) ، فقال (يا أَيُّهَا الْمَلَؤُا أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِها قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ)؟

قوله تعالى : (قالَ يا أَيُّهَا الْمَلَؤُا أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِها قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (٣٨) قالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (٣٩) قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قالَ هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ)(٤٠)

قال ابن عباس (٨) : طائعين ، واختلفوا في السبب الذي لأجله أمر سليمان بإحضار عرشها ، فقال أكثرهم : لأن سليمان علم أنها إن أسلمت يحرم عليه ما لها ، فأراد أن يأخذ سريرها قبل أن يحرم عليه أخذه بإسلامها ، وقيل : ليراها قدرة الله تعالى وعظيم سلطانه في معجزة يأتي بها في عرشها. وقال قتادة : لأنه أعجبه صفته لما وصفه الهدهد ، فأحب أن يراه. وقال ابن زيد : أراد أن يأمر بتنكيرها (٩) وتغييرها ، فيختبر بذلك عقلها ، ويؤيد ذلك قوله تعالى : (نَكِّرُوا لَها عَرْشَها نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي)(١٠).

قوله : (قالَ عِفْرِيتٌ)(١١) العامة على كسر العين وسكون الفاء (١٢) بعدها تاء مجبورة.

وقرأ أبو حياة : بفتح العين (١٣) ، وأبو رجاء وأبو السمال ـ ورويت عن أبي بكر الصديق ـ

__________________

(١) في ب : متعلق.

(٢) إن : سقط من ب.

(٣) انظر الكشاف ٣ / ١٤٣.

(٤) من : سقط من ب.

(٥) في ب : إليك.

(٦) حتى : سقط من ب.

(٧) انظر البغوي ٦ / ٢٨١.

(٨) من هنا نقله ابن عادل عن البغوي ٦ / ٢٨٢.

(٩) في ب : بتنكيره.

(١٠) آخر ما نقله هنا عن البغوي ٦ / ٢٨٢.

(١١) في ب : «قال عفريت من الجن».

(١٢) في الأصل : الياء. وهو تحريف.

(١٣) الظاهر أن المراد : عفريت. كقراءة العامة في المرسوم ، أحد اللغات في هذا اللفظ ، وفي المختصر قال ابن خالويه : (عفرية أبو حياة) ١٠٩ ، وانظر البحر المحيط ٧ / ٧٦.

١٦٣

«عفرية» مفتوحة بعدها تاء التأنيث المنقلبة هاء وقفا (١) ، وأنشدوا على ذلك قول ذي الرمة :

٣٩٦٢ ـ كأنه كوكب في إثر عفرية

مصوب في سواد الليل منقضب (٢)

وقرأت طائفة «عفر» بحذف الياء والتاء (٣) ، فهذه أربع قراءات قد قرى بهن ، وفيه لغتان أخريان ، وهما : عفارية ، وطيىء وتميم يقولون : عفرى بألف التأنيث كذكرى (٤) ، واشتقاقه من العفر ، وهو الترائب ، يقال : عافره فعفره أي : صارعه فصرعه وألقاه في العفر وهو الترائب. وقيل : من العفر ، وهو القوة (٥). والعفريت من الجن المارد الخبيث ، ويقال : عفريت نفريت ، وهو إتباع كشيطان ليطان(٦) ، وحسن بسن (٧). ويستعار للعارم من الإنس ، ولا شتهار هذه الاستعارة وصف في الآية بكونه من الجن ، تمييزا له. قال ابن قتيبة : العفرية الموثق الخلق (٨). وعفرية الديك والحبارى للشعر الذي على رأسهما (٩).

وعفرنى للقوي (١٠) ، ورجل عفر ـ بتشديد الراء ـ للمبالغة ، مثل : سر شمر (١١). قيل : إن الشيطان أقوى من الجن ، وإن المردة أقوى من الشياطين ، وإن العفريت أقوى منهما. قال بعض المفسرين: العفريت من الرجال الخبيث المنكر (١٢) ، وقال ابن عباس : العفريت : الداهية (١٣) ، وقال الربيع (١٤) : الغليظ (١٥) ، وقال الفراء : القوي الشديد (١٦).

قوله : (أَنَا آتِيكَ بِهِ) يجوز أن يكون فعلا مضارعا ، فوزنه أفعل ، نحو : أضرب ، والأصل : أأتاك ـ بهمزتين ـ فأبدلت الثانية ألفا (١٧) ، وأن يكون اسم فاعل ، وو زنه فاعل ،

__________________

(١) المختصر (١٠٩) ، المحتسب ٢ / ١٤١ ، البحر المحيط ٧ / ٧٦.

(٢) البيت من بحر البسيط ، قاله ذو الرمة وهو في ديوانه ١ / ١١ ، مجاز القرآن ٢ / ٩٥ ، الكامل ٢ / ١٠١٠ ، تفسير ابن عطية ١١ / ٢٠٧ ، القرطبي ١٣ / ٢٠٣ ، اللسان (قضب) البحر المحيط ٧ / ٥١ ، ٧٦ ، والبيت في وصف ثور وحشي ، منقضب : منقطع. يقول : كأن الثور كوكب مصوب منقض في إثر عفرية في سواد الليل. والشاهد فيه قوله : (عفرية) فإنها لغة في (عفريت).

(٣) تفسير ابن عطية ١١ / ٢٠٧ ، البحر المحيط ٧ / ٧٦.

(٤) انظر البحر المحيط ٧ / ٧٦.

(٥) انظر اللسان (عفر).

(٦) في ب : نيطان.

(٧) انظر الإتباع والمزاوجة لا بن فارس (٣٢ ، ٦٧).

(٨) وعبارته في تفسير غريب القرآن : (قال عفريت من الجن أي : شديد «وثيق») ٣٢٤.

(٩) مفردات غريب القرآن (٣٣٩).

(١٠) في لسان العرب (عفر) : وأسد عفر وعفرية وعفارية وعفريت وعفرنى : شديد قوي.

(١١) شر شمر ، بكسر الشن وتشديد الراء ، بوزن رجل عفر : وهو الموثق الخلق المصح الشديد ، ومعنى شر شمر إذا كان شديدا يتشمر فيه عن الساعدين. اللسان (شمر).

(١٢) انظر الكشاف ٣ / ١٤٣.

(١٣) انظر البغوي ٦ / ٢٨٢.

(١٤) هو الربيع بن نافع الحلبي أبو توبة الطرسوسي ، أخذ عن معاوية بن سلام وأبي الأحوص وابراهيم بن سعد وخلق وأخذ عنه أبو داود ، مات سنة ٢٤١ ه‍. تذكرة الحفاظ للذهبي ٢ / ٤٧٢ ـ ٤٧٣.

(١٥) انظر البغوي ٦ / ٢٨٢.

(١٦) معاني القرآن ٢ / ٢٩٤.

(١٧) لأنه إذا التقى همزتان في كلمة ، وكانت الأولى متحركة والثانية ساكنة أبدلت الثانية حرف مد من جنس حركة الأولى.

١٦٤

والألف زائدة ، والهمزة أصلية عكس الأول (١). وأمال (٢) حمزة «آتيك» في الموضعين من هذه السورة بخلاف عن خلاد (٣).

فصل

قوله : (قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ) أي : مجلسك الذي تقضي فيه ، قال ابن عباس : كان له في (٤) كل غداة مجلس يقضي فيه إلى انتصاف النهار (٥) ، (وَإِنِّي عَلَيْهِ) على حمله ، (لَقَوِيٌ (٦) أَمِينٌ) به على ما فيه من الجواهر ، فقال سليمان : أريد أسرع من هذا ، ف (قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ) ، فقيل : هو جبريل ـ عليه‌السلام ـ وقيل : ملك من الملائكة أيد الله به نبيه سليمان ـ عليه‌السلام (٧) ـ وقال أكثر المفسرين : هو آصف بن برخياء ، وكان وزير سليمان (٨) ، وكان صديقا يعلم اسم الله الأعظم ، إذا دعا به أجيب ، وقيل : بل هو سليمان نفسه (٩) ، والمخاطب هو العفريت الذي كلمه ، وأراد سليمان ـ عليه‌السلام (١٠) ـ إظهار معجزة ، فتحداهم أولا ، ثم بين للعفريت أنه يتأتى له من سرعة الإتيان بالعرش ما لا يتهيأ للعفريت (١١).

(قال محمد بن المنكدر (١٢) : إنما هو سليمان قال له عالم من بني إسرائيل آتاه الله علما وفهما : (أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ) ، قال سليمان : هات ، قال : أنت النبي ابن النبي ، وليس أحد أوجه عند الله منك ، فإن دعوت الله وطلبت إليه كان عندك ، قال : صدقت ، ففعل ذلك ، فجيء بالعرش في الوقت (١٣). وضعف السهيلي ذلك بأته لا يصح من سياق الكلام) (١٤)(١٥) ، قال ابن الخطيب : وهذا القول أقرب لوجوه :

الأول : أن لفظة «الذي» موضوعة في اللغة للإشارة إلى شخص معين عند محاولة تعريفها بقضية (١٦) معلومة ، والشخص المعروف بأنه عنده علم من الكتاب هو سليمان ـ عليه‌السلام ـ فوجب انصرافه إليه أقصى ما في الباب أن (١٧) يقال : كان آصف كذلك

__________________

(١) انظر الكشاف ٣ / ١٤٣ ، تفسير ابن عطية ١١ / ٢١٠ ، التبيان ٢ / ١٠٠٩ ، البحر المحيط ٧ / ٧٦.

(٢) في ب : وأما. وهو تحريف.

(٣) السبعة (٤٨٢) ، الإتحاف (٣٣٧).

(٤) في : سقط من ب.

(٥) انظر البغوي ٦ / ٢٨٣.

(٦) في ب : القوي. وهو تحريف.

(٧) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(٨) في ب : سليمان عليه الصلاة والسلام.

(٩) نفسه : سقط من ب.

(١٠) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(١١) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٩٧.

(١٢) هو محمد بن المنكدر بن عبد الله القرشي التيمي ، أبو عبد الله المدني ، أحد الأئمة الأعلام ، أخذ عن عائشة وأبي هريرة ، وغيرهما ، وأخذ عنه زيد بن أسلم ، ويحيى الأنصاري والزهري ، وغيرهم ، مات سنة ١٣٠ ه‍. خلاصة تذهيب تهذيب الكمال ٢ / ٤٦٠ ـ ٤٦١.

(١٣) انظر البغوي ٦ / ٢٨٣ ـ ٢٨٤.

(١٤) انظر القرطبي ١٣ / ٢٠٥.

(١٥) ما بين القوسين سقط من ب.

(١٦) في ب : لقضية.

(١٧) أن : سقط من ب.

١٦٥

أيضا ، لكنا نقول : إن سليمان كان أعرف بالكتاب منه ، لأنه هو النبي ، فكان (١) صرف اللفظ إلى سليمان أولى.

الثاني : أن إحضار العرش في تلك (٢) الساعة اللطيفة درجة عالية ، فلو حصلت لآصف دون سليمان ، لاقتضى ذلك قصور حال سليمان في أعين الخلق.

الثالث : أن سليمان قال (هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ) فظاهره (٣) يقتضي أن يكون ذلك المعجز قد أظهره الله تعالى (٤) بدعاء سليمان (٥).

فصل

واختلفوا في الكتاب ، فقيل : هو اللوح المحفوظ ، والذي عنده علم الكتاب جبريل ـ عليه‌السلام ـ وقيل : كتاب سليمان ، أو كتاب بعض الأنبياء ، وفي الجملة فإن ذلك مدح ، وإن لهذا الوصف تأثيرا في نقل ذلك العرش ، ولذلك (٦) قيل : إنه اسم الله الأعظم ، وإن عنده وقعت الإجابة من الله تعالى في أسرع الأوقات (٧).

قوله : (قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ) فيه وجهان :

أحدهما : أنه الجفن عبر (٨) به عن سرعة الأمر كما تقول لصاحبك : افعل ذلك في لحظة ، وهذا قول مجاهد (٩) ، وقال الزمخشري : هو تحريكك أجفانك إذا نظرت ، فوضع موضع النظر (١٠).

الثاني : أنه بمعنى المطروف (١١) ، أي : الشيء الذي تنظره (١٢) ، والأول هو الظاهر ، لأن الطرف قد وصف بالإرسال في قوله :

٣٩٦٣ ـ وكنت إذا أرسلت طرفك رائدا

لقلبك يوما أتعبتك المناظر

رأيت الذي لا كله أنت قادر

عليه ولا عن بعضه أنت صابر (١٣)

قال (١٤) سعيد بن جبير «من قبل أن يرتد» أي : من قبل أن يرجع إليك أقصى (من

__________________

(١) في ب : فصار.

(٢) تلك : سقط من ب.

(٣) في ب : فظاهر.

(٤) تعالى : سقط من ب.

(٥) الفخر الرازي ٢٤ / ١٩٧ ـ ١٩٨.

(٦) في ب : وكذلك.

(٧) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٩٨.

(٨) في ب : عر. وهو تحريف.

(٩) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٩٨.

(١٠) الكشاف ٣ / ١٤٣.

(١١) في ب : الشيء المطروف.

(١٢) وهو قول ابن جبير وقتادة ، انظر البحر المحيط ٧ / ٧٧.

(١٣) البيتان من بحر الطويل ، قالتهما امرأة لم تسم ، وهما في عيون الأخبار لا بن قتيبة ٤ / ٢٢ ، الإنصاف ٢ / ٨٠٤ ، والبيت الأول في الكشاف ٣ / ١٤٣ ، البحر المحيط ٧ / ٧٧ ، وهما في شرح شواهد الكشاف (٥٣). والشاهد فيهما قوله : «أرسلت طرفك» حيث جعل الطرف مما يرسل ، وهذا يؤيد أن المراد بالطرف في الآية آلة البصر مؤدى بها الفعل نفسه.

(١٤) في ب : فصل قال.

١٦٦

ترى ، وهو أن يصل إليك من كان منك على مدّ بصرك (١). وقال مجاهد : يعني إدامة النظر) (٢) حتى يرتد (٣) الطرف خاسئا (٤). وقال وهب : تمد عينيك فلا ينتهي طرفك إلى مداه ، حتى أمثله بين يديك(٥). فإن قيل : هذا يقتضي (إما القول بالطفرة) (٦)(٧) أو حصول الجسم الواحد دفعة واحدة في مكانين.

والجواب (٨) : أن المهندسين قالوا : كرة الشمس مثل كرة الأرض مائة وأربعة وستين مرة ثم إن زمان طلوعها (٩) زمان قصير ، فإذا قسمنا زمان طلوع تمام القرص على زمان البعد الذي بين الشام واليمن كانت تلك اللمحة كثيرة فلما ثبت عقلا إمكان وجود هذه الحركة السريعة وثبت أنه تعالى قادر على كل الممكنات زال السؤال (١٠).

قوله : (فَلَمَّا رَآهُ) يعني سليمان ، العرش «مستقرا» عنده محمولا إليه من مأرب إلى الشام في قدر ارتداد الطرف ، ف «مستقرا» حال ، لأن الرؤية بصرية ، و «عنده» معمول له (١١) ، لا يقال إذا وقع الظرف حالا وجب حذف متعلقه ، فكيف ذكر هنا (١٢)؟ لأن الاستقرار هنا ليس هو ذلك الحصول المطلق ، بل المراد به هنا الثابت الذي لا يتقلقل ، قاله أبو البقاء (١٣). وقد جعله ابن عطية هو العامل في الظرف الذي كان يجب حذفه ، فقال : وظهر (١٤) العامل في الظرف من قوله «مستقرا» ، وهذا هو المقدر أبدا مع كل ظرف جاء هنا مظهرا ، وليس في كتاب الله مثله (١٥) ، وما قاله أبو البقاء أحسن (١٦) على أنه قد ظهر العامل المطلق في قوله :

٣٩٦٤ ـ فأنت لدى بحبوحة الهون كائن (١٧)

__________________

(١) انظر البغوي ٦ / ٢٨٤.

(٢) ما بين القوسين سقط من ب.

(٣) في ب : يزيد. وهو تحريف.

(٤) انظر البغوي ٦ / ٢٨٤.

(٥) المرجع السابق.

(٦) الطفرة : الوثبة ، وقد طفر يطفر طفرا وطفورا : وثب في ارتفاع. وطفر الحائط : وثبه إلى ما ورائه.

اللسان (طفر).

(٧) ما بين القوسين سقط من ب.

(٨) في ب : فالجواب.

(٩) في ب : طولها. وهو تحريف.

(١٠) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٩٨.

(١١) انظر البحر المحيط ٧ / ٧٧.

(١٢) في ب : عنده.

(١٣) قال أبو البقاء :(«مستقرّا» أي : ثابتا غير متقلقل ، وليس بمعنى الحصول المطلق ، إذ لو كان كذلك لم يذكر) التبيان ٢ / ١٠٠٩.

(١٤) في ب : فظهر.

(١٥) تفسير ابن عطية ١١ / ٢١١.

(١٦) انظر البحر المحيط ٧ / ٧٧.

(١٧) عجز بيت من بحر الطويل ، مجهول القائل ، وصدره :

لك العزّ إن مولاك عزّ وإن يهن

وقد تقدم.

١٦٧

وقد تقدم ذلك محققا في أول الفاتحة (١).

قوله (٢) «أأشكر» معلق «ليبلوني» ، وأم متصلة (٣) ، وكذلك قوله : (نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ)(٤). قوله : (وَمَنْ شَكَرَ ... وَمَنْ كَفَرَ) يحتمل أن تكون «من» شرطية ، أو موصولة مضمّنة معنى الشرط ، فلذلك دخلت الفاء في الخبر ، والظاهر أن جواب الشرط : الثاني ، أو خبر الموصول قوله : (فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ) ولا بد حينئذ من ضمير يعود على «من» تقديره (٥) غني عن شكره ، وقيل الجواب محذوف تقديره : فإنما كفر عليه ، لدلالة مقابله ، وهو قوله (فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ) عليه (٦).

فصل

تقدم معنى الابتلاء ، وقوله : أشكر نعمته أم أكفرها فلا أشكرها ، ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ، أي : يعود نفع شكره إليه وهو أن يستوجب به تمام النعمة ودوامها ، لأن الشكر قيد (٧) النعمة الموجودة وصيد النعمة المفقودة ، ومن كفر فإن ربي غني (٨) عن شكره كريم بالإفضال على من يكفر نعمه(٩).

قوله تعالى : (قالَ نَكِّرُوا لَها عَرْشَها نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ (٤١) فَلَمَّا جاءَتْ قِيلَ أَهكَذا عَرْشُكِ قالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِها وَكُنَّا مُسْلِمِينَ (٤٢) وَصَدَّها ما كانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللهِ إِنَّها كانَتْ مِنْ قَوْمٍ كافِرِينَ) (٤٣)

قوله تعالى : (نَكِّرُوا لَها عَرْشَها) أي : غيّروا لها سريرها إلى حال تنكره إذا رأته ، وذلك أنه إذا ترك على حاله عرفته لا محالة. وإذا غيّر دلت معرفتها على فضل عقل.

قوله : «ننظر» العامة على جزمه جوابا للأمر قبله ، وأبو حيوة بالرفع (١٠) ، جعله استئنافا(١١).

فصل

روي أنه جعل أسفله أعلاه ، وأعلاه أسفله ، وجعل مكان الجوهر الأحمر أخضر ،

__________________

(١) عند قوله تعالى :«الْحَمْدُ لِلَّهِ»[الفاتحة : ٢].

(٢) قوله : سقط من الأصل.

(٣) قال الأخفش : (أي : لينظر أأشكر أم أكفر ، كقولك : جئت لأنظر أزيد أفضل أم عمرو) معاني القرآن ٢ / ٦٥٠ ، وانظر أيضا التبيان ٢ / ١٠٠٩ ، البحر المحيط ٧ / ٧٧ ـ ٧٨.

(٤) في ب : ... أم تكون من الذين لا يهتدون.

(٥) في ب : يقدره.

(٦) انظر البحر المحيط ٧ / ٧٨.

(٧) في ب : قيل.

(٨) في الأصل : غني حميد.

(٩) انظر البغوي ٦ / ٢٨٤.

(١٠) المختصر (١١٠) ، تفسير ابن عطية ١١ / ٢١٢ ، البحر المحيط ٧ / ٨٧.

(١١) انظر الكشاف ٣ / ١٤٤ ، التيان ٢ / ١٠٠٩ ، البحر المحيط ٧ / ٨٧.

١٦٨

ومكان الأخضر أحمر (١). (نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي) إلى عرشها فتعرفه ، أم تكون من الجاهلين الذين لا يهتدون إليه ، وقيل : أتعرف به نبوة سليمان ولذلك قال : (أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ) إليه ، وذلك كالذم ، ولا يليق إلا بطريق الدلالة ، فكأنه ـ عليه‌السلام ـ أحب أن تنظر فتعرف به نبوته ، حيث صار منتقلا من المكان البعيد إلى هناك (٢) ، وذلك يدل على كمال قدرة الله تعالى ، وعلى صدق سليمان (٣) ـ عليه‌السلام (٤) ـ. ويعرف بذلك أيضا فضل عقلها ، لأنه روي أنه ألقي إليه نقصان عقلها ، لكي لا يتزوجها ـ كما ذكر وهب ومحمد بن كعب وغيرهما ـ أن الشياطين خافت أن يتزوجها سليمان فتفشي إليه أسرار الجن ، وذلك أن أمّها كانت جنية ، وإذا ولدت ولدا لا ينكفون من تسخير سليمان وذريته من بعده ، فأساءوا الثناء عليها ، ليزهّدوه فيها ، وقالوا : إن في عقلها شيئا ، وإن رجلها كحافر الحمار ، وإنها شعراء الساقين ، فأراد سليمان أن يختبر عقلها بتنكير عرشها ، وينظر إلى قدميها ببناء الصرح (٥).

قوله : «أهكذا» ثلاث كلمات ـ حرف التنبيه وكأن التشبيه واسم الإشارة ـ فصل (بحرف الجرّ بين حرف التنبيه واسم الإشارة ، والأصل : أكهذا (٦) ، أي : (أ) (٧) مثل هذا عرشك ، ولا يجوز ذلك في غير الكاف لو قلت : أبهذا مررت ، وألهذا فعلت لم يجز أن تفصل) (٨) بحرف الجرّ بين «ها» و «ذا» فتقول : أها بذا مررت وأها لذا فعلت.

قوله (٩) : (قالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ) ، قال مقاتل : عرفته ، ولكنها شبّهت عليهم كما شبّهوا عليها(١٠). وقال عكرمة : كانت حكيمة لم تقل : نعم ، خوفا من أن تكذب ، ولم تقل : لا ، خوفا من التكذيب (١١) ، قالت كأنه هو ، فعرف سليمان كمال عقلها ، حيث توقفت في محل التوقف ، قيل لها : فإنه عرشك ، فما أغنى عنك إغلاق الأبواب عليه ، وكانت قد أغلقت عليه الأبواب وأخذت مفاتيحها. قوله : (وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِها) فيه وجهان :

أحدهما : أنه من كلام بلقيس ، فالضمير في «قبلها» راجع للمعجزة والحالة الدّالة عليها السياق والمعنى : وأوتينا العلم بنبوة سليمان من قبل ظهور هذه المعجزة أو من قبل هذه الحالة ، وذلك لما رأت قبل ذلك من أمر الهدهد ورد الهدية والرسل «من قبلها» من قبل الآية في العرش ، (وَكُنَّا مُسْلِمِينَ) منقادين طائعين لأمر سليمان.

الثاني : أنه من كلام سليمان وأتباعه ، فالضمير في قبلها عائد على بلقيس ، فكأن سليمان وقومه قالوا : إنها قد أصابت في جوابها وهي عاقلة ، وقد رزقت الإسلام ، ثم

__________________

(١) انظر البغوي ٦ / ٢٨٥.

(٢) في ب : هنا.

(٣) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٩٩.

(٤) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(٥) انظر البغوي ٦ / ٢٨٥.

(٦) في ب : أهكذا.

(٧) ما بين القوسين زيادة يقتضيها السياق.

(٨) ما بين القوسين سقط من الأصل.

(٩) في الأصل : فصل.

(١٠) انظر البغوي ٦ / ٢٨٥.

(١١) المرجع السابق.

١٦٩

عطفوا على ذلك قولهم (١) : وأوتينا نحن العلم بالله وبقدرته على ما يشاء من قبل هذه المرأة مثل علمها ، وغرضهم من ذلك شكر الله تعالى في أن خصهم بمزيد التقدم في الإسلام ، قاله مجاهد (٢).

قوله : (وَصَدَّها ما كانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللهِ) في فاعل «صدّ» ثلاثة أوجه :

أحدها : ضمير الباري (٣).

والثاني : ضمير سليمان (٤) ، أي منعها ما كانت تعبد من دون الله ، وهو الشمس ، وعلى هذا ف (ما كانَتْ تَعْبُدُ) منصوب على إسقاط الخافض ، أي : وصدّها الله أو سليمان عما كانت تعبد من دون الله ، قاله الزمخشري (٥) مجوزا له. وفيه نظر من حيث إن حذف الجار ضرورة ، كقوله :

٣٩٦٥ ـ تمرّون الدّيار فلم تعوجوا (٦)

كذا قاله أبو حيان (٧) ، وقد تقدم آيات كثيرة من هذا النوع.

الثالث : أن الفاعل هو «ما كانت» أي : صدها ما كانت تعبد عن الإسلام (٨) ، (أي : صدها عبادة الشمس عن التوحيد) (٩). والظاهر أنّ الجملة من قوله : «وصدّها» معطوفة على قوله «وأوتينا» (١٠). وقيل : هي حال من قوله : أم تكون من الذين و (قد) مضمرة ، وهذا بعيد جدا (١١). وقيل : هو مستأنف إخبارا من الله تعالى بذلك (١٢).

__________________

(١) في ب : قوله.

(٢) انظر الكشاف ٣ / ١٤٤ ، الفخر الرازي ٢٤ / ١٩٩ ـ ٢٠٠ ، القرطبي ١٣ / ٢٠٧ ـ ٢٠٨.

(٣) انظر معاني القرآن للفراء ٢ / ٢٩٥ ، مشكل إعراب القرآن ٢ / ١٤٩ ، الكشاف ٣ / ١٤٥ ، البيان ٢ / ٢٢٢ ، التبيان ٢ / ١٠٠٩.

(٤) انظر معاني القرآن للفراء ٢ / ٢٩٥ ، مشكل إعراب القرآن ٢ / ١٤٩ ، الكشاف ٣ / ١٤٥.

(٥) قال الزمخشري : (وقيل : وصدّها الله ، أو سليمان عما كانت تعبد بتقدير حذف الجار وإيصال الفعل) الكشاف ٣ / ١٤٥.

(٦) صدر بيت من بحر الوافر ، قاله جرير وعجزه :

كلامكم عليّ إذن حرام

وقد تقدم.

(٧) قال أبو حيان : (وكونه الله أو سليمان و (ما) مفعول (صدها) على إسقاط حرف الجر قاله الطبري ، وهو ضعيف لا يجوز إلا في ضرورة الشعر نحو قوله :

تمرّون الدّيار ولم تعوجوا

أي : عن الديار ، وليس من مواضع حذف حرف الجر). البحر المحيط ٧ / ٧٩.

(٨) انظر معاني القرآن للفراء ٢ / ٢٩٥ ، مشكل إعراب القرآن ٢ / ١٤٩ ، البيان ٢ / ٢٢٢ ، التبيان ٢ / ١٠٠٩.

(٩) ما بين القوسين سقط من ب.

(١٠) انظر البحر المحيط ٧ / ٧٩.

(١١) وضعّفه أبو حيان معلّلا بقوله : (لطول الفصل بينهما ، ولأن التقديم والتأخير لا يذهب إليه إلا عند الضرورة) البحر المحيط ٧ / ٧٩.

(١٢) المرجع السابق.

١٧٠

قوله : (إِنَّها كانَتْ مِنْ قَوْمٍ كافِرِينَ) يعبدون الشمس ، والعامة على كسر «إنّها» استئنافا وتعليلا. وقرأ سعيد بن جبير وأبو حيوة بالفتح (١) ، وفيها وجهان :

أحدهما : أنها بدل من (ما كانَتْ تَعْبُدُ) أي : وصدّها (إِنَّها كانَتْ)(٢).

والثاني : أنها على إسقاط حرف العلة ، أي : لأنّها (٣) ، فهي قريبة من قراءة العامة.

قوله تعالى : (قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ ساقَيْها قالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوارِيرَ قالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ)(٤٤)

قوله : (قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ) تقدّم الخلاف في الظرف الواقع بعد «دخل» هل هو منصوب على الظرف ، وشذّ ذلك مع دخل خاصة ـ كما قاله سيبويه (٤) ـ أو مفعول به كهديت البيت كما قاله الأخفش (٥). والصّرح : القصر ، أو صحن الدار ، أو بلاط متخذ من زجاج وأصله من التصريح ، وهو الكشف ، وكذب «صراح» ، أي : ظاهر مكشوف ، ولوم صراح. والصريح مقابل الكناية ، لظهوره واستتار ضده. وقيل : الصريح الخالص من قولهم : لبن صريح بيّن الصراحة والصروحة(٦). وقال الراغب : الصّرح بيت عال مزوّق ، سمي بذلك اعتبارا بكونه صرحا عن البيوت ، أي : خالصا(٧).

قوله : «ساقيها» العامة على ألف صريحة ، وقنبل روى همزها عن ابن كثير (٨) ، وضعّفها أبو علي (٩) ، وكذلك فعل قنبل في جمع ساق في : ص ، وفي الفتح ، همز واوه ، فقرأ «بالسّؤق والأغناق» (١٠) ، (فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ) [الفتح : ٢٨] بهمزة مكان الواو ، وعنه وجه آخر : السّؤوق ، وسؤوقه ـ بزيادة واو بعد الهمز (١١) ـ ، وروي عنه أنه كان يهمزه مفردا في قوله : (يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ)(١٢) [القلم : ٤٢] فأما همزة الواو ففيها أوجه :

__________________

(١) المختصر (١١٠) تفسير ابن عطية ١١ / ٢١٣ ، البحر المحيط ٧ / ٧٩.

(٢) في ب : كانت تعبد.

(٣) انظر مشكل إعراب القرآن ٢ / ١٤٩ ، الكشاف ٣ / ١٤٥ ، البيان ٢ / ٢٢٣ ، التبيان ٢ / ١٠٠٩ ، البحر المحيط ٧ / ٧٩.

(٤) قال سيبويه : (وقد قال بعضهم : ذهبت الشام ، يشبه بالمبهم ، إذ كان مكانا يقع عليه المكان والمذهب.

وهذا شاذ ، لأنه ليس في ذهب دليل على الشام ، وفيه دليل على المذهب والمكان ، ومثل ذهبت الشام : دخلت البيت) الكتاب ١ / ٣٥.

(٥) عند حديثه عن قوله تعالى :«إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ»[البقرة : ١٣٠].

(٦) انظر اللسان (صرح).

(٧) المفردات في غريب القرآن (٢٧٩).

(٨) السبعة (٤٨٣) ، الكشف ٢ / ١٦٠ ـ ١٦١ ، النشر (٣٣٨) ، الإتحاف (٣٣٧).

(٩) قال أبو علي : (أما الهمز في «ساقيها» و «ساق» فلا وجه له) انظر الحجة ٦ / ٦٨.

(١٠) من قوله تعالى : «فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْناقِ» [ص : ٣٣].

(١١) انظر السبعة (٥٥٣ ـ ٥٥٤) (٦٠٥).

(١٢) تفسير ابن عطية ١١ / ٢١٤ ، البحر المحيط ٧ / ٧٩.

١٧١

أحدها : أن الواو الساكنة المضموم ما قبلها يقلبها بعض العرب همزة ، وتقدم تحقيق هذا أول البقرة عند «يوقنون» (١) ، وأنشد عليه :

٣٩٦٦ ـ أحبّ المؤقدين إليّ مؤسى (٢)

وكان أبو حيّة النميري (٣) يهمز كلّ واو في القرآن هذا وصفها (٤).

الثاني : أنّ ساقا على «فعل» كأسد ، فجمع على «فعل» بضم العين ، كأسد والواو المضمومة تطلب همزة ، نحو : «وجوه» (٥) ، و «وقّتت» (٦) ثم بعد الهمزة سكنت.

الثالث : أن المفرد سمع همزه كما سيأتي تقريره ، فجاء جمعه عليه.

وأما سؤوق ـ بالواو بعد الهمزة ـ فإن ساقا جمع على سووق بواو ، فهمزت الأولى لانضمامها وهذه الرواية غريبة عن قنبل. وأما «ساقها» فوجه الهمزة أحد أوجه : إما لغة من يقلب الألف همزة ، وعليه لغة العجاج (٧) في : العألم و «الخأتم» ، وأنشد :

٣٩٦٧ ـ وخندف هامة هذا العألم (٨)

وسيأتي تقريره في : (مِنْسَأَتَهُ) [سبأ : ١٤] ـ إن شاء الله (٩) ـ وتقدم طرف منه في

__________________

(١) من قوله تعالى : «وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ»[البقرة : ٤]. انظر اللباب ١ / ٥١.

(٢) البيت من بحر الوافر ، قاله جرير ، وعجزه :

وجعدة لو أضاءهما الوقود

وقد تقدم.

(٣) هو الهيثم بن الربيع ، شاعر ، مجيد ، متقدم ، من مخضرمي دولتي بن أمية والعباس ، ومن الأعراب الفصاحاء كان مقصدا وراجزا. الخزانة ١٠ / ٢١٧ ـ ٢٢٠.

(٤) قال أبو علي : (قال محمد بن يزيد : أخبرني أبو عثمان قال : أخبرني الأخفش قال : كان أبو حيّة النميري يهمز كل واو ساكنة قبلها ضمة ، وينشد :

أحبّ المؤقدان إليّ مؤسى

وتقدير ذلك أن الحركة لما كانت تلي الواو في مؤسى صارت كأنها عليها ، والواو إذا تحركت بالضمة أبدلت منها الهمزة) الحجة ١ / ١٧٩ ـ ١٨٠.

(٥) من قوله تعالى : «يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ»[آل عمران : ١٠٦] وفي مواطن أخرى [الحج : ٧٢] ، [الملك : ٢٧] ، [القيامة : ٢٢ ، ٢٤] ، وفي [عبس : ٣٨ ، ٤٠] ، [الغاشية : ٢ ، ٨]. انظر المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم (٧٤٤).

(٦) من قوله تعالى : «وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ» [المرسلات : ١١]. انظر ابن يعيش ١٠ / ١١ ، الممتع ١ / ٣٣٢ ـ ٣٣٣.

(٧) في ب : الحجاج. وهو تحريف.

(٨) رجز قاله العجاج ، وهو في ديوانه (٦٠) ، المقرب (٥١٧) ، اللسان (علم) ، شرح شواهد الشافية ٢ / ٤٢٨. خندف : امرأة الياس بن مضر. والشاهد فيه همز ألف العالم ، وهو مفرد ، ولم يسبق الحرف المهموز بالضم وهي لغة قليلة.

(٩) في ب : الله تعالى.

١٧٢

الفاتحة (١) ، وإما على التشبيه برأس ، وكأس ، كما قالوا : حلأت السّويق (٢) ، حملا على حلأته عن الماء ، أي : طردته (٣) وإما حملا للمفرد والمثنى على (٤) جمعها ، وقد تقرر في جمعها الهمز.

فصل

لما حكى تعالى إقامتها على الكفر مع الدلائل المتقدمة ، ذكر أنّ سليمان (٥) أظهر أمرا (٦) آخر داعيا لها إلى الإسلام ، فأمر الشياطين فبنوا صرحا أي : قصرا من زجاج ، كأنه الماء بياضا وأجري تحته الماء ، وألقى فيه كل شيء من دواب البحر من السمك والضفادع وغيرها ، ثم وضع سريره في صدره وجلس عليه وعكفت عليه الطير والجن والإنس (٧) ، وقيل : اتخذ صحنا من قوارير وجعل تحتها (٨) تماثيل من الحيتان والضفادع ، فكان الواحد إذا رآه ظنه ماء (٩) ، فلما جلس على السرير دعا بلقيس ، فلما جاءت قيل لها : ادخلي الصّرح فلمّا رأته حسبته لجّة ، وهي معظم الماء ، (وَكَشَفَتْ عَنْ ساقَيْها) لتخوضه (١٠) ، فقيل كان المقصود من بناء الصرح تهويل المجلس وتعظيمه ، وحصل كشف الساق على سبيل التبع (١١) ، وقيل : إن سليمان أراد أن ينظر إلى ساقيها من غير أن يسألها كشفها لما قالت الشياطين له (١٢) إن رجلها كحافر الحمار (١٣) ، وهي شعراء الساقين ، فنظر سليمان فإذا هي أحسن الناس ساقا وقدما ، إلا أنها كانت شعراء الساقين ، فلما رأى سليمان ذلك صرف بصره عنها وناداها (١٤) أنّه صرح «ممرّد» ، أي : مملّس ، ومنه الأمرد لملاسة وجهه من الشعر وبريّة مرداء لخلوها من النبات ، ورملة مرداء ، لا تنبت شيئا ، والمارد من الشياطين من تعرّى من الخير وتجرد منه (١٥). ومارد حصن معروف ، وفي أمثال الزّبّاء : «تمرّد مارد وعزّ الأبلق» (١٦) قالتها في حصنين امتنع فتحهما عليها. والقوارير : جمع قارورة ، وهي الزجاج الشفاف (١٧) ، و (مِنْ قَوارِيرَ) صفة ثانية ل «صرح».

قوله : «قالت ربّ إنّي ظلمت نفسي» قال مقاتل : لما رأت السرير والصرح ، علمت

__________________

(١) عند قوله تعالى :«وَلَا الضَّالِّينَ» [الفاتحة : ٧]. انظر اللباب ١ / ٣٣.

(٢) همزوا ما ليس بمهموز ، وقياسه : حليت السويق. انظر اللسان (حلا ، علم).

(٣) حلأ الإبل والماشية عن الماء تحليئا وتحليئة : طردها ، أو حبسها عن الورود ومنعها أن ترده. اللسان (حلأ).

(٤) في ب : عن.

(٥) في ب : سليمان عليه الصلاة والسلام.

(٦) في ب : أمر.

(٧) انظر البغوي ٦ / ٢٨٧.

(٨) في الأصل : تحته.

(٩) انظر البغوي ٦ / ٢٨٧.

(١٠) في ب : لتخرضه. وهو تحريف.

(١١) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٢٠١.

(١٢) لها : سقط من ب.

(١٣) في ب : حمار.

(١٤) انظر البغوي ٦ / ٢٨٧ ـ ٢٨٨.

(١٥) انظر اللسان (مرد).

(١٦) انظر مجمع الأمثال ١ / ٢٢٢.

(١٧) انظر اللسان (قرر).

١٧٣

أن ملك سليمان من الله ، فقالت ربّ إنّي ظلمت نفسي بعبادة (١) غيرك ، وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين ، وأخلصت لك (٢) التوحيد (٣).

وقيل : إنها لما بلغت الصرح وظنته لجة قالت في نفسها إن سليمان يريد أن يغرقني وكان القتل أهون من هذا ، فقولها : (ظَلَمْتُ نَفْسِي) تعني ذلك الظن (٤).

واختلفوا : هل تزوجها سليمان أم لا؟ وأنه تزوجها في هذه الحال ، ومن قبل أن يكشف عن ساقيها؟ والأظهر من كلام الناس أنه تزوجها ، وروي عن ابن عباس لما أسلمت ، قال لها : اختاري من قومك من يتزوجك (٥) ، فقالت : مثلي لا تنكح الرجال ـ مع سلطاني (٦) ـ فقال : النكاح من الإسلام ، فقالت : إن كان كذلك فزوجني لتبع ملك همدان ، فزوجها إياه ، ثم ردهما إلى اليمن (٧).

وروي أن الملك وصل إلى سليمان وهو ابن ثلاث عشرة سنة ، ومات وهو ابن ثلاث وخمسين سنة (٨).

قوله : (مَعَ سُلَيْمانَ) متعلق بمحذوف على أنه حال ، ولا يتعلق : (أَسْلَمْتُ) ، لأنّ إسلامه سابق إسلامها بزمان ، وهو وجه لطيف ، وقال ابن عطية : و «مع» ظرف بني على الفتح ، وأمّا إذا أسكنت العين ، فلا خلاف أنه حرف (٩). وقد تقدم القول في ذلك (١٠) ، وقال مكي (١١) هنا نحوا من قول ابن عطية (١٢).

قوله تعالى : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ فَإِذا هُمْ فَرِيقانِ يَخْتَصِمُونَ (٤٥) قالَ يا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْ لا تَسْتَغْفِرُونَ اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (٤٦) قالُوا اطَّيَّرْنا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قالَ طائِرُكُمْ عِنْدَ اللهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ (٤٧) وَكانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ (٤٨) قالُوا تَقاسَمُوا بِاللهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ ما شَهِدْنا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصادِقُونَ (٤٩) وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنا مَكْراً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (٥٠) فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ مَكْرِهِمْ

__________________

(١) في ب : بعبادتك. وهو تحريف.

(٢) في ب : خلصت له.

(٣) انظر البغوي ٦ / ٢٨٨.

(٤) المرجع السابق.

(٥) في ب : يتزوجها. وهو تحريف.

(٦) في ب : مثلي مع سلطاني لا ينكح الرجال.

(٧) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٢٠١.

(٨) انظر البغوي ٦ / ٢٩٠.

(٩) انظر البحر المحيط ٧ / ٨٠.

(١٠) عند قوله تعالى : ... «قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ» [البقرة : ١٤].

(١١) مكي : سقط من ب.

(١٢) قال مكي : (وقيل : هو اسم ظرف فلذلك فتح كالظرف ، فإذا اسكنت العين فهو حرف لا غير) مشكل إعراب القرآن ٢ / ١٥٠.

١٧٤

أَنَّا دَمَّرْناهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ (٥١) فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً بِما ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٥٢) وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ)(٥٣)

قوله تعالى : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً) الآية.

قوله : (أَنِ اعْبُدُوا اللهَ) أي : وحدوه ، ويجوز في «أن» أن تكون مفسرة (١) وأن تكون مصدرية ، أي بأن اعبدوا فيجيء في محلها القولان (٢).

قوله : (فَإِذا هُمْ فَرِيقانِ) تقدم الكلام في «إذا» الفجائية (٣) ، والمراد بالفريقين قوم صالح ، وأنهم انقسموا فريقين : مؤمن وكافر ، وقد صرح بذلك في الأعراف في قوله : (قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ) [الأعراف : ٧٥]. وجعل الزمخشري الفريق الواحد (٤) صالحا وحده والآخر جميع قومه (٥) ؛ وحمله على ذلك العطف بالفاء ، فإنه يؤذن أنه بمجرد إرساله صاروا فريقين ، ولا يصير قومه فريقين إلا بعد زمان ولو قليلا.

و «يختصمون» صفة ل «فريقان» على المعنى ، كقوله : (هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا) [الحج : ١٩] و (وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا)(٦) [الحجرات : ٩] واختير هنا مراعاة الجمع ، لكونها فاصلة (٧).

قوله : (يا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ) أي : قال لهم صالح يا قوم لم تستعجلون بالسيئة بالبلاء والعقوبة ، أي أن الله قد مكنكم من التوصّل إلى رحمته وثوابه فلماذا تعدلون عنه إلى استعجال عذابه ، وقيل : إنّهم كانوا يقولون إن العقوبة التي يعدّها صالح ـ إن وقعت على زعمه ـ تبنا حينئذ واستغفرنا فحينئذ يقبل الله توبتنا ، ويدفع العذاب عنا ، فخاطبهم صالح على حسب اعتقادهم ، فقال : هلّا تستغفرون الله قبل نزول العذاب ، فإن استعجال الخير أولى من استعجال الشر ، ووصف العذاب بأنّه سيئة مجازا ، إمّا لأنّ العقاب من

__________________

(١) لأن «أرسلنا» تتضمن معنى القول.

(٢) فهي على القول الأول لا محل لها من الإعراب ، وعلى القول الثاني ففي موضعها خلاف أهي في موضع نصب على نزع الخافض ، أم في موضع جر. انظر البحر المحيط ٧ / ٨٢.

(٣) عند قوله تعالى : ...«فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ» [الأنعام : ٤٤].

(٤) في ب : الواحد الفريق.

(٥) وعبارته : (وقيل : أريد بالفريقين صالح عليه‌السلام وقومه قبل أن يؤمن منهم أحد) الكشاف ٣ / ١٤٥ ، وهو قول حكاه الزمخشري وليس له.

(٦) وإنما كانت الصفة على المعنى في هاتين الآيتين لأن مقتضى الظاهر في الأول أن يكون الخبر (اختصما) وفي الثانية (اقتتلتا) ، ولكن لما كان المثنى في الآيتين يفهم معنى الجمع ساغ ذلك. انظر البيان ٢ / ٢٢٣ ، التبيان ٢ / ١٠١٠.

(٧) انظر البحر المحيط ٧ / ٨٢.

١٧٥

لوازمه ، أو لأنه يشبهه في كونه مكروها. وأمّا وصف الرحمة بأنّها حسنة ، فقيل : حقيقة ، وقيل : مجاز (١). ثم إن صالحا عليه‌السلام (٢) لما قرّر هذا الكلام الحقّ أجابوه بكلام فاسد ، فقالوا (اطَّيَّرْنا بِكَ) أي : تشاءمنا بك ، لأنّ الذي يصيبنا من شدة وقحط شؤمك وشؤم من معك (٣). وقرىء : «تطيرنا بك» (٤) ، وهو الأصل ، وأدغم ، وتقدّم تقريره (٥) ، قال الزمخشري : كان الرجل يخرج مسافرا فيمرّ بطائر فيزجره ، فإن مرّ سانحا (٦) تيمّن ، وإن مرّ بارحا تشاءم (٧) ، فلمّا نسبوا الخير والشر إلى الطائر استعير لما كان للخير والشر ، وهو قدر الله (٨) وقسمته ، فأجاب صالح ـ عليه‌السلام (٩) ـ بقوله : طائركم عند الله ، أي السبب الذي يجيء منه خيركم وشركم عند الله ، وهو قضاؤه وقدره وهو مكتوب عليكم (١٠). سمي طائرا لسرعة نزوله بالإنسان ، لأنّه لا شيء أسرع من قضاء محتوم. قال ابن عباس : الشؤم أتاكم من عند الله بكفركم (١١). وقيل طائركم : عملكم عند الله (١٢) ، سمي طائرا لسرعة صعوده إلى السماء ، وقيل : إنما قالوا ذلك لتفرق كلمتهم ، وقيل : لأنه أمسك عنهم المطر في ذلك الوقت وقحطوا (١٣).

قوله : «تفتنون» جاء بالخطاب (١٤) مراعاة لتقدّم الضمير ، ولو روعي ما بعده لقيل «يفتنون» بياء الغيبة ، وهو جائز ولكنه مرجوح ، ويقول : أنت رجل يفعل وتفعل بالياء والتاء ، ونحن قوم نقرأ ويقرأون (١٥). والمراد من هذا الكلام أن صالحا ـ عليه‌السلام (١٦) ـ بين بهذا الكلام جهلهم بقوله : (بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ) ، فيحتمل أن غيرهم دعاهم إلى هذا القول ، ويحتمل أن المراد أن الشيطان يفتنكم بوسوسته.

وقال (١٧) ابن عباس : يختبرون بالخير والشر كقوله : (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً) [الأنبياء: ٣٥] ، وقال محمد بن كعب : يعذبون (١٨).

__________________

(١) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٢٠٢.

(٢) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(٣) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٢٠٢ ـ ٢٠٣.

(٤) لم تعز إلى من قرأ بها. انظر الكشاف ٣ / ١٤٦ ، البحر المحيط ٧ / ٨٢.

(٥) عند قوله تعالى : «وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَمَنْ مَعَهُ»[الأعراف : ١٣١].

(٦) سانحا : تكملة من الكشاف.

(٧) السانح : ما أتاك عن يمينك من ظبي أو طائر أو غير ذلك. والبارح : ما أتاك من ذلك عن يسارك.

انظر اللسان (سنح).

(٨) في ب : وهو قضاؤه وقدره الله.

(٩) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(١٠) الكشاف ٣ / ١٤٥ ـ ١٤٦. بتصرف.

(١١) انظر البغوي ٦ / ٢٩١.

(١٢) انظر الكشاف ٣ / ١٤٦.

(١٣) في ب : فقحطوا. وانظر البغوي ٦ / ٢٩٠ ـ ٢٩١.

(١٤) في ب : الخطاب.

(١٥) انظر البحر المحيط ٧ / ٨٣.

(١٦) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(١٧) في ب : قال.

(١٨) انظر البغوي ٦ / ٢٩١.

١٧٦

قوله : (وَكانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ) يعني : مدينة ثمود ، والأكثر أن يتميز ، والعدد مجرور ب «من» ، كقوله : (أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ)(١) وفي المسألة مذاهب :

أحدها : أنه لا يجوز إلا في قليل.

الثاني : أنه يجوز ولكن لا ينقاس.

الثالث : التفصيل بين أن تكون للقلة كرهط ونفر ، فيجوز ، أو للكثرة فقط ، أو لها وللقلة فلا يجوز نحو : تسعة قوم (٢). ونص سيبويه على امتناع ثلاث (٣) غنم (٤).

قال الزمخشري : وإنما جاز تمييز التسعة بالرهط ، لأنه في معنى الجمع ، كأنه قيل : تسعة أنفس(٥). قال أبو حيان : وتقدير غيره (٦) تسعة رجال هو الأولى (٧) ؛ لأنه من حيث أضاف إلى أنفس كان ينبغي أن يقول : تسع أنفس ـ على تأنيث النفس ـ إذ الفصيح فيها التأنيث ، ألا تراهم عدوا من الشذوذ قول الشاعر :

٣٩٦٨ ـ ثلاثة أنفس وثلاث ذود (٨)(٩)

قال شهاب الدين : وإنما أراد تفسير المعنى (١٠). وقال ابن الخطيب : والأقرب أن يكون المراد تسعة جمع ؛ إذ الظاهر من الرهط الجماعة لا الواحد ، ثم يحتمل أنهم كانوا قبائل ويحتمل أنهم دخلوا تحت العدد ، لاختلاف وصفهم وأحوالهم ، لا لاختلاف النسب (١١).

قوله : «يفسدون» يجوز أن يكون نعتا للمعدود أو (١٢) العدد ، فيكون في موضع جر أو رفع(١٣).

قوله : (وَلا يُصْلِحُونَ) قيل : مؤكد للأول ، وقيل : ليس مؤكدا ؛ لأن بعض المفسدين قد يصلح في وقت ما ، فأخبر عن هؤلاء بانتفاء توهم ذلك (١٤) ، وهم الذين اتفقوا على عقر الناقة ، وهم غواة قوم صالح ، ورأسهم : قدار بن سالف ، وهو عاقر الناقة (١٥).

__________________

(١) من قوله تعالى : «قالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ» [البقرة : ٢٦٠].

(٢) انظر البحر المحيط ٧ / ٨٣ ، التصريح ٢ / ٢٧٠ ، الهمع ١ / ٢٥٣ ، الأشموني ٤ / ٥.

(٣) في النسختين : ثلاثة. والصواب ما أثبته.

(٤) انظر الكتاب ٣ / ٥٦٢.

(٥) الكشاف ٣ / ١٤٦.

(٦) وهو ابن عطية. انظر تفسيره ١١ / ٢١٨.

(٧) في ب : الأول. وهو تحريف.

(٨) صدر بيت من بحر الوافر ، قاله الحطيئة ، وعجزه :

لقد جار الزّمان على عيالي

وقد تقدم.

(٩) البحر المحيط ٧ / ٨٣.

(١٠) الدر المصون ٥ / ١٩٩.

(١١) الفخر الرازي ٢٤ / ٢٠٣ ، وفيه : السبب.

(١٢) في ب : و.

(١٣) انظر التبيان ٢ / ١٠١٠ ، البحر المحيط ٧ / ٨٣.

(١٤) انظر الكشاف ٣ / ١٤٦ ، البحر المحيط ٧ / ٨٣.

(١٥) انظر البغوي ٦ / ٢٩١.

١٧٧

قوله : (قالُوا تَقاسَمُوا) يجوز في «تقاسموا» أن يكون أمرا ، قال بعضهم لبعض : احلفوا على كذا ، ويجوز أن يكون فعلا ماضيا ، وحينئذ يجوز أن يكون مفسرا ل «قالوا» كأنه قيل : ما قالوا؟ فقيل : تقاسموا (١). ويجوز أن يكون حالا على إضمار «قد» ، أي : قالوا ذلك متقاسمين ، وإليه ذهب الزمخشري ، فإنه قال : يحتمل أن يكون أمرا وخبرا في محل الحال بإضمار «قد» (٢). قال أبو حيان : أما قوله : وخبرا. فلا يصح ؛ لأن الخبر أحد قسمي الكلام لأنه ينقسم إلى الخبر والإنشاء ، وجميع معانيه إذا حققت راجعة إلى هذين القسمين (٣) قال شهاب الدين : ولا أدري عدم الصحة مماذا؟ لأنه جعل الماضي خبرا ، لاحتماله الصدق والكذب ، مقابلا للأمر الذي لا يحتملهما ، أما كون الكلام لا ينقسم إلا إلى خبر وإنشاء وأن (٤) معانيه إذا حققت ترجع إليهما ، فأي مدخل لهذا في الرد على الزمخشري (٥).

ثم قال أبو حيان : والتقييد بالحال ليس إلا من باب نسبة التقييد ، لا من نسبة الكلام التي هي الإسناد ، فإذا أطلق عليها الخبر كان ذلك على تقدير أنها لو لم تكن حالا لجاز أن تستعمل خبرا ، وكذلك قولهم في الجملة الواقعة صلة : هي خبرية ، فهو مجاز والمعنى : أنها لو لم تكن صلة لجاز أن تستعمل خبرا ، وهذا فيه عوض (٦).

قال شهاب الدين : مسلم أن الجملة ما دامت حالا أو صلة لا يقال لها خبرية ، بمعنى أنها تستقلّ(٧) بإفادة الإسناد ، لأنها سيقت مساق القيد في الحال ومساق حد كلمة في الصلة (٨) ، وكان ينبغي أن يذكر أيضا الجملة الواقعة صفة ، فإن الحكم فيها كذلك (٩) ، ثم قال (١٠) : وأما إضمار «قد» فلا يحتاج إليه ، لكثرة وقوع الماضي حالا دون «قد» ، كثرة ينبغي القياس عليها (١١).

قال شهاب الدين : الزمخشري مشى مع الجمهور فإنّ مذهبهم أنه لا بدّ من «قد» ظاهرة أو مضمرة لتقرّبه من الحال (١٢). وقرأ ابن أبي ليلى : «تقسّموا» ـ دون ألف مع

__________________

(١) انظر البيان ٢ / ٢٢٤ ، التبيان ٢ / ١٠١٠.

(٢) الكشاف ٣ / ١٤٦. وقال الفراء : (فمن قال «تقاسموا» فجعل «تقاسموا» خبرا فكأنه قال : متقاسمين) معاني القرآن ٢ / ٢٩٦.

(٣) البحر المحيط ٧ / ٨٣.

(٤) في ب : فإن.

(٥) الدر المصون ٥ / ١٩٩.

(٦) البحر المحيط ٧ / ٨٣ ـ ٨٤.

(٧) في ب : تنتقل.

(٨) يريد أن جملة الصلة بالنسبة إلى الموصول كالتعريف بالنسبة إلى المعرّف.

(٩) الدر المصون ٥ / ١٥٥.

(١٠) وهو أبو حيان.

(١١) البحر المحيط ٧ / ٨٤. ومن الواضح أن أبا حيان يوافق الكوفيين على ما ذهبوا إليه من جواز وقوع الفعل الماضي حالا دون إضمار «قد» انظر الهمع ١ / ٢٤٧.

(١٢) الدر المصون ٥ / ١٩٩.

١٧٨

تشديد السين (١) ـ والتّقاسم والتقسّم كالتّظاهر والتّظهّر (٢).

قوله : «بالله» إن جعلت «تقاسموا» أمرا ، تعلق به الجار قولا واحدا ، وإن جعلته ماضيا احتمل أن يتعلق به ، ولا يكون داخلا تحت القول ، والمقول هو «لنبيّتنّه» (إلى آخره ، واحتمل أن يتعلق بمحذوف هو فعل القسم ، وجوابه : «لنبيّتنّه» فعلى هذا يكون ما بعده داخلا تحت المقول (٣).

قوله : «لنبيّتنّه») (٤) قرأ الأخوان (٥) بتاء الخطاب المضمومة وضم التاء (٦) ، والباقون بنون المتكلم وفتح التاء (٧). (ثُمَّ لَنَقُولَنَّ) : قرأ الأخوان بتاء الخطاب المضمومة وضم اللام والباقون بنون المتكلم وفتح اللام (٨) ، ومجاهد وابن وثاب والأعمش كقراءة الأخوين (٩). (إلا أنّه بياء الغيبة في الفعلين (١٠) ، وحميد بن قيس كهذه القراءة في الأول ، وقراءة غير الأخوين) (١١) من السبعة في الثاني (١٢). فأمّا قراءة الأخوين (١٣) فإن جعلنا «تقاسموا» فعل أمر ، فالخطاب واضح ، رجوعا بآخر الكلام إلى أوله ، وإن جعلناه ماضيا ، فالخطاب على حكاية خطاب بعضهم لبعض بذلك. وأمّا قراءة بقية السبعة ، فإن جعلناه ماضيا أو أمرا فالأمر فيهما واضح وهو حكاية إخبارهم عن أنفسهم وأمّا قراءة الغيبة فيهما فظاهرة على أن يكون «تقاسموا» ماضيا (١٤) رجوعا بآخر الكلام إلى أوله في الغيبة ، وإن جعلناه أمرا كان «لنبيّتنه» جوابا لسؤال مقدر ، كأنّه قيل : كيف تقاسموا؟ فقيل : لنبيّتنّه. وأما غيبة الأول والمتكلم في الثاني ، فتعليله مأخوذ ممّا تقدّم في تعليل القراءتين ، وقال الزمخشري : وقرىء «لتبيّتنّه» بالتاء والياء والنون ، ف «تقاسموا» مع التاء والنون يصح (فيه الوجهان (١٥) ، يعني يصح) (١٦) في «تقاسموا» أن يكون أمرا وأن يكون خبرا ، قال : ومع الياء لا يصح إلّا أن يكون خبرا (١٧).

قال شهاب الدين : وليس كذلك (١٨) لما تقدّم من أنه يكون أمرا وتكون (١٩) الغيبة

__________________

(١) المختصر (١١٠) ، البحر المحيط ٧ / ٨٣.

(٢) انظر الكشاف ٣ / ١٤٦ ، البحر المحيط ٧ / ٨٣.

(٣) انظر البحر المحيط ٧ / ٨٤.

(٤) ما بين القوسين سقط من ب.

(٥) حمزة والكسائي.

(٦) أي : لتبيتنه.

(٧) السبعة (٤٨٣) ، الكشف ٢ / ١٦١ ، ١٦٢ ، النشر ٢ / ٣٣٨ ، الإتحاف (٣٣٧).

(٨) المراجع السابقة.

(٩) في الأصل : الأخوان.

(١٠) المختصر (١١٠) ، البحر المحيط ٧ / ٨٤.

(١١) ما بين القوسين سقط من ب.

(١٢) (ليبيتنه ـ ثم لنقولنّ) انظر البحر المحيط ٧ / ٨٤.

(١٣) في الأصل : الأخوان.

(١٤) ماضيا : سقط من ب.

(١٥) لم يشر إلى ضبط الفاء في الفعل وهي لام الكلمة فإن كانت بالضم فيكون الخطاب للجمع ، وإن كانت بالفتح فيكون الخطاب للواحد كما لم يعزها إلى من قرأ بها ، والظاهر أن المراد به خطاب الجمع فيكون «لتبيتنه».

(١٦) ما بين القوسين سقط من الأصل.

(١٧) الكشاف ٣ / ١٤٦.

(١٨) في ب : لذلك.

(١٩) في الأصل : خبرا من قال ، ومع الياء لا يصح إلا أن يكون خبرا لا أمرا.

١٧٩

فيما بعده جوابا لسؤال مقدر (١). وقد تابع (٢) الزمخشريّ أبو البقاء على ذلك فقال : «تقاسموا» فيه وجهان :

أحدهما : هو أمر (٣) أي : أمر بعضهم بذلك بعضا ، فعلى هذا يجوز في «لنبيّتنّه» النون بتقدير: قولوا لنبيّتنّه ، والتاء على خطاب الأمر المأمور ، ولا يجوز التاء.

والثاني : هو فعل ماض ، وعلى هذا يجوز الأوجه الثلاثة (٤). يعني بالأوجه : النون والتاء والياء ، قال (٥) : وهو على هذا تفسير (٦) ، أي : و (٧) تقاسموا على كونه ماضيا مفسّرا لنفس «قالوا» وقد سبقهما إلى ذلك مكي (٨) ـ رحمه‌الله ـ وتقدم توجيه ما منعوه ولله الحمد ، وتنزيل هذه الأوجه بعضها على بعض مما يصعب استخراجه من كلام القوم ، وتقدّم الكلام في (مَهْلِكَ أَهْلِهِ) في الكهف (٩).

فصل

من جعله (١٠) أمرا فموضع «تقاسموا» جزم على الأمر ، أي : احلفوا (١١) ، ومن جعله فعلا ماضيا (١٢) فمحله نصب أي : تحالفوا وتوافقوا لنبيتّنه لنقتلنه ، بياتا أي : ليلا ، وأهله : أي : قومه الذين أسلموا معه ، (ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ) : أي لولي دمه ، (ما شَهِدْنا) ما حضرنا ، (مَهْلِكَ أَهْلِهِ) إهلاكهم ، ولا ندري من قتله ، ومن فتح الميم فمعناه : هلاك أهله ، (وَإِنَّا لَصادِقُونَ) : في قولنا ما شهدنا ذلك (١٣).

قوله : (وَمَكَرُوا مَكْراً) غدروا غدرا حين قصدوا تبييت صالح والفتك به ، (وَمَكَرْنا مَكْراً) جازيناهم على مكرهم بتعجيل عقوبتهم ، (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) فشبّه إهلاكهم من حيث لا يشعرون بمكر الماكر على سبيل الاستعارة (١٤). وقيل : انّ الله تعالى أخبر صالحا بمكرهم فتحرز عنهم ، فذلك مكر الله في حقهم (١٥).

قوله : (فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْناهُمْ) : قرأ الكوفيون (١٦) بفتح «أنّا» ، والباقون بالكسر (١٧) ، فالفتح من أوجه :

__________________

(١) الدر المصون ٥ / ٢٠٠.

(٢) في ب : بالغ. وهو تحريف.

(٣) في ب : أمرا. وهو تحريف.

(٤) التبيان ٢ / ١٠١٠.

(٥) هو أبو البقاء.

(٦) التبيان ٢ / ١٠١٠.

(٧) و : سقط من ب.

(٨) انظر الكشف ٢ / «١٦٢. ومشكل إعراب القرآن ٢ / ١٥٠ ـ ١٥١.

(٩) عند قوله تعالى : «وَجَعَلْنا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِداً» [الكهف : ٥٩].

(١٠) في ب : من جعل تقاسموا.

(١١) في الأصل : اختلفوا.

(١٢) في الأصل : ماضيا تقاسموا.

(١٣) انظر البغوي ٦ / ٢٩٢.

(١٤) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٢٠٣.

(١٥) المرجع السابق.

(١٦) وهم : عاصم وحمزة والكسائي.

(١٧) السبعة (٤٨٣ ـ ٤٨٤) ، الكشف ٢ / ١٦٣ ، النشر ٢ / ٣٣٨ ، الإتحاف (٣٣٨).

١٨٠