اللّباب في علوم الكتاب - ج ١٤

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي

اللّباب في علوم الكتاب - ج ١٤

المؤلف:

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي


المحقق: عادل أحمد عبد الموجود و علي محمّد معوّض
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-2298-3

الصفحات: ٥٩٢

وهذا مذهب ابن عمر وعمر بن عبد العزيز وأبي حنفية وإسحاق الحنظلي (١)(٢).

وقال عبد الرحمن بن سابط (٣) : كان الحجاج إذا قدموا مكة لم يكن أحد من أهل مكة أحق بمنزله منهم (٤). وكان عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ ينهى الناس أن يغلقوا أبوابهم في الموسم (١٦) وعلى هذا فالمراد ب (الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) الحرم كله ؛ لأن إطلاق لفظ المسجد الحرام وإرادة البلد (٥) الحرام جائز لقوله (٦) تعالى (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ)(٧). وأيضا فقوله: (الْعاكِفُ) المراد منه المقيم ، وإقامته لا تكون في المسجد بل في المنازل (٨). وقيل : «سواء العاكف فيه والبادي» في تعظيم حرمته وقضاء النسك به وإليه ذهب مجاهد والحسن وجماعة ، أي ليس للمقيم أن يمنع البادي وبالعكس ، قال عليه‌السلام (٩) : «يا بني عبد المطلب من ولي منكم من أمور الناس شيئا فلا يمنعن أحدا طائف بهذا البيت أو صلى أية ساعة من ليل أو نهار» (١٠) وهذا قول من أجاز بيع دور مكة(١١).

وقد جرت مناظرة (١٢) بين الشافعي وإسحاق الحنظلي بمكة وكان إسحاق لا يرخص في كراء بيوت مكة ، فاحتج الشافعي بقوله تعالى : (الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ)(١٣).

فأضاف الديار إلى مالكيها (١٤) أو إلى غير مالكيها (١٠). وقال عليه‌السلام (١٥) يوم فتح مكة : «من أغلق بابه فهو آمن» (١٦) ، وقوله عليه‌السلام (١١) : «هل ترك لنا عقيل من رباع» (١٧). وقد اشترى عمر بن الخطاب دار السجن ، أترى أنه اشتراها من مالكيها (١٨) أو من غير مالكيها (١٨).

__________________

(١) إسحاق الحنظلي. هو إسحاق بن إبراهيم بن مخلد بن إبراهيم بن مطر الحنظلي أبو محمد بن راهويه ، الإمام الفقيه الحافظ ، عن معتمر بن سليمان والدراوردي وابن عيينة وابن علية وغيرهم مات سنة ٢٣٨ ه‍. خلاصة تذهيب تهذيب الكمال ١ / ٦٩.

(٢) آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢٣ / ٢٥.

(٣) تقدم.

(٤) انظر البغوي ٥ / ٥٧٠.

(٥) في الأصل : المسجد. وهو تحريف.

(٦) في الأصل : بقوله.

(٧) [الإسراء : ١].

(٨) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٢٥.

(٩) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(١٠) أخرجه أحمد في مسنده ٤ / ٨٠ ، بروآية : (يا بني عبد مناف).

(١١) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٢٥.

(١٢) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٣ / ٢٥.

(١٣) من قوله تعالى : «الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللهُ»[الحج : ٤٠].

(١٤) في ب : مالكها.

(١٥) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(١٦) أخرجه مسلم (جهاد) ٣ / ١٤٠٨ ، أحمد ٢ / ٢٩٢ ، ٥٣٨.

(١٧) روي عن أسامة بن زيد قال : قلت : يا رسول الله أتنزل غدا في دارك بمكة فقال : «وهل ترك لنا عقيل من رباع». انظر تفسير ابن كثير ٣ / ٢١٤.

(١٨) في ب : مالكها.

٦١

قال إسحاق : فلما علمت أن الحجة لزمتني تركت قولي (١). والقول بجواز بيع دور مكة وإجارتها قول طاوس (٢) وعمرو بن دينار وبه قال الشافعي.

قوله : (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ) فيه أربعة أوجه :

أحدها : أن (٣) مفعول «يرد» محذوف ، وقوله : (بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ) حالان مترادفان ، والتقدير: ومن يرد فيه مرادا ما (٤) عادلا عن القصد ظالما نذقه من عذاب إليم. وإنما حذف ليتناول كل متناول ، قال معناه الزمخشري (٥).

والثاني : أن المفعول أيضا محذوف تقديره : ومن يرد فيه تعديا (٦) ، و (٧)(بِإِلْحادٍ) حال ، أي: ملتبسا بإلحاد ، و «بظلم» بدل بإعادة الجار (٨).

الثالث : أن يكون «بظلم» متعلقا ب «يرد» والباء للسببية (٩) ، أي : بسبب الظلم و (بِإِلْحادٍ) مفعول به ، والباء مزيدة فيه كقوله : (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ)(١٠).

٣٧٥٦ ـ لا يقرأن بالسور (١١)

وإليه ذهب أبو عبيدة (١٢) ، وأنشد للأعشى :

٣٧٥٧ ـ ضمنت برزق عيالنا أرماحنا (١٣)

__________________

(١) آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢٣ / ٢٥.

(٢) هو طاوس بن كيسان اليماني الجندي ، قيل اسمه ذكوان ، عن أبي هريرة وعائشة وابن عباس وغيرهم ، وعنه مجاهد وعمرو بن شعيب وحبيب بن أبي ثابت وغيرهم. مات سنة ١٠٦ ه‍. خلاصة تذهيب تهذيب الكمال ٢ / ١٥.

(٣) في ب : أنه. وهو تحريف.

(٤) ما : سقط من ب.

(٥) فإنه قال : (وقوله : «بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ» حالان مترادفان ، ومفعول «يرد» متروك ليتناول كل متناول كأنه قال : ومن يرد فيه مرادا ما عادلا عن القصد ظالما نذقه من عذاب أليم) الكشاف ٣ / ٣٠.

(٦) في ب : متعديا. التبيان ٢ / ٩٣٩. وقال ابن عطية : (ويجوز أن يكون التقدير ومن يرد فيه الناس بإلحاد) تفسير ابن عطية ١٠ / ٢٥٨.

(٧) و : سقط من ب.

(٨) انظر التبيان ٢ / ٩٣٩.

(٩) في ب : والباء بإلحاد والباء للسببية.

(١٠) من قوله تعالى : «وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ»[البقرة : ١٩٥]. والاستدلال بها على زيادة الباء في المفعول به.

(١١) جزء بيت من بحر البسيط يروى لشاعرين متعاصرين أحدهما الراعي النميري ، والآخر القتال الكلابي ، وتمامه :

تلك الحرائر لا ربّات أحمرة

سود المحاجر لا يقرأن بالسور

(١٢) مجاز القرآن ٢ / ٤٨ ـ ٤٩. وانظر التبيان ٢ / ٩٣٩.

(١٣) صدر بيت من بحر الكامل قاله الأعشى ، وهو في الديوان (٥٧) برواية : ـ

٦٢

أي : ضمنت رزق. ويؤيده قراءة الحسن : «ومن يرد إلحاده بظلم» (١).

قال الزمخشري : أراد إلحاده فيه ، فأضافه على الاتساع (٢) في الظرف ك (مَكْرُ اللَّيْلِ)(٣) ومعناه : ومن يرد أن يلحد فيه ظالما (٤).

الرابع : أن تضمن «يرد» معنى يلتبس (٥) فذلك تعدى بالباء ، أي : ومن يلتبس بإلحاد مريدا له (٦). والعامة على «يرد» بضم الياء من الإرادة (٧). وحكى الكسائي والفراء (٨) أنه قرىء «يرد» بفتح الياء (٩) ، قال الزمخشري : من الورود ومعناه : من أتى فيه بإلحاد ظالما (١٠).

فصل

الإلحاد : العدول عن القصد ، وأصله إلحاد الحافر. واختلف المفسرون فيه ، فقيل : إنه الشرك ، أي من لجأ إلى الحرم ليشرك به عذّبه الله ، وهو إحدى الروايات عن ابن عباس ، وهو قول مجاهد وقتادة(١١). وروي عن ابن عباس هو أن تقتل فيه من لا يقتلك أو تظلم من لا يظلمك (١٢). وروي عن ابن عباس أنها نزلت في عبد الله بن سعد (١٣) حيث استسلمه (١٤) النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فارتد مشركا ، وفي قيس بن (ضبابة) (١٥)(١٦). وقال مقاتل : نزلت في عبد الله بن خطل حيث قتل الأنصاريّ وهرب إلى مكة كافرا ، فأمر النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ بقتله يوم الفتح (١٧). وقال مجاهد : تضاعف السيئات بمكة كما تضاعف الحسنات (١٨).

__________________

 ـ ضمنت لنا أعجازهن قدورنا

وضروعهنّ لنا الصّريح الأجردا

وعلى هذه الرواية لا شاهد فيه. وفي مجاز القرآن ٢ / ٤٩ ، الطبري ١٧ / ٩٤ ، واللسان (جرد) وهو فيه برواية : ضمنت لنا أعجازه أرماحنا. وعلى هذه الرواية لا شاهد فيه. تفسير ابن عطية ١٠ / ٢٥٨ ، البحر المحيط ٦ / ٣٦٣. الصريح الأجرد : اللبن الصافي. والشاهد فيه زيادة الباء في المفعول به في قوله :

ضمنت برزق عيالنا ، والتقدير : ضمنت رزق عيالنا.

(١) المختصر (٩٥) ، البحر المحيط ٦ / ٣٦٣.

(٢) في الأصل : إلى اتساع. وهو تحريف.

(٣) من قوله تعالى : «وَقالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ إِذْ تَأْمُرُونَنا أَنْ نَكْفُرَ بِاللهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْداداً»[سبأ : ٣٣]. حيث توسع في الظرف المتصرف فجعل مفعولا به.

(٤) الكشاف ٣ / ٣٠.

(٥) في ب : يتلبس.

(٦) انظر البحر المحيط ٦ / ٣٦٣. وهو الأولى عند أبي حيان.

(٧) انظر التبيان ٢ / ٩٣٩.

(٨) معاني القرآن ٢ / ٢٢٣.

(٩) المختصر (٩٥) ، البحر المحيط ٦ / ٣٦٣.

(١٠) الكشاف ٣ / ٣٠.

(١١) انظر البغوي ٥ / ٥٧١. والفخر الرازي ٢٣ / ٢٦.

(١٢) انظر البغوي ٥ / ٥٧٢.

(١٣) في النسختين : سعيد. والتصويب من الفخر الرازي.

(١٤) في النسختين : اسنلبه. والتصويب من الفخر الرازي.

(١٥) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٢٦.

(١٦) ما بين القوسين في ب : صناعة ، وهو تحريف.

(١٧) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٢٦.

(١٨) انظر البغوي ٥ / ٥٧٢ ، الدر المنثور ٤ / ٣٥٢.

٦٣

وعن سعيد بن جبير وحبيب بن أبي ثابت (١) : هو احتكار الطعام بمكة (٢). وعن عطاء هو قول الرجل في المبايعة : لا والله وبلى والله (٣). وعن عبد الله بن عمر : أنه كان له فسطاطان (٤) أحدهما في الحل والآخر في الحرم ، فإذا أراد أن يعاتب أهله عاتبهم في الحل ، فقيل (٥) له في ذلك فقال : كنا نحدث أن من الإلحاد فيه أن يقول الرجل كلا والله ، وبلى والله (٦).

وعن عطاء : هو دخول الحرم غير محرم وارتكاب شيء من محظورات الإحرام من قتل صيد أو قطع شجر (٧). ولما كان الإلحاد بمعنى الميل من أمر إلى أمر بيّن تعالى أن المراد بهذا الإلحاد ما يكون ميلا إلى الظلم فلهذا قرن الظلم بالإلحاد ؛ لأنه لا معصية كبرت أم صغرت إلا وهو ظلم ، ولذلك قال تعالى (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ)(٨).

وقوله : (نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ) بيان للوعيد.

قوله تعالى : (وَإِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (٢٦) وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالاً وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (٢٧) لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِيرَ (٢٨) ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ)(٢٩)

قوله تعالى : (وَإِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ) الآية. أي ؛ اذكر حين ، واللام في «لإبراهيم» ثلاثة أوجه :

أحدها : أنها للعلة ، ويكون مفعول «بوّأنا» محذوفا ، أي : بوأنا الناس لأجل (٩) إبراهيم مكان البيت (١٠) ، و «بوّأ» جاء متعديا صريحا قال تعالى : (وَلَقَدْ بَوَّأْنا بَنِي

__________________

(١) هو حبيب بن أبي ثابت الكاهلي مولاهم أبو يحيى الكوفى أخذ عن زيد بن أرقم وابن عباس وابن عمر وخلق من الصحابة والتابعين وأخذ عنه مسعر والثوري وشعبة وغيرهم. مات سنة ١٢٢ ه‍. خلاصة تذهيب تهذيب الكمال ١ / ١٩١.

(٢) انظر البغوي ٥ / ٥٧٢ الدر المنثور ٤ / ٣٥١.

(٣) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٢٦.

(٤) في ب : فسطاطا.

(٥) في ب : فقتل. وهو تحريف.

(٦) انظر البغوي ٥ / ٥٧٢. الفخر الرازي ٢٣ / ٢٦ ، الدر المنثور ٤ / ٣٥٢.

(٧) انظر البغوي ٥ / ٥٧١ ـ ٥٧٢.

(٨) من قوله تعالى : «وَإِذْ قالَ لُقْمانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ» [لقمان : ١٣].

(٩) أجل : سقط من ب.

(١٠) انظر تفسير ابن عطية ١٠ / ٢٦١ ، البحر المحيط ٦ / ٣٦٣.

٦٤

إسرائيل» (١)(لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً)(٢) ، وقال الشاعر :

٣٧٥٨ ـ كم صاحب لي صالح

بوّأته بيديّ لحدا (٣)

والثاني : أنها مزيدة في المفعول به (٤) ، وهو ضعيف لما تقرر أنها لا تزاد إلا بعد تقدم معمول أو كان العامل فرعا.

الثالث : أن تكون معدية للفعل على أنه مضمن معنى فعل يتعدى بها ، أي ؛ هيأنا له مكان البيت ، كقولك : هيأت له بيتا ، فتكون اللام معدية (٥) قال معناه أبو البقاء (٦).

وقال الزمخشري : واذكر حين جعلنا لإبراهيم مكان البيت مباءة (٧) ففسر المعنى بأنه ضمن «بوأنا» معنى (جعلنا) ، ولا يريد تفسير الإعراب. وفي (مَكانَ الْبَيْتِ) وجهان :

أظهرهما : أنه مفعول به (٨).

والثاني : قال أبو البقاء : أن يكون ظرفا (٩). وهو ممتنع من حيث إنه ظرف مختص فحقه أن يتعدى إليه ب (في).

فصل

روي أن الكعبة الكريمة بنيت خمس مرات :

أحدها (١٠)(١١) : بناء الملائكة قبل آدم ، وكانت من ياقوتة حمراء ، ثم رفعت إلى السماء أيام الطوفان.

والثانية : بناء إبراهيم ـ عليه‌السلام (١٢) ـ.

والثالثة : بناء قريش في الجاهلية ، وقد حضر رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم (١٣) ـ هذا البناء.

__________________

(١) من قوله تعالى : «وَلَقَدْ بَوَّأْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جاءَهُمُ الْعِلْمُ» [يونس : ٩٣].

(٢) من قوله تعالى : «وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها نِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ» [العنكبوت : ٥٨].

(٣) البيت من مجزوء الكامل ، قاله عمرو بن معديكرب الزبيدى ، فارس العرب المشهور ، ويروى : كم من أخ لي ماجد. بوأته : هيأت له. اللحد ـ بفتح اللام المشددة وبضمها : الشق الذي يكون في جانب القبر موضع الميت ، لأنه قد أميل عن وسطه إلى جانبه. والشاهد فيه قوله (بوأته) حيث جاء (بوأ) متعديا وقد تقدم.

(٤) انظر معاني القرآن للفراء ٢ / ٢٢٣ ، إعراب القرآن للنحاس ٣ / ٩٤ ، ابن عطية ١٠ / ٢٦٠ البيان ٢ / ١٧٣ ، التبيان ٢ / ٩٣٩ ، البحر المحيط ٦ / ٣٦٢.

(٥) انظر تفسير ابن عطيه ١٠ / ٢٦١ ، البيان ٢ / ١٧٣.

(٦) فإنه قال : (وقيل : اللام غير زائدة ، والمعنى هيئنا) التبيان ٢ / ١٧٣.

(٧) الكشاف ٣ / ٣٠.

(٨) انظر التبيان ٢ / ١٧٣.

(٩) التبيان ٢ / ٩٣٩ ، ونص أبي البقاء :(«مَكانَ الْبَيْتِ» ظرف).

(١٠) في الأصل : أحدهما. وهو تحريف.

(١١) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(١٢) صلى‌الله‌عليه‌وسلم : سقط من ب.

(١٣) «صلى‌الله‌عليه‌وسلم» : سقط من ب.

٦٥

والرابعة : بناء ابن الزبير (١).

والخامسة : بناء الحجاج (٢) وهو البناء الموجود اليوم.

وروى أبو ذر قال : قلت : يا رسول الله أي مسجد وضع أول؟ قال : «المسجد الحرام».

قال : ثم قلت : أي؟ قال : «المسجد الأقصى». قلت : كم بينهما؟ قال : «أربعون سنة» (٣) والمسجد الأقصى أسسه يعقوب ـ عليه‌السلام (٤) ـ وروى عبد الله بن عمرو بن العاص (٥) قال رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : «بعث الله جبريل عليه‌السلام (٦) إلى آدم وحواء فقال لهما : ابنيا لي بيتا ، فخطّ لهما جبريل فجعل آدم يحفر وحواء تنقل حتى أجابه الماء نودي من تحته : حسبك يا آدم. فلما بنياه أوحى الله تعالى إليه أن يطوف به ، وقيل له أنت أول الناس وهذا أول بيت ، ثم تناسخت القرون حتى حجه نوح ، ثم تناسخت القرون حتى رفع إبراهيم القواعد منه». روي عن عليّ ـ رضي الله عنه ـ أن الله تعالى أوحى إلى إبراهيم ـ عليه‌السلام (٧) ـ أن ابن لي بيتا في الأرض ، فضاق به زرعا ، فأرسل الله السكينة وهي ريح خجوج (٨) لها رأس ، فاتبع أحدهما صاحبه حتى انتهت ، ثم تطوقت في موضع البيت تطوّق الحية ، فبنى إبراهيم حتى إذا بلغ مكان الحجر ، قال لابنه : ابغني حجرا ، فالتمس حجرا حتى أتاه به ، فوجد الحجر الأسود قد ركب ، فقال لأبيه (٩) : من أين لك هذا؟ قال : جاء به من لا يتكل على بنائك ، جاء به جبريل من السماء فأتمه ، قال : فمرّ عليه الدهر فانهدم ، فبنته العمالقة ، ثم انهدم فبنته جرهم ، ثم انهدم فبنته قريش ورسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ يومئذ رجل شاب فلما أرادوا أن يرفعوا الحجر الأسود اختصموا فيه فقالوا : نحكم بيننا أول رجل يخرج من هذه السكة ، فكان رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أول من خرج ، فقضى بينهم أن يجعلوه في مربط ثم ترفعه جميع القبائل كلهم ، فرفعوه ، ثم ارتقى هو فرفعوا إليه الركن ، فوضعه ، وكانوا يدعونه الأمين (١٠). قال موسى بن عقبة (١١) : كان بناء

__________________

(١) تقدم.

(٢) تقدم.

(٣) أخرجه مسلم (مساجد) ١ / ٣٧٠ ، النسائي (مساجد) ٢ / ٣٢ ، ابن ماجه (مساجد) ١ / ٢٤٨ ، أحمد ٥ / ١٥٠ ، ١٥٦ ، ١٥٧ ، ١٦٠ ، ١٦٦ ، ١٦٧.

(٤) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(٥) هو عبد الله بن عمرو بن العاص السهمي ، أخذ عنه ابن المسيب وعروة وطاوس وغيرهم وكان يلوم أباه على القتال في الفتنة بأدب وتؤدة. مات سنة ٦٥ ه‍. خلاصة تذهب تهذيب الكمال ٢ / ٨٣.

(٦) عليه‌السلام : سقط من ب.

(٧) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(٨) الخجوج : الريح الشديدة المرّ ، وريح خجوج : تخج في هبوبها ، أي تلتوي. اللسان (خجج).

(٩) في ب : لابنه. وهو تحريف.

(١٠) انظر تفسير ابن كثير ١ / ٣٢٨ ـ ٣٢٩.

(١١) تقدم.

٦٦

الكعبة قبل المبعث بخمس عشرة سنة. قال ابن إسحاق : كانت الكعبة على عهد النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ثماني عشرة ذراعا ، وكانت تكسى القباطي (١) ، ثم كسيت البرود (٢) ، وأول من كساها الديباج (٣) الحجاج بن يوسف (٤).

وأما المسجد الحرام فأول من أخر بنيان البيوت من حول الكعبة عمر بن الخطاب اشتراها من أهلها وهدمها ، فلما كان عثمان اشترى دورا وزادها فيه ، فلما ولّي ابن الزبير أحكم بنيانه وأكثر أبوابه وحسن جدرانه ، ولم يوسعه شيئا آخر ، فلما استوى الأمر إلى عبد الملك بن مروان (٥) زاد في ارتفاع جدرانه وأمر بالكعبة فكسيت الديباج ، وتولى ذلك بأمره الحجاج.

وروي أن الله تعالى (٦) لما أمر إبراهيم ـ عليه‌السلام (٧) ـ ببناء (٨) البيت لم يدر أين يبني فبعث الله تعالى ريحا خجوجا فكشفت ما حول البيت عن الأساس. وقال الكلبي : بعث الله سحابة (٩) بقدر البيت ، فقامت بحيال البيت فيها رأس يتكلم وله لسان وعينان يا إبراهيم ابن على قدري وحيالي ، فبنى عليه(١٠).

قوله : (أَنْ لا تُشْرِكْ) في «أن» هذه ثلاثة أوجه :

أحدها : أنها هي المفسرة (١١). قال الزمخشري بعد أن ذكر هذا الوجه : فإن قلت : كيف يكون النهي عن الشرك ، والأمر بتطهير البيت تفسيرا للتبوئة. قلت : كانت التبوئة مقصودة من أجل العبادة ، وكأنه قيل تعبدنا (١٢) إبراهيم قلنا لا تشرك (١٣). يعني الزمخشري (١٤) أن «أن» المفسرة لا بد أن يتقدمها ما هو بمعنى القول لا حروفه ولم يتقدم

__________________

(١) القباطيّ : ثياب من كتاب بيض رقاق ، كانت تنسج بمصر ، وهي منسوبة إلى القبط (على غير قياس).

المعجم الوسيط (قبط) ٢ / ٧٣٨.

(٢) البرود : جمع البرد وهو ثوب فيه خطوط. اللسان (برد).

(٣) الديباج : ضرب من الثياب. اللسان (دبج).

(٤) انظر تفسير ابن كثير ١ / ٣٢٩.

(٥) هو عبد الملك بن مروان بن الحكم الأموي أبو الوليد المدني ثم الدمشقي أخذ عن أبيه وأبي هريرة وأم سلمة ، وأخذ عنه ابنه محمد وعروة والزهيري ، مات سنة ٣٦ ه‍. خلاصة تذهيب تهذيب الكمال ٢ / ١٨٠ ـ ١٨١.

(٦) من هنا نقله ابن عادل عن البغوي ٥ / ٥٧٣ ـ ٥٧٣.

(٧) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(٨) في الأصل : بناء.

(٩) في ب : سبحانه. وهو تحريف.

(١٠) آخر ما نقله هنا عن البغوي ٥ / ٥٧٢ ـ ٥٧٣.

(١١) ذكرت شروط «أن» المفسرة في سورة طه عند قوله تعالى :«أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ» من الآية (٣٩).

وانظر إعراب القرآن للنحاس ٣ / ٩٤ ، ومشكل إعراب القرآن ٢ / ٩٧ ، الكشاف ٣ / ٣٠ ، ابن عطية ١٠ / ٢٦٢ ، والبيان ٢ / ١٧٤ ، التبيان ٢ / ٩٤٠.

(١٢) في الأصل : بعديا. وهو تحريف.

(١٣) الكشاف ٣ / ٣٠.

(١٤) الزمخشري : سقط من ب.

٦٧

إلا لتبوئة وليست بمعنى (١) القول فضمنها معنى القول ، ولا يريد بقوله : قلنا : لا تشرك. تفسير الإعراب بل تفسير المعنى ، لأن المفسرة لا تفسر القول الصريح (٢).

الثاني : أنها المخففة من الثقيلة. قاله ابن عطية (٣). وفيه نظر من حيث إن (أن) المخففة لا بد أن يتقدمها فعل تحقيق أو ترجيح كحالها (٤) إذا كانت مشددة (٥).

الثالث : أنها المصدرية التي تنصب المضارع ، وهي توصل بالماضي والمضارع والأمر ، والنهي كالأمر (٦) ، وعلى هذا ف «أن» مجرورة بلام العلة مقدرة أي : بوأناه لئلا تشرك ، وكان من حق اللفظ على هذا الوجه أن يكون «أن لا يشرك» بياء الغيبة ، وقد قرىء بذلك ، قال أبو البقاء : وقوى ذلك قراءة من قرأة (٧) بالياء (٨). يعني من تحت. ووجه قراءة العامة على هذا التخريج (٩) أن يكون من الالتفات من الغيبة إلى الخطاب.

الرابع : أنها الناصبة ومجرورة بلام أيضا ، إلا أن اللام متعلقة بمحذوف ، أي : فعلنا ذلك لئلا تشرك ، فجعل النهي صلة لها ، وقوّى ذلك قراءة الياء قاله أبو البقاء (١٠). والأصل عدم التقدير مع عدم الاحتياج إليه. وقرأ عكرمة وأبو نهيك «أن لا يشرك» بالياء (١١).

قال أبو حيان : على معنى أن يقول معنى القول الذي قيل له (١٢). وقال أبو حاتم : ولا بد من نصب الكاف على هذه القراءة بمعنى : لئلا يشرك (١٣). قال شهاب الدين : كأنه لم يظهر له صلة (أن) المصدرية بجملة النهي ؛ فجعل (لا) نافية ، وسلّط (أن) على

__________________

(١) في ب : معنى.

(٢) خلافا لابن عصفور فإنه جوز أن يفسر بها صريح القول ، فإنه ذكر من أقسام (أن) أن تكون حرف عبارة وتفسير ، فقال : (والتي هي حرف عبارة وتفسير ، وهي الواقعة بعد القول أو ما يرجع معناه إلى معنى القول ، وتكون ما بعدها تفسيرا لما قبلها ، ولا موضع لها من الإعراب) ، شرح جمل الزجاجي ٢ / ١٧٣ ، وانظر أيضا المغني ١ / ٣٢.

(٣) تفسير ابن عطية ١٠ / ٢٦٢. وانظر أيضا البيان ٢ / ١٧٤.

(٤) في النسختين : كمالها. والصواب ما أثبته.

(٥) انظر البحر المحيط ٦ / ٣٦٣.

(٦) انظر البحر المحيط ٦ / ٣٦٤ ، المغني ١ / ٢٨ ، الهمع ١ / ٢.

(٧) في ب : قرأ.

(٨) التبيان ٢ / ٩٤٠ ، وقرأ «يشرك» بالياء عكرمة وابن محيصن كما سيأتي.

(٩) في الأصل : الترجيح.

(١٠) فإنه قال : (وقيل : هي مصدرية ، أي : فعلنا ذلك لئلا تشرك ، وجعل النهي صلة ، وقوى ذلك قراءة من قرأ بالياء) التبيان ٢ / ٩٤٠.

(١١) المختصر (٩٥). تفسير ابن عطية ١٠ / ٢٦١ ، البحر المحيط ٦ / ٣٦٤.

(١٢) البحر المحيط ٦ / ٣٦٤.

(١٣) انظر تفسير ابن عطية ١٠ / ٢٦١ ، البحر المحيط ٦ / ٣٦٤.

٦٨

المضارع بعدها حتى صار علة للفعل قبله ، وهذا غير لازم لما تقدم من وضوح المعنى مع جعلها ناهية (١).

فصل (٢)

وههنا سؤالات :

الأول : إذا قلنا : أنّ (أن) هي المفسرة : فكيف يكون النهي عن الشرك والأمر بتطهير البيت تفسيرا للتبوئة؟

والجواب : أنه سبحانه (٣) لما قال : جعلنا البيت مرجعا لإبراهيم ، فكأنه قيل : ما معنى كون البيت مرجعا له ، فأجيب عنه بأن معناه أن يكون بقلبه (٤) موحدا لرب البيت عن الشريك والنظير مشتغلا بتنظيف البيت عن الأوثان والأصنام.

السؤال الثاني : أن إبراهيم ـ عليه‌السلام (٥) ـ لما لم يشرك بالله فيكف قيل : (لا تُشْرِكْ بِي)؟

والجواب : المعنى : لا تجعل في العبادة لي شريكا ، ولا تشرك بي غرضا آخر في بناء البيت.

السؤال الثالث : أنّ البيت ما كان معمورا قبل ذلك فكيف قال : (وَطَهِّرْ بَيْتِيَ).

والجواب : لعل ذلك المكان كان صحراء فكانوا (٦) يرمون إليها الأقذار ، فأمر إبراهيم ببناء ذلك (٧) البيت في ذلك المكان وتطهيره عن الأقذار ، أو كانت معمورة وكانوا وضعوا فيها أصناما ، فأمره الله تعالى بتخريب ذلك البناء (٨) ووضع بناء جديد ، فذلك هو التطهير عن الأوثان ، أو يكون المراد أنك بعد أن تبنيه فطهره عما لا (٩) ينبغي من الشرك.

وقوله : «للطّائفين» قال ابن عباس : للطائفين بالبيت من غير أهل مكة (وَالْقائِمِينَ) أي : المقيمين فيها ، (وَالرُّكَّعِ (١٠) السُّجُودِ) أي : المصلين من الكل ، وقيل : القائمون هم المصلون (١١).

قوله : (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ). قرأ العامة بتشديد الذال بمعنى (ناد) (١٢)(١٣).

__________________

(١) الدر المصون : ٥ / ٧١.

(٢) هذا الفصل نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٣ / ٢٧ ـ ٢٨.

(٣) في ب : سبحانه وتعالى.

(٤) في الأصل : به أن يكون تقلبه. وهو تحريف.

(٥) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(٦) في ب : وكانوا.

(٧) ذلك : سقط من ب.

(٨) في ب : البيت.

(٩) في ب : عين ما لا. وهو تحريف.

(١٠) في الأصل : وركع. وهو تحريف.

(١١) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٢٨.

(١٢) انظر تفسير ابن عطية ١٠ / ٢٦٢ ، البحر المحيط ٦ / ٣٦٤.

(١٣) في ب : باذ. وهو تحريف.

٦٩

وقرأ الحسن وابن محيصن «آذن» بالمد والتخفيف بمعنى أعلم (١). ويبعده قوله : (فِي النَّاسِ) إذ (٢) كان ينبغي أن يتعدى بنفسه. ونقل أبو الفتح عنهما أنهما قرءا بالقصر وتخفيف الذال (٣) ، وخرجها أبو الفتح وصاحب اللوامح على أنها عطف على «بوّأنا» أي : واذكر إذ بوأنا وإذ أذن في الناس ، وهي تخريج واضح (٤). وزاد صاحب اللوامح فقال : فيصير في الكلام تقديم وتأخير ويصير «يأتوك» جزما على جواب الأمر في «وطهّر» (٥). ونسب ابن عطية أبا الفتح في هذه القراءة إلى التصحيف فقال بعد أن حكى قراءة الحسن وابن محيصن «وآذن» بالمد : وتصحف هذا على ابن جنيّ فإنه حكى عنهما (وَأَذِّنْ) على أنه (٦) فعل ماض وأعرب على ذلك بأن جعله عطفا على «بوّأنا» (٧). قال شهاب الدين : ولم يتصحف عليه بل حكى هذه القراءة أبو الفضل الرازي في اللوامح له عنهما ، وذكرها أيضا ابن خالويه (٨) ، ولكنه لم يطلع عليها ، فنسب من اطّلع عليها للتصحيف ، ولو تأنّى أصاب أو كاد (٩).

وقرأ ابن أبي إسحاق «بالحجّ» بكسر الحاء حيث وقع (١٠) كما تقدم.

فصل

قال أكثر المفسرين (١١) : لما فرغ إبراهيم (١٢) من بناء البيت قال الله له : (أَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ) ، قال : يا رب وما يبلغ صوتي؟ قال : عليك الأذان وعليّ البلاغ فصعد إبراهيم الصفا ، وفي رواية أبا قبيس ، وفي رواية على المقام. فارتفع المقام حتى صار كأطول الجبال فأدخل أصبعيه في أذنيه ، وأقبل بوجهه يمينا وشمالا وشرقا وغربا وقال : يا

__________________

(١) تفسير ابن عطية ١٠ / ٢٦٢ ، البحر المحيط ٦ / ٣٦٤.

(٢) في ب : إذا. وهو تحريف.

(٣) المحتسب ٢ / ٧٨.

(٤) قال أبو الفتح :(«أذن» معطوف على «بوأنا» ، فكأنه قال : وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت وأذن ، فأما قوله على هذا : «يَأْتُوكَ رِجالاً» فإنه انجزم لأنه جواب قوله : وطهّر بيتي للطائفين وهو على قراءة الجماعة جواب قوله : وأذّن في الناس بالحجّ) المحتسب ٢ / ٧٨.

(٥) ونص كلام صاحب اللوامح كما في البحر المحيط : (وهو عطف على «وَإِذْ بَوَّأْنا» فيصير في الكلام تقديم وتأخير ، ويصير «يأتوك» جزما على جواب الأمر الذي هو «وطهر») ٦ / ٣٦٤.

(٦) أنه : تكملة من تفسير ابن عطية.

(٧) تفسير ابن عطية ١٠ / ٢٦٢ ـ ٢٦٣. وقال أبو حيان معلقا على كلام ابن عطية بعد نقله إياه : (وليس بتصحيف بل قد حكى أبو عبد الله الحسين بن خالويه في شواذ القراءات من جمعه وصاحب اللوامح أبو الفضل الرازي ذلك عن الحسن وابن محيصن) البحر المحيط ٦ / ٤٦٤ ، وانظر أيضا المختصر (٩٥).

(٨) المختصر (٩٥).

(٩) الدر المصون : ٥ / ٧٢.

(١٠) تفسير ابن عطية ١٠ / ٢٦٣ ، البحر المحيط ٦ / ٣٦٤.

(١١) من هنا نقله ابن عادل عن البغوي ٥ / ٥٧٣ ـ ٥٧٤.

(١٢) في ب : إبراهيم عليه الصلاة والسلام.

٧٠

أيها الناس ألا إن ربكم قد بنى بيتا ، وقد كتب عليكم الحج إلى البيت العتيق فأجيبوا ربكم (١) ، فأجابه كل من يحج من أصلاب الآباء وأرحام الأمّهات لبيك اللهم لبيك. قال ابن عباس (٢) : فأول من أجابه أهل اليمن فهم أكثر الناس حجا (٣). وقال مجاهد : من أجاب مرّة حجّ مرّة ومن (٤) أجاب مرتين أو أكثر فيحج مرتين أو أكثر بذلك المقدار (٥). قال ابن عباس : لما أمر الله إبراهيم بالأذان تواضعت له الجبال وخفضت وارتفعت له القرى (٦). وقال الحسن وأكثر المعتزلة : إنّ المأمور بالأذان هو محمد ـ عليه‌السلام (٧) ـ واحتجوا بأن ما جاء في القرآن وأمكن حمله على أن محمدا هو المخاطب فهو أولى وقد بينا أن قوله : (وَإِذْ بَوَّأْنا) ، أي : واذكر يا محمد إذ بوأنا ، فهو في حكم المذكور ، فلما قال : (وَأَذِّنْ) فإليه يرجع الخطاب (٨). قال الجبائي : أمر محمدا ـ صلّى الله عليه وسلّم (٩) ـ أن يفعل ذلك في حجة الوداع. قالوا : إنه ابتداء فرض الحج من الله تعالى للرسول ، وفي قوله : «يأتوك» دلالة على أن المراد أن يحج فيقتدى به (١٠).

وروى أبو هريرة قال : قال رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ «إنّ الله قد فرض عليكم (١١) الحجّ فحجّوا»(١٢).

قوله : «رجالا» نصب على الحال (١٣) ، وهو جمع راجل نحو : صاحب وصحاب ، وتاجر وتجار ، وقائم وقيام (١٤). وقرأ عكرمة والحسن وأبو مجلز «رجّالا» بضم الراء وتشديد الجيم.

وروي عنهم تخفيفها ، وافقهم ابن أبي إسحاق على التخفيف ، وجعفر بن محمد ومجاهد على التشديد ، ورويت (١٥) عن ابن عباس أيضا (١٦). فالمخفف اسم جمع كظؤار (١٧) ، والمشدد جمع تكسير كصائم وصوام (١٨). وروي عن عكرمة أيضا «رجالى»

__________________

(١) في ب : إلى ربكم.

(٢) في النسختين : ابن سعيد. والصواب ما أثبته.

(٣) آخر ما نقله هنا عن البغوي ٥ / ٥٧٣ ـ ٥٧٤.

(٤) في ب : من.

(٥) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٢٨.

(٦) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٢٨.

(٧) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(٨) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٢٩.

(٩) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(١٠) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٢٩.

(١١) في ب : لكم.

(١٢) أخرجه مسلم (حج) ٢ / ٥٠٨ ، أحمد ٢ / ٥٠٨.

(١٣) من الواو في «يأتوك». البيان ٢ / ١٧٤ ، التبيان ٢ / ٩٤٠.

(١٤) وذلك أن (فعال) من أمثلة جمع الكثرة ، ويحفظ في وصف على (فاعل) كصائم وصيام ، أو (فاعلة) كصائمة وصيام. شرح التصريح ٢ / ٣٠٩ ، شرح الأشموني ٤ / ١٣٥.

(١٥) في ب : وروي.

(١٦) المختصر (٩٥) ، المحتسب ٢ / ٧٩ ، البحر المحيط ٦ / ٣٦٤.

(١٧) انظر الكتاب ٣ / ٦٠٩. وانظر المحتسب ٢ / ٧٣.

(١٨) (فعّال) من أمثلة جمع الكثرة ، ويطرد في كل وصف لمذكر على (فاعل) صحيح اللام ، نحو ضارب وقائم وقارىء تقول في جمعها ضرّاب وقوّام وقرّاء وندر فعال في المعتل اللام ، كغاز وغزاء. شرح التصريح ٢ / ٣٠٨. شرح الأشموني ٤ / ١٣٣ ـ ١٣٤.

٧١

كنعامى بألف التأنيث (١). وكذلك عن ابن عباس وعطاء إلا أنهما شددا الجيم (٢). قوله : (وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ) نسق على «رجالا» ، فيكون حالا (٣) أي : مشاة وركبانا (٤). والضمور : الهزال ، ضمر يضمر ضمورا ، والمعنى أن الناقة صارت ضامرة لطول سفرها (٥).

قوله : «يأتين». النون ضمير (كُلِّ ضامِرٍ) حملا على المعنى ، إذ المعنى : على ضوامر ، ف «يأتين» صفة ل «ضامر» ، وأتى بضمير الجمع حملا على المعنى (٦) ، أي جماعة الإبل ، وقد تقدم في أول الكتاب أن «كل» إذا أضيفت إلى نكرة لم يراع (٧) معناها إلا في قليل (٨) ، كقوله :

٣٧٥٩ ـ جادت عليه كلّ عين ثرّة

فتركت كلّ (٩) حديقة كالدّرهم (١٠)

وهذه الآية ترده ، فإن «كلّ» فيها مضافة لنكرة وقد روعي معناها ، وكان بعضهم أجاب عن بيت زهير بأنه (١١) إنما جاز ذلك ؛ لأنه في جملتين ، قيل له : فهذه الآية جملة واحدة ، لأن «يأتين» صفة ل «ضامر». وجوّز أبو حيان أن يكون الضمير يشمل «رجالا» و (كُلِّ ضامِرٍ) قال : على معنى الجماعات والرفاق (١٢). قال شهاب الدين : فعلى هذا

__________________

(١) المحتسب ٢ / ٧٩ ، البحر المحيط ٦ / ٣٦٤.

(٢) المختصر (٩٥) ، البحر المحيط ٦ / ٣٦٤.

(٣) في ب : رجالا. وهو تحريف.

(٤) انظر البيان ٢ / ١٧٤ ، التبيان ٢ / ٩٤٠.

(٥) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٢٩.

(٦) انظر البيان ٢ / ١٧٤ ، التبيان ٢ / ٩٤٠.

(٧) في الأصل : لم يراعى.

(٨) اعلم أن لفظ (كل) حكمه الإفراد والتذكير ومعناها بحسب ما تضاف إليه فإن كانت مضافة إلى منكر وجب مراعاة معناها ، وهو قول ابن مالك ، فلذلك جاء الضمير مفردا مذكرا في قوله تعالى :«وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ» [القمر : ٥٢]. ومفردا مؤنثا في قوله تعالى :«كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ»[المدثر : ٣٨]. ومثنى في قول الفرزدق :

وكلّ رفيقي كلّ رحل وإن هما

تعاطى القنا قوماهما أخوان

ومجموعا مذكرا في قوله تعالى : (كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) [المؤمنون : ٥٣] ، ومؤنثا في قول الشاعر :

وكلّ مصيبات الزّمان وجدتها

سوى فرقة الأحباب هينة الخطب

وقول أبي حيان جواز الأمرين مطلقا ، كقوله :

جادت عليه كلّ عين ثرّة

فتركن كلّ حديقة كالدّرهم

فقال : (تركن) ولم يقل تركت ، فدلّ على جواز : كل رجل قائم ، وقائمون. وقول ابن هشام : إن المضاف إلى المفرد إن أريد نسبة الحكم إلى كل واحد وجب الإفراد نحو كل رجل يشبعه رغيف ، أو إلى المجموع وجب الجمع كبيت عنترة ، فإن المراد أن كل فرد من الأعين جاد ، وأن مجموع الأعين تركن. المغني ١ / ١٩٦ ـ ١٩٨ ، الهمع ٢ / ٧٤.

(٩) في الأصل : على كل. وهو تحريف.

(١٠) البيت من بحر الكامل ، قاله عنترة ، وهو من معلقته وهو في شرح القصائد السبع الطوال (٣١٢) المنصف ٢ / ١٩٩ ، المغني ١ / ١٩٨ ، المقاصد النحوية ٣ / ٣٠٨ ، الهمع ٢ / ٧٤ ، الأشموني ٢ / ٢٤٨ ، الدرر ٢ / ٩١.

(١١) في ب : أنه.

(١٢) البحر المحيط ٦ / ٣٦٤.

٧٢

يجوز أن يقال عنده : الرجال يأتين ، ولا ينفعه كونه اجتمع مع الرجال هنا «كل ضامر» ، فيقال جاز ذلك لما اجتمع معه ما يجوز فيه ذلك إذ يلزم منه تغليب غير العاقل على العاقل وهو ممنوع (١). وقال البغوي : وإنما جمع «يأتين» لمكان (٢) «كلّ» وأراد النوق (٣). وقرأ ابن مسعود والضحاك وابن أبي عبلة «يأتون» تغليبا للعقلاء الذكور (٤). وعلى هذا فيحتمل أن يكون قوله : (عَلى كُلِّ ضامِرٍ) حالا أيضا ، ويكون «يأتون» مستأنفا متعلق به من كل فج أي يأتونك رجالا وركبانا ثم قال : «يأتون من كل فج» وأن يتعلق بقوله «يأتون» أي يأتون على كل ضامر من كل فجّ ، و «يأتون» مستأنف أيضا (٥) ، فلا يجوز أن يكون صفة ل «رجالا» ول «ضامر» لاختلاف الموصوف في الإعراب ؛ لأن أحدهما منصوب والآخر مجرور ، ولو قلت : رأيت زيدا ومررت بعمرو العاقلين. على النعت لم يجز بل على القطع. وقد جوّز ذلك الزمخشري فقال : وقرىء «يأتون» صفة للرجال والركبان (٦) وهو مردود بما ذكرنا. والفج : الطريق بين الجبلين ، ثم يستعمل في سائر الطرق اتساعا (٧). والعميق : البعيد سفلا ، يقال : بئر عميقة معيقة (٨) ، فيجوز أن يكون مقلوبا إلا أنه أقل (٩) من الأول ، قال :

٣٧٦٠ ـ إذا الخيل جاءت من فجاج عميقة

يمدّ بها في السّير أشعث شاحب (١٠)

وقرأ ابن مسعود : «معيق» (١١) ويقال : عمق وعمق بكسر العين وضمها عمقا بفتح الفاء قال الليث : عميق (ومعيق ، والعميق في الطريق أكثر (١٢). وقال الفراء : عميق لغة الحجاز) (١٣) ومعيق لغة تميم (١٤) وأعمقت البئر وأمعقتها وعمقت ومعقت عماقة ومعاقة وإعماقا وإمعاقا قال رؤبة :

__________________

(١) الدر المصون : ٥ / ٧٢.

(٢) في ب : لمحار. وهو تحريف.

(٣) البغوي : ٥ / ٥٧٤.

(٤) المختصر (٩٥) ، البحر المحيط ٦ / ٣٦٤.

(٥) انظر التبيان ٢ / ٩٤٠.

(٦) الكشاف ٣ / ٣٠.

(٧) اللسان (فجج).

(٨) في النسختين : بئر عميق ومعيق. والصواب ما أثبته ، ففي اللسان (عمق) وتقول العرب : بئر عميقة ومعيقة بعيدة القعر. وقال ابن الأنباري: (والبئر : أنثى ، يقال في تصغيرها : بؤيرة ، ويقال في جمع القلة : أبآر ، وآبار على نقل الهمزة ومثله : رأي وأرآء وآراء ، ويقال في جمعها أيضا في القلة : أبؤر  .... ويقال في جمع الكثرة : بآر. على مثال قولك : جمال وجبال) المذكر والمؤنث ١ / ٥١٧ ـ ٥١٨.

(٩) أقل : سقط من الأصل.

(١٠) البيت من بحر الطويل لم أهتد إلى قائله وهو في تفسير ابن عطية ١٠ / ٢٦٦ ، البحر المحيط ٦ / ٣٤٧ ، الفجاج : جمع فجّ وهو الطريق الواسع بين جبلين. العميق : البعيد وأصله البعد سفلا ، وهو موضع الشاهد. تشعّث شعره : تلبّد واغبرّ ، والشّعث : المغبرّ الرأس المنتتف الشعر. الشاحب : المتغير من هزال أو جوع أو سفر أو عمل ، ولم يقيّد في الصحاح بل قال شحب جسمه إذا تغيّر.

(١١) الكشاف ٣ / ٣٠ ، البحر المحيط ٦ / ٣٦٤.

(١٢) اللسان (عمق).

(١٣) ما بين القوسين سقط من ب.

(١٤) السان (عمق ، معق).

٧٣

٣٧٦١ ـ وقاتم الأعماق خاوي المخترق (١)

الأعماق هنا بفتح الهمزة جمع عمق وعلى هذا فلا قلب في معيق ، لأنها لغة مستقلة ، وهو ظاهر قول الليث أيضا ، ويؤيده قراءة ابن مسعود بتقديم الميم ، ويقال : غميق بالغين المعجمة أيضا (٢).

فصل(٣)

بدأ الله بذكر المشاة تشريفا لهم ، وروى (٤) سعيد بن جبير بإسناده عن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أنه قال : «إن (٥) الحاج الراكب له بكل خطوة تخطوها راحلته سبعون حسنة وللماشي سبعمائة حسنة من حسنات الحرم ، قيل : يا رسول الله وما حسنات الحرم؟ قال : الحسنة بمائة ألف حسنة»(٦).

وإنما قال تعالى : (يَأْتُوكَ رِجالاً) ؛ لأنه هو المنادي فمن أتى مكة حاجّا فكأنه أتى إبراهيم ـ عليه‌السلام (٧) ـ ، لأنه يجيب نداءه.

قوله : «ليشهدوا» يجوز في هذه اللام (٨) وجهان :

أحدهما : أن تتعلق ب «أذّن» ، أي : أذن ليشهدوا.

والثاني : أنها متعلقة ب «يأتوك». وهو الأظهر (٩).

قال الزمخشري : ونكر «منافع» لأنه أراد منافع مختصة بهذه العبادة دينية ودنيوية لا توجد في غيرها من العبادات (١٠). قل سعيد بن المسيب (١١) ومحمد بن علي الباقر (١٢) :

__________________

(١) رجز لرؤبة ، وبعده :

مشتبه الأعلام لمّاع الخفق

وهو في ديوانه (١٠٤) والكتاب ٤ / ٢١٠ ، الخصائص ١ / ٢٢٨ ، ٢٦٠ ، ٣٦٤ ، ٣٢٠ ، ٣٣٣ ، المنصف ٢ / ٣ ، ٣٠٨ ، المحتسب ١ / ٨٦ ، ابن يعيش ٢ / ١١٨ ، ٩ / ٢٩ ، ٣٤ ، اللسان (عمق) ، البحر المحيط ٦ / ٣٦ ، ٨٠ ، شرح شواهد المغني ٢ / ٧٦٤ ، ٧٨٢ ، الخزانة ١ / ٧٨ ، ١٠ / ٢٥ ، الدرر ٢ / ٣٨ ، ١٤٠ القاتم : المغبر ، القتام : الغبار ، والواو في قوله (والقاتم) واو ربّ وهي عاطفة لا جارّة ، وقاتم مجرور برب لا بالواو على الصحيح.

الأعماق جمع عمق ـ بضم العين وفتحها ـ ما بعد من أطراف المفاوز ، وهو موضع الشاهد هنا.

الخاوي : الخالي. المخترق : المتسع يعني جوف الفلاة.

(٢) انظر البحر المحيط ٦ / ٣٤٧.

(٣) هذا الفصل نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٣ / ٢٩.

(٤) في الأصل : روى.

(٥) إن : سقط من ب.

(٦) الدر المنثور ٤ / ٣٥٥.

(٧) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(٨) في الأصل : الآية. وهو تحريف.

(٩) انظر التبيان ٢ / ٩٤٠.

(١٠) الكشاف ٣ / ٣٠.

(١١) من هنا نقله ابن عادل عن البغوي ٥ / ٥٧٤.

(١٢) هو محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي أبو جعفر المدني الإمام المعروف بالباقر ، أخذ عن أبيه وأبي سعيد وجابر وابن عمر وغيرهم ، وأخذ عنه ابنه جعفر والزهري وغيرهما.

مات سنة ١١٤ ه‍. خلاصة تذهيب تهذيب الكمال ٢ / ٤٤٠.

٧٤

المنافع : هي العفو والمغفرة وقال سعيد بن جبير : التجارة ، وهي رواية ابن زيد.

وعن ابن عباس قال : الأسواق. وقال مجاهد : التجارة وما يرضى الله به من أمر الدنيا والآخرة(١). (وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ) قال الأكثرون : هي عشر ذي الحجة قيل لها «معلومات» للحرص على علمها (٢) بحسابها من أجل وقت الحج في آخرها (٣).

والمعدودات : أيام التشريق (٤). وروي عن علي : أنها يوم النحر وثلاثة أيام بعده (٥) ، وهو اختيار الزجاج (٦). لأن الذكر على (بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ) يدل على التسمية على نحرها. والنحر للهدايا إنما يكون في هذه الأيام. وروى عطاء عن ابن عباس : أنها يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق (٧). وقيل : عبر عن الذبح والنحر بذكر اسم الله ؛ لأن المسلمين لا ينفكون عن ذكر اسم الله إذا نحروا (٨). ثم قال : (عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ) يعني الهدايا والضحايا تكون من النعم ، وهي الإبل والبقر والغنم(٩). قال الزمخشري : البهيمة مبهمة في كل ذات أربع في البر والبحر ، فبينت بالأنعام وهي : الإبل والبقر والغنم (١٠).

قوله : (فَكُلُوا مِنْها). قيل : هذا أمر وجوب ، لأن أهل الجاهلية كانوا لا يأكلون من لحوم هداياهم شيئا ترفّقا على الفقراء. وقيل : هذا أمر إباحة (١١). واتفق العلماء (١٢) على أن الهدي إذا كان تطوعا كان للمهدي أن يأكل منه ، وكذلك أضحية التطوع ؛ لأن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أمر أن يؤخذ من كل جزور بضعه ، فطبخت ، وأكل لحمها ، وحسي من مرقها ، وكان هذا تطوعا. واختلفوا في الهدي الواجب في النذور والكفارات والجبرانات للنقصان مثل دم القران ودم التمتع ودم الإساءة ودم التقليم والحلق ، والواجب (١٣) بإفساد الحج وفواته وجزاء الصيد (١٤). فقال الشافعي وأحمد : لا يأكل منه(١٥). وقال ابن عمر : لا

__________________

(١) آخر ما نقله هنا عن البغوي ٥ / ٥٧٤.

(٢) في ب : عملها. وهو تحريف.

(٣) انظر البغوي ٥ / ٥٧٥.

(٤) وهو قول مقاتل. البغوي ٥ / ٥٧٥.

(٥) انظر البغوي ٥ / ٥٧٥.

(٦) فإنه قال :(«وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ» يعني به يوم النحر والأيام التي بعده ينحر فيها لأن الذكر ههنا يدل على التسمية على ما ينحر لقوله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام) معاني القرآن وإعرابه ٣ / ٤٢٣.

(٧) انظر البغوي ٥ / ٥٧٥.

(٨) انظر الكشاف ٣ / ٣٠.

(٩) انظر البغوي ٥ / ٥٧٥.

(١٠) الكشاف ٣ / ٣٠.

(١١) انظر البغوي ٢٣ / ٣٠.

(١٢) من هنا نقله ابن عادل عن البغوي ٥ / ٥٧٥. بتصرف.

(١٣) في ب : والحج. وهو تحريف.

(١٤) آخر ما نقله هنا عن البغوي ٥ / ٥٧٥ بتصرف.

(١٥) انظر البغوي ٥ / ٥٧٦.

٧٥

يأكل من جزاء الصيد والنذور (١) ، ويأكل مما سواهما (٢). وقال مالك : يأكل من هدي التمتع ، ومن كل هدي وجب عليه إلا من فدية الأذى وجزاء الصيد والمنذور (٣). وعند أصحاب الرأي : يأكل من دم التمتع والقران ولا يأكل من واجب سواهما (٤).

قوله : (وَأَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِيرَ). يعني الزمن الفقير الذي لا شيء له (٥).

قال ابن عباس : البائس الذي ظهر بؤسه في ثيابه وفي (٦) وجهه ، والفقير الذي لا يكون كذلك فتكون ثيابه نقية ووجهه وجه غني (٧). والبؤس شدة الفقر.

قوله : (ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ). العامة على كسر اللام ، وهي لام الأمر. وقرأ نافع والكوفيون والبزي بسكونها (٨) ، إجراء للمنفصل مجرى المتصل نحو كتف ، وهو نظير تسكين هاء (هو) بعد (ثمّ) في قراءة الكسائي وقالون حيث أجريت (ثمّ) مجرى الواو والفاء (٩) والتّفث : قيل أصله من التف (١٠) ، وهو وسخ (١١) الأظفار قلبت الفاء ثاء (١٢) كمعثور في معفور (١٣). وقيل : هو الوسخ (١٤) والقذر يقال: ما تفثك. وحكى قطرب : تفث الرجل ، أي : كثر وسخه في سفره (١٥). قال الزجاج (١٦) : إن أهل اللغة لا يعرفون التّفث إلا من التفسير (١٧). وقال المبرد : أصل (١٨) التفث في كلام العرب كل قاذورة تلحق الإنسان فيجب عليه نقضها. وقال القفال : قال نفطويه (١٩) : سألت أعرابيا فصيحا ما

__________________

(١) في ب : والنذو. وهو تحريف.

(٢) انظر البغوي ٥ / ٥٧٦.

(٣) انظر البغوي ٥ / ٥٧٦.

(٤) انظر البغوي ٥ / ٥٧٦.

(٥) المرجع السابق.

(٦) في الأصل : لا في. وهو تحريف.

(٧) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٣٠.

(٨) وفي السبعة : قرأ أبو عمرو وابن عامر «ثم ليقضوا» يكسر لام الأمر واختلف عن نافع ففي رواية بكسر اللام ، وفي رواية أخرى ساكنة اللام ، وقرأ عاصم وحمزة والكسائي «ثم ليقضوا» ساكنة اللام (٤٣٤ ـ ٤٣٥) الكشف ٢ / ١١٦ ـ ١١٧ ، النشر ٢ / ٣٢٦ ، الإتحاف (٣١٤).

(٩) سبق أن تحدثت عن حركة لام الأمر بعد واو العطف وفائه وثم عند قوله تعالى :«فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّماءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ ما يَغِيظُ» [الحج : ١٥].

(١٠) في ب : التفث. وهو تحريف.

(١١) في النسختين : مسح والصواب ما أثبته.

(١٢) في ب : باء. وهو تحريف.

(١٣) في ب : كمعفور في يعفور. والصواب ما أثبته ، وهو قول أبي محمد البصري. البحر المحيط ٦ / ٣٤٧ وتبدل الثاء من الفاء كقولهم في أثاف : أثاث. انظر سر صناعة الإعراب ١ / ١٧٣.

(١٤) وقيل هو الوسخ : مكرر في ب.

(١٥) البحر المحيط ٦ / ٣٤٧.

(١٦) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٣ / ٣١.

(١٧) معاني القرآن وإعرابه ٣ / ٤٢٤ ـ ٤٢٤. والبغوي ٥ / ٥٧٣.

(١٨) في الأصل : أهل. وهو تحريف.

(١٩) هو إبراهيم بن محمد بن عرفة العتكي الأزدي الواسطي أبو عبد الله الملقب نفطويه ، كان عالما ـ

٧٦

معنى قوله : (ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ) ، فقال : ما أفسر القرآن ، ولكنا نقول للرجل : ما أتفثك ، أي : أوسخك وما أدرنك (١). ثم قال القفال (٢) : وهذا أولى من قول الزجاح لأن القول قول المثبت لا قول النافي (٣). والمراد بالتفث هنا (٤) : الوسخ والقذارة من طول الشعر والأظفار والشعث والحاج أشعث أغبر ، والمراد قص الشارب والأظفار ونتف الإبط وحلق العانة. والمراد بالقضاء إزالة ذلك ، والمراد به الخروج من الإحرام بالحلق وقص الشارب والتنظيف ولبس الثياب (٥). وقال ابن عمر (٦) وابن عباس (٧) : قضاء التفث مناسك الحج كلها. وقال مجاهد : هو مناسك الحج وأخذ الشارب ونتف الإبط وحلق العانة وقلم الأظفار. وقيل : التفث هنا رمي الجمار (٨). وقيل : معنى (لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ) ليصنعوا (٩) ما يصنعه المحرم من إزالة شعر وشعث ونحوهما عند حله ، وفي ضمن هذا قضاء جميع المناسك إذ لا يفعل هذا إلا بعد فعل المناسك كلها (١٠).

قوله : (وَلْيُوفُوا). قرأ أبو بكر «وليوفوا» بالتشديد ، والباقون بالتخفيف (١١). وتقدّم في البقرة أن فيه ثلاث لغات وفّى ، ووفى ، وأوفى (١٢). وقرأ ابن ذكوان : «وليوفوا» بكسر اللام ، والباقون بسكونها. وهذا الخلاف جار في قوله (وَلْيَطَّوَّفُوا)(١٣). والمراد بالوفاء ما أوجبه بالنذر ، وقيل : ما أوجبه الدخول في الحج من المناسك (١٤). قال مجاهد : أراد نذر الحج والهدي ، وما ينذره الإنسان من شيء يكون في الحج (١٥). وقيل : المراد الوفاء بالنذر مطلقا (١٦) وقوله : (وَلْيَطَّوَّفُوا) المراد الطواف الواجب ، وهو طواف الإفاضة يوم النحر بعد الرمي والحلق (١٧) وسمي البيت العتيق قال الحسن : القديم لأنه أول بيت وضع للناس (١٨). وقال ابن عباس وابن الزبير : لأنه أعتق من الجبابرة (١٩) ، فكم من جبار سار إليه ليهدمه فمنعه الله ، ولما قصده أبرهة فعل به ما فعل. فإن قيل : قد تسلّط الحجاج عليه؟

__________________

ـ بالعربية واللغة والحديث ، أخذ عن ثعلب والمبرد ، ومن مصنفاته : إعراب القرآن ، المقنع في النحو ، الأمثال ، المصادر ، أمثال القرآن ، وغير ذلك ، مات سنة ٣٢٣ ه‍. بغية الوعاة ١ / ٣٣٨ ـ ٤٤٠.

(١) في النسختين : وما أدراك. والصواب ما أثبته.

(٢) القفال : سقط من ب.

(٣) آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢٣ / ٣٠.

(٤) من هنا نقله ابن عادل عن البغوي ٥ / ٥٧٦.

(٥) آخر ما نقله هنا عن البغوي ٥ / ٥٧٦.

(٦) من هنا نقله ابن عادل عن البغوي ٥ / ٥٧٦.

(٧) في الأصل : وابن العباس. وهو تحريف.

(٨) آخر ما نقله هنا عن البغوي ٥ / ٥٧٧.

(٩) في الأصل : يصنعوا.

(١٠) كلها : سقط من ب.

(١١) السبعة (٤٣٦) ، الكشف ٢ / ١١٦ ـ ١١٧ ، النشر ٢ / ٣٢٦ ، الإتحاف ٣١٤.

(١٢) عند قوله تعالى : «وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ» [البقرة : ٤٠].

(١٣) السبعة (٤٣٤ ـ ٤٣٥) ، الكشف ٢ / ٣٢٦ ، الإتحاف ٣١٤.

(١٤) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٣١.

(١٥) انظر البغوي ٥ / ٥٧٧.

(١٦) المرجع السابق.

(١٧) انظر البغوي ٥ / ٥٧٨.

(١٨) المرجع السابق.

(١٩) المرجع السابق والدر المنثور ٤ / ٣٥٧.

٧٧

فالجواب : أنه ما قصد التسلط على البيت وإنما تحصّن به عبد الله بن الزبير فاحتال لإخراجه ثم بناه (١) وقال ابن عيينة : لم يملك قط (٢). وقال مجاهد : أعتق من الغرق (٣).

وقيل : لأنه بيت كريم من قولهم : عتاق الخيل والطير (٤).

فصل(٥)

والطواف ثلاثة (٦) أطواف :

الأول : طواف القدوم وهو أن من قدم مكة يطوف بالبيت سبعا ، يرمل ثلاثا من الحجر الأسود إلى أن ينتهي إليه ، ويمشي أربعا وهذا الطواف سنة لا شيء على تاركه.

والثاني : طواف الإفاضة يوم النحر بعد الرمي والحلق ، ويسمى أيضا طواف الزيارة وطواف الصدر ، وهو واجب لا يحصل التحلل من الإحرام ما لم يأت به.

والثالث : طواف الوداع لا رخصة لمن أراد مفارقة مكة إلى مسافة القصر في أن يفارقها حتى يطوف بالبيت سبعا ، فمن تركه فعليه دم إلا الحائض والنفساء ، فلا وداع عليهما لما روى ابن عباس قال: أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه أرخص للمرأة الحائض. والرمل يختص بطواف القدوم ، ولا رمل في طواف الإفاضة والوداع.

قوله تعالى : (ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُماتِ اللهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعامُ إِلاَّ ما يُتْلى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (٣٠) حُنَفاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَكَأَنَّما خَرَّ مِنَ السَّماءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكانٍ سَحِيقٍ (٣١) ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللهِ فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ)(٣٢)

قوله (٧) تعالى : (ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُماتِ اللهِ) الآية. «ذلك» خبر مبتدأ مضمر ، أي : الأمر والشأن ذلك (٨) ، قال الزمخشري : كما يقدم الكاتب جملة من كلامه في بعض المعاني ، فإذا أراد الخوض في (٩) معنى آخر قال هذا ، وقد كان كذا (١٠). وقدره ابن عطية : فرضكم ذلك أو الواجب ذلك (١١). وقيل : هو مبتدأ خبره محذوف ، أي ذلك

__________________

(١) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٣١.

(٢) انظر البغوي ٥ / ٥٧٨.

(٣) المرجع السابق.

(٤) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٣١.

(٥) هذا الفصل نقله ابن عادل عن البغوي ٥ / ٥٧٨ ـ ٥٧٩.

(٦) في ب : ثلاث.

(٧) قوله : سقط من الأصل.

(٨) انظر الكشاف ٣ / ٣١ ، البيان ٣ / ١٧٤ ، التبيان ٢ / ٩٤٠ ، البحر المحيط ٦ / ٣٦٥.

(٩) في الأصل : من.

(١٠) الكشاف ٣ / ٣١.

(١١) تفسير ابن عطية ١٠ / ٢٧٢.

٧٨

الأمر الذي ذكرته (١). وقيل : في محل نصب أي : امتثلوا ذلك (٢). ونظير هذه الإشارة قول زهير بعد تقدم جمل في وصف هرم بن سنان :

٣٧٦٢ ـ هذا وليس كمن يعيا(٣)بخطّته

وسط النّديّ إذا ناطق نطقا (٤)

والحرمة (٥) ما لا يحلّ هتكه ، وجمييع ما كلفه الله تعالى بهذه الصفة من مناسك الحج وغيرها ، فيحتمل (٦) أن يكون عاما في جميع تكاليفه ، ويحتمل أن يكون خاصا فيما يتعلق بالحج.

وعن زيد بن أسلم : الحرمات خمس : الكعبة الحرام ، والمسجد الحرام ، والبلد الحرام ، والشهر الحرام ، والمشعر الحرام (٧). وقال ابن زيد : الحرمات ههنا : البيت الحرام (٨) ، والبلد الحرام ، والشهر الحرام ، والمسجد الحرام ، (والإحرام) (٩)(١٠).

وقال الليث : حرمات (١١) الله ما لا يحل انتهاكها (١٢).

وقال الزجاج : الحرمة ما وجب القيام به ، وحرم التفريط فيه (١٣).

قوله : «فهو» «هو» ضمير المصدر المفهوم من قوله : (وَمَنْ يُعَظِّمْ) ، أي ؛ فتعظيم حرمات الله خير له (١٤) ، كقوله تعالى : (اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى)(١٥) و «خير» هنا ظاهرها التفضيل (١٦) بالتأويل المعروف (١٧) ومعنى التعظيم : العلم بوجوب (١٨) القيام بها وحفظها.

__________________

(١) انظر البحر المحيط ٦ / ٣٦٥.

(٢) انظر تفسير ابن عطية ١٠ / ٢٧٢ ، البحر المحيط ٦ / ٣٦٥.

(٣) في ب : يعني. وهو تحريف.

(٤) البيت من بحر البسيط قاله زهير بن أبي سلمى من قصيدة يمدح فيها هرم بن سنان وهو في شرح الديوان (٧٧) ، وتفسير ابن عطية ١٠ / ٢٧٢ ، والقرطبي ١٢ / ٥٣ ، والبحر المحيط ٦ / ٣٦٦ ، والبيت يصف هرم بن سنان بالبلاغة والفصاحة ، وبأنه لا يعيا بخطته في مجلس القوم ، وذلك بعد أن وصفه في الأبيات السابقة بالكرم والشجاعة. والشاهد فيه الإشارة البليغة بقوله في أول البيت : هذا.

(٥) من هنا نقله ابن عادل عن الكشاف ٣ / ٣١ ، والفخر الرازي ٢٣ / ٣٢.

(٦) في الأصل : يحتمل.

(٧) آخر ما نقله هنا عن الكشاف ٣ / ٣١ ، والفخر الرازي ٢٣ / ٣٢.

(٨) في ب : الحرمات. وهو تحريف.

(٩) انظر البغوي ٥ / ٥٨٠.

(١٠) ما بين القوسين سقط من ب.

(١١) في ب : الحرمات. وهو تحريف.

(١٢) انظر البغوي ٥ / ٥٨٠.

(١٣) معاني القرآن وإعرابه ٣ / ٤٢. البغوي ٥ / ٥٨٠.

(١٤) انظر البحر المحيط ٦ / ٣٦٦.

(١٥) للتقوى : سقط من الأصل. [المائدة : ٨].

(١٦) في ب : التفضل.

(١٧) أي أن (خير) حذفت منه الهمزة في الدلالة على التفضيل لكثرة الاستعمال أي : فالتعظيم خير له عند ربه ، أي قربة وزيادة في طاعته. وأبو حيان يرى أن الظاهر في خير هنا أنها ليست أفعل تفضيل. البحر المحيط ٦ / ٣٦٦.

(١٨) في ب : موجب. وهو تحريف.

٧٩

وقوله : «عند ربّه» أي : عند الله في الآخرة. وقال الأصم : فهو خير له من التهاون (١).

قوله : (وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعامُ إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ) ووجه النظم أنه كان يجوز أن يظن أن الإحرام إذا حرم الصيد وغيره فالأنعام أيضا تحرم ، فبيّن تعالى أن الإحرام لا يؤثر فيها ، ثم استثنى منه ما يتلى في كتاب الله من المحرمات من النعم في سورة المائدة في قوله : (غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ)(٢) ، وقوله : (وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ)(٣)(٤).

قوله : (إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ) يجوز أن يكون استثناء متصلا ، ويصرف إلى ما يحرم من بهيمة الأنعام لسبب عارض كالموت ونحوه. وأن يكون استثناء منقطعا ، إذ ليس فيها محرم (٥) وقد تقدم تقرير هذا أول المائدة (٦).

قوله : (مِنَ الْأَوْثانِ). في «من» ثلاثة أوجه :

أحدها : أنها لبيان الجنس (٧) ، وهو مشهور قول المعربين ، ويقدر (٨) بقولك الرجس الذي هو الأوثان. وقد تقدم أن شرط كونها بيانية ذلك (٩) ويجيء مواضع كثيرة لا يتأتى فيها ذلك ولا بعضه.

والثاني : أنها لابتداء الغاية (١٠).

قال شهاب الدين : وقد خلط أبو البقاء القولين فجعلهما قولا واحدا. فقال : و «من» لبيان الجنس ، أي : اجتنبوا الرجس من هذا القبيل وهو معنى ابتداء الغاية

__________________

(١) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٣٢.

(٢) من قوله تعالى : «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ ما يُرِيدُ»[الآية : ١].

(٣) [الأنعام : ١٢١].

(٤) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٣٢.

(٥) انظر التبيان ٢ / ٩٤١.

(٦) عند قوله تعالى : «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ [المائدة : ١].

(٧) انظر معاني القرآن وإعرابه للزجاج ٣ / ٤٢٥ ، مشكل إعراب القرآن ٢ / ٩٧ ، الكشاف ٣ / ٣١ تفسير ابن عطية ١٠ / ٢٧٣ ، البيان ٢ / ١٧٤ ، التبيان ٢ / ٩٤١ ، البحر المحيط ٦ / ٣٦٦.

(٨) في الأصل : ويتقدر.

(٩) أي أن شرط كون (من) لبيان الجنس صحة وقوع الموصول مع ضمير يعود على ما قبلها إن كان ما قبلها معرفة كما هنا ، أما إن كان ما قبلها نكرة فشرطها صحة وقوع الضمير فقط كقوله تعالى :«مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ»[الحج : ٢٣] أي : هي ذهب. شرح التصريح ٢ / ٨ / ، وشرح الأشموني ٢ / ٢١١.

(١٠) فكأنه نهاهم عن الرجس عامّا ثم عيّن لهم مبدأه الذي منه يلحقهم ؛ إذ عبادة الوثن جامعة لكل فساد ورجس. تفسير ابن عطية ١٠ / ٢٧٣ ، البحر المحيط ٦ / ٣٦٦.

٨٠