اللّباب في علوم الكتاب - ج ١٤

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي

اللّباب في علوم الكتاب - ج ١٤

المؤلف:

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي


المحقق: عادل أحمد عبد الموجود و علي محمّد معوّض
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-2298-3

الصفحات: ٥٩٢

فصل(١)

قال ابن عباس : هادي أهل (٢) السموات والأرض ، فهم بنوره إلى الحق يهتدون ، وبهداه من حيرة الضلالة ينجون. وقال الضحاك : منوّر السموات والأرض ، يقال : نوّر الله السماء بالملائكة ونوّر الأرض بالأنبياء. وقال مجاهد : مدبر الأمور في السموات والأرض.

وقال أبي بن كعب والحسن وأبو العالية : مزيّن السموات والأرض ، زين السماء بالشمس والقمر والنجوم ، وزين الأرض بالأنبياء والعلماء والمؤمنين. وقيل : بالنبات والأشجار. وقيل : معناه : الأنوار كلها منه ، كما يقال : فلان رحمة ، أي : منه الرحمة. وقد يذكر هذا اللفظ على طريق المدح ، كقول القائل :

٣٨٣٣ ـ إذا سار عبد الله من مرو ليلة

فقد سار منها نورها وجمالها (٣)

قوله : «مثل نوره كمشكاة» مبتدأ وخبر ، وهذه الجملة إيضاح وتفسير لما قبلها ، فلا محلّ لها ، وثمّ (٤) مضاف محذوف ، أي : كمثل مشكاة. قال الزمخشري : أي : صفة نوره العجيبة الشأن في الإضاءة «كمشكاة» أي : كصفة (مشكاة) (٥)(٦). واختلفوا في الضمير في «نوره» : فقيل : هو الله تعالى (٧) ، أي : مثل نور الله ـ عزوجل ـ في قلب المؤمن ، وهو النور الذي يهتدى به ، كما قال : (فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ)(٨). وكان ابن مسعود يقرأ «مثل نوره في قلب المؤمن» وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس : «مثل نوره الذي أعطى المؤمن» وعلى هذا المراد بالنور : الإيمان ، والآيات البيّنات(٩).

وقيل : يعود على المؤمنين أو المؤمن ، أو من آمن به (١٠) ، أي مثل نور قلب المؤمن. وكان أبيّ يقرأ بهذه الألفاظ كلها (١١) ، وأعاد الضمير على ما قرأ به. والمراد بالنور : الإيمان

__________________

(١) هذا الفصل نقله ابن عادل عن البغوي ٦ / ١١٤.

(٢) أهل : سقط من ب.

(٣) البيت من بحر الطويل ، وهو في القرطبي ١٢ / ٢٥٦ ، البحر المحيط ٦ / ٤٥٥ ولم يعز إلى قائل.

المرو : شجر طيب الرائحة. ومرو : مدينة بفارس. والشاهد فيه أن الشاعر مدح ممدوحه بذلك على سبيل المبالغة.

(٤) في ب : أو ثم.

(٥) الكشاف ٣ / ٧٧.

(٦) ما بين القوسين سقط من ب.

(٧) انظر مشكل إعراب القرآن ٢ / ١٢١ ، تفسير ابن عطية ١٠ / ٥٠٧ ، البيان ٢ / ١٩٥ ، البحر المحيط ٦ / ٤٥٥.

(٨) من قوله تعالى : «أَفَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ» [الزمر : ٢٢].

(٩) انظر تفسير ابن عطية ١٠ / ٥٠٦ ، البيان ٢ / ١٩٥ والبحر المحيط ٦ / ٤٥٥.

(١٠) انظر مشكل إعراب القرآن ٢ / ١٢١ ، تفسير ابن عطية ١٠ / ٥٠٦ ، البيان ٢ / ١٩٥ ، البحر المحيط ٦ / ٤٥٥.

(١١) قال ابن قتيبة : (وكان أبيّ يقرأ «الله نور السموات والأرض مثل نور المؤمن» روى ذلك عبيد الله بن موسى عن أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية) تأويل مشكل القرآن (٣٢٨). وقال ـ

٣٨١

والقرآن لقوله تعالى : (قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ)(١) يعني : القرآن.

وقال سعيد بن جبير والضحاك : الضمير يعود على محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٢) ـ ولم يتقدم لهذه الأشياء ذكر. وأما عوده على المؤمنين في قراءة أبيّ ، ففيه إشكال من حيث الإفراد (٣). قال مكّيّ : يوقف على الأرض في هذه الأقوال الثلاثة (٤).

وقيل : أراد ب «النور» الطاعة ، سمى طاعة الله نورا ، وأضاف هذه الأنوار إلى نفسه تفضيلا(٥).

فصل

واختلفوا في هذا التشبيه :

(هل هو) (٦) تشبيه مركب ، أي : أنه قصد تشبيه (٧) جملة بجملة من غير نظر إلى مقابلة جزء بجزء ، بل قصد تشبيه هداه وإتقانه صنعته في كل مخلوق على الجملة بهذه الجملة من النور الذي يتخذونه ، وهو أبلغ صفات النور عندكم أو تشبيه غير مركب ، أي : قصد مقابلة جزء بجزء. ويترتب الكلام فيه بحسب الأقوال في الضمير في «نوره» (٨). و «المشكاة» : الكوّة غير النّافذة. وهل هي عربية أم حبشيّة معرّبة؟ خلاف (٩).

قال مجاهد : «هي القنديل» (١٠). وقيل : هي الحديدة أو الرّصاصة التي يوضع فيها الذّبال ، وهو الفتيل ، ويكون في جوف الزجاجة (١١).

وقيل : هي العمود الذي يوضع على رأسه المصباح (١٢). وقيل : ما يعلق منه القنديل من الحديدة (١٣). وأمال «المشكاة» الدّوري (١٤) عن الكسائي لتقدّم الكسر وإن

__________________

ـ ابن خالويه (مثل نور من «أنر به» أبيّ بن كعب) المختصر (١٠١) وانظر قراءة أبيّ بهذه الألفاظ كلها في تفسير ابن عطية ١٠ / ٥٠٦ ، البحر المحيط ٦ / ٤٥٥.

(١) [المائدة : ١٥].

(٢) انظر مشكل إعراب القرآن ٢ / ١٢١ ، تفسير ابن عطية ١٠ / ٥٠٦ ، البحر المحيط ٦ / ٤٥٥.

(٣) لأن المشكاة ليست تقابل الإيمان. انظر البحر المحيط ٦ / ٤٥٥.

(٤) لم أجد قول مكي في الكشف ، ولا في مشكل إعراب القرآن. انظر تفسير ابن عطية ١٠ / ٥٠٦ ، البحر المحيط ٦ / ٤٥٥.

(٥) في ب : تفضلا.

(٦) ما بين القوسين في ب : قيل.

(٧) في ب : للتنبيه.

(٨) انظر البحر المحيط ٦ / ٤٥٥.

(٩) قال الزجاج : (وقال : «كمشكاة» وهي الكوة ، وقيل : إنها بلغة الحبش ، والمشكاة من كلام العرب) معاني القرآن وإعرابه ٤ / ٤٣.

(١٠) انظر البغوي ٦ / ١١٥.

(١١) انظر تفسير ابن عطية ١٠ / ٥٠٩ ، البحر المحيط ٦ / ٤٥٦.

(١٢) انظر تفسير ابن عطية ١٠ / ٥٠٩ ، البحر المحيط ٦ / ٤٥٦.

(١٣) المرجعان السابقان.

(١٤) هو حفص بن عمر بن عبد العزيز ، أبو عمر الدوري الأزدي البغدادي شيخ الناس في زمانه ، وأول من ـ

٣٨٢

وجد فاصل ورسمت بالواو ك «الزكوة» و «الصلواة» (١). والمصباح : السّراج الضّخم ، وأصله من الضوء ومنه الصبح. والزّجاجة : واحدة الزّجاج ، وهو جوهر معروف ، وفيه ثلاث لغات (٢) : فالضم : لغة الحجاز ، وبها قرأ العامة. والكسر والفتح : لغة قيس (٣). وبالفتح قرأ ابن أبي عبلة ونصر بن عاصم في رواية ابن مجاهد (٤). وبالكسر قرأ نصر بن عاصم في رواية عنه ، وأبو رجاء (٥). وكذلك الخلاف في قوله : «الزّجاجة». والجملة من قوله : «فيها مصباح» صفة ل «مشكاة» (٦) ، ويجوز أن يكون الجار وحده هو الوصف ، و «مصباح» مرتفع به فاعلا (٧).

قوله : «درّي». قرأ أبو عمرو والكسائي بكسر الدال ، وياء بعدها همزة. وقرأ حمزة وأبو بكر عن عاصم بضم الدال وياء بعدها همزة. والباقون بضم الدال وتشديد الياء من غير همز (٨). وهذه الثلاثة في السبع. وقرأ زيد بن عليّ والضحاك وقتادة بفتح الدال وتشديد الياء (٩). وقرأ الزهري بكسرها وتشديد الياء (١٠).

وقرأ أبان بن عثمان وابن المسيب وأبو رجاء وقتادة أيضا «درّيء» فتح الدال وياء بعدها همزة(١١) فأما الأولى فقراءة واضحة ، لأنه بناء كثير ، يوجد في الأسماء نحو : «سكّين» وفي الصفات نحو «سكّير». وأما القراءة الثانية فهي من «الدرء» بمعنى : الدفع ، أي : يدفع بعضها بعضا ، أو يدفع ضوؤها خفاءها.

__________________

ـ جمع القراءات قرأ بالقراءات بالسبع والشواذ مات سنة ٢٤٦ ه‍. طبقات القراء ١ / ٢٥٥ ـ ٢٥٧.

(١) السبعة (٤٥٥) الحجة لابن خالويه (٢٦٢) الاتحاف (٣٢٤).

(٢) قال ابن خالويه : (فيها ثلاث لغات : زجاجة وزجاجة وزجاجة) المختصر (١٠٢) وقال ابن جني : «فيها ثلاث لغات زجاجة وزجاجة وزجاجة بالفتح والضم والكسر وفي الجمع زجاج وزجاج وزجاج ، كنعامة ونعام ، ورقاقة ورقاق وعمامة وعمام) المحتسب ٢ / ١٠٩.

(٣) انظر البحر المحيط ٦ / ٤٤٤.

(٤) نسبها ابن خالويه (المختصر ١٠٢) وابن جني (المحتسب ٢ / ١٠٩) إلى نصر بن عاصم فقط ، ونسبها أبو حيان لهما. البحر المحيط ٦ / ٤٥٦.

(٥) المختصر (١٠٢) ، البحر المحيط ٦ / ٤٥٦.

(٦) التبيان ٢ / ٩٦٩.

(٧) هذا الوجه ماش على أن الجار والمجرور يعملان عمل الفعل فيكون المرفوع بعدهما فاعلا لمتعلق الجار والمجرور وهو استقر أو مستقر ، ولكن هذا الوجه ضعيف من جهة المعنى ، لأن الصفة لا بد من أن تفيد الموصوف تخصيصا ، أو مدحا أو ذما ، وهنا الجار إذا كان وحده هو الصفة لم يفد الموصوف شيئا فكان الأولى أن يقول : والجملة من الجار والمجرور وفاعله صفة ل «مشكاة».

(٨) السبعة (٤٥٥ ـ ٤٥٦) ، الحجة لابن خالويه (٢٦٢) ، الكشف ٢ / ١٣٧ ـ ١٣٨ النشر ٢ / ٣٣٢ ، الاتحاف (٣٢٤).

(٩) المختصر (١٠٢) ، المحتسب ٢ / ١١٠.

(١٠) أي دريّ. انظر البحر المحيط ٦ / ٤٥٦.

(١١) المحتسب ٢ / ١١٠ ، البحر المحيط ٦ / ٤٥٦.

٣٨٣

قيل : ولم يوجد شيء وزنه «فعّيل» (١) إلا «مرّيقا» للعصفر (٢) ، و «سرّيّة» على قولنا : إنها من السّرور ، وأنه أبدل من إحدى المضعّفات ياء ، وأدغمت فيها ياء «فعّيل» (٣) ، و «مرّيخا» للذي في داخل القرن (٤) اليابس ، ويقال بكسر الميم أيضا (٥) ، و «علّيّة» (٦) و «درّيء» في هذه القراءة ، و «درّيّة» أيضا في قول ، وقال (٧) بعضهم : وزن «دريء» في هذه القراءة «فعّول» كسبّوح قدّوس فاستثقل توالي الضم فنقل إلى الكسر (٨) ، وهذا منقول أيضا في «سرّيّة» و «درّيّة». وأما القراءة الثالثة فتحتمل وجهين :

أحدهما : أن يكون أصلها الهمز كقراءة حمزة إلا أنه أبدل من الهمز ياء ، وأدغم ، فيتحد معنى القراءتين. ويحتمل أن تكون نسبة إلى الدّرّ لصفائها ، وظهور (إشراقها) (٩)(١٠).

وأما قراءة تشديد الياء مع فتح الدال وكسرها ، فالذي يظهر أنه منسوب إلى الدّرّ. والفتح والكسر في الدال من باب تغييرات النسب. وأما فتح الدال مع المد والهمز (١١) ففيها إشكال.

قال أبو الفتح : وهو بناء عزيز لم يحفظ منه إلّا السّكّينة بفتح الفاء وتشديد العين (١٢).

__________________

(١) جاء في اللسان (درأ) : وكوكب دريّ على (فعيل) مندفع في مضيه من المشرق إلى المغرب من ذلك ، والجمع دراريء على وزن دراريع ، وقد درأ الكوكب دروءا ونقل ابن منظور عن ابن بري : في هذا المكان قد حكى سيبويه أنه يدخل في الكلام فعيل ، وهو قولهم للعصفر مريق ، وكوكب درّيء. وفي الكتاب قال سيبويه (ولا يكون (فعيل) ، ويكون على (فعيل) وهو قليل في الكلام ، قالوا المرّيق حدثنا أبو الخطاب عن العرب. وقالوا : كوكب درّيء وهو صفة) ٤ / ٢٦٨. وقال الفراء : (ولا تعرف جهة ضم أوله وهمزه لا يكون في الكلام فعّيل إلا عجميا) معاني القرآن ٢ / ٢٥٢. وقال الزجاج : (ولا يجوز أن يضم الدال ويهمز ، لأنه ليس في الكلام فعيل) معاني القرآن وإعرابه ٤ / ٤٤.

(٢) المرّيق : حبّ العصفر ، وفي التهذيب : شحم العصفر. اللسان (مرق).

(٣) انظر البحر المحيط ٦ / ٤٥٦.

(٤) في الأصل : القدر ، وفي ب : القراز. والصواب ما أثبته.

(٥) انظر البحر المحيط ٦ / ٤٥٦ ، وفي اللسان (مرخ) : المرّيخ سهم طويل له أربع قذذ يقتدر به الغلاء ، والمريخ الرجل الأحمق ، وقيل : كوكب من الخنس في السماء الخامسة وهو بهرام ، ولم يحك ابن منظور فيه في اللسان غير الكسر.

(٦) انظر اللسان (علا).

(٧) وقال : سقط من ب.

(٨) انظر اللسان (درأ) والبحر المحيط ٦ / ٤٥٦.

(٩) انظر الكشف ٢ / ١٣٨ ، البيان ٢ / ١٩٥ ، التبيان ٢ / ٩٦٩ ، البحر المحيط ٦ / ٤٥٦.

(١٠) ما بين القوسين في ب : إسراقها وإن كان الكوكب أكبر عنوا من الدر لكنه نفضل الكواكب بضيائه كما يفضل الدر سائر الحب.

(١١) في ب : والضمير. وهو تحريف.

(١٢) قال أبو الفتح : (الغريب من هذا «درّيء» بفتح الدال وتشديد الراء والهمز ، وذلك لأن «فعّيلا» (بالفتح وتشديد العين عزيز ، إنما حكي منه السكينة بفتح السين وتشديد الكاف ، حكاها أبو زيد) المحتسب ٢ / ١١٠.

٣٨٤

قال شهاب الدين : وقد حكى الأخفش (١) فعلية السّكّينة والوقار ، وكوكب درّيء من (درأته)(٢). قوله : «توقد» قرأ ابن كثير وأبو عمرو «توقّد» بزنة «تفعّل» فعلا ماضيا فيه ضمير فاعله يعود على «المصباح» ، ولا يعود على «كوكب» لفساد المعنى. والأخوان وأبو بكر : «توقد» بضم التاء من فوق وفتح القاف مضارع «أوقد» ، وهو مبني للمفعول ، والقائم مقام الفاعل ضمير يعود على «زجاجة» فاستتر في الفعل. وباقي السبعة كذلك إلا أنه بالياء من تحت (٣) ، والضمير (٤) المستتر يعود على «المصباح». وقرأ الحسن (٥) والسّلمي وابن محيصن ورويت عن عاصم من طريق المفضّل كذلك إلا أنه ضمّ الدّال ، جعله مضارع «توقّد» (٦) ، والأصل «تتوقّد» بتاءين فحذف إحداهما ك «تتذكّر» ، والضمير أيضا للزجاجة.

وقرأ عبد الله «وقّد» فعلا ماضيا بزنة «قتّل» مشددا (٧) ، أي : «المصباح» وقرأ الحسن وسلام (٨) أيضا «يوقّد» بالياء من تحت وضم الدال مضارع «توقد» (٩) ، والأصل «يتوقد» بياء من تحت وتاء من فوق ، فحذف التاء من فوق (و) (١٠) هذا شاذ ، إذ لم يتوال مثلان ، ولم يبق في اللفظ ما يدل على المحذوف ، بخلاف «تنزّل» و «تذكّر» وبابه ، فإن فيه تاءين ، والباقي يدل على ما فقد. وقد يتمحّل لصحته وجه من القياس ، وهو أنهم قد حملوا «أعد» و «تعد» و «نعد» على «يعد» في حذف الواو لوقوعها بين ياء وكسرة ، فكذلك حملوا «يتوقّد» بالياء والتاء على «تتوقّد» بتاءين وإن لم يكن الاستثقال موجودا في الياء والتاء (١١).

__________________

(١) قال الأخفش : وقال : «فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ»[البقرة : ٢٤٨] و «السكينة» هي الوقار ، وأما الحديد فهو السكين ، مشدّد الكاف ، وقال بعضهم : هي السكين مثلها في التشديد إلا أنها مؤنثة فأنث ، والتأنيث ليس بمعروف ، وبنو قشير يقولون : سخين للسكين ، وقال : «وَآتَتْ كُلَّ واحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّيناً» [يوسف : ٣١] معاني القرآن ٢ / ٣٧٨.

(٢) الدر المصون ٥ / ١٠٦.

(٣) السبعة (٤٥٥ ـ ٤٥٦) ، الحجة لابن خالويه (٢٦٢) ٧ الكشف ٢ / ١٣٨ ـ ١٣٩ ، النشر ٢ / ٣٣٢ ، الاتحاف (٣٢٥).

(٤) في ب : فالضمير.

(٥) الحسن : سقط من ب.

(٦) المختصر (١٠٢) ، البحر المحيط ٦ / ٤٥٦ ، الاتحاف (٣٢٥).

(٧) البحر المحيط ٦ / ٤٥٦.

(٨) هو سلام بن سليمان الطويل أبو المنذر المزني مولاهم البصري ، ثقة جليل ومقرىء كبير ، أخذ القراءة عرضا عن عاصم بن أبي النجود ، وأبي عمرو بن العلاء وغيرهما ، قرأ عليه يعقوب الحضرمي ، وهارون بن موسى الأخفش ، مات سنة ١٧١ ه‍. طبقات القراء ١ / ٣٠٩.

(٩) المحتسب ٢ / ١٠٠ ، البحر المحيط ٦ / ٤٥٦.

(١٠) ما بين القوسين تكملة ليست في المخطوط.

(١١) انظر المحتسب ٢ / ١١١ ، البحر المحيط ٦ / ٤٥٦.

٣٨٥

قوله : «من شجرة» من لابتداء الغاية ، وثمّ مضاف محذوف ، أي : من زيت (شجرة) (١)(٢). و «زيتونة» فيها قولان : أشهرهما : أنها بدل من «شجرة» (٣).

الثاني : أنها عطف بيان ، وهذا مذهب الكوفيين ، وتبعهم أبو علي (٤). وتقدم هذا. في قوله : «من ماء صديد» (٥).

قوله : «لا شرقيّة» صفة ل «شجرة» (٦) ودخلت «لا» لتفيد النفي. وقرأ الضّحّاك بالرفع على إضمار مبتدأ ، أي : لا هي شرقية ، والجملة أيضا في محل جر نعتا ل «شجرة» (٧). (قوله : «يكاد» هذه الجملة أيضا نعت ل «شجرة» (٨)) (٩).

قوله : (وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ) جوابها محذوف ، أي : لأضاءت ، لدلالة ما تقدم عليه ، والجملة حالية. وتقدم تحرير هذا في قولهم : أعطوا السائل ولو جاء على فرس. وأنها لاستقصاء الأحوال حتى في هذه الحالة (١٠). وقرأ ابن عباس والحسن : «يمسسه» بالياء (١١) ، لأن التأنيث مجازي ، ولأنه قد فصل بالمفعول أيضا (١٢).

فصل في كيفية هذا التمثيل

قال جمهور المتكلمين : معناه : أن هداية الله قد بلغت في الظهور والجلاء (١٣) إلى أقصى الغايات ، وصار ذلك بمنزلة المشكاة التي يكون فيها زجاجة صافية ، وفي الزجاجة مصباح (يتّقد بزيت) (١٤) بلغ النهاية في الصفاء. فإن قيل : لم شبهه بذلك مع أن ضوء الشمس أعظم منه؟

__________________

(١) انظر تفسير ابن عطية ١٠ / ٥١١ ، البحر المحيط ٦ / ٤٥٦.

(٢) ما بين القوسين في ب : الشجرة.

(٣) انظر التبيان ٢ / ٩٧٠ ، البحر المحيط ٦ / ٤٥٧.

(٤) ذهب الكوفيون والفارسي وابن جني والزمخشري إلى أن عطف البيان يجري في النكرات ، ومثلوا بقوله تعالى مِنْ «ماءٍ صَدِيدٍ»[إبراهيم : ١٦] وذهب البصريون إلى أنه لا يجري إلا في المعارف كذا نقله عنهم الشلوبين وقال ابن مالك : ولم أجد هذا النقل عنهم إلا من جهته. واحتجوا بأن الغرض في عطف البيان تبيين الاسم المتبوع وإيضاحه والنكرة لا يصح أن يبين بها غيرها ، لأنها مجهولة ولا يبين مجهول بمجهول وأجيب المجيزون بأن بعض النكرات أخص من بعض والأخص يبين الأعم ، وجوز الزمخشري تخالفهما ، وقد بينت ذلك عند الحديث عن قوله تعالى : «وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي هارُونَ أَخِي» [طه : ٢٩ ، ٣٠] البحر المحيط ٦ / ٤٥٧ ، الهمع ٢ / ١٢١ الأشموني ٣ / ٨٦.

(٥) من قوله تعالى : «مِنْ وَرائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ» [إبراهيم : ١٦].

(٦) انظر التبيان ٢ / ٩٧٠ ، البحر المحيط ٦ / ٤٥٧.

(٧) انظر البحر المحيط ٦ / ٤٥٧.

(٨) انظر التبيان ٢ / ٩٧٠.

(٩) ما بين القوسين سقط من ب.

(١٠) انظر البحر المحيط ٦ / ٤٥٧.

(١١) المختصر (١٠٢) ، المحتسب ٢ / ١١١.

(١٢) انظر المحتسب ٢ / ١١١ ، البحر المحيط ٦ / ٤٥٧.

(١٣) في الأصل : والجلال.

(١٤) ما بين القوسين في ب : بتقدير زيت. وهو تحريف.

٣٨٦

فالجواب : أنه تعالى أراد أن يصف الضوء الكامل الذي يلوح وسط الظلمة ، لأن الغالب على أوهام الخلق وخيالاتهم إنما هو الشبهات التي هي كالظلمات (وهداية الله تعالى فيما بينها كالضوء الكامل الذي يظهر فيما بين الظلمات) (١) وهذا المقصود لا يحصل من ضوء الشمس ، لأن ضوءها إذا ظهر امتلأ العالم من النور الخالص ، وإذا غاب امتلأ العالم من الظلمة الخالصة ، فلا (٢) جرم كان هذا المثل أليق وأوفق (٣).

فصل

اعلم أن الأمور التي اعتبرها الله تعالى في هذه المثل توجب كمال الضوء.

فأولها : أن المصباح إذا لم يكن في المشكاة تفرقت أشعته ، أما إذا وضع في المشكاة اجتمعت أشعته فكانت أشد إنارة ، ويحقق ذلك أن المصباح ينعكس شعاعه من بعض جوانب الزجاجة إلى البعض ، لما في الزجاجة من الصفاء والشفافة ، فيزداد بسبب ذلك الضوء والنور ، والذي يحقق ذلك أن شعاع الشمس إذا وقع على الزجاجة الصافية تضاعف النور الظاهر ، حتى إنه يظهر فيما يقابله مثل ذلك الضوء ، فإذا انعكست تلك الأشعة من كل جانب من جوانب الزجاجة إلى الجانب الآخر كثرت الأنوار والأضواء (٤) وبلغت النهاية.

وثانيها : أن ضوء المصباح يختلف بحسب اختلاف ما يتقد فيه ، فإذا كان الدهن صافيا خالصا كانت حاله بخلاف حاله إذا كان كدرا ، وليس في الأدهان التي توقد ما يظهر فيه من الصفاء مثل الذي يظهر في الزيت ، فربما بلغ في الصفاء والرقة مبلغ الماء مع زيادة بياض فيه وشعاع يتردد في أجزائه.

وثالثها : أن الزيت يختلف باختلاف شجرته ، فإذا كانت لا شرقية ولا غربية بمعنى أنها كانت بارزة للشمس (في كل حالاتها يكون زيتونها أشد نضجا ، فكان زيته أكثر صفاء ، لأن زيادة تأثير الشمس) (٥) تؤثر في ذلك ، فإذا اجتمعت هذه الأمور وتعاونت صار ذلك الضوء خالصا كاملا ، فيصلح أن يجعل مثلا لهداية الله تعالى (٦).

فصل

قال بعضهم : «هذه الآية من المقلوب والتقدير : مثل نوره كمصباح في مشكاة ، لأن المشبه به هو الذي يكون معدنا للنور ومنبعا له ، وذلك هو المصباح لا المشكاة» (٧).

فصل

قال مجاهد : «المشكاة» : القنديل ، والمعنى : كمصباح في مشكاة. المصباح في

__________________

(١) ما بين القوسين تكملة من الفخر الرازي.

(٢) في ب : ولا.

(٣) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٢٣٢ ـ ٢٣٣.

(٤) في ب : الأضواء والأنوار.

(٥) ما بين القوسين سقط من ب.

(٦) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٢٣٣.

(٧) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٢٣٦.

٣٨٧

زجاجة ، يعني : «القنديل» (١) قال الزجاج : إنما ذكر الزجاجة لأن النور وضوء النار (٢) فيها أبين في (٣) كل شيء ، وضوؤه يزيد في الزجاج. ثم وصف الزجاجة فقال : (كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ)(٤). والدّرّ : الدفع ، لأن الكواكب تدفع الشياطين من السماء. وشبيه حالة الدفع ، لأنه يكون في تلك الحالة أضوأ وأنور. وقيل : «دري» أي : طالع ، يقال : درى (٥) النجم : إذا طلع وارتفع ، ويقال : هو من درأ الكوكب : إذا اندفع منقضا فيضاعف ضوؤه في ذلك الوقت (٦)) (٧) (ويقال : درأ علينا فلان ، أي : طلع وظهر (٨). وقيل : الدري أي ضخم مضى ، ودراري النجوم : عظامها. وقيل : الكوكب الدري واحد من الكواكب الخمسة العظام ، وهي : زحل ، والمريخ والمشتري ، والزهرة وعطارد (٩). وقيل : الكواكب المضيئة كالزهرة والمشتري والثوابت التي في المعظم الأول (١٠). فإن قيل : لم شبهه بالكوكب ولم يشبهه بالشمس والقمر؟.

فالجواب لأن الشمس والقمر يلحقها الخسوف ، والكواكب (١١) لا يلحقها الخسوف. «توقّد» يعني : المصباح ، أي : اتّقد. ويقال : توقدت النار ، أي : اتقدت ، يعني : نار الزجاجة ، لأن الزجاجة لا توقد. هذا على قراءة من ضم التاء وفتح القاف (١٢).

وأما على قراءة الآخرين ف «توقد» يعني المصباح (١٣)(مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ) أي : من زيت شجرة مباركة ، فحذف المضاف بدليل قوله : (يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ). وأراد بالشجرة المباركة : الزيتون وهي كثيرة البركة والنفع : لأن الزيت يسرج به وهو أضوأ وأصفى الأدهان ، وهو إدام وفاكهة ، ولا يحتاج في استخراجه إلى عصار ، بل كل أحد يستخرجه. وقيل : أول شجرة نبتت بعد الطوفان ، وبارك فيها سبعون نبيا منهم الخليل. وجاء في الحديث أنه مصحة (١٤) من الباسور (١٥) ، وهي شجرة تورق من أعلاها إلى أسفلها (١٦). وقال عليه‌السلام (١٧) : «كلوا الزّيت وادهنوا به فإنّه من شجرة مباركة» (١٨).

__________________

(١) انظر البغوي ٦ / ١١٥.

(٢) في النسختين : النهار. والتصويب من معاني القرآن وإعرابه ٤ / ٤٤.

(٣) في الأصل : من.

(٤) معاني القرآن وإعرابه ٤ / ٤٤.

(٥) في الأصل : درأ.

(٦) انظر البغوي ٦ / ١١٥ واللسان (درأ).

(٧) ما بين القوسين سقط من ب.

(٨) انظر البغوي ٦ / ١١٦ ، اللسان (درأ).

(٩) المرجع السابق.

(١٠) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٢٣٧.

(١١) في ب : فالكواكب.

(١٢) وهي قراءة الأخوين وأبي بكر.

(١٣) تقدم قريبا.

(١٤) في ب : مضحة.

(١٥) الباسور : داء معروف ويجمع البواسير ، قال الجوهريّ : هي علة تحدث في المقعدة وفي داخل الأنف أيضا ، نسأل الله العافية منها ومن كل داء. اللسان (بسر).

(١٦) انظر البغوي ٦ / ١١٦ ـ ١١٧.

(١٧) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(١٨) أخرجه الترمذي (أطعمة) ٣ / ١٨٦ ـ ١٨٧.

٣٨٨

وقيل : المراد زيتون الشام ، لأنه في الأرض المباركة فلهذا جعل الله هذه الشجرة بأنها «لا شرقية ولا غربية» واستدلوا على ذلك بوجوه :

أحدها : أن الشام وسط الدنيا ، فلا توصف شجرتها بأنها شرقية أو غربية. وهذا ضعيف ، لأن من قال : «الأرض كرة» لم يثبت للمشرق والمغرب موضعين معينين ، بل لكل بلد مشرق ومغرب على حدة ، لأن المثل مضروب لكل من (يعرف ، الزيت) (١) وقد) (٢) يوجد في (٣) غير الشام كوجوده فيه.

وثانيها : قال الحسن : «لأنها من شجر الجنة ، إذ (٤) لو كانت من شجر الدنيا لكانت إما شرقية وإما غربية». وهذا أيضا ضعيف ، لأنه تعالى إنما ضرب المثل بما شاهدوه ، وهم ما شاهدوا شجر الجنة.

وثالثها : أنها شجرة يلتف بها ورقها التفافا شديدا ، ولا تصل الشمس إليها سواء كانت الشمس شرقية أو غربية ، وليس في الشجر ما يورق غصنه من أوله إلى آخره مثل الزيتون والرمان. وهذا أيضا ضعيف ، لأن الغرض صفاء الزيت ، وذلك لا يحصل إلا بكمال نضج الزيتون ، وذلك إنما يحصل في العادة بوصول أثر الشمس إليه لا بعدم وصوله.

ورابعها : قال ابن عباس : «المراد الشجرة التي تبرز على جبل عال (٥) ، أو صحراء واسعة (٦) ، فتطلع الشمس عليها حالتي الطلوع والغروب». وهذا قول سعيد بن جبير وقتادة.

وقال الفراء (٧) والزجاج (٨) : «لا شرقية وحدها ولا غربية وحدها ، ولكنها (٩) شرقية غربية (١٠) ، كما يقال : فلان لا مسافر ولا مقيم (١١) ، إذا كان يسافر ويقيم (١٢) ، أي : تصيبها الشمس عند طلوعها وعند غروبها ، فتكون شرقية غربية تأخذ حظها من الأمرين ، فيكون زيتها أضوأ ، كما يقال : فلان ليس بأسود ولا أبيض ، يريد : ليس بأسود خالص ولا بأبيض خالص ، بل اجتمع فيه الأمران ، وهذا الرمان ليس بحلو (١٣) ولا حامض ، أي : اجتمع فيه الحلاوة والحموضة».

وهذا هو المختار ، لأن الشجرة إذا كانت كذلك كان زيتها في نهاية الصفاء ، وحينئذ يكون مقصود التمثيل أتم (١٤). وقيل : المراد ب «المشكاة» صدر محمد ، (و «الزجاجة» قلب محمد) (١٥) و «المصباح» ما في قلب محمد من الدين ، (يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ)(١٦) يعني :

__________________

(١) الزيت : تكملة من الفخر الرازي.

(٢) ما بين القوسين سقط من ب.

(٣) في ب : ب.

(٤) إذ : سقط من ب.

(٥) في الأصل : عالي.

(٦) في الأصل : وسعة.

(٧) معاني القرآن ٢ / ٢٥٣.

(٨) معاني القرآن وإعرابه ٤ / ٤٥.

(٩) في الأصل : ولكن.

(١٠) في ب : وغربية.

(١١) في النسختين : لا يسافر ولا يقيم.

(١٢) في الأصل : لا يسافر ولا يقيم. وفي ب : لا يسافر ويقيم.

(١٣) في ب : بحلوا.

(١٤) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٢٣٧ ـ ٢٣٨.

(١٥) ما بين القوسين سقط من ب.

(١٦) في ب : توقد من شجرة مباركة.

٣٨٩

(وَ (١) اتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ)(٢)» والشجرة : إبراهيم ، ثم وصف إبراهيم بقوله : «لا شرقيّة ولا غربيّة» أي : لا يصلي قبل المشرق ولا قبل المغرب كاليهود والنصارى ، بل كان عليه‌السلام (٣) يصلي إلى الكعبة (٤) ، ثم قال : (يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ) لأن الزيت إذا كان خالصا ثم رئي (٥) من بعيد يرى كأن له شعاعا ، فإذا مسته النار ازداد ضوءا على ضوئه كذلك.

قال ابن عباس : «يكاد قلب المؤمن يعمل بالهدى قبل أن يأتيه العلم ، فإذا جاءه العلم ازداد نورا على نور ، وهدى على هدى». وقال الضحاك : «يكاد محمد يتكلم بالحكمة قبل الوحي» (٦). قال عبد الله بن رواحة :

٣٨٣٤ ـ لو لم تكن فيه آيات مبينة

كانت بديهته تنبيك بالخبر (٧)

وقال محمد بن كعب القرظي : المشكاة : إبراهيم ، والزجاجة : إسماعيل والمصباح محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ سماه الله مصباحا كما سماه سراجا فقال (وَسِراجاً مُنِيراً)(٨)(يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ) وهي إبراهيم عليه الصلاة والسلام ، وسماه مباركا ، لأن أكثر الأنبياء من صلبه (لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ) أي لم يكن إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ، ولكن كان حنيفا ، لأن اليهود تصلي قبل المغرب والنصارى قبل المشرق (يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ) يكاد محاسن محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ تظهر للناس من قبل أن يوحى إليه ، (نُورٌ عَلى نُورٍ) نبي من نسل نبي (نور محمد على نور إبراهيم (٩)) (١٠).

قوله : (نُورٌ عَلى نُورٍ) خبر (١١) مبتدأ مضمر أي : ذلك نور (١٢) ، و (١٣) «على نور» صفة ل «نور». والمعنى : أن القرآن نور من الله ـ عزوجل ـ لخلقه مع ما أقام لهم من الدلائل والأعلام قبل نزول القرآن ، فازدادوا بذلك نورا (١٤) على نور (١٥). (يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ).

قال ابن عباس : «لدين الإسلام ، وهو نور البصيرة». وقيل : القرآن. (قال إن

__________________

(١) و : سقط من ب.

(٢) [النساء : ١٢٥].

(٣) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(٤) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٢٣٨.

(٥) في الأصل : ثم رأى. في ب : ثم إذا رأى. والصواب ما أثبته.

(٦) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٢٣٨.

(٧) البيت من بحر البسيط قاله عبد الله بن رواحة وهو في الفخر الرازي ٢٣ / ٢٣٨.

(٨) من قوله تعالى : «وَداعِياً إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِراجاً مُنِيراً» [الأحزاب : ٤٦].

(٩) انظر البغوي ٦ / ١١٨ ـ ١١٩.

(١٠) ما بين القوسين سقط من الأصل.

(١١) في ب : خبرا. وهو تحريف.

(١٢) انظر الكشاف ٣ / ٧٧ ، التبيان ٢ / ٩٧٠.

(١٣) و : سقط من ب.

(١٤) في ب : نور. وهو تحريف.

(١٥) انظر البغوي ٦ / ١٢٠.

٣٩٠

المؤمن يتقلب في خمسة أنوار : قوله نور ، وعمله نور ، ومدخله نور ، ومخرجه نور ، ومصير إلى نور) (١). واستدل أهل السنة بهذه الآية على صحة مذهبهم فقالوا : «إنه تعالى بعد أن بين أن هذه الدلائل التي بلغت في الظهور والوضوح إلى هذا الحد الذي لا يمكن الزيادة عليه ، قال : (يَهْدِي اللهُ) بإيضاح هذه الأدلة «لنوره من يشاء» أي : وضوح هذه الدلائل لا يكفي ولا ينفع ما لم يخلق الله الإيمان»(٢).

قوله : (وَيَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ) يبين الله الأشباه للناس ، أي : للمكلفين ، تقريبا لأفهامهم ، وتسهيلا لنيل الإدراك.

(وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) وهذا كالوعيد لمن لا يعتبر ولا يتفكر في أمثاله ، ولا ينظر في أدلته فيعرف وضوحها وبعدها عن الشبهات (٣). قالت المعتزلة : قوله تعالى (وَيَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ) ذكره في معرض النعمة ، وإنما يكون نعمة عظيمة لو أمكنكم الانتفاع به وتقدم جوابه (٤).

قوله تعالى : (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ (٣٦) رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَإِقامِ الصَّلاةِ وَإِيتاءِ الزَّكاةِ يَخافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصارُ (٣٧) لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ)(٣٨)

قوله تعالى : (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ) الآية (٥).

واعلم أن قوله : «في بيوت» يقتضي محذوفا يكون فيها ، وذكروا فيه ستّة أوجه :

أحدها : أن قوله : «في بيوت» صفة ل «مشكاة» أي كمشكاة في بيوت ، أي : في بيت من بيوت الله (٦).

(الثاني : أنه صفة ل «مصباح» (٧)) (٨) وهذا اختيار أكثر المحققين.

واعترض عليه أبو مسلم بن بحر الأصفهاني من وجهين :

الأول : أن (٩) المقصود من ذكر «المصباح» المثل ، وكون المصباح في بيت أذن الله لا يزيد في هذا المقصود ، لأن ذلك لا يزيد المصباح إنارة وإضاءة.

__________________

(١) ما بين القوسين سقط من الأصل.

(٢) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٢١٨ ـ ٢٣٩.

(٣) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٢٣٩.

(٤) المرجع السابق.

(٥) في ب : الآية الثاني أنه صفة للمصباح. الباء في «بيوت» تضم وتكسر لغة.

(٦) قاله الحوفي وتبعه الزمخشري. انظر البرهان ٦ / ٢٤٩ ، الكشاف ٣ / ٧٧ ، البيان ٢ / ١٩٦ البحر المحيط ٦ / ٤٥٧.

(٧) انظر تفسير ابن عطية ١٠ / ٥١٣ ، الفخر الرازي ٢٤ / ٢ ، البحر المحيط ٦ / ٤٥٧.

(٨) ما بين القوسين ذكر في ب بعد قوله : آية. ويبدو أنه سهو من الناسخ.

(٩) أن : سقط من ب.

٣٩١

والثاني : أن الذي تقدم ذكره فيه وجوه يقتضي كونه واحدا ، كقوله : (كَمِشْكاةٍ)(١) وقوله : (فِيها مِصْباحٌ)(١) وقوله : (فِي زُجاجَةٍ)(١) وقوله : (كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ)(١) ، ولفظ «البيوت» جمع ، ولا يصح كون هذا الواحد في كل البيوت.

وأجيب عن الأول : أن المصباح الموضوع في الزجاجة الصافية إذا كان في المساجد كان أعظم وأضخم ، فكان أضوأ ، فكان التمثيل به أتم وأكمل.

وعن الثاني : أنه لما كان القصد بالمثل هذا الذي له هذا الوصف فيدخل تحته كل مشكاة فيها مصباح في زجاجة يتوقد من الزيت ، فتكون الفائدة في ذلك أن ضوءه (٢) يظهر في هذه البيوت بالليالي عند الحاجة إلى عبادة الله تعالى ، كقولك : «الذي يصلح لخدمتي رجل يرجع إلى علم وقناعة يلزم بيته» لكان وإن ذكر بلفظ الواحد ، فالمراد النوع ، فكذا ههنا (٣).

الثالث : أنه (٤) صفة ل «زجاجة» (٥) ..

الرابع : أنه يتعلق ب «يوقد» (٦) أي : يوقد في بيوت ، والبيوت هي المساجد قال سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : المساجد بيوت الله في الأرض ، وهي تضيء لأهل السماء كما تضيء النجوم لأهل الأرض (٧). وعلى هذه الأقوال الأربعة لا يوقف على «عليم» (٨).

الوجه الخامس : أنه متعلق بمحذوف كقوله : (فِي تِسْعِ آياتٍ)(٩) أي : سبحوه في بيوت(١٠).

السادس : أنه متعلق ب «يسبّح» أي : يسبح رجال في بيوت ، و «فيها» تكرير للتوكيد كقوله : (فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها)(١١)(١٢) وعلى هذين القولين فيوقف على «عليم» (١٣).

قوله : (أَذِنَ اللهُ) في محل جر صفة ل «بيوت» ، و «أن ترفع» على حذف الجار ، أي : في أن ترفع. ولا يجوز تعلق «في بيوت» بقوله : «ويذكر» لأنه عطف

__________________

(١) من الآية السابقة.

(٢) في ب : يضؤه.

(٣) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٢.

(٤) أنه : سقط من ب.

(٥) انظر التبيان ٢ / ٩٧٠ ، البحر المحيط ٦ / ٤٥٧.

(٦) نقله ابن عطية وأبو حيان عن الرماني. تفسير ابن عطية ١٠ / ٥١٣ ، البحر المحيط ٦ / ٤٥٧ ، التبيان ٢ / ٩٧٠.

(٧) انظر القرطبي ١٢ / ٢٦٥.

(٨) انظر منار الهدى في بيان الوقف والابتدا (٢٦٨) ، البحر المحيط ٦ / ٤٥٧.

(٩) من قوله تعالى : «وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آياتٍ إِلى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ» [النمل : ١٢].

(١٠) انظر الكشاف ٣ / ٧٧.

(١١) من قوله تعالى : «وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها» [هود : ١٠٨].

(١٢) انظر الكشاف ٣ / ٧٧ ، تفسير ابن عطية ١٠ / ٥١٣ ، البيان ٢ / ١٩٦ ، التبيان ٢ / ٩٧١ ، البحر المحيط ٦ / ٤٥٧.

(١٣) انظر منار الهدى في بيان الوقف والابتدا (٢٦٧) ، البحر المحيط ٦ / ٤٥٨.

٣٩٢

على ما في حيز «أن» وما بعد «أن» لا يتقدم عليها (١).

فصل

قال أكثر المفسرين : المراد ب «البيوت» ههنا : المساجد.

وقال عكرمة : هي البيوت كلها. والأول أولى ، لأن في البيوت ما لا يوصف بأن الله أذن أن ترفع، وأيضا فإن الله تعالى وصفها بالذكر والتسبيح والصلاة ، وذلك لا يليق إلا بالمساجد. ثم القائلون بأنها المساجد قال بعضهم : بأنها أربعة مساجد لم يبنها إلا نبي : الكعبة بناها إبراهيم وإسماعيل فجعلاها قبلة. وبيت المقدس بناه داود وسليمان ـ عليهما‌السلام (٢) ـ ومسجد المدينة بناه النبي ـ عليه‌السلام (٣) ـ ومسجد قباء أسس على التقوى بناه رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ قاله ابن بريدة. وعن الحسن أن ذلك بيت المقدس يسرج فيه عشرة آلاف قنديل. وهذا تخصيص بغير دليل.

وقال ابن عباس : المراد جميع المساجد كما تقدم (٤).

قوله : «أن ترفع». قال مجاهد : تبنى (٥) كقوله : (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ)(٦) ، وهو مرويّ عن ابن عباس. وقال الحسن والزجاج (٧) : تعظّم وتطهّر عن الأنجاس ولغو الأفعال. وقيل : مجموع الأمرين (٨)(وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ).

قال ابن عباس : يتلى فيها كتابه. وقيل : عام في كل ذكر (٩)(يُسَبِّحُ لَهُ فِيها).

قرأ ابن عامر وأبو بكر بفتح الباء مبنيا للمفعول (١٠) ، والقائم مقام الفاعل أحد المجرورات الثّلاث(١١) ، والأولى منها بذلك الأوّل ، لاحتياج العامل إلى مرفوعه ، فالذي يليه أولى (١٢) ، و «رجال» على هذه القراءة مرفوع على أحد وجهين : إمّا بفعل مقدّر لتعذّر إسناد الفعل إليه ، وكأنّه جواب سؤال مقدّر ، كأنه قيل : «من يسبّحه»؟ فقيل : «يسبّحه رجال» (١٣) ، وعليه في أحد الوجهين قول الشاعر :

٣٨٣٥ ـ ليبك يزيد ضارع لخصومة

ومختبط ممّا تطيح الطّوائح (١٤)

__________________

(١) انظر التبيان ٢ / ٩٧١.

(٢) في ب : عليهما الصلاة والسلام.

(٣) في ب : صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(٤) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٣.

(٥) في ب : يعني. وهو تحريف.

(٦) [البقرة : ١٢٧].

(٧) معاني القرآن وإعرابه ٤ / ٤٥.

(٨) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٣.

(٩) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٤.

(١٠) السبعة (٤٥٦) ، الحجة لابن خالويه (٢٦٢) ، الكشف ٢ / ١٣٩ ، النشر ٢ / ٣٣٢ الإتحاف (٣٢٥).

(١١) انظر الكشاف ٣ / ٧٨ ، التبيان ٢ / ٩٧١ ، البحر المحيط ٦ / ٤٥٨.

(١٢) انظر البحر المحيط ٦ / ٤٥٨.

(١٣) انظر تفسير ابن عطية ١٠ / ٥١٥ ، البيان ٢ / ١٩٦ ، التبيان ٢ / ٩٧١ ، البحر المحيط ٦ / ٤٥٨.

(١٤) البيت من بحر الطويل ، قاله نهشل بن حري كما في الخزانة ، ونسب أيضا إلى لبيد ، والحارث بن ضرار النهشلي. وقد تقدم.

٣٩٣

كأنه قيل : من يبكيه؟ فقيل : يبكيه ضارع ، إلّا أنّ في اقتباس هذا خلافا : منهم من (جوّزه وقاس) (١) عليه : «ضربت هند زيد» أي : ضربها زيد. ومنهم من منعه (٢).

والوجه الثاني في البيت أن «يزيد» منادى حذف منه حرف النّداء ، أي : ما يزيد وهو ضعيف جدا.

الثاني : أن «رجال» خبر مبتدأ محذوف ، أي : المسبّحة رجال (٣).

وعلى هذه القراءة يوقف على «الآصال» (٤). وباقي السبعة بكسر الباء مبنيا للفاعل (٥) ، والفاعل «رجال» فلا يوقف على «الآصال» (٦). وقرأ ابن وثّاب وأبو حيوة «تسبّح» بالتاء من فوق ، وكسر الباء (٧) ، لأن جمع التكسير يعامل معاملة المؤنث في بعض الأحكام ، وهذا منها (٨). وقرأ أبو جعفر كذلك إلّا أنه فتح (الباء) (٩)(١٠). وخرّجها الزمخشري على إسناد الفعل إلى (بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ) على زيادة الباء ، كقولهم : «صيد عليه يومان» (والمراد : وحشهما) (١١)(١٢). وخرّجها غيره (١٣) على أن القائم مقام الفاعل ضمير

__________________

(١) ما بين القوسين في ب : جوزواس. وهو تحريف.

(٢) أي أنه اختلف في القياس على ذلك ، فذهب الجمهور أنه لا ينقاس ، والمرفوع في الآية والبيت خبر مبتدأ محذوف والتقدير : المسبح له رجال ، والباكي ضارع.

وجوزه الجرمي ، وابن جني حيث لم يلتبس النائب بالفاعل فجوزا : أكل الطعام زيد ، وشرب الماء عمرو ، بالبناء للمفعول فيهما.

وعلى ذلك فلو قيل : يوعظ في المسجد رجال. لا يجوز رفع (رجال) بفعل محذوف لاحتماله المفعوليه والرفع بالنيابة عن الفاعل فيقع اللبس ، فيجب أن يكون مرفوعا على النيابة عن الفاعل بخلاف : يوعظ في المسجد رجال زيد. فإنه يجوز أن يجعل (زيد) فاعل فعل محذوف لعدم احتماله للمفعولية ، لأن الفعل المبني للمفعول رفع (رجال) على النيابة عن الفاعل ، ونائب الفاعل لا يكون إلا واحدا كالفاعل.

شرح التصريح ١ / ٢٧٤ ، الهمع ١ / ١٦٠.

(٣) التبيان ٢ / ٩٧١ ، البحر المحيط ٦ / ٤٥٨.

(٤) انظر منار الهدى في بيان الوقف والابتدا (٢٦٨).

(٥) السبعة (٤٥٦) الحجة لابن خالويه (٢٦٢) ، الكشف ٢ / ١٣٩ ، النشر ٣٣٢ الإتحاف (٣٣٥).

(٦) للفصل بين الفعل وفاعله. انظر منار الهدى في بيان الوقف والابتدا (٢٦٧).

(٧) المختصر (١٠٢) ، البحر المحيط ٦ / ٤٥٨.

(٨) أي أن جمع التكسير إذا كان فاعلا يجوز أن يؤنث له الفعل ، على تقدير الجماعة وهو تأنيث مجازي.

(٩) المختصر (١٠٢) ، البحر المحيط ٦ / ٤٥٨.

(١٠) ما بين القوسين في ب : التاء. وهو تحريف.

(١١) قال الزمخشري : (ووجهها أن يسند إلى أوقات الغدو والآصال على زيادة الباء وتجعل الأوقات مسبّحة والمراد ربها كصيد عليه يومان والمراد وحشهما) الكشاف ٣ / ٧٨.

(١٢) ما بين القوسين في ب : أي وحشها.

(١٣) وهو أبو حيان.

٣٩٤

التّسبيحة ، أي : تسبّح التّسبيحة على المجاز المسوّغ لإسناده إلى الوقتين ، كما خرجوا قراءة أبي جعفر أيضا : (لِيَجْزِيَ قَوْماً)(١) أي : «ليجزى الجزاء قوما» (٢) ، بل هذا أولى من آية الجاثية ، إذ ليس هنا مفعول صريح.

فصل

اختلفوا في هذا التسبيح. فالأكثرون حملوه على الصلاة المفروضة ، وهؤلاء منهم من حمله على صلاة الصبح والعصر ، فقال : كانتا واجبتين في بدء الحال ثم زيد فيهما (٣) ، وقال عليه‌السلام (٤) : «من صلى صلاة البردين دخل الجنة» (٥). وقيل : أراد الصلوات المفروضة ، فالتي تؤدى بالغداة صلاة الفجر ، والتي تؤدى بالآصال صلاة الظهر والعصر والعشاءين لأن اسم الأصيل يجمعهما (٦) ، و «الآصال» جمع أصيل ، وهو العشي.

وإنما وحد «الغدو» لأنه مصدر في الأصل لا يجمع ، و «الأصيل» اسم فجمع.

قال الزمخشري : «بالغدو ، أي بأوقات الغد ، أي بالغدوات» (٧).

وقيل : صلاة الضحى ، قال عليه‌السلام (٨) : «من مشى إلى صلاة مكتوبة وهو متطهّر ، فأجره كأجر الحاجّ المحرم ، ومن مشى إلى تسبيح الضحى لا ينصبه إلا إياه فأجره كأجر المعتمر ، وصلاة على إثر صلاة لا لغو بينهما كتاب في علّيّين» (٩). وقال ابن عباس : «إنّ صلاة الضحى لفي كتاب الله (مذكورة) (١٠) (وتلا هذه) (١١) الآية (١٢). وقيل : المراد منه تنزيه الله تعالى عما لا يليق به في ذاته وفعله ؛ لأنه قد عطف على ذلك الصلاة والزكاة فقال : (عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَإِقامِ الصَّلاةِ وَإِيتاءِ الزَّكاةِ)(١٣). وهذا الوجه أظهر (١٤).

وقرىء : «بالغدو والإيصال» (١٥) وهو الدخول في الأصل (١٦).

قوله : «لا تلهيهم» في محل رفع صفة ل (١٧) «رجال». (و) (١٨) خص الرجال

__________________

(١) [الجاثية : ١٤]. وهي بضم الياء وفتح الزاي مبنيّا للمفعول. النشر ٢ / ٣٧٢.

(٢) انظر البحر المحيط ٦ / ٤٥٨.

(٣) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٤.

(٤) في ب : عليه الصلاة السلام.

(٥) أخرجه البخاري (مواقيت الصلاة) ١ / ١٠٩ ، مسلم (مساجد) ١ / ٤٤٠ الدارمي (صلاة) ١ / ٣٣٢ ، أحمد ٤ / ٨٠.

(٦) انظر البغوي ٦ / ١٢٢.

(٧) الكشاف ٣ / ٧٨.

(٨) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(٩) أخرجه أبو داود (صلاة) ١ / ٣٧٨.

(١٠) مذكورة : تكلمة من الفخر الرازي.

(١١) في النسختين : وتوريهده. والصواب ما أثبته.

(١٢) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٤.

(١٣) من الآية (٣٧) من سورة نفسها.

(١٤) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٤.

(١٥) انظر تفسير ابن عطية ١٠ / ٥١٦ ، البحر المحيط ٦ / ٤٥٨.

(١٦) انظر الكشاف ٣ / ٨٧.

(١٧) ل : سقط من ب.

(١٨) و : تكملة ليست بالمخطوط.

٣٩٥

بالذكر في هذه المساجد ، لأنه ليس على النساء جمعة ولا جماعة في المسجد (١). «لا (٢) تلهيهم» : تشغلهم ، «تجارة» قيل : خص التجارة بالذكر ، لأنها أعظم ما يشتغل به الإنسان عن الصلاة والطاعات.

قال الحسن : أما والله إنهم كانوا يتجرون ، ولكن إذا جاءتهم فرائض الله لم يلههم عنها شيء ، فقاموا بالصلاة والزكاة (٣). فإن قيل : البيع داخل في التجارة ، فلم أعاد البيع؟ فالجواب من وجوه (٤) :

الأول : أن التجارة جنس يدخل تحته أنواع الشراء والبيع ، وإنما خص البيع بالذكر لأن الالتهاء به أعظم ، لكون (٥) الربح الحاصل من البيع معين ناجز ، والربح الحاصل من الشراء مشكوك مستقبل.

الثاني : أن البيع تبديل العرض بالنقدين (٦) ، والشراء بالعكس ، والرغبة في تبديل النقد أكثر من العكس.

الثالث : قال الفراء : التجارة لأهل الجلب ، يقال : تجر فلان في كذا : إذا جلبه من غير بلده ، والبيع ما باعه على يديه (٧).

الرابع : أراد بالتجارة الشراء وإن كان اسم التجارة يقع على البيع والشراء جميعا ، لأنه ذكر البيع بعده كقوله تعالى : (وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً)(٨) يعني : الشراء (٩).

قوله : (عَنْ ذِكْرِ اللهِ) عن حضور المساجد لإقامة الصلاة. فإن قيل : فما معنى قوله : «وإقام الصّلاة؟» فالجواب قال ابن عباس : المراد بإقامة الصلاة : إقامتها لمواقيتها ، لأن من أخر الصلاة عن وقتها لا يكون من مقيمي الصلاة.

ويجوز أن يكون قوله : «الصّلاة» تفسيرا لذكر الله ، فهم يذكرون قبل الصلاة (١٠).

قال الزجاج : وإنما حذفت الهاء ، لأنه يقال : أقمت الصلاة إقامة ، وكان الأصل : إقواما ، ولكن قلبت الواو ألفا ، فاجتمعت ألفان ، فحذفت إحداهما لالتقاء الساكنين فبقي : أقمت الصلاة إقاما ، فأدخلت الهاء عوضا من المحذوف ، وقامت الإضافة هاهنا في التعويض مقام الهاء المحذوفة ، وهذا إجماع من النحويين (١١).

__________________

(١) انظر القرطبي ١٢ / ٢٧٩.

(٢) لا : سقط من ب.

(٣) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٤.

(٤) في ب : وجهين. وهو تحريف.

(٥) في ب : لأن.

(٦) في ب : بالتعديل.

(٧) معاني القرآن ٢ / ٢٥٣.

(٨) [الجمعة : ١١].

(٩) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٤ ـ ٥.

(١٠) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٥.

(١١) معاني القرآن وإعرابه ٤ / ٤٦.

٣٩٦

فصل

المراد : الصلوات المفروضة لما روى سالم (١) (عن) (٢) ابن عمر أنه كان في السوق فأقيمت الصلاة ، فقام الناس وأغلقوا حوانيتهم ، فدخلوا المسجد ، فقال ابن عمر : فيهم نزلت هذه الآية : (رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَإِقامِ الصَّلاةِ)(٣).

وقوله : (وَإِيتاءِ الزَّكاةِ) يريد : المفروضة. قال ابن عباس : إذا حضر وقت أداء الزكاة لم يحبسوها (٤). وروي عن ابن عباس أيضا : المراد من الزكاة : طاعة الله والإخلاص. وهذا ضعيف لأنه تعالى علق الزكاة بالإيتاء (٥) ، وهذا لا يحتمل إلا ما يعطى من حقوق المال (٦). قوله : (يَخافُونَ يَوْماً) يجوز أن يكون نعتا ثانيا ل «رجال» ، وأن يكون حالا من مفعول «تلهيهم» (٧) و «يوما» مفعول به لا ظرف على الأظهر (٨) ، و «تتقلّب» صفة ل «يوما».

قوله : «تتقلّب فيه القلوب والأبصار» : تتقلب القلوب عما كانت عليه في الدنيا من الشرك والكفر وتنفتح الأبصار من الأغطية بعد أن كانت مطبوعة عليها لا تبصر ، وكلهم انقلبوا من الشك إلى اليقين ، كقوله : (وَبَدا لَهُمْ مِنَ اللهِ ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ)(٩) وقوله : (لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ)(١٠). وقيل : تتقلب القلوب تطمع في النجاة وتخشى الهلاك ، وتتقلب الأبصار من أي ناحية يؤخذ أمن (١١) ناحية اليمين أم (١٢) من ناحية الشمال؟ ومن أي ناحية يعطون كتابهم ، أمن قبل اليمين أم من قبل الشمال؟

والمعتزلة لا يرضون بهذا التأويل ، لأنهم قالوا : إن أهل الثواب لا خوف عليهم البتة ، وأهل العقاب لا يرجون العفو. وقيل : إن القلوب تزول من أماكنها فتبلغ الحناجر ، والأبصار تصير زرقا (١٣). وقيل : تقلب البصر : شخوصه من هول الأمر وشدته (١٤).

__________________

(١) هو سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب ، العدوي ، أبو عمر ، أحد الفقهاء السبعة ، وردت الرواية عنه في حروف القرآن. مات سنة ١٠٦ ه‍. طبقات القراء ١ / ٣٠١.

(٢) عن : سقط من الأصل.

(٣) انظر تفسير ابن عطية ١٠ / ٥١٦ ـ ٥١٧ ، الفخر الرازي ٢٤ / ٤.

(٤) انظر البغوي ٦ / ١٢٦.

(٥) في ب : علق الإيتاء بالزكاة.

(٦) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٥.

(٧) انظر التبيان ٢ / ٩٧١.

(٨) وذلك على حذف مضاف أي : يخافون حساب يوم ، فحذف المضاف ، وأقيم المضاف إليه مقامه ، لأن الزمان والمكان محلان للحدث ، ولا يقع الحدث عليهما.

(٩) [الزمر : ٤٧].

(١٠) [ق : ٢٢].

(١١) في النسختين : من.

(١٢) في ب : أو.

(١٣) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٥ ـ ٦.

(١٤) انظر البغوي ٦ / ١٢٦ ـ ١٢٧.

٣٩٧

(وقال الجبائي : تقلب القلوب والأبصار) (١) : تغير هيئاتها بسبب ما ينالها من العذاب. قال : ويجوز أن يريد به تقليبها على جمر (٢) جهنم كقوله : (وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ) (٣) (٤).

قوله : «ليجزيهم». يجوز تعلقه ب «يسبّح» أي : يسبّحون لأجل الجزاء (٥).

ويجوز تعلقه بمحذوف ، أي : فعلوا ذلك ليجزيهم (٦). وظاهر كلام الزمخشري أنه من باب الإعمال ، فإنه قال : والمعنى : يسبّحون ويخافون (ليجزيهم» (٧)) (٨). ويكون على إعمال الثاني للحذف (٩) من الأول (١٠). وقوله : (أَحْسَنَ ما عَمِلُوا) أي : ثواب أحسن (١١) ، أو أحسن جزاء ما عملوا ، و «ما» مصدرية (١٢) ، أو بمعنى الذي ، أو نكرة.

فصل

المراد بالأحسن : الحسنات أجمع ، وهي الطاعات فرضها ونفلها. قال مقاتل : إنما ذكر الأحسن لأنه لا يجازيهم على مساوىء أعمالهم ، بل يغفرها لهم.

وقيل : يجزيهم جزاء أحسن ما عملوا على الواحد عشر إلى سبعمائة (١٣). ثم قال : (وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ) أي : ما لم يستحقوه بأعمالهم. فإن قيل : هذا يدل على أن لفعل (١٤) الطاعة أثر في استحقاق الثواب ، لأنه تعالى ميز الجزاء عن الفضل ، وأنتم لا تقولون بذلك ، فإن عندكم العبد لا يستحق على ربه شيئا؟ قلنا : نحن نثبت الاستحقاق بالوعد ، فذلك (١٥) القدر هو الذي يستحق ، والزائد عليه هو الفضل (١٦). ثم قال : (وَاللهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ) وذلك تنبيه على كمال قدرته ، وكمال جوده ، وسعة إحسانه ، فكأنه تعالى لما وصفهم بالجد والاجتهاد في الطاعة ، وهم مع ذلك في نهاية الخوف ، فالحق سبحانه يعطيهم الثواب العظيم على طاعاتهم ويزيدهم الفضل الذي لا حد له في مقابلة خوفهم (١٧).

__________________

(١) ما بين القوسين سقط من ب.

(٢) في النسختين : جسر.

(٣) [الأنعام : ١١٠].

(٤) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٦.

(٥) انظر تفسير ابن عطية ١٠ / ٥١٩ ، التبيان ٢ / ٩٧١ ، البحر المحيط ٦ / ٤٥٩.

(٦) انظر تفسير ابن عطية ١٠ / ٥١٩ ، البحر المحيط ٦ / ٤٥٩.

(٧) الكشاف ٣ / ٧٨.

(٨) ما بين القوسين في ب : ليجزيهم الله أحسن ما عملوا.

(٩) في النسختين : المحذوف ، والصواب ما أثبته.

(١٠) هذا مذهب البصريين في أولى العاملين في التنازع وهو إعمال الثاني لقربه من العامل ، ومذهب الكوفيين إعمال الأول. انظر الإنصاف ١ / ٦٨٣.

(١١) أي على حذف مضاف. تفسير ابن عطية ١٠ / ٥١٩ ، والبحر المحيط ٦ / ٤٥٩.

(١٢) الكشاف ٣ / ٧٨.

(١٣) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٦.

(١٤) في ب : الفعل.

(١٥) في ب : بذلك.

(١٦) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٦.

(١٧) المرجع السابق.

٣٩٨

قوله تعالى : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً حَتَّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسابَهُ وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسابِ (٣٩) أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحابٌ ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ)(٤٠)

قوله تعالى : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ) الآية.

لما بيّن حال المؤمن أنه في الدنيا يكون في النور ، وبسببه يكون متمسكا بالعمل الصالح ، ثم بين أنه يكون في الآخرة فائزا بالنعيم المقيم والثواب العظيم ، أتبع ذلك ببيان أن الكافر يكون في الآخرة في أشد الخسران ، وفي الدنيا في أعظم أنواع الظلمات ، وضرب لكل واحد منهما مثلا ، أما المثل الدال على حسرته في الآخرة فقوله : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ)(١).

قال الأزهري : «السّراب : ما يتراءى للعين وقت الضحى في الفلوات شبيها بالماء الجاري وليس بماء ، ولكن الذي ينظر إليه من بعيد يظنه ماء جاريا ، يقال : سرب الماء يسرب سروبا : إذا جرى ، فهو سارب» (٢). وقيل : السّراب : ما يتراءى للإنسان في القفر في شدّة الحرّ ممّا يشبه الماء (٣). وقيل : ما يتكاثف من قعور القيعان (٤). قال الشاعر :

٣٨٣٦ ـ فلمّا كففت (٥) الحرب كانت عهودهم

كلمع سراب في الفلا متألّق (٦)

يضرب به المثل لمن يظنّ بشيء خيرا فيخلف (٧) ظنّه. وقيل : هو الشّعاع الذي يرى نصف النّهار في شدة الحرّ في البراري (٨) ، يخيّل للناظر أنه الماء السّارب ، أي : الجاري ، فإذا قرب منه لم ير شيئا (٩). والآل (١٠) : ما ارتفع من الأرض ، وهو شعاع يرى بين السماء والأرض بالغدوات شبه الملاة (١١) يرفع الشخوص ، يرى فيها الصغير كبيرا ، والقصير طويلا (١٢).

__________________

(١) في ب : بقيعة يحسبه الظمآن ماء. انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٦.

(٢) انظر تهذيب اللغة (سرب) ١٢ / ٤١٦.

(٣) الكشاف ٣ / ٧٨.

(٤) قال أبو حيان : (قال الكرماني : السراب بخار يرتفع من قعور القيعان ، فيكيف ، فإذا اتصل به ضوء الشمس أشبه الماء من بعيد فإذا دنا منه الإنسان لم يره كما كان يراه من بعيد). البحر المحيط ٦ / ٤٤٤.

(٥) في ب : كعفت.

(٦) البيت من بحر الطويل لم أقف على قائله ، وهو في الحماسة البصرية ١ / ٨٩ ، القرطبي ١٢ / ٢٨٢ ، البحر المحيط ٦ / ٤٤٤.

(٧) في ب : خير يحلف. وهو تحريف.

(٨) في ب : التواري. وهو تحريف.

(٩) انظر اللسان (سرب) ، البحر المحيط ٦ / ٤٤٤.

(١٠) في ب : الأول. وهو تحريف.

(١١) الملاة : فلاة ذات حرّ ، والجمع ملا. اللسان (ملا).

(١٢) اللسان (أول).

٣٩٩

والرّقراق : يكون بالعشايا. وهو ما ترقرق من السراب ، أي : جاء وذهب (١).

قوله : «بقيعة» فيه وجهان :

أحدهما : أنه متعلّق بمحذوف على أنه صفة ل «سراب» (٢).

والثاني : أنه ظرف ، والعامل فيه الاستقرار العامل في كاف التشبيه (٣).

والقيعة : بمعنى القاع ، قاله الزمخشري ، وهو المنبسط من الأرض (٤) ، وتقدم في «طه» (٥).

وقيل : بل هي جمعه ك «جار وجيرة» قاله الفراء (٦). وقرأ مسلمة بن محارب (٧) بتاء (ممطوطة(٨)) (٩) ، وروي عنه بتاء شكل الهاء ، ويقف عليها بالهاء (١٠) ، وفيها أوجه :

أحدها : أن يكون بمعنى «قيعة» كالعامة ، وإنّما أشبع الفتحة فتولّد منها ألف كقوله : مخرنبق لينباع (١١). قاله صاحب اللوامح (١٢).

والثاني : أنه جمع : «قيعة» وإنّما وقف عليها بالهاء ذهابا به مذهب لغة طيىء في قولهم : «الإخوه والأخواه» و «دفن البناه من المكرماه» (١٣) أي : والأخوات ، والبنات ، والمكرمات (١٤). وهذه القراءة تؤيد أن «قيعة» جمع قاع.

__________________

(١) اللسان (رقق). وانظر تفسير البغوي ٦ / ٩٧١.

(٢) انظر البيان ٢ / ١٩٧ ، والتبيان ٢ / ٩٧١.

(٣) انظر التبيان ٢ / ٩٧١.

(٤) الكشاف ٣ / ٧٨.

(٥) عند الحديث عن قوله تعالى : «فَيَذَرُها قاعاً صَفْصَفا ً» [طه : ٦٠١].

(٦) قال الفراء : (القيعة جمع القاع واحدها قاع ، كما قالوا : جار وجيرة) معاني القرآن ٢ / ٢٥٤.

(٧) هو مسلمة بن عبد الله بن محارب أبو عبد الله الفهري البصري النحوي ، له اختيار في القراءة ، لا أعلم على من قرأ عليه شهاب بن شرنفة. طبقات القراء ٢ / ٢٩٨.

(٨) قال ابن خالويه :(«كسراب بقيعات» بالمجمع مسلمة بن محارب) المختصر (١٠٢).

وانظر أيضا المحتسب ٢ / ١١٣ ، البحر المحيط ٦ / ٤٦٠ والتاء الممطوطة هي ما تسمى بالتاء المفتوحة.

(٩) ما بين القوسين في ب : مربوطة. وهو تحريف.

(١٠) انظر البحر المحيط ٦ / ٤٦٠.

(١١) المخرنبق : المطرق الساكت الكاف. وقيل : هو المطرق المتربّص بالفرصة ، وقيل : هو الذي لا يجيب إذا كلم. وقوله : لينباع : أي ليثب. أمالي القالي ٢ / ٥١. وهو مثل يضرب به في الرجل يطيل الصمت حتى يحسب مغفلا ، وهو ذو نكراء. اللسان (خرنق).

وأتى بهذا المثل شاهدا على أنهم قد يشبعون الفتحة فيتولد بعدها ألف ، وقد جاء في اللسان (نبع) (ويقال : انباع الشجاع ينباع انبياعا إذا تحرك من الصف ماضيا ، فهذا ينفعل لا محالة لأجل ماضيه ومصدره). وعلى هذا فلا شاهد.

(١٢) سبقه إلى ذلك ابن جني. انظر المحتسب ٢ / ١١٣ ، والبحر المحيط ٦ / ٤٦٠.

(١٣) قال ابن عصفور : (وأبدلت من تاء التأنيث في الاسم في حال الإفراد في الوقف ، نحو طلحة وفاطمة.

وحكى قطرب عن طيىء أنهم يفعلون ذلك بالتاء من جمع المؤنث السالم فيقولون : كيف الإخوة والخواه ، وكيف البنون والبناه) الممتع ١ / ٤٠٢.

(١٤) انظر البحر المحيط ٦ / ٤٦٠.

٤٠٠