اللّباب في علوم الكتاب - ج ١٤

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي

اللّباب في علوم الكتاب - ج ١٤

المؤلف:

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي


المحقق: عادل أحمد عبد الموجود و علي محمّد معوّض
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-2298-3

الصفحات: ٥٩٢

سكنوها تخفيفا لحرف العلة. وقرأ ابن عامر في رواية «عورات» بفتح الواو (١).

ونقل ابن خالويه أنها قراءة ابن أبي إسحاق والأعمش ، وهي لغة هذيل بن مدركة (٢). قال الفراء(٣) : وأنشد في بعضهم :

٣٨٢٨ ـ أخو بيضات رائح متأوّب(٤)

رفيق بمسح المنكبين سبوح (٥)

وجعلها ابن مجاهد لحنا وخطأ ، يعني : من طريق الرواة ، وإلا فهي لغة ثانية (٦).

فصل (٧)

الظهور على الشيء يكون بمعنى العلم به ، كقوله (٨) تعالى : (إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ)(٩) أي : يشعروا بكم. ويكون بمعنى الغلبة عليه ، كقوله : (فَأَصْبَحُوا ظاهِرِينَ)(١٠).

فلهذا قال مجاهد وابن قتيبة : معناه : لم يطلعوا على عورات النساء ، ولم يعرفوا العورة من غيرها من الصغر (١١).

وقال الفراء (١٢) والزجاج (١٣) : لم يبلغوا أن يطيقوا إتيان النساء (١٤).

وقيل : لم يبلغوا حدّ الشهوة.

__________________

(١) في النسختين : بفتح العين ، والصواب ما أثبته ، لأنه لا خلاف في فتح العين ، وإنما الخلاف في فتح الواو ، إلا إذا كان يريد بفتح العين فتح عين الكلمة. تفسير ابن عطية ١٠ / ٤٩٣ ، والقراءة بالفتح على الأصل ، لأن فعلة يجمع على فعلات بفتح العين نحو قولك جفنة وجفنات ، وصحفة وصحفات ، فإذا كان نحو قولك لوزة وحوزة وعورة ، فالأكثر أن تسكن ، وكذلك قوله بيضات لثقل الحركة مع الواو والياء ومن العرب من يلزم الأصل والقياس في هذا فيقول جوزات وبيضات. وعلى هذا قرىء «عورات».

انظر معاني القرآن وإعرابه للزجاج ٤ / ٤٢.

(٢) المختصر (١٠٣).

(٣) لم أجد ما قاله الفراء في معاني القرآن للفراء وهو في البحر المحيط ٦ / ٤٤٩.

(٤) في ب : متأدب. وهو تحريف.

(٥) البيت من بحر الطويل قاله أحد الهذليين وهو في الخصائص ٣ / ١٨٤ ، المنصف ١ / ٣٤٣ ، ابن يعيش ٥ / ٣٠ ، اللسان (بيض) البحر المحيط ٦ / ٤٤٩ ، المقاصد النحوية ٤ / ٥١٧ ، التصريح ٢ / ٢٩٩ ، الهمع ١ / ٢٣ ، الأشموني ٤ / ١١٨ ، الخزانة ٨ / ١٠٢ ، شرح شواهد الشافية ٤ / ١٣٢ ، الدرر ٦١.

(٦) قال ابن خالويه : (وسمعت ابن مجاهد يقول هو لحن. فإن جعله لحنا وخطأ من قبل الرواية وإلا فله مذهب في العربية بنو تميم تقول : روضات وجوزات وعورات وسائر العرب بالإسكان وهو الاختيار ، لئلا تنقلب الواو ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها) المختصر (١٠٣).

(٧) ما بين القوسين بياض في الأصل.

(٨) في ب : لقوله.

(٩) [الكهف : ٢٠].

(١٠) [الصف : ١٤].

(١١) انظر تفسير غريب القرآن (٣٠٤).

(١٢) معاني القرآن ٢ / ٢٥٠.

(١٣) معاني القرآن وإعرابه ٤ / ٤٢.

(١٤) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٢١٠.

٣٦١

فصل

فأما المراهق فيلزم المرأة أن تستر منه ما بين سرتها وركبتها ، وفي لزوم ستر ما عداه وجهان :

الأول : لا يلزم ، لأن القلم غير جار عليه.

والثاني : يلزم كالرجل ، لأنه مشتهى ، والمرأة قد تشتهيه ، واسم الطفل شامل له إلى أن يحتلم (١) وأما الشيخ فإن بقيت له شهوة فهو كالشاب ، وإن لم تبق له شهوة ففيه وجهان :

أحدهما : أن الزينة الباطنة معه مباحة ، والعورة معه (٢) ما بين السرة والركبة.

والثاني : أن جميع البدن معه عورة إلا الزينة الظاهرة.

وههنا آخر الصور التي استثناها الله تعالى ، (والرضاع كالنسب) (٣)(٤).

قوله : (وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ ما يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ).

قال ابن عباس وقتادة : كانت المرأة تمر بالناس وتضرب برجليها ليسمع (٥) قعقعة خلخالها ، فنهين عن ذلك ؛ لأن الذي تغلب عليه شهوة النساء إذا سمع صوت الخلخال يصير ذلك داعية له زائدة إلى مشاهدتهن ، وعلل تعالى ذلك بقوله : (لِيُعْلَمَ ما يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ)(٦) وفي الآية فوائد :

الأولى : لما نهي عن استماع الصوت الدال على وجود الزينة ، فلأن يدل على المنع من إظهار الزينة أولى.

الثانية : أن المرأة منهية عن رفع صوتها بالكلام بحيث يسمع ذلك الأجانب ، إذ (٧) كان صوتها أقرب إلى الفتنة (من صوت خلخالها ، ولذلك كرهوا أذان النساء لأنه يحتاج فيه إلى رفع الصوت ، والمرأة منهية عنه.

الثالثة : تدل على تحريم النظر إلى وجهها بشهوة ، لأن ذلك أقرب إلى الفتنة) (٨)(٩).

قوله تعالى : (وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ). قال ابن عباس : توبوا (١٠) مما كنتم تفعلونه في الجاهلية لعلكم تسعدون في الدنيا والآخرة (١١). وقيل : توبوا من

__________________

(١) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٢١٠.

(٢) في النسختين : منه.

(٣) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٢١٠.

(٤) ما بين القوسين في ب : كالرضاع. وهو تحريف.

(٥) ليسمع : سقط من ب.

(٦) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٢١٠.

(٧) في ب : إذا.

(٨) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٢١١.

(٩) ما بين القوسين سقط من ب.

(١٠) في ب : عما.

(١١) انظر الكشاف ٣ / ٧٣ ، الفخر الرازي ٢٣ / ٢١١.

٣٦٢

التقصير الواقع منكم في أمره ونهيه. وقيل : راجعوا طاعة الله فيما أمركم ونهاكم من الآداب المذكورة في هذه السورة.

قوله : (أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ). العامة على فتح الهاء وإثبات ألف بعد الهاء ، وهي «ها» (١) التي للتنبيه. وقرأ ابن عامر هنا وفي الزخرف «يأيه (٢) الساحر» (٣) وفي الرحمن (أَيُّهَ الثَّقَلانِ)(٤) بضم الهاء وصلا ، فإذا وقف سكن (٥).

ووجهها (٦) : أنه لما حذفت الألف لالتقاء الساكنين استحقت الفتحة على حرف خفي ، فضمت الهاء (٧) إتباعا. وقد رسمت هذه المواضع الثلاثة دون ألف ، فوقف أبو عمرو والكسائي بألف والباقون بدونها اتباعا للرسم ، ولموافقة الخط للفظ (٨). وثبتت في غير هذه المواضع حملا لها على الأصل نحو : (يا أَيُّهَا النَّاسُ)(٩) ، (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا)(١٠) وبالجملة فالرسم سنة متبعة.

قوله تعالى : (وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ)(٣٢)

قوله تعالى (١١) : (وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ).

لما أمر تعالى بغض الأبصار وحفظ الفروج بيّن (١٢) بعده أن الذي أمر به إنما هو فيما لا يحل ، ثم ذكر بعد ذلك طريق (١٣) الحلّ فقال : (وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ)(١٤). الأيامى (١٥) : جمع أيّم ب(١٦) «زنة» : «فيعل» ، يقال منه : آم يئيم كباع يبيع ، قال الشاعر :

٣٨٢٩ ـ كلّ امرىء ستئيم من

ه العرس أو منها يئيم (١٧)

وقياس جمعه : أيائم ، كسيّد وسيائد. و «أيامى» فيه وجهان :

__________________

(١) في ب : الهاء.

(٢) في النسختين : يا أيها.

(٣) [الزخرف : ٤٩].

(٤) [الرحمن : ٣١].

(٥) السبعة (٤٥٥ ، ٥٨٦ ، ٥٨٧ ، ٦٤٠) ، الكشف ٢ / ١٣٦ ـ ١٣٧ ، الإتحاف (٣٢٤).

(٦) في ب : وتوجيهها.

(٧) في الأصل : إليها.

(٨) السبعة (٤٥٥ ، ٥٨٦ ، ٥٨٧ ، ٦٤٠) ، الكشف ٢ / ١٣٧ ، الإتحاف (٣٢٤).

(٩) من قوله تعالى : «يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ» [الحج : ١].

(١٠) من قوله تعالى : «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُباتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً» [النساء : ٧١].

(١١) تعالى : سقط من ب.

(١٢) في ب : وبين.

(١٣) في ب : بطريق.

(١٤) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٢١١.

(١٥) الأيامى : سقط من ب.

(١٦) ب : زيادة يتطلبها السياق.

(١٧) البيت من مجزوء الكامل قاله يزيد بن الحكم الثقفي ، وهو في اللسان (أيم) والبحر المحيط ٦ / ٤٤٣. عرس الرجل : امرأته ، وهو أيضا عرسها ، لأنهما اشتركا في الاسم لمواصلة كل واحد منهما صاحبه وإلفه إياه. يقول إن كل إنسان لا بد أن يفترق عن زوجته أو تفترق زوجته منه فيصير أحدهما أيما أي لا زوج له.

٣٦٣

أظهرهما من كلام سيبويه أنه جمع على «فعالى» غير مقلوب ، وكذلك «يتامى» (١).

وقيل : إن الأصل «أيايم» و «يتايم» و «يتيم» (فقلبا) (٢)(٣).

والأيّم : (من لا زوج له) (٤) ذكرا كان أو أنثى (٥). قال النضر بن شميل : الأيّم (٦) في كلام العرب : كل ذكر لا أنثى معه ، وكل أنثى لا ذكر معها. وهو قول ابن عباس في رواية الضحاك ، يقول : زوجوا أياماكم بعضكم من بعض (٧). وخصّه أبو بكر الخفّاف (٨) بمن فقدت زوجها ، فإطلاقه على البكر مجاز (٩). وقال الزمخشري : «تأيّما إذا لم يتزوجا بكرين كانا أو ثيّبين» ، وأنشد :

٣٨٣٠ ـ فإنّ تنكحي أنكح وإن تتأيّمي

وإن كنت أفتى منكم أتأيّم (١٠)

وعن رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : «اللهم إني أعوذ بك من العيمة والغيمة والأيمة والكرم والقرم» (١١). العيمة ـ بالمهملة : شدة شهوة اللبن (١٢). وبالمعجمة : شدة العطش (١٣). والأيمة : طول العزبة (١٤). والكرم : شدة شهوة الأكل (١٥) والقرم : شدة شهوة

__________________

(١) قال سيبويه في باب تكسيرك ما كان من الصفات عدد حروفه أربعة أخرى : (وقالوا : وج ووجيا كما قالوا زمن وزمنى ، فأجروا ذلك على المعنى كما قالوا : يتيم ويتامى ، وأيم وأيامى فأجروه مجرى وجاعى) الكتاب ٣ / ٦٥٠.

(٢) قال أبو عمرو بن العلاء والزمخشري : إن أصل (أيامى) (أيايم) على وزن فياعل ، ثم قدمت اللام على العين فصار (أيامى) ثم قلبت الكسرة فتحة فصار (أيامى) ، أي أن (أيامى) مقلوب (أيايم). وكذلك (يتامى) مقلوب (يتايم) عند الزمخشري. الكشاف ٣ / ٧٣ ، البحر المحيط ٦ / ٤٥١.

(٣) ما بين القوسين في ب : فقلبنا.

(٤) ما بين القوسين في ب : من الأزواج.

(٥) اللسان (أيم) ، البحر المحيط ٦ / ٤٥١.

(٦) في ب : لايم. وهو تحريف.

(٧) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٢١١.

(٨) هو أبو بكر بن يحيى بن عبد الله الجذامي المالقيّ النحويّ المعروف بالخفّاف ، قرأ النحو على الشلوبين ، وكان نحويا بارعا ، ورجلا صالحا مباركا ، صنف شرح سيبويه ، شرح إيضاح الفارسي ، شرح ابن جني وغير ذلك مات بالقاهرة سنة ٦٥٧ ه‍. بغية الوعاة ١ / ٤٧٣.

(٩) قال أبو حيان : (وفي شرح كتاب سيبويه لأبي بكر الخفاف الأيم التي لا زوج لها ، وأصله في التي كانت متزوجة ففقدت زوجها برزء طرأ عليها فهو من البلايا ، ثم قيل في البكر مجازا ، لأنها لا زوج لها. انتهى) البحر المحيط ٦ / ٤٥١.

(١٠) البيت من بحر الطويل لم أقف على قائله ، وهو في مجاز القرآن ٢ / ٦٥ ، الفخر الرازي ٢٣ / ٢١١ ، القرطبي ١٢ / ٢٤٠ ، اللسان (أيم) شرح شواهد الكشاف (١١٩). ورواية الشطر الثاني : يدا الدهر ما لم تنكحي أتأيم. آم الرجل ـ بالمد ـ والمرأة ، وتأيما إذا لم يتزوجا بكرين أو ثيبين ، يقول لمحبوبته إن تتزوجي أتزوج ، وإن لم تتزوجي لم أتزوج.

والشاهد فيه أن معنى قوله : (أتأيم) : أصير بلا زوج ، وقوله : (تتأيمي) تصيرين بلا زوج.

(١١) الكشاف ٣ / ٧٣ ، والحديث في كتابه الفائق ٣ / ٤٢ ـ ٤٣.

(١٢) اللسان (عيم).

(١٣) اللسان (غيم).

(١٤) في النسختين : العطش. والصواب ما أثبتناه. اللسان (أيم).

(١٥) اللسان (كزم).

٣٦٤

اللحم (١) و «منكم» حال. وكذا «من عبادكم».

فصل(٢)

قوله : «وأنكحوا» أمر ، وظاهر الأمر للوجوب ، فدلّ على أن الولي يجب عليه تزويج موليته ، (وإذا ثبت هذا وجب ألا يكون النكاح إلا بولي ، لأن كل ما وجب على الولي حكم بأنه لا يصح من المولية) (٣) ، ولأن المولية لو فعلت ذلك لفوّتت على الولي تمكنه من أداء هذا الواجب ، وأنه غير جائز ، ولم تطابق قوله عليه‌السلام (٤) : «إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوّجوه ، إلّا تفعلوا تكن فتنة في الأرض» (٥). قال أبو بكر الرازي : هذه الآية وإن اقتضت الإيجاب ، إلا أنه أجمع السلف على أنه لا يراد (٦) الإيجاب ، ويدل عليه أمور :

أحدها : أنه لو كان ذلك واجبا لنقل عن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وعن السلف مستفيضا ، لعموم الحاجة إليه ، فلما علمنا أن سائر الأعصار كانت فيهم أيامى من الرجال والنساء ولم ينكروا ذلك ، ثبت أنه لم يرد (٧) الإيجاب.

وثانيها : أجمعنا على أن الأيّم الثيّب لو أبت التزويج لم يكن للولي إجبارها عليه.

وثالثها : اتفاق الكل على أنه لا يجب على السيد تزويج أمته وعبده ، وهو معطوف على الأيامى ، فدل على أنه غير واجب في الجميع ، بل ندب في الجميع (٨).

ورابعها : أن اسم الأيامى يشمل الرجال والنساء ، وهو في الرجال ما أريد به الأولياء دون غيرهم ، كذلك في النساء.

والجواب : أن جميع ما ذكرته تخصيصات تطرقت إلى الآية ، والعام بعد التخصيص حجة ، فوجب (٩) إذا التمست المرأة (١٠) الأيم من الولي التزويج وجب ، وحينئذ ينتظم الكلام.

فصل

قال الشافعي : الآية تقتضي جواز تزويج البكر البالغة بدون رضاها ، لأن الآية والحديث يدلّان على أمر الولي بتزويجها. ولو لا قيام (١١) الدلالة على أنه تزوج الثيب الكبيرة بغير رضاها لكان جائزا له تزويجها أيضا لعموم الآية (١٢).

__________________

(١) اللسان (قرم) ، شرح ابن عادل للحديث مأخوذ من شرح الزمخشري في الفائق ٣ / ٤٢ ـ ٤٣.

(٢) هذا الفصل نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٣ / ٢١٢.

(٣) ما بين القوسين سقط من ب.

(٤) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(٥) أخرجه ابن ماجة (نكاح) ١ / ٦٣٣ ، الترمذي (نكاح) ٢ / ٢٧٤.

(٦) في ب : لم يرد به.

(٧) يرد : سقط من ب.

(٨) في الجميع : سقط من ب.

(٩) في ب : يوجب.

(١٠) المرأة : سقط من ب.

(١١) في ب : أقام.

(١٢) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٢١٢.

٣٦٥

فصل

الناس في النكاح قسمان (١) :

الأول : من تتوق نفسه للنكاح ، فيستحب له أن ينكح إن وجد أهبته سواء كان مقبلا على العبادة أو لم يكن ، ولكن (٢) لا يجب ، وإن لم يجد أهبته يكسر شهوته بالصوم لقوله عليه‌السلام (٣) : «يا معشر الشّباب ، من استطاع منكم الباءة فليتزوّج ، فإنّه أغضّ للبصر وأحصن للفرج ، ومن لم يستطع فليصم فإنّه (٤) له وجاء» (٥).

الثاني : من لا تتوق نفسه للنكاح (٦) ، فإن كان لعلة من كبر أو مرض أو عجز فيكره له ، لأنه يلتزم ما لا يمكنه القيام به ، وكذلك إذا كان لا يقدر على النفقة.

وإن لم يكن به عجز وكان قادرا على القيام بحقه لم يكره له النكاح ، لكن الأفضل أن يتخلّى للعبادة ، لأن الله تعالى مدح يحيى بكونه (حَصُوراً)(٧) ، والحصور : الذي لا يأتي النساء مع القدرة عليهنّ ، ولا يقال : هو الذي لا يأتي النساء مع العجز ؛ لأن مدح الإنسان بما يكون عيبا غير جائز ، وإذا كان مدحا في حق يحيى وجب أن يشرع في حقنا ، لقوله تعالى : (فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ)(٨) ، ولا يحمل الهدى على الأصول ، لأن التقليد فيها غير جائز ، فوجب حمله على الفروع. وقال عليه‌السلام (٩) : «اعلموا أن خير أعمالكم الصّلاة» (١٠) وقال عليه‌السلام (١١) : «أفضل أعمال أمّتي قراءة القرآن» (١٢). وقال أبو حنيفة : النكاح أفضل لقوله عليه‌السلام (١٣) : «أحبّ المباحات إلى الله النكاح» (١٤) لأن (١٥) النكاح يتضمن صون النفس عن الزنا ، فيكون دفعا للضرر عن النفس. والنافلة :

__________________

(١) وهو قول الشافعي ـ رحمه‌الله ـ انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٢١٣.

(٢) ولكن : سقط من ب.

(٣) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(٤) في ب : فإن الصوم.

(٥) أخرجه البخاري (صوم) ١ / ٣٢٦ ، (نكاح) ٣ / ٢٣٨ ، ومسلم (نكاح) ٢ / ١٠١٨ ـ ١٠١٩ ، أبو داود (نكاح) ٢ / ٥٣٨ ـ ٥٣٩ ، ابن ماجه (نكاح) ١ / ٥٩٢ ، النسائي (صيام) ٤ / ١٦٨ ـ ١٧١ ، الدارمي (نكاح) ٢ / ١٣٢ ، الترمذي (نكاح) ٢ / ٢٧٢ ـ ٢٧٣ ، أحمد ١ / ٣٧٨ ، ٤٢٤ ، ٤٢٥ ، ٤٣٢ ، ٤٤٧.

(٦) في ب : إلى النكاح.

(٧) من قوله تعالى : «وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ» [آل عمران : ٣٩].

(٨) من قوله تعالى : «أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ» [الأنعام : ٩٠].

(٩) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(١٠) أخرجه ابن ماجه (طهارة) ١ / ١٠١ ـ ١٠٢ ، الدارمي (وضوء) ١ / ١٦٨ الموطأ (طهارة) ١ / ٣٤ ، أحمد ٥ / ٢٧٧ ، ٢٨٠ ، ٢٨٢.

(١١) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(١٢) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٢١٣.

(١٣) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(١٤) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٣١٣.

(١٥) في ب : ولأن.

٣٦٦

جلب نفع. ودفع الضرر أولى من جلب النفع. وأجيب بأن يحمل الأحب على الأصلح في الدنيا ، لئلا يقع التناقض بين كونه أحبّ وبين كونه مباحا. والمباح : ما يستوي طرفاه في الثواب والعقاب.

والمندوب : ما ترجّح وجوده على عدمه ، فتكون العبادة أفضل. وبقية المباحث مذكورة في كتب الفقه (١).

قوله : «منكم» أي : زوجوا أيها المؤمنون من لا زوج له من أحرار رجالكم ونسائكم.

وقيل : أراد الحرية والإسلام (٢).

وقوله : (وَالصَّالِحِينَ (٣) مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ) ظاهره يقتضي الأمر بتزويج هذين الفريقين إذا كانوا صالحين. وخصّ الصالحين بالذكر ليحصن دينهم ويحفظ عليهم صلاحهم ، ولأن الصالحين منهم هم الذين مواليهم يشفقون عليهم وينزلونهم (٤) منزلة الأولاد في المودّة ، فكانوا مظنة للتوصية والاهتمام بهم. ومن ليس بصالح فحاله على العكس من ذلك.

وقيل : أراد الصلاح لأمر النكاح حتى يقوم العبد بما يلزم لها ، وتقوم الأمة بما يلزم للزوج. وقيل : أراد بالصلاح ألا تكون صغيرة (٥) لا تحتاج إلى النكاح (٦).

فصل

ظاهر الآية يدل على أنّ العبد لا يتزوج بنفسه ، وإنما يتولى تزويجه مولاه ، لكن ثبت بالدليل أنه إذا أمره بأن يتزوج جاز أن يتولى تزويج نفسه ، فيكون توليه بإذنه بمنزلة تولي السيد. فأما (٧) الإماء فإنّ المولى يتولى تزويجهنّ خصوصا على قول من لا يجوّز (٨) النكاح إلا بوليّ (٩).

فصل

الولي شرط في صحة النكاح لقوله عليه‌السلام (١٠) : «لا نكاح إلّا بوليّ» (١١).

وقال عليه‌السلام (١٢) : «أيّما امرأة نكحت بغير إذن وليّها فنكاحها باطل» ثلاثا ، فإن

__________________

(١) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٢١٣ ـ ٢١٤.

(٢) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٢١٤.

(٣) في ب : الصالحين.

(٤) في النسختين : وينزلوهم. والصواب ما أثبته.

(٥) في ب : صغره.

(٦) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٢١٤ ـ ٢١٥.

(٧) في ب : وأما.

(٨) في الأصل : يزوج.

(٩) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٢١٥.

(١٠) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(١١) أخرجه أبو داود (نكاح) ٢ / ٥٦٨ ابن ماجه (نكاح) ١ / ٦٠٥ ، الدارمي ٢ / ١٣٧ ، الترمذي (نكاح) ٢ / ٢٨٠ ـ ٢٨١.

(١٢) في ب : عليه الصلاة والسلام.

٣٦٧

أصابها فلها المهر بما استحلّ من فرجها ، فإن اشتجروا فالسلطان (١) وليّ (من لا وليّ له) (٢)(٣). قوله : «إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله» الأصح (٤) أن هذا ليس وعدا بإغناء من يتزوج ، بل المعنى : لا تنظروا إلى فقر من يخطب إليكم ، أو فقر من تريدون تزويجها ، ففي فضل الله ما يغنيهم ، والمال غاد ورائح ، وليس في الفقر ما يمنع من الرغبة في النكاح ، فهذا معنى صحيح ، وليس فيه أن الكلام قصد به وعد الغنى حتى لا يجوز أن يقع فيه خلف (٥). وروي عن قدماء الصحابة ما يدلّ على أن ذلك وعد ، فروي عن أبي بكر قال : «أطيعوا الله فيما أمركم به من النكاح ينجز لكم ما وعدكم من الغنى». وعن عمر وابن عباس مثله. وشكى رجل إلى رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ الحاجة ، فقال : «عليك بالباءة» (٦) وقال طلحة بن مصرّف : تزوجوا فإنه أوسع لكم في رزقكم ، وأوسع في أخلاقكم (٧) ، ويزيد الله في (٨) مروءتكم. فإن قيل : فنحن نرى من كان غنيا فتزوج فيصير فقيرا؟ فالجواب من وجوه :

أحدها : أن هذا الوعد مشروط بالمشيئة في قوله : (وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شاءَ)(٩) والمطلق يحمل على المقيد.

وثانيها : أن اللفظ وإن كان عامّا إلا أنه يخصّ بعض (١٠) المذكورين دون البعض ، وهو في الأيامى الأحرار الذين يملكون فيستغنون (١١) بما يملكون.

وثالثها : المراد بالغنى : العفاف ، فيكون الغنى هنا معناه : الاستغناء بالنكاح عن الوقوع في الزنا(١٢).

فصل

استدل بعضهم بهذه الآية على أن العبد والأمة يملكان ، لأن ذلك راجع إلى كل من تقدم ، فاقتضى أن العبد قد يكون فقيرا وغنيا ، وذلك يدل على الملك ، فثبت أنهما يملكان. والمفسرون تأولوه على الأحرار خاصة ، فقالوا : هو راجع إلى الأيامى ، وإن فسرنا الغنى بالعفاف (١٣) سقط استدلالهم (١٤).

__________________

(١) في ب : فالشيطان. وهو تحريف.

(٢) أخرجه أبو داود (نكاح) ٢ / ٥٦٦ ـ ٥٦٧ ، الترمذي (نكاح) ٢ / ٢٨١ الدارمي (نكاح) ٢ / ١٣٧ ، أحمد ٦ / ١٦٦.

(٣) ما بين القوسين سقط من ب.

(٤) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٣ / ٢١٥.

(٥) في الأصل : خلاف.

(٦) انظر الكافي الشاف في تخريج أحاديث الكشاف (١١٩).

(٧) في النسختين : أحلامكم. وهو تصحيف.

(٨) في : سقط من ب.

(٩) [التوبة : ٢٨].

(١٠) في الأصل : ببعض.

(١١) في ب : فيسغنون. وهو تحريف.

(١٢) آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢٣ / ٢١٥.

(١٣) في ب : بالاستعفاف.

(١٤) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٢١٥.

٣٦٨

وقوله : (وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ) أي يوسع عليهم من إفضاله ، «عليم» بمقادير ما يصلحهم من الإفضال والرزق (١).

قوله تعالى : (وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً وَآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللهِ الَّذِي آتاكُمْ وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللهَ مِنْ بَعْدِ إِكْراهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ)(٣٣)

قوله (٢) : (وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكاحاً) الآية (٣).

لما ذكر تزويج الحرائر والإماء ذكر حال من يعجز عن ذلك فقال : (وَلْيَسْتَعْفِفِ) أي : وليجتهد في العفة ، كأن المستعفف طالب من نفسه العفاف.

وقوله : «لا يجدون نكاحا» أي : لا يتمكنون من الوصول إليه ، يقال : لا يجد المرء الشيء إذا لم يتمكن منه ، قال تعالى : (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ)(٤) ويقال : هو غير واجد للماء (٥) وإن كان موجودا ، إذا لم يمكنه أن يشتريه. ويجوز أن يراد بالنكاح : ما ينكح به من المال ، فبين تعالى أن من لا يتمكن من ذلك فليطلب التعفف ولينتظر أن يغنيه الله من فضله ثم يصل إلى بغيته من النكاح. فإن قيل : أفليس (٦) ملك اليمين يقوم مقام نفس النكاح؟

قلنا : لكن من لم يجد المهر والنفقة فبأن لا يجد ثمن الجارية أولى (٧).

قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتابَ ...) الآية» لما بعث السيد على تزويج الصالحين من العبيد والإماء مع الرق رغبهم في أن يكاتبوهم إذا طلبوا ذلك ليصيروا أحرارا فيتصرفون في أنفسهم كالأحرار ، فقال : (وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتابَ)(٨). يجوز في الذين الرفع على الابتداء ، والخبر الجملة المقترنة بالفاء لما (٩) تضمنه المبتدأ من معنى الشرط.

ويجوز نصبه بفعل مقدر على الاشتغال ، كقولك : «زيدا فاضربه» (١٠) وهو أرجح لمكان الأمر. والكتاب والكتابة كالعتاب والعتابة ، وفي اشتقاق لفظ الكتابة وجوه :

__________________

(١) المرجع السابق.

(٢) في ب : قوله تعالى.

(٣) الآية : سقط من الأصل.

(٤) [النساء : ٩٢] ، [المجادلة : ٤].

(٥) في الأصل : الماء.

(٦) في ب : فليس. وهو تحريف.

(٧) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٢١٦.

(٨) المرجع السابق.

(٩) لما : سقط من ب.

(١٠) انظر الكشاف ٣ / ٧٥ ، البحر المحيط ٦ / ٤٥١ ، وجوز ابن قتيبة وابن الأنباري الرفع على الابتداء والخبر محذوف تقديره : فيما يتلى عليكم الذين يبتغون الكتاب.

مشكل إعراب القرآن ٢ / ١٢١ ، البيان ٢ / ١٩٥.

٣٦٩

أحدها : أن أصل الكلمة من الكتب ، وهو الضم والجمع ، ومنه سميت الكتابة لأنها تضم النجوم(١) بعضها إلى بعض ، وتضم ماله إلى ماله.

وثانيها : مأخوذ من الكتاب (٢) ، ومعناه : كتبت لك على نفسي (أن تعتق إذا وفيت بمالي وكتبت لي على نفسي) (٣) أن تفي (٤) لي بذلك ، أو (٥) كتبت عليك الوفاء بالمال ، وكتبت عليّ العتق(٦) ، قاله الأزهري (٧).

وثالثها : سمي بذلك لما يقع فيه من التأجيل بالمال المعقود عليه ، لأنه لا يجوز أن يقع على مال هو في يد العبد حين يكاتب ، لأن ذلك مال لسيده اكتسبه في حال ما كانت يد السيد غير مقبوضة عن كسبه ، فلا يجوز لهذا المعنى أن يقع هذا العقد حالا ، بل يقع مؤجلا ، ليكون متمكنا من الاكتساب. ثم من آداب الشريعة أن يكتب على من عليه المال المؤجل كتاب ، فلهذا المعنى سمي هذا العقد كتابا لما فيه من الأجل ، قال تعالى : (لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ)(٨)(٩).

فصل

قال بعض العلماء : الكتابة أن يقول لمملوكه (١٠) : كاتبتك على كذا ، ويسمي مالا معلوما ، يؤديه في نجمين أو أكثر ، ويبين عدد النجوم ، وما يؤدي في كل نجم ، ويقول : إذا أديت ذلك المال فأنت حر ، أو (١١) ينوي ذلك بقلبه ، ويقول العبد : قبلت (١٢).

فإذا لم يقل بلسانه ، أو لم ينو بقلبه : إذا أديت ذلك فأنت حر ، لم يعتق (١٣).

وقال مالك وأبو حنيفة وأصحابه : لا حاجة إلى ذلك ، لأن قوله تعالى : (فَكاتِبُوهُمْ)(١٤) ليس فيه شرط ، فتصح الكتابة بدون (١٥) هذا الشرط ، وإذا صحت الكتابة وجب أن يعتق بالأداء للإجماع. واحتج الأولون (١٦) بأن الكتابة ليست عقد معاوضة

__________________

(١) النجم : الوقت المضروب ، وبه سمّي المنجم ، ونجمت المال إذا أديته نجوما ، تنجيم الدين : هو أن يقدر عطاؤه في أوقات معلومة متتابعة مشاهرة أو مساناة ، ومنه تنجيم المكاتب ونجوم الكتابة ، وأصله أن العرب كانت تجمل مطالع منازل القمر ومساقطها مواقيت حلول ديونها وغيرها ، فتقول : إذا طلع النجم حل عليك مالي ، فلما جاء الإسلام جعل الله تعالى الأهلة مواقيت لما يحتاجون إليه من معرفة أوقات الحج والصوم ومحل الديون. اللسان (نجم).

(٢) في ب : الكتابة.

(٣) ما بين القوسين سقط من ب.

(٤) في ب : بغي. وهو تحريف.

(٥) في ب : و.

(٦) في ب : بالعتق.

(٧) انظر التهذيب (كتب).

(٨) [الرعد : ٣٨].

(٩) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٢١٦ ـ ٢١٧.

(١٠) في ب : المملوكة. وهو تحريف.

(١١) في ب : و.

(١٢) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٣١٧.

(١٣) وهو قول الشافعي رحمه‌الله انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٢١٧.

(١٤) في ب : وكاتبوهم. وهو تحريف.

(١٥) في ب : دون.

(١٦) وهو الإمام الشافعي رحمه‌الله. انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٢١٧.

٣٧٠

محضة ، لأن ما في يد العبد ملك للسيّد ، والإنسان لا يبيع ملكه بملكه ، بل قوله : «كاتبتك» كناية في العتق ، فلا بد من لفظ التعليق أو نيته (١).

فصل

لا تجوز الكتابة (٢) الحالّة ، لأن العبد ليس له ملك يؤديه في الحال ، وإذا عقدت حالّة توجهت المطالبة عليه في الحال ، فإذا عجز عن الأداء لم يحصل العقد ، كما لو أسلم في شيء لا يوجد عند المحل لا يصح ، بخلاف ما لو أسلم إلى معسر فإنه يجوز لأنه يتصور أن يكون له ملك في الباطن ، فالعجز (٣) لا يتحقق. وقال أبو حنيفة : تجوز لقوله تعالى (فَكاتِبُوهُمْ) ، وهو مطلق يتناول الكتابة الحالة والمؤجلة. وأيضا فمال الكتابة بدل عن (٤) الرقبة ، فهو بمنزلة أثمان السلع المبيعة ، فتجوز حالة. وأيضا فأجمعوا على جواز العتق مطلقا على مال حال ، فالكتابة مثله لأنه بدل عن العتق في الحالين ، إلا أن في أحدهما العتق معلق على شرط العبادة وفي الآخر معجل ، فوجب أن لا يختلف حكمهما (٥).

فصل

لا تجوز الكتابة (٦) على أقل من نجمين ، لأنه يروى عن عليّ وعثمان وابن عمر ، روي أن عثمان غضب على عبده فقال : «لأضيقن عليك ، ولأكاتبنك (٧) على نجمين» ولو جاز على أقل من ذلك لكاتبه على الأقل ، لأن التضييق فيه أشد ، وإنما شرطنا التنجيم ، لأنه عقد إرفاق ، ومن شرط الإرفاق : التنجيم ليتيسر عليهم الأداء.

وقال أبو حنيفة : تجوز الكتابة على نجم واحد ، لأن ظاهر قوله : «كاتبوهم» ليس فيه تقييد(٨).

فصل

يشترط أن يكون المكاتب بالغا عاقلا. فإن كان صبيا أو مجنونا لم تصح كتابته (٩) لقوله تعالى : (وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتابَ) والابتغاء لا يتصور من الصبي والمجنون.

وقال أبو حنيفة : تجوز كتابة الصبي ، ويقبل عنه (المولى) (١٠)(١١).

فصل

ويشترط أن يكون السيد مكلفا مطلقا. فإن كان صبيا أو محجورا عليه لسفه لم

__________________

(١) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٢١٧.

(٢) عند الشافعي. انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٢١٧.

(٣) في ب : والعجز.

(٤) في ب : من.

(٥) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٢١٧.

(٦) عند الشافعي. انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٢١٧.

(٧) في ب : وإلا كاتبتك.

(٨) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٢١٧.

(٩) عند الإمام الشافعي.

(١٠) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٢١٧ ـ ٢١٨.

(١١) ما بين القوسين في ب : الولي.

٣٧١

تصح كتابته ، كما لا يصح بيعه ، لأن قوله : (فَكاتِبُوهُمْ) خطاب ، فلا يتناول غير المكلف.

وقال أبو حنيفة : تصحّ كتابة الصبيّ بإذن الوليّ (١).

فصل

اختلفوا في قوله تعالى : (فَكاتِبُوهُمْ) هل هو أمر إيجاب أو ندب؟ فقيل : أمر إيجاب ، فيجب على السيد أن يكاتب مملوكه إذا سأله ذلك بقيمته أو أكثر إذا علم فيه خيرا ، فإن سأله بدون قيمته لم يلزمه ، وهذا قول ابن دينار (٢) وعطاء ، وإليه ذهب داود بن عليّ (٣) ومحمد بن جرير لظاهر الآية ، وأيضا فلأن سبب نزولها إنما (٤) نزلت في غلام لحويطب (٥) بن عبد العزى يقال له : «صبيح» سأل مولاه أن يكاتبه ، فأبى عليه ، فنزلت الآية ، فكاتبه على مائة دينار ووهب (٦) له منها عشرين دينارا وروي أن عمر أمر أنسا بأن يكاتب سيرين (أبا محمد بن سيرين) فأبى ، فرفع عليه الدّرّة (٧) وضربه ، وقال : «فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا» وحلف عليه ليكاتبنه ، ولو لم يكن واجبا لكان ضربه بالدرة ظلما ، ولم ينكر عليه أحد من الصحابة ، فجرى ذلك مجرى الإجماع. وقال أكثر الفقهاء : إنه أمر استحباب ، وهو ظاهر قول ابن عباس والحسن والشعبي ، وإليه ذهب مالك وأبو حنيفة والشافعي والثوري وأحمد لقوله عليه‌السلام (٨) : «لا يحل مال امرىء مسلم إلا عن طيب نفس منه» (٩)(١٠). ولأنه لا فرق بين أن يطلب الكتابة أو يطلب بيعه ممن يعتقه في الكفارة ، فكما لا يجب ذلك فكذا الكتابة (١١) فإن قيل : كيف يصح أن يبيع ماله بماله؟

فالجواب : إذا ورد الشرع به جاز ، كما إذا علق عتقه على مال يكسبه فيؤديه أو يؤدى عنه صار سببا لعتقه (١٢).

فإن قيل : هل يستفيد العبد بعقد الكتابة ما لا يملكه لو لا الكتابة؟

فالجواب : نعم ، لأنه لو دفع إليه الزكاة قبل الكتابة لم يحل له أخذها ، وإذا صار

__________________

(١) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٢١٨.

(٢) هو عبد الله بن دينار العدوي ، أبو عبد الرحمن المدني مولى ابن عمر ، روى عن ابن عمر ، وأنس ، وسليمان بن يسار وغيرهم ، وروى عنه ابنه عبد الرحمن ، ومالك ، وسليمان بن بلال ، وغيرهم ، مات سنة ١٢٧ ه‍. تهذيب التهذيب ٥ / ٢٠١ ـ ٢٠٣.

(٣) تقدم.

(٤) في ب : أنها.

(٥) في ب : الحويطب.

(٦) في الأصل : وهب.

(٧) الدرّة : بالكسر التي يضرب بها عربية معروفة. اللسان (درر).

(٨) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(٩) منه : سقط من ب.

(١٠) أخرجه أحمد في مسنده ٥ / ٧٢.

(١١) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٢١٨.

(١٢) المرجع السابق.

٣٧٢

مكاتبا حل له أخذها سواء أدى فعتق ، أو عجز فعاد إلى الرق. واستفاد أيضا أن الكتابة تبعثه على الاجتهاد في الكسب ، ولولاها لم يكن ليفعل ذلك. ويستفيد المولى الثواب ، لأنه إذا باعه فلا ثواب ، وإذا كاتبه فالولاء له ، فورد الشرع بجواز الكتابة لهذه الفوائد (١).

قوله : «إن علمتم فيهم خيرا» قال عليه‌السلام (٢) : «إن علمتم لهم حرفة ، ولا تدعوهم كلّا على الناس» (٣). وقال ابن عمر : قوة على الكسب ، وهو قول مالك والثوري (٤).

قال عطاء والحسن ومجاهد والضحاك : الخير : المال ، لقوله تعالى : (إِنْ تَرَكَ خَيْراً)(٥) أي : مالا. قال عطاء : بلغني ذلك عن ابن عباس (٦). ويروى أن عبدا لسلمان الفارسي قال له : كاتبني. قال: لك مال؟ قال : لا. قال (٧) : تريد أن تطعمني أوساخ الناس ولم يكاتبه (٨). قال الزجاج : لو أراد به المال لقال : إن علمتم لهم خيرا (٩).

وأيضا فلأن العبد لا مال له ، بل المال لسيده (١٠). وقال إبراهيم النخعي وابن زيد وعبيدة : صدقا وأمانة (١١). وقال طاوس وعمرو بن دينار : مالا وأمانة (١٢).

وقال الحسن : صلاحا في الدين (١٣). قال الشافعي : وأظهر معاني الخير في العبيد : الاكتساب مع الأمانة ، وأجاب ألا يمتنع من الكتابة إذا كان هكذا (١٤) ، لأن مقصود الكتابة قلما يحصل إلا بهما ، فإنه ينبغي أن يكون كسوبا يحصل المال ، ويكون أمينا يصرفه في نجومه ولا يضيعه (١٥).

قوله : «وآتوهم من مال الله الّذي آتاكم». قيل : هذا خطاب للموالي ، يجب على المولى (١٦) أن يحط عن مكاتبه من مال الكتابة شيئا ، وهو قول عثمان وعليّ والزبير وجماعة ، وبه قال الشافعي وهؤلاء اختلفوا في قدره : فقيل : يحط عنه (١٧) ربع مال الكتابة ، وهو قول عليّ ، ورواه بعضهم عن عليّ مرفوعا. وعن ابن عباس : يحط الثلث. وقيل : ليس له (١٨) حد ، بل يختلف بكثرة المال وقلته ، وهو قول الشافعي ، لأن ابن عمر

__________________

(١) المرجع السابق.

(٢) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(٣) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٢١٨.

(٤) انظر البغوي ٦ / ١١٠.

(٥) من قوله تعالى : «كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ» [البقرة : ١٨٠].

(٦) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٢١٨ ـ ٧١٩.

(٧) قال : سقط من ب.

(٨) انظر البغوي ٦ / ١١٠ ، الكشاف ٣ / ٧٥.

(٩) لم أعثر على ما قاله الزجاج في معاني القرآن وإعرابه ، وهو في تفسير البغوي ٦ / ١١٠.

(١٠) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٢١٩.

(١١) انظر البغوي ٦ / ١١٠.

(١٢) المرجع السابق.

(١٣) المرجع السابق.

(١٤) المرجع السابق.

(١٥) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٢١٩.

(١٦) في ب : الولي.

(١٧) عنه : سقط من ب.

(١٨) له : سقط من الأصل.

٣٧٣

كاتب غلاما له على خمسة وثلاثين ألف درهم ، فوضع من آخر كتابته خمسة آلاف درهم.

وقيل : يحط عنه قدرا يحصل الاستغناء به. قال سعيد بن جبير : كان ابن عمر إذا كاتب مكاتبه لم يضع عنه شيئا من أول نجومه ، مخافة أن يعجز فيرجع إليه صدقته ، ووضع من آخر كتابته ما أحب (١). وكاتب عمر عبدا ، فجاءه بنجمه ، فقال : اذهب فاستغن على أداء مال الكتابة ، فقال المكاتب : لو تركته إلى آخر نجم فقال : إني أخاف ألا أدرك ذلك (٢).

وقيل (٣) : هو أمر استحباب ، لقوله عليه‌السلام (٤) : «المكاتب عبد ما بقي عليه درهم» (٥) وقولهعليه‌السلام (٦) : أيما عبد كاتب على مائة فأداها إلا عشرة فهو عبد (٧). ولو كان الحط واجبا سقط عنه بقدره ، وأيضا فلو كان الإيتاء واجبا لكان وجوبه معلقا بالعقد ، فيكون (٨) العقد موجبا له ومسقطا له ، وذلك محال لتنافي الإسقاط والإيجاب.

وأيضا فلو كان الحط واجبا لما احتاج أن يضع عنه ، بل كان يسقط القدر المستحق ، كمن له على إنسان دين ، ثم لذلك الآخر على الأول مثله فإنه يصير قابضا له. وأيضا فلو كان واجبا لكان قدر الإيتاء إما أن يكون معلوما أو مجهولا ، فإن كان معلوما وجب ألا تكون الكتابة بثلاثة أرباع المال على قول من يجعله الربع ، فيعتق إذا أدى ثلاثة آلاف إذا كان العقد على أربعة آلاف ، وذلك باطل ، لأن أداء جميعها شرط ، فلا يعتق بأداء البعض لقوله عليه‌السلام (٩) : «المكاتب عبد ما بقي عليه درهم» (١٠). وإن كان مجهولا صارت الكتابة مجهولة ، لأن الباقي بعد الحط مجهول ، فلا يصح ، كما لو كاتب عبده على ألف درهم إلا شيء (١١).

وقال قوم : المراد بقوله : «وآتوهم» أي سهمهم الذي جعله الله لهم من الصدقات المفروضات بقوله : (وَفِي الرِّقابِ)(١٢) وهو قول الحسن وزيد بن أسلم ، ورواية عطاء عن

__________________

(١) انظر البغوي ٦ / ١١٠ ـ ١١١.

(٢) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٢١٩.

(٣) وهو قول مالك وأبي حنيفة وأصحابه. انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٢٢٠.

(٤) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(٥) أخرجه أبو داود (عتاق) ٤ / ٢٤٢ ، وفي الترمذي (بيوع) ٣ / ٣٦٦ : هو قول أكثر أهل العلم ، وهو قول سفيان الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق ، وفي الموطأ (مكاتب) ٢ / ٧٨٧ ، أنه قول عبد الله بن عمر ، وعروة بن الزبير ، وسليمان بن يسار ، وابن ماجه (عتق) ٢ / ٨٤٢.

(٦) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(٧) أخرجه أبو داود (عتاق) ٤ / ٢٤٤ ، ابن ماجه (عتق) ٢ / ٤٨٢ ، الترمذي (بيوع) ٢ / ٣٦٦ ، أحمد ٢ / ١٧٨ ، ١٨٤ ، ٢٠٦ ، ٢٠٩.

(٨) في ب : ليكون.

(٩) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(١٠) سبق تخريجه آنفا.

(١١) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٢٢٠ ـ ٢٢١.

(١٢) [التوبة : ٦٠] وهي الآية التي بينت مصارف الزكاة.

٣٧٤

ابن عباس. وعلى هذا الخطاب لغير السادة ، لأنهم أجمعوا على أنه لا يجوز للسيد أن يدفع زكاته إلى مكاتبه (١). وقال الكلبي وعكرمة وإبراهيم : هو خطاب لجميع الناس ، وحث على معونة المكاتب ، لقوله عليه‌السلام : «من أعان مكاتبا في فك رقبته أطلقه الله في ظل عرشه» (٢)(٣).

فصل

إذا مات المكاتب قبل أداء النجوم. فقيل : يموت رقيقا ، وترتفع الكتابة سواء ترك مالا أو لم يترك ، كما لو تلف المبيع قبل القبض يرتفع البيع. وهو قول عمر وابن عمر وزيد بن ثابت ، وبه قال عمر بن عبد العزيز والزهري وقتادة ، وإليه ذهب الشافعي وأحمد (٤). وقيل : إن ترك وفاء لما بقي عليه من الكتابة كان حرا ، وإن كان فيه فضل فالزيادة (٥) لأولاده الأحرار ، وهو قول عطاء (٦) وطاوس والنخعي والحسن ، وبه قال مالك والثوري وأصحاب الرأي (٧).

فصل (٨)

ولو كاتب عبده كتابة فاسدة يعتق بأداء المال ، لأن عتقه معلق (٩) بالأداء ، وقد وجد ، ويتبعه الأولاد والأكساب كما في الكتابة الصحيحة. ويفترقان في بعض الأحكام ، وهي أن الكتابة الصحيحة لا يملك المولى فسخها ما لم يعجز المكاتب عن أداء النجوم ، ولا تبطل بموت المولى ، ويعتق بالإبراء من النجوم. والكتابة الفاسدة يملك المولى فسخها قبل أداء المال ، حتى لو أدى المال بعد الفسخ لا يعتق ، وتبطل بموت المولى ، ولا يعتق بالإبراء من النجوم. وإذا عتق المكاتب بأداء المال لا يثبت التراجع في الكتابة الصحيحة ويثبت في الكتابة الفاسدة ، فيرجع (١٠) المولى عليه بقيمة رقبته ، وهو يرجع على المولى بما دفع إليه إن كان مالا.

قوله تعالى : (وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ ...) الآية» لما بين ما يلزم من تزويج العبيد والإماء وكتابتهم أتبع ذلك بالمنع من إكراه الإماء (١١) على الفجور (١٢).

واعلم أن العرب تقول للمملوك : فتى ، وللمملوكة : فتاة ، قال تعالى : (فَلَمَّا جاوَزا قالَ لِفَتاهُ)(١٣) وقال : (تُراوِدُ فَتاها)(١٤) وقال : (فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ فَتَياتِكُمُ)(١٥).

__________________

(١) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٢١٩.

(٢) أخرجه أحمد في مسنده ٣ / ٤٨٧.

(٣) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٢١٩.

(٤) انظر البغوي ٦ / ١١١.

(٥) في ب : والزيادة.

(٦) عطاء : سقط من ب.

(٧) انظر البغوي ٦ / ١١١ ـ ١١٢.

(٨) هذا الفصل نقله ابن عادل عن البغوي ٦ / ١١٢.

(٩) في ب : يعلق.

(١٠) في ب : مرجع.

(١١) في ب : الماء. وهو تحريف.

(١٢) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٢٢١.

(١٣) [الكهف : ٦٢].

(١٤) [يوسف : ٣٠].

(١٥) [النساء : ٢٥].

٣٧٥

وقال عليه‌السلام (١) : «ليقل أحدكم : فتاي وفتاتي ، ولا يقل : عبدي وأمتي» (٢)(٣).

والبغاء : الزنا ، مصدر (٤) : بغت المرأة تبغي بغاء (٥) ، أي : زنت ، وهو مختص بزنا النساء (٦).

فصل

قال المفسرون : نزلت في عبد الله بن أبيّ المنافق ، كان له ست جوار (٧) معاذة ، ومسيكة ، وأميمة ، وعمرة ، وأروى ، وقتيلة ، يكرههن (٨) على البغاء ، وضرب عليهن ضرائب يأخذها ، وكذلك كانوا يفعلون في الجاهلية يؤاجرون (٩) إماءهم ، فلما جاء الإسلام قالت معاذة لمسيكة : إن هذا الأمر الذي نحن فيه لا يخلو من وجهين : فإن يكن خيرا فقد استكثرنا منه ، وإن كان شرا (١٠) فقد آن لنا أن ندعه فشكيا إلى رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فنزلت الآية (١١). وروي أنه جاءت إحدى الجاريتين يوما ببرد ، وجاءت الأخرى بدينار ، فقال لهما : «ارجعا فازنيا» فقالتا : «والله لا نفعل وقد جاء الإسلام وحرم الزنا» فأتيا رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وشكيا إليه ، فأنزل الله ـ عزوجل ـ هذه الآية (١٢). وروي أن عبد الله بن أبيّ أسر رجلا ، فأراد الأسير جارية عبد الله ، وكانت الجارية مسلمة ، فامتنعت الجارية لإسلامها ، فأكرهها سيدها على ذلك رجاء أن تحمل من الأسير فيطلب فداء ولده ، فنزلت الآية (١٣). وروى أبو صالح (١٤) عن ابن عباس قال : جاء عبد الله بن أبيّ إلى رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ومعه جارية من أجمل النساء تسمى : معاذة ، وقال : يا رسول الله ، هذه لأيتام فلان ، أفلا نأمرها بالزنا فيصيبون من منافعها. فقال عليه‌السلام (١٥) : لا. فأعاد الكلام ، فنزلت الآية (١٦).

__________________

(١) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(٢) أخرجه البخاري (عتق) ٢ / ٨٤ ، مسلم (ألفاظ) ٤ / ١٧٦٤ ـ ١٧٦٥ ، أبو داود (آداب) ٥ / ٢٥٦ ـ ٢٥٧ ، أحمد ٢ / ٣١٦ ، ٤٢٣ ، ٤٨٤ ، ٤٩١ ، ٥٠٨.

(٣) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٢٢١ ـ ٢٢٢.

(٤) مصدر : سقط من ب وفيه : و.

(٥) في ب : بغيا.

(٦) اللسان (بغا).

(٧) جوار : سقط من ب ، وفي الأصل : جواري.

(٨) في الأصل : يكرهن.

(٩) في ب : مواجرون.

(١٠) في ب : وإن يكن سرا.

(١١) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٢٢١.

(١٢) انظر البغوي ٦ / ١١٣ ، البحر المحيط ٦ / ٤٥٢. الدر المنثور ٥ / ٤٦٠.

(١٣) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٢٢١ ، تفسير ابن كثير ٣ / ٢٨٩.

(١٤) هو أبو صالح صاحب التفسير مولى أم هانىء بنت أبي طالب أخت علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ واسمه باذام ، ـ ويقال : باذان ـ كان لا يحسن أن يقرأ القرآن ، وكان الشعبي يراه فيقعد ، ويقول له تفسير القرآن ولا تحسن أن تقرأه نظرا. المعارف (٤٧٩).

(١٥) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(١٦) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٢٢١.

٣٧٦

فصل

الإكراه إنما يحصل بالتخويف بما يقتضي تلف النفس.

ومعنى قوله : (إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً) أي : إذ أردن ، وليس معناه الشرط ، لأنه لا يجوز إكراههن على الزنا إن لم يردن تحصنا ، كقوله عزوجل : (وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)(١) أي : إذ (٢) كنتم مؤمنين (٣). وقيل : إنما شرط إرادة التحصن ، لأن الإكراه إنما يكون عند إرادة التحصن ، فإن لم ترد التحصن بغت طوعا ، لأنه متى لم توجد إرادة التحصن لم تكن كارهة للزنا ، وكونها غير كارهة للزنا يمنع إكراهها ، فامتنع الإكراه لامتناعه في نفسه (٤). وقيل : هذا الشرط لا مفهوم له ، لأنه خرج مخرج الغالب ، لأن الغالب أن الإكراه لا يحصل إلا عند إرادة التحصن ، كما أن الخلع يجوز في غير حالة الشقاق ، ولكن (٥) لما كان الغالب وقوع الخلع في حالة الشقاق لا جرم لم يكن لقوله : (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ)(٦) (مفهوم) (٧) ومنه قوله تعالى : (وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ (٨) فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا)(٩) والقصر(١٠) لا يختص بحال الخوف ، ولكنه أخرجه على الغالب ، فكذا ههنا (١١). وقال بعض العلماء: في الآية تقديم وتأخير ، تقديره : وأنكحوا الأيامى منكم إن أردن تحصنا ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء(١٢) لتبتغوا عرض الحياة الدّنيا (١٣) ، أي : لتطلبوا من أموال الدنيا ، يريد : من كسبهن وبيع أولادهن. والتحصن : التعفف.

قوله : (وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللهَ مِنْ بَعْدِ إِكْراهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ). أي : غفور رحيم للمكرهات ، والوزر على المكره ، وكان الحسن إذا قرأ هذه الآية قال : (لهنّ والله) (١٤).

وقال ابن الخطيب : فيه وجهان :

أحدهما : غفورا (١٥) لهنّ ، لأنّ الإكراه (يزيل الإثم) (١٦) والعقوبة عن المكره فيما فعل.

__________________

(١) [آل عمران : ١٣٩].

(٢) في ب : إذ.

(٣) انظر البغوي ٦ / ١١٣.

(٤) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٢٢٢.

(٥) في ب : ويمكن.

(٦) [البقرة : ٢٢٩].

(٧) مفهوم : تكملة من الفخر الرازي.

(٨) في الأصل : في سبيل الله. وهو تحريف.

(٩) [النساء : ١٠١].

(١٠) في ب : فالقصر.

(١١) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٢٢٢.

(١٢) في الأصل : على البغاء إن أردن تحصنا.

(١٣) قال الزجاج : (والمعنى وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن أردن تحصنا ، ومعنى : «وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً» أي لا تكرهوهن على البغاء البتة ، وليس المعنى : لا تكرهوهن إن أردن تحصنا وإن لم يردن فليس لنا أن نكرههن) معاني القرآن وإعرابه ٤ / ٤٠.

(١٤) ما بين القوسين مكرر في الأصل.

(١٥) في ب : لغفور.

(١٦) ما بين القوسين سقط من ب.

٣٧٧

والثاني : (فإنّ الله غفور رحيم) (١) بالمكره بشرط التوبة. وهذا ضعيف لأنه يحتاج إلى الإضمار ، والأول لا يحتاج إليه (٢). وفي هذا نظر ، لأنه لا بد من ضمير يعود على اسم الشرط عند الجمهور كما تقدم تحقيقه (في البقرة) (٣)(٤).

قوله : (فَإِنَّ اللهَ) جملة وقعت جوابا للشرط ، والعائد على اسم الشرط محذوف ، تقديره : غفور لهم (٥). وقدره الزمخشري في أحد تقديراته (٦) وابن عطية (٧) وأبو البقاء (٨) : فإن الله غفور لهنّ ، أي : للمكرهات ، فعريت جملة الجزاء عن (٩) رابط يربطها باسم الشرط ، ولا يقال : إن الرابط هو الضمير المقدر الذي هو فاعل المصدر ؛ إذ التقدير : من بعد إكراههم (١٠) لهنّ ، فليكتف (١١) بهذا الرابط المقدر ، لأنهم لم يعدوا ذلك من الروابط ، تقول : هند عجبت من ضربها زيدا (١٢) فهذا جائز ، ولو قلت : هند عجبت من ضرب زيد : أي : من ضربها ، لم يجز ، لخلوها من الرابط وإن كان مقدرا(١٣). ولما

__________________

(١) ما بين القوسين في ب : غفور رحيم حسن.

(٢) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٢٢٢ ـ ٢٢٣.

(٣) عند قوله تعالى : «قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللهِ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ» [البقرة : ٩٧]. وذكر هناك ما ملخصه أنه لا يجوز أن يكون «فإنه نزله» جوابا للشرط ، لأنه لا بد في جملة الجزاء من ضمير يعود على اسم الشرط ، فلا يجوز من يقم فزيد منطلق ، ولا ضمير في قوله : «فإنه نزله» يعود على «من» فلا يكون جوابا للشرط. انظر اللباب ١ / ٢٢٢.

(٤) ما بين القوسين سقط من ب.

(٥) انظر البحر المحيط ٦ / ٤٥٣.

(٦) الكشاف ٣ / ٧٦.

(٧) انظر تفسير ابن عطية ١٠ / ٥٠٣.

(٨) التبيان ٢ / ٩٦٩.

(٩) في ب : على.

(١٠) في ب : إكراههنّ.

(١١) في ب : فليكبت. وهو تحريف.

(١٢) زيدا : سقط من الأصل.

(١٣) لأن الفاعل المحذوف لا يعد من الروابط ، أي أن الرابط إذا كان ضميرا وهو فاعل لم يجز حذفه ، ولذا قال بعضهم لا يجوز حذف الضمير (الرابط) إلا بخمسة شروط : أن لا يكون فاعلا ولا نائبا عنه ، ولا مؤديا إلى لبس نحو زيد ضربته في داره ، ولا إلى إخلال نحو زيد قام غلامه ، لأن حذفه يخل بالتعريف الذي استفاده الغلام منه ، ولا إلى التهيئة والقطع وذكر النحاة أن الخبر إذا كان جملة فإن كانت نفس المبتدأ في المعنى فلا تحتاج إلى رابط نحو أفضل ما قلته أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله. وإن لم تكن نفس المبتدأ في المعنى ، فلا بد من وجود رابط يربطها بالمبتدأ يعود من جملة الخبر عليه ، وهو أحد هذه الأشياء :

أ ـ الضمير نحو زيد أبوه قائم ، ويحذف عند أمن اللبس نحو السمن منوان بدرهم أي منه.

ب ـ اسم الإشارة نحو قوله تعالى (وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ) [الأعراف : ٢٦].

ج ـ تكرار المبتدأ بلفظه نحو قوله تعالى (الْحَاقَّةُ مَا الْحَاقَّةُ) [الحاقة : ١].

د ـ العموم نحو زيد نعم الرجل. وقول الشاعر : فأما القتال لا قتال لديكم.

ه ـ أو وقع بعدها جملة مشتملة على ضميره بشرط كونها إما معطوفة بالفاء نحو زيد مات عمرو فورثه ، وقوله :

وإنسان عيني يحسر الماء تارة

فيبدو وتارات يجمّ فيغرق ـ

٣٧٨

قدر الزمخشري «لهن» أورد سؤالا فقال : فإن قلت : لا حاجة إلى تعليق المغفرة بهن ، لأن المكرهة على الزنا بخلاف المكره (١) غير آثمة. قلت : لعلّ الإكراه غير ما اعتبرته الشريعة من إكراه بقتل (٢) ، أو بما يخاف منه التلف ، أو فوات عضو حتى يسلم من الإثم ، وربما قصرت عن الحد الذي تعذر فيه فتكون آثمة (٣).

قوله تعالى : (وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ آياتٍ مُبَيِّناتٍ وَمَثَلاً مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ)(٣٤)

قوله تعالى : (وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ آياتٍ مُبَيِّناتٍ) الآية.

لما ذكر الأحكام وصف القرآن بصفات ثلاث :

أحدها : قوله : (وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ آياتٍ مُبَيِّناتٍ) أي : مفصلات. وقرأ حمزة والكسائي وابن عامر : «مبيّنات» بكسر الياء (٤) ، أي : أنها تبين للناس الحلال والحرام ، كقوله تعالى : (بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ)(٥) وتقدم الكلام في «مبيّنات» كسرا وفتحا (٦).

وثانيها : قوله : (وَمَثَلاً مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ). قال الضحاك : «يريد بالمثل (٧) ما في التوراة والإنجيل من إقامة الحدود ، فأنزل في القرآن مثله» وقال مقاتل : «قوله : «ومثلا» أي : شبها من حالهم بحالكم في تكذيب الرسل» يعني : بينا لكم ما أحللنا بهم من العقاب لتمردهم على الله ، فجعلنا ذلك مثلا لكم ، وهذا تخويف لهم ، فقوله : «ومثلا» عطف على «آيات» أي : وأنزلنا مثلا من أمثال الذين من قبلكم (٨).

وثالثها : قوله : (وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ) أي : الوعيد والتحذير ، ولا شك أنه موعظة للكل ، وخصّ المتقين بالذكر لما تقدم في قوله : (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ)(٩)(١٠).

قوله تعالى : (اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا

__________________

ـ قال هشام : أو الواو نحو زيد ماتت هند وورثها. وإما شرطا مدلولا على جوابه بالخبر نحو زيد يقوم عمرو إن قام. الهمع ١ / ٩٦ ـ ٩٨ ، الأشموني ١ / ١٩٥ ـ ١٩٧.

(١) في ب : المكرهة. وهو تحريف.

(٢) في ب : يقبل. وهو تحريف.

(٣) الكشاف ٣ / ٧٦.

(٤) في ب : الراء. وهو تحريف.

وقرأ بفتح الياء نافع وابن كثير وأبو عمرو وأبو بكر وأبو جعفر ويعقوب.

السبعة ١ / ٢٢٩ ـ ٢٣٠ ، الكشف ١ / ٣٨٣ ، النشر ٢ / ٢٤٨ ـ الاتحاف ٣٢٤.

(٥) [الشعراء : ١٩٥].

(٦) عند قوله تعالى : «إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ» [النساء : ١٩].

(٧) في ب : المثل.

(٨) انظر البحر المحيط ٦ / ٤٥٣.

(٩) [البقرة : ٢].

(١٠) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٢٢٣.

٣٧٩

غَرْبِيَّةٍ يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ نُورٌ عَلى نُورٍ يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ وَيَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)(٣٥)

قوله تعالى : (اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) الآية. هذه جملة من مبتدأ وخبر ، إما على حذف مضاف ، أي : ذو نور السموات والمراد بالنور : عدله ، ويؤيد هذا قوله : «مثل نوره» (١) وأضاف (٢) النور لهذين الظرفين إما دلالة على سعة إشراقه ، وفشوّ إضاءته حتى تضيء له السموات والأرض ، وإمّا لإرادة (٣) أهل السموات والأرض ، وأنهم يستضيئون به (٤). ويجوز أن يبالغ في العبادة على سبيل المدح كقولهم : فلان شمس البلاد وقمرها (٥) قال النابغة :

٣٨٣١ ـ فإنّك شمس والملوك كواكب

إذا ظهرت لم يبد (٦) منهنّ كوكب (٧)

وقال (آخر) (٨) :

٣٨٣٢ ـ قمر القبائل خالد بن يزيد (٩)

ويجوز أن يكون المصدر واقعا اسم الفاعل (١٠) ، أي : منوّر السّموات. ويؤيد هذا الوجه قراءة أمير المؤمنين (١١) وزيد بن علي وأبي جعفر وعبد العزيز المكي : «نوّر» فعلا ماضيا ، وفاعله ضمير الباري تعالى ، «السموات» مفعوله ، وكسره نصب ، و «الأرض» بالنصب نسق عليه (١٢). وفسّره الحسن فقال : «الله منوّر السّموات» (١٣).

__________________

(١) انظر الكشاف ٣ / ٧٧ ، التبيان ٢ / ٩٦٩ ، البحر المحيط ٦ / ٤٥٥.

(٢) في ب : فأضاف.

(٣) في ب : الإرادة. وهو تحريف.

(٤) انظر الكشاف ٣ / ٧٧ ، البحر المحيط ٦ / ٤٥٥.

(٥) انظر البحر المحيط ٦ / ٤٥٥.

(٦) في ب : يبدو.

(٧) البيت من بحر الطويل ، قاله النابغة الذبياني يمدح النعمان بن المنذر ، وهو في ديوانه (٧٤) ، المصون (٢١) ، أسرار البلاغة (١٦٠) ، القرطبي ١٢ / ٢٥٦ والبحر المحيط ٦ / ٤٥٥ ، والبيت أتى به شاهدا على أن إسناد نور السموات والأرض إلى الله تعالى على سنن العرب في تعبيرهم وأن القصد من ذلك هو المبالغة.

(٨) ما بين القوسين سقط من الأصل.

(٩) عجز بيت من بحر الكامل وصدره :

هلا خصصت من البلاد بمقصد

وهو في القرطبي ١٢ / ٢٥٦ ، البحر المحيط ٦ / ٤٥٥ ، ولم يعز إلى قائل. والشاهد فيه كالشاهد في البيت السابق.

(١٠) انظر التبيان ٢ / ٩٦٩ ، البحر المحيط ٦ / ٤٥٥.

(١١) المراد به : علي بن أبي طالب كرم الله وجهه.

(١٢) المختصر (١٠١) ، البحر المحيط ٦ / ٤٥٥.

(١٣) انظر البحر المحيط ٦ / ٤٥٥.

٣٨٠