اللّباب في علوم الكتاب - ج ١٤

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي

اللّباب في علوم الكتاب - ج ١٤

المؤلف:

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي


المحقق: عادل أحمد عبد الموجود و علي محمّد معوّض
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-2298-3

الصفحات: ٥٩٢

قال مسروق (١) : دخلت على عائشة وعندها حسان بن ثابت ينشد شعرا يشبب بأبيات له وقال :

٣٨١٩ ـ حصان(٢)رزان ما تزنّ(٣)بريبة

وتصبح غرثى من لحوم (الغوافل (٤)) (٥)

فقالت له عائشة : «لكنك لست كذلك».

قال مسروق : فقلت لها : لم تأذنين له أن يدخل عليك وقد قال الله : (وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ)؟ قالت : «وأيّ عذاب أشد من العمى» (٦).

وروي أن عائشة ذكرت حسان وقالت : «أرجو له الجنّة». فقيل : أليس هو الذي تولى كبره؟ فقالت : «إذا سمعت شعره في مدح الرسول رجوت له الجنّة» (٧) وقال عليه‌السلام (٨) : «إنّ الله يؤيد حسان بروح القدس في شعره» (٩).

وروي أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أمر بالذين رموا عائشة فجلدوا الحد جميعا (١٠).

فصل

المراد من إضافة الكبر إليه أنه كان مبتدئا بذلك القول ، فلا جرم حصل له من العقاب ما حصل لكل من قال ذلك ، لقوله عليه‌السلام (١١) : «من سنّ سنّة سيئة فعليه (١٢) وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة» (١٣).

وقال أبو مسلم : «سبب تلك الإضافة شدة الرغبة في إشاعة تلك الفاحشة» (١٤).

__________________

(١) هو مسروق بن الأجدع بن مالك بن أمية الهمذاني الكوفي ، روى عن الخلفاء الأربعة وابن مسعود وغيرهم ، كان إماما في التفسير ، وثقة عند أهل الحديث ، وقد أخرج له الستة ، مات سنة ٦٣ ه‍.

المعارف (٤٣٢) ، التفسير والمفسرون ١ / ١١٩ ـ ١٢٠.

(٢) في الأصل : حسان. وهو تحريف.

(٣) في ب : يرون. وهو تحريف.

(٤) من الطويل ، وهو في ديوانه (٢٢٨) ، والإنصاف ٢ / ٧٥٩ ، القرطبي ١٢ / ٢٠٠ ، اللسان : (حصن ، زنن ، غرث) ، البحر المحيط ٦ / ٤٣٧.

(٥) ما بين القوسين في ب : الحوافل. وهو تحريف.

(٦) أخرجه الطبري ١٨ / ٧٠ ، وأورده ابن عطية في تفسيره ١٠ / ٤٥٤ ـ ٤٤٥ وابن كثير ٣ / ٢٧٢ ـ ٢٧٣.

والسيوطي في الدر ٥ / ٣٣.

(٧) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٧٥.

(٨) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(٩) أخرجه البخاري (صلاة) ١ / ٩٠ ، (بدء الخلق) ٢ / ٢١٢ ، ومسلم (فضائل الصحابة) ٤ / ١٩٣٢ ـ ١٩٣٦ النسائي (مساجد) ٢ / ٤٨ ، أحمد ٥ / ٢٢٢.

(١٠) انظر البغوي ٦ / ٧٩.

(١١) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(١٢) في الأصل : فله.

(١٣) أخرجه مسلم (زكاة) ٢ / ٧٠٥ ، (علم) ٤ / ٢٠٥٩ ـ ٢٠٦٠ ، النسائي (زكاة) ٥ / ٧٥ ـ ٧٧ الدارمي (مقدمة) ١ / ١٣٠ ، أحمد ٥ / ٣٨٧.

(١٤) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٧٥.

٣٢١

قوله تعالى : (لَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً وَقالُوا هذا إِفْكٌ مُبِينٌ)(١٢)

قوله تعالى : (لَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ) «لو لا» هذه تحضيضية ، أي : هلّا ، وذلك كثير في اللغة إذا كانت تلي الفعل كقوله : (لَوْ لا أَخَّرْتَنِي)(١) وقوله : (فَلَوْ لا (٢) كانَتْ)(٣).

فأما إذا ولي الاسم فليس كذلك كقوله : (لَوْ لا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ)(٤) ، (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ)(٥). و «إذ» منصوب ب «ظنّ» والتقدير : لو لا ظنّ المؤمنون بأنفسهم إذ سمعتموه. وفي هذا الكلام التفات. قال الزمخشري : فإن قلت : هلا قيل : لو لا إذ سمعتموه ، ظننتم بأنفسكم خيرا وقلتم ، ولم عدل عن الخطاب إلى الغيبة وعن الضمير إلى الظاهر؟ قلت : ليبالغ في التوبيخ بطريقة الالتفات ، وليصرح بلفظ الإيمان دلالة على أن الاشتراك فيه مقتض ألا يصدق (أحد قالة في أخيه ، وألا يظن بالمسلمين إلا خيرا) (٦).

وقوله (٧) : «ولم عدل عن الخطاب»؟ يعني في قوله : «وقالوا» فإنه كان الأصل : «وقلتم» ، فعدل عن هذا الخطاب إلى الغيبة في «وقالوا».

وقوله (٧) : «وعن الضمير» يعني أن الأصل كان «ظننتم» فعدل عن ضمير الخطاب إلى لفظ المؤمنين.

فصل

المعنى : هلّا (إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ) بإخوانهم «خيرا».

وقال الحسن : بأهل دينهم ، لأن المؤمنين كنفس واحدة ، كقوله : (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ)(٨)(فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ)(٩) المعنى : بأمثالكم المؤمنين.

وقيل : جعل المؤمنين كالنفس الواحدة فيما يجري عليها من الأمور ، فإذا جرى

__________________

(١) من قوله تعالى : «لَوْ لا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ» [المنافقون : ١٠].

(٢) في ب : فلو. وهو تحريف.

(٣) من قوله تعالى : «فَلَوْ لا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ» [يونس : ٩٨].

(٤) [سبأ : ٣١].

(٥) [النساء : ٨٣] ، [النور : ١٠ ، ١٤ ، ٢٠ ، ٢١]. وانظر ذلك في حروف المعاني للزجاجي (٣ ـ ٥) ، ومعاني الحروف للرماني (١٢٣ ـ ١٢٤) ، المغني (١ / ٢٧٢ ـ ٢٧٦).

(٦) ما بين القوسين فيه اختلاف في ألفاظ الكشاف. انظر الكشاف ٣ / ٦٥.

(٧) الضمير في : وقوله ، للزمخشري.

(٧) الضمير في : وقوله ، للزمخشري.

(٨) [النساء : ٢٩].

(٩) من قوله تعالى : «فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللهِ مُبارَكَةً طَيِّبَةً» [النور : ٦١].

وانظر البغوي ٦ / ٧٩ ـ ٨٠.

٣٢٢

على أحدهم مكروه فكأنه جرى على جميعهم ، كما قال عليه‌السلام (١) «مثل المسلمين في تواصلهم وتراحمهم كمثل الجسد إذا وجع بعضه وجع كله بالسّهر والحمّى» (٢) ، وقال عليه‌السلام (٣) : «المؤمنون كالبنيان يشدّ بعضه بعضا (٤)» (٥).

وقوله : (هذا إِفْكٌ مُبِينٌ) أي : كذب بين (٦).

قوله تعالى : (لَوْ لا جاؤُ عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَداءِ فَأُولئِكَ عِنْدَ اللهِ هُمُ الْكاذِبُونَ (١٣) وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِيما أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذابٌ عَظِيمٌ)(١٤)

قوله : «لو لا (٧) جاءوا» : هلّا جاءوا (عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ) أي : على ما زعموا ، يشهدون على معاينتهم ما رموها به (فَإِذْ (٨) لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَداءِ) ولم يقيموا بينة على ما قالوه (فَأُولئِكَ عِنْدَ اللهِ) أي : في حكمه (هُمُ الْكاذِبُونَ).

فإن قيل : كيف يصيرون عند الله كاذبين إذا لم يأتوا بالشهداء ومن كذب فهو عند الله كاذب سواء أتى بالشهداء أو لم يأت؟

فالجواب : معناه : كذبوهم بأمر الله.

وقيل : هذا (٩) في حق عائشة خاصة ، فإنهم كانوا عند الله كاذبين (١٠).

وقيل : المعنى : في حكم الكاذبين ، فإن الكاذب يجب زجره عن الكذب ، والقاذف إذا لم يأت بالشهود فإنه يجب زجره ، فلما (كان) شأنه (شأن) (١١) الكاذب في الزجر أطلق عليه أنه كاذب مجازا(١٢).

قوله : «فإذ لم يأتوا». «إذ» منصوب ب «الكاذبون» في قوله : (فَأُولئِكَ عِنْدَ اللهِ هُمُ الْكاذِبُونَ) ، وهذا كلام في قوة شرط وجزاء.

قوله : (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِيما أَفَضْتُمْ فِيهِ) من

__________________

(١) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(٢) أخرجه البخاري (أدب) ٣ / ٥٣ ، مسلم (بر) ٤ / ١٩٩٩ ـ ٢٠٠٠.

(٣) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(٤) أخرجه البخاري (صلاة) ١ / ٩٥ ، (مظالم) ٣ / ٦٧ ، (أدب) ٤ / ٥٥ ، مسلم (بر) ٤ / ١٩٩٩ الترمذي (بر) ٣ / ٢١٨ ، النسائي (زكاة) ٥ / ٧٩ ، أحمد ٤ / ٤٠٤ ، ٤٠٥ ، ٤٠٩.

(٥) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٧٨.

(٦) معاني القرآن وإعرابه للزجاج ٤ / ٣٦.

(٧) في الأصل : لو. وهو تحريف.

(٨) في ب : فإذا. وهو تحريف.

(٩) هذا : سقط من ب.

(١٠) انظر البغوي ٦ / ٨٠.

(١١) ما بين القوسين تكملة من الفخر الرازي.

(١٢) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٧٩.

٣٢٣

الإفك (عَذابٌ عَظِيمٌ.) (وهذا زجر) (١) و «لو لا» هاهنا لامتناع الشيء لوجود غيره (٢) ويقال: أفاض في الحديث : اندفع وخاض. والمعنى : ولو أني قضيت أن أتفضل (٣) عليكم في الدنيا بالنعم التي من جملتها الإمهال ، وأترحّم عليكم في الآخرة بالعفو ، لعاجلتكم بالعقاب على ما خضتم فيه من حديث الإفك.

وقيل : المعنى : ولو لا فضل الله عليكم لمسّكم العذاب في الدّنيا والآخرة معا ، فيكون فيه تقديم وتأخير (٤). وهذا الفضل هو حكم الله لمن تاب.

وقال ابن عباس : المراد بالعذاب العظيم أي : عذاب لا انقطاع له. أي : في الآخرة لأنه ذكر عذاب الدنيا من قبل (٥) فقال : (وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ)(٦) وقد أصابه ، فإنه جلد وحدّ (٧).

قوله تعالى : (إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْواهِكُمْ ما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللهِ عَظِيمٌ)(١٥)

قوله : (إِذْ تَلَقَّوْنَهُ). «إذ» منصوب ب «مسّكم» أو ب (أَفَضْتُمْ)(٨).

وقرأ العامة : «تلقّونه» (٩) والأصل : تتلقّونه ، فحذف إحدى التاءين ك «تنزل» (١٠) ونحوه ، ومعناه : يتلقّاه بعضكم من بعض.

قال الكلبي : وذلك أن الرجل منهم يلقى الرجل فيقول : بلغني كذا وكذا ، يتلقونه تلقيا (١١).

قال الزجاج : يلقيه بعضهم إلى بعض (١٢).

والبزّي (١٣) على أصله في أنه يشدّد التّاء وصلا (١٤) ، وتقدم تحقيقه في البقرة نحو (وَلا تَيَمَّمُوا)(١٥) وهو هناك سهل ، لأن ما قبله حرف لين بخلافه هنا (١٦).

__________________

(١) ما بين القوسين سقط من ب.

(٢) لأن (لو لا) إذا وليها جملة اسمية كانت لامتناع الشيء لوجود غيره.

(٣) في الأصل : الفضل.

(٤) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٨٠.

(٥) انظر البغوي ٦ / ٨٠.

(٦) من الآية (١١) من السورة نفسها.

(٧) انظر البغوي ٦ / ٨٠.

(٨) من الآية السابقة. انظر الكشاف ٣ / ٦٥ ، التبيان ٢ / ٩٦٧.

(٩) السبعة (٤٥٤).

(١٠) من قوله تعالى : «تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها» [القدر : ٤].

(١١) انظر البغوي ٦ / ٨١.

(١٢) معاني القرآن وإعرابه ٤ / ٣٨.

(١٣) هو أحمد بن محمد بن عبد الله بن نافع بن أبي بزّة المكّي ، مقرىء مكة ، ومؤذن المسجد الحرام ، أستاذ محقق ضابط ، مات سنة ٢٥٠ ه‍. طبقات القراء ١ / ١١٩ ـ ١٢٠.

(١٤) السبعة ٤٥٤ ، الكشف ١ / ٣١٤ ـ ٣١٥ ، الإتحاف ٣٢٣.

(١٥) من قوله تعالى : «وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ»[البقرة : ٢٦٧].

(١٦) فقيل التاء في البقرة ألف (لا) ، وهنا قبلها ذال (إذ).

٣٢٤

وأبو عمرو والكسائي وحمزة على أصولهم في إدغام الذال في التاء (١).

وقرأ أبيّ : «تتلقّونه» بتاءين (٢) ، وتقدم أنها الأصل. وقرأ ابن السميفع في رواية عنه : «تلقونه» بضم التاء وسكون اللام وضم القاف (٣) مضارع : ألقى إلقاء.

وقرأ هو في رواية أخرى : «تلقونه» بفتح التاء وسكون اللام وفتح القاف (٤) مضارع : لقي. وقرأ ابن عباس وعائشة وعيسى وابن يعمر وزيد بن علي بفتح التاء وكسر اللام وضم القاف (٥) من ولق الرجل : إذا كذب. قال ابن سيدة (٦) : جاءوا بالمتعدي شاهدا على غير المتعدي ، وعندي (٧) أنه أراد : تلقون فيه ، فحذف الحرف ، ووصل الفعل للضمير (٨) ، يعني (٩) : أنهم جاءوا ب «تلقّونه» وهو متعد مفسرا ب «تكذبون» وهو غير متعد ، ثم حمله على ما ذكر. وقال الطبري (١٠) وغيره (١١) : إن هذه اللفظة مأخوذة من الولق وهو الإسراع بالشيء بعد الشيء ، كعدو (١٢) في إثر عدو ، وكلام في إثر كلام ، يقال : ولق في سيره أي : أسرع ، وأنشد :

٣٨٢٠ ـ جاءت به عيس من الشّام تلق (١٣)

وقال أبو البقاء : أي : يسرعون فيه ، وأصله من «الولق» وهو الجنون (١٤).

وقرأ زيد بن أسلم وأبو جعفر : «تألقونه» بفتح التاء وهمزة ساكنة ولام مكسورة وقاف مضمومة(١٥) من «الألق» وهو الكذب (١٦). وقرأ يعقوب (١٧) : «تيلقونه» بكسر التاء من فوق ،

__________________

(١) السبعة (٤٥٣ ـ ٤٥٤) تفسير ابن عطية ١٠ / ٤٦١ ، الإتحاف (٣٢٣).

(٢) المختصر (١٠٠) ، تفسير ابن عطية ١٠ / ٤٦١.

(٣) المحتسب ٢ / ١٠٤ ، تفسير ابن عطية ١٠ / ٤٦١ ، البحر المحيط ٦ / ٤٣٨.

(٤) البحر المحيط ٦ / ٤٣٨.

(٥) «تلقونه». المختصر (١٠٠) ، المحتسب ٢ / ١٠٤ ، تفسير ابن عطية ١٠ / ٤٦١ ، البحر المحيط ٦ / ٤٣٨.

(٦) تقدم.

(٧) في ب : فصل وعند.

(٨) المحكم ٦ / ٣٥٠.

(٩) في ب : معنى.

(١٠) جامع البيان ١٨ / ٧٨.

(١١) منهم ابن جني انظر المحتسب ٢ / ١٠٤.

(١٢) في ب : لعدو.

(١٣) رجز قاله القلاخ بن حزن المنقري ، وهو في ملحقات ديوان الشماخ (٤٥٣) ومعاني القرآن للفراء ٢ / ١٠٤ ، المحتسب ٢ / ١٠٤ ، الخصائص ١ / ٩٠ ، ٣ / ٢٩١ ، المخصص ٣ / ٥٤ ، ٧ / ١٠٩ ، المحكم ٦ / ٣٥٠ ، تفسير ابن عطية ١٠ / ٤٦٢ ، ابن يعيش ٩ / ١٤٥ ، اللسان (أنق ، زلق ، ولق). العيس : الإبل البيض ، وروي : (عنس) وهي الناقة القوية. والشاهد فيه قوله : (تلق) فإنه بمعنى تسرع ، وهو لازم ، ويتعدى بحرف جر محذوف ، أي : تلق به.

(١٤) التبيان ٢ / ٩٦٧.

(١٥) المختصر (١٠٠) ، البحر المحيط ٦ / ٤٣٨.

(١٦) قال الفراء : (ويقال في الولق من الكذب : هو الألق والإلق ، وفعلت منه : ألقت ، وأنتم تألقونه) معاني القرآن ٢ / ٢٤٨.

(١٧) في رواية المازني.

٣٢٥

بعدها ياء ساكنة ولام مفتوحة وقاف مضمومة (١) ، وهو مضارع «ولق» بكسر اللام ، كما قالوا : «تيجل» مضارع «وجل». وقوله : «بأفواهكم» كقوله : (يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ)(٢) وقد تقدم.

فصل

اعلم أن الله تعالى وصفهم بارتكاب ثلاثة آثام ، وعلق مس العذاب العظيم بها.

أحدها : تلقي الإفك (٣) بألسنتهم ، وذلك أن الرجل كان يلقى الرجل يقول له : ما وراءك؟ فيحدثه بحديث الإفك حتى شاع واشتهر ، ولم يبق بيت ولا ناد إلا طار فيه. فكأنهم سعوا في إشاعة الفاحشة ، وذلك من العظائم (٤).

وثانيها : أنهم كانوا يتكلمون بما لا علم لهم به ، وذلك يدل على أنه لا يجوز الإخبار إلا مع العلم ، ونظيره : (وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ)(٥).

وثالثها : أنهم كانوا يستصغرون ذلك ، وهو عظيمة من العظائم (٦).

وتدل الآية على أن القذف من الكبائر لقوله : (وَهُوَ عِنْدَ اللهِ عَظِيمٌ) ، وتدل على أن الواجب على المكلف في كل محرم أن يستعظم الإقدام عليه.

ونبه بقوله : (وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً) على أن عمل المعصية لا يختلف بظن فاعله وحسبانه ، بل ربما كان ذلك مؤكدا لعظمه (٧).

فإن قيل : ما معنى قوله : «بأفواهكم» والقول لا يكون إلّا بالفم؟

فالجواب : معناه : أن الشيء المعلوم يكون علمه في القلب ، فيترجم عنه باللسان ، وهذا الإفك ليس إلا قولا يجري على ألسنتكم من غير أن يحصل في القلب علم به كقوله : (يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ (٨) ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ)(٩)» (١٠).

قوله تعالى : (وَلَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ ما يَكُونُ لَنا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهذا سُبْحانَكَ هذا بُهْتانٌ عَظِيمٌ)(١٦)

قوله : (وَلَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ) كقوله : (لَوْ لا (١١) إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ) ولكن الالتفات فيه قال الزمخشري : فإن قلت : كيف جاز الفصل بين (لو لا) و (قلتم) بالظرف؟ قلت :

__________________

(١) المختصر (١٠٠) ، البحر المحيط ٦ / ٤٣٨.

(٢) [آل عمران : ١٦٧]. وذلك أن (الأفواه) جمع (فم) وأصله : (فوه) فلامه هاء بدليل جمعه على أفواه ، وتصغيره على فويه ، واختلف في وزنه فعند الخليل وسيبويه (فعل) بفتح الفاء وسكون العين ، وعند الفراء (فعل) بضم الفاء ، حذفوا لامه تخفيفا فصار آخره حرف علة فأبدلوه ميما فصار فم. شرح الأشموني ٤ / ٧٢.

(٣) في ب : الأول. وهو تحريف.

(٤) في ب : القطاعة. وهو تحريف.

(٥) [الإسراء : ٣٦].

(٦) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٨٠.

(٧) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٨٠ ـ ١٨١.

(٨) في الأصل : بأفواههم. وهو تحريف.

(٩) [آل عمران : ١٦٧].

(١٠) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٨٠.

(١١) في النسختين : ولو لا. والصواب ما أثبته.

٣٢٦

للظروف شأن ليس لغيرها ، لأنها لا ينفك عنها ما يقع فيها ، فلذلك اتسع (١) فيها (٢).

قال أبو حيان : «وهذا يوهم اختصاص ذلك بالظروف ، وهو جائز في المفعول به ، تقول : لو لا زيدا ضربت ، ولو لا عمرا (٣) قتلت» (٤).

وقال الزمخشري أيضا : فإن قلت : أي فائدة في تقديم الظرف حتى أوقع فاصلا؟ قلت : الفائدة فيه : بيان أنه كان الواجب عليهم أن يحترزوا أول ما سمعوا بالإفك عن التكلم به ، فلما كان ذكر الوقت أهم وجب تقديمه. فإن قلت : ما معنى «يكون» والكلام (٥) بدون متلئب (٦) لو قيل : ما لنا أن نتكلم بهذا؟ قلت : معناه : ينبغي ويصح ، أي : ما ينبغي وما يصح كقوله : (ما يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ)(٧)(٨).

فصل (٩)

قوله : (وَلَوْ لا (١٠) إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ ما يَكُونُ لَنا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهذا سُبْحانَكَ) هذا اللفظ هنا معناه التعجب (هذا بُهْتانٌ عَظِيمٌ) أي : كذب عظيم يبهت ويتحير من عظمته.

روي أن أم أيوب (١١) قالت لأبي أيوب الأنصاري (١٢) : أما بلغك ما يقول الناس في عائشة؟ فقال أبو أيوب : «سبحانك هذا بهتان عظيم» فنزلت الآية على وفق قوله (١٣).

قوله تعالى : (يَعِظُكُمُ اللهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١٧) وَيُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)(١٨)

قوله تعالى : (يَعِظُكُمُ اللهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ ...)(١٤) الآية وهذا من باب الزواجر ،

__________________

(١) في النسختين : امتنع ، والصواب ما أثبته.

(٢) وقع تغيير في عبارة الزمخشري من قوله : (قلت : للظروف شأن) ، ونص العبارة : (قلت : للظروف شأن وهو تنزلها من الأشياء منزلة أنفسها لوقوعها فيها ، وأنها لا تنفك عنها ، فلذلك يتسع فيها ما لا يتسع في غيرها) الكشاف ٣ / ٦٦.

(٣) في ب : عمروا. وهو تحريف.

(٤) انظر البحر المحيط ٦ / ٤٣٨.

(٥) في ب : الكلام.

(٦) المتلئبّ : المستقيم. اللسان (تلأب).

(٧) في ب : «ما يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍّ». [المائدة : ١١٦].

(٨) الكشاف ٣ / ٦٦.

(٩) فصل : سقط من ب.

(١٠) في النسختين : لو لا. وهو تحريف.

(١١) هي أم أيوب الأنصارية الخزرجية ، زوج أبي أيوب ، وهي بنت مقيس بن سعد بن امرىء القيس ، روت عن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم. تهذيب التهذيب ١٢ / ٤٦٠.

(١٢) هو أبو أيوب الأنصاري خالد بن يزيد ، من أكابر الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ نزل رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ في بيته في المدينة يوم الهجرة إلى أن تم بناء مسجد له. كان من رواة الحديث ، قاتل في أكثر الغزوات ، مات سنة ٥٢ ه‍. المعارف ٢٧٤ ، المنجد ١٤.

(١٣) انظر جامع البيان ١٨ / ٧٧ ، أسباب النزول للواحدي (٢٤٠) والفخر الرازي ٢٣ / ١٨٧ ، تفسير ابن كثير ٣ / ٢٧٣ ، الدر المنثور ٥ / ٣٤.

(١٤) «لمثله» : سقط من ب.

٣٢٧

أي : يعظكم الله بهذه المواعظ التي بها تعرفون عظم هذا الذنب ، ولأن فيه الحد والنكال في الدنيا والعذاب في الآخرة ، لكي لا تعودوا إلى مثل هذا الفعل أبدا (١).

قوله : (أَنْ تَعُودُوا) فيه ثلاثة أوجه :

أحدها : أنه مفعول من أجله ، أي : يعظكم كراهة أن تعودوا (٢).

الثاني : أنه على حذف «في» أي : في أن تعودوا ، نحو (٣) : وعطف فلانا في كذا ، فتركه(٤).

الثالث : أنه ضمن معنى فعل (٥) يتعدى ب «عن» ثم حذفت ، أي : يزجركم بالوعظ عن العود (٦).

وعلى هذين القولين يجيء القولان في محل «أن» بعد نزع الخافض.

قال ابن عباس : «يحرم الله عليكم» (٧).

وقال مجاهد : «ينهاكم الله أن تعودوا لمثله أبدا إن كنتم مؤمنين ويبيّن الله لكم الآيات» في الأمر والنهي (وَاللهُ عَلِيمٌ) بأمر عائشة وصفوان «حكيم» (٨) ببراءتهما (٩).

واعلم أن العليم الحكيم هو الذي لا يأمر إلا بما ينبغي ، ولا يهمل جزاء المستحقين فلهذا ذكر هاتين الصفتين وخصهما بالذكر (١٠).

فصل

استدلت المعتزلة بقوله : (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) على أن ترك القذف من الإيمان ، لأن المعلق على الشرط يعدم عند عدم الشرط.

وأجيبوا بأن هذا معارض بقوله : (إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ)(١١) أي : منكم أيها المؤمنون ، فدل ذلك على أن القذف لا يوجب الخروج عن الإيمان ، وإذا ثبت التعارض حملنا هذه الآية على التهيج في الاتعاظ والانزجار (١٢).

فصل

قالت المعتزلة : دلت هذه الآية على أنه تعالى أراد من جميع من وعظه مجانبة ذلك في المستقبل وإن كان فيهم من لا يطيع ، فمن هذا الوجه يدل على أنه يريد منهم كلهم

__________________

(١) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٨٢.

(٢) انظر الكشاف ٣ / ٦٦ ، التبيان ٢ / ٩٦٧.

(٣) في ب : بحر. وهو تحريف.

(٤) انظر الكشاف ٣ / ٦٦.

(٥) فعل : كرر في الأصل.

(٦) انظر التبيان ٢ / ٩٦٧.

(٧) انظر البغوي ٦ / ٨٢.

(٨) في الأصل : حليم. وهو تحريف.

(٩) انظر البغوي ٦ / ٨٢.

(١٠) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٨٢.

(١١) من الآية (١١) من السورة نفسها.

(١٢) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٨٢.

٣٢٨

الطاعة وإن عصوا ، ولأن قوله : (يَعِظُكُمُ اللهُ أَنْ تَعُودُوا) ، أي : لكي لا تعودوا لمثله ، وذلك يدل على الإرادة ، وتقدم الجواب عنه (١) مرارا (٢).

فإن قيل : هل يجوز أن يسمى الله واعظا لقوله : (يَعِظُكُمُ اللهُ)؟ فالأظهر أنه لا يجوز ، كما لا يجوز أن يسمى الله معلما لقوله : (الرَّحْمنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ)(٣)» (٤).

قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ)(١٩)

قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ) الآية.

لمّا بين ما على الإفك وعلى من سمع منه وما ينبغي أن يتمسكوا به من آداب الدين أتبعه بقوله : (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ) ليعلم أن من أحب ذلك فقد شارك في هذا كما شارك فيه من فعله (٥).

والإشاعة : الانتشار ، يقال : في هذا العقار سهم شائع : إذا كان في الجميع ولم يكن منفصلا. وشاع الحديث : إذا ظهر في الجميع ولم يكن منفصلا. وشاع الحديث : إذا ظهر في العامة (٦). والمعنى : (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ) أن يظهر ويذيع الزنا (فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) يعني: عبد الله بن أبي وأصحابه المنافقين والعذاب في الدنيا : الحد. وفي الآخرة : النار.

وظاهر الآية يتناول كل من كان بهذه الصفة.

والآية إنما نزلت في قذفة عائشة إلا أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب (٧) ثم قال : (وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) وهذا حسن الموقع في هذا الموضع ، لأن محبة القلب كافية ونحن لا نعلمها إلا بالإبانة ، وأما الله ـ سبحانه ـ فإنه لا يخفى عليه ، وهذا نهاية في الزجر ، لأن من أحبّ إشاعة الفاحشة وإن بالغ في إخفاء تلك المحبة فهو يعلم أن الله يعلم ذلك منه ، ويعلم قدر الجزاء عليه(٨).

وهذه الآية تدل على أن العزم على الذنب العظيم ذنب ، وأن إرادة الفسق فسق ، لأنه تعالى علق الوعيد بمحبّة إشاعة الفاحشة.

فصل

قالت المعتزلة : إن الله بالغ في ذم من أحب إشاعة الفاحشة ، فلو كان تعالى هو

__________________

(١) في ب : فيه.

(٢) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٨٢.

(٣) [الرحمن : ١ ، ٢].

(٤) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٨٢.

(٥) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٨٣.

(٦) المرجع السابق.

(٧) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٨٤.

(٨) المرجع السابق.

٣٢٩

الخالق لأفعال العباد لما كان مشيع الفاحشة إلا هو ، فكان يجب ألا يستحق الذم على إشاعة الفاحشة إلا هو ، لأنه هو الذي فعل تلك الإشاعة ، وغيره لم يفعل شيئا ، وتقدم الكلام على (نظيره (١)) (٢).

قوله تعالى : (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللهَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (٢٠) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُواتِ الشَّيْطانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ما زَكى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلكِنَّ اللهَ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)(٢١)

قوله تعالى (٣) : (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللهَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) جواب «لو لا» (٤) محذوف ، أي : لعاجلكم بالعقوبة.

قال ابن عباس : يريد مسطحا وحسان وحمنة. ويجوز أن يكون الخطاب عاما.

وقيل : جوابه في قوله : «ما زكى منكم من أحد» (٥).

وقيل : جوابه : لكانت الفاحشة تشيع فتعظم المضرة ، وهو قول أبي مسلم. والأقرب أن جوابه محذوف ، لأن قوله من بعد : (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ما زَكى مِنْكُمْ)(٦) كالمنفصل من الأول ، فلا يكون جوابا للأول خصوصا (وقد) (٧) وقع (٨) بين الكلامين كلام آخر (٩).

قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ) الآية قرىء (١٠) «خطوات» بضم الطاء وسكونها (١١). والخطوات : جمع خطوة وهو من خطا الرجل يخطو خطوا (١٢) فإذا أردت الواحدة قلت : خطوة مفتوحة الأول ، والمراد بذلك : السيرة (١٣).

والمعنى : لا تتبعوا آثار الشيطان ولا تسلكوا مسالكه في إشاعة الفاحشة ، والله

__________________

(١) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٨٥.

(٢) ما بين القوسين في ب : ونظيره.

(٣) في ب : فصل.

(٤) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٣ / ١٨٥.

(٥) من الآية التي بعدها.

(٦) الآية التي بعدها.

(٧) وقد : تكملة من الفخر الرازي.

(٨) وقع : سقط من ب.

(٩) آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢٣ / ١٨٥.

(١٠) في ب : قرأ.

(١١) قرأ بضم الطاء ابن عامر والكسائي وحفص عن عاصم وابن كثير إلا أنه روى ابن فليح عن أصحابه عن ابن كثير «خطوات» خفيفة ، أي: ساكنة الطاء. وقرأ الباقون بإسكان الطاء تخفيفا. فمن قرأ بضم الطاء حمل ذلك على أصل الأسماء ، لأن الأسماء يلزمها في الجمع الضم وهي لغة أهل الحجاز ، ومن قرأ بإسكان الطاء تخفيفا ، لاجتماع ضمتين وواو ، لأنه جمع ، ولأنه مؤنث ، فاجتمع فيه ثقل الجمع وثقل التأنيث ، وثقل الضمتين والواو ، فحسن فيه التخفيف وقوي ، السبعة (١٧٤) ، الكشف ١ / ٢٧٣ ـ ٢٧٤ ، الإتحاف (٣٢٣).

(١٢) انظر اللسان (خطا).

(١٣) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٨٦.

٣٣٠

تعالى وإن خص بذلك المؤمنين ، فهو نهي لكل المكلفين ، لأن قوله : (وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُواتِ الشَّيْطانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ) منع لكل المكلفين من ذلك والفحشاء : ما أفرط قبحه. والمنكر (١) : ما تنكره النفوس ، فتنفر عنه ولا ترتضيه (٢).

قوله : «فإنه يأمر» في هذه الهاء ثلاثة أوجه :

أحدها : أنها ضمير الشأن ، وبه بدأ أبو البقاء (٣).

والثاني : أنها ضمير الشيطان.

وهذان الوجهان إنما يجوزان على رأي من لا يشترط (٤) عود الضمير (٥) على اسم الشرط من جملة الجزاء.

والثالث : أنه عائد على «من» الشرطية (٦).

قوله : «ما زكى». العامة على تخفيف الكاف ، يقال : زكا يزكو ، وفي ألفه الإمالة (٧) وعدمها. وقرأ الأعمش وابن محيصن وأبو جعفر بتشديدها (٨). وكتبت ألفه ياء ، وهو شاذ ، لأنه من ذوات الواو كغزا (٩) ، وإنما حمل على لغة من أمال ، أو (١٠) على كتابة المشدد (١١).

فعلى قراءة التخفيف يكون «من أحد» فاعلا. وعلى قراءة التشديد يكون مفعولا ، و «من» مزيدة على كلا التقديرين ، والفاعل هو الله تعالى.

فصل

قال مقاتل : ما زكا : ما صلح (١٢).

وقال ابن قتيبة : ما (ظهر (١٣)) (١٤).

وقيل : من بلغ في الطاعة لله مبلغ الرضا ، (يقال : زكا الزرع) (١٥) ، فإذا بلغ المؤمن

__________________

(١) في ب : والمنكرة.

(٢) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٨٦.

(٣) الذي قاله أبو البقاء في التبيان : (قوله تعالى : «فَإِنَّهُ يَأْمُرُ» الهاء ضمير الشيطان أو ضمير من) ٢ / ٩٦٧.

(٤) في ب : لا يرى.

(٥) في الأصل : ضمير.

(٦) انظر التبيان ٢ / ٩٦٧ ، البحر المحيط ٦ / ٤٣٩.

(٧) قال ابن جني (من ذلك قراءة أبي جعفر ، وشيبة ، وعيسى الهمداني ، وعيسى الثقفي ، ورويت عن عاصم ، والأعمش أيضا «ما زكا» بالإمالة. قال أبو الفتح : من الواو ، لقولهم فيه : زكوت تزكو فأميلت ألفه ، فإن كانت من الواو من حيث كان فعلا ، والأفعال أقعد في الاعتلال من الأسماء من حيث كانت كثيرة التصرف ، وله وضعت ، والإمالة ضرب من التصرف ولو كانت اسما لم تحسن إمالته حسنها في الفعل ، وذلك نحو العفا : ولد الحمار الوحشي ، والسّنا : الذي يأتي من مكة) المحتسب ٢ / ١٠٥.

(٨) قال ابن خالويه :(«ما زكى» بالإمالة شيبة والأعمش ، «ما زكى» بالتشديد والإمالة الحسن ، «ما زكى» بالفتح والتشديد الحسن وأبو حيوة) المختصر (١٠١) وانظر البحر المحيط ٦ / ٤٣٩.

(٩) في ب : لعزا. وهو تحريف.

(١٠) في ب : و. وهو تحريف.

(١١) انظر البحر المحيط ٦ / ٤٣٩.

(١٢) انظر البغوي ٦ / ٨٣.

(١٣) تفسير غريب القرآن (٣٠٢).

(١٤) ما بين القوسين في النسختين : ظهر. والصواب ما أثبته.

(١٥) ما بين القوسين سقط من ب.

٣٣١

في الصلاح في الدين ما يرضاه (تعالى) (١) سمي (٢) زكيا ، فلا يقال : زكى إلا إذا وجد زاكيا ، كما لا يقال لمن ترك الهدى : هداه الله مطلقا ، بل يقال : هداه الله فلم يهتد (٣). ودلت الآية على أن الله تعالى هو الخالق لأفعال العباد ، لأن التزكية كالتسويد والتحمير ، فكما أن التسويد يحصل السواد ، فكذا التزكية تحصل (٤) الزكاء في المحل (٥).

والمعتزلة حملوه هنا (٦) على فعل الإلطاف ، أو على الحكم بكون العبد زكيا ، وهو خلاف الظاهر ، ولأن الله تعالى قال : (وَلكِنَّ اللهَ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ) علق التزكية على الفضل والرحمة ، وخلق الإلطاف واجبا فلا يكون معلقا بالفضل والرحمة ، وأما (٧) الحكم بكونه زكيا فذلك واجب ، لأنه لو لا الحكم له لكان كذبا (و) (٨) الكذب على الله محال ، فكيف يجوز تعليقه بالمشيئة؟ (٩).

فصل

قال ابن عباس في رواية عطاء : هذا خطاب للذين خاضوا في الإفك ، ومعناه : ما ظهر من هذا الذنب ولا صلح أمره بعد الذي فعل (١٠) ، أي : ما قبل منكم توبة أحد أبدا ، (وَلكِنَّ اللهَ يُزَكِّي) يطهر (١١) «من يشاء» من الذنب بالرحمة والمغفرة (وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) أي : يسمع أقوالكم في القذف ، وأقوالكم في البراءة و «عليم» بما في قلوبهم من محبة إشاعة الفاحشة أو من كراهتها ، وإذا كان كذلك وجب الاحتراز عن معصيته (١٢).

قوله تعالى : (وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى وَالْمَساكِينَ وَالْمُهاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)(٢٢)

قوله تعالى : (وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ) الآية.

يجوز أن يكون «يأتل» : «يفتعل» ، من الألية ، وهي الحلف (١٣) ، كقوله :

٣٨٢١ ـ وآلت حلفة لم تحلّل (١٤)

__________________

(١) ما بين القوسين سقط من ب.

(٢) في ب : يقال. وهو تحريف.

(٣) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٨٦.

(٤) في ب : تحصيل.

(٥) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٨٦.

(٦) هنا : سقط من الأصل.

(٧) في ب : فأما.

(٨) و : سقط من الأصل.

(٩) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٨٦ ـ ١٨٧.

(١٠) انظر البغوي ٦ / ٨٣.

(١١) في ب : يظهر. وهو تصحيف.

(١٢) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٨٧.

(١٣) أي أن «يأتل» مضارع «ائتلى» من الألية وهو الحلف مجاز القرآن ٢ / ٦٥ ، التبيان ٢ / ١٦٨ ، البحر المحيط ٦ / ٤٤٠.

(١٤) جزء بيت من بحر الطويل قاله امرؤ القيس ، وهو من معلقته ، وتمامه :

ويوما على ظهر الكثيب تعذّرت

عليّ وآلت حلفة لم تحلّل

وهو في ديوانه (١٢) ، وشرح المعلقات السبع للزوزني (٩) ، السبع الطوال لابن الأنباري (٤٢) ، اللسان (حلل) ١ / ١٨٧ ، الدرر ١ / ١٦١.

٣٣٢

ونصر الزمخشري هذا بقراءة الحسن «ولا يتألّ» (١) من الأليّة ، كقوله : «من يتألّ على الله يكذّبه» (٢).

ويجوز أن يكون «يفتعل» من ألوت (٣) ، أي : قصّرت ، كقوله تعالى : (لا يَأْلُونَكُمْ خَبالاً)(٤) قال :

٣٨٢٢ ـ وما المرء ما دامت حشاشة نفسه

بمدرك أطراف الخطوب ولا آل (٥)

وقال أبو البقاء : وقرىء : «ولا يتألّ» على «يتفعل» (٦) وهو من الألية (٧) أيضا ، ومنه :

٣٨٢٣ ـ تألّى ابن أوس حلفة ليردّني

إلى نسوة كأنّهنّ مفائد (٨)

قوله : «أن يؤتوا» هو على إسقاط الجار ، وتقديره على القول الأول : ولا يأتل أولو الفضل على أن لا يحسنوا. وعلى الثاني : ولا يقصر أولو الفضل في أن يحسنوا (٩).

وقرأ أبو حيوة وأبو البرهسيم وابن قطيب (١٠) : «تؤتوا» بتاء الخطاب (١١) ، وهو التفات موافق لقوله : (أَلا تُحِبُّونَ). وقرأ الحسن وسفيان بن الحسين (١٢) «ولتعفوا ولتصفحوا» بالخطاب (١٣) وهو موافق لما بعده.

__________________

(١) الكشاف ٣ / ٦٧ ، وهي قراءة عباس بن عياش بن أبي ربيعة وأبي جعفر وزيد بن أسلم.

معاني القرآن للفراء ٢ / ٢٤٨ ، المختصر (١٠٢) ، المحتسب ٢ / ١٠٦.

(٢) أي من حكم عليه وحلف كقولك : والله ليدخلنّ الله فلانا الجنة ، وينجحنّ لمسعى فلان. والحديث في اللسان (ألا).

(٣) انظر مجاز القرآن ٢ / ٦٥.

(٤) [آل عمران : ١١٨].

(٥) من بحر الطويل قاله امرؤ القيس ، الحشاشة : روح القلب ورفق حياة النفس ، وكل بقية حشاشة.

والخطوب جمع خطب : وهو الشأن أو الأمر صغر أو عظم. آل : أصله (آلي) اسم فاعل من (ألوت) بمعنى قصرت ، ثم أعلّ إعلال قاض وهو موطن الشاهد وقد تقدم.

(٦) في ب : تنفعل. وهو تحريف.

(٧) التبيان ٢ / ٩٦٨.

(٨) من بحر الطويل قاله زيد الفوارس بن حصين ، وهو شاعر جاهلي ، وهو في المقرب (٢٢٧) ، الضرائر (١٥٧) ، البحر المحيط ٦ / ٤٤٠ ، شرح قطر الندى (٣١٢) ، الهمع ٢ / ٤٢ ، الخزانة ١٠ / ٦٥ ، شرح ديوان الحماسة للزوزني ٢ / ٥٥٧ ، والدرر ٢ / ٤٦.

تألى بمعنى حلف وأقسم وهو موضع الشاهد هنا. مفائد جمع مفأد : وهي الخشبة التي تحرك بها النار في التنور. شبه النساء في اسودادها ويبسها بها كأنهن مهزولات سود.

(٩) انظر البحر المحيط ٦ / ٤٤٠.

(١٠) هو يزيد بن قطيب السكوني الشامي ، ثقة له اختيار في القراءة ينسب إليه ، روى القراءة عن عبد الله بن قيس صاحب معاذ بن جبل ، روى القراءة عنه أبو البرهسيم ، وحدث عنه صفوان بن عمرو وغيره.

طبقات القراء ٢ / ٣٨٢.

(١١) المختصر (١٠١) ، الكشاف ٣ / ٦٧ ، البحر المحيط ٦ / ٤٤٠.

(١٢) هو سفيان بن حسين بن حسن السلمي روى عن ابن سيرين وغيره ، مات في خلافة المهدي خلاصة تذهيب تهذيب الكمال.

(١٣) المختصر (١٠٢) ، المحتسب ٢ / ١٠٦ ، البحر المحيط ٦ / ٤٤٠.

٣٣٣

فصل (١)

المشهور أن معنى الآية : لا يحلف أولو الفضل ، فيكون «افتعال» من الألية.

قال أبو مسلم : وهذا ضعيف لوجهين :

أحدهما : أن ظاهر الآية على هذا التأويل يقتضي المنع عن الحلف على الإعطاء ، وهم أرادوا المنع على ترك الإعطاء ، فهذا المتأول قد أقام النفي مكان الإيجاب ، وجعل المنهي عنه مأمورا به.

الثاني : أنه قلما يوجد في الكلام «أفتعلت» مكان «أفعلت» (وإنما وجد مكان «فعلت»)(٢) وهنا (٣) آليت من الأليّة : «افتعلت» فلا يقال : أفعلت ، كما لا يقال من ألزمت التزمت ، ومن أعطيت اعتطيت. ثم قال في «يأتل» : إن أصله «يأتلي» (٤) ذهبت الياء للجزم لأنه نهي ، وهو من قولك : ما ألوت فلانا نصحا ، ولم آل في أمري جهدا ، أي : ما قصرت. ولا يأل ولا يأتل ولم يأل والمراد : لا تقصروا في أن تحسنوا إليهم ، ويوجد كثيرا «افتعلت» مكان «فعلت» (٥) ، تقول : كسبت واكتسبت ، وصنعت واصطنعت ، وهذا التأويل مروي عن أبي عبيدة. قال ابن الخطيب : «وهذا هو الصحيح دون الأول» (٦).

وأجاب الزجاج عن الأول بأن «لا» تحذف في اليمين كثيرا ، قال الله تعالى : (وَلا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا)(٧) يعني : أن لا تبروا ، وقال امرؤ القيس :

٣٨٢٤ ـ فقلت يمين الله أبرح قاعدا (٨)

أي : لا أبرح.

وأجابوا عن السؤال الثاني أن جميع المفسرين الذين كانوا قبل أبي مسلم فسروا اللفظ باليمين ، وقول واحد منهم حجة في اللغة ، فكيف الكل؟ ويعضده قراءة الحسن : «ولا يتألّ» (٩).

فصل

قال المفسرون معناه : ولا يحلف (أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ) أي : أولوا الغنى ،

__________________

(١) هذا الفصل نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٣ / ١٨٧ ـ ١٨٨.

(٢) ما بين القوسين سقط من ب.

(٣) في ب : وهذا.

(٤) في ب : يأتل.

(٥) في ب : فعلت مكان فعلت. وهو تحريف ، وفي الأصل : فعلت مكان افتعلت.

(٦) الفخر الرازي ٢٣ / ١٨٨.

(٧) [البقرة : ٢٢٤].

(٨) من بحر الطويل قاله امرؤ القيس ، وعجزه :

ولو قطّعوا رأسي لديك وأوصالي

وقد تقدم.

(٩) آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢٣ / ١٨٧ ـ ١٨٨.

٣٣٤

يعني : أبا بكر الصديق (١)(أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى وَالْمَساكِينَ وَالْمُهاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللهِ) يعني : مسطحا ، وكان مسكينا مهاجرا بدريا ابن خالة أبي بكر حلف أبو بكر لا ينفق عليه (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا) عنهم خوضهم في أمر عائشة «ألا تحبّون» يخاطب أبا بكر (أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ (٢) وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) فلما قرأها رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ على أبي بكر قال : «بلى إنما أحب أن يغفر الله لي» ورجع إلى مسطح نفقته التي كان ينفق عليه ، وقال : «والله لا أنزعها منه أبدا» (٣).

وقال ابن عباس والصحابة (٤) أقسم ناس من الصحابة فيهم أبو بكر ألا يتصدقوا على رجل تكلم بشيء من الإفك ولا ينفعوهم فأنزل الله هذه الآية (٥).

فصل (٦)

أجمع المفسرون على أن المراد من قوله : «أولو الفضل» أبو بكر ، وهذا يدل على أنه كان أفضل الناس بعد الرسول ، لأن الفضل المذكور في الآية إما في الدنيا وإما في الدين ، والأول باطل ، لأنه تعالى ذكره في معرض المدح له ، والمدح من الله بالدنيا غير جائز ، ولأنه لو جاز ذلك لكان قوله : «والسّعة» تكريرا ، فتعين أن يكون المراد منه الفضل في الدين ، فلو كان غيره مساويا له في الدرجة في الدين لم يكن هو صاحب الفضل ، لأن المساوي لا يكون فاضلا ، فلما أثبت الله له الفضل غير مقيد بشخص (٧) دون شخص وجب أن يكون أفضل الخلق ترك العمل به في حق الرسول ـ عليه‌السلام (٨) ـ فيبقى معمولا به في حق الغير.

وأجمعت الأمة على أن الأفضل إما أبو بكر أو عليّ ، فإذا تبين أنه ليس المراد عليّا (٩) تعينت الآية في أبي بكر.

وإنما قلنا : ليس المراد عليّا ، لأن ما قبل الآية وما بعدها يتعلق (١٠) بابنة (١١) أبي بكر ، ولأنه تعالى وصفه بأنه من أولي السعة ، وأن عليّا ـ رضي الله عنه ـ لم يكن من أولي السّعة في الدنيا في ذلك الوقت ، فثبت أن المراد منه أبو بكر قطعا.

فصل

أجمعوا على أن مسطحا كان من البدريين ، وصح عنه عليه‌السلام (١٢) أنه قال :

__________________

(١) في ب : أبا الصديق رضي الله عنه.

(٢) لكم : سقط من الأصل.

(٣) أخرجه البخاري (الشهادات) ٢ / ١٠٦ (المغازي) ٣ / ٤٠ ، (تفسير) ٣ / ١٦٦ ومسلم (التوبة) ٤ / ٢١٣٦.

والطبري ١٨ / ٨١ ، ٨٢ ، أسباب النزول للواحدي ٢٣٩ ـ ٢٤٠.

(٤) في ب : والضحاك.

(٥) انظر البغوي ٦ / ٨٤.

(٦) هذا الفصل نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٣ / ١٨٨.

(٧) في الأصل : لشخص.

(٨) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(٩) عليّا : سقط من ب.

(١٠) في ب : متعلق.

(١١) بابنة : سقط من ب.

(١٢) في ب : عليه الصلاة والسلام.

٣٣٥

«لعلّ الله نظر إلى أهل بدر فقال : اعملوا ما شئتم ، فقد غفرت لكم» (١) فكيف صدرت الكبيرة منه بعد أن كان بدريّا؟

والجواب : أنه لا يجوز أن يكون المراد منه : افعلوا ما شئتم من المعاصي ، فيأمر بها ، لأنا نعلم بالضرورة أن التكليف كان باقيا عليهم ، ولو حملناه على ذلك لأفضى إلى زوال التكليف عنهم ، ولو كان كذلك لما جاز أن يحدّ مسطح على ما فعل ، فوجب حمله على أحد أمرين :

الأول : أنه تعالى علم توبة أهل بدر فقال : افعلوا ما شئتم من النوافل من قليل أو كثير ، فقد غفرت لكم وأعطيتكم الدرجات العالية في الجنة.

والثاني : أن يكون المراد أنهم يوافون بالطاعة ، فكأنه تعالى قال : قد (٢) غفرت لكم لعلمي بأنّكم تموتون على التوبة والإنابة ، فذكر حالهم في الوقت وأراد العاقبة (٣).

فصل

دلت الآية على أن (الأيمان على) (٤) الامتناع من الخير غير جائز ، وإنما يجوز إذا حصلت داعية صارفة عنه (٥).

فصل

مذهب الجمهور أنّ من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها ، أنه ينبغي له أن يأتي الذي هو خير ثم يكفر عن يمينه.

وقال بعضهم : إنه يأتي بالذي هو خير ، وذلك هو كفارته ، لأن الله تعالى أمر أبا بكر بالحنث ولم يوجب عليه كفارة. ولقوله عليه‌السلام (٦) : «من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير ، وذلك كفارته».

واحتج الجمهور بقوله تعالى : (وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ فَكَفَّارَتُهُ)(٧) ، وقوله : (ذلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ)(٧) ، وقوله لأيوب ـ عليه‌السلام (٨) ـ : «وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث» (٩) وقد علمنا أن الحنث كان خيرا من تركه ، ولو كان الحنث فيها كفارتها لما أمر بضربها ، بل كان يحنث بلا كفارة ، وقال عليه‌السلام (١٠) :

__________________

(١) أخرجه البخاري (مغازي) ٣ / ٧ ، ٦٠ ، (تفسير) ٣ / ٢٠٠ ، مسلم (فضائل الصحابة) ٤ / ١٩٤١ ـ ١٩٤٢ ، الترمذي (تفسير) ٥ / ٨٣ ، الدارمي (رقاق) ٢ / ٣١٣ ، أحمد ١ / ٨٠ ، ٢ / ٢٩٦.

(٢) في ب : لقد.

(٣) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٩١ ـ ١٩٢.

(٤) ما بين القوسين سقط من ب.

(٥) في الفخر الرازي : لا صارفة عنه. انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٩٢.

(٦) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(٧) [المائدة : ٨٩].

(٧) [المائدة : ٨٩].

(٨) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(٩) [ص : ٤٤].

(١٠) في ب : عليه الصلاة والسلام.

٣٣٦

«من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الّذي هو خير وليكفّر عن يمينه» (١).

وأما قولهم : إنّ الله تعالى لم يذكر الكفارة في قصة أبي بكر ، فإن حكمها كان معلوما عندهم. وأما قوله عليه‌السلام (٢) : «وليأت الذي هو خير ، وذلك كفارته» فمعناه : تكفير الذنب لا أنه الكفارة المذكورة في الكتاب (٣).

فصل

روي عن عائشة أنها قالت : «فضلت على أزواج النبي (٤) بعشر خصال :

تزوج رسول الله بي (٥) بكرا دون غيري ، وأبواي مهاجران (٦) ، وجاء جبريل بصورتي وأمره أن يتزوج بي ، وكنت أغتسل معه في إنائه ، وجبريل ينزل عليه وأنا معه في لحاف ، وتزوج في شوال ، وبنى بي في ذلك الشهر وقبض بين (٧) سحري ونحري (٨) ، وأنزل الله عذري من السماء ، ودفن في بيتي ، وكل ذلك لم يساوني فيه غيري» (٩).

وقال (١٠) بعضهم : «لقد برّأ الله أربعة بأربعة : برأ يوسف (وَشَهِدَ شاهِدٌ (١١) مِنْ أَهْلِها)(١٢) ، وبرأ موسى من قول اليهود بالحجر الذي ذهب بثوبه ، وبرأ مريم بإنطاق ولدها (١٣) ، وبرأ عائشة بهذه الآيات في كتابه المتلو على وجه الدهر» (١٤).

قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ الْمُؤْمِناتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (٢٣) يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (٢٤) يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ)(٢٥)

قوله (١٥) : (إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ) العفائف «الغافلات» عن الفواحش «المؤمنات» والغافلة عن الفاحشة أي : لا تقع في مثلها ، وكانت عائشة كذلك ، فقال

__________________

(١) أخرجه البخاري (الأيمان والنذور) ٤ / ١٤٧ ـ ١٤٨ ، مسلم (الأيمان) ٣ / ١٢٦٨ ـ ١٢٦٩ ، ١٢٧٢ ، الترمذي (نذور) ٣ / ٤٣٤٢ ، الموطأ (نذور) ٢ / ٤٧٨.

(٢) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(٣) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٩٢ ـ ١٩٣.

(٤) في ب : النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(٥) بي : سقط من ب.

(٦) في ب : مهاجرات. وهو تحريف.

(٧) في الأصل : وقضى وقبض من.

(٨) السّحر : الرئة. والنّحر : الصدر. أي مات رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وهو مسند إلى صدرها وما يحاذي سحرها منه. اللسان (سحر ، نحر).

(٩) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٩٣ ، الدر المنثور ٥ / ٣٢.

(١٠) في الأصل : قال.

(١١) في ب : شاهدين. وهو تحريف.

(١٢) [يوسف : ٢٦].

(١٣) قال الله تعالى : «قالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا» [مريم : ٣٠].

(١٤) انظر الكشاف ٣ / ٦٨ ، الفخر الرازي ٢٣ / ١٩٣.

(١٥) في ب : قوله تعالى.

٣٣٧

بعضهم : الصيغة عامة ، فيدخل فيه قذفة عائشة وغيرها (١).

وقيل : المراد قذفة عائشة.

قالت عائشة : رميت وأنا غافلة ، وإنما بلغني بعد ذلك ، فبينا رسول الله (٢) عندي إذ أوحى إليه ، قال : «أبشري» وقرأ : (إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ الْمُؤْمِناتِ).

وقيل : المراد جملة أزواج رسول الله ، وأنهن لشرفهن خصصن بأن من قذفهن فهذا الوعيد لاحق به. واحتج هؤلاء بأمور :

الأول : أن قاذف سائر المحصنات تقبل توبته لقوله في أول السورة : (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ) إلى قوله : (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا ...)(٣).

وأما القاذف في هذه الآية فإنه لا تقبل توبته لقوله تعالى : (لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) ولم يذكر استثناء.

وأيضا فهذه صفة المنافقين في قوله : (مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا)(٤).

الثاني : أن قاذف سائر المحصنات لا يكفر ، والقاذف في هذه الآية كافر ، لقوله : (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ ...)(٥) وذلك صفة الكفار والمنافقين لقوله (٦) : (وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْداءُ اللهِ إِلَى النَّارِ ...)(٧) الآيات (٨).

الثالث : أنه قال : (وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) والعذاب العظيم هو عذاب (٩) الكفر ، (فدلّ على أن عذاب هذا القاذف عقاب الكفر) (١٠). وعقاب قذف سائر المحصنات لا يكون عقاب الكفر.

وروي أن ابن عياش (١١) كان بالبصرة يوم عرفة ، وكان يسأل عن تفسير هذه الآية ، فقال : «من أذنب ثم تاب قبلت توبته إلا من خاض في أمر عائشة».

وأجاب الأولون بأن الوعيد المذكور في هذه الآية لا بد وأن يكون مشروطا بعدم التوبة ، لأن الذنب سواء كان كفرا أو فسقا (١٢) ، فإذا تاب عنه صار مغفورا.

__________________

(١) وهو قول الأصوليين.

(٢) في ب : رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(٣) [النور : ٤ ، ٥].

(٤) من قوله تعالى : «مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً» [الأحزاب : ٦١].

(٥) [النور : ٢٤].

(٦) في ب : لقوله تعالى.

(٧) [فصلت : ١٩].

(٨) قال تعالى : «وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْداءُ اللهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ حَتَّى إِذا ما جاؤُها شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ ، وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا قالُوا أَنْطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ ، وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ، وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ» [فصّلت : ١٩ ، ٢٠ ، ٢١ ، ٢٢].

(٩) في ب : عقاب.

(١٠) ما بين القوسين سقط من ب.

(١١) في ب : وروى ابن عباس أنه.

(١٢) في الأصل : أو كفرا. وهو تحريف.

٣٣٨

وقيل : هذه الآية نزلت في مشركي مكة حين كان بينهم وبين رسول الله عهد ، فكانت المرأة إذا خرجت إلى المدينة مهاجرة قذفها المشركون من أهل مكة وقالوا : «إنها خرجت لتفجر» فنزلت فيهم(١).

قوله : (يَوْمَ تَشْهَدُ) ، ناصبه الاستقرار الذي تعلق به «لهم» (٢).

وقيل (٣) : بل ناصبه «عذاب» (٤). ورد بأنه مصدر موصوف (٥).

وأجيب بأن الظرف يتّسع فيه ما لا يتّسع في غيره.

وقرأ الأخوان : «يشهد» بالياء من تحت ، لأن التأنيث مجازي ، وقد وقع الفصل والباقون : بالتاء مراعاة للفظ (٦).

قوله : «يومئذ» : التنوين في «إذ» عوض من الجملة تقديره : يومئذ تشهد ، وقد تقدم خلاف الأخفش فيه (٧).

وقرأ زيد بن علي «يوفيهم» مخففا (٨) من «أوفى».

وقرأ العامة بنصب «الحقّ» نعتا ل «دينهم» (٩).

وأبو حيوة وأبو روق (١٠) ومجاهد ـ وهي قراءة ابن مسعود ـ برفعه نعتا لله تعالى (١١).

فصل

قوله (١٢)(يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ).

قال المفسرون : هذا قبل أن يختم على أفواههم وأيديهم وأرجلهم.

يروى أنه يختم على الأفواه فتتكلم الأيدي والأرجل بما عملت في الدنيا.

(يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ) جزاءهم الواجب. وقيل : حسابهم العدل ،

__________________

(١) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٩٤.

(٢) انظر التبيان ٢ / ٩٦٨ ، البحر المحيط ٦ / ٤٤٠.

(٣) وقيل : سقط من الأصل.

(٤) قاله الحوفي. البرهان في علوم القرآن ٦ / ٢٢٣ ، البحر المحيط ٦ / ٤٤٠.

(٥) انظر التبيان ٢ / ٩٦٨ ، البحر المحيط ٦ / ٤٤٠.

(٦) السبعة (٤٥٤) ، الحجة لابن خالويه (٢٦٠ ـ ٢٦١) ، الكشف ٢ / ١٣٥ ـ ١٣٦ ، النشر ٢ / ٣٣١ ، الإتحاف (٣٢٤).

(٧) انظر شرح التصريح ١ / ٣٤ ـ ٣٥.

(٨) البحر المحيط ٦ / ٤٤١.

(٩) انظر تفسير ابن عطية ١٠ / ٤٧٣ ، التبيان ٢ / ٩٦٨ ، البحر المحيط ٦ / ٤٤١.

(١٠) في النسختين : ورق. وهو تحريف.

(١١) ويجوز الفصل بالمفعول بين الموصوف وصفته ، وجاز وصفه تعالى ب «الحقّ» لما في ذلك من المبالغة ، حتى كأنه يجعله هو هو على المبالغة.

انظر المختصر (١٠١) ، المحتسب ٢ / ١٠٧ ، تفسير ابن عطية ١ / ٤٧٣ ـ ٤٧٤ التبيان ٢ / ٩٦٨ ، البحر المحيط ٦ / ٤٤١.

(١٢) قوله : سقط من الأصل.

٣٣٩

(وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ) يبين لهم حقيقة ما كان يعدهم في الدنيا (١).

وإنما سمّي الله ب «الحق» لأن عبادته هي الحق دون عبادة غيره (٢).

وقيل : سمّي ب «الحق» ومعناه : الموجود ، لأن نقيضه الباطل وهو المعدوم ، ومعنى «المبين»: المظهر (٣).

قوله تعالى : (الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ وَالطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّباتِ أُولئِكَ مُبَرَّؤُنَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ)(٢٦)

قوله تعالى : (الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ) الآية.

قال أكثر المفسرين : «الخبيثات» من القول والكلام «للخبيثين» من الناس ، «والخبيثون» من الناس «للخبيثات» من القول ، «والطيبات» من القول «للطّيّبين» من الناس ، «والطّيّبون» من الناس «للطّيّبات» من القول.

والمعنى : أنّ الخبيث من القول لا يليق إلا بالخبيث من الناس ، والطيّب لا يليق إلا بالطيّب فعائشة ـ رضي الله عنها ـ لا يليق بها الخبيثات من القول ، لأنها طيبة ، فيضاف إليها طيبات الكلام من الثناء الحسن وما يليق بها (٤).

وقال الزجاج : معناه (٥) : لا يتكلم بالخبيثات إلا الخبيث من الرجال والنساء ، ولا يتكلم بالطيبات إلا الطيب من الرجال والنساء (٦) وهذا ذم للذين قذفوا عائشة ، ومدح للذين برّأوها بالطهار.

قال ابن زيد : معناه : الخبيثات من النساء للخبيثين من الرجال ، والخبيثون من الرجال للخبيثات من النساء ، أمثال عبد الله بن أبيّ والشاكين في الدين ، والطيبات من النساء للطيبين من الرجال ، والطيبون من الرجال للطيبات من النساء (٧) ، يريد : عائشة طيبها الله لرسوله الطيب ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ «مبرءون» (٨) يعني : عائشة وصفوان ، ذكرهما بلفظ الجمع كقوله : (فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ)(٩) أي : أخوان(١٠).

وقيل : (أُولئِكَ مُبَرَّؤُنَ) يعني : الطيبين والطيبات منزهون مما يقولون (١١).

وقيل : الرّمي تعلق بالنبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ وبعائشة وصفوان ، فبرأ (١٢) الله كل واحد منهم (١٣).

__________________

(١) انظر البغوي ٦ / ٨٦ ـ ٨٧.

(٢) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٩٥.

(٣) المرجع السابق.

(٤) انظر البغوي ٦ / ٨٧ ـ ٨٨.

(٥) في ب : ومعناه.

(٦) معاني القرآن وإعرابه ٤ / ٣٧.

(٧) انظر القرطبي ١٢ / ٢١١.

(٨) في ب : «أُولئِكَ مُبَرَّؤُنَ».

(٩) [النساء : ١١].

(١٠) قاله الفراء. معاني القرآن ٢ / ٢٤٩.

(١١) انظر البحر المحيط ٦ / ٤٤١.

(١٢) في ب : مبرأ.

(١٣) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٩٦.

٣٤٠