اللّباب في علوم الكتاب - ج ١٤

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي

اللّباب في علوم الكتاب - ج ١٤

المؤلف:

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي


المحقق: عادل أحمد عبد الموجود و علي محمّد معوّض
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-2298-3

الصفحات: ٥٩٢

يكون اسم مصدر ، وهو الإنزال أو النزول ، وأن يكون اسم (١) مكان النزول أو الإنزال ، إلا أن القياس «منزلا» بالضم والفتح لقوله : «أنزلني» (٢). وأما الفتح والكسر فعلى نيابة مصدر الثلاثي مناب مصدر الرباعي (٣) كقوله : (أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً)(٤) ، وتقدم نظيره في «مدخل» و «مدخل» في سورة النساء (٥) واختلفوا في المنزل ، فقيل : نفس السفينة ، وقيل : بعد خروجه من السفينة منزلا من الأرض مباركا. والأول أقرب ، لأنه أمر بهذا الدعاء حال استقراره ، فيكون هو المنزل دون غيره (٦).

ثم قال : (وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ) ، وذلك أن الإنزال في الأمكنة قد يقع من غير الله كما يقع من الله ، لأنه يحفظ من أنزله (٧) في سائر أحواله (٨). ثم بين تعالى أن فيما ذكر من قصة نوح وقومه «آيات» دلالات وعبر في الدعاء إلى الإيمان ، والزجر عن الكفر ، فإن إظهار تلك المياه العظيمة ، ثم إذهابها لا يقدر عليه إلا القادر على كل المقدورات ، وظهور تلك الواقعة على وفق قول نوح ـ عليه‌السلام (٩) ـ يدل على المعجز العظيم ، وإفناء الكفار ، وبقاء الأرض لأهل الطاعة من أعظم أنواع العبر (١٠). قوله : (وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ) «إن» مخففة ، و «اللام» فارقة. وقيل : «إن» نافية و «اللام» بمعنى «إلا» (١١) وتقدم ذلك مرارا فعلى الأول معناه : وقد كنا ، وعلى الثاني : ما كنا إلا مبتلين ، فيجب على كل مكلف أن يعتبر بهذا الذي ذكرناه (١٢). وقيل : المراد لمعاقبين من كذب الأنبياء ، وسئلك مثل طريقة قوم نوح (١٣). وقيل : المراد كما عاقب بالغرق من كذب فقد نمتحن من لم يكذب على وجه المصلحة لا على وجه التعذيب (١٤) ، لكيلا (١٥) يقدر أن كل الغرق يجري على وجه واحد(١٦).

__________________

(١) في ب : اسم مصدر.

(٢) لأن الفعل المتقدم رباعي.

(٣) انظر الكشف ٢ / ١٢٨ ، البيان ٢ / ١٨٢ ـ ١٨٣ ، التبيان ٢ / ٩٥٣.

(٤) من قوله تعالى :«وَاللهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً» [نوح : ١٧] واستشهد بالآية على أن (نباتا) اسم مصدر وقع موقع مصدر «أنبت» التبيان ٢ / ١٢٤٢.

(٥) عند قوله تعالى : «إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً»[النساء : ٣١].

(٦) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٩٦.

(٧) في ب : إنزاله. وهو تحريف.

(٨) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٩٦.

(٩) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(١٠) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٩٦.

(١١) انظر البيان ٢ / ١٨٢ ، التبيان ٢ / ٩٥٣ ، المغني ١ / ٢٣١ ـ ٢٣٢ ، شرح التصريح ١ / ٢٣٠ ـ ٢٣٢ ، الهمع ١ / ١٤١ ـ ١٤٢ ، شرح الأشموني ١ / ٢٨٨ ـ ٢٩٠.

(١٢) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٩٧.

(١٣) المرجع السابق.

(١٤) في ب : التكذيب. وهو تحريف.

(١٥) في ب : لكن لا. وهو تحريف.

(١٦) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٩٧.

٢٠١

قوله تعالى : (ثُمَّ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ (٣١) فَأَرْسَلْنا فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ أَنِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ (٣٢) وَقالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقاءِ الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْناهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ما هذا إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ (٣٣) وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ (٣٤) أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُراباً وَعِظاماً أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ (٣٥) هَيْهاتَ هَيْهاتَ لِما تُوعَدُونَ (٣٦) إِنْ هِيَ إِلاَّ حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ (٣٧) إِنْ هُوَ إِلاَّ رَجُلٌ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً وَما نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ (٣٨) قالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِما كَذَّبُونِ (٣٩) قالَ عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نادِمِينَ (٤٠) فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ فَجَعَلْناهُمْ غُثاءً فَبُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)(٤١)

قوله تعالى : (ثُمَّ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ) الآيات. قال ابن عباس وأكثر المفسرين : هذه قصة هود لقوله تعالى (١) حكاية عن هود (وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ)(٢) ، ومجيء قصة هود عقيب قصة نوح في سورة الأعراف ، وهود ، والشعراء (٣).

وقال بعضهم : هي قصة صالح (٤) لأن قومه الذين كذبوه (٥) هم الذين هلكوا بالصيحة (٦) وتقدم كيفية الدعوى في قصة نوح.

قوله : (فَأَرْسَلْنا فِيهِمْ) قال الزمخشري : فإن قلت : حق «أرسل» أن يتعدى ب «إلى» كأخواته التي هي : وجه ، وأنفذ وبعث ، فما له عدي في القرآن ب (إلى) (٧) تارة وب (في) أخرى كقوله : (كَذلِكَ أَرْسَلْناكَ فِي أُمَّةٍ)(٨) (ما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ) (٩) (١٠). قلت : لم يعد ب (في) كما عدي ب (إلى) ، ولم يجعله صلة مثله ، ولكن الأمة أو القرية جعلت موضعا للإرسال ، كقول رؤبة(١١) :

٣٧٩١ ـ أرسلت فيها مصعبا ذا أقحام (١٢)

__________________

(١) تعالى : سقط من ب.

(٢) [الأعراف : ٦٩].

(٣) انظر الكشاف ٣ / ٤٧ ، الفخر الرازي ٢٣ / ٩٨.

(٤) في ب : نوح. وهو تحريف.

(٥) في ب : الذين كفروا وكذبوه.

(٦) وقال بهذا أبو سليمان الدمشقي والطبري. انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٩٨ ، البحر المحيط ٦ / ٤٠٣.

(٧) بإلى : سقط من ب.

(٨) [الرعد : ٣٠].

(٩) من قوله تعالى : «وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قالَ مُتْرَفُوها إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ» [سبأ : ٣٤].

(١٠) ما بين القوسين تكملة من الكشاف.

(١١) تقدم.

(١٢) رجز نسبه الزمخشري إلى رؤبة ، ولم أجده في ديوانه ، وهو في شرح شواهد الكشاف لعطاء السندي ، وبعده : طبا فقيها بذوات الأبلام. وهو في البحر المحيط ٦ / ٤٠٣ ، وشرح شواهد الكشاف ١١٩ وفي النسختين : (ذا لحام) مكان (ذا إقحام) يقال : أصعب الجمل فهو مصعب إذا صار صعبا لا يركب.

الإقحام : الدخول في الشيء بلا مهلة ولا روية. فالمعنى : أرسلت في تلك القضية رجلا كالجمل الشديد ذا إقدام على الأمر بجراءة.

٢٠٢

وقد (١) جاء (بعث) على ذلك ، كقوله تعالى (وَلَوْ شِئْنا لَبَعَثْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيراً)(٢)(٣).

قوله : (أَنِ اعْبُدُوا اللهَ) يجوز أن تكون المصدرية (٤) أي : أرسلناه بأن اعبدوا الله. أي : بقوله اعبدوا ، وأن تكون مفسرة (٥). «ا فلا تتقون» قال بعضهم : هذا الكلام غير موصول بالأول ، وإنما قاله لهم بعد أن كذبوه ، وردوا عليه بعد إقامة الحجة عليهم فعند ذلك خوفهم بقوله : «ا فلا تتقون» هذه الطريقة مخافة العذاب الذي أنذركم به. ويجوز أن يكون موصولا بالكلام الأول بأن رآهم معرضين عن عبادة الله مشتغلين بعبادة الأوثان ، فدعاهم إلى عبادة الله ، وحذرهم من العقاب بسبب إقبالهم (٦) على عبادة الأوثان (٧).

قوله : (وَقالَ الْمَلَأُ) قال الزمخشري : فإن قلت : ذكر مقالة قوم هود في جوابه في سورة الأعراف ، وسورة هود بغير واو ، (قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَراكَ فِي سَفاهَةٍ)(٨)(قالُوا يا هُودُ ما جِئْتَنا بِبَيِّنَةٍ)(٩)(١٠). وهاهنا مع الواو ، فأي فرق بينهما؟ قلت : الذي بغير واو على تقدير سؤال سائل قال : فما ذا قيل له؟ فقيل له : قالوا : كيت وكيت ، وأما الذي مع الواو فعطف لما قالوه على ما قاله (١١) ، ومعناه أنه (١٢) اجتمع في الحصول ، (أي : في هذه الواقعة في) (١٣) هذا الكلام (١٣) الحق وهذا (الكلام) (١٣) الباطل وشتان (١٤) ما بينهما (١٥) قال شهاب الدين : ولقائل أن يقول : هذا جواب بنفس الواقع ، والسؤال باق ، إذ يحسن أن يقال : لم لا جعل (١٦) هنا قولهم أيضا جوابا لسؤال سائل كما في نظيرتها أو عكس الأمر (١٧).

قوله (وَكَذَّبُوا بِلِقاءِ الْآخِرَةِ) أي : بالمصير إلى الآخرة (وَأَتْرَفْناهُمْ) نعمناهم وو سعنا عليهم (فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ما هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ) وقد تقدم شرح هذه الشبهة في القصة الأولى (١٨)(وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ) أي : منه ، فحذف العائد لا ستكمال شروطه ، وهو ا تحاد (١٩) الحرف ، والمتعلق ، وعدم قيامه مقام مرفوع ، وعدم ضمير

__________________

(١) في ب : وبعد. وهو تحريف.

(٢) [الفرقان : ٥١].

(٣) الكشاف ٣ / ٤٧.

(٤) انظر البحر المحيط ٦ / ٤٠٣.

(٥) انظر الكشاف ٣ / ٤٧ ، البحر المحيط ٦ / ٤٠٣.

(٦) اقبالهم : سقط من ب.

(٧) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٩٨.

(٨) [الأعراف : ٦٦].

(٩) [هود : ٥٢].

(١٠) ما بين القوسين تصويب من الكشاف ، هو في النسختين : ما نراك إلا بشرا مثلنا.

(١١) في ب : ما قاله الرسول.

(١٢) أنه : سقط من ب.

(١٣) ما بين القوسين ليس في نص الزمخشري ، وإنما هو من كلام ابن عادل.

(١٤) وشتان : سقط من ب.

(١٥) الكشاف ٣ / ٤٧.

(١٦) في ب : يجعل.

(١٧) الدر المصون : ٥ / ٨٦.

(١٨) وهي قصة نوح.

(١٩) في ب : اتخاذ. وهو تصحيف.

٢٠٣

آخر (١) ، هذا إذا جعلناها بمعنى الذي ، فإن جعلتها مصدرا لم تحتج إلى عائد ، فيكون (٢) المصدر واقعا موقع المفعول. أي : من مشروبكم (٣).

وقال في التحرير (٤) : وزعم الفراأ أن معنى (مِمَّا تَشْرَبُونَ) على حذف أي : تشربون منه (٥). وهذا لا يجوز عند البصريين ، ولا يحتاج إلى حذف ألبتة ، لأن (ما) إذا كانت مصدرا لم تحتج إلى عائد ، فإن جعلتها بمعنى الذي حذفت العائد ، ولم تحتج إلى إضمار (من) (٦) يعني : أنه يقدر تشربونه من غير حرف (٧) جر ، وحينئذ تكون شروط الحذف أيضا موجودة (٨) ولكن تفوت المقابلة إذ قوله : (تَأْكُلُونَ مِنْهُ) فيه تبعيض ، فلو قدرت هنا تشربونه من غير (من) فاتت المقابلة. ثم إن قوله : وهو لا يجوز عند البصريين ممنوع ، بل هو جائز لوجود شرط الحذف.

قوله : (لَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ) لمغبونون ، جعلوا اتباع الرسول خسرانا ولم يجعلوا عبادة الصنم خسرانا (٩) ، قال الزمخشري و «إذا» وقع في جزاء الشرط وجواب للذين قاولوهم من قولهم (١٠) قال أبو حيان : وليس واقعا في جزاء الشرط ، بل واقعا بين «إنكم» و (الخبر) ، و «إنكم» و (الخبر) ليس جزاء للشرط بل ذلك جواب للقسم المحذوف قبل «إن» الشرطية (ولو كانت «إنكم» والخبر جوابا للشرط) (١١) لزمت (الفاء) في (إنكم) بل لو كان بالفاء في تركيب غير القرآن لم يكن ذلك التركيب جائزا إلا عند الفراء ، والبصريون لا يجيزونه وهو عندهم خطأ (١٢) قال شهاب الدين : يعني أنه إذ توالى شرط وقسم أجيب سابقهما ، والقسم هنا متقدم فينبغي أن يجاب ولا يجاب الشرط ، ولو أجيب الشرط لا ختلت (١٣) القاعدة إلا عند بعض

__________________

(١) انظر شروط حذف العائد المجرور بحرف في شرح الكافية ٢ / ٤٢ ـ ٤٣ ، شرح التصريح ١ / ١٤٧ ، الهمع ١ / ٦٠.

(٢) في ب : ويكون.

(٣) انظر مشكل إعراب القرآن ٢ / ١٠٧ ، البيان ٢ / ١٨٣ ، البحر المحيط ٦ / ٤٠٤.

(٤) كتاب التحرير هو أحد مصادر أبي حيان في كتابه البحر المحيط ، فإنه قال (واعتمدت في أكثر نقول كتابي هذا على كتاب التحرير والتحبير لأقوال أئمة التفسير من جمع شيخنا الصالح القدوة الأديب ، جمال الدين أبي عبد الله محمد بن سليمان بن حسن بن حسين المقدسي ، عرف بابن النقيب ـ رحمه‌الله تعالى ـ إذ هو أكبر كتاب رأيناه صنف في علم التفسير ، يبلغ في العدد مائة سفر أو يكاد) البحر المحيط ١ / ١١.

(٥) معاني القرآن للفراء ٢ / ٢٣٤.

(٦) انظر البحر المحيط ٦ / ٤٠٤.

(٧) حرف : سقط من ب.

(٨) وهي كون العائد المنصوب متصلا ، وناصبه فعل تام ، أو وصف غير صلة (أل) ، وأن يكون متعينا للربط. انظر شرح التصريح ١ / ١٤٤ ـ ١٤٥.

(٩) خسرانا : سقط من ب.

(١٠) الكشاف ٣ / ٤٧.

(١١) ما بين القوسين كما في البحر المحيط ، وفي النسختين : ولو كان التركيب الخبر جوابا.

(١٢) البحر المحيط ٦ / ٤٠٤.

(١٣) في الأصل : لاختلف.

٢٠٤

الكوفيين ، فإنه يجيب الشرط وإن تأخر ، وهو موجود في الشعر (١)(٢).

قوله : (أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ») الآية. في إعرابها ستة أوجه :

أحدها : أن اسم أن الأولى مضاف لضمير الخطاب ، حذف وأقيم المضاف إليه مقامه ، والخبر قوله : (إِذا مِتُّمْ) ، و (أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ) تكرير ، لأن الأولى للتأكيد ، والدلالة على المحذوف والمعنى: أن إخراجكم إذا متم وكنتم (٣).

الثاني : أن خبر (أن) الأولى هو «مخرجون» ، وهو العامل في «إذا» وكررت الثانية توكيدا لما طال الفصل (٤) وإليه ذهب الجرمي (٥) والمبرد (٦) والفراء (٧) ، ويدل على كون الثانية توكيدا قراءة عبد الله: «أيعدكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما أنكم مخرجون» (٨).

الثالث : أن (أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ) مؤل بمصدر مرفوع بفعل محذوف ذلك الفعل المحذوف جواب(٩) (إذا) الشرطية ، و (إذا) الشرطية وجوابها المقدر خبر ل (أنكم) الأولى تقديره : يحدث أنكم مخرجون(١٠).

__________________

(١) أي : أنه إذا اجتمع شرط وقسم فالجواب للمتقدم منهما ، لشدة الاعتناء بالمتقدم ، فتقديم القسم كقولك : والله إن أتيتني لأكرمنك ، وتقديم الشرط نحو : إن تأتني ـ والله ـ أكرمك ولا يجوز جعل الجواب للشرط مع تقدم القسم خلافا لا بن مالك حيث قال :

وربما رجح بعد قسم

شرط بلا ذي خبر مقدم

خلافا للفراء في إجازته ذلك ، وما استدل به قول الشاعر :

لئن منيت بنا عن غب معركة

لا تلفنا عن دماء القوم ننتقل

وقوله :

لئن كان ما حدثته اليوم صادقا

أصم في نهار القيظ للشمس باديا

ومنع الجمهور ذلك ، وتأولوا ما ورد على جعل اللام زائدة. هذا إن لم يتقدمهما ذو خبر ، فإن تقدمهما ذو خبر جاز جعل الجواب للشرط مع تأخره نحو : زيد والله إن يقم أقم ، وجاز جعل الجواب للقسم لتقدمه نحو : زيد والله إن يقم لأقومن. والأرجح مراعاة الشرط تقدم أو تأخر ، لأن سقوط الشرط يخل بمعنى الجملة التي هو منها بخلاف القسم فإنه مسوق لمجرد التوكيد.

شرح الكافية الشافية ٣ / ١٦١٥ ـ ١٦١٧ ، شرح التصريح ٢ / ٢٥٣ ـ ٢٥٤ شرح الأشموني ٤ / ٢٧ ـ ٣٠.

(٢) الدر المصون : ٥ / ٨٦.

(٣) انظر التبيان ٢ / ٩٥٣.

(٤) انظر الكشاف ٣ / ٤٧ ، البيان ٢ / ١٨٤ ، التبيان ٢ / ٩٥٤.

(٥) انظر مشكل إعراب القرآن ٢ / ١٠٨ ، البحر المحيط ٦ / ٤٠٤.

(٦) انظر المقتضب ٢ / ٣٥٤.

(٧) قال الفراء : (وقوله : أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما أنكم مخرجون ، أعيدت «أنكم» مرتين ومعناهما واحد ؛ إلا أن ذلك حسن لما فرقت بين «أنكم» وبين خبرها ب «إذا»). معاني القرآن ٢ / ٢٣٤.

(٨) كذا في معاني القرآن للفراء ٢ / ٢٣٤ ، تفسير ابن عطية ١٠ / ٣٥٤ ، البحر المحيط ٦ / ٤٠٤ ، وفي النسختين : وكنتم ترابا وعظاما مخرجون.

(٩) في ب : هو جواب.

(١٠) انظر الكشاف ٣ / ٤٧ ، التبيان ٢ / ٩٥٣ ـ ٩٥٤ ، البحر المحيط ٦ / ٤٠٤.

٢٠٥

الرابع : كالثالث في كونه مرفوعا بفعل مقدر إلا أن هذا الفعل المقدر (١) خبر ل (أن) الأولى وهو العامل في (إذا) (٢).

الخامس : أن خبر الأولى محذوف لدلالة خبر الثانية عليه ، فتقديره (٣) : أنكم تبعثون ، وهو العامل في الظرف ، و (أن) الثانية وما في حيزها بدل من الأولى ، وهذا مذهب سيبويه (٤).

السادس : أن يكون (أَنَّكُمْ (٥) مُخْرَجُونَ) مبتدأ وخبره الظرف مقدما عليه ، والجملة خبر عن (أنكم) الأولى ، والتقدير : أيعدكم أنكم إخراجكم كائن أو مستقر وقت موتكم (٦). ولا يجوز أن يكون العامل في «إذا» «مخرجون» على كل قول لأن ما في حيز (أن) لا يعمل فيما قبلها ولا يعمل فيها «متم» ، لأنه مضاف إليه ، و «أنكم» (٧) وما في حيزه في محل نصب أو جر بعد حذف الحرف إذ الأصل : أيعدكم بأنكم ويجوز أن لا يقدر حرف جر ، فيكون في محل نصب فقط نحو : وعدت زيدا خيرا.

قوله : (هَيْهاتَ هَيْهاتَ). «هيهات» اسم فعل (٨) معناه : بعد ، وكرر للتوكيد وليست المسألة من التنازع ، قال جرير :

٣٧٩٢ ـ فهيهات هيهات العقيق وأهله

وهيهات خل بالعقيق نواصله (٩)

__________________

(١) المقدر : سقط من ب.

(٢) انظر البحر المحيط ٦ / ٤٠٤.

(٣) في ب : تقديره.

(٤) قال سيبويه : (ومما جاء مبدلا من هذا الباب : «أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُراباً وَعِظاماً أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ» فكأنه على : أيعدكم أنكم مخرجون إذا متم ، وذلك أريد بها ولكنه إنما قدمت أنّ الأولى ليعلم بعد أي شيء الإخراج) الكتاب ٣ / ١٣٢ ـ ١٣٣ ، وانظر أيضا مشكل إعراب القرآن ٢ / ١٠٧ ، التبيان ٢ / ٩٥٤ ، البحر المحيط ٦ / ٤٠٤.

(٥) أنكم : سقط من الأصل.

(٦) انظر الكشاف ٣ / ٤٧.

(٧) انظر مشكل إعراب القرآن ٢ / ١٠٨ ، البيان ٢ / ١٨٣ ، التبيان ٢ / ٩٠٤.

(٨) اسم الفعل : ما ناب عن الفعل معنى واستعمالا ك «شتّان» فإنه اسم ناب عن فعل ماض وهو افترق ، و «صه» فإنه اسم ناب عن فعل أمر وهو اسكت ، و «أوه» فإنه اسم ناب عن فعل مضارع وهو أتوجع ، والمراد بالمعنى كونه يفيد ما يفيده الفعل الذي هو نائب عنه من الحدث والزمان والمراد بالاستعمال كونه عاملا لا معمولا. وأسماء الأفعال أسماء حقيقية ، ونابت عن الفعل في لفظه فهي بمعناه هذا مذهب البصريين.

ومذهب الكوفيين أنها أفعال حقيقية وهذه الأفعال لا موضع لها من الإعراب.

شرح التصريح ٢ / ١٩٦ ، الهمع ٢ / ١٠٥.

(٩) البيت من بحر الطويل قاله جرير ، وهو في ديوانه ٢ / ٩٦٥ برواية :

فأيهات أيهات العقيق ومن به

وأيهات وصل بالعقيق نواصله

وانظر أيضا المقتصد ١ / ٥٧٤ ، الخصائص ٣ / ٤٢ ، ابن يعيش ٤ / ٣٥ ، المقرب ١٤٨ ، اللسان (هيه) شذور الذهب ٢ / ٤ ، المقاصد النحوية ٣ / ٧ ، ٤ / ٣١١ ، شرح التصريح ١ / ٣١٨ ، ٢ / ١٩٩ ، الهمع ٢ / ١١١ ، الدرر ٢ / ١٤٥. العقيق : أصله : كل ما شقه ماء السيل في الأرض فأنهره ووسعه : عقيق والجمع ـ

٢٠٦

وفسره الزجاج في عبارته بالمصدر ، فقال : البعد لما توعدون (١) ، أو بعد لما توعدون (٢) فظاهرها أنه مصدر بدليل عطف الفعل عليه ، ويمكن أن يكون فسّر المعنى فقط.

و «هيهات» اسم لفعل قاصر (٣) برفع الفاعل (٤) ، وهنا قد جاء ما ظاهره الفاعل مجرورا باللام فمنهم من جعله على ظاهره وقال : (ما تُوعَدُونَ) فاعل به ، وزيدت فيه اللام التقدير : بعد بعد ما توعدون (٥) ، ، وهو ضعيف : إذ لم يعهد زيادتها في الفاعل. ومنهم من جعل الفاعل مضمرا لدلالة (٦) الكلام عليه ، فقدره أبو البقاء : هيهات التصديق ، أو : الصحة لما توعدون (٧). وقدّره غيره : بعد إخراجكم (٨). و (لما توعدون) للبيان ، قال الزمخشري : لبيان المستبعد ما هو بعد التصويت بكلمة الاستبعاد كما جاءت اللام في (هَيْتَ لَكَ)(٩) لبيان المهيت به (١٠). وقال الزجاج : «البعد لما توعدون» (١١) فجعله مبتدأ والجار بعد الخبر. قال (١٢) الزمخشري : فإن قلت : (ما توعدون) هو المستبعد ، فمن حقه أن يرتفع ب «هيهات» كما ارتفع بقوله :

٣٧٩٣ ـ هيهات هيهات العقيق وأهله (١٣)

فما هذه اللام؟ قلت : قال الزجاج في تفسيره : البعد لما توعدون أو بعد لما توعدون فيمن (١٤) نون ، فنزّله منزلة المصدر (١٥). قال أبو حيان : وقول (١٦) الزمخشري (فمن نوّنه نزّله منزلة المصدر) ليس بواضح ، لأنهم قد نوّنوا أسماء الأفعال ولا نقول : إنها إذا نوّنت تنزلت منزلة المصادر (١٧). قال شهاب الدين : الزمخشري لم يقل كذا ، إنما

__________________

ـ أعقّة وعقائق ، وفي بلاد العرب مواضع كثيرة تسمى العقيق. والمراد به هنا : واد بالحجاز. والشاهد فيه مجيء «هيهات» بمعنى بعد ورفع العقيق بعده على الفاعلية ، و «هيهات» الثانية للتوكيد.

(١) معاني القرآن وإعرابه ٤ / ١٢.

(٢) معاني القرآن وإعرابه ٤ / ١٣.

(٣) في ب : فاخبر. وهو تحريف.

(٤) انظر شرح التصريح ٢ / ١٩٩ ، والهمع ٢ / ١٠٥.

(٥) قال الفراء : (وقوله : «هَيْهاتَ هَيْهاتَ لِما تُوعَدُونَ» لو لم تكن في (ما) اللام كان صوابا) معاني القرآن ٢ / ٢٣٥. وانظر أيضا التبيان ٢ / ٩٥٤.

(٦) في الأصل : في دلالة.

(٧) التبيان ٢ / ٩٥٤.

(٨) انظر البيان ٢ / ١٨٤.

(٩) من قوله تعالى : «وَراوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِها عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوابَ وَقالَتْ هَيْتَ لَكَ» [يوسف : ٢٣]. والشاهد فيها أن (هيت) اسم فعل ، واللام للتبيين. التبيان ٢ / ٧٢٨.

(١٠) الكشاف ٣ / ٤٧.

(١١) معاني القرآن وإعرابه ٤ / ١٢.

(١٢) في الأصل : قاله.

(١٣) صدر بيت من بحر الطويل ، قاله جرير ، وعجزه :

وهيهات خلّ بالعقيق نواصله

تقدم تخريجه.

(١٤) في الأصل : فمن.

(١٥) الكشاف ٣ / ٤٧.

(١٦) في الأصل : قال.

(١٧) البحر المحيط ٦ / ٤٠٥.

٢٠٧

قال : فيمن نوّن نزله منزلة المصدر لأجل قوله : أو بعد ، فالتنوين علة لتقديره إياه نكرة لا لكونه منزلا منزلة المصدر ، فإنّ أسماء الأفعال ما نوّن منها نكرة ، وما لم ينوّن معرفة نحو : صه وصه يقدر الأول بالسكوت ، والثاني بسكوت ما (١). وقال ابن عطية : طورا تلي الفاعل دون لام ، تقول : هيهات مجيء زيد أي : بعد ، وأحيانا يكون الفاعل محذوفا عند اللام ، كهذه الآية ، والتقدير : بعد الوجود لما توعدون (٢). ولم يستجيده أبو حيان من حيث قوله : حذف الفاعل ، والفاعل لا يحذف ، ومن حيث إنّ فيه حذف المصدر ، وهو الموجود ، وإبقاء معموله وهو (لِما تُوعَدُونَ)(٣) و «هيهات» الثاني تأكيد للأول تأكيدا لفظيا ، وقد جاء غير مؤكد كقوله (٤) :

٣٧٩٤ ـ هيهات منزلنا بنعف سويقة

كانت مباركة على الأيّام (٥)

وقال آخر :

٣٧٩٥ ـ هيهات ناس من أناس ديارهم

دقاق ودار الآخرين الأوائن (٦)

وقال رؤبة :

٣٧٩٦ ـ هيهات من منخرق هيهاؤه (٧)

قال القيسي (٨) شارح أبيات الإيضاح : وهذا مثل قولك : «بعد بعده» وذلك أنّه بنى من هذه اللفظة (فعلالا) فجاء به مجيء القلقال (٩) والزلزال. والألف في «هيهات» غير الألف في (هيهاؤه) ، وهي في «هيهات» لام الفعل الثانية كقاف الحقحقة (١٠) الثانية ، وهي في (هيهاؤه) ألف الفعلال الزائدة (١١). وفي هذه اللفظة لغات كثيرة تزيد على الأربعين ،

__________________

(١) الدر المصون ٥ / ٨٧.

(٢) تفسير ابن عطية ١٠ / ٣٥٤.

(٣) قال أبو حيان : (وهذا ليس بجيد. لأن فيه حذف الفاعل ، وفيه أنه مصدر حذف وأبقي معموله ، ولا يجيز البصريون شيئا من هذا) البحر المحيط ٦ / ٤٠٥.

(٤) في ب : بقوله.

(٥) البيت من بحر الكامل ، نسبه سيبويه لجرير وليس في ديوانه ، وهو في الكتاب ٤ / ٢٠٦ ، الخصائص ٣ / ٤٣ ، ابن يعيش ٤ / ٣٦ ، ٦٧ مع نسبته لجرير ، اللسان (سوق).

(٦) البيت من بحر الطويل ، قاله مالك بن خالد الهذلي ، وهو في شرح أشعار الهذليين (٤٤٤) ومعجم البلدان ١ / ١٧٥ ، ومعجم ما استعجم ١٢٦٨ ، وإيضاح شواهد الإيضاح للقيسي ١ / ١٩٣.

(٧) رجز قاله رؤبة ، وقد تقدم.

(٨) هو أحمد بن عبد المؤمن بن موسى بن عيسى بن عبد المؤمن القيسي الشريشي ، نحوي ، لغوي ، أديب ، له : شرح الإيضاح للفارسي ، شرح الجمل للزجاجي ، ومختصر نوادر أبي علي القالي ، مات سنة ٦١٩ ه‍. معجم المؤلفين ١ / ٣٠٤.

(٩) قلقل الشيء قلقلة وقلقالا فتقلقل وقلقالا ، أي : حركه فتحرك واضطرب ، فإذا كسرته فهو مصدر ، وإذا فتحته فهو اسم مثل الزلزال والزلزال والاسم القلقال. اللسان (قلل).

(١٠) الحقحقة : شدة السير ، حقحق القوم إذا اشتدوا في السير. اللسان (حقق).

(١١) إيضاح شواهد الإيضاح ١ / ١٩٤.

٢٠٨

ذكر منها الصّاغاني (١) ستة وثلاثين لغة ، وهي : (هيهات) ، وأيهات ، وهيهان ، وأيهان وهيهاه (٢) ، وأيهاه (٣) كل واحد من هذه الستة مضمومة الآخر ومفتوحة ، ومكسورته ، وكل واحدة منها منوّنة وغير منوّنة ، فتكون ستّا وثلاثين (٤). وحكى غيره : هيهاك (٥) ، وأيهاك ـ بكاف الخطاب ـ ، وأيهاء ، وأيها ، وهيهاء (٦) ، فأمّا المشهور ما قرىء به. فالمشهور «هيهات» بفتح التاء من غير تنوين بني لوقوعه موقع المبني ، أو لشبهه بالحرف (٧) ، وتقدم تحقيق ذلك وبها قرأ العامة (٨) وهي لغة أهل الحجاز (٩). و «هيهاتا» بالفتح والتنوين ، وبها قرأ أبو عمرو في رواية هارون عنه ونسبها ابن عطية (١٠) لخالد بن إلياس(١١).

و «هيهات» بالضم والتنوين وبها قرأ الأحمر (١٢) وأبو حيوة (١٣). وبالضم من غير تنوين ،

__________________

(١) هو الحسن بن محمد بن الحسن بن حيدر بن علي العدوي أبو الفضائل الصّغاني ، ويقال : الصّاغاني الحنفي ، حامل لواء اللغة في زمانه ومن مصنفاته : مجمع البحرين في اللغة ، التكملة على الصحاح ، العباب ، العروض ، شرح أبيات المفصل ، وغير ذلك ، مات سنة ٦٠٥ ه‍. بغية الوعاة ١ / ٥١٩ ـ ٥٢١.

(٢) في النسختين : وهايهات.

(٣) في النسختين : وأيهات.

(٤) انظر شرح التصريح ٢ / ١٩٦ ـ ١٩٧ ، الهمع ٢ / ١٠٥ ـ ١٠٦ ، شرح الأشموني ٣ / ١٩٩ ـ ٢٠٠.

(٥) في النسختين : هيهاتا.

(٦) انظر شرح التصريح ٢ / ١٩٧ ، الهمع ٢ / ١٠٦ ، شرح الأشموني ٣ / ٢٠٠.

(٧) أسماء الأفعال بنيت لمشابهتها مبني الأصل ، وهو فعل الماضي والأمر ، ويجوز أن يقال : إنها بنيت لكونها أسماء لما أصله البناء ، وهو مطلق الفعل سواء بقي على ذلك الأصل كالماضي والأمر ، أو خرج عنه كالمضارع. وقيل : إنها بنيت لمشابهتها الحروف في الاستعمال في لزومها طريقة من طرائق الحروف الدالة على المعاني في نيابتها عن الأفعال في معناها وعملها ، ولا يدخل عليها عامل من العوامل فيؤثر فيها لفظا أو محلا ، كهيهات نائبة عن فعل ماض ، وهو بعد. وصه نائبة عن فعل أمر وهو اسكت ، وأوه نائبة عن فعل مضارع وهو أتوجع. ولا يصح أن يدخل عليها شيء من العوامل اللفظية والمعنوية. شرح الكافية ٢ / ٦٥ ـ ٦٦ ، شرح التصريح ١ / ٥٠ ـ ٥٢.

(٨) انظر البحر المحيط ٦ / ٤٠٤ ، الإتحاف ٣١٨.

(٩) وهو اسم واحد عندهم ، سمي به الفعل في الخبر ، وهو اسم بمعنى بعد ، وهو عندهم رباعي من مضاعف الهاء والياء ووزنه فعللة وأصله هيهية فهو من باب الزلزلة والقلقلة ، فألف (هيهات) بدل من الياء الثانية ، لأن أصلها هيهية ، تحركت الياء وانفتح ما قبلها فقلبت ألفا ، فصارت (هيهات) ، وتاؤه للتأنيث لحقه علم التأنيث ، وإن كان مبنيا كما لحق كية ، وذية ، فعلى هذا تبدل من تائه هاء في الوقف. المحتسب ٢ / ٩١ ، شرح المفصل ٤ / ٦٥ ـ ٦٦.

(١٠) تفسير ابن عطية ١٠ / ٣٥٦ ، وانظر أيضا البحر المحيط ٦ / ٤٠٤.

(١١) هو خالد بن إلياس العدوي ، أبو الهيثم المدني الإمام أخذ عن عامر بن سعيد وصالح مولى التوأمة ، وأخذ عنه القعنبي وأبو نعيم. خلاصة تذهيب تهذيب الكمال ١ / ٢٧٤.

(١٢) هو عنبة بن النضر الأحمر ، أبو عبد الرحمن اليشكري المقرىء النحوي عرض على سليم بن عيسى ، ومحمد بن زكريا النشابي ، وغيرهما ، روى القراءة عنه عبد الله بن جعفر السّواق.

طبقات القراء ١ / ٦٠٥.

(١٣) المختصر (٩٧) ، المحتسب ٢ / ٩٠ ، تفسير ابن عطية ١٠ / ٣٥٥ ، البحر المحيط ٦ / ٤٠٤.

٢٠٩

ويروى عن أبي حيوة أيضا (١) ، فعنه فيها وجهان وافقه أبو السمال في الأولى دون الثانية (٢).

و «هيهات» بالكسر والتنوين ، وبها قرأ عيسى وخالد بن إلياس (٣). وبالكسر من غير تنوين ، وهي قراءة أبي جعفر وشيبة ، وتروى عن عيسى أيضا (٤) وهي لغة تميم وأسد (٥).

و «هيهات» بإسكان التاء ، وبها قرأ عيسى بن عمر الهمداني (٦) أيضا وخارجة (٧) عن أبي عمرو والأعرج (٨) و «هيهاه» بالهاء آخرا وصلا ووقفا. و «أيهات» بإبدال الهاء همزة مع فتح التاء ، وبهاتين قرأ بعض القراء فيما نقل أبو البقاء (٩). فهذه تسع لغات قد قرىء بهنّ لم يتواتر منها غير الأولى. ويجوز إبدال الهمزة من الهاء الأولى (١٠) في جميع ما تقدم فيكمل بذلك ست عشرة لغة. و «أيهان» بالنون آخرا. و «أيها» بألف آخرا.

فمن فتح التاء قالوا : فهي عنده اسم مفرد ، ومن كسرها فهي عنده جمع تأنيث كزينبات وهندات. ويعزى هذا لسيبويه ، لأنه قال : هي مثل بيضات (١١) ، فنسب إليه أنه جمع من ذلك ، حتى قال بعض النحويين : مفردها (هيهة) (١٢) مثل بيضة.

__________________

(١) تفسير ابن عطية ١٠ / ٣٥٦ ، البحر المحيط ٦ / ٤٠٤.

(٢) البحر المحيط ٦ / ٤٠٤.

(٣) المختصر (٩٧) ، المحتسب ٢ / ٩٠ ، البحر المحيط ٦ / ٤٠٤ ـ ٤٠٥.

(٤) المختصر (٩٧) ، المحتسب ٢ / ٩٠ ، تفسير ابن عطية ١٠ / ٣٥٥ ، البحر المحيط ٦ / ٤٠٤ ، النشر ٢ / ٣٢٨ ، الإتحاف ٣١٨.

(٥) انظر الكتاب ٣ / ٢٩١ ، وابن يعيش ٤ / ٦٦.

(٦) هو عيسى بن عمر أبو عمر الهمداني الكوفي القارىء الأعمى مقرىء الكوفة بعد حمزة ، عرض على عاصم بن أبي النجود ، وطلحة بن مصرف والأعمش ، عرض عليه الكسائي ، وبشر بن نصر ، وخارجة بن مصعب ، وغيرهما مات سنة ١٥٦ ه‍. طبقات القراء ١ / ٦١٢ ـ ٦١٣.

(٧) هو خارجة بن مصعب ، أبو الحجاج الضبعي السرخسي ، أخذ القراءة عن نافع ، وأبي عمرو ، وله شذوذ كثير عنهما لم يتابع عليه ، وروى أيضا عن حمزة حروفا ، روى القراءة عنه العباس بن الفضل ، وأبو معاذ النحوي ، ومغيث بن بديل ، مات سنة ١٦٨ ه‍. طبقات القراء ١ / ٢٦٨.

(٨) المحتسب ٢ / ٩٠ ، تفسير ابن عطية ١٠ / ٣٥٥ ، البحر المحيط ٦ / ٤٠٥.

(٩) قال أبو البقاء : (ويقرأ «هيهاه» ـ بالهاء ـ وقفا ووصلا ، ويقرأ «أيهاة» بإبدال الهمزة من الهاء الأولى) التبيان ٢ / ٩٥٥.

(١٠) الهمزة تبدل من الهاء كما في : (ماء) فأصله (موه) لقولهم : (أمواه) ، فقلبت الواو ألفا ، والهاء همزة وأبدلت الهاء أيضا همزة في جمع ماء فقالوا : (أمواء) قال :

وبلدة قالصة أمواؤها

تستنّ في رأد الضحى أفياؤها

وأبدلت أيضا منها في آل أصله (أهل) ، فأبدلت الهاء همزة ، فقيل : (أأل) ، هم أبدلت الهمزة ألفا ، فقيل : (آل). وأبدلت أيضا من الهاء في (هل) ، فقالوا : (أل) فعلت كذا؟ يريدون : هل فعلت كذا؟ حكى ذلك قطرب عن أبي عبيدة وأبدلت أيضا من الهاء في (هذا) ، فقالوا : (آذا).

سر صناعة الإعراب ١ / ١٠٠ ـ ١٠٧ ، الممتع ١ / ٣٤٨ ـ ٣٥١.

(١١) انظر الكتاب ٣ / ٢٩١ ـ ٢٩٢.

(١٢) قال الزجاج : (وواحد (هيهات) على هذا اللفظ إن لم يكن حاله واحدا (هيهة). فإن هذا تقديره وإن لم ننطق به) معاني القرآن وإعرابه ٤ / ١٣.

٢١٠

وليس بشيء بل مفردها (هيهات).

قالوا (١) : وكان ينبغي على أصله أن يقال فيها : (هيهيات) بقلب ألف (هيهات) ياء ، لزيادتها على الأربعة نحو : ملهيات ، ومغزيات ، ومرميات (٢) ، لأنها من بنات الأربعة المضعّفة من الياء من باب حاحيت وصيصية (٣) ، وأصلها بوزن القلقلة والحقحقة فانقلبت الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها ، فصارت : هيهاة كالسلقاة والجعباة. وإن كانت الياء التي انقلبت عنها ألف سلقاة وجعباة زائدة ، وياء هيهية أصلا ، فلما جمعت كان قياسها على قولهم : أرطيات وعلقيات (٤) أن يقولوا فيها : (هيهيات) ، إلّا أنهم حذفوا الألف لالتقاء الساكنين لمّا كانت في آخر اسم مبني كما حذفوها في (ذان) ، و (اللّتان) و (تان) : ليفصلوا بين الألفات في أواخر المبنية ، والألفات في أواخر المتمكنة ، وعلى هذا حذفوها في أولات وذوات ، لتخالف ياء حصيات ونويات (٥). وقالوا : من فتح تاء (هيهات) فحقه أن يكتبها هاء ، لأنها في مفرد كتمرة ونواة ، ومن كسرها فحقه أن يكتبها تاء (٦) ، لأنها (٧) في جمع كهندات (٨) ، وكذلك حكم الوقف سواء ، ولا التفات إلى لغة : كيف الإخوه والأخواه ، ولا هذه ثمرت ، لقلتها (٩) ، وقد رسمت في المصحف بالهاء.

واختلف القراء في الوقف عليها ، فمنهم من اتبع الرسم فوقف بالهاء وهما الكسائي والبزيّ (١٠) عن ابن كثير. ومنهم من وقف بالتاء وهم الباقون (١١). وكان ينبغي أن يكون الأكثر على الوقف بالهاء لوجهين :

أحدهما : موافقة الرسم.

والثاني (١٢) : أنهم قالوا : المفتوح اسم مفرد أصله هيهية كولولة وقلقلة في (١٣) مضاعف الرباعي ، وقد تقدم أن المفرد يوقف على تاء تأنيثه بالهاء. وأمّا التنوين (١٤) فهو

__________________

(١) وهو القيسي صاحب إيضاح شواهد الإيضاح ١ / ١٩٣.

(٢) لأن ألف المقصور إذا كانت رابعة فصاعدا تقلب ياء عند جمعه جمع مؤنث سالم.

انظر شرح التصريح ٢ / ٢٩١.

(٣) الصيصية : شوكة الحائك التي يسوي بها السّداة واللحمة. وصيصية البقرة قرنها ، وهي أيضا : الوتد الذي يقلع به التمر. اللسان (صيص).

(٤) في ب : عقليات. وهو تحريف.

(٥) إيضاح شواهد الإيضاح ١ / ١٩٣.

(٦) في ب : للها. وهو تحريف.

(٧) لأنها : سقط من ب.

(٨) انظر المحتسب ٢ / ٩١ ، إيضاح شواهد الإيضاح ١ / ١٩٢.

(٩) شرح المفصل ٩ / ٨٠ ـ ٨١ ، شرح الكافية ٢ / ٧٣ ، شرح الشافية ٢ / ٢٨٨ ـ ٢٩٢.

(١٠) تقدم.

(١١) الكشف ١ / ١٣٠ ـ ١٣٣ ، النشر ٢ / ١٣١ ـ ١٣٢ ، الإتحاف ٣١٩.

(١٢) في ب : وثانيهما.

(١٣) في ب : من.

(١٤) في الأصل : النون.

٢١١

على قاعدة تنوين أسماء الأفعال دخوله دال على التنكير ، وخروجه دال على التعريف (١).

قال القيسي : من نوّن اعتقد تنكيرها ، وتصوّر معنى المصدر النكرة ، كأنه قال : بعدا بعدا. ومن لم ينوّن اعتقد تعريفها ، وتصوّر معنى المصدر المعرفة ، كأنه قال : البعد البعد فجعل التنوين دليل التنكير وعدمه دليل التعريف (٢) انتهى.

ولا يوجد تنوين التنكير إلا في نوعين : أسماء الأفعال وأسماء الأصوات (نحو صه وصه ، وبخ وبخ ، والعلم المختوم ب (ويه)) (٣) نحو سيبويه وسيبويه ، وليس بقياس بمعنى : أنه ليس لك أن (٤) تنوّن منها ما شئت بل ما سمع تنوينه اعتقد تنكيره (٥). والذي يقال في القراءات المتقدمة : إنّ من نوّن جعله للتنكير كما تقدم. ومن لم ينوّن جعل عدم التنوين للتعريف. ومن فتح فللخفة وللاتباع. ومن كسر فعلى أصل التقاء الساكنين ، ومن ضم فتشبيها بقبل وبعد. ومن سكّن فلأنّ أصل البناء السكون. ومن وقف بالهاء فاتباعا للرسم ، ومن وقف بالتاء فعلى الأصل سواء كسرت التاء أو فتحت ، لأنّ الظاهر أنهما سواء ، وإنما ذلك من تغيير اللغات وإن كان المنقول عن مذهب سيبويه (٦) ما تقدم. هكذا ينبغي أن تعلل القراءات المتقدمة. وقال ابن عطية فيمن ضم ونوّن (٧) : إنه اسم معرب مستقل مرفوع بالابتداء ، وخبره (لِما تُوعَدُونَ) أي : البعد لوعدكم (٨) ، كما تقول : النجح لسعيك (٩).

وقال الرازي في اللوامح : فأمّا من رفع ونوّن احتمل أن يكونا (١٠) اسمين (١١) متمكنين مرفوعين ، خبرهما من حروف الجر بمعنى : البعد لما توعدون ، والتكرار للتأكيد ، ويجوز أن يكونا اسما للفعل ، والضم للبناء مثل : حوب (١٢) في زجر الإبل لكنه نوّنه (لكونه) (١٣) نكرة (١٤).

قال شهاب الدين : وكان ينبغي لابن عطية وأبي (١٥) الفضل أن يجعلاه اسما أيضا في حالة النصب مع التنوين على أنه مصدر واقع موقع الفعل (١٦) وقرأ ابن أبي عبلة : «هيهات هيهات ما توعدون» من غير لام جر (١٧). وهي واضحة ، مؤيدة لمدعي زيادتها

__________________

(١) انظر شرح المفصل ٤ / ٧٠ ـ ٧٢ ، شرح الكافية ٢ / ٦٩ ، شرح التصريح ٢ / ٢٠٠ ـ ٢٠١ ، الهمع ٢ / ١٠٥.

(٢) إيضاح شواهد الإيضاح ١ / ١٩٣.

(٣) ما بين القوسين تكملة لاستيفاء الكلام.

(٤) في ب : إن لم. وهو تحريف.

(٥) تقدم قريبا.

(٦) انظر مذهب سيبويه فيما تقدم قريبا.

(٧) وهي قراءة الأحمر وأبي حيوة.

(٨) في ب : لو عدتم. وهو تحريف.

(٩) تفسير ابن عطية ١٠ / ٣٥٥ ـ ٣٥٦.

(١٠) في النسختين : أن يكون.

(١١) في ب : الاسمين.

(١٢) أصل الحوب : الجمل ، ثم كثر حتى صار زجرا له. اللسان (حوب).

(١٣) لكونه : تكملة من البحر المحيط.

(١٤) البحر المحيط ٦ / ٤٠٥.

(١٥) في ب : ولأبي.

(١٦) الدر المصون : ٥ / ٨٨.

(١٧) تفسير ابن عطية ١٠ / ٣٥٧ ، البحر المحيط ٦ / ٤٠٥ وتكون (ما) فاعلة ب (هيهات).

٢١٢

في قراءة العامة (١). و «ما» في (لِما تُوعَدُونَ) تحتمل المصدرية ، أي : لوعدكم ، وأن تكون بمعنى الذي ، والعائد محذوف ، أي : توعدونه.

قوله : (إِنْ هِيَ) «هي» ضمير يفسره سياق الكلام ، أي : إن الحياة (٢) إلا حياتنا (٣).

وقال الزمخشري : هذا ضمير لا يعلم ما يراد به إلّا بما يتلوه من بيانه ، وأصله : إن الحياة (إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا) ، فوضع «هي» موضع «الحياة» (٤) لأنّ الخبر يدل عليها ويبينها ، ومنه : هي النّفس تتحمل ما حمّلت ، وهي العرب تقول ما شاءت (٥). وقد جعل بعضهم هذا القسم مما يفسر بما بعده لفظا ورتبة ، ونسبه إلى الزمخشري متعلقا بما نقلناه عنه. قال شهاب الدين : ولا تعلق له في ذلك(٦).

قوله : (نَمُوتُ وَنَحْيا) جملة مفسرة لما ادّعوه من أنّ حياتهم ما هي إلا كذا. وزعم بعضهم أنّ فيها دليلا على عدم الترتيب في الواو (٧) ، إذ المعنى : نحيا ونموت إذ هو الواقع.

ولا دليل فيها لأنّ الظاهر من معناها يموت البعض منا ويحيا آخرون وهلم جرّا يسير إلى انقراض العصر ويخلف غيره مكانه. وقيل : نموت نحن ويحيا أبناؤنا.

وقيل : القوم كانوا يعتقدون الرجعة أي : نموت ثم نحيا بعد ذلك الموت.

فصل

اعلم أنّ القوم طعنوا (٨) في نبوّته بكونه بشرا يأكل ويشرب ، ثم جعلوا طاعته خسرانا : أي إنكم إن أعطيتموه الطاعة من غير أن يكون لكم بإزائها نفع ، فذلك هو الخسران ، ثم طعنوا في صحة الحشر والنشر ، فقالوا : (أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُراباً وَعِظاماً أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ) معادون أحياء للمجازاة ، ثم لم يقتصروا على هذا القدر حتى

__________________

(١) تقدم قريبا.

(٢) في النسختين : حالتكم.

(٣) في الأصل : كحياتنا.

(٤) في النسختين : حياتنا.

(٥) الشاهد في هذين القولين أن الضمير مبتدأ يفسر بالخبر ، وهو من المواضع التي يكون مفسر الضمير فيها مؤخرا ، وتقدم الحديث عن المواضع التي يعود فيها الضمير على متأخر لفظا ورتبة.

(٦) لأن الزمخشري أراد أن المثالين يمكن حملهما على ذلك ، لأنه متعين فيهما.

الدر المصون ٥ / ٨٨.

(٧) الواو العاطفة لمطلق الجمع ، أي : الاجتماع في الفعل من غير تقييد بحصوله من كليهما في زمان أو سبق أحدهما فقولك جاء زيد وعمرو. يحتمل على السواء أنهما جاءا معا ، أو زيد جاء أولا أو آخرا ، ومن ورودها في المصاحب قوله تعالى : «فَأَنْجَيْناهُ وَأَصْحابَ السَّفِينَةِ»[العنكبوت : ١٥] وفي السابق قوله تعالى : «وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً وَإِبْراهِيمَ» [الحديد : ٢٦] وفي المتأخر قوله تعالى : «كَذلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ» [الشورى : ٣]. وقول السيرافي : إن النحويين واللغويين أجمعوا على أنها لا تفيد الترتيب. مردود ، بل قال بإفادتها إياه قطرب والربعي والفراء وثعلب وأبو عمر الزاهد وهشام والشافعي.

المغني ٢ / ٣٥٤ ـ ٣٥٥ ، الهمع ٢ / ١٢٨ ـ ١٢٩.

(٨) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٣ / ٩٩.

٢١٣

قرنوا به الاستبعاد العظيم ، فقالوا : (هَيْهاتَ هَيْهاتَ لِما تُوعَدُونَ) ثم أكدوا (١) ذلك بقولهم : (إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا) ولم يريدوا بقولهم : (نَمُوتُ وَنَحْيا) الشخص الواحد ، بل أرادوا أن البعض يموت والبعض يحيا ، وأنه لا إعادة ولا حشر فلذلك قالوا : (وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ) ثم بنوا على هذا فطعنوا في نبوّته وقالوا لما أتى في دينه بهذا الباطل فقد (افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً وَما نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ).

واعلم أنّ الله ـ تعالى ـ ما أجاب عن هاتين الشبهتين لظهور فسادهما أمّا الأولى : فتقدم الجواب عنها (٢). وأمّا إنكارهم الحشر والنشر فجوابه ، أنّه لمّا كان قادرا على كل الممكنات عالما بكل المعلومات وجب أن يكون قادرا (٣) على الحشر والنشر ، وأيضا : فلولا الإعادة لكان تسليط القويّ على الضعيف في الدنيا ظلما ، وهو غير لائق بالحكيم على ما تقرر في قوله تعالى : (إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَىٰ)(٤)(٥).

واعلم أنّ الرسول لمّا يئس (٦) من قبول دعوته فزع إلى ربّه وقال : (رَبِّ انْصُرْنِي بِما كَذَّبُونِ) وقد تقدّم تفسيره. فأجاب الله سؤاله وقال : (عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نادِمِينَ)(٧).

قوله : (عَمَّا قَلِيلٍ) في (ما) هذه وجهان :

أحدهما : أنّها مزيدة بين الجار والمجرور (٨) للتوكيد (٩) كما زيدت الباء نحو : (فَبِما رَحْمَةٍ)(١٠) ، وفي من (١١) نحو «مما خطاياهم» (١٢).

و «قليل» صفة لزمن محذوف ، أي : عن زمن قليل (١٣).

والثاني : أنّها غير زائدة ، بل هي نكرة بمعنى شيء أو زمن ، و «قليل» صفتها (١٤) ، أو بدل منها (١٥)(١٦) ، وهذا الجار فيه ثلاثة أوجه :

أحدها : أنّه متعلق بقوله : «ليصبحنّ» ، أي : ليصبحن عن زمن قليل نادمين (١٧).

__________________

(١) في ب : ثم أكد.

(٢) تقدم قريبا.

(٣) في الأصل : قادا. وهو تحريف.

(٤) [طه : ١٥].

(٥) آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢٣ / ٩٨ ـ ٩٩.

(٦) في ب : اليس. وهو تحريف.

(٧) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٩٩.

(٨) البيان ٢ / ١٨٥ ، التبيان ٢ / ٩٥٥.

(٩) في الأصل : بالتوكيد.

(١٠) من قوله تعالى :«فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ»[آل عمران : ١٥٩].

(١١) انظر شرح الكافية الشافية ٢ / ٨١٦ شرح التصريح ٢ / ٢٠ ، الهمع ٢ / ٣٧ ـ ٣٨ ، شرح الأشموني ٢ / ٢٣٠.

(١٢) من قوله تعالى : «مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا ناراً فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْصاراً»[نوح : ٢٥].

و «خطاياهم» قراءة أبي عمرو ، وقراءة الباقين «خطيئاتهم» انظر السبعة (٦٥٣) ، الكشف ٢ / ٢٣٧.

(١٣) انظر البحر المحيط ٦ / ٣٠٥.

(١٤) في الأصل : صفتهما.

(١٥) في ب : منهما.

(١٦) انظر التبيان ٢ / ٩٥٥.

(١٧) انظر التبيان ٢ / ٩٥٥ ، البحر المحيط ٦ / ٤٠٦.

٢١٤

الثاني : أنه متعلق ب «نادمين» (١) ، وهذا على أحد الأقوال في لام القسم ، وذلك أنّ فيها ثلاثة أقوال :

جواز تقديم معمول ما بعدها عليها مطلقا ، وهو قول الفراء وأبي عبيدة.

والثاني : المنع مطلقا ، وهو قول جمهور البصريين.

والثالث : التفصيل بين الظرف وعديله وبين غيرهما ، فيجوز فيهما للاتساع (٢) ويمتنع في غيرهما فلا يجوز في : والله لأضربن زيدا ، زيدا لأضربن لأنه غير ظرف ولا عديله (٣).

والثالث من الأوجه المتقدمة : أنّه متعلق بمحذوف تقديره : عمّا قليل تنصر حذف لدلالة ما قبله عليه ، وهو قوله : (رَبِّ انْصُرْنِي)(٤). وقرىء : «لتصبحنّ» بتاء الخطاب (٥) على الالتفات ، أو على أنّ القول صدر من الرسول لقومه بذلك.

قوله : (عَمَّا قَلِيلٍ) الآية معناه أنه يظهر لهم علامات الهلاك فعند ذلك يحصل لهم الحسرة (٦) والندامة على ترك القبول (٧). ثمّ بيّن تعالى (٨) الهلاك الذي أنزل عليهم بقوله : (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ) قيل : إن جبريل ـ عليه‌السلام (٩) ـ صاح بهم صيحة عظيمة فهلكوا. وقال ابن عباس : الصيحة الرجفة (١٠). وعن الحسن : الصيحة نفس العذاب والموت. كما يقال فيمن يموت : دعي فأجاب.

وقيل : هي العذاب المصطلم (١١) ، قال الشاعر :

٣٧٩٧ ـ صاح الزمان بآل برمك صيحة

خروا لشدتها على الأذقان (١٢)

والأول أولى لأنه الحقيقة (١٣).

قوله : «بالحقّ» أي : دمرناهم بالعدل ، من قولك : فلان يقضي بالحق إذا كان عادلا في قضائه (١٤). وقال المفضل : «بالحقّ» بما لا مدفع له كقوله (١٥) : (وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ)(١٦)(١٧).

__________________

(١) انظر التبيان ٢ / ٩٥٥ ، الحر المحيط ٦ / ٤٠٦.

(٢) في ب : الاتساع.

(٣) وهو رأي ابن مالك. وانظر هذه الأقوال في الهمع ٢ / ٤٤.

(٤) انظر البيان ٢ / ١٨٥.

(٥) البحر المحيط ٦ / ٤٠٦.

(٦) في ب : الخسران.

(٧) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٠٠.

(٨) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٣ / ١٠٠.

(٩) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(١٠) الرّجفة : الزلزلة. ورجفت الأرض ترجف رجفا : اضطربت. اللسان (رجف).

(١١) الاصطلام : الاستئصال ، وهو افتعال من الصّلم ، وهو القطع. اللسان (صلم).

(١٢) البيت من بحر الكامل ، لم أهتد إلى قائله ، وهو في الفخر الرازي ٢٣ / ١٠٠ ، البحر المحيط ٦ / ٤٠٦.

(١٣) آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢٣ / ١٠٠.

(١٤) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٠٠.

(١٥) في ب : كقولك. وهو تحريف.

(١٦) [ق : ١٩].

(١٧) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٠٠ ، البحر المحيط ٦ / ٤٠٦.

٢١٥

قوله : (فَجَعَلْناهُمْ غُثاءً) الجعل بمعنى : التصيير ، و «غثاء» مفعول ثان ، والغثاء : قيل : هو الجفاء ، وتقدم في الرعد (١) ، قاله الأخفش (٢) وقال الزجاج : هو البالي من ورق الشجر والعيدان إذا جرى السيل خالط زبده واسود (٣) ، ومنه قوله : (غُثاءً أَحْوى)(٤) وقيل : كل ما يلقيه السيل والقدر مما لا ينتفع به (٥) ، وبه يضرب المثل في ذلك ولامه واو ، لأنه من غثا الوادي يغثو غثوا ، وكذلك غثت القدر ، وأمّا غثيت نفسه تغثي غثيانا ، أي : خبثت. فهو قريب من معناه ، ولكنه من مادة الياء (٦).

وتشدد (ثاء) الغثاء ، وتخفّف ، وقد جمع على أغثاء ، وهو شاذ ، بل كان قياسه أن يجمع على أغثية ، كأغرية ، وعلى غيثان ، كغربان ، وغلمان (٧) وأنشدوا لامرىء القيس :

٣٧٩٨ ـ من السّيل والغثّاء فلكة مغزل (٨)

بتشديد الثاء ، وتخفيفها ، والجمع ، أي : والأغثاء.

قوله : (فَبُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) «بعدا» مصدر يذكر بدلا من اللفظ بفعله فناصبه واجب الإضمار لأنه بمعنى الدعاء عليهم ، والأصل : بعد (٩) بعدا وبعدا نحو رشد رشدا ورشدا (١٠) وفي هذه اللام قولان :

__________________

(١) عند قوله تعالى : «أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رابِياً فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً»[الرعد : ١٧]. وذكر ابن عادل هناك : والجفاء : قال ابن الأنباري المتفرق ، يقال : جفأت الريح السحاب ، أي : قطعته وفرقته ، وقيل : الجفاء ما يرمي به السيل يقال : جفأت القدر بزبدها تجفأ من باب قطع ، وجفأ السيل بزبده وأجفأ وأجفل باللام. انظر اللباب ٥ / ١٠٠.

(٢) قال الأخفش : الغثاء والجفاء واحد. وهو ما احتمله السيل من القذر والزبد. انظر قول الأخفش في البحر المحيط ٦ / ٣٩٣ ، وهو غير موجود في معاني القرآن.

(٣) معاني القرآن وإعرابه ٤ / ١٣.

(٤) من قوله تعالى : «فَجَعَلَهُ غُثاءً أَحْوى» [الأعلى : ٥].

(٥) انظر البحر المحيط ٦ / ٣٩٣.

(٦) انظر اللسان (غثا).

(٧) لأن (فعال) لا يجمع على (أفعال) ، وإنما يجمع جمع قلة على أفعلة لأنه رباعي قبل آخره مد ، فهو يساوي في القلة فعال ـ بالفتح ـ وفعال ـ بالكسر ـ ك (زمان) أزمنة ، و (مكان) أمكنة ، و (حمار) أحمرة ، و (خلال) أخلّة. وبابه في الكثير (فعلان) كغلمان ، وغربان ، وخرجان وذبّان.

شرح الشافية ٢ / ١٢٨ ـ ١٢٩.

(٨) عجز بيت من بحر الطويل ، قاله امرؤ القيس ، وهو من معلقته ، وهو في الديوان (٢٥) ، والكشاف ٣ / ٤٨ ، وشرح شواهده (٩٩).

(٩) في ب : بعدا. وهو تحريف.

(١٠) «بعدا» من جملة المصادر التي قال سيبويه إنها نصبت بأفعال لا يستعمل إظهارها ، ومنها : سقيا ، ورعيا ، وخيبة. حيث قال: (إنما ينتصب هذا وما أشبهه إذا ذكر مذكور فدعوت له أو عليه ، على إضمار الفعل ، كأنك قلت : سقاك الله سقيا ، ورعاك الله رعيا ، وخيّبك الله خيبة ، فكل هذا وأشباهه على هذا ينتصب. وإنما اختزل الفعل ههنا ، لأنهم جعلوه بدلا من اللفظ بالفعل ، كما جعل الحذر بدلا من احذر. وكذلك هذا كأنه بدل من سقاك الله ، ورعاك الله ، ومن خيّبك الله) الكتاب ١ / ٣١١ ـ ٣١٢. وانظر أيضا الكشاف ٣ / ٤٨ ، تفسير ابن عطية ١٠ / ٣٥٨ ، البحر المحيط ٦ / ٤٠٦.

٢١٦

أظهرهما : أنها متعلقة بمحذوف للبيان ، كهي في سقيا له ، وجدعا له. قاله الزمخشري (١).

والثاني : أنّها متعلقة ب «بعدا» قاله الحوفي (٢). وهذا مردود ، لأنه لا يحفظ حذف هذه اللام ، ووصول المصدر إلى مجروها ألبتة ، ولذلك منعوا الاشتغال في قوله : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَهُمْ)(٣) لأن اللام لا تتعلق ب «تعسا» بل بمحذوف ، وإن كان الزمخشري جوّز ذلك (٤) ، وسيأتي في موضعه إن شاء الله تعالى (٥).

فصل

(فَجَعَلْناهُمْ غُثاءً) صيرناهم (٦) هلكى فيبسوا يبس الغثاء من نبات الأرض ، «فبعدا» بمنزلة اللعن الذي هو التبعيد من الخير (لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) الكافرين ، ذكر هذا على وجه الاستخفاف والإهانة لهم (٧).

قوله تعالى : (ثُمَّ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قُرُوناً آخَرِينَ (٤٢) ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها وَما يَسْتَأْخِرُونَ (٤٣) ثُمَّ أَرْسَلْنا رُسُلَنا تَتْرا كُلَّ ما جاءَ أُمَّةً رَسُولُها كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنا بَعْضَهُمْ بَعْضاً وَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ فَبُعْداً لِقَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ)(٤٤)

قوله تعالى : (ثُمَّ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قُرُوناً آخَرِينَ) أي : أقواما آخرين. قيل : المراد قصة لوط ، وشعيب ، وأيوب ، ويوسف (٨) ـ صلوات الله عليهم أجمعين (٩) ـ ، والمعنى : أنه ما أخلى الديار من المكلفين (١٠). (ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها) (من) صلة كأيّ : ما تسبق أمة أجلها وقت هلاكها (١١). وقيل : آجال حياتها وتكليفها (١٢). قال أهل السنة : هذه الآية تدل على أن المقتول ميّت بأجله ، إذ لو قتل قبل أجله لكان قد تقدّم الأجل أو تأخر ، وذلك ينافيه هذا النص (١٣).

قوله : (ثُمَّ أَرْسَلْنا رُسُلَنا تَتْرا) في «تترى» وجهان :

__________________

(١) انظر الكشاف ص ٣ / ٤٨.

(٢) البرهان ٦ / ١٥٠.

(٣) من قوله تعالى : «وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمالَهُمْ» [محمد : ٨] ف «الَّذِينَ كَفَرُوا» مبتدأ ، والخبر محذوف تقديره تعسوا ، أو أتعسوا ، ودل عليهما «تعسا» ودخلت الفاء تنبيها على الخبر. التبيان ٢ / ١١٦٠.

(٤) قال الزمخشري :(«وَالَّذِينَ كَفَرُوا» يحتمل الرفع على الابتداء والنصب بما يفسره «فَتَعْساً لَهُمْ» كأنه قال : أتعس الذين كفروا) الكشاف ٣ / ٤٥٤.

(٥) [محمد : ٨].

(٦) في ب : فصيرناهم.

(٧) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٠٠.

(٨) انظر البحر المحيط ٦ / ٤٠٧.

(٩) أجمعين : سقط من ب.

(١٠) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٠١.

(١١) انظر القرطبي ١٢ / ١٢٥.

(١٢) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٠١.

(١٣) المرجع السابق.

٢١٧

أظهرهما : أنه منصوب على الحال من «رسلنا» ، يعني : متواترين أي : واحدا بعد واحد ، أو متتابعين على حسب الخلاف في معناه. وحقيقته : أنه مصدر واقع موقع الحال (١).

والثاني : أنه نعت مصدر محذوف ، تقديره : إرسالا تترى ، أي : متتابعا أو إرسالا إثر إرسال (٢) وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وأبو جعفر ، وهي قراءة الشافعي «تترى» بالتنوين ، ويقفون بالألف ، وباقي السبعة «تترى» بألف صريحة دون تنوين ، والوقف عندهم يكون بالياء ، ويميله حمزة والكسائي ، وهو مثل غضبى وسكرى ، ولا يميله أبو عمرو في الوقف (٣) ، وهذه هي اللغة المشهورة. فمن نوّن فله وجهان:

أحدهما : أنّ وزن الكلمة فعل كفلس فقوله : «تترى» كقولك : نصرته نصرا ؛ ووزنه في قراءتهم «فعلا» (٤). وقد ردّ هذا الوجه ، بأنه لم يحفظ جريان حركات الإعراب على رائه ، فيقال : هذا تتر ، ورأيت تترا ، ومررت بتتر ، نحو : هذا نصر ، ورأيت نصرا ، ومررت بنصر ، فلمّا لم يحفظ ذلك بطل أن يكون وزنه (فعلا) (٥).

الثاني : أنّ ألفه للإلحاق بجعفر ، كهي في أرطى (٦) وعلقى (٧) ، فلما نوّن ذهبت لالتقاء الساكنين (٨) وهذا أقرب مما قبله ، ولكنه يلزم منه وجود ألف (٩) الإلحاق في المصادر ، وهو نادر (١٠) (ومن لم ينوّن ، فله فيه ثلاثة أوجه :

أحدها : أن الألف بدل من التنوين في حالة الوقف.

والثاني : أنها للإلحاق كأرطى وعلقى) (١١).

الثالث : أنها للتأنيث كدعوى ، وهي واضحة (١٢).

__________________

(١) انظر مشكل إعراب القرآن ٢ / ١١٠ ، البيان ٢ / ١٨٥ ، التبيان ٢ / ٩٥٥ ، البحر المحيط ٦ / ٤٠٧.

(٢) انظر التبيان ٢ / ٩٥٥.

(٣) السبعة (٤٤٦). الحجة لابن خالويه (٢٥٧) الكشف ١ / ١٧٨ ـ ١٧٩ ، ٢ / ١٢٨ ، ١٢٩ النشر ٢ / ٣٢٨ ، الإتحاف ٣١٩.

(٤) انظر الكشف ٢ / ١٢٨ ، مشكل إعراب القرآن ٢ / ١١٠.

(٥) انظر البحر المحيط ٦ / ٣٩٤.

(٦) الأرطى : ـ بفتح فسكون ـ شجر ينبت في الرمل ، واحدته أرطاة. اللسان (أرط).

(٧) العلقى : شجر تدوم خضرته في القيظ ، ولها أفنان طوال دقاق ، وورق لطاف ، واختلف في ألفها ، فبعضهم يجعلها للتأنيث فلا ينوّنها ، وبعضهم يجعلها للإلحاق بجعفر ، وينوّنها. اللسان (علق).

(٨) انظر الكشف ٢ / ١٢٨ ، مشكل إعراب القرآن ٢ / ١١٠ ، البيان ٢ / ١٨٥.

(٩) في الأصل : الألف.

(١٠) قال ابن الأنباري : (فمن قرأ بالتنوين جعل ألفها للإلحاق بجعفر وشرحب ، وألف الإلحاق قليلة في المصادر ، ولهذا جعلها بعضهم بدلا من التنوين) البيان ٢ / ١٨٥.

(١١) ما بين القوسين تكملة من الدر المصون.

(١٢) لأن المصادر كثيرا ما يلحقها ألف التأنيث كالدعوى من دعا ، والذكرى من ذكر ، فلم ينصرف (تترى) للتأنيث وللزومه. الكشف ٢ / ١٢٩ ، مشكل إعراب القرآن ٢ / ١١٠ ، البيان ٢ / ١٨٥.

٢١٨

فتحصّل في ألفه ثلاثة أوجه :

أحدها : أنها بدل من التنوين في الوقف.

الثاني : أنها للإلحاق.

الثالث : أنها للتأنيث (١).

واختلفوا فيها هل هي مصدر كدعوى و «ذكرى» (٢) ، أو اسم جمع ك «أسرى» (٣) و «شتى» (٤)؟ كذا قاله أبو حيان (٥). وفيه نظر : إذ المشهور أن «أسرى» و «شتّى» جمعا تكسير (٦) لا اسما جمع (٧). وتاؤها في الأصل واو (٨) لأنها من المواترة (٩) ، والوتر (١٠) ، فقلبت تاء كما قلبت تاء في «تورية» (١١) ، وتولج (١٢) ، وتيقور (١٣) ، وتخمة (١٤) وتراث (١٥) ، وتجاه (١٦) فإنه من الوري والولوج ، والوقار ، والوخامة ، والوراثة ، والوجه (١٧). واختلفوا في مدلولها ، فعن الأصمعي : واحدا بعد واحد وبينهما هنيهة (١٨) وقال غيره : هو من المواترة ، وهي التتابع بغير مهلة (١٩). وقال الراغب : والتواتر تتابع

__________________

(١) انظر التبيان ٢ / ٩٥٥.

(٢) من قوله تعالى : «وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ» [الأنعام : ٦٨].

(٣) من قوله تعالى : «ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ» [الأنفال : ٦٧].

(٤) من قوله تعالى : «وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْ نَباتٍ شَتَّى» [طه : ٥٣].

(٥) قال أبو حيان : (وقيل «تترى» اسم جمع ك «أسرى» و «شتّى»). البحر المحيط ٦ / ٣٩٤.

(٦) في ب : تكسيرا. وهو تحريف.

(٧) تقدّم.

(٨) في الأصل : أو. وهو تحريف.

(٩) في ب : المتواترة.

(١٠) انظر الكشف ٢ / ١٢٩ ، مشكل إعراب القرآن ٢ / ١١٠ ، البيان ٢ / ١٨٥ ، التبيان ٢ / ٩٥٥ ، القرطبي ١٢ / ١٢٥.

(١١) هي أصل : توراة ، فهي مصدر «ورّى» ـ بالتضعيف ـ قلبت حركة الياء إلى ما قبلها ثم قلبت الياء ألفا على لغة طيىء الذين يقولون : باداة وجاراة ، في بادية وجارية فصارت توراة. وتوراة : أصلها ووراة على وزن فوعلة من ورى الزند يري ، فأبدل الواو الأولى تاء ، لأنه لو لم تبدل الواو الأولى تاء لأبدلت همزة هروبا من اجتماع واوين في أول الكلمة.

(١٢) التولج : كناس الظبي أو الوحش الذي يلج فيه ، وأصله : وولج ، أبدلت الواو الأولى تاء. اللسان (ولج).

(١٣) التيقور : الوقار ، فيعول ، وأصله : ويقور ، قلبت الواو تاء ، قال العجاج :

فإن يكن أمسى البلى تيقوري

اللسان (وقر).

(١٤) التخمة : الثقل الذي يصيبك من الطعام. وأصلها : وخمة ، قلبت الواو تاء. اللسان (وخم).

(١٥) التراث : المال الموروث ، أصله : وراث ، قلبت الواو تاء. اللسان (ورث).

(١٦) تقول : قعد فلان تجاه فلان ، أي : تلقاءه ، وأصله : وجاه قلبت الواو تاء ، اللسان (وجه).

(١٧) انظر سر صناعة الإعراب ١ / ١٤٥ ـ ١٤٨ ، الممتع ١ / ٣٨٣ ـ ٣٨٧ ، شرح الشافية ٣ / ٨٠ ـ ٨٣ ، ٢١٩ ـ ٢٢٠.

(١٨) اللسان (وتر) ، البحر المحيط ٦ / ٣٩٣.

(١٩) المرجعان السابقان.

٢١٩

الشيء وترا وفرادى ، قال تعالى : (ثُمَّ أَرْسَلْنا رُسُلَنا تَتْرا)(١). والوتيرة : السّجية والطريقة ، يقال : هم على وتيرة واحدة (٢). والتّرة : الذّحل (٣) والوتيرة (٤) : الحاجز بن المنخرين (٥).

قوله : (كُلَّ ما جاءَ أُمَّةً رَسُولُها كَذَّبُوهُ) أي : أنهم سلكوا في تكذيب أنبيائهم مسلك من تقدّم ذكره ممن أهلكه الله بالغرق والصيحة ، ولذلك قال : (فَأَتْبَعْنا بَعْضَهُمْ بَعْضاً) بالإهلاك (٦).

قوله : (وَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ) قيل : هو جمع حديث ، ولكنه شاذ (٧). والمعنى : سمرا وقصصا يحدث من بعدهم بأمرهم ، ولم يبق منهم عين ولا أثر إلا الحديث الذي يعتبر به (٨).

وقيل : بل هو جمع أحدوثة ، كأضحوكة وأعجوبة ، وهو ما يتحدث به الناس تلهيا وتعجّبا (٩).

وقال الأخفش : لا يقال ذلك إلا في الشر ولا يقال في الخير (١٠) وقد شذت العرب في ألفاظ ، فجمعوها على صيغة (أفاعيل) كأباطيل وأقاطيع (١١). وقال الزمخشري : الأحاديث يكون اسم جمع للحديث ، ومنه أحاديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (١٢).

وقال أبو حيان : و (أفاعيل) ليس من أبنية اسم الجمع ، فإنما ذكره النحاة (١٣) فيما شذ من الجموع كقطيع وأقاطيع ، وإذا كان عباديد قد حكموا عليه بأنه جمع تكسير مع أنهم لم يلفظوا له بواحد(١٤) ، فأحرى (١٥) أحاديث وقد لفظ له بواحد وهو حديث فاتضح أنه جمع تكسير لا اسم جمع لما ذكرنا(١٦). ثم قال تعالى : (فَبُعْداً لِقَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ) وهذا دعاء ، وذم ، وتوبيخ ، وذلك وعيد شديد(١٧).

__________________

(١) المفردات في غريب القرآن (٥١١).

(٢) اللسان (وتر).

(٣) الذحل : الثأر ، وقيل : طلب مكافأة بجناية جنيت عليك ، أو عداوة أتيت إليك ، وقيل : هو العداوة والحقد ، وجمعة أذحال وذحول ، وهو التّرة ، يقال طلب بذحله ، أي : بثأره. اللسان (ذحل ، وتر).

(٤) في الأصل : والوتير.

(٥) المنخران : ثقبا الأنف. اللسان (نخر ، وتر).

(٦) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٠١.

(٧) انظر شرح الأشموني ٤ / ١٢٩ ، ١٣٨.

(٨) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٠١ ، البحر المحيط ٦ / ٤٠٧.

(٩) انظر الكشاف ٣ / ٤٨.

(١٠) لم أجده في معاني القرآن للأخفش. وهو في البحر المحيط ٦ / ٤٠٧.

(١١) انظر شرح الشافية ٢ / ٢٠٤ ـ ٢٠٦.

(١٢) الكشاف ٣ / ٤٨.

(١٣) في الأصل : البخاري. وهو تحريف.

(١٤) ف (عباديد) جمع ليس له واحد من لفظه ، وقد قدّروا له واحدا وإن لم يستعمل وهو عبدود ، شرح الكافية ٢ / ١٧٨.

(١٥) في ب : وأجرى. وهو تحريف.

(١٦) البحر المحيط ٦ / ٤٠٧. وقال الرضيّ : (وكذا أحاديث النبي ـ صلى الله تعالى عليه وسلم ـ في جمع الحديث ، فليس جمع الأحدوثة المستعملة ، لأنها الشيء الطفيف الرذل ، حوشي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن مثله). شرح الكافية ٢ / ١٧٩.

(١٧) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٠١.

٢٢٠