اللّباب في علوم الكتاب - ج ١٤

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي

اللّباب في علوم الكتاب - ج ١٤

المؤلف:

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي


المحقق: عادل أحمد عبد الموجود و علي محمّد معوّض
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-2298-3

الصفحات: ٥٩٢

أحدها : أن قوله : (لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ) يدلّ على أنه تعالى أراد الإيمان من الكل ؛ لأنه تعالى لا يجعل الشهيد على عباده إلا من كان عدلا مرضيا ، فإذا أراد أن يكونوا شهداء على الناس فقد أراد أن يكونوا جميعا صالحين عدولا ، وقد علمنا أن منهم فسّاقا (١) ، فدل ذلك على أن الله ـ تعالى ـ أراد من الفاسق كونه عدلا.

وثانيها : قوله : (وَاعْتَصِمُوا بِاللهِ) وكيف يمكن الاعتصام به مع أن الشر لا يوجد إلا منه.

وثالثها : قوله : (فَنِعْمَ الْمَوْلى) فإنه لو كان كما يقوله أهل السنة من أنه خلق أكثر عباده ليخلق فيهم الكفر والفساد ثم يعذبهم لما كان نعم المولى ، بل كان لا يوجد من شر المولى أحد إلا وهو شرّ منه ، فكان يجب أن يوصف بأنه بئس المولى. وذلك باطل فدل على أنه ـ سبحانه ـ ما أراد من جميعهم إلا الصلاح. فإن قيل : لم لا يجوز أن يكون نعم المولى للمؤمنين خاصة كما أنه نعم النصير لهم خاصة؟ قلنا : إنه ـ تعالى ـ مولى الكافرين والمؤمنين جميعا ، فيجب أن يقال : نعم المولى للمؤمنين وبئس المولى للكافرين ، فإن ارتكبوا ذلك فقد ردوا القرآن والإجماع وصرحوا بشتم الله ـ تعالى ـ تعالى الله عند ذلك.

ورابعها : أن قوله : (سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ) يدل على إثبات الأسماء الشرعية وأنها من قبل الله ـ تعالى (٢) ـ لأنها لو كانت لغة لما أضيفت إلى الله تعالى على وجه الخصوص.

والجواب عن الأول : وهو قولهم إن كونه ـ تعالى ـ مريدا لكونه شاهدا يستلزم كونه مريدا لكونه عدلا. فنقول : إن كانت إرادة الشيء مستلزمة لإرادة لوازمه فإرادة الإيمان من الكافر يوجب أن تكون مستلزمة لإرادة جهل الله ، ويلزم كونه ـ تعالى ـ مريدا لجهل نفسه ، وإن لم يكن ذلك واجبا فقد سقط الكلام.

وأما قوله : (وَاعْتَصِمُوا بِاللهِ) فيقال : هذا أيضا وارد عليكم ، فإنه ـ سبحانه ـ خلق الشهوة في قلب الفاسق وأكدها وخلق المشتهى وقربه منه ورفع المانع ثم سلط عليه شياطين الإنس والجن ، وعلم لا محالة أنه يقع في الفجور والضلال ، وفي الشاهد كل من فعل ذلك فإنه يكون بئس المولى. فإن صح قياس الغائب على الشاهد فهذا لازم عليكم وإن بطل سقط كلامكم بالكلية والله أعلم (٣).

روى الثعلبي بإسناده (٤) عن أبيّ بن كعب قال : قال رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : «من قرأ سورة الحج أعطي من الأجر كحجة حجها وعمرة اعتمرها بعدد من حج واعتمر فيما مضى وفيما بقي» (٥).

__________________

(١) في النسختين : فاسق. والصواب ما أثبته.

(٢) تعالى : سقط من ب.

(٣) آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢٣ / ٧٥ ـ ٧٦.

(٤) في ب : بإسناده عن أبي أمامة.

(٥) أخرجه ابن حجر العسقلاني في الكافي الشاف عن الثعلبي وابن مردويه من حديث أبيّ بن كعب ١١٤ ـ ١١٥.

١٦١

سورة المؤمنون

مكية (١) وهي مائة وثمان عشرة آية ، وألف ومائتان وأربعون كلمة ، وعدد حروفها أربعة آلاف وثمانمائة وحرفان.

بسم الله الرحمن الرحيم

قوله تعالى : (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (١) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ (٢) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (٣) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ (٤) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ (٥) إِلاَّ عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (٦) فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ (٧) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ (٨) وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلَواتِهِمْ يُحافِظُونَ (٩) أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ (١٠) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيها خالِدُونَ)(١١)

قوله تعالى : (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ) الآيات العشر ، روى ابن شهاب (٢) عن عروة بن الزبير عن عبد الرحمن بن عبد القاري (٣) قال : سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول : كان إذا نزل على رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ الوحي يسمع عند وجهه كدويّ النحل فمكثنا ساعة ، وفي رواية : فنزل عليه يوما فمكثنا ساعة ، فاستقبل (٤) القبلة فرفع يديه ، وقال : «اللهمّ زدنا ولا تنقصنا ، وأكرمنا ولا تهنّا ، وأعطنا ولا تحرمنا ، وآثرنا ولا تؤثر علينا وارض عنّا» ثم قال : «لقد أنزل علينا عشر آيات من أقامهنّ دخل الجنّة» ثم قرأ : (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ) عشر آيات (٥). ورواه الإمام أحمد ، وعلي بن المديني(٦) ، وجماعة عن عبد

__________________

(١) البحر المحيط ٦ / ٣٩٢.

(٢) من هنا نقله ابن عادل عن البغوي ٦ / ٣.

(٣) في النسختين : القادري. هو عبد الرحمن بن عبد القاري ، أخذ عن عمر ، وأبي طلحة ، وأخذ عنه السائب بن يزيد من أقرانه ، وعروة ، مات بالمدينة سنة ٨٠ ه‍.

خلاصة تذهيب تهذيب الكمال ٢ / ١٤٣.

(٤) في ب : واستقبل.

(٥) أخرجه الترمذي (التفسير) ٥ / ٨ ، والإمام أحمد ١ / ٣٤ ، وذكره السيوطي في الدر المنثور ٥ / ٢.

(٦) هو علي بن عبد الله بن جعفر السعدي مولاهم أبو الحسن البصري ، أحد الأئمة الأعلام ، وحفاظ الإسلام ، روى عن أبيه ، وحماد بن زيد ، وابن عيينة ، وغيرهم ، وعنه أحمد ، والبخاري ، وأبو داود ، وغيرهم ، مات سنة ٢٣٤ ه‍. طبقات الحافظ (١٨٤).

١٦٢

الرزاق (١) وقالوا : «وأعطنا ولا تحرمنا وارض عنّا» (٢).

قوله : «قد» هنا للتوقع ، قال الزمخشري : «قد» نقيضة «لمّا» قد تثبت (٣) المتوقع (٤) ولما تنفيه ، ولا شك أنّ المؤمنين كانوا متوقعين لهذه البشارة ، وهي الإخبار بثبات الفلاح لهم ، فخوطبوا بما دلّ على ثبات (٥) ما توقعوه (٦). وقال البغوي : قد حرف تأكيد. وقال المحققون : قد يقرب الماضي من الحال (٧) يدل على أن الفلاح قد

__________________

(١) هو عبد الرزاق بن همام بن نافع مولى لحمير ، ويكنى أبا بكر ، وكان أبوه همام يروي عن سالم بن عبد الله وغيره ، مات سنة ٢٢١ ه‍. المعارف ٥١٩.

(٢) مسند الإمام أحمد ١ / ٣٤. آخر ما نقله هنا عن البغوي ٦ / ٣.

(٣) في ب : ثبت.

(٤) «قد» حرف يختص بالفعل المتصرف الخبري المثبت المجرد من جازم وناصب وحرف تنفيس ، وهي معه كالجزء ، فلا تفصل منه بشيء ، إلا بالقسم كقوله :

أخالد قد والله أوطأت عشوة

وما قائل المعروف فينا يعنف

ومن معانيها التوقع وذلك مع المضارع واضح كقولك : قد يقدم الغائب اليوم ، إذا كنت تتوقع قدومه.

أما مع الماضي فأثبته الأكثرون ، قال الخليل : يقال : قد فعل. لقوم ينتظرون الخبر ، ومنه قول المؤذن : قد قامت الصلاة ، لأن الجماعة منتظرون لذلك وأنكر بعضهم كونها للتوقع مع الماضي ، وقال : التوقع انتظار الوقوع والماضي قد وقع.

وأنكره ابن هشام مطلقا حيث قال : والذي يظهر لي قول ثالث ، وهو أنها لا تفيد التوقع أصلا ، أما في المضارع فلأن قولك : يقدم الغائب ، يفيد التوقع دون (قد) ، إذ الظاهر من حال المخبر عن مستقبل أنه متوقع له. وأما في الماضي فلأنه لو صح إثبات التوقع لها ، بمعنى أنها تدخل على ما هو متوقع ، لصح أن يقال في : لا رجل ، بالفتح : إن «لا» للاستفهام لأنها لا تدخل إلا جوابا لمن قال : هل من رجل ، ونحوه فالذي بعد (لا) مستفهم عنه من جهة شخص آخر ، كما أن الماضي بعد «قد» متوقع كذلك ، وعبارة ابن مالك في ذلك حسنة فإنه قال : إنها تدخل على ماض متوقع ، ولم يقل إنها تفيد التوقع ، ولم يتعرض للتوقع في الداخلة على المضارع البتة.

انظر المغني ١ / ١٧١ ـ ١٧٢ ، الهمع ٢ / ٧٢ ـ ٧٣.

(٥) في الأصل : إثبات.

(٦) الكشاف ٣ / ٤٢.

(٧) أي : أن «قد» يكون لتقريب الماضي من الحال تقول : قام زيد ، فيحتمل الماضي القريب والماضي البعيد فإذا قلت : قد قام. اختص بالقريب.

وانبنى على إفادتها ذلك أحكام :

أ ـ أنها لا تدخل على ليس ، وعسى ، ونعم ، وبئس ، لأنهن للحال ، فلا معنى لذكر ما يقرب ما هو حاصل.

ب ـ وجوب دخول «قد» عند البصريين إلا الأخفش على الماضي الواقع حالا إما ظاهرة نحو : (وَما لَنا أَلَّا نُقاتِلَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَقَدْ أُخْرِجْنا مِنْ دِيارِنا وَأَبْنائِنا) [البقرة : ٢٤٦] ، أو مقدرة نحو (هذِهِ بِضاعَتُنا رُدَّتْ إِلَيْنا) [يوسف : ٦٥]. وخالفهم الكوفيون والأخفش ، فقالوا : لا تحتاج لذلك ، لكثرة وقوعها حالا بدون «قد» ، والأصل عدم التقدير ، لا سيما فيما كثر استعماله.

ج ـ هذا الحكم ذكره ابن عصفور ، وهو أن القسم إذا أجيب بماض متصرف مثبت فإن كان قريبا من الحال جيء باللام وقد جميعا نحو (تَاللهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللهُ عَلَيْنا) [يوسف : ٩١] ، وإن كان بعيدا جيء باللام وحدها كقوله : ـ

١٦٣

حصل لهم وأنهم (١) عليه في الحال. وهو أبلغ من تجريد ذلك الفعل (٢).

والعامة على «أفلح» مفتوح الهمزة والحاء (٣) فعلا ماضيا مبنيا للفاعل ، وورش على قاعدته من نقل حركة الهمزة إلى الساكن قبلها وحذفها (٤). وعن حمزة في الوقف خلاف ، فروي عنه كورش وكالجماعة (٥). وقال أبو البقاء : من ألقى حركة الهمزة على الدال وحذفها فعلّته أنّ الهمزة بعد حذف حركتها صيّرت ألفا ، ثم حذفت لسكونها (وسكون الدال قبلها في الأصل ولا يعتدّ بحركة الدال لأنها عارضة (٦). وفي كلامه نظر من وجهين :

أحدهما : أنّ اللغة الفصيحة في النقل حذف الهمزة من الأصل فيقولون : المرة والكمة في المرأة والكمأة ، واللغة الضعيفة فيه إبقاؤها وتدبيرها بحركة ما قبلها ، فيقولون : المراة والكماة بمدة بدل الهمزة ك (راس وفاس) فيمن خففها ، فقوله : صيّرت ألفا. ارتكاب لأضعف اللغتين (٧).

الثاني : أنه وإن سلم أنها صيّرت ألفا فلا نسلّم أنّ حذفها) (٨) لسكونها وسكون الدال في الأصل بعد حذفها لساكن محقق في اللفظ ، وهو الفاء من «أفلح» ، ومتى وجد سبب ظاهر أحيل (٩) الحكم عليه دون السبب المقدر. وقرأ طلحة بن مصرّف وعمرو بن عبيد «أفلح» مبنيا للمفعول (١٠) ، أي : دخلوا في الفلاح فيحتمل أن يكون من أفلح متعديا ، يقال : أفلحه ،

__________________

 ـ حلفت لها بالله حلفة فاجر

لناموا ، فما إن من حديث ولا صالي

والظاهر في الآية والبيت عكس ما قال ، إذا المراد في الآية : لقد فضلك الله علينا بالصبر وسيرة المحسنين ، وذلك محكوم له به في الأزل ، وهو متصف به مذ عقل ، والمراد في البيت أنهم ناموا قبل مجيئه.

د ـ دخول لام الابتداء في نحو : إن زيدا لقد قام ، وذلك لأن الأصل دخولها على الاسم وإنما دخلت على المضارع لشبهه بالاسم ، فإذا قرب الماضي من الحال أشبه المضارع الذي هو شبيه بالاسم فجاز دخولها عليه. معاني الحروف (٩٨) ، شرح المفصل ٨ / ١٤٧ ، المغني ١ / ١٧٢ ـ ١٧٤ ، الهمع ٢ / ٧٣.

(١) في الأصل : وإنه.

(٢) البغوي : ٦ / ٣.

(٣) في الأصل : الهاء. وهو تحريف.

(٤) الإتحاف ٥٩ ، ٣١٧. وذلك أن ورشا اختص بنقل حركة همزة القطع إلى الحرف الساكن الملاصق لها من آخر الكلمة التي قبلها ، فيتحرك الساكن بحركة الهمزة وتسقط الهمزة بشرط أن يكون الساكن غير حرف مد سواء كان تنوينا ، أو لام تعريف أو غير ذلك أصليا أو زائدا.

(٥) الإتحاف ٦١ ، ٣١٧.

(٦) التبيان ٢ / ٩٥٠ ، وانظر في ذلك أيضا مشكل إعراب القرآن ٢ / ١٠٢ والبيان ٢ / ١٨٠.

(٧) قال سيبويه : (واعلم أن كل همزة متحركة كان قبلها حرف ساكن فأردت أن تخفف حذفتها وألقيت حركتها على الساكن الذي قبلها. وذلك قولك : من بوك ، ومن مك وكم بلك ، إذا أردت أن تخفف الهمزة في الأب والأم والإبل. ومثل ذلك قولك : الحمر إذا أردت أن تخفف ألف الأحمر. ومثله قولك في المرأة : المرة والكماة : الكمة. وقد قالوا : الكماة المراة ومثله قليل) الكتاب ٣ / ٥٤٥.

(٨) ما بين القوسين سقط من ب.

(٩) في ب : اختل.

(١٠) المختصر (٩٧) تفسير ابن عطية ١٠ / ٣٣٠ ، البحر المحيط ٦ / ٣٩٥.

١٦٤

أي : أصاره إلى الفلاح ، فيكون «أفلح» مستعملا لازما ومتعديا (١).

وقرأ طلحة أيضا : «أفلح» بفتح الهمزة واللام وضم الحاء (٢) ، وتخريجها على أنّ الأصل أفلحوا المؤمنون ، بإلحاق علامة جمع قبل الفاعل كلغة : أكلوني البراغيث ، فيجيء فيها ما تقدم في قوله : (ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ)(٣)(وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا)(٤).

قال عيسى : سمعت طلحة يقرؤها فقلت له : أتلحن؟ قال : نعم كما لحن أصحابي (٥) ، يعني أني اتّبعتهم فيما قرأت به ، فإن لحنوا على سبيل فرض المحال ، فأنا لاحن تبعا لهم. وهذا يدل على شدة اعتناء القدماء بالنقل وضبطه خلافا لمن يغلّط الرواة.

وقال ابن عطية : وهي قراءة مردودة (٦). قال شهاب الدين : ولا أدري كيف يردّونها مع ثبوت مثلها في القرآن بإجماع (٧) ، وهما الآيتان المتقدمتان (٨). وقال الزمخشري : وعنه أي : عن طلحة ـ «أفلح» بضمة بغير واو اجتزاء (٩) بها عنها كقوله :

٣٧٨٠ ـ فلو أنّ الأطّبّا كان حولي (١٠)

وفيه نظر من حيث إن الواو لا تثبت في مثل هذا درجا ، لئلا يلتقي ساكنان فالحذف هنا لا بدّ منه ، فكيف يقول اجتزأ بها عنها (١١). وأما تنظيره بالبيت فليس بمطابق ، لأنّ حذفها من الآية ضروري ومن البيت ضرورة (١٢) ، وهذه الواو لا يظهر لفظها في الدرج بل يظهر في الوقف وفي الخط.

وقد اختلف النقلة لقراءة طلحة هل يثبت للواو صورة؟ ففي كتاب ابن خالويه مكتوبا بواو بعد الحاء (١٣) ، وفي اللوامح (١٤) : وحذفت الواو بعد الحاء لالتقائهما في الدرج ، وكانت الكتابة عليها محمولة على الوصل (وَيَمْحُ (١٥) اللهُ الْباطِلَ)(١٦). قال شهاب الدين : ومثله

__________________

(١) البحر المحيط ٦ / ٣٩٥.

(٢) المختصر (٩٧) تفسير ابن عطية ١٠ / ٣٣٠ ، البحر المحيط ٦ / ٣٩٥.

(٣) [المائدة : ٧١].

(٤) [الأنبياء : ٣].

(٥) البحر المحيط ٦ / ٣٩٥. وقال أبو حيان تعقيبا على ذلك : يعني أن مرجوعه في القراءة إلى ما روي ، وليس بلحن على لغة : أكلوني البراغيث. وقال الزمخشري : أو على الإبهام والتفسير. الكشاف ٣ / ٤٢.

(٦) تفسير ابن عطية ١٠ / ٣٣٠.

(٧) بإجماع : سقط من الأصل.

(٨) الدر المصون ٥ / ٨٢.

(٩) في الأصل : واجتزاء.

(١٠) الكشاف ٣ / ٤٢. صدر بيت من بحر الوافر وعجزه : وكان مع الأطباء الأساة. ولم يعزه أحد إلى قائل.

وقد تقدم.

(١١) في ب : عنها بها.

(١٢) عند من يعتبر ذلك الحذف ضرورة.

(١٣) المختصر (٩٧).

(١٤) هو كتاب أبي الفضل الرازي.

(١٥) في الأصل : فيمح. وهو تحريف.

(١٦) من قوله تعالى : «وَيَمْحُ اللهُ الْباطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ» [الشورى : ٢٤].

البحر المحيط ٦ / ٣٩٥. وسقطت الواو من «يمحو» لالتقاء الساكنين التبيان ٢ / ١١٣٢.

١٦٥

(سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ)(١) «لصال الجحيم» (٢)(٣). قال المفسرون : والفلاح النجاة والبقاء. قال ابن عباس : قد سعد المصدقون بالتوحيد وبقوا في الجنة (٤). وتقدم الكلام في الإيمان في البقرة. قوله : (فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ) الجار متعلق بما بعده ، وقدّم للاهتمام به ، وحسنه كون (٥) متعلقه فاصلة ، وكذا (٦) فيما بعده من أخواته ، وأضيف الصلاة إليهم ، لأنهم هم المنتفعون بها ، والمصلى له غنيّ عنها ، فلذلك أضيفت إليهم دونه (٧).

فصل

اختلفوا في الخشوع فمنهم من جعله من أفعال القلوب كالخوف والرهبة ، ومنهم من جعله من أفعال الجوارح كالسكون وترك الالتفات ومنهم من جمع بين الأمرين ، وهو الأولى (٨).

قال ابن عباس (٩) : مخبتون أذلاء. وقال الحسن وقتادة : خائفون. وقال مقاتل : متواضعون. وقال مجاهد : هو غض البصر وخفض الصوت ، والخشوع قريب من الخضوع إلا أنّ الخضوع في البدن ، والخشوع في القلب (١٠) والبصر والصوت قال تعالى : (وَخَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ)(١١). وعن عليّ: هو أن لا يلتفت يمينا ولا شمالا. وقال سعيد بن جبير : هو أن لا يعرف من على يمينه ولا من على يساره (١٢). وقال عطاء : هو أن تعبث بشيء من جسدك ، لأن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أبصر رجلا يعبث بلحيته في الصلاة ، فقال : «لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه» (١٣). وقال (١٤) ابن الخطيب : وهو (١٥) عندنا واجب ، ويدل عليه أمور :

أحدها : قوله تعالى : (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها)(١٦). والتدبير لا يتصور بدون الوقوف على المعنى ، وقوله تعالى : (وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً)(١٧) أي : قفوا على عجائبه ومعانيه.

__________________

(١) [العلق : ١٨].

(٢) من قوله تعالى : «ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصالُوا الْجَحِيمِ»[المطففين : ١٦].

(٣) الدر المصون ٥ / ٨٢ ـ ٨٣.

(٤) البغوي ٦ / ٣ ـ ٤.

(٥) في ب : كونه. وهو تحريف.

(٦) في ب : وكذلك.

(٧) انظر الكشاف ٣ / ٤٢.

(٨) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٧٨.

(٩) من هنا نقله ابن عادل عن البغوي ٦ / ٤

(١٠) في النسختين : البدن. والتصويب من البغوي.

(١١) من قوله تعالى :«وَخَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً» [طه : ١٠٨].

(١٢) آخر ما نقله هنا عن الغبوي ٦ / ٤.

(١٣) أخرجه الحكيم الترمذي عن أبي هريرة. البغوي ٦ / ٥ ـ ٦ ، الكافي الشاف في تخريج أحاديث الكشاف (١١٥) والدر المنثور ٥ / ٧ ـ ٤.

(١٤) في الأصل : قال.

(١٥) في ب : فهو.

(١٦) [محمد : ٢٤].

(١٧) [المزمل : ٤].

١٦٦

وثانيها : قوله تعالى : (أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي)(١) وظاهر (٢) الأمر للوجوب ، والغفلة تضاد الذكر (٣) ، فمن غفل في جميع صلاته كيف يكون مقيما للصلاة لذكره.

وثالثها : قوله تعالى : (وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ)(٤) وظاهره (٥) للتحريم ، وقوله : (حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ)(٦) تعليل لنهي السكران ، وهو مطرد في الغافل المستغرق في الدنيا.

ورابعها : قوله ـ عليه‌السلام (٧) ـ «من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بعدا» (٨) وصلاة الغافل لا تمنع من الفحشاء ، قال عليه‌السلام (٩) : «كم من قائم حظّه من قيامه التعب والنصب» (١٠) وما أراد به إلا الغافل ، وقال أيضا : «ليس للعبد من صلاته إلا ما عقل» ، وقالت عائشة ـ رضي الله عنها (١١) ـ سألت رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ عن الالتفات في الصلاة ، فقال : «هو اختلاس (١٢) يختلسه الشّيطان من صلاة العبد» (١٣) وعن أبي ذر عن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ قال : «لا يزال الله ـ عزوجل (١٤) ـ مقبلا على العبد ما كان في صلاته ما لم يلتفت فإذا التفت أعرض عنه» (١٥). وذهب بعضهم إلى أنه ليس بواجب لأنّ اشتراط الخضوع والخشوع خلاف لإجماع الفقهاء فلا يلتفت إليه.

وأجيب بأن هذا الإجماع ممنوع ، لأن المتكلمين اتفقوا على أنه لا بدّ من الخضوع والخشوع ، واحتجوا بأن السجود لله تعالى (١٦) طاعة ، وللصنم كفر ، وكل واحد منهما

__________________

(١) من قوله تعالى : «إِنَّنِي أَنَا اللهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي» [طه : ١٤].

(٢) في الأصل : وظاهرها.

(٣) في النسختين : الفكر.

(٤) من قوله تعالى :«وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ» [الأعراف : ٢٠٥].

(٥) في ب : وظاهر.

(٦) من قوله تعالى : «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ» [النساء : ٤٣].

(٧) في ب : عليه الصلاة والسلام.»

(٨) ذكره ابن كثير في تفسيره عن ابن عباس. تفسير ابن كثير ٣ / ٤١٤.

(٩) في ب : وقال عليه الصلاة والسلام.

(١٠) أخرجه ابن ماجه (صيام) ١ / ٥٣٩ ، والدارمي (رقاق) ٢ / ٣٠١ ، أحمد بن حنبل ٢ / ٣٧٣ ، ٤٤١.

(١١) رضي الله عنها : سقط من الأصل.

(١٢) في الأصل : الاختلاس.

(١٣) أخرجه البخاري (أذان) ١ / ١٣٧ ، (وبدء الخلق) ٢ / ٢٢٣ ، وأبو داود (صلاة) ١ / ٥٦٠ ، والنسائي (سهو) ٣ / ٨ ، والترمذي (جمعة) ٢ / ٥١ ، والإمام أحمد ٦ / ٧٠ ، ١٠٦.

(١٤) في ب : تعالى.

(١٥) أخرجه النسائي (سهو) ٣ / ٨ ، وأبو داود (صلاة) ١ / ٣٣١ ، والإمام أحمد ٥ / ١٧٢ ، وذكره السيوطي في الدر المنثور ٥ / ٤.

(١٦) تعالى : سقط من الأصل.

١٦٧

يماثل الآخر في ذاته ولوازمه ، فلا بدّ من أمر لأجله يصير السجود في إحدى الصورتين طاعة ، وفي الأخرى معصية ، قالوا : وما ذاك إلا القصد والإرادة ، والمراد من القصد : إيقاع تلك الأفعال لداعية الامتثال ، وهذه الداعية لا يمكن حصولها إلا عند الحضور (١).

قوله : (وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ) قال عطاء (٢) عن ابن عباس : عن الشرك (٣).

وقال الحسن : عن المعاصي (٤). وقال الزجاج : كل باطل ، ولهو (٥) وما لا يجمل (٦) من القول والفعل (٧). وقيل : هو معارضة الكفار بالشتم والسب ، قال الله تعالى : (وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً)(٨) أي : إذا سمعوا الكلام القبيح أكرموا أنفسهم عن الدخول فيه (٩).

واعلم أن اللغو قد يكون كفرا كقوله تعالى : (لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ)(١٠) ، وقد يكون كذبا لقوله (١١) تعالى : (لا تَسْمَعُ فِيها لاغِيَةً)(١٢) ، وقوله : (لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا تَأْثِيماً)(١٣). ولما وصفهم بالخشوع في الصلاة أتبعه بوصفهم بالإعراض عن اللغو ليجمع لهم الفعل والترك (١٤).

قوله : (وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ) اللام في قوله : «للزّكاة» مزيدة في المفعول لتقدمه على عامله (١٥) ، ولكونه فرعا (١٦). والزكاة في الأصل مصدر ، ويطلق على القدر المخرج من الأعيان ، وقال الزمخشري : اسم مشترك بين عين ومعنى ، فالعين القدر الذي يخرجه المزكي من النصاب ، والمعنى فعل المزكي ، وهو الذي أراده الله فجعل المزكين فاعلين له ، ولا يسوغ فيه غيره ، لأنه ما من مصدر إلا يعبر عنه بالفعل ، ويقال لمحدثه فاعل ، تقول للضارب : فاعل الضرب ، وللقاتل : فاعل القتل ، وللمزكي : فاعل التزكية ، وعلى هذا الكلام كله ، والتحقيق في هذا أنك تقول في جميع الحوادث : (من فعل هذا) فيقال لك : فاعله الله أو بعض الخلق ، ولم يمتنع الزكاة الدالة على العين أن يتعلق بها (فاعلون) (١٧) لخروجها من صحة أن يتناولها الفاعل ، ولكن لأنّ الخلق ليسوا بفاعليها ، وقد أنشدوا لأمية بن أبي الصلت :

__________________

(١) الفخر الرازي ٢٣ / ٧٨ ـ ٨٠.

(٢) من هنا نقله ابن عادل عن البغوي ٦ / ٦.

(٣) في الأصل : عن الشعبي. وهو تحريف.

(٤) في الأصل : عن ابن العاصي. وهو تحريف.

(٥) في ب : وهو. وهو تحريف.

(٦) في ب : يحل. وهو تحريف.

(٧) قال الزجاج : (اللغو كل لعب وهزل ، وكل معصية فمطرحة ملغاة ، وهم الذين قد شغلهم الجد فيما أمرهم الله به عن اللغو) معاني القرآن وإعرابه ٤ / ٦.

(٨) من قوله تعالى : «وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً» [الفرقان : ٧٢].

(٩) آخر ما نقله هنا عن البغوي ٦ / ٦.

(١٠) من قوله تعالى : «وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ» [فصلت : ٢٦].

(١١) في الأصل : كقوله. وهو تحريف.

(١٢) [الغاشية : ١١].

(١٣) [الواقعة : ٢٥]. انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٨٠.

(١٤) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٨٠.

(١٥) في الأصل : حاله. وهو تحريف.

(١٦) البحر المحيط ٦ / ٣٩٥.

(١٧) ما بين القوسين تكملة من الكشاف.

١٦٨

٣٧٨١ ـ المطعمون الطّعام في السنة ال

أزمة والفاعلون للزكوات (١)

ويجوز أن يراد بالزكاة العين ، ويقدر مضاف محذوف ، وهو الأداء ، وحمل البيت على هذا أصح(٢) ، لأنها فيه مجموعة (٣). قال شهاب الدين : إنما أحوج أبا القاسم إلى هذا أن بعضهم زعم أنه يتعين أن يكون الزكاة هنا المصدر ؛ لأنه لو أراد العين لقال : مؤدون ولم يقل : فاعلون ، فقال الزمخشري : لم يمتنع ذلك لعدم صحة تناول فاعلون (٤) لها بل لأنّ الخلق ليسوا بفاعليها ، وإنما جعل الزكوات في بيت أمية أعيانا لجمعها ، لأنّ المصدر لا يجمع (٥) ، وناقشه أبو حيان وقال : يجوز أن يكون مصدرا وإنما جمع لاختلاف أنواعه (٦). وقال أبو مسلم : إنّ فعل الزكاة يقع على كل فعل محمود مرضي ، كقوله : (قَدْ (٧) أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى)(٨) ، وقوله : (فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ)(٩) ومن جملتهم ما يخرج من حق المال ، وإنما سمي بذلك ؛ لأنها تطهر من الذنوب ، لقوله تعالى : (تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها)(١٠). وقال الأكثرون : المراد بها هنا : الحق الواجب في الأموال خاصة ؛ لأنّ هذه اللفظة قد اختصت في الشرع بهذا المعنى (١١). فإنّ قيل : إن الله تعالى لم يفصل بين الصلاة والزكاة فلم (١٢) فصل هنا بينهما بقوله : (وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ)؟ فالجواب : لأنّ ترك اللغو من متمات (١٣) الصلاة (١٤). قوله : (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ) الفرج اسم يجمع سوأة الرجل والمرأة ، وحفظ الفرج التعفف عن الحرام (١٥). قوله : (إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ) فيه أوجه :

أحدها : أنه متعلق ب «حافظون» على التضمين (١٦) معنى ممسكين (١٧) أو قاصرين وكلاهما يتعدى بعلى قال تعالى : (أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ)(١٨).

الثاني : أنّ «على» بمعنى «من» أي : إلا من أزواجهم كما جاءت «من» بمعنى

__________________

(١) البيت من بحر المنسرح قاله أمية بن أبي الصلت ، وهو في ديوانه (٢٠) ، القرطبي ١٢ / ١٠٥ ، البحر المحيط ٦ / ٣٩٦ ، شرح شواهد الكشاف (٢٠).

(٢) في ب : لا يصح ، وهو تحريف.

(٣) الكشاف ٣ / ٤٣.

(٤) في الأصل : فاعل.

(٥) انظر نص الزمخشري السابق.

(٦) الدر المصون ٥ / ٨٣.

(٧) في ب : وقد. وهو تحريف.

(٨) [الأعلى : ١٤].

(٩) من قوله تعالى : «فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى» [النجم : ٣٢].

(١٠) من قوله تعالى : «خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها وَصَلِّ عَلَيْهِمْ»[التوبة : ١٠٣]. انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٨٠ ـ ٨١.

(١١) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٨١.

(١٢) في الأصل : فلا. وهو تحريف.

(١٣) في ب : مهمات.

(١٤) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٨١.

(١٥) البغوي ٦ / ٧.

(١٦) في ب : التضمن.

(١٧) في ب : ممتسكين.

(١٨) [الأحزاب : ٣٧]. انظر البحر المحيط ٦ / ٣٩٦.

١٦٩

«على» في قوله : (وَنَصَرْناهُ (١) مِنَ الْقَوْمِ)(٢) وإليه ذهب الفراء (٣).

الثالث : أن يكون في موضع نصب على الحال ، قال الزمخشري : إلّا والين على أزواجهم أو قوّامين عليهنّ من قولك : كان فلان على فلانة فمات عنها فخلف عليها فلان ، ونظيره : كان زياد على البصرة أي : واليا عليها ، ومنه قولهم : فلانة تحت (٤) فلان ، ومن ثمّ سميت المرأة فراشا (٥).

الرابع : أن يتعلق بمحذوف يدل عليه (غَيْرُ مَلُومِينَ) قال الزمخشري : كأنه قيل : يلامون إلا على أزواجهم ، أي : يلامون على كل مباشرة إلا على ما أطلق لهم فإنهم غير ملومين عليه (٦). قال شهاب الدين : وإنما لم يجعله متعلقا ب «ملومين» لوجهين :

أحدهما : أن ما بعد «إنّ» لا يعمل فيما قبلها.

الثاني : أن المضاف إليه لا يعمل فيما قبل المضاف (٧).

الخامس : أن يجعل صلة (٨) لحافظين ، قال الزمخشري : من قولك : احفظ عليّ عنان فرسي ، على تضمينه معنى النفي كما ضمن قولهم : نشدتك بالله إلا فعلت معنى : ما طلبت منك إلا فعلك (٩) يعني أنّ صورته إثبات ومعناه نفي. قال أبو حيان بعدما ذكر ذلك عن الزمخشري : وهذه وجوه متكلفة ظاهر فيها العجمة (١٠). قال شهاب الدين : وأي عجمة في ذلك على أنّ الشيخ (١١) جعلها متعلقة ب «حافظون» على ما ذكره من التضمين ، وهذا لا يصح له إلا بأن يرتكب وجها منها وهو (١٢) التأويل بالنفي

__________________

(١) في ب : ونصرناهم. وهو تحريف.

(٢) من قوله تعالى : «وَنَصَرْناهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ»[الأنبياء : ٧٧].

(٣) قال الفراء : قوله : «وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ» المعنى : إلا من أزواجهم اللاتي أحل الله لهم من الأربع لا تجاوز. معاني القرآن ٢ / ٢٣١ ، وانظر أيضا البحر المحيط ٦ / ٣٩٦.

(٤) في ب : فلان يجب. وهو تحريف.

(٥) الكشاف ٣ / ٤٣. وقال أبو البقاء : (وقيل هو حال أي : حافظوها في كل حال إلا في هذه الحال).

التبيان ٢ / ٩٥٠.

(٦) الكشاف ٣ / ٤٣ وانظر التبيان ٢ / ٩٥٠.

(٧) الدر المصون : ٥ / ٨٣ ، وانظر أيضا التبيان ٢ / ٩٥٠.

(٨) في ب : صفة. وهو تحريف.

(٩) الكشاف ٣ / ٤٣. وقال أبو حيان تعقيبا على ذلك : (يعني : أن يكون «حافظون» صورته صورة المثبت وهو منفي من حيث المعنى ، أي: والذين هم لم يحفظوا فروجهم إلا على أزواجهم ، فيكون استثناء مفرغا متعلقا فيه «على» بما قبله ، كما مثل بنشدتك الذي صورته صورة مثبت ومعناه النفي ، أي : ما طلبت منك) البحر المحيط ٦ / ٣٩٦.

(١٠) البحر المحيط ٦ / ٣٩٦.

(١١) في ب : النسخ. وهو تحريف.

(١٢) في الأصل : فهو.

١٧٠

كنشدتك (١) الله ، لأنه استثناء مفرغ ولا يكون إلا بعد نفي أو ما في معناه (٢).

السادس : قال أبو البقاء : في موضع نصب ب «حافظون» على المعنى ؛ لأنّ (٣) المعنى صانوها عن كل (٤) فرج إلا عن فروج أزواجهم (٥). قال شهاب الدين : وفيه سببان :

أحدهما تضمين «حافظون» معنى صانوا ، وتضمين «على» معنى «عن» (٦).

قوله : (أَوْ ما مَلَكَتْ) «ما» بمعنى : اللاتي ، و «ما» في محل الخفض يعني : أو على ما ملكت أيمانهم (٧). وفي وقوعها على العقلاء وجهان :

أحدهما : أنها واقعة على الأنواع كقوله : (فَانْكِحُوا ما طابَ)(٨) أي : أنواع (٩).

والثاني : قال الزمخشري : أريد من (١٠) جنس العقلاء ما يجري مجرى غير العقلاء وهم الإناث(١١).

قال أبو حيان : وقوله : وهم. ليس بجيد ، لأنّ لفظ هم مختص بالذكور فكان ينبغي أن يقول : «وهو» على لفظ «ما» أو «هنّ» على معنى (ما) (١٢).

وأجيب بأن الضمير عائد على العقلاء فقوله : «وهم» أي : العقلاء الإناث. وقال ابن الخطيب هلا قيل : من ملكت؟ فالجواب : لأنه اجتمع في السّرّيّة (١٣) وصفان :

أحدهما : الأنوثة وهي مظنة نقصان العقل.

__________________

(١) في الأصل : فنشدتك.

(٢) الدر المصون ٥ / ٨٣.

(٣) في ب : إذ.

(٤) في ب : محل. وهو تحريف.

(٥) التبيان : ٢ / ٩٥٠.

(٦) الدر المصون ٥ / ٨٣.

(٧) معاني القرآن للفراء ٢ / ٢٣١ ، والبغوي ٦ / ٧.

(٨) من قوله تعالى : «وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ» [النساء : ٣].

(٩) انظر البحر المحيط ٦ / ٣٩٦.

(١٠) من : سقط من الأصل.

(١١) الكشاف ٣ / ٤٣. و «ما» من الأسماء الموصولة المشتركة ، والأصل فيها أن تكون لغير العاقل نحو قوله تعالى «ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ»[النحل : ٩٦]. وتستعمل للعاقل في أمور منها : أن يختلط العاقل مع غير العاقل نحو «سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ»[الحشر : ١][الصف : ١]. وفي أنواع من يعقل نحو «فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ» [النساء : ٣]. وفي المبهم أمره كقولك وقد رأيت شبحا من بعد : انظر إلى ما ظهر. شرح التصريح ١ / ١٣٤ ـ ١٣٥ ، الهمع ١ / ٩١ ـ ٩٢ ، شرح الأشموني ٢ / ١٥٣ ـ ١٥٤.

(١٢) البحر المحيط ٦ / ٣٩٦.

(١٣) السرية : الجارية المتخذة للملك والجماع ، فعلية منه على تغيير النسب وقيل : هي فعولة من السرو ، وقلبت الواو الأخيرة ياء طلب الخفّة ، ثم أدغمت الواو فيها فصارت ياء مثلها ، ثم حولت الضمة كسرة لمجاورة الياء ، وقد تسررت وتسريت على تحويل التضعيف. اللسان (سرر).

١٧١

والآخر : كونها بحيث تباع وتشترى كسائر السلع.

فلهذين الوصفين فيها جعلت كأنها ليست من العقلاء (١).

فصل

هذه الآية في الرجال خاصة لأن المرأة لا يجوز لها أن تستمتع بفرج مملوكها (٢).

فإن قيل : أليست الزوجه والمملوكة لا تحل له الاستمتاع بها في أحوال كحال (٣) الحيض ، وحال العدة ، والصيام ، والإحرام ، وفي الأمة حال تزويجها من الغير وحال عدتها ، وكذا الغلام داخل في ظاهر قوله : (أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ)؟ فالجواب من وجهين :

الأول : أنّ مذهب أبي حنيفة أنّ الاستثناء من النفي لا يكون إثباتا ، لقوله عليه‌السلام (٤) : «لا صلاة إلا بطهور ، ولا نكاح إلّا بوليّ» (٥) فإن ذلك لا يقتضي حصول الصلاة بمجرد حصول الطهور ، وحصول النكاح بمجرد حصول الولي. وفائدة الاستثناء صرف الحكم لا صرف المحكوم به فقوله : (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ* إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ) معناه أنه يجب حفظ الفرج عن الكل إلا في هاتين الصورتين فإني ما ذكرت حكمهما (٦) لا بالنفي ولا بالإثبات.

الثاني : (أنّا إن) (٧) سلمنا أنّ الاستثناء من النفي إثبات فغايته أنه عام دخله التخصيص (٨) بالدليل فيبقى حجة فيما عداه (٩).

وقوله : (فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ) يعني : يحفظ فرجه إلا من امرأته وأمته فإنه لا يلام على ذلك إذا كان على وجه أذن الشرع فيه دون الإتيان في غير المأتى ، وفي حال الحيض والنفاس فإنه محظور ويلام(١٠) على فعله (١١).

قوله (١٢) : (فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ) أي : التمس وطلب سوى الأزواج والمملوكات (فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ) الظالمون المتجاوزون من الحلال إلى الحرام ، وفيه دليل أنّ الاستمناء باليد حرام(١٣) قال ابن جريج : سألت عطاء عنه فقال : مكروه ، سمعت أنّ قوما يحشرون وأيديهم حبالى فأظن أنهم هؤلاء (١٤). وعن سعيد بن جبير قال : عذّب الله أمة كانوا يعبثون

__________________

(١) الفخر الرازي ٢٣ / ٨١.

(٢) في النسختين : مملوكتها. والصواب ما أثبته.

(٣) كحال : سقط من ب.

(٤) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(٥) قوله : «لا نكاح إلا بولي» أخرجه أبو داود (نكاح) ٢ / ٥٦٨ ، والترمذي (نكاح) ٢ / ٢٨٠ ، ٢٨٧ وابن ماجة (نكاح) ١ / ٦٠٥ ، والدارمي ٢ / ١٣٧ والإمام أحمد ١ / ٢٥٠ ، ٤ / ٣٩٤ ، ٤١٣ ، ٦ / ٢٦٠.

(٦) في ب : حكمها. وهو تحريف.

(٧) ما بين القوسين تكملة من الفخر الرازي يقتضيها السياق.

(٨) في الأصل : التخصص.

(٩) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٨١ ـ ٨٢.

(١٠) في ب : يلام.

(١١) انظر البغوي ٦ / ٧.

(١٢) قوله : سقط من الأصل.

(١٣) انظر البغوي ٦ / ٧.

(١٤) المرجع السابق.

١٧٢

بمذاكيرهم (١). قوله : (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ) قرأ ابن كثير هنا وفي سأل (٢) «لأمانتهم» (٣) بالتوحيد ، والباقون بالجمع (٤). وهما في المعنى واحد إذ المراد العموم (٥) والجمع أوفق.

والأمانة في الأصل مصدر ، ويطلق على الشيء المؤتمن عليه لقوله (٦) : (أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها)(٧).

(وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ)(٨) ، وإنما يؤدّى ويخان الأعيان لا المعاني ، كذا قال الزمخشري (٩).

أما ما ذكره من الآيتين فمسلم ، وأما هذه الآية فيحتمل المصدر ويحتمل العين ، والعهد ما عقده على نفسه فيما يقربه إلى الله ، ويقع أيضا على ما (١٠) أمر الله به كقوله : (الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ عَهِدَ إِلَيْنا)(١١) ، والعقود التي عاقدوا الناس عليها يقومون بالوفاء بها. فالأمانات تكون بين الله وبين العبد كالصلاة ، والصيام ، والعبادات الواجبة وتكون بين العبيد كالودائع والبضائع (١٢) ، فعلى (١٣) العبد الوفاء بجميعها (١٤).

وقوله : «راعون» الراعي القائم (١٥) على الشيء يحفظه ويصلحه كراعي الغنم ، ومنه يقال : من راعي هذا الشيء؟ أي متوليه (١٦).

وقوله : (وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلَواتِهِمْ (١٧) يُحافِظُونَ) قرأ الأخوان (عَلى صَلاتِهِمْ) بالتوحيد ، والباقون «صلواتهم» بالجمع (١٨) ، وليس في المعارج (١٩) خلاف (٢٠).

__________________

(١) المرجع السابق.

(٢) من قوله تعالى : «وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ»[المعارج : ٣٢].

(٣) في النسختين : لأماناتهم.

(٤) السبعة (٤٤٤ ، ٦٥١) ، الحجة لابن خالويه (٢٥٥) ، الكشف ٢ / ١٢٥ ، النشر ٢ / ٣٢٨ ، الإتحاف (٣١٧).

(٥) فمن وحد فلأن المصدر يدل على القليل والكثير من جنسه ، ومن جمع فلأن المصدر إذا اختلفت أجناسه وأنواعه جمع ، والأمانة هنا مختلفة لأنها تشتمل على سائر العبادات وغيرها من المأمورات.

مشكل إعراب القرآن ٢ / ١٠٢ ـ ١٠٣ ، الكشف ٢ / ١٢٥ ، البيان ٢ / ١٨١ التبيان ٢ / ٩٥٠ ـ ٩٥١.

(٦) في ب : لقوله. وهو تحريف.

(٧) من قوله تعالى : «إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها» [النساء : ٥٨].

(٨) من قوله تعالى : «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ» [الأنفال : ٢٧].

(٩) انظر الكشاف ٣ / ٤٣.

(١٠) ما : سقط من ب.

(١١) من قوله تعالى : «الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ عَهِدَ إِلَيْنا أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنا بِقُرْبانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ»[آل عمران : ١٨٣]. وانظر الفخر الرازي ٢٣ / ٨٢.

(١٢) في النسختين البضائع ، والصواب ما أثبته.

(١٣) في الأصل : وعلى.

(١٤) انظر البغوي ٦ / ٧ ـ ٨.

(١٥) القائم : سقط من ب.

(١٦) الفخر الرازي ٢٣ / ٨٢.

(١٧) في الأصل : صلاتهم.

(١٨) السبعة (٤٤٤) ، الحجة لابن خالويه (٢٥٥) ، النشر ٢ / ٣٢٨ ، الاتحاف ٣١٧.

(١٩) في قوله تعالى : «وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ» [المعارج : ٣٤].

(٢٠) أي في القراءة بالإفراد.

١٧٣

والإفراد (١) والجمع كما تقدم في (أمانتهم) و (أماناتهم) (٢). قال الزمخشري : فإن قلت : كيف كرر ذكر الصلاة أولا وآخرا؟ قلت : هما ذكران مختلفان وليس بتكرير ، وصفوا أولا بالخشوع في صلاتهم ، وآخرا بالمحافظة عليها (٣). ثم قال : وأيضا فقد وحدت (٤) أولا ليفاد (٥) الخشوع في جنس الصلاة ، أي صلاة كانت (٦) ، وجمعت آخرا لتفاد المحافظة على أعدادها وهي الصلوات (٧) الخمس والوتر والسنن الراتبة (٨) ، وهذا إنما يتجه في قراءة غير الأخوين وأما (٩) الأخوان فإنهما أفردا أولا وآخرا على أنّ الزمخشري قد حكى الخلاف في جمع الصلاة الثانية وإفرادها بالنسبة إلى القراءة. وقيل : كرر ذكر الصلاة ليبين أنّ المحافظة عليها واجبة كما أن الخشوع فيها واجب (١٠).

ثم قال : (أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ) «أولئك» أي : أهل هذه الصفة (هُمُ الْوارِثُونَ) فإن قيل (١١) : كيف سمى ما يجدونه من الثواب والجنة بالميراث؟ مع أنه سبحانه حكم بأنّ الجنة حقهم في قوله : (إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ)(١٢). فالجواب من وجوه :

الأول : روى أبو هريرة قال : قال رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ما منكم من أحد إلّا وله منزلان منزل في الجنّة ومنزل في النار ، فإن مات ودخل النار ورث أهل الجنة منزله ، وذلك قوله : (أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ)(١٣). وأيضا : فقد قال الفقهاء إنه لا فرق بين ما ملكه الميت وبين ما يقدر فيه الملك في أنه يورث عنه ، كذلك قالوا في الدية التي إنما تجب بالقتل إنها تورث مع أنه مالكها على التحقيق وهذا يؤيد ما (١٤) ذكر فإن قيل : إنه تعالى وصف كل الذي (١٥) يستحقونه إرثا ، وعلى ما قلتم إنما يدخل في الإرث ما كان يستحقه غيرهم (١٦) لو أطاع.

فالجواب : لا يمتنع أنه تعالى جعل ما هو (منزلة) (١٧) لهذا المؤمن بعينه منزلة لذلك الكافر لو أطاع لأنه عند ذلك كان يزيد في المنازل فإذا أمن هذا عدل بذلك إليه.

__________________

(١) في الأصل : «الإفراد» بدون واو العطف.

(٢) في الآية السابقة.

(٣) الكشاف ٣ / ٤٣.

(٤) في الأصل : وقد وحد أيضا.

(٥) في النسختين : ليعاد. والصواب ما أثبته.

(٦) في ب : أي كانت صلاة كانت. وهو تحريف.

(٧) في الأصل : الصلاة.

(٨) الكشاف ٣ / ٤٣ ـ ٤٤.

(٩) في ب : فأما.

(١٠) انظر البغوي ٦ / ٨.

(١١) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٣ / ٨٢ ـ ٨٣.

(١٢) [التوبة : ١١١].

(١٣) أخرجه ابن ماجه (زهد) ٢ / ١٤٥٣ ، وذكره السيوطي في الدر المنثور ٥ / ٦.

(١٤) في ب : مما.

(١٥) في الأصل : الذين.

(١٦) في الأصل : غيره. وهو تحريف.

(١٧) ما بين القوسين تكملة من الفخر الرازي.

١٧٤

الثاني : أنّ انتقال الجنة إليهم من دون محاسبة ومعرفة بمقاديره يشبه انتقال المال إلى الوارث.

الثالث : أنّ الجنة كانت مسكن أبينا آدم ـ عليه‌السلام ـ فإذا انتقلت إلى أولاده كان ذلك شبيها بالميراث. فإن قيل : كيف حكم على الموصوفين بالصفات السبعة بالفلاح مع أنه تعالى ما تمم ذكر العبادات الواجبة كالصوم والحج؟

فالجواب : أنّ قوله : (لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ) يأتي على جميع الواجبات من الأفعال والتروك كما تقدم والطهارات (١) دخلت في جملة المحافظة على الصلوات (٢) لكونها من شرائطها (٣). واعلم أنّ قوله : (هُمُ الْوارِثُونَ) يفيد الحصر لكنه يجب ترك العمل به ، لأنه ثبت أنّ الجنة يدخلها الأطفال والمجانين والولدان والحور ، ويدخلها الفساق من أهل القبلة بعد العفو لقوله تعالى : (وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ)(٤) ، وتقدم الكلام في الفردوس في سورة الكهف (٥). قوله : (هُمْ فِيها خالِدُونَ) يجوز في هذه الجملة أن تكون مستأنفة ، وأن تكون حالا مقدرة إما من الفاعل ب «يرثون» وإما من مفعوله إذ فيها ذكر كل منهما (٦) ومعنى الكلام لا يموتون ولا يخرجون ، وقد جاء في الحديث : «أن الله خلق ثلاثة أشياء بيده : خلق آدم بيده ، وكتب التوراة بيده (٧) ، وغرس الفردوس بيده ، ثم قال: وعزتي لا يدخلها مدمن خمر ولا ديوث» (٨).

قوله تعالى : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ (١٢) ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ(١٣) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ (١٤) ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذلِكَ لَمَيِّتُونَ (١٥) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ تُبْعَثُونَ)(١٦)

قوله تعالى : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ) الآيات لما أمر (٩) بالعبادات في

__________________

(١) في ب : فالطهارات.

(٢) في الأصل : الصلاة.

(٣) آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢٣ / ٨٢ ـ ٨٣.

(٤) من قول تعالى : «إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدِ افْتَرى إِثْماً عَظِيماً» [النساء: ٤٨]. انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٨٣.

(٥) عند قوله تعالى : «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً» [الكهف : ١٠٧]. وذكر ابن عادل هناك : والفردوس الجنة من الكرم خاصة. وقيل : ما كان غالبها كرما. وقيل : كل ما حوّط فهو فردوس ، والجمع فراديس ، قال المبرد : والفردوس فيما سمعت من العرب الشجر الملتف ، والأغلب عليه أن يكون من العنب ، وحكى الزجاج أنها الأودية التي تنبت ضروبا من النبت ، واختلف فيه فقيل : هو عربيّ ، وقيل : أعجميّ ، وقيل هو روميّ ، وقيل : فارسي ، وقيل : سرياني.

انظر اللباب ٥ / ٣٩٤.

(٦) انظر التبيان ٢ / ٩٥.

(٧) بيده : سقط من ب.

(٨) الديوث من الرجال : القواد على أهله والذي لا يغار على أهله ولا يخجل المعجم الوسيط (ديث) ١ / ٣٠٧.

(٩) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٣ / ٨٤ ـ ٨٥.

١٧٥

الآيات المتقدمة بطريق الحث عليها والاشتغال بعبادة الله لا يصح إلا بعد معرفة الله ، لا جرم عقّبها بذكر ما يدل على وجوده ، واتصافه بصفات الجلال والوحدانية ، فذكر أنواعا من الدلائل : منها تقلب الإنسان في أدوار خلقته وهي تسعة :

أولها : قوله : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ) قال ابن عباس وعكرمة وقتادة ومقاتل : المراد بالإنسان آدم ـ عليه‌السلام (١) ـ سلّ من كلّ تربة ، وخلقت ذريته من ماء مهين.

وقيل : الإنسان اسم جنس يقع على الواحد والجميع (٢) ، والسلالة هي الأجزاء الطينية المبثوثة في أعضائه التي لما اجتمعت وحصلت في أوعية المني صارت منيا ، وهذا مطابق لقوله تعالى : (وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ. ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ)(٣)(٤).

قال ابن الخطيب : وفيه وجه آخر : وهو أنّ الإنسان إنما يتولد من النطفة ، وهي إنما تتولد من فضل الهضم الرابع وذلك (٥) إنما يتولد من الأغذية ، وهي إما حيوانية أو نباتية ، والحيوانية تنتهي إلى النباتية ، والنبات إنما يتولد من صفو الأرض والماء ، فالإنسان في الحقيقة يكون متولدا من سلالة من طين ، ثم إن تلك السلالة بعد أن تواردت عليها أطوار الخلقة وأدوار (٦) الفطرة صارت منيا (٧).

(قوله) (٨) : (مِنْ سُلالَةٍ) فيه وجهان :

أظهرهما : أن يتعلق ب «خلقنا» (٩) ، و «من» لابتداء الغاية (١٠).

والثاني : أن يتعلق بمحذوف على أنه حال من «الإنسان».

والسّلالة (فعالة) ، وهو بناء يدل على القلة كالقلامة (١١) ، وهي من سللت الشيء من الشيء أي استخرجته منه ، ومنه قولهم : هو سلالة أبيه كأنه انسلّ (١٢) من ظهره (١٣) ، وأنشد :

٣٧٨٢ ـ فجاءت به عضب الأديم غضنفرا

سلالة فرج كان غير حصين (١٤)

__________________

(١) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(٢) في ب : والجمع.

(٣) [السجدة : ٧ ـ ٨].

(٤) آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢٣ / ٨٤ ـ ٨٥.

(٥) في ب : وذاك.

(٦) في ب : أطوار.

(٧) الفخر الرازي ٢٣ / ٨٥.

(٨) ما بين القوسين بياض في الأصل.

(٩) انظر التبيان ٢ / ٩٥١.

(١٠) انظر الكشاف ٣ / ٤٤.

(١١) انظر الكشاف ٣ / ٤٤ ، القلامة : ما قطع من طرف الظفر أو الحافر أو العود اللسان (قلم) ، المعجم الوسيط (قلم).

(١٢) في ب : النسل.

(١٣) انظر اللسان (سلل) ، البحر المحيط ٦ / ٣٩٣.

(١٤) البيت من بحر الطويل قاله حسان بن ثابت ، وهو في ديوانه (٣٩٦) مجاز القرآن ٢ / ٥٦ ، الطبري ١٨ / ١٦ ، تفسير ابن عطية ١ / ٣٣٦ ، واللسان (سلل) ، القرطبي ١٢ / ١٠٩ ، البحر المحيط ٦ / ٣٩٣ ، عضب ـ

١٧٦

وقال أمية بن أبي الصلت :

٣٧٨٣ ـ خلق البرية من سلالة منتن

وإلى السلالة كلها ستعود (١)

وقال عكرمة : هو الماء يسيل من الظهر. والعرب يسمون (٢) النطفة سلالة ، والولد سليلا وسلالة ، لأنهما مسلولان منه (٣). وقال الزمخشري : السلالة الخلاصة ، لأنها تسل من بين الكدر (٤). وهذه الجملة جواب قسم محذوف ، أي : والله لقد خلقنا ، وعطفت على الجملة قبلها لما بينهما من المناسبة ، وهو أنه لما ذكر أنّ المتصفين بتلك الأوصاف (٥) يرثون الفردوس فتضمن (٦) ذلك المعاد الأخروي ذكر النشأة الأولى ليستدل (٧) بها على المعاد (٨) ، فإنّ الابتداء في العادة أصعب من الإعادة ، لقوله : (وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ)(٩).

وهذا أحسن من قول ابن عطية : هذا ابتداء كلام ، والواو في أوله عاطفة جملة كلام على جملة كلام ، وإن تباينتا في المعنى (١٠). وقد تقدم بيان وجه المناسبة.

قوله : «من طين» في «من» وجهان :

أحدهما : أنها لابتداء الغاية.

والثاني : أنها لبيان الجنس.

قال الزمخشري (١١) : فإن قلت : ما الفرق بين «من» و «من»؟ قلت : الأولى للابتداء ، والثانية للبيان كقوله : (مِنَ الْأَوْثانِ)(١٢)(١٣). قال أبو حيان : ولا تكون للبيان إلا إذا قلنا : إن السلالة هي الطين أما إذا قلنا : إنه من انسل (١٤) من الطين ف «من» (١٥) لابتداء الغاية (١٦) وفيما تتعلق به «من» هذه ثلاثة أوجه :

__________________

ـ الأديم : غليظ الجلد ، يعني أنه شديد قوي الجلد. الغضنفر : الغليظ من كل شيء ، والأسد سمي غضنفرا لكثافته وعظم هامته وأذنيه.

(١) البيت من بحر الكامل قاله أمية بن أبي الصلت وليس في ديوانه وهو في البحر المحيط ٦ / ٣٩٣.

(٢) في ب : تسمى.

(٣) البغوي ٦ / ٩.

(٤) الكشاف ٣ / ٤٤.

(٥) في ب : الصفات.

(٦) في ب : فضمن.

(٧) في ب : يستدل.

(٨) انظر البحر المحيط ٦ / ٣٩٧.

(٩) من قوله تعالى : «وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ»[الروم : ٢٧].

(١٠) تفسير ابن عطية ١٠ / ٣٣٤.

(١١) ما بين القوسين سقط من الأصل.

(١٢) من قوله تعالى : «فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ» [الحج : ٣٠].

(١٣) الكشاف ٣ / ٤٤.

(١٤) في ب : النسل.

(١٥) في ب : من.

(١٦) البحر المحيط ٦ / ٣٩٨.

١٧٧

أحدها : أنها تتعلق بمحذوف إذ هي صفة ل «سلالة» (١).

الثاني : أنها تتعلق بنفس (٢) «سلالة» لأنها بمعنى مسلولة (٣).

الثالث : أنها تتعلق ب «خلقنا» ، لأنها بدل من الأولى إذا قلنا : إنّ السلالة هي نفس الطين(٤). قوله : (ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً) في هذا الضمير قولان :

أحدهما : أنه يعود للإنسان ، فإن أريد غير آدم فواضح ، ويكون خلقه من سلالة الطين خلق أصله ، وهو آدم (فيكون على حذف مضاف وإن كان المراد به آدم ، فيكون الضمير عائدا على نسله ، أي : جعلنا نسله) (٥) ، فهو على حذف مضاف أيضا ، ويؤيده قوله : (وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ. ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ)(٦)(٧).

أو عاد الضمير على الإنسان اللائق به ذلك ، وهو نسل آدم ، فلفظ الإنسان من حيث هو صالح للأصل والفرع ، ويعود كل شيء لما يليق به وإليه نحا الزمخشري (٨).

قوله : (فِي قَرارٍ) يجوز أن يتعلق بالجعل ، وأن يتعلق بمحذوف على أنه صفة ل «نطفة».

والقرار : المستقر ، وهو موضع الاستقرار ، والمراد بها الرحم ، وصفت (٩) بالمكانة التي هي صفة المستقر فيها لأحد معنيين (١٠) : إمّا على المجاز كطريق سائر ، وإنما السائر من فيه ، وإمّا لمكانتها في نفسها لأنها تمكنت بحيث هي وأحرزت (١١). ومعنى جعل الإنسان نطفة أنه خلق جوهر الإنسان أولا طينا ، ثم جعل جوهره بعد ذلك نطفة في أصلاب الآباء فقذفه الصلب بالجماع إلى رحم المرأة ، فصار(١٢) الرحم قرارا مكينا لهذه النطفة (١٣) تتخلق فيه إلى أن تصير إنسانا. قوله : (ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً) وما بعدها ضمن «خلق» (١٤) معنى «جعل» التصييرية فتعدت لاثنين كما يضمن «جعل» معنى «خلق» فيتعدى (١٥) لواحد نحو (وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ)(١٦). والمعنى : حولنا النطفة عن صفاتها

__________________

(١) التبيان ٢ / ٩٥١.

(٢) في ب : به من. وهو تحريف.

(٣) التبيان ٢ / ٩٥١.

(٤) وعلى هذا الوجه تكون «من» لبيان الجنس.

(٥) ما بين القوسين سقط من الأصل.

(٦) [السجدة : ٧ ـ ٨].

(٧) انظر تفسير ابن عطية ١٠ / ٣٣٤ ـ ٣٣٥ ، البحر المحيط ٦ / ٣٩٨.

(٨) قال الزمخشري : (فإن قلت : ما معنى «جعلنا» الإنسان «نطفة»؟ قلت : معناه أنه خلق جوهر الإنسان أولا طينا ثم جعل جوهره بعد ذلك نطفة) الكشاف ٣ / ٤٤.

(٩) في الأصل : فوصفت.

(١٠) في ب : المعنيين.

(١١) انظر الكشاف ٣ / ٤٤ ، أحرزت : يقال : أحرزت الشيء أحرزه إحرازا إذا حفظته وضممته إليك وصنته عن الأخذ. اللسان (حرز).

(١٢) في الأصل : وصار.

(١٣) الفخر الرازي ٢٣ / ٨٥.

(١٤) في ب : يخلق.

(١٥) في ب : فيعدى.

(١٦) من قوله تعالى : «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ» [الأنعام : ١].

انظر البيان ٢ / ١٨١ ، التبيان ٢ / ٩٥١.

١٧٨

إلى صفات العلقة ، وهي الدم الجامد (١)(فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً) أي : جعلنا ذلك الدم الجامد مضغة ، أي : قطعة لحم ، كأنها مقدار ما يمضع كالغرفة ، وهو ما يغترف.

وسمى التحويل خلقا ، لأنه تعالى يفني بعض أعراضها ، ويخلق أعراضا غيرها ، فسمى خلق الأعراض خلقا لها ، كأنه (٢) سبحانه يخلق فيها أجزاء زائدة (٣).

قوله : (فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً) أي : صيرناها كذلك. وقرأ العامة : «عظاما» و «العظام» بالجمع فيهما ، وابن عامر ، وأبو بكر عن عاصم : «عظما» و «العظم» (٤) بالإفراد فيهما(٥) ، والسلمي والأعرج ، والأعمش بإفراد الأول وجمع الثاني (٦) ، وأبو رجاء ، ومجاهد ، وإبراهيم بن أبي بكر (٧) بجمع الأول وإفراد الثاني عكس (٨) ما قبله (٩). فالجمع (١٠) على الأصل ، لأنه مطابق لما يراد به ، والإفراد للجنس كقوله : (وَالْمَلَكُ صَفًّا)(١١) ، وكقوله : (وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي)(١٢).

وقال (١٣) الزمخشري : وضع الواحد موضع الجمع لزوال اللبس ، لأنّ الإنسان ذو عظام كثيرة (١٤). قال أبو حيان : وهذا عند سيبويه وأصحابه لا يجوز إلا (لضرورة) (١٥)(١٦) وأنشدوا :

٣٧٨٤ ـ كلوا في بعض بطنكم تعفّوا (١٧)

__________________

(١) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٨٥.

(٢) في الأصل : كافانه. وهو تحريف.

(٣) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٨٥.

(٤) في ب : والعظام. وهو تحريف.

(٥) السبعة (٤٤٤) ، الحجة لابن خالويه (٢٥٦) ، الكشف ٢ / ١٢٦ ، النشر ٢ / ٣٢٨ ، الإتحاف ٣١٨.

(٦) المحتسب ٢ / ٨٧ ، تفسير ابن عطية ١٠ / ٣٣٧ ، البحر المحيط ٦ / ٣٩٨.

(٧) إبراهيم بن أبي بكر بن عبد الرحمن الأنصاري ، مدني ، يروي عن أسامة بن سهل ، وروى عنه ابن جريج ، تهذيب التهذيب ١ / ١١١.

(٨) في الأصل : كعكس. وهو تحريف.

(٩) المحتسب ٢ / ٨٧ ، تفسير ابن عطية ١٠ / ٣٣٧ ، البحر المحيط ٦ / ٣٩٨.

(١٠) في الأصل : فجمع.

(١١) من قوله تعالى : «وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا» [الفجر : ٢٢].

(١٢) من قوله تعالى : «قالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي» [مريم : ٤]. انظر التبيان ٢ / ٩٥١.

(١٣) في ب : قال.

(١٤) الكشاف ٣ / ٤٤. وقد وجه ابن جني لقراءة من قدم الإفراد ثم عقّب بالجمع أنه أشبه لفظا ، لأنه جاور بالواحد لفظ الواحد الذي هو «إنسان» و «سلالة» ونطفة و «علقة» و «مضغة» ثم عقب بالجماعة لأنها هي الغرض. ومن قدّم الجماعة بادر إليها إذ كانت هي المقصود ، ثم عاد فعامل اللفظ المفرد بمثله.

المحتسب ٢ / ٨٧.

(١٥) انظر الكتاب ١ / ٢٠٩.

(١٦) ما بين القوسين في ب : في ضرورة.

(١٧) صدر بيت من بحر الوافر ، وعجزه : فإن زمانكم زمن خميص.

وهو من الخمسين التي لم يعرف لها قائل ، الخميص : الجائع ، أي : زمان جدب ومخمصة.

والشاهد فيه وضع الواحد وهو (بطن) موضع الجمع وهو (بطون) لزوال اللبس وقد تقدم.

١٧٩

وإن كان معلوما أن كل واحد له بطن (١). قال شهاب الدين : ومثله :

٣٧٨٥ ـ لا تنكروا القتل وقد سبينا

في حلقكم عظم وقد شجينا (٢)

يريد في حلوقكم ومثله قول الآخر :

٣٧٨٦ ـ بها جيف الحسرى فأمّا عظامها

فبيض وأمّا جلدها فصليب (٣)

يريد جلودها ، ومنه (وَعَلى (٤) سَمْعِهِمْ)(٥)(٦).

قوله : (فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً) أي : ألبسنا ، لأنّ اللحم يستر العظم فجعله كالكسوة (لها) (٧)(٨) قيل (٩) : بين كل خلقين أربعون يوما. (ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ) أي (١٠) : خلقا مباينا للخلق الأول مباينة ما أبعدها حيث جعله حيوانا ، وكان جمادا ، وناطقا وكان أبكم وسميعا وكان أصم وبصيرا وكان أكمه ، وأودع باطنه وظاهره بل كل جزء من أجزائه عجائب فطرة ، وغرائب حكمة لا يحيط بها وصف الواصفين (١١). قال ابن عباس (١٢) ومجاهد والشعبي وعكرمة والضحاك وأبو العالية : المراد بالخلق الآخر هو نفخ الروح فيه. وقال قتادة : نبات الأسنان والشعر ، وروى ابن جريج عن مجاهد : أنه استواء الشباب. وعن الحسن قال : ذكر أو أنثى.

وروى العوفي عن ابن عباس : أنّ ذلك تصريف أحواله بعد الولادة من الاستهلال إلى الارتفاع إلى القعود إلى القيام إلى المشي إلى أن يأكل ويشرب إلى أن يبلغ الحلم ، وخلق الفهم والعقل ويتقلب في البلاد إلى ما بعدها (١٣) إلى أن يموت.

قالوا : وفي هذه الآية (١٤) دلالة على بطلان قول النظام أن الإنسان هو الروح لا البدن ، فإنه سبحانه بيّن أنّ الإنسان هو المركب من هذه الأشياء (١٥). وفيها دلالة أيضا

__________________

(١) البحر المحيط ٦ / ٣٩٨.

(٢) رجز قاله المسيب بن زيد مناة الغنوي. يقول : لا تنكروا قتلنا لكم وقد سبيتم منا خلقا ، فقد شجيتم بقتلنا لكم ، كما شجينا نحن من قبل بمن سبيتم منا. وقد تقدم.

والشاهد فيه وضع الواحد وهو (حلق) موضع الجمع وهو (حلوق) لزوال اللبس.

(٣) البيت من بحر الطويل قاله علقمة بن عبدة. تقدم تخريجه والشاهد فيه كسابقيه.

(٤) في الأصل : على.

(٥) من قوله تعالى : «خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ» [البقرة : ٧]. واستشهد بها على وضع الواحد موضع الجمع. انظر البيان ١ / ٥٢ ، التبيان ١ / ٢٣.

(٦) الدر المصون : ٥ / ٨٤.

(٧) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٨٥.

(٨) ما بين القوسين سقط من ب.

(٩) في ب : وقيل.

(١٠) أي : سقط من ب.

(١١) الفخر الرازي ٢٣ / ٨٥ ـ ٨٦.

(١٢) من هنا نقله ابن عادل عن البغوي ٦ / ١٠ ـ ١١.

(١٣) آخر ما نقله هنا عن البغوي ٦ / ١٠ ـ ١١.

(١٤) الآية : سقط من ب.

(١٥) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٨٦.

١٨٠