اللّباب في علوم الكتاب - ج ١٤

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي

اللّباب في علوم الكتاب - ج ١٤

المؤلف:

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي


المحقق: عادل أحمد عبد الموجود و علي محمّد معوّض
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-2298-3

الصفحات: ٥٩٢

قلنا : لأن القرآن لم يكن مستقرا على حالة واحدة في زمان حياته ، لأنه كان تأتيه الآيات فيلحقها بالسور ، فلم تكن تأدية تلك (١) السورة بدون الزيادة سببا (٢) لزوال اللبس.

وثانيهما : لو كان كذلك لاستحق العتاب على فعل الغير ، وذلك لا يليق بالحكيم.

الوجه الرابع : أن المتكلم بهذا هو الرسول ـ عليه‌السلام (٣) ـ ثم هذا يحتمل ثلاثة أوجه :

إما أن يكون قال هذه الكلمة سهوا أو قسرا أو اختيارا. فإن قالها سهوا (٤) كما يروى عن قتادة ومقاتل أنهما قالا : إنه عليه‌السلام (٩) كان يصلي عند المقام فنعس وجرى على لسانه هاتان الكلمتان ، فلما فرغ من السورة سجد وسجد كل من في المسجد ، وفرح المشركون بما سمعوا ، وأتاه جبريل واستقرأه فلما انتهى إلى الغرانيق قال : لم آتك بهذا ، فحزن رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ إلى أن أنزلت هذه الآية. وهذا ضعيف لوجوه :

أحدها : أنه لو جاز هذا السهو لجاز في سائر المواضع ، وحينئذ تزول الثقة عن الشرع.

وثانيها : أن الساهي لا يجوز أن يقع منه مثل هذه الألفاظ المطابقة لوزن السورة ، وطريقتها ومعناها ، فإنا نعلم بالضرورة أن واحدا لو أنشد قصيدة لما جاز أن يسهو حتى يتفق منه بيت شعر في وزنها ومعناها وطريقتها.

وثالثها : هب أنه تكلم بذلك سهوا فكيف لا يتنبه لذلك حين قرأها على جبريل وذلك ظاهر. وأما إن تكلم بذلك قسرا ، كما قال قوم إن الشيطان أجبر (٥) النبي على التكلم به وهذا أيضا فاسد لوجوه :

أحدها : أن الشيطان لو قدر على ذلك في حق النبي لكان اقتداره علينا أكثر ، فوجب أن يزيل الشيطان الناس (٦) عن الدين ، ولجاز في أكثر ما يتكلم به أحدنا أن يكون ذلك بإجبار الشيطان.

وثانيها (٧) : أن الشيطان لو قدر على هذا الإجبار (٨) لارتفع الأمان عن (٩) الوحي لقيام هذا الاحتمال.

وثالثها : أنه باطل لقوله تعالى حاكيا عن الشيطان (وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي)(١٠) ، وقوله تعالى : (إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا)(١١)

__________________

(١) في ب : هذه.

(٢) سببا : سقط من الأصل.

(٣) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(٤) سهوا : سقط من ب.

(٥) في النسختين أجرى. والصواب ما أثبته.

(٦) في ب : والناس. وهو تحريف.

(٧) في ب : وثانيهما. وهو تحريف.

(٨) في ب : الإخبار. وهو تحريف.

(٩) في الأصل : على.

(١٠) [إبراهيم : ٢٢].

(١١) [النحل : ٩٩].

١٢١

وقال : (إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ)(١) ولا شك أنه ـ عليه‌السلام (٢) ـ كان سيد المرسلين.

وأما إن كان تكلمه بذلك اختيارا وهاهنا وجهان :

أحدهما : أن يقول إن هذه الكلمة باطلة.

والثاني : أن يقول إنها ليست كلمة باطلة.

أما على الأول فذكروا فيه طريقين :

الأول : قال ابن عباس في رواية عطاء : إن شيطانا يقال له الأبيض أتاه على صورة جبريل وألقى عليه هذه الكلمة فقرأها فلما سمع المشركون ذلك أعجبهم ، فجاءه جبريل فاستعرضه ، فقرأ السورة ، فلما بلغ إلى تلك الكلمة. قال جبريل : أنا ما جئتك بهذا ، فقال رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ «أتاني آت على صورتك فألقاه على لساني».

الطريق الثاني : قال بعض الجهال : إنه ـ عليه‌السلام (٩) ـ لشدة حرصه على إيمان القوم أدخل هذه الكلمة من عند نفسه ، ثم رجع عنها. وهذان القولان لا يرغب فيهما (٣) مسلم ألبتة ، لأن الأول يقتضي أنه ـ عليه‌السلام (٤) ـ ما كان يميز بين الملك المعصوم والشيطان الخبيث. والثاني (٥) يقتضي أنه كان خائنا في الوحي ، وكل واحد منهما خروج عن الدين.

وأما الوجه الثاني وهو أن هذه الكلمة ليست باطلة فهاهنا أيضا طرق :

الأول : أن يقال : الغرانيق هم الملائكة ، وقد كان ذلك قرآنا منزلا في وصف الملائكة ، فلما توهم المشركون أنه يريد آلهتهم نسخ الله ذلك.

الثاني : أن يقال : المراد منه الاستفهام على سبيل الإنكار ، فكأنه قال : أشفاعتهن (٦) ترتجى؟

الثالث : أن يقال : ذكر تعالى الإثبات وأراد النفي كقوله (يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا)(٧) أي : لا تضلوا ، كما قد يذكر النفي ويريد به الإثبات كقوله : (قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً)(٨) والمعنى أن تشركوا. وهذان الوجهان الأخيران يعترض عليهما بأنه لو جاز ذلك بناء على هذا التأويل فلم لا (٩) يجوز أن يظهروا كلمة الكفر في جملة القرآن ، أو في الصلاة بناء على هذا التأويل ، ولكن الأصل في الدين

__________________

(١) [الحجر : ٤٠] و [ص : ٨٣].

(٢) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(٣) في ب : فيها. وهو تحريف.

(٤) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(٥) في ب : الثالث. وهو تحريف.

(٦) في ب : شفاعتهن.

(٧) [النساء : ١٧٦].

(٨) [الأنعام : ١٥١].

(٩) لا : سقط من الأصل.

١٢٢

أن لا يجوز عليهم شيئا من ذلك ، لأن الله تعالى قد نصبهم حجة واصطفاهم للرسالة فلا يجوز عليهم ما يطعن في ذلك أو ينفر ، ومثل ذلك في التنفير أعظم من الأمور التي حثه الله تعالى (١) على تركها نحو الفظاظة وقول الشعر ، فقد ظهر القطع بكذب هذه الوجوه المذكورة في قوله : الغرانيق العلا هذا إذا فسرنا التمني بالتلاوة. فأما إن فسرنا التمني بالخاطر وتمني القلب ، فالمعنى أنه ـ عليه‌السلام (٢) ـ إذا تمنى بعض ما يتمناه من الأمور وسوس إليه الشيطان بالباطل ويدعوه إلى ما لا ينبغي ، ثم إن الله تعالى ينسخ ذلك ويبطله ويهديه إلى ترك الالتفات إلى وسوسته. ثم اختلفوا في كيفية تلك الوسوسة على وجوه :

أحدها : أنه تمنى ما يتقرب به إلى المشركين من ذكر آلهتهم بالثناء قالوا : إنه ـ عليه‌السلام (٧) ـ كان (٣) يحب أن يتألفهم (٤) ، فكان يتردد ذلك في نفسه ، فعندما لحقه النعاس زاد تلك الزيادة من حيث كانت في نفسه ، وهذا أيضا خروج عن الدين لما تقدم (٥).

وثانيها (٦) : قال مجاهد إنه ـ عليه‌السلام (٧) ـ كان يتمنى إنزال الوحي عليه على سرعة دون تأخير ، فنسخ الله ذلك بأن عرفه أن إنزال ذلك بحسب المصالح في الحوادث والنوازل وغيرها.

وثالثها : يحتمل أنه ـ عليه‌السلام (٧) ـ عند نزول الوحي كان يتفكر في تأويله إذا كان مجملا ، فيلقي الشيطان في جملته ما لم ينزل (٧) ، فبين تعالى أنه ينسخ ذلك بالإبطال ويحكم ما أراده بأدلته وآياته.

ورابعها : معنى (إِذا تَمَنَّى) إذا أراد فعلا مقربا (٨) إلى الله ألقى الشيطان في فكره ما يخالفه ، فرجع إلى الله في ذلك ، وهو كقوله : (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ)(٩) ، وكقوله : (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ)(١٠). ومن الناس من قال لا يجوز حمل الأمنية على تمني القلب ، لأنه لو كان كذلك لم يكن ما يخطر ببال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فتنة للكفار ، وذلك يبطله قوله : (لِيَجْعَلَ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ).

والجواب : لا يبعد أنه إذا قوي التمني اشتغل الخاطر فحصل السهو في الأفعال الظاهرة بسببه فيصير ذلك فتنة للكفار (١١).

__________________

(١) تعالى : سقط من الأصل.

(٢) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(٧) في الأصل : يرده.

(٣) في ب : كانوا وهو تحريف.

(٤) في الأصل : يتفالهم. وهو تحريف.

(٥) عند حديثه عن ضعف الوجه الرابع.

(٦) في ب : وثالثها. وهو تحريف.

(٧) في الأصل : يرده.

(٨) في ب : تقربا.

(٩) [الأعراف : ٢٠]. و «طيف» قراءة ابن كثير وأبي عمرو والكسائي وقرأ الباقون «طائف». انظر السبعة (٣٠١) ، الكشف ١ / ٤٨٦ ـ ٤٨٧.

(١٠) [الأعراف : ٢٠٠].

(١١) الفخر الرازي ٢٣ / ٥١ ـ ٥٥.

١٢٣

فصل (١)

يرجع (٢) حاصل البحث إلى أن الغرض من هذه الآية بيان أن الرسل الذين أرسلهم الله وإن عصمهم عن الخطأ مع العلم فلم يعصمهم عن جواز السهو (٣) ووسوسة الشيطان بل حالهم في جواز ذلك كحال سائر البشر ، فالواجب أن لا يتبعوا إلا فيما يفعلونه عن علم ، وذلك هو المحكم. وقال أبو مسلم : معنى الآية أنه لم يرسل نبيا إلا إذا تمنى كأنه قيل : وما أرسلنا إلى البشر ملكا (٤) (وما أرسلنا إليهم نبيا إلا منهم) (٥) ، وما أرسلنا من نبي خلا عند (٦) تلاوته من وسوسة الشيطان ، وأن يلقي في خاطره ما يضاد الوحي ويشغله عن حفظه فيثبت الله النبي على الوحي وعلى حفظه ويعلمه صواب ذلك ، وبطلان ما يكون من الشيطان ، قال : وفيما تقدم من قوله : (قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ)(٨) تقوية لهذا التأويل ، كأنه تعالى أمره أن يقول للكافرين : أنا نذير لكم لكني من البشر لا من الملائكة ، ولم يرسل الله قبلي ملكا ، وإنما أرسل رجالا فقد يوسوس الشيطان إليهم.

فإن قيل : هذا إنما يصح لو كان السهو لا يجوز على الملائكة. قلنا : إذا كانت الملائكة أعظم درجة من الأنبياء لم يلزم من استيلائهم بالوسوسة على الأنبياء استيلائهم بالوسوسة على الملائكة. واعلم أنه لما شرح حال هذه الوسوسة أردف ذلك ببحثين :

الأول : كيفية إزالتها ، وهو قوله : (فَيَنْسَخُ اللهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللهُ آياتِهِ) والمراد إزالته وإزالة تأثيره ، وهو النسخ اللغوي ، لا (٧) النسخ الشرعي المستعمل في الأحكام.

وأما قوله : (ثُمَّ يُحْكِمُ اللهُ آياتِهِ) فإذا حمل التمني على القراءة فالمراد به آيات القرآن ، وإلا فيحمل على أحكام الأدلة التي لا تجوز فيها الغلط.

البحث الثاني : أنه تعالى بين (٨) أثر تلك الوسوسة شرح أثرها في حق الكفار أولا ثم في حقالمؤمنين ثانيا ، أما في حق الكفار فهو قوله : (لِيَجْعَلَ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ فِتْنَةً) ، وذلك أنهم افتتنوا (٩) لما سمعوا ذلك ، والمراد به تشديد التبعد ، لأن ما يظهر من الرسول ـ عليه‌السلام (١٠) ـ من الاشتباه في القراءة سهوا يلزمهم البحث عن ذلك ليميزوا السهو من العمد ، وليعلموا أن العمد صواب والسهو قد لا يكون صوابا.

__________________

(١) هذا الفصل نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٣ / ٥٥ ـ ٥٦.

(٢) في ب : رجع. وهو تحريف.

(٣) في ب : الشهوة. وهو تحريف.

(٤) ما بين القوسين سقط من ب.

(٥) في ب : عن.

(٦) الآية (٤٩) من السورة نفسها.

(٧) في ب : لأن. وهو تحريف.

(٨) بين : سقط من ب.

(٩) في ب : فتنوا.

(١٠) في ب : عليه الصلاة والسلام.

١٢٤

ثم قال : (لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) شك ونفاق ، وخصهم بذلك ، لأنهم مع كفرهم محتاجون إلى التدبر. (وأما المؤمنون فقد تقدم علمهم بذلك فلا يحتاجون إلى التدبر) (١) وأما القاسية قلوبهم فهم المشركون المصرون على جهلهم باطنا وظاهرا. ثم قال : (وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ) يريد أن هؤلاء المنافقين والمشركين. والمعنى : وإنهم. فوضع الظاهر موضع المضمر ، قضى عليهم بالظلم وأبرزهم ظاهرين للشهادة عليهم بهذه الصفة الذميمة. والشقاق الخلاف الشديد والمعاداة والمباعدة سواء. وأما في حق المؤمنين فهو قوله : (وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ) ولنرجع إلى الإعراب فنقول :

قوله : (إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ) في هذه الجملة بعد «إلّا» ثلاثة أوجه :

أحدها : أنها في محل نصب على الحال من «رسول» والمعنى : وما أرسلنا من رسول إلا حاله هذه ، والحال محصورة (٢).

والثاني : أنها في محل الصفة (٣) لرسول ، فيجوز أن يحكم على موضعها بالجر باعتبار لفظ الموصوف ، وبالنصب باعتبار محله ، فإن «من» مزيدة فيه (٤).

الثالث : أنها في موضع استثناء من غير الجنس. قاله أبو البقاء (٥) ، يعني : أنه استثناء منقطع و «إذا» هذه يجوز أن تكون شرطية ، وهو الظاهر ، وإليه ذهب الحوفي (٦) ، وأن تكون لمجرد الظرفية. قال أبو حيان : ونصوا على أنه يليها ـ يعني «إلا» (٧) ـ في النفي المضارع بلا شرط نحو ما زيد إلا يفعل ، وما رأيت زيدا إلا يفعل ، والماضي بشرط تقدم فعل نحو (ما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كانُوا)(٨) ، أو مصاحبة (قد) نحو : ما زيد إلا قد فعل (٩) ، وما جاء بعد (إلا) في الآية جملة شرطية ولم يلها ماض مصحوب ب (قد) ، ولا

__________________

(١) ما بين القوسين سقط من الأصل.

(٢) وهو صحيح لقبولها واو الحال ، أي : وما أرسلناه إلا وحاله هذه ، البحر المحيط ٦ / ٣٨٢.

(٣) هذا قول الزمخشري في نحو ما مررت بأحد إلا زيد خير منه ، ورد عليه بأنه مذهب لا يعرف لبصري ولا كوفي ، لأنه يفصل بين الموصوف وصفته ب (إلا) فلا يقال : جاءني رجل إلا راكب لأنهما كشيء واحد فلا يفصل بينهما بها ، كما لا يفصل بها بين الصلة والموصول ولا بين المضاف والمضاف إليه ، ولأن «إلا» وما بعدها في حكم جملة مستأنفة والصفة لا تستأنف ولا تكون في حكم المستأنف ، كذا ذكره ابن مالك تبعا للأخفش والفارسي وذكره أيضا صاحب البسيط فالصواب أن الجملة في الآية والمثال حالية ، وإنما لم تقس الصفة على الحال لوضوح الفرق بينهما بجواز تقديم الحال على صاحبه ويخالفه في الإعراب والتنكير ، البحر المحيط ٦ / ٣٨٢ ، الهمع ١ / ٢٣٠.

(٤) لأنها مسبوقة بنفي ومجرورها نكرة.

(٥) التبيان ٢ / ٩٤٥.

(٦) البحر المحيط ٦ / ٣٨٢.

(٧) في ب : الراء. وهو تحريف.

(٨) من قوله تعالى : «وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ»[الحجر : ١١].

(٩) واقتران الماضي ب (قد) يغني عن تقديم فعل قاله ابن مالك كقول الشاعر :

ما المجد إلا قد تبيّن أنه

بندى وحلم لا يزال مؤثلا ـ

١٢٥

عار منها ، فإن صح ما نصوا عليه يؤول على أن «إذا» جردت للظرفية ، ولا شرط فيها ، وفصل بها بين (إلا) والفعل الذي هو «ألقى» (١) ، وهو فصل جائز ، فتكون «إلا» قد وليها ماض في التقدير ، ووجد شرطه وهو تقدم فعل قبل (إلا) وهو (وَما أَرْسَلْنا)(٢). قال شهاب الدين : ولا حاجة إلى هذا التكليف المخرج للآية عن معناها بل هي جملة شرطية إما حال أو صفة أو استثناء كقوله: (إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ فَيُعَذِّبُهُ)(٣) وكيف يدعي الفصل بها وبالفعل بعدها بين «إلا» وبين «ألقى» من غير ضرورة تدعو إليه ، ومع عدم صحة المعنى (٤).

وقوله تعالى : (إِذا تَمَنَّى) إنما أفرد الضمير ، وإن تقدمه سببان معطوف أحدهما على الآخر بالواو ، لأن في الكلام حذفا تقديره : وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا إذا تمنى ، ولا نبي إلا إذا تمنى كقوله : (وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ)(٥) ، والحذف إما من الأول أو الثاني (٦). والضمير في «أمنيّته» فيه قولان : أظهرهما أنه ضمير الشيطان والثاني : أنه ضمير الرسول.

قوله : «ليجعل» في متعلق هذه اللام ثلاثة أوجه :

أظهرها (٧) : أنها متعلقة ب «يحكم» ، أي : ثم يحكم الله آياته ليجعل ، وقوله : (وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) جملة اعتراض ، وإليه نحا الحوفي (٨).

والثاني : أنها متعلقة ب «ينسخ» وإليه نحا ابن عطية (٩) ، وهو ظاهر أيضا.

الثالث : أنها متعلقة ب «ألقى» (١٠) ، وليس بظاهر. وفي اللام (١١) قولان :

__________________

ـ لأن (قد) تقرب الفعل الماضي إلى الحال فأشبه المضارع ، والمضارع لا يشترط فيه تقدم لشبهه بالاسم ، والاسم بإلا أولى ، لأن المستثنى لا يكون إلا اسما ومؤولا به وإنما ساغ وقوع الماضي بتقديم الفعل ، لأنه مع النفي يجعل الكلام بمعنى : كلما كان كذا كان كذا فكان فيه فعلان كما كان مع (كلما) وقال ابن طاهر : أجاز المبرد وقوع الماضي مع (قد) بدون تقدم فعل ، ولم يذكره من تقدم من النحاة. وفي البديع لو قلت : ما زيد إلا قام. لم يجز ؛ فإن دخلت قد أجازها قوم. الهمع ١ / ٢٣٠.

(١) في ب : النفي. وهو تحريف.

(٢) البحر المحيط ٦ / ٣٨٢.

(٣) [الغاشية : ٢٣ ، ٢٤].

(٤) الدر المصون ٥ / ٧٨.

(٥) من قوله تعالى : «يَحْلِفُونَ بِاللهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كانُوا مُؤْمِنِينَ» [التوبة : ٦٢].

(٦) انظر البحر المحيط ٦ / ٣٨٢.

(٧) في ب : أظهرهما. وهو تحريف.

(٨) البحر المحيط ٦ / ٣٨٢.

(٩) تفسير ابن عطية ١٠ / ٣٠٨.

(١٠) انظر البحر المحيط ٦ / ٣٨٢.

(١١) في ب : الكلام. وهو تحريف.

١٢٦

أحدهما : أنها للعلة (١). والثاني : أنها للعاقبة (٢). و «ما» في قوله : (ما يُلْقِي) الظاهر أنها بمعنى الذي ، ويجوز أن تكون مصدرية (٣).

قوله : (وَالْقاسِيَةِ) أل في «القاسية» موصولة ، والصفة (٤) صلتها ، و «قلوبهم» فاعل بها ، والضمير المضاف إليه هو عائد الموصول ، وأنّثت (٥) الصلة لأن مرفوعها مؤنث مجازي ، ولو وضع فعل(٦) موضعها لجاز تأنيثه (٧). و «القاسية» عطف على «الذين» (٨) ، أي : فتنة للذين في قلوبهم مرض وفتنة للقاسية قلوبهم.

قوله : (وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ) عطف على «ليجعل» عطف علة على مثلها والضمير في «أنّه» قال الزمخشري : إنه (٩) يعود على تمكين الشيطان ، أي : ليعلم المؤمنون أن تمكين الشيطان من ذلك الإلقاء هو الحق (١٠). أما على قول أهل السنة فلأنه تعالى يتصرف كيف شاء في ملكه وملكه فكان حقا وأما على قول المعتزلة فلأنه تعالى حكيم فتكون كل أفعاله صوابا فيؤمنوا به (١١) وقال ابن عطية : إنه يعود على القرآن (١٢) ، وهو وإن لم يجر له ذكر فهو في قوة المنطوق ، وهو قول مقاتل (١٣). وقال الكلبي: إنه يعود إلى نسخ الله ما ألقاه الشيطان (٣).

قوله : «فيؤمنوا» عطف على «وليعلم» ، و «فتخبت» عطف عليه وما أحسن ما وقعت هذه الفاءان (١٤). ومعنى «فتخبت» أي تخضع وتسكن له قلوبهم لعلمهم بأن المقضي كائن وكلّ ميسّر لما خلق له (١٥).

فصل

ومعنى (أُوتُوا الْعِلْمَ) أي : التوحيد والقرآن. وقال السّدّي : التصديق. (فَيُؤْمِنُوا بِهِ) أي: يعتقدوا أنه من الله (١٦).

قوله : (وَإِنَّ اللهَ لَهادِ)(١٧) قرأ العامة «لهاد (٧) الذين» بالإضافة تخفيفا (١٨). وابن أبي

__________________

(١) واستظهره أبو حيان.

(٢) انظر البحر المحيط ٦ / ٣٨٢.

(٣) المرجع السابق.

(٤) في الأصل : وصفة. وهو تحريف.

(٥) في ب : وأثبتت. وهو تحريف.

(٦) في ب : فعلى. وهو تحريف.

(٧) انظر التبيان ٢ / ٩٤٥ ، البحر المحيط ٦ / ٣٨٢.

(٨) انظر التبيان ٢ / ٩٤٥.

(٩) في ب : وإنه.

(١٠) انظر الكشاف ٣ / ٣٧.

(١١) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٥٦.

(١٢) تفسير ابن عطية ١٠ / ٣٠٨.

(١٣) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٥٦.

(١٤) لدلالة الفاء على الترتيب والتعقيب ، أي أن المعطوف متصل بالمعطوف عليه بلا مهلة ، فالخشوع متصل بالإيمان ، والإيمان متصل بالعلم بلا مهلة.

(١٥) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٥٦.

(١٦) انظر البغوي ٥ / ٦٠٤.

(١٧) في النسختين : لهادي.

(١٨) التبيان ٢ / ٩٤٦ ، البحر المحيط ٦ / ٣٨٣.

١٢٧

عبلة وأبو حيوة بتنوين الصفة وإعمالها في الموصول (١). والمعنى : أن الله يهدي الذين آمنوا إلى طريق قويم وهو الإسلام.

قوله تعالى : (وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ) الآية. لما بين حال الكافرين أولا ثم حال المؤمنين ثانيا عاد إلى شرح حال الكافرين مرة أخرى ، فقال : (وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ) شك ونفاق «منه» أي : من القرآن ، أو من الرسول ، أو مما ألقاه الشيطان (٢).

والمرية والمرية بالكسر والضم لغتان مشهورتان (٣) ، وظاهر كلام أبي البقاء أنهما قراءتان (٤).

قوله : (حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ) وهذا يدل على أن الأعصار إلى قيام الساعة لا تخلو ممن هذا وصفه. «بغتة» أي : فجأة من دون أن يشعروا ، ثم جعل الساعة لكفرهم ، وأنهم يؤمنون عند أشراط الساعة على وجه الإلجاء (٥). وقيل : أراد بالساعة الموت. (أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ). قال الأكثرون : هو يوم بدر. وقال عكرمة والضحاك : هو يوم القيامة (٦). والعقيم من العقم ، وفيه قولان :

أحدهما : أنه السد ، يقال : امرأة معقومة الرّحم أو مسدودته عن الولادة. وهو قول أبي عبيد.

والثاني : أن (٧) أصله القطع ، ومنه (الملك عقيم) أي (٨) : لأنه يقطع صلة الرحم بالتراحم عليه ، ومنه العقيم لانقطاع ولادتها (٩). والعقم انقطاع الخبر ، ومنه يوم عقيم ، قيل : لأنه لا ليلة بعده ، ولا يوم فشبه بمن انقطع نسله ، وقيل : لأنهم لا يرون فيه خيرا. وقيل (١٠) : لأن كل ذات حمل تضع حملها في ذلك اليوم ، فكيف يحصل الحمل فيه. هذا إن أريد به يوم القيامة.

وإن أريد به يوم بدر فقيل : لأن أبناء الحرب تقتل فيه ، فكأن النساء لم يلدنهم فيكنّ عقما ، يقال : رجل عقيم وامرأة عقيم ، أي : لا يولد لهما. والجمع عقم.

وقيل : لأنه الذي لا خير فيه ، يقال : ريح عقيم إذا لم تنشىء مطرا ، ولم تلقح (١١) شجرا.

__________________

(١) المختصر (٩٦) ، التبيان ٢ / ٩٤٦ ، البحر المحيط ٦ / ٣٨٣.

(٢) أي أن الضمير في «منه» قيل : عائد على القرآن ، وقيل : على الرسول. وقيل : ما ألقى الشيطان. البحر المحيط ٦ / ٣٨٣.

(٣) والمرية والمرية : الشك والجدل. بالكسر والضم. اللسان (مرا).

(٤) قال أبو البقاء :(«في مرية» بالكسر والضم ، وهما لغتان) التبيان ٢ / ٩٤٦.

(٥) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٥٦.

(٦) انظر البغوي ٥ / ٦٠٥.

(٧) أن : سقط من ب.

(٨) في ب : أو.

(٩) اللسان (عقم).

(١٠) وقيل : سقط من ب.

(١١) في ب : ولم تنتج.

١٢٨

وقيل : إنه (١) لا مثل له في عظم أمره ، وذلك لقتال الملائكة فيه.

والقول الأول أولى لأنه لا يجوز أن يقال : (وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا) ويكون المراد إلى يوم بدر ، لأن من المعلوم أنهم في مرية بعد يوم بدر (٢).

فإن قيل : لمّا ذكر الساعة ، فلو حملتم اليوم العقيم على يوم القيامة لزم التكرار.

قلنا : ليس كذلك لأن الساعة مقدمات القيامة ، واليوم العقيم كما مر (٣) نفس ذلك اليوم على أن الأمر لو كان كما قال لم يكن تكرارا ، لأن في الأول ذكر الساعة ، وفي الثاني ذكر عذاب ذلك اليوم(٤).

وإن أريد بالساعة وقت الموت ، وبعذاب يوم عقيم القيامة فالسؤال زائل (٥).

قوله : (الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ) ، وهذا من أقوى ما يدل على أن اليوم العقيم هو هذا اليوم ، وأراد أنه لا مالك (٦) في ذلك اليوم سواه. و «يومئذ» منصوب بما تضمنه «لله» من الاستقرار ، لوقوعه خبرا (٧). و «يحكم» يجوز أن يكون حالا من اسم الله ، وأن يكون مستأنفا (٨) ، والتنوين في «يومئذ» عوض من جملة ، فقدرها الزمخشري : يوم يؤمنون. وهو لازم لزوال المرية ، وقدره أيضا : يوم نزول مريتهم (٩).

ثم بيّن تعالى كيف يحكم بينهم وأنه يصير المؤمنين إلى جنات النعيم والكافرين إلى عذاب مهين.

قوله : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا) مبتدأ ، وقوله : «فأولئك» وما بعده خبره ودخلت الفاء لتضمن المبتدأ معنى الشرط بالشرط المذكور (١٠) ، و «لهم» يحتمل أن يكون خبرا عن «أولئك» و «عذاب» فاعل به لاعتماده على المخبر عنه. وأن يكون خبرا مقدما وما بعده مبتدأ ، والجملة خبر «أولئك»(١١).

قوله تعالى : (وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ ماتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ

__________________

(١) في ب : إنه الذي.

(٢) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٥٧.

(٣) كما مر : سقط من ب.

(٤) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٥٧.

(٥) في ب : أوائل. وهو تحريف.

(٦) في ب : لا ملك. وهو تحريف.

(٧) انظر التبيان ٢ / ٩٤٦.

(٨) المرجع السابق.

(٩) الكشاف ٢ / ٣٨ ، والتقدير الثاني أولى.

(١٠) يجوز دخول الفاء في الخبر إذا كان المبتدأ اسما موصولا بشرط أن يكون عاما ، وأن تكون صلته جملة من فعل وفاعل أو ظرف أو جار ومجرور نحو الذي يأتيني فله درهم ، والذي عندي فمكرم. وقد تقدم الحديث عن اقتران الخبر بالفاء في سورة مريم عند الآية (٦٥). وانظر التبيان ٢ / ٩٤٦.

(١١) إذا وقع بعد الظرف أو الجار والمجرور مرفوع فإن تقدمها نفي نحو ما في الدار أحد ، أو استفهام نحو أفي الدار زيد ، أو موصوف نحو مررت برجل معه صقر ، أو موصول نحو جاء الذي في الدار أبوه ، أو صاحب كالآية التي معنا ، ونحو زيد عندك أخوه ، أو حال نحو مررت بزيد عليه جبة ففي المرفوع ثلاثة مذاهب : ـ

١٢٩

اللهُ رِزْقاً حَسَناً وَإِنَّ اللهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (٥٨) لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلاً يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ (٥٩) ذلِكَ وَمَنْ عاقَبَ بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللهُ إِنَّ اللهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (٦٠) ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَأَنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (٦١) ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْباطِلُ وَأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ)(٦٢)

قوله : (وَالَّذِينَ هاجَرُوا) مبتدأ ، وقوله : (لَيَرْزُقَنَّهُمُ)(١) جواب قسم مقدر ، والجملة القسمية وجوابها خبر قوله : (وَالَّذِينَ هاجَرُوا). وفيه دليل على وقوع الجملة القسمية خبرا للمبتدأ. ومن يمنع يضمر قولا هو الخبر يحكي به هذه الجملة القسمية. وهو قول مرجوح (٢).

قوله : «رزقا» يجوز أن تكون مفعولا ثانيا على أنه من باب الرعي والذبح أي : مرزوقا (٣) حسنا. وأن يكون مصدرا مؤكدا (٤).

__________________

ـ أحدها : أن الأرجح كونه مبتدأ مخبرا عنه بالظرف أو المجرور ، ويجوز كونه فاعلا.

الثاني : أن الأرجح كونه فاعلا ، واختاره ابن مالك ، وتوجيهه أن الأصل عدم التقديم والتأخير.

والثالث : أنه يجب كونه فاعلا ، ونقله ابن هشام عن الأكثرين.

وحيث أعرب فاعلا ففي العمل فيه خلاف هل هو الفعل المحذوف أو الظرف أو المجرور لنيابتهما عن استقر وقربهما من الفعل لاعتمادهما ، والمذهب المختار الثاني.

وشرط الاعتماد : مذهب البصريين ، ومذهب الكوفيين والأخفش لا يشترطون ذلك ولذا يجوز عندهم الوجهان في نحو في الدار أو عندك زيد ، وعند البصريين يوجبون الابتداء. انظر المغني ١ / ٤٤٣ ـ ٤٤٤.

(١) في ب : «ليرزقنهم».

(٢) والذي منع وقوع جملة القسم خبرا ثعلب فلا يجوز عنده ما زيد والله لأضربنه ، ولعل المانع عنده إما كون جملة القسم لا ضمير فيها فلا تكون ، لأن الجملتين ههنا ليستا كجملتي الشرط والجزاء ، لأن الجملة الثانية ليست معمولة لشيء من الجملة الأولى ، ولهذا منع بعضهم وقوعها صلة. وإما كون جملة القسم إنشائية ، والجملة الواقعة خبرا لا بد من احتمالها للصدق والكذب ولهذا منع ابن الأنباري أن يقال : زيدا ضربه ، وزيد هل جاءك.

وهذا التعليل ليس بشيء والراجح وقوع جملة القسم خبرا لأن الجملتين (جملة القسم والجواب) مرتبطتان ارتباطا صارتا به كالجملة الواحدة وإن لم يكن بينهما عمل. ولأن الخبر الذي شرطه احتمال الصدق والكذب الخبر الذي هو قسيم الإنسان لا خبر المبتدأ للاتفاق على أن أصله الإفراد ، واحتمال الصدق والكذب إنما هو من صفات الكلام. ولأن السماع قد ورد بما منعه ثعلب كالآية التي معنا وقوله تعالى : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ) [العنكبوت : ٩].

شرح الكافية ١ / ١٩ ، المغني ٢ / ٤٠٥ ـ ٤٠٧ ، الهمع ١ / ٩٦.

(٣) في ب : يرزوقا. وهو تحريف.

(٤) انظر التبيان ٢ / ٩٤٦.

١٣٠

وقوله : (ثُمَّ قُتِلُوا) وقوله : «مدخلا» تقدم الخلاف في القراءة بهما في آل عمران (١) وفي النساء (٢).

فصل

لما ذكر أن الملك له يوم القيامة ، وأنه يحكم بينهم ، ويدخل المؤمنين الجنات أتبعه بذكر الوعد الكريم للمهاجرين ، وأفردهم بالذكر تفخيما لشأنهم فقال : (وَالَّذِينَ هاجَرُوا)(٣) فارقوا أوطانهم وعشائرهم في طاعة الله ، وطلب رضاه (ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ ماتُوا) وهم كذلك قال مجاهد : نزلت في طوائف خرجوا من مكة إلى المدينة للهجرة فتبعهم المشركون فقاتلوهم وظاهر الآية العموم (٤). ثم قال : (لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللهُ رِزْقاً حَسَناً) والرزق الحسن هو الذي لا ينقطع أبدا وهو نعيم الجنة. وقال الأصم : إنه العلم والفهم لقول شعيب ـ عليه‌السلام (٥) ـ (وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً)(٦). (وقال الكلبي : (رِزْقاً حَسَناً)) (٧) أي حلالا وهو الغنيمة.

وهذان الوجهان ضعيفان لأنه تعالى جعله جزاء على هجرتهم في سبيل الله بعد القتل والموت ، وبعدهما لا يكون إلا نعيم الآخرة (٨). ثم قال : (وَإِنَّ اللهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) معلوم (٩) بأن كل الرزق من عنده. فقيل : إن (١٠) التفاوت إنما كان بسبب أنه تعالى مختص بأن يرزق بما لا يقدر عليه غيره. وقيل : المراد أنه الأصل في الرزق ، وغيره إنما يرزق بما تقدم من الرزق من جهة الله (١١). وقيل : إن غيره ينقل من يده إلى يد غيره لا أنه يفعل نفس الرزق.

وقيل : إن غيره إذا رزق فإنما (١٢) يرزق لانتفاعه به ، إما لأجل خروجه عن الواجب أو لأجل أن يستحق به حمدا أو ثناء ، أو لأجل الرقّة الجنسية ، أما (١٣) الحق سبحانه فإن كماله صفة ذاتية له فلا يستفيد من شيء كمالا زائدا ، فالرزق الصادر منه لمحض الإحسان. وقيل : إن غيره إنما يرزق إذا حصل في قلبه إرادة ذلك الفعل ، وتلك الإرادة من الله ، فالرازق في الحقيقة هو الله (١٤).

__________________

(١) من قوله تعالى : «وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ» [آل عمران : ١٦٩].

(٢) عند قوله تعالى : «إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً» [النساء : ٣١].

(٣) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٥٨.

(٤) المرجع السابق.

(٥) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(٦) [هود : ٨٨].

(٧) ما بين القوسين سقط من ب.

(٨) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٥٨ ـ ٥٩.

(٩) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٣ / ٥٨ ـ ٥٩.

(١٠) إن : سقط من ب.

(١١) في ب : الله تعالى.

(١٢) في ب : إنما.

(١٣) في ب : وأما.

(١٤) آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢٣ / ٥٨ ـ ٥٩.

١٣١

فصل (١)

قالت المعتزلة : الآية تدل على أمور ثلاثة :

الأول : أن غير الله (٢) قادر.

الثاني : أن غير الله يصح أن يرزق ويملك ، ولو لا كونه قادرا فاعلا لما صح ذلك.

الثالث : أن الرزق لا يكون إلا حلالا ، لأن قوله : (خَيْرُ الرَّازِقِينَ) يدل على كونهم ممدوحين.

والجواب : لا نزاع في كون العبد قادرا ، فإن القدرة مع الداعي مؤثرة في الفعل بمعنى الاستلزام.

والثالث بحث لفظي تقدم الكلام فيه.

فصل

دل قوله : (ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ ماتُوا) على أن حال المقتول في الجهاد والميت على فراشه سواء ، لأنه تعالى جمع بينهما في الوعد ، ويؤيده ما روى أنس أن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ قال : «المقتول في سبيل الله والمتوفّى في سبيل الله بغير قتل هما في الأجر شريكان» ولفظ الشركة مشعر بالتسوية وإلا فلا يبقى لتخصيصها بالذكر فائدة (٣).

قوله : «ليدخلنّهم» هذه الجملة يجوز أن تكون بدلا من «ليرزقنّهم» وأن تكون مستأنفة (٤). وقوله : (مُدْخَلاً يَرْضَوْنَهُ) قال ابن عباس : إنما قال : «يرضونه» لأنهم يرون في الجنة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. ف «يرضونه» وقوله : (فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ)(٥) وقوله : (ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً)(٦)(وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ أَكْبَرُ)(٧)(٨).

ثم قال : (وَإِنَّ اللهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ) عليم بما يستحقونه فيفعله بهم ويزيدهم ، أو عليم بما يرضونه فيعطيهم ذلك في الجنة ، وأما الحليم فلا يعجل بالعقوبة على من يقدم على المعصية ، بل يمهل لتقع منه التوبة فيستحق الجنة (٩).

قوله تعالى : (ذلِكَ وَمَنْ عاقَبَ) «ذلك» خبر مبتدأ مضمر أي : الأمر ذلك وما بعده مستأنف (١٠). والباء في قوله : (بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ) للسببية في الموضعين قاله أبو البقاء (١١)

__________________

(١) هذا الفصل نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٣ / ٥٩.

(٢) في ب : أن الله غير. وهو تحريف.

(٣) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٥٩.

(٤) انظر التبيان ٢ / ٩٤٦.

(٥) من قوله تعالى : «فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ»[الحاقة : ٢١] ، [القارعة : ٧].

(٦) [الفجر : ٢٨].

(٧) [التوبة : ٧٢].

(٨) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٥٩ ـ ٦٠.

(٩) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٦٠.

(١٠) انظر التبيان ٢ / ٩٤٦.

(١١) المرجع السابق.

١٣٢

والذي يظهر أن الأولى يشبه أن تكون للآلة. (وَمَنْ عاقَبَ) مبتدأ خبره (لَيَنْصُرَنَّهُ اللهُ)(١).

فصل

المعنى : الأمر ذلك الذي قصصنا عليك (وَمَنْ عاقَبَ بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ) أي قاتل من كان يقاتله ، ثم كان المقاتل مبغيا عليه بأن اضطر إلى الهجرة ومفارقة الوطن وابتدىء بالقتال (٢).

قال مقاتل : نزلت في قوم من قريش أتوا قوما من المسلمين لليلتين بقيتا من (٣) المحرم ، وكره المسلمون قتالهم ، وسألوهم أن يكفوا عن القتال من أجل الشهر الحرام ، فأبوا وقاتلوهم فذلك بغيهم عليهم ، وثبت المسلمون لهم فنصروا ، فوقع في أنفس (٤) المسلمين من القتال في الشهر الحرام. فأنزل الله هذه الآية ، وعفا عنهم وغفر لهم (٥).

والعقاب الأول بمعنى الجزاء ، وأطلق اسم العقوبة على الأول للتعلق الذي بينه وبين الثاني كقوله تعالى : (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها)(٦)(يُخادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ)(٧)(٨).

وهذه النّصرة تقوي تأويل من تأول الآية على مجاهدة الكفار لا على القصاص لأن ظاهر النص لا يليق إلا بذلك. وقال الضحاك : هذه الآية في القصاص والجراحات لأنها مدنية (٩).

قال الشافعي وأحمد في إحدى الروايتين عنه : من حرّق حرّقناه ، ومن غرّق غرّقناه لهذا الآية ، فإن الله تعالى جوّز للمظلوم أن يعاقب بمثل ما عوقب به ووعده النصر. وقال أبو حنيفة وأحمد في الرواية الأخرى : بل يقتل بالسيف. فإن قيل : كيف تعلق الآية بما قبلها؟

فالجواب : كأنه تعالى قال : مع إكرامي لهم في الآخرة بهذا الوعد لا أدع نصرتهم في الدنيا على من بغى عليهم (١٠).

ثم قال : (وَإِنَّ اللهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ) أي إن الله ندب المعاقبين إلى العفو عن الجاني بقوله : (فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ)(١١)(وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى)(١٢)(وَلَمَنْ صَبَرَ

__________________

(١) المرجع السابق.

(٢) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٦٠.

(٣) في الأصل : بقين في. وهو تحريف.

(٤) في ب : أنفسهم. وهو تحريف.

(٥) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٦٠.

(٦) [الشورى : ٤٠].

(٧) [النساء : ١٤٢]. وذلك على سبيل المشاكلة ، وهي ذكر الشيء بلفظ غيره لوقوعه في صحبته تحقيقا أو تقديرا. انظر الإيضاح ٣٦٠.

(٨) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٦٠ ـ ٦١.

(٩) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٦٠.

(١٠) المرجع السابق.

(١١) [سورة الشورى : ٤٠].

(١٢) [البقرة : ٢٣٧].

١٣٣

وَغَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ)(١) فلما لم يأت بهذا المندوب فهو نوع إساءة فكأنه تعالى قال : إني عفوت عن هذه الإساءة وغفرتها. وقيل : إنه تعالى وإن ضمن له النصر على الباغي لكنه عرض مع ذلك بما هو أولى وهو العفو والمغفرة ، فلوّح بذكر هاتين الصفتين.

وفيه وجه آخر وهو أنه تعالى دل بذكر العفو والمغفرة على أنه قادر على العقوبة لأنه لا يوصف بالعفو إلا القادر على ضده (٢).

قوله : (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ) وفيه وجهان :

الأول : أي : ذلك النصر بسبب أنه قادر ، ومن قدرته كونه خالقا لليل والنهار ومتصرفا فيهما ، فوجب أن يكون قادرا عالما بما يجري فيهما ، وإذا كان كذلك كان قادرا على النصر.

الثاني : المراد أنه مع ذلك النصر ينعم في الدنيا بما يفعله من تعاقب الليل والنهار وولوج أحدهما في الآخر (٣). ومعنى إيلاج أحدهما في الآخر أنه يحصل ظلمة هذا في ضياء ذلك بغيبوبة الشمس وضياء ذلك في ظلمة هذا بطلوعها كما يضيء البيت بالسراج ويظلم بفقده.

وقيل هو أن يزيد في أحدهما ما ينقص من الآخر من الساعات (٤). و «ذلك» مبتدأ و (بِأَنَّ اللهَ) خبره ، ثم قال : (وَأَنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) أي : أنه كما يقدر على ما لا يقدر عليه غيره ، فكذلك يدرك المسموع والمبصر ، ولا يجوز المنع عليه ، وذلك كالتحذير من الإقدام على ما لا يجوز في المسموع والمبصر (٥).

قوله : (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ) الآية. قرأ العامة «وأن ما» عطفا على الأول (٦). والحسن بكسرها استئنافا (٧). وقوله : (هُوَ الْحَقُّ) يجوز أن يكون فصلا ومبتدأ.

وجوّز أبو البقاء أن يكون توكيدا (٨). وهو غلط لأن المضمر لا يؤكد المظهر (٩) ، ولكان صيغة النصب أولى به من الرفع فيقال : إياه ، لأن المتبوع منصوب. وقرأ الأخوان

__________________

(١) [الشورى : ٤٣].

(٢) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٦١.

(٣) المرجع السابق.

(٤) المرجع السابق.

(٥) المرجع السابق.

(٦) انظر البحر المحيط ٦ / ٣٨٤.

(٧) المرجع السابق.

(٨) التبيان ٢ / ٩٤٧.

(٩) وذلك لأن المظهر لا يؤكد إلا بظاهر ، ولا يؤكد بمضمر فلا تقول : جاءني زيد هو ، ولا مررت بزيد هو ، لأنه يشترط في المؤكد أن لا يكون أعرف من المؤكد ، والمضمر أعرف من المظهر فلم يجز أن يكون توكيدا له. وأيضا فإن الغرض من التوكيد الإيضاح والبيان وإزالة اللبس ، والمضمر أخفى من الظاهر فلا يصلح أن يكون مبينا له. ابن يعيش ٣ / ٤٢.

١٣٤

وحفص وأبو عمرو هنا وفي لقمان (١) «يدعون» بالياء من تحت. والباقون بالتاء من فوق ، والفعل مبني للفاعل (٢) وقرأ مجاهد واليماني بالياء من تحت مبنيا للمفعول (٣). والواو التي هي ضمير تعود على معنى «ما» (٤) والمراد بها الأصنام أو الشياطين (٥) ، ومعنى الآية : أن ذلك الوصف الذي تقدم من القدرة على هذه الأمور لأجل أن الله هو الحق ، أي (٦) : هو الموجود الواجب لذاته الذي يمتنع عليه التغيير والزوال وأن ما يفعل من عبادته هو الحق وما يفعل من عبادة غيره فهو الباطل كقوله : (لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيا وَلا فِي الْآخِرَةِ)(٧)(٨).

(وَأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) العلي (٩) القاهر (١٠) المقتدر نبه بذلك على أنه القادر على الضر والنفع دون سائر من يعبد مرغبا بذلك في عبادته زاجرا عن عبادة غيره ، وأما الكبير فهو العظيم في قدرته وسلطانه ، وذلك يفيد كمال القدرة (١١).

قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (٦٣) لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَإِنَّ اللهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (٦٤) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (٦٥) وَهُوَ الَّذِي أَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ)(٦٦)

قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً) الآية لما دل على قدرته بما تقدم أتبعه بأنواع أخر من الدلائل على قدرته ونعمته فقال : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ) وفيه ثلاثة أوجه :

أحدها : أن المراد الرؤية الحقيقية ، لأن الماء النازل من السماء يرى بالعين ،

__________________

(١) وهو قوله تعالى : «ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْباطِلُ وَأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ» [لقمان : ٣٠].

(٢) السبعة (٤٤٠) الكشف ٢ / ١٢٣ ، النشر ٢ / ٣٢٧ ، الإتحاف (٣٩٦).

(٣) المختصر (٩٦) ، البحر المحيط ٦ / ٣٨٤.

(٤) ما : سقط من ب.

(٥) والأولى العموم في كل مدعو دون الله تعالى. تفسير ابن عطية ١٠ / ٣١٣ ، البحر المحيط ٦ / ٣٨٤.

(٦) أي : سقط من ب.

(٧) من قوله تعالى : «لا جَرَمَ أَنَّما تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيا وَلا فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنا إِلَى اللهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحابُ النَّارِ»[غافر : ٤٣].

(٨) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٦١.

(٩) العلي : سقط من ب.

(١٠) في ب : الفاعل. وهو تحريف.

(١١) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٦١.

١٣٥

واخضرار النبات على الأرض مرئي ، فحمل الكلام على حقيقته أولى.

والثاني : المراد ألم تخبر على سبيل الاستفهام.

الثالث : المراد ألم تعلم (١).

قال ابن الخطيب : والأول ضعيف ، لأن الماء وإن كان مرئيا إلا أن كون الله منزلا له من السماء غير مرئي ، وإذا ثبت هذا وجب حمله على العلم ، لأن المقصود من تلك الرؤية هو العلم ، لأن الرؤية إذا لم يقترن بها العلم كانت كأنها لم تحصل (٢).

قوله : «فتصبح» فيه قولان :

أحدهما : أنه مضارع لفظا ماض معنى تقديره : فأصبحت ، قاله أبو البقاء (٣) ، ثم قال بعد أن عطفه على «أنزل» : فلا موضع له إذا (٣). وهو كلام ضعيف ، لأن عطفه على «أنزل» يقتضي أن يكون له محل من الإعراب وهو الرفع خبرا ل «أن». لكنه لا يجوز لعدم الربط.

الثاني : أنه على بابه ، ورفعه على الاستئناف. قال أبو البقاء : فهي ، أي : القصة ، و (تصبح) الخبر (٤). قال شهاب الدين : ولا حاجة إلى تقدير مبتدأ ، بل هذه جملة فعلية مستأنفة لا سيما وقدّر(٥) المبتدأ ضمير القصة ثم حذفه ، وهو لا يجوز ، لأنه لا يؤتى بضمير القصة إلا للتأكيد والتعظيم والحذف ينافيه (٦). قال الزمخشري : فإن قلت : هلا قيل : فأصبحت ، ولم صرف إلى لفظ المضارع. قلت : لنكتة (٧) فيه ، وهي إفادة بقاء أثر المطر زمانا بعد زمان كما تقول : أنعم عليّ فلان عام كذا ، فأروح وأغدو (٨) شاكرا له ، ولو قلت : فرحت (٩) وغدوت لم يقع ذلك الموقع. فإن قلت : فما له رفع ولم ينصب جوابا بالاستفهام. قلت : لو نصب لأعطى عكس الغرض ، لأن معناه إثبات الاخضرار ، فينقلب بالنصب إلى نفي الاخضرار ، مثاله أن تقول لصاحبك : ألم تر أني أنعمت عليك فتشكر. إن نصبته فأنت ناف لشكره شاك تفريطه ، وإن رفعته فأنت مثبت للشكر ، وهذا وأمثاله مما يجب أن يرغب له من اتسم بالعلم في علم الإعراب وتوقير أهله (١٠). وقال ابن عطية : قوله : «فتصبح» بمنزلة قوله : فتضحى أو تصير ، عبارة عن استعجالها أثر نزول الماء واستمرارها كذلك عادة ، ووقع (١١) قوله : «فتصبح» من حيث

__________________

(١) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٦٢ ـ ٦٣.

(٢) الفخر الرازي ٢٣ / ٦٣.

(٣) التبيان ٢ / ٩٤٧.

(٤) المرجع السابق.

(٥) في ب : قدر.

(٦) الدر المصون.

(٧) في الأصل : لكنه. وهو تحريف.

(٨) في ب : فأغدو وأروح.

(٩) في الأصل : رحت.

(١٠) الكشاف ٣ / ٣٨ ـ ٣٩.

(١١) في النسختين : ورفع. والصواب ما أثبته.

١٣٦

الآية خبر ، والفاء عاطفة وليست بجواب ، لأن كونها جوابا (١) لقوله : (أَلَمْ تَرَ) فاسد المعنى (٢). قال أبو حيان : ولم يبين هو ولا الزمخشري قبله كيف يكون النصب نافيا للاخضرار ، ولا (٣) كون المعنى فاسدا. قال سيبويه : وسألته ـ يعني الخليل ـ عن (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً) فقال : هذا واجب وتنبيه ، كأنك قلت : أتسمع أنزل الله من السماء ماء فكان كذا وكذا (٤).

قال ابن خروف : وقوله : هذا واجب. وقوله : فكان كذا. يريد أنهما ماضيان وفسر الكلام ب «أتسمع». (ليريك أنه لا يتصل بالاستفهام) (٥) لضعف حكم الاستفهام فيه (٦).

وقال بعض شراح الكتاب : «فتصبح» لا يمكن نصبة ، لأن الكلام واجب ، ألا ترى أن المعنى أن الله أنزل فالأرض هذه حالها (٧). وقال الفراء : «الم تر» خبر ، كما تقول في الكلام : اعلم أن الله يفعل كذا فيكون كذا (٨). ويقول (٩) : إنما امتنع النصب جوابا للاستفهام هنا ، لأن النفي إذا دخل عليه الاستفهام ، وإن كان يقتضي تقريرا في بعض الكلام ، هو معامل معاملة النفي المحض في الجواب ، ألا ترى إلى قوله تعالى : (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى)(١٠) وكذلك الجواب بالفاء إذا أجبت النفي كان على معنيين في كل منهما ينتفي الجواب. فإذا قلت : ما تأتينا فتحدثنا. بالنصب ، فالمعنى ما تأتينا محدثا ، وإنما تأتينا ولا تحدّث ، ويجوز أن يكون المعنى أنك لا تأتي فكيف تحدث ، فالحديث منتف في الحالتين(١١) ، والتقرير بأداة الاستفهام كالنفي المحض في الجواب يثبت ما دخلته الهمزة وينفي الجواب (١٢) ، فيلزم من هذا التقدير إثبات الرؤية وانتفاء الاخضرار ، وهو خلاف المقصود.

__________________

(١) في ب : لأنها جوابا. وهو تحريف.

(٢) تفسير ابن عطية ١٠ / ٣١٣ ـ ٣١٤.

(٣) في النسختين : إلا.

(٤) أي : أن هذا الكلام عند سيبويه والخليل خبر ، وليست الفاء بجواب لقوله «أَلَمْ تَرَ» وإنما خالف الواجب النفي لأنك تنقض النفي إذا نصبت وتغير المعنى. الكتاب ٣ / ٤٠.

(٥) ما بين القوسين مكرر في ب.

(٦) لأن الاستفهام تقريري. البحر المحيط ٦ / ٣٧٦.

(٧) البحر المحيط ٦ / ٣٨٦.

(٨) النص بلفظه من البحر المحيط ، وبتصرف من معاني القرآن ، وهو فيه (وقوله : فتصبح الأرض مخضرة ، رفعت فتصبح لأن المعنى في «أَلَمْ تَرَ» معناه خبر كأنك قلت : اعلم أن الله ينزل من السماء ماء فتصبح الأرض) ٢ / ٢٢٩.

(٩) في الأصل : فيقول.

(١٠) [الأعراف : ١٧٢].

(١١) انظر شرح المفصل ٧ / ٢٧ ـ ٢٨.

(١٢) في ب : الجزم. وهو تحريف. وانظر شرح التصريح ٢ / ٣٣٩ ـ ٢٤٠.

١٣٧

وأيضا فإن جواب الاستفهام ينعقد منه مع الاستفهام السابق شرط وجزاء كقوله :

٣٧٧٥ ـ ألم تسأل فتخبرك الرّسوم (١)

يتقدر : إن تسأل تخبرك الرسوم ، وهنا لا يتقدر : إن تر إنزال المطر تصبح الأرض مخضرة ، لأن اخضرارها ليس مترتبا على علمك أو رؤيتك إنما هو مترتب على الإنزال.

وإنما عبر بالمضارع ، لأن فيه تصوير الهيئة (٢) التي (٣) الأرض عليها والحالة التي لابست الأرض ، والماضي يفيد انقطاع الشيء ، وهذا كقول جحدر بن معاوية يصف حاله مع أسد نازله في قصة جرت له مع الحجاج بن يوسف الثقفي ، وهي أبيات فمنها :

٣٧٧٦ ـ يسمو بناظرتين تحسب فيهما

لما أجالهما شعاع سراج

لما نزلت بحصن أزبر مهصر

للقرن أرواح العدا محّاج

فأكرّ أحمل وهو يقعي باسته

فإذا يعود فراجع أدراج

وعلمت أنّي إن أبيت نزاله

أنّي من الحجّاج لست بناج (٤)

فقوله : فأكرّ تصوير للحالة التي لابسها (٥). قال شهاب الدين : أما قوله : وأيضا فإن جواب الاستفهام ينعقد مع الاستفهام. إلى قوله : إنما هو مترتب على الإنزال. منتزع من كلام أبي البقاء. قال أبو البقاء : إنما رفع الفعل هنا وإن كان قبله استفهام لأمرين :

أحدهما : أنه استفهام بمعنى الخبر ، أي قدر رأيت فلا يكون له جواب.

والثاني : أن ما بعد الفاء ينصب إذا كان المستفهم عنه سببا له ، ورؤيته لإنزال الماء لا يوجب اخضرار الأرض ، وإنما يجب على الماء (٦). وأما قوله : وإنما عبر بالمضارع. فهو معنى كلام الزمخشري بعينه ، وإنما غير عبارته وأوسعها (٧).

__________________

(١) صدر بيت من بحر الوافر ، ولم يعز إلى قائل ، وعجزه :

على فرتاج والطّلل القديم

والبيت من شواهد سيبويه وهو في الكتاب ٣ / ٣٤ ، وشرح أبيات سيبويه للنحاس (٢٩٢) ، اللسان (فرتج) ، البحر المحيط ٦ / ٣٨٦ ورواية اللسان : ألم تسألي فتخبرك. الفرتاج : موضع في بلاد طيىء.

والشاهد فيه نصب الفعل المضارع بعد الفاء لأنه جواب الاستفهام ، ولأن جواب الاستفهام ينعقد منه مع الاستفهام السابق شرط وجزاء.

(٢) في ب : الهية ، وهو تحريف.

(٣) في ب : التي هي.

(٤) هذه الأبيات من بحر الكامل ، قالها جحدر بن مالك ، في الخزانة ٧ / ٤٦٥ البيت الأول رواية عجزه : من ظن خالهما شعاع سواج. والشاهد فيها كما بينه ابن عادل أن قوله (فأكر) تصوير للحالة التي لابسها.

(٥) البحر المحيط ٦ / ٣٨٦.

(٦) التبيان ٢ / ٩٤٧.

(٧) الدر المصون : ٥ / ٨٠.

١٣٨

وقوله : «فتصبح» استدل به بعضهم على أن الفاء لا تقتضي التعقيب ، قال : لأن اخضرارها متراخ عن إنزال الماء ، هذا بالمشاهدة.

وأجيب عن ذلك بما نقله عكرمة من أن أرض مكة وتهامة على ما ذكروا أنها تمطر الليلة فتصبح الأرض غدوة خضرة ، فالفاء على بابها (١). قال ابن عطية : شاهدت هذا في السوس (٢) الأقصى نزل المطر ليلا بعد قحط فأصبحت تلك الأرض الرملة التي نسفتها الرياح قد اخضرت بنبات ضعيف (٣). وقيل : تراها (٤) كل شيء بحسبه (٥) ، وقيل : ثم جمل محذوفة قبل الفاء تقديره : فتهتز وتربو وتنبت ، بيّن ذلك قوله تعالى : (فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ)(٦) وهذا من الحذف الذي يدل عليه فحوى الكلام كقوله تعالى : (فَأَرْسِلُونِ يُوسُفُ أَيُّهَا (٧) الصِّدِّيقُ أَفْتِنا)(٨) إلى آخر القصة. و «تصبح» يجوز أن تكون الناقصة وأن تكون التامة «مخضرّة» حال قاله أبو البقاء (٩). وفيه بعد عن المعنى إذ يصير التقدير فتدخل الأرض في وقت الصباح على هذه الحال. ويجوز فيها أيضا أن تكون على بابها من الدلالة على اقتران مضمون الجملة بهذا الزمن الخاص ، وإنما خص هذا الوقت لأن الخضرة والبساتين أبهج ما ترى فيه ويجوز أن تكون بمعنى تصير. وقرأ العامة «مخضرّة» بضم الميم وتشديد الراء اسم فاعل من اخضرّت فهي مخضرّة ، والأصل مخضررة بكسر الراء الأولى فأدغمت في مثلها. وقرأ بعضهم «مخضرة» بفتح الميم وتخفيف الراء (١٠) بزنة مبقلة ومسبعة.

والمعنى : ذات خضروات وذات سباع وذات بقل.

ثم قال : (إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ) أي : أنه (١١) رحيم بعباده ولرحمته فعل ذلك حتى عظم انتفاعهم به ، لأن الأرض إذا أصبحت مخضرة ، والسماء إذا أمطرت كان ذلك سببا لعيش الحيوان أجمع. ومعنى «خبير» أي ؛ عالم بمقادير مصالحهم فيفعل على قدر ذلك

__________________

(١) انظر تفسير ابن عطية ١٠ / ٣١٤.

(٢) السّوس : واد في جنوب المغرب ١٨٠ كم ، ينبع في سفح طوبقال بالأطلس الأعلى. المنجد في الأعلام (٣١٤).

(٣) تفسير ابن عطية ١٠ / ٣١٤ ـ ٣١٥.

(٤) في الأصل : تراخى. وهو تحريف.

(٥) وذلك أن الفاء تدل على الترتيب والتعقيب في كل شيء بحسبه ، نحو جاء زيد فعمرو ، أي عقبه بلا مهلة ، ويقال : تزوج فلان فولد له. إذا لم يكن بينهما إلا مدة الحمل. ودخلت البصرة فبغداد ، إذ لم تقم في البصرة ولا بين البلدين. ومنه قوله تعالى : «أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً» المغني ١ / ١٦ ـ ١٦٢ ، الهمع ٢ / ١٣١.

(٦) [الحج : ٥].

(٧) أيها : سقط من ب.

(٨) [يوسف : ٤٥ ، ٤٦].

(٩) التبيان : ٢ / ٩٤٧.

(١٠) تفسير ابن عطية ١٠ / ٣١٥ ، البحر المحيط ٦ / ٣٨٧.

(١١) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٣ / ٦٣.

١٣٩

من غير زيادة ولا نقصان. وقال ابن عباس : «لطيف» بأرزاق عباده «خبير» بما في قلوبهم من القنوط. وقال الكلبي : «لطيف» في أفعاله «خبير» بأعمال خلقه.

وقال مقاتل : «لطيف» باستخراج النبت «خبير» بكيفية خلقه (١).

(لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) عبيدا وملكا ، وهو غني عن كل شيء لأنه كامل لذاته ، ولكنه لما خلق (٢) الحيوان فلا بد في الحكمة من مطر ونبات فخلق هذه الأشياء رحمة للحيوانات وإنعاما عليهم لا لحاجة به (٣) إلى ذلك ، وإذا كان كذلك كان إنعامه خاليا عن غرض عائد إليه ، فكان مستحقا للحمد ، فكأنه قال : إنه لكونه غنيا لم يفعل ما فعله إلا للإحسان ، ومن كان كذلك كان مستحقا للحمد فوجب أن يكون حميدا ، فلهذا قال : (وَإِنَّ اللهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ)(٤).

قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ) أي ذلل لكم ما فيها فلا أصلب من الحجر ، ولا أشد من الحديد ، ولا أكثر هيبة من النار ، وقد سخرها لكم ، وسخر الحيوانات أيضا حتى ينتفع بها للأكل والركوب والحمل (٥).

قوله : (وَالْفُلْكَ) العامة على نصب «الفلك» وفيه وجهان :

أحدهما : أنها عطف على (ما فِي الْأَرْضِ) أي سخر لكم ما في الأرض وسخر لكم الفلك ، وأفردها بالذكر وإن اندرجت بطريق العموم تحت «ما» في قوله (ما فِي (٦) الْأَرْضِ) لظهور الامتنان بها ، ولعجيب تسخيرها دون سائر المسخرات ، و «تجري» على هذا حال (٧).

والثاني : أنها عطف على الجلالة ، وتقديره : ألم تر أنّ (٨) الفلك تجري في البحر ، ف «تجري» خبر على هذا (٩). وضم لام «الفلك» هنا الكسائي فيما رواه عن الحسن ، وهي قراءة ابن مقسم (١٠) ، وقرأ أبو عبد الرحمن وطلحة والأعرج وأبو حيوة والزعفراني برفع (وَالْفُلْكَ)(١١) على الابتداء ، و «تجري» بعده الخبر (١٢). ويجوز أن يكون ارتفاعه

__________________

(١) آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢٣ / ٦٣.

(٢) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٣ / ٦٣.

(٣) في ب : بهم. وهو تحريف.

(٤) آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢٣ / ٦٣.

(٥) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٦٣.

(٦) ما : سقط من ب.

(٧) انظر معاني القرآن وإعرابه للزجاج ٣ / ٤٣٧ ، تفسير ابن عطية ١٠ / ٣١٥ ، التبيان ٢ / ٩٤٧ ، البحر المحيط ٦ / ٣٨٧.

(٨) في ب : إلى. وهو تحريف.

(٩) انظر تفسير ابن عطية ١٠ / ١٣٥ ، التبيان ٢ / ٩٤٧ ، البحر المحيط ٦ / ٣٨٧.

(١٠) البحر المحيط ٦ / ٣٨٧.

(١١) المرجع السابق.

(١٢) انظر تفسير ابن عطية ١٠ / ٣١٥ ، التبيان ٢ / ٩٤٨ ، البحر المحيط ٦ / ٣٨٧.

١٤٠