اللّباب في علوم الكتاب - ج ١٣

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي

اللّباب في علوم الكتاب - ج ١٣

المؤلف:

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي


المحقق: عادل أحمد عبد الموجود و علي محمّد معوّض
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-2298-3

الصفحات: ٦٤٠

وثانيها : قوله : (فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ) وذلك يقتضي كونه شاكا في قدرة الله.

وثالثها : قوله : (إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) والظلم مذموم قال تعالى : (أَلا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ)(١).

ورابعها (٢) : أنه لو لم يصدر منه الذنب ، فلم عاقبه الله بأن ألقاه في البحر في بطن الحوت.

وخامسها : قوله : (فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ)(٣) والمليم هو ذو الملامة ومن كان كذلك فهو مذنب.

وسادسها : قوله : (وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ)(٤) فإن لم يكن صاحب ذنب لم يجز النهي عن التشبّه به وإن كان مذنبا فهو المطلوب.

وسابعها : قوله : (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ)(٤) وقال : (فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ)(٤) وهذا يقتضي أنّ ذلك الفعل مخرج أن يكون يونس من أولي العزم.

والجواب : أنه ليس في الآية من غاضبه ، فلا نقطع على نبي الله بأنه غاضب ربه ، لأنّ ذلك صفة من يجهل كون الله مالكا للأمر والنهي ، والجاهل بالله لا يكون مؤمنا فضلا عن أن يكون نبيا.

وأما ما روي من أنه خرج مغاضبا لأمر يرجع إلى الاستعداد فمما يرتفع حال الأنبياء عنه ، لأنّ الله تعالى إذا أمرهم بشيء فلا يجوز أن يخالفوه ، لقوله تعالى : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ)(٥) وقوله : (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ (٦) فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا) يجدون (فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ)(٧). فإذا كان في الاستعداد مخالفة لم يجز أن يقع ذلك منهم. وإذا ثبت أنه لا يجوز صرف هذه المغاضبة إلى الله وجب أن يكون المراد أنه خرج مغاضبا لغير الله ، والغالب أنه إنما يغاضب من يعصيه فيما يأمره به ، فيحمل على مغاضبة قومه ، أو الملك ، أو هما جميعا ومعنى مغاضبته لقومه أنه غاضبهم لمفارقته لخوف (٨) حلول العذاب بهم ، وقرىء «مغضبا» كما تقدم (٩) وأما قولهم : مغاضبة القوم أيضا محظورة لقوله : (وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ)(١٠).

__________________

(١) [هود : ١٨].

(٢) في الأصل : رابعها.

(٣) [الصافات : ١٤٢].

(٤) [الأحقاف : ٣٥].

(٤) [الأحقاف : ٣٥].

(٤) [الأحقاف : ٣٥].

(٥) [الأحزاب : ٣٦].

(٦) في ب : يحلموك. وهو تحريف.

(٧) [النساء : ٦٥].

(٨) في ب : بخوف.

(٩) وهي قراءة أبي شرف.

(١٠) [القلم : ٤٨].

٥٨١

فالجواب لا نسلم أنها (١) كانت محرمة ، أما الذهاب ، فلأن الله أمره بتبليغ الرسالة إليهم ، وما أمره بأن يبقى معهم أبدا ، فظاهر الأمر لا يقتضي التكرار ، فلم يكن خروجه من بينهم معصية. وأما الغضب لما لم يكن منهيا عنه قبل ذلك ظن أن ذلك جائز من حيث أنه لم يفعله إلا غضبا لله وأنفة لدينه ، بل كان الأولى أن يصابر وينتظر من الله الأمر بالمهاجرة عنهم ، ولهذا قال تعالى : (وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ)(٦) كأن (٢) الله تعالى أراد لمحمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أفضل المنازل وأعلاها.

وأما الجواب عن قوله : (فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ) فنقول من ظن عجز الله فهو كافر ، ولا خلاف أنه لا يجوز نسبة ذلك إلى آحاد المؤمنين فكيف إلى الأنبياء ، فإن لا بدّ فيه من التأويل ، وفيه وجوه :

الأول : (فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ) نضيق عليه كقوله : (اللهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ (٣) وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ)(٤) أي : ضيق (٥) ، وكذا قوله : (وَأَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ)(٦) أي : ضيق ، فمعناه : أن لن نضيق عليه ، وعلى هذا فالآية حجة لنا ، لأن يونس ظن أنه مخير (٧) إن شاء أقام وإن شاء خرج وأنه تعالى لا يضيق عليه في اختياره ، وكان في المعلوم أنّ الصلاح في تأخير خروجه ، وهذا من الله بيان لما يجري مجرى العذر (٨) له من حيث خرج لا على تعمد المعصية لكن ظن أنّ الأمر في خروجه موسع يجوز أن يقدم ويؤخر ، وكان الصلاح خلاف ذلك.

والثاني : أن يكون هذا من باب التمثيل ، أي : فكانت حاله مماثلة لحال من ظن أن لن نقدر عليه في خروجه عن قومه من غير انتظار لأمر الله.

الثالث : أن يفسسر القدر بالقضاء ، والمعنى : فظن أن لن نقدر عليه بشدة.

قال مجاهد وقتادة والضحاك والكلبي ، ورواية العوفي عن ابن عباس واختيار الفراء (٩) والزجاج (١٠) : يقال : قدر الله الشيء قدرا وقدّره تقديرا فالقدر بمعنى التقدير ، وتقدم قراءة عمر بن عبد العزيز والزهري بضم النون والتشديد من التقدير (١١).

__________________

(١) في ب : أنه. وهو تحريف.

(٦) [الفجر : ١٦].

(٢) في ب : فإن.

(٣) [الرعد : ٢٦] ، وفي ب : «لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ» [العنكبوت : ٦٢].

(٤) [الطلاق : ٧].

(٥) في الأصل : يضيق.

(٦) [الفجر : ١٦].

(٧) في الأصل : مخيرا.

(٨) في الأصل : القدر ، وفي ب : الغدر. والصواب ما أثبته.

(٩) قال الفراء : (وقوله : «فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ» يريد أن لن نقدر عليه من العقوبة ما قدرنا). معاني القرآن ٢ / ٢٠٩.

(١٠) قال الزجاج :(«فظنّ أن لن نقدر عليه» أي : ظن أن لن نقدر عليه ما قدرناه من كونه في بطن الحوت ، ويقدر بمعنى يقدّر). معاني القرآن وإعرابه ٣ / ٤٠٢.

(١١) تقدم قريبا.

٥٨٢

وروي أنه دخل ابن عباس على معاوية ، فقال معاوية : لقد ضربتني أمواج القرآن البارحة ، فغرقت فيها ، فلم أجد لنفسي خلاصا إلا بك. فقال : وما هي؟ قال : ظن نبي الله أن لن يقدر الله عليه. فقال ابن عباس : هذا من القدر لا من القدرة.

الرابع : فظن أن لن (١) (نقدر ، أي : فظن أن لن نفعل لأن) (٢) بين القدرة والفعل مناسبة ، فلا يبعد جعل أحدهما مجازا عن الآخر.

الخامس : أنه استفهام بمعنى التوبيخ كما تقدم عن ابن زيد (٣).

السادس : قول من قال إن هذه الواقعة كانت قبل رسالة يونس ، فيكون هذا الظن حاصلا قبل الرسالة ، وإذا كان كذلك فلا يبعد في حق غير الأنبياء أن يسبق ذلك إلى وهمه بوسوسة الشيطان ، ثم إنه يرده بالحجة والبرهان.

وأما الجواب عن قوله (إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) فنقول : إن حملناه على ما قبل النبوة فلا كلام ، وإن حملناه على ما بعدها فيجب تأويله ، لأنا لو أجريناه على ظاهره ، لاستحق اللعن ، وهذا لا يقوله مسلم ، وإذا وجب التأويل فنقول : لا شك أنه كان تاركا للفضيلة مع القدرة على تحصيل الأفضل ، فكان ذلك ظلما.

وأما الجواب عن إلقائه في البحر في بطن الحوت ، وأن ذلك عقوبة ، فلا نسلم أنّ ذلك عقوبة ، إذ الأنبياء لا يجوز أن يعاقبوا بل المراد المحنة.

وأما الجواب عن الملامة فإنما كان بسبب ترك الأفضل (٤).

فصل

قوله (٥)(فَنادى فِي الظُّلُماتِ) قال الزمخشري : أي : في الظلمة الشديدة المتكاثفة في بطن الحوت كقوله : (ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ)(٦) وقوله : «يخرجهم (مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ)(٧). وقيل : أراد ظلمة الليل والبحر وبطن الحوت (٨).

(أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ) نزه ربه عن كل النقائص ، ومنها العجز ، وهذا يدلّ على أنه ما كان مراده من قوله : (فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ) أنه ظن العجز ، وإنما قال : «سبحانك» ، لأنّ معناه سبحانك أن تفعل جورا أو شهوة الانتقام أو عجزا عن تخليصي عن هذا الحبس ، بل فعلته بحق الإلهية وبمقتضى الحكمة (٩)(إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ)

__________________

(١) في الأصل : لم. وهو تحريف.

(٢) ما بين القوسين تكملة من الفخر الرازي.

(٣) تقدم قريبا.

(٤) آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢٢ / ٢١٣ ـ ٢١٦.

(٥) قوله : سقط من الأصل.

(٦) [البقرة : ١٧].

(٧) [البقرة : ٢٥٧].

(٨) الكشاف ٣ / ١٩.

(٩) في النسختين : الإلهية. انظر الفخر الرازي ٢٢ / ٢١٦.

٥٨٣

أي : ظلمت نفسي بفراري من قومي بغير إذنك كأنه قال : كنت من الظالمين ، وأنا الآن من التائبين النادمين فاكشف عني المحنة (١).

روى أنس عن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ «ما من (٢) مكروب يدعو بهذا الدعاء إلا استجيب له» (٣).

قوله : (فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ) أي : من غمه بسبب كونه في بطن الحوت وبسبب خطيئته.

قوله : (وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ) : الكاف نعت لمصدر أو حال من ضمير المصدر أي : كما أنجينا يونس من كرب الحوت إذ دعانا ، أو كإنجائنا يونس كذلك ننجي المؤمنين من كربهم إذا استغاثوا بنا. وقرأ العامة (٤) «ننجي» بضم النون الأولى وسكون الثانية من أنجى ينجي (٧). وقرأ ابن عامر وأبو بكر عن عاصم «نجّي» بتشديد الجيم وسكون الياء (٥) وفيها أوجه :

أحسنها : أن يكون الأصل «ننجّي» بضم الأولى وفتح الثانية وتشديد الجيم فاستثقل توالي مثلين ، فحذفت الثانية كما حذفت في قوله (ما نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ)(٦) في قراءة من قرأه كما تقدم (٧) ، وكما حذفت التاء الثانية في قوله : «تذكرون» (٨) و (تَظاهَرُونَ)(٩) وبابه. ولكن أبو البقاء استضعف هذا التوجيه بوجهين فقال :

أحدهما : أنّ النون الثانية أصل ، وهي فاء الكلمة ، فحذفها يبعد جدا.

والثاني : أنّ حركتها غير حركة النون الأولى ، ولا يستثقل الجمع بينهما بخلاف (تَظاهَرُونَ)(٩) ألا ترى أنك لو قلت : تتحامى المظالم لم يسغ (١٠) حذف الثانية (١١).

أما كون الثانية أصلا فلا أثر له في (١٢) منع الحذف ، ألا ترى أن النحويين اختلفوا

__________________

(١) المرجع السابق.

(٢) في ب : من أمن. وهو تحريف.

(٣) أخرجه ابن حجر العسقلاني في الكافي الشاف (١١١).

(٤) غير أبي بكر عن عاصم وابن عامر. السبعة ٤٣٠.

(٧) وهو زيد بن علي حيث قرأ ما نزل ماضيا مخففا مبنيّا للفاعل «الملائكة» بالرفع. البحر المحيط ٦ / ٤٤٦.

(٥) السبعة (٤٣٠) ، الكشف ٢ / ١١٣ ، النشر ٢ / ٣٢٤ ، الاتحاف ٣١١.

(٦) من قوله تعالى : «ما نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ وَما كانُوا إِذاً مُنْظَرِينَ» [الحجر : ٨].

(٧) وهو زيد بن علي حيث قرأ ما نزل ماضيا مخففا مبنيّا للفاعل «الملائكة» بالرفع. البحر المحيط ٦ / ٤٤٦.

(٨) قوله تَذَكَّرُونَ ذكر في القرآن في سبعة عشر موضعا أوله :«وَبِعَهْدِ اللهِ أَوْفُوا ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ» [الأنعام : ١٥٢] وانظر المعجم المفهرس لألفاظ القرآن ٢٧٢.

(٩) من قوله تعالى : «تَظاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ» [البقرة : ٨٥] ، والأصل تتظاهرون حكى هذا الوجه أبو جعفر النحاس عن علي بن سليمان. إعراب القرآن ٣ / ٨٧. انظر اللباب ١ / ٢٠١.

(٩) من قوله تعالى :«تَظاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ» [البقرة : ٨٥] ، والأصل تتظاهرون حكى هذا الوجه أبو جعفر النحاس عن علي بن سليمان. إعراب القرآن ٣ / ٨٧. انظر اللباب ١ / ٢٠١.

(١٠) في النسختين : لم تمنع. وما أثبته من التبيان.

(١١) التبيان ٢ / ٩٢٥.

(١٢) في ب : و. وهو تحريف.

٥٨٤

في إقامة واستقامة ، أي الألفين المحذوفة مع أنّ الأولى هي الأصل ، لأنها عين الكلمة (١) وأما اختلاف الحركة فلا أثر له أيضا ، لأن الاستثقال باتحاد لفظ الحرفين على أي حركة كانا.

الوجه الثاني : أنّ (٢) «نجّي» (٣) فعل ماض مبني للمفعول ، وإنما سكنت لامه تخفيفا ، كما سكنت في قوله : (ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا)(٤) في قراءة شاذّة تقدمت (٥) ، قالوا : وإذا كان الماضي الصحيح قد سكن تخفيفا فالمعتل أولى ، ومنه :

٣٧٣٢ ـ إنّما شعري قند

قد خلط بجلجلان (٦)

وتقدم من ذلك جملة (٧) وأسند (٨) هذا الفعل إلى ضمير المصدر مع وجود المفعول الصريح كقراءة أبي جعفر (لِيَجْزِيَ قَوْماً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ)(٩) وهذا رأي الكوفيين والأخفش (١٠) ، وتقدمت شواهد ذلك ، والتقدير : نجّي النجاة ، قال أبو البقاء : وهو ضعيف من وجهين :

__________________

(١) فالخليل وسيبويه على أنّ المحذوف الألف الثانية ، والأخفش والفراء على أن المحذوف الألف الأولى.

(٢) أن : سقط من ب.

(٣) في ب : تنجي. وهو تحريف.

(٤) من قوله تعالى : «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ» [البقرة : ٢٧٨].

(٥) وذلك أن أبيّا قرأ «ما بقي» بكسر القاف وسكون الياء. المختصر (١٧).

(٦) البيت من مجزوء الرمل ، قاله وضاح اليمن ، وهو في الحجة ٢ / ٦٦ ، اللسان (جلل) والبحر المحيط ١ / ٤٢. وقبله :

ضحك الناس وقالوا

شعر وضاح الكباني

القند : عسل قصب السكر ، ويروى (شهد) والشهد بفتح الشين وضمها وسكون الهاء : العسل ما دام لم يعصر من شمعه ، ويروى (ملح) بكسر الميم ومعناه الحسن من الملاحة ، ويروى (فيد) بفتح الفاء وسكون الياء : وهو ورد الزعفران وقيل : ورقه. الجلجلان : ثمرة الكزبرة ، وقيل : حب السمسم ، وقيل : ما في جوف التين.

والاستشهاد بالبيت على حذف حركة اللام من الفعل الماضي الصحيح اللام في خلط.

(٧) تقدم في السورة السابقة.

(٨) في الأصل : واسكن. وهو تحريف.

(٩) من قوله تعالى : «قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللهِ لِيَجْزِيَ قَوْماً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ» [الجاثية : ١٤] وقراءة أبي جعفر «ليجزى» بضم الياء وفتح الزاي بالبناء للمجهول. النشر ٢ / ٣٧٢.

(١٠) وذلك أنّ الكوفيين والأخفش يجوزون إنابة غير المفعول به مع وجوده مطلقا ، غير أن الأخفش يشترط تقدم النائب ، واستدلوا على ذلك بقراءة أبي جعفر«لِيَجْزِيَ قَوْماً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ» ببناء (يجزى) للمفعول ، وبقول الشاعر :

لم يعن بالعلياء إلا سيدا

ولا شفى ذا الغي إلا ذو هدى

وقول الآخر :

وإنّما يرضي المنيب ربّه

ما دام معنيا بذكر قلبه

ومذهب البصريين لا يجوز إنابة غير المفعول به مع وجوده ، وأولوا قراءة أبي جعفر بأن النائب منها ضمير مستتر يعود على الغفران المفهوم من يغفروا وحملوا البيتين على الضرورة وانظر البيان ٢ / ١٦٤ ، البحر المحيط ٦ / ٣٣٥ ، الهمع ١ / ١٦٢ ، شرح الأشموني ٢ / ٦٧ ـ ٦٨.

٥٨٥

أحدهما : تسكين آخر الفعل الماضي.

والآخر : إقامة المصدر مع وجود المفعول الصريح (١).

وقد عرف جوابهما مما تقدم (٢).

الوجه الثالث : أن الأصل : «ننجي» كقراءة (٣) العامة إلا أن النون الثانية قلبت جيما وأدغمت(٤) في الجيم بعدها (٥). وهذا ضعيف جدا ، لأن النون لا تقارب الجيم فتدغم فيها (٦).

الوجه الرابع : أنه ماض مسند بضمير المصدر أي : نجّي النجاء (٧) كما تقدم في الوجه الثاني ، إلّا أنّ «المؤمنين» ليس منصوبا ب «نجّي» بل بفعل مقدر (٨). وكأن صاحب هذا الوجه فرّ من إقامة غير المفعول به مع وجوده فجعله من جملة أخرى. وهذه القراءة متواترة ، ولا التفات على من طعن على قارئها ، وإن كان أبو علي قال : هي لحن (٩). وهذه جرأة منه ، وقد سبقه إلى ذلك أبو إسحاق الزجاج (١٠).

وأما الزمخشري فإنما طعن على بعض الأوجه المتقدمة ، فقال : ومن تمحل لصحته فجعله فعّل ، وقال: نجّي النجاء المؤمنين ، وأرسل الياء وأسنده إلى مصدره ، ونصب المؤمنين فمتعسف بارد (١١) التعسف(١٢). فلم يرتض هذا التخريج بل للقراءة عنده تخريج آخر ، وقد يمكن أن يكون هو المبتدأ به لسلامته مما تقدم من الضعف (١٣).

قوله تعالى : (وَزَكَرِيَّا إِذْ نادى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ (٨٩) فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَوَهَبْنا لَهُ يَحْيى وَأَصْلَحْنا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كانُوا يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَيَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً وَكانُوا لَنا خاشِعِينَ)(٩٠)

قوله تعالى : (وَزَكَرِيَّا إِذْ نادى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً) الآية. اعلم أنه تعالى بين

__________________

(١) التبيان : ٢ / ٩٢٥.

(٢) من أن تسكين آخر الفعل الماضي للتخفيف ، وإقامة غير المفعول به مع وجوده مذهب الكوفيين والأخفش.

(٣) في ب : لقراءة. وهو تحريف.

(٤) في ب : قلبت ضما وإذا ضمت. وهو تحريف.

(٥) وهذا الوجه لأبي عبيد ، إعراب القرآن للنحاس ٣ / ٧٨.

(٦) إعراب القرآن للنحاس ٣ / ٧٨ ، الكشف ٢ / ١٣٣ ، التبيان ٢ / ٩٢٥ ، البحر المحيط ٣٣٥.

(٧) في الأصل : نجاء.

(٨) انظر البحر المحيط ٦ / ٣٣٥.

(٩) انظر البحر المحيط ٦ / ٣٣٥.

(١٠) قال الزجاج : (فأما ما روي عن عاصم بنون واحدة فلحن لا وجه له ، لأنّ ما لا يسمى فاعله لا يكون بغير فاعل. وقد قال بعضهم : نجّي النجاء المؤمنين ، وهذا خطأ بإجماع النحويين كلهم ، لا يجوز ضرب زيدا ، تريد ضرب الضرب زيدا ، لأنك إذا قلت : ضرب زيد فقد علم أنه الذي ضربه ضرب ، فلا فائدة في إضماره وإقامته مقام الفاعل) معاني القرآن وإعرابه ٣ / ٤٥٠٣.

(١١) في ب : بإرادة. وهو تحريف.

(١٢) الكشاف ٣ / ١٩.

(١٣) وهو قوله : (وننجي) فيكون موافقا للوجه الأول.

٥٨٦

هاهنا انقطاع زكريا إلى ربه لما مسه الضر بتفرده ، وأحب من يؤنسه ويقويه على أمر دينه ودنياه ، ويقوم مقامه بعد موته ، فدعا الله تعالى دعاء مخلص عارف بقدرة ربه على ذلك ، وانتهت به الحال وبزوجه من الكبر وغيره ما يمنع من ذلك بحكم العادة (١) فقال : (رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً) وحيدا لا ولد لي ، وارزقني وارثا ، (وَأَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ) ثناء على الله بأنه الباقي بعد فناء الخلق ، وأنه أفضل من بقي حيا (٢).

ويحتمل أن يكون المعنى : إن لم ترزقني من يرثني فلا أبالي فإنك خير الوارثين (١).

قال ابن عباس : كان سنه مائة سنة ، وسن زوجته تسعا وتسعين (٣)(فَاسْتَجَبْنا لَهُ) أي : فعلنا ما أراده بسؤاله ، (وَوَهَبْنا لَهُ يَحْيى) ولدا صالحا (وَأَصْلَحْنا لَهُ زَوْجَهُ) أي : جعلناها ولودا بعد ما كانت عقيما (٤). قاله أكثر المفسرين وقيل : كانت سيئة الخلق سلطة اللسان فأصلح الله خلقها (٥). وقيل : جعلها مصلحة في الدين ، فإن صلاحها في الدين من أكبر أعوانه ، لأنه يكون إعانة في الدين والدنيا (٦) واعلم أنّ قوله (وَوَهَبْنا لَهُ)(٧)(يَحْيى وَأَصْلَحْنا لَهُ زَوْجَهُ) يدل على أن الواو لا تفيد الترتيب ، لأنّ إصلاح الزوج مقدم على هبة الولد مع أنه تعالى أخره في اللفظ (٨). ثم قال : «إنّهم» يعني الأنبياء الذين سماهم في هذه السورة (٩).

وقيل : زكريا وولده وأهله (١٠)(كانُوا يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ) ، والمسارعة في طاعة الله من أكبر ما يمدح المرء به ، لأنه يدل على حرص عظيم على الطاعة (١١).

قوله : «ويدعوننا» العامة على ثبوت نون الرفع قبل (نا) (١٢) مفكوكة منها وقرأت فرقة «يدعونا» بحذف نون الرفع (١٣). وطلحة بإدغامها فيها (١٤).

وهذا الوجهان فيهما إجراء نون (نا) مجرى نون الوقاية (١٥). وقد تقدم. قوله : (رَغَباً وَرَهَباً) يجوز أن ينتصبا على المفعول من أجله (١٦) ، وأن ينتصبا على أنهما مصدران واقعان موقع الحال ، أي : راغبين راهبين (١٧) ، وأن ينتصبا على المصدر الملاقي لعامله

__________________

(١) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ٢١٧.

(٢) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ٢١٧.

(١) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ٢١٧.

(٣) المرجع السابق.

(٤) وهو قول قتادة وسعيد بن جبير وأكثر المفسرين. الفخر الرازي ٢٢ / ٢١٧ ، القرطبي ١١ / ٣٣٦.

(٥) وهو قول ابن عباس وعطاء. الفخر الرازي ٢٢ / ٢١٧ ، القرطبي ١١ / ٣٣٦.

(٦) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ٢١٧.

(٧) ووهبنا له : سقط من ب.

(٨) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ٢١٧ ـ ٢١٨.

(٩) انظر البغوي ٥ / ٥٢٨ ، البحر المحيط ٦ / ٣٣٦.

(١٠) في ب : وأهله وولده. الفخر الرازي ٢٢ / ٢١٨.

(١١) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ٢١٨.

(١٢) في ب : أنها. وهو تحريف.

(١٣) انظر البحر المحيط ٦ / ٣٣٦.

(١٤) أي : بإدغام نون الرفع في «نا» ضمير النصب ، البحر المحيط ٦ / ٣٣٦.

(١٥) ذلك أن نون الوقاية مع نون الإعراب لها ثلاثة أوجه : حذف إحداهما ، وإدغام نون الإعراب في نون الوقاية وإثباتهما بلا ادغام. شرح الكافية ٢ / ٢٢.

(١٦) انظر التبيان ٢ / ٩٢٥ ، البحر المحيط ٦ / ٣٣٦.

(١٧) المرجعان السابقان.

٥٨٧

في المعنى دون اللفظ ، لأن ذلك نوع منه (١). والعامة على فتح الغين والهاء. وابن وثاب والأعمش ورويت عن أبي عمرو بسكون الغين والهاء (٢) ، ونقل عن الأعمش وهو الأشهر عنه بضم الراء وما بعدها (٣). وقرأت فرقة بضمة وسكون فيهما (٤).

فصل

ومعنى «رغبا» : طمعا «ورهبا» : خوفا ، أي : رغبا في رحمة الله ، ورهبا من عذاب الله. (وَكانُوا لَنا خاشِعِينَ) أي : متواضعين ، قال قتادة : ذلك لأمر الله (٥). وقال مجاهد : الخشوع هو الخوف اللازم في القلب (٦).

قوله تعالى : (وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيها مِنْ رُوحِنا وَجَعَلْناها وَابْنَها آيَةً لِلْعالَمِينَ)(٩١)

قوله تعالى : (وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها) الآية (٧). يجوز أن ينتصب قوله : «والّتي» نسقا على ما قبلها ، وأن ينتصب بإضمار اذكر (٨) ، وأن يرتفع بالابتداء ، والخبر محذوف ، أي : وفيما يتلى عليكم التي أحصنت (٩). ويجوز أن يكون الخبر «فنفخنا» وزيدت الفاء على رأي الأخفش نحو زيد فقائم (١٠). وفي كلام الزمخشري : نفخنا الروح في عيسى فيها (١١). قال أبو حيان مؤاخذا له : فاستعمل «نفخ» متعديا والمحفوظ أنه لا يتعدى فيحتاج في تعديه إلى سماع ، وغير متعد استعمله هو في قوله ؛ أي : نفخت في المزمار(١٢). انتهى ما آخذه به.

قال شهاب الدين : وقد سمع «نفخ» متعديا ، ويدل على ذلك ما قرىء في الشاذ «فانفخها فيكون طائرا» (١٣) ، وقد حكاها هو قراءة (١٤) ، فكيف ينكرها؟ فعليك بالالتفات إلى ذلك (١٥). وقال ابن الخطيب : جعلنا النفخ في مريم من جهة روحنا وهو جبريل ـ عليه

__________________

(١) التبيان ٢ / ٩٢٥.

(٢) المختصر (٩٢) ، البحر المحيط ٦ / ٣٣٦.

(٣) البحر المحيط ٦ / ٣٣٦.

(٤) المرجع السابق.

(٥) انظر البغوي ٥ / ٥٢٨.

(٦) المرجع السابق.

(٧) الآية : سقط من ب.

(٨) انظر معاني القرآن وإعرابه للزجاج ٣ / ٤٠٣ ، مشكل إعراب القرآن ٢ / ٨٦ ، البيان ٢ / ١٦٤ ، التبيان ٢ / ٩٢٥.

(٩) انظر التبيان ٢ / ٩٢٥.

(١٠) وذلك أن الأخفش يجيز زيادة الفاء في خبر المبتدأ مطلقا.

(١١) الكشاف ٣ / ٢٠.

(١٢) البحر المحيط ٦ / ٣٣٦.

(١٣) من قوله تعالى : «فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللهِ» [آل عمران : ٤٩]. في البحر المحيط : (وقرأ بعض القراء «فأنفخها») ٢ / ٤٦٦. و«طائرا» قراءة نافع. وغيره قرأ «طيرا». انظر السبعة ٢٠٦.

(١٤) قال أبو حيان : (وقرأ بعض القراء «فأنفخها» أعاد الضمير على الهيئة المحذوفة إذ يكون التقدير : هيئة كهيئة الطير ، أو على الكاف على المعنى ، إذ هي بمعنى مماثلة هيئة الطير ، فيكون التأنيث هنا كما هو في المائدة في قوله : «فَتَنْفُخُ فِيها») البحر المحيط ٢ / ٤٦٦.

(١٥) الدر المصون : ٥ / ٥٧.

٥٨٨

السلام (١) ـ لأنه نفخ في جيب درعها (٢) ، فوصل النفخ إلى جوفها (٣) أي : أمرنا جبريل فنفخ في جيب درعها ، وأحدثنا بذلك النفخ المسيح في بطنها وأضاف الروح إليه تشريفا لعيسى (ـ عليه‌السلام (٤) ـ) (٥).

ومعنى (أَحْصَنَتْ فَرْجَها) أي : إحصانا كليا من الحلال والحرام جميعا كما قالت : (وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا)(٦). وقيل : منعت جبريل جيب (٧) درعها (٨) قبل أن تعرفه.

والأول أولى لأنه الظاهر من اللفظ (٩).

قوله : (وَجَعَلْناها وَابْنَها آيَةً لِلْعالَمِينَ) أما مريم فآياتها كثيرة :

إحداها : ظهور الحبل فيها لا من ذكر ، وذلك معجزة خارجة عن العادة.

وثانيها : أنّ رزقها كان يأتيها به الملائكة من الجنة لقول زكريا : (أَنَّى لَكِ هذا قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ)(١٠).

وثالثها : ورابعها : قال الحسن : أنها لم تلتقم ثديا (١١) قط ، وتكلمت هي أيضا في صباها كما تكلم عيسى (١٢). وأما آيات عيسى ـ عليه‌السلام (١٣) ـ فقد تقدم بيانها (١٤) فإن قيل : هلا قيل آيتين كما قال : (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ)(١٥) ليطابق المفعول؟

فالجواب : أنّ كلّا منهما آية بالآخر فصارا آية واحدة ، لأنّ حالهما بمجموعهما آية واحدة ، وهي ولادتها إياه من غير فحل (١٦). أو تقول : حذف من الأول لدلالة الثاني ، أو بالعكس أي : وجعلنا ابن مريم آية وأمه كذلك (١٧) ، وهو نظير الحذف في قوله : (وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ)(١٨) وقد تقدم. أو أنّ معنى الكلام : وجعلنا شأنهما وأمرهما آية (١٩).

__________________

(١) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(٢) درع المرأة : قميصها.

(٣) الفخر الرازي ٢٢ / ٢١٨.

(٤) انظر البحر المحيط ٦ / ٣٣٦.

(٥) ما بين القوسين في ب : عليه الصلاة والسلام.

(٦) من قوله تعالى : «قالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا» [مريم : ٢٠].

(٧) في الأصل : ذيل.

(٨) في الأصل : ذرعها. وهو تحريف.

(٩) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ٢١٨.

(١٠) من قوله تعالى : «قالَ يا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هذا قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ» [آل عمران : ٣٧].

(١١) في ب : ثدي.

(١٢) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ٢١٨.

(١٣) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(١٤) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ٢١٨.

(١٥) [الإسراء : ١٢].

(١٦) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ٢١٩. التبيان ٢ / ٩٢٦ ، البحر المحيط ٦ / ٣٣٦.

(١٧) انظر البيان ٢ / ١٦٤ ـ ١٦٥ ، التبيان ٢ / ٩٢٦.

(١٨) [التوبة : ٦٢]. والتقدير الأول أولى وهو الحذف من الأول لدلالة الثاني عليه والتقدير : والله أحق أن يرضوه ورسوله أحق أن يرضوه. وهو مذهب سيبويه. البيان ١ / ٤٠١ ، التبيان ٢ / ٦٤٨. وانظر اللباب ٤ / ٢٢٦.

(١٩) انظر معاني القرآن للفراء ٢ / ٢١٠ ، معاني القرآن وإعرابه للزجاج ٣ / ٤٠٤.

٥٨٩

قوله تعالى : (إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ (٩٢) وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنا راجِعُونَ)(٩٣)

قوله تعالى : (إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً)(١) الآية. قرأ العامة على رفع «أمّتكم» خبرا ل «إنّ»، ونصب «أمّة واحدة» على الحال (٢) ، وقيل : على البدل من «هذه» (٣) فيكون قد فصل بالخبر بين البدل والمبدل فيه نحو : إنّ زيدا قائم أخاك. وقرأ الحسن «أمّتكم» بالنصب (٤) على البدل من «هذه» (٥) ، أو عطف البيان (٦). وقرأ أيضا هو وابن أبي إسحاق والأشهب العقيلي (٧) وأبو حيوة وابن أبي عبلة وهارون عن أبي عمرو «أمّة واحدة» بالرفع على خبر «إنّ» (٨) و«أمّتكم أمّة واحدة» برفع الثلاث (٩) على أن يكون «أمّتّكم» خبر «إنّ» كما تقدم (١٠) و (أُمَّةً واحِدَةً) بدل منها بدل نكرة من معرفة ، أو يكون (أُمَّةً واحِدَةً) خبر مبتدأ محذوف (١١) ومعنى «أمّتكم» قال الزمخشري : الأمة الملة ، وأشار إلى ملة الإسلام (١٢). (أُمَّةً واحِدَةً) أي : دينا واحدا وهو الإسلام غير مختلف ، فأبطل ما سوى الإسلام من الأديان. وأصل الأمة الجماعة التي هي على مقصد واحد ، فجعلت الشريعة أمة لاجتماع أهلها على مقصد واحد. ثم قال : (وَأَنَا رَبُّكُمْ) أي : إلهكم (١٣) فاعبدون.

قوله : (وَتَقَطَّعُوا) أي : اختلفوا ، والأصل (١٤) : وتقطعتم إلا أن الكلام صرف إلى الغيبة على طريق (١٥) الالتفات (١٦) ، وكأنه ينفي عهم ما أفسدوه إلى آخرين ويقبح عندهم فعلهم ، ويقول لهم (١٧) : ألا ترون إلى عظيم ما ارتكب هؤلاء ، والمعنى : اختلفوا في الدين فصاروا فرقا وأحزابا (١٨).

__________________

(١) «أُمَّةً واحِدَةً» سقط من الأصل.

(٢) انظر معاني القرآن وإعرابه للزجاج ٣ / ٤٠٤ ، التبيان ٢ / ٢٩٦ ، البحر المحيط ٦ / ٣٣٧ ، والاتحاف (٣١٢).

(٣) انظر البحر المحيط ٦ / ٣٣٧.

(٤) المختصر (٩٣) ، البحر المحيط ٦ / ٣٣٧.

(٥) انظر الكشاف ٣ / ٢٠ ، التبيان ٢ / ٩٢٦ ، البحر المحيط ٦ / ٣٣٧.

(٦) انظر التبيان ٢ / ٩٢٦.

(٧) لم أقف على ترجمته فيما بين يدي من مراجع.

(٨) قال ابن جني : (ولو قرىء أمتكم بالنصب بدلا وتوضيحا ل «هذه» ورفع «أمة واحدة» لأنّه خبر «إن» لكان وجها جميلا حسنا) المحتسب ٢ / ٦٥.

(٩) المختصر (٩٣) المحتسب ٢ / ٦٥ ، البحر المحيط ٦ / ٣٣٧.

(١٠) كما تقدم توجيهه في قراءة العامة.

(١١) انظر المحتسب ٢ / ٦٥ ، التبيان ٢ / ٩٢٦ ، البحر المحيط ٦ / ٣٣٧.

(١٢) الكشاف ٣ / ٢٠.

(١٣) أي إلهكم : سقط من ب.

(١٤) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٢ / ٢١٩.

(١٥) في الأصل : طريقة.

(١٦) من الخطاب في قوله : «إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً» إلى الغيبة في قوله : «وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ».

(١٧) في ب : وبقولهم.

(١٨) آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢١٩٢٢.

٥٩٠

قال الكلبي : وفرقوا دينهم بينهم يلعن بعضهم بعضا ويتبرأ بعضهم من بعض. والتقطع هاهنا بمعنى : التقطيع (١).

قوله : «أمرهم» فيه ثلاثة أوجه :

أحدها : أنه منصوب على إسقاط الخافض ، أي : تفرقوا في أمرهم.

الثاني : أنه مفعول به ، وعدى «تقطعوا» لأنه بمعنى : قطعوا.

الثالث : أنه تمييز (٢) ، وليس بواضح معنى ، وهو معرفة ، فلا يصح من جهة صناعة البصريين (٣). قال أبو البقاء : وقيل : هو تمييز أي : تقطع أمرهم (٤). فجعله منقولا من الفاعلية. و«زبرا» (٥) يجوز أن يكون مفعولا ثانيا على أن تضمن (تقطعوا) معنى (صيروا) بالتقطيع (٦). وإمّا أن ينصب على الحال من المفعول ، أي : مثل زبر ، أي : كتب (٧) ، فإنّ الزبر جمع زبور كرسل جمع رسول (٨).

أو يكون حالا من الفاعل ، نقله أبو البقاء في سورة المؤمنين (٩). وفيه نظر إذ لا معنى له (١٠) ، وإنما يظهر كونه حالا من الفاعل في قراءة «زبرا» بفتح الباء (١١) أي فرقا. والمعنى : صيروا أمرهم زبرا أي تقطعوه في هذه الحال ، والوجهان مأخوذان من تفسير الزمخشري ، لمعنى (١٢) الآية الكريمة ، فإن قال : والمعنى جعلوا أمر دينهم فيما بينهم قطعا كما يتوزع الجماعة ، ويقتسمونه ، فيصير لهذا نصيب ، ولذلك نصيب تمثيلا لاختلافهم فيه وصيرورتهم فرقا وأحزابا (١٣) وفي الكلام التفات من الخطاب وهو قوله : «أمّتكم» إلى الغيبة تشنيعا عليهم بسوء صنيعهم (١٤).

وقرأ الأعمش : «زبرا» بفتح الباء (١٥) جمع زبرة (١٦) ، وهي قطعة الحديد في الأصل

__________________

(١) انظر البغوي ٥ / ٥٢٩.

(٢) ذكر الأوجه الثلاثة أبو البقاء. التبيان ٢ / ٩٢٦.

(٣) وذلك أنّ البصريين اشترطوا تنكير التمييز ، وذهب الكوفيون وابن الطراوة إلى جواز أن يكون معرفة كقوله : وطبت النفس يا قيس عن عمرو. وقوله : علام ملئت الرعب والحرب لم تقد وقولهم : سنه زيد نفسه. وألم رأسه ، وبطرت معيشتها. والبصريون أولوا ذلك على زيادة اللام ، والمضافات نصبت على التشبيه بالمفعول به أو على إسقاط الجار ، أي : في نفسه ، وفي رأسه ، وفي معيشتها انظر الهمع ١ / ٢٥٢.

(٤) التبيان ٢ / ٩٢٦.

(٥) من قوله تعالى : «فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ» [المؤمنون : ٥٣].

(٦) التبيان : ٢ / ٩٥٧.

(٧) مشكل إعراب القرآن ٢ / ١١١ ، التبيان ٢ / ٩٥٧.

(٨) وذلك أن فعل بضمتين من أمثلة جمع الكثرة وهو يطرد في نوعين.

(٩) التبيان ٢ / ٩٥٧.

(١٠) وذلك أن معنى زبر ـ بضم الفاء والعين ـ كتب.

(١١) وهي قراءة الأعمش كما سيأتي قريبا إن شاء الله.

(١٢) في ب : ولمعنى.

(١٣) الكشاف ٣ / ٢٠.

(١٤) البحر المحيط ٦ / ٣٣٧.

(١٥) المختصر (٩٩) ، البحر المحيط ٦ / ٣٣٨.

(١٦) وذلك أن فعل ـ بضم الفاء وفتح العين ـ من أمثلة جمع الكثرة ، وهو يطرد في نوعين : الأول : ما كان ـ

٥٩١

ونصبه على الحال من ضمير الفاعل في «تقطّعوا» كما تقدم (١). ولم يتعرض له أبو البقاء في هذه السورة ، وتعرض له في المؤمنين (٢) ، فذكر فيه الأوجه المتقدمة ، وزاد أنه قرىء «زبرا» بسكون الباء (٣) وهو بمعنى المضمومة (٤).

قوله : (كُلٌّ إِلَيْنا راجِعُونَ) توعدهم (٥) بأن هذه الفرق المختلفة إليه يرجعون فيحاسبهم ويجازيهم بأعمالهم ، قال عليه‌السلام (٦) : تفرقت بنو إسرائيل على إحدى وسبعين فرقة ، فهلك سبعون وخلصت فرقة ، وإن أمتي ستفترق على اثنتين وسبعين فرقة ، تهلك إحدى وسبعون فرقة وتخلص فرقة ، قالوا : يا رسول الله من تلك الفرقة؟ قال : «الجماعة الجماعة الجماعة» (٧) وبهذا الخبر بيّن أن المراد بقوله : (إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ) الجماعة المتمسكة بما بينه الله تعالى في هذه السورة من التوحيد والنبوات ، وأن قول الرسول في الناجية إنّها الجماعة ليس تعريفا للفرقة الناجية ، إذ لا فرقة تمسكت بباطل أو بحق إلا وهي جماعة من حيث العدد ، ولهذا طعن بعضهم في صحة الخبر ، فقال : إن أراد بالاثنتين وسبعين فرقة أصول الأديان فلن يبلغ هذا القدر ، وإن أراد الفروع فإنّها تتجاوز هذا القدر إلى أضعاف ذلك. وقيل أيضا ضد ذلك ، وهو أنها كلها ناجية إلا فرقة واحدة.

والجواب : قال ابن الخطيب : المراد ستفترق أمتي في حال ما وليس فيه دلالة على افتراقها في سائر الأحوال ، ولأنه (٨) لا يجوز أن يزيد وينقص (٩).

قوله تعالى : (فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا كُفْرانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا

__________________

ـ على فعلة ـ بضم الفاء وسكون العين ـ اسما نحو غرفة وغرف ومدية ومدى ، فإن كان صفة نحو ضحكة لم يجمع على فعل وشذ قولهم رجل بهمة ، ورجال بهم. الثاني : ما كان على فعلى ـ بضم الفاء وسكون العين ـ أنثى أفعل صفة نحو كبرى وكبر ، فإن لم تكن فعلى أنثى أفعل كحبلى لم تجمع هذا الجمع ، انظر شرح الأشموني ٤ / ١٣٠.

(١) كما تقدم في إعراب «زبرا» بضم الزاي والباء في قراءة الجمهور.

(٢) عند قوله تعالى : «فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ» [المؤمنون : ٥٣].

(٣) قراءة عبد الوهاب عن أبي عمرو. المختصر (٩٩).

(٤) وذلك أن (فعل) بضمتين جمعا يجب في غير الضرورة تسكين عينه إن كانت واوا لثقل الضمة على الواو ، فتقول في جمع سوار سور ، ويجوز تسكين عينه إن لم تكن واوا فتقول في جمع كتاب كتب وكتب وفي جمع زبور زبر وزبر. وعلى ذلك يكون (زبر) بسكون الباء مخفف زبر بضمها. وإن كانت عين هذا الجمع ياء كسرت الفاء عند التسكين لمناسبة الياء فتقول في جمع سيال : سيل وسيل. انظر التبيان ٢ / ٩٥٧ ، شرح الأشموني ٤ / ١٣٠.

(٥) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٢ / ٢١٩.

(٦) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(٧) أخرجه ابن ماجه (فتن) ٢ / ١٣٢٢ ، أحمد ٣ / ١٤٥.

(٨) في النسختين : ولا أنه.

(٩) آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢٢ / ٢١٩.

٥٩٢

لَهُ كاتِبُونَ (٩٤) وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ (٩٥) حَتَّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ (٩٦) وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يا وَيْلَنا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا بَلْ كُنَّا ظالِمِينَ)(٩٧)

قوله تعالى (١) : (فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ) الآية. لمّا ذكر أمر الأمّة وتفرقهم ، وأنهم راجعون إلى حيث لا أمر إلا له أتبع ذلك بقوله : (فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا كُفْرانَ لِسَعْيِهِ) لا نجحد ولا نبطل سعيه (٢).

والكفران مصدر بمعنى الكفر ، قال :

٣٧٣٣ ـ رأيت أناسا لا تنام خدودهم

وخدّي ولا كفران لله نائم (٣)

و«لسعيه» متعلق بمحذوف ، أي : نكفر لسعيه ، ولا يتعلق ب «كفران» لأنه (٤) يصير مطولا ، والمطول ينصب وهذا مبني (٥). والضمير في «له» يعود على السعي (٦). والمعنى (٧) : لا بطلان لثواب عمله ، وهو كقوله : (وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَسَعى لَها سَعْيَها وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً)(٨).

فالكفران مثل في حرمان الثواب ، والشكر مثل في إعطائه.

فقوله : (فَلا كُفْرانَ) المراد نفي الجنس للمبالغة ، لأنّ نفي الماهية يستلزم نفي جميع أفرادها. ثم قال : (وَإِنَّا لَهُ كاتِبُونَ) أي : لسعيه كاتبون إمّا في أم الكتاب ، أو في الصحف التي تعرض (٩) يوم القيامة ، والمراد من ذلك ترغيب العباد في الطاعات (١٠).

قوله تعالى (١١)(وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ) قرأ الأخوان (١٢) وأبو بكر ورويت عن أبي عمرو

__________________

(١) تعالى : سقط من الأصل.

(٢) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ٢٢٠.

(٣) البيت من بحر الطويل ، لم أهتد إلى قائله وهو في مجاز القرآن ٢ / ٤٢ الطبري ١٧ / ٦٨ ، الجمهرة ٣ / ٤١٥ ، تفسير ابن عطية ١٠ / ٢٠٢ البحر المحيط ٦ / ٣٣٨.

(٤) أي : اسم (لا) النافية للجنس.

(٥) وذلك أن اسم (لا) النافية للجنس إذا كان مفردا بني على ما ينصب به ، أما إذا كان مضافا أو مشبها به والمراد به ما اتصل به شيء من تمام معناه ويسمى مطولا ، فينصب نحو : لا قبيحا فعله محمود ولا طالعا جبلا حاضر ، ولا خيرا من زيد عندنا. فلو تعلق قوله (لسعيه) ب (كفران) ، لأصبح اسم (لا) مشبها بالمضاف فينصب ، وهو هنا مبني على الفتح ، فيتعلق (لسعيه) بمحذوف. انظر البحر المحيط ٦ / ٣٣٨ ، شرح الأشموني ٢ / ٥ ـ ٩.

(٦) انظر التبيان ٢ / ٩٢٦ ، وجوز أبو البقاء أيضا عوده على «من».

(٧) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٢ / ٢٢٠.

(٨) [الإسراء : ١٩].

(٩) في الأصل : المصحف الذي يعرض. وفي ب : الصحف الذي تعرض.

(١٠) آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢٢ / ٢٢٠.

(١١) قوله تعالى : سقط من الأصل.

(١٢) حمزة والكسائي.

٥٩٣

«وحرم» بكسر الحاء وسكون الراء (١) وهما لغتان كالحلّ والحلال (٢).

وقرأ ابن عباس وعكرمة «وحرم» بفتح الحاء وكسر الراء وفتح الميم (٣) على أنه فعل ماض وروي عنهما أيضا وعن أبي العالية (٤) بفتح الحاء والميم وضم الراء (٥) بزنة كرم ، وهو فعل ماض أيضا. (وروي عن ابن عباس أيضا فتح الجميع (٦) وهو فعل ماض أيضا) (٧). وعن (٨) اليماني بضم الحاء وكسر الراء (مشددة وفتح الميم (٩) ماضيا مبنيا للمفعول. وروى عكرمة بفتح الحاء وكسر الراء) (١٠) وتنوين الميم (١١).

فمن جعله اسما (١٢) ففي رفعه وجهان :

أحدهما : أنه مبتدأ ، وفي الخبر حينئذ ثلاثة أوجه :

أحدها : قوله : (لا يَرْجِعُونَ) وفي ذلك حينئذ أربعة تأويلات :

التأويل الأول : أن «لا» زائدة (١٣) ، والمعنى : وممتنع على قرية قدرنا إهلاكها لكفرهم رجوعهم إلى الإيمان إلى أن تقوم الساعة. وممن ذهب إلى زيادتها أبو عمرو مستشهدا عليه بقوله تعالى : (ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ)(١٤) يعني في أحد القولين (١٥).

التأويل الثاني : أنها غير زائدة ، وأن المعنى : أنهم غير راجعين عن معصيتهم وكفرهم (١٦).

__________________

(١) السبعة (٤٣١) ، الكشف ٢ / ١١٤ ، ٢ / ٣٢٤ ، الاتحاف (٣١٢).

(٢) انظر الكشف ٢ / ١١٤ ، التبيان ٢ / ٩٢٧.

(٣) المختصر (٩٣) ، المحتسب ٢ / ٦٥ ، البحر المحيط ٦ / ٣٣٨.

(٤) تقدم.

(٥) المختصر (٩٣) ، المحتسب ٢ / ٦٥ ، البحر المحيط ٦ / ٣٣٨.

(٦) البحر المحيط ٦ / ٣٣٨ ، ونسب ابن جني هذه القراءة إلى قتادة ومطر الوراق المحتسب ٢ / ٦٥.

(٧) ما بين القوسين سقط من الأصل.

(٨) عن : سقط من ب.

(٩) المختصر (٩٣) ، البحر المحيط ٦ / ٣٣٨.

(١٠) ما بين القوسين سقط من ب.

(١١) المحتسب ٢ / ٦٥ ، البحر المحيط ٦ / ٢٣٨.

(١٢) وهي قراءة : «حرام» بالألف ، و«حرم» بدون ألف وبكسر الحاء وسكون الراء و«حرم» بفتح الحاء وكسر الراء وتنوين الميم.

(١٣) «لا» الزائدة : هي الداخلة في الكلام لمجرد تقويته وتوكيده. نحو قوله : «ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ» [الأعراف : ١٢].

وانظر البيان ٢ / ١٦٥ ، والتبيان ٢ / ٩٢٦ ـ ٩٢٧ ، والمغني ١ / ٢٤٨.

(١٤) [الأعراف : ١٢]. والدليل على زيادتها قوله تعالى في موضع آخر «ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَ» [ص : ٧٥].

انظر البيان ١ / ٣٥٥.

(١٥) القول الثاني : أنها غير زائدة. انظر البحر المحيط ٤ / ٢٧٣.

(١٦) انظر التبيان ٢ / ٩٢٧.

٥٩٤

التأويل الثالث : أنّ الحرام قد يراد به الواجب ، ويدل عليه قوله تعالى : (قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا)(١) وترك الشرك واجب ويدل عليه قول الخنساء (٢) :

٣٧٣٤ ـ وإنّ حراما لا أرى الدّهر باكيا

على شجوه إلّا بكيت على صخر (٣)

أي : واجبا. وأيضا فمن الاستعمال إطلاق أحد الضدين على الآخر ، وهو مجاز مشهور قال تعالى: (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها)(٤) ومن ثمّ قال الحسن والسدي : لا يرجعون عن الشرك. وقال (٥) قتادة : لا يرجعون إلى الدنيا (٦).

التأويل الرابع : قال مسلم بن بحر : حرام ممتنع ، وأنهم لا يرجعون ، فيكون عدم رجوعهم واجبا ، وإذا امتنع الانتفاء وجب الرجوع ، فيكون المعنى : إن رجوعهم إلى الحياة في الدار الآخرة واجب ، ويكون الغرض منه إبطال قول من ينكر البعث ، وتحقيقه ما تقدم أنه لا كفران لسعي أحد وأنه ـ تعالى ـ مجازيه يوم القيامة (٧).

وقول (٨) ابن عطية قريب من هذا فإنه قال : وممتنع على الكفرة المهلكين أنهم لا يرجعون (بل هم راجعون) (٩) إلى عذاب الله وأليم عقابه ، فتكون «لا» على بابها والحرام على بابه (١٠).

الوجه الثاني : أن الخبر محذوف ، تقديره : وحرام توبتهم أو رجاء بعثهم ، ويكون (أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ) علة لما تقدم من معنى الجملة. فيكون حينئذ في «لا» احتمالان :

الاحتمال الأول : أن تكون زائدة ، ولذلك قال أبو البقاء في هذا الوجه بعد تقديره الخبر المتقدم : إذا جعلت (لا) زائدة (١١).

قلت : والمعنى عنده لأنهم يرجعون إلى الآخرة وجزائها.

الاحتمال الثاني : أن تكون غير زائدة بمعنى ممتنع توبتهم ، أو رجاء بعثهم لأنهم لا يرجعون إلى الدنيا فيستدركوا فيها ما فاتهم من ذلك.

الوجه الثالث : أن يكون هذا المبتدأ لا خبر له لفظا ولا تقديرا ، وإنما وقع شيئا

__________________

(١) [الأنعام : ١٥١].

(٢) هي تماضر بنت عمرو بن الشريد ، وهي صحابية ـ رضي الله عنها ـ قدمت على رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ مع قومها من بني سليم وأسلمت معهم ، وكان النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ يعجبه شعرها ، ويستنشدها. الخزانة ١ / ٤٣٣ ـ ٤٣٨.

(٣) البيت من بحر الطويل قالته الخنساء وليس في ديوانها ، وهو في الفخر الرازي ٢٢ / ٢٢١ ، القرطبي ١١ / ٣٤٠ ، واللسان (حرم) وهو فيه منسوب إلى عبد الرحمن بن خمانة المحاربي ، جاهلي. والبحر المحيط ٦ / ٣٣٩.

(٤) [الشورى : ٤٠].

(٥) في ب : قال.

(٦) انظر هذا التأويل في الفخر الرازي ٢٢ / ٢٢١ ، البحر المحيط ٦ / ٣٣٨ ـ ٣٣٩.

(٧) انظر البحر المحيط ٦ / ٣٣٨.

(٨) في ب : وقرأ. وهو تحريف.

(٩) ما بين القوسين تكملة من تفسير ابن عطية.

(١٠) تفسير ابن عطية ١٠ / ٢٠٤.

(١١) التبيان ٢ / ٩٢٧.

٥٩٥

يقوم مقام خبره من باب أقائم أخواك ، قال أبو البقاء : والجيد أن يكون (أنهم) (١) فاعلا سد مسد الخبر (٢). وفي هذا نظر ، لأنّ ذلك يشترط فيه أن يعتمد الوصف على نفي أو استفهام وهنا لم يعتمد المبتدأ على شيء من ذلك اللهم إلا أن ينحو نحو الأخفش فإنه لا يشترط ذلك ، وهو الظاهر (٣) ، وحينئذ يكون في (لا) الوجهان المتقدمان من الزيادة وعدمها باختلاف معنيين ، أي : امتنع رجوعهم إلى الدنيا أو عن شركهم ، إذا قدرتها زائدة ، أو امتنع عدم رجوعهم إلى عقاب الله في الآخرة ، إذا قدرتها غير زائدة.

الوجه الثاني من وجهي رفع «حرام» : أنه خبر مبتدأ محذوف ، فقدره بعضهم : الإقالة والتوبة حرام (٤) ، وقدره أبو البقاء : أي : ذلك الذي ذكر من العمل الصالح حرام (٥) وقال الزمخشري : وحرام على قرية أهلكناها ذاك ، وهو المذكور في الآية المتقدمة من العمل الصالح ، والسعي المشكور غير المكفور ، ثم علل فقيل : إنّهم لا يرجعون عن الكفر ، فكيف لا يمتنع ذلك (٦). وقرأ العامة «أهلكناها» بنون العظمة.

وقرأ أبو عبد الرحمن وقتادة «أهلكتها» بتاء المتكلم (٧). ومن قرأ «حرم» بفتح الحاء وكسر الراء وتنوين الميم فهو في قراءه صفة على فعل نحو حذر (٨) ، وقال :

٣٧٣٥ ـ وإن أتاه خليل يوم مسألة

يقول لا غائب مالي ولا حرم (٩)

__________________

(١) في ب : أنه. وهو تحريف.

(٢) انظر التبيان ٢ / ٩٢٧.

(٣) وذلك أن كل وصف اعتمد على نفي أو استفهام ، وكان مرفوعه اسما ظاهرا أو ضميرا منفصلا ، وتم الكلام بمرفوعه ، استغني بمرفوعه عن الخبر نحو : أقائم الزيدان ، وما مضروب الزيدان ، وأقائم أنتما.

والأخفش والكوفيون لا يشترطون اعتماد الوصف على نفي أو استفهام فأجازوا : قائم الزيدان ، محتجين بقول الشاعر:

خبير بنو لهب فلا تك ملغيا

مقالة لهبيّ إذا الطّير مرّت

فخبير مبتدأ وبنو لهب فاعل سد مسد الخبر. ورد البصريون احتجاجهم بالبيت بأن (خبير) خبر مقدم ، و(بنو لهب) مبتدأ مؤخر ، وجاز الإخبار بالمفرد عن الجمع ، لأن (خبير) على وزن (فعيل) بزنة المصدر ، والمصدر يخبر به عن الواحد والمثنى والجمع بلفظ الواحد. وفي ذلك يقول ابن مالك :

وأول مبتدأ ، والثاني

فاعل أغنى في «أسارذان»

وقس ، وكاستفهام النّفي وقد

يجوز نحو «فائز أولو الرّشد»

انظر الهمع ١ / ٩٤ ، وشرح الأشموني ١ / ١٨٩ ـ ١٩٢.

(٤) انظر البحر المحيط ٦ / ٣٣٨.

(٥) التبيان ٢ / ٩٢٧.

(٦) الكشاف ٣ / ٢٠.

(٧) انظر البحر المحيط ٦ / ٣٣٨.

(٨) أي : أن الوصف من (فعل) ، اللازم على (فاعل) قليل نحو سلم فهو سالم ، وإنما قياس الوصف منه (فعل) بفتح الفاء وكسر العين في الأعراض كفرح ، وكما هنا. و(أفعل) في الألوان والخلق كأخضر ، وأعور ، و(فعلان) فيما دلّ على امتلاء وحرارة البطن كشبعان وريان ، وعطشان وصديان. انظر شرح التصريح ٢ / ٧٨.

(٩) البيت من بحر البسيط ، قاله زهير بين أبي سلمى. وقد تقدم.

٥٩٦

ومن قرأه فعلا ماضيا (١) فهو في قراءته مسند ل «أن» وما في حيزها (٢) ، ولا يخفى الكلام في (لا) بالنسبة إلى الزيادة وعدمها ، فإن المعنى واضح مما تقدم (٣).

وقرىء «إنّهم» بالكسر على الاستئناف (٤) ، وحينئذ (٥) فلا بدّ من تقدير مبتدأ يتم به الكلام تقديره : ذلك العمل الصالح حرام ، وتقدم تحرير ذلك (٦).

قوله تعالى : (حَتَّى إِذا فُتِحَتْ) الآية. تقدم الكلام على (حتّى) الداخلة على (إذا) مشبعا (٧). وقال الزمخشري هنا : فإن قلت : بم تعلقت (حتّى) واقعة غاية له وأية الثلاث هي (٨)؟ قلت : هي متعلقة ب «حرام» وهي غاية له ، لأن امتناع رجوعهم لا يزول حتى تقوم القيامة ، وهي حتى التي يحكى بعدها الكلام ، والكلام المحكي هو الجملة من الشرط والجزاء أعني : إذا وما في حيزها (٩). وأبو البقاء نحا هذا النحو ، فقال : و«حتّى» متعلقة في المعنى ب «حرام». أي : يستمر الامتناع إلى هذا الوقت ، ولا عمل لها في «إذا» (١٠). قال الحوفي : هي غاية ، والعامل فيها ما دل عليه المعنى من تأسفهم على ما فرطوا فيه من الطاعة حين فاتهم الاستدراك (١١). وقال ابن عطية : «حتّى» متعلقة بقوله : «وتقطّعوا» (١٢) ، ويحتمل على بعض التأويلات المتقدمة أن تتعلق ب «يرجعون» ، ويحتمل أن تكون حرف ابتداء ، وهو الأظهر بسبب (إذا) لأنها تقتضي جوابا للمقصود ذكره (١٣).

قال أبو حيان : وكون (حتّى) متعلقة ب «تقطّعوا» فيه بعد من حيث كثرة الفصل لكنه من حيث المعنى جيّد ، وهو أنهم لا يزالون مختلفين على دين الحق إلى قرب (١٤) مجيء الساعة ، فإذا جاءت الساعة انقطع ذلك كله (١٥). وتلخص في تعلق (حتّى) أوجه :

أحدها : أنها متعلقة ب «حرام» (١٦).

__________________

(١) وهي (حرم) بفتح الحاء وكسر الراء وفتح الميم ، و(حرم) بفتح الحاء والميم وضم الراء و(حرم) بفتح الجميع وحرم بضم الحاء وكسر الراء مشددة وفتح الميم.

(٢) انظر التبيان ٢ / ٩٢٧.

(٣) تقدم قريبا.

(٤) انظر التبيان ٢ / ٩٢٧ ، البحر المحيط ٦ / ٣٣.

(٥) في ب : وح.

(٦) تقدم قريبا.

(٧) عند قوله تعالى : «حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ وَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ» [آل عمران : ١٥٢].

(٨) هي : سقط من الأصل.

(٩) أي أن (حتى) حرف ابتداء. الكشاف ٣ / ٢١.

(١٠) التبيان ٢ / ٩٢٧.

(١١) أي أنّها حرف جر متعلق بمحذوف دل عليه الكلام. ومعروف أنه يشترط في مخفوضها إذا كانت حرف جر شرطان. أحدهما : أن يكون ظاهرا لا مضمرا خلافا للكوفيين والمبرد. والثاني : أن يكون المجرور آخرا نحو أكلت السمكة حتى رأسها ، أو ملاقيا لآخر جزء نحو «سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ» [القدر : ٥] انظر البحر المحيط ٦ / ٣٣٨ ، المغني ١ / ١٢٣.

(١٢) [الأنبياء : ٩٣].

(١٣) تفسير ابن عطية ١٠ / ٢٠٥.

(١٤) في الأصل : أقرب.

(١٥) في الأصل : عنده. وانظر البحر ٦ / ٣٣٩.

(١٦) وهو قول الزمخشري وهو واضح من النص المنقول عنه فيما سبق.

٥٩٧

والثاني : أنها متعلقة بمحذوف دلّ عليه المعنى ، وهو قول الحوفي.

الثالث : أنها متعلقة ب «تقطّعوا».

الرابع : أنها متعلقة ب «يرجعون» (١).

وتلخص في (حتى) وجهان :

أحدهما : أنّها حرف ابتداء ، وهو قول الزمخشري وابن عطية فيما اختاره.

والثاني : إنها حرف جر بمعنى (إلى) (٢).

وقرأ : «فتّحت» بالتشديد ابن عامر ، والباقون بالتخفيف (٣). وتقدم ذلك أول الأنعام (٤) وفي جواب «إذا» أوجه :

أحدها : أنه محذوف ، فقدره أبو إسحاق : قالوا يا ويلنا (٥) ، وقدره غيره : فحينئذ يبعثون ، وقوله : (فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ) عطف على هذا المقدر (٦).

والثاني : أنّ جوابها الفاء في قوله : «فإذا هي» (٧) قاله الحوفي والزمخشري وابن عطية ، فقال الزمخشري : و«إذا» هي للمفاجأة ، وهي تقع في المجازاة سادة مسد الفاء كقوله تعالى : (إِذا هُمْ يَقْنَطُونَ)(٨) ، فإذا جاءت الفاء معها تعاونتا على وصل الجزاء بالشرط فيتأكد ، ولو قيل : (إذا هي شاخصة) كان سديدا (٩).

وقال (١٠) ابن عطية : والذي أقول : إنّ الجواب في قوله : (فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ) وهذا هو المعنى الذي قصد ذكره ، لأنه رجوعهم الذي كانوا يكذبون به وحرم عليهم امتناعه (١١).

وقوله : «يأجوج» هو على حذف مضاف ، أي سدّ يأجوج ومأجوج (١٢) ، وتقدم

__________________

(١) والثالث والرابع من احتمالات ابن عطية. وهو واضح من النص المنقول عنه.

(٢) وهو قول الحوفي وابن عطية في بعض احتمالاته.

(٣) السبعة (٤٣١) ، الكشف ٢ / ١١٤ ، النشر ٢ / ٢٥٨ ، الإتحاف (٣١٢).

(٤) عند قوله تعالى :«فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ» [الأنعام : ٤٤].

(٥) انظر معاني القرآن وإعرابه ٣ / ٤٠٥ ، مشكل إعراب القرآن ٢ / ٨٨ ، البيان ٢ / ١٦٦ والبحر المحيط ٦ / ٣٣٩.

(٦) انظر البحر المحيط ٦ / ٣٣٩.

(٧) انظر مشكل إعراب القرآن ٢ / ٨٨ ، البيان ٢ / ١٦٦.

(٨) من قوله تعالى : «وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِها وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذا هُمْ يَقْنَطُونَ» [الروم : ٣٦].

(٩) أي أن (إذا) تقوم مقام الفاء في ربط جواب الشرط بالشرط ، وهي هنا مع الفاء للتأكيد. الكشاف ٣ / ٢١.

(١٠) في الأصل : قال.

(١١) تفسير ابن عطية ١٠ / ٢٠٥.

(١٢) البحر المحيط ٦ / ٣٣٩.

٥٩٨

الكلام فيهما (١) وهما قبيلتان (٢) من جنس الإنس ، يقال : الناس عشرة أجزاء تسعة أجزاء منها يأجوج ومأجوج يخرجون حين يفتح السد. قيل : السد يفتحه الله ابتداء. وقيل : بل إذا جعل الله الأرض دكا زالت تلك الصلابة من أجزاء الأرض فحينئذ ينفتح (٣) السد (٤).

قوله : «وهم» قال أكثر المفسرين : «هم» كناية عن (يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ).

وقال مجاهد : كناية عن جميع العالم بأسرهم أي : يخرجون من قبورهم ، ومن كل موضع ، فيحشرون إلى موقف الحساب.

والأرض أظهر وإلا لتكلف النظم ، ولأنه روي في الخبر أن يأجوج ومأجوج لا بدّ وأن يسيروا في الأرض ، ويقبلوا على الناس من كل موضع مرتفع (٥). وقرأ العامة : «ينسلون» بكسر السين. وأبو السمال وابن أبي إسحاق بضمها (٦). والحدب : النشز من الأرض. أي : المرتفع ، ومنه الحدب في الظهر ، وكل كدية (٧) أو أكمة (٨) فهي حدبة ، وبها سمي القبر لظهوره على وجه الأرض (٩) والنّسلان : مقاربة الخطا مع الإسراع كالرمل يقال : نسل ينسل وينسل بالفتح في الماضي والكسر والضمّ في المضارع (١٠) ، ونسل وعسل واحد (١١) قال الشاعر :

٣٧٣٦ ـ عسلان الذئب أمسى قاربا

برد اللّيل عليه فنسل (١٢)

والنّسل من ذلك ، وهو الذّرّية ، أطلق المصدر على المفعول ، ونسلت ريش الطائر من ذلك. وقدم الجار على متعلقه لتراخي رؤوس الآي.

__________________

(١) عند قوله تعالى :«قالُوا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا» [الكهف : ٩٤].

(٢) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٢ / ٢٢٢.

(٣) في ب : فتح.

(٤) آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢٢ / ٢٢٢.

(٥) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ٢٢٢ ، البحر المحيط ٦ / ٣٣٩.

(٦) المختصر (٩٣) ، البحر المحيط ٦ / ٣٣٩. وذلك أن مضارع نسل يجيء بكسر العين وضمها.

(٧) الكدية : الأرض المرتفعة. وقيل : الأرض الصلبة ، وقيل : الأرض الغليظة. اللسان (كدا).

(٨) الأكمة : القف من حجارة واحدة ، وقيل : هو دون الجبل. وقيل : هو الموضع الذي هو أشد ارتفاعا مما حوله ، وهو غليظ لا يبلغ أن يكون حجرا. اللسان (أكم).

(٩) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ٢٢٢. اللسان (حدب).

(١٠) انظر اللسان (نسل).

(١١) انظر مجاز القرآن ٢ / ٤٢ ، الكامل ١ / ٤٧٤.

(١٢) البيت من بحر الرمل ، وهو في مجاز القرآن للنابغة الجعدي ، وفي الجمهرة واللسان (عسل) للبيد.

وهو في مجاز القرآن ٢ / ٤٢ ، الكامل ١ / ٤٧٤ والجمهرة ١ / ٢٥٢ ، والخصائص ٢ / ٤٨ ، القرطبي ١١ / ٣٤١ ، اللسان (عسل ، نسل).

٥٩٩

وقرأ عبد الله وابن عباس : «جدث» بالثاء المثلثة والجيم (١) اعتبارا بقوله :

(فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ)(٢). وقرىء بالفاء ، وهي بدل منها (٣) قال الزمخشري: الثاء للحجاز (٤) ، والفاء لتميم (٥). وينبغي أن يكونا أصلين ، لأنّ كلا منهما لغة مستقلة (٦) ، ولكن كثر إبدال الثاء من الفاء ، قالوا مغثور في مغفور ، وقالوا فمّ في ثمّ ، فأبدلت هذه من هذه تارة ، وهذه من هذه أخرى (٧).

(روى حذيفة بن أسد الغفاري (٨) قال : اطلع النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ علينا ونحن نتذاكر ، فقال : «ما تذكرون؟» قالوا : نذكر الساعة قال : إنها لن تقوم حتى تروا قبلها عشر آيات فذكر الدجال ، والدابة ، وطلوع الشمس من مغربها ، ونزول عيسى ابن مريم ، ويأجوج ومأجوج ، وثلاثة خسوف ، خسف بالمشرق ، وخسف بالمغرب ، وخسف بجزيرة العرب ، وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم (٩))(١٠).

قوله : (وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ). المراد بالوعد الموعود وهو يوم القيامة.

(وسمي الموعود وعدا تجوّزا. قال الفراء وجماعة : الواو في قوله : «واقترب» مقحمة معناه : حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج اقترب الوعد الحق ، كقوله : (فَلَمَّا أَسْلَما وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ وَنادَيْناهُ)(١١) أي : ناديناه (١٢). ويدل عليه ما روى حذيفة قال : لو أنّ رجلا اقتنى فلوّا (١٣) بعد خروج يأجوج ومأجوج لم يركبه حتى تقوم الساعة (١٤).

__________________

(١) المختصر (٩٣) ، المحتسب ٢ / ٦٦ ، الكشاف ٣ / ٢١ ، البحر المحيط ٦ / ٣٩٩.

(٢) [سورة يس : ٥١].

(٣) أي : أن الفاء بدل من الثاء. البحر المحيط ٦ / ٣٣٩.

(٤) في ب : للحجازيين.

(٥) الكشاف ٣ / ٢١.

(٦) قال ابن جني في المحتسب ٢ / ٦٦ : الجدث ـ بالثاء ـ هو القبر بلغة أهل الحجاز ، والجدف ـ بالفاء ـ لبني تميم.

(٧) وذلك أن العرب تقول في العطف : قام زيد فمّ عمرو ، وكذلك قولهم : جدف وجدث. انظر سر صناعة الإعراب ١ / ٢٤٨ ـ ٢٥١ ، البحر المحيط ٦ / ٣٣٩.

(٨) هو حذيفة بن أسيد الغفاري ، أبو سريحة ، شهد الحديبية ، روى عن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأبي بكر ، وعلي ، وأبي ذر ، روى عنه أبو الطفيل والشعبي ، وغيرهما ، مات سنة ٤٢ ه‍. تهذيب التهذيب ٢ / ٢١٩.

(٩) ذكره البغوي بسنده عن سفيان بن عيينة عن فرات القزاز عن أبي الطفيل عن حذيفة بن أسيد الغفاري ٥ / ٥٣٢.

(١٠) ما بين القوسين سقط من الأصل.

(١١) [الصافات : ١٠٣ ، ١٠٤].

(١٢) في ب : أي وناديناه. أي : أن جواب الشرط قوله : «واقترب» على زيادة الواو ، وهو مذهب الكوفيين. انظر معاني القرآن ٢ / ٢١١ ، إعراب القرآن ٢ / ٨٨ ، البيان ٢ / ١٦٦ ، التبيان ٢ / ٩٢٧.

(١٣) الفلوّ والفلو والفلو : الجحش والمهر إذا فطم ، والجمع أفلاء. اللسان (فلا).

(١٤) انظر البغوي ٥ / ٥٣٣ ، البحر المحيط ٦ / ٣٤٠.

٦٠٠