اللّباب في علوم الكتاب - ج ١٣

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي

اللّباب في علوم الكتاب - ج ١٣

المؤلف:

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي


المحقق: عادل أحمد عبد الموجود و علي محمّد معوّض
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-2298-3

الصفحات: ٦٤٠

جعل ذات الإنسان كأنها خلقت من نفس العجلة دلالة على شدة اتصاف الإنسان بها ، وأنها مادته التي أخذ منها كما قيل للرجل الذي هو حاد : نار تشعل والعرب قد تسمي المرء بما يكثر منه ، فتقول : ما أنت إلا أكل ونوم ، وما هو إلا إقبال وإدبار ، قال الشاعر :

٣٧١٥ ـ ترتع ما رتعت حتى إذا ادّكرت(١)

فإنّما هي إقبال وإدبار (٢)

ويتأكد هذا بقوله : (وَكانَ (٣) الْإِنْسانُ عَجُولاً)(٤).

قال المبرد : (خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ) أي من شأنه العجلة كقوله (خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ)(٥) أي : ضعفاء (٦). ومثله في المبالغة من جانب النفي قوله عليه‌السلام (٧) : «لست من الدّد ولا الدّد منّي» (٨) ، والدّد : اللعب ، وفيه لغات : دد محذوف اللام وددا مقصورا كعصا ، وددن بالنون. وألفه في إحدى لغاته مجهولة الأصل لا يدرى أهي عن ياء أو واو (٩). وقيل : (خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ) أي بسرعة ، وتعجيل من غير ترتيب خلق سائر الآدميين من النطفة ثم العلقة ثم المضغة ثم العظام ثم أنشأناه خلقا آخر (١٠). وقال أبو عبيدة : العجل الطين بلغة حمير قال شاعرهم :

٣٧١٦ ـ والنّبع في الصّخرة الصّمّاء منبته

والنّخل ينبت بين الماء والعجل (١١)

قال الزمخشري بعد إنشاده عجز هذا البيت : والله أعلم بصحته (١٢).

قال شهاب الدين : وهو معذور (١٣). وهذا الجار يحتمل تعلقه ب «خلق» على

__________________

(١) في النسختين : ترتع إذا نسيت حتى إذا ذكرت.

(٢) البيت من بحر البسيط قالته الخنساء ، رتعت الإبل : إذا رعت ، وأرتعتها : تركتها ترعى. ادكرت : تذكرت.

(٣) في النسختين : خلق. وهو تحريف.

(٤) [الإسراء : ١١].

(٥) من قوله تعالى : «اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ» [الروم : ٥٤].

(٦) هذا القول أقرب إلى الصواب لأنه أمكن حمل الكلام على معنى صحيح ، وهو على ترتيبه ، فهو أولى من أن يحمل على أنه مقلوب. انظر الفخر الرازي ٢٢ / ١٧٢.

(٧) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(٨) سبق تخريجه.

(٩) ينظر هذه اللغات في اللسان (ددن ـ ددا).

(١٠) البحر المحيط ٦ / ٣١٣.

(١١) انظر البحر المحيط ٦ / ٣١٣ ، والبيت من بحر البسيط لم أهتد إلى قائله وهو في الكشاف ٣ / ١١ ـ ١٢ ، تفسير ابن عطية ١٠ / ١٥١ ، اللسان (عجل) تفسير القرطبي ١١ / ٢٨٩ ، البحر المحيط ٦ / ٣١٣.

النبع : شجر من أشجار الجبال تتخذ منه القسيّ. الصماء : الصلبة. يقول : النبع منبته في الصخرة الصماء ، والنخل ينبت في الأرض اللينة. والشاهد فيه أن (العجل) بمعنى الطين.

(١٢) الكشاف ٣ / ١٢.

(١٣) الدر المصون ٥ / ٤٩.

٥٠١

المجاز أو الحقيقة المتقدمتين (١). وأن يتعلق بمحذوف على أنه حال كأنه قال : خلق الإنسان عجلا. قاله أبو البقاء (٢). وقرأ العامة «خلق» مبنيا للمفعول «الإنسان» مرفوعا لقيامه مقام الفاعل. وقرأ مجاهد وحميد وابن مقسم «خلق» مبنيا للفاعل «الإنسان» نصبا مفعولا به (٣). فإن قيل : القوم استعجلوا الوعيد على وجه التكذيب ، ومن هذا حاله لا يكون مستعجلا على الحقيقة.

فالجواب : أن استعجالهم بما توعدهم من عقاب الآخرة أو هلاك الدنيا يتضمن استعجال الموت ، وهم عالمون بذلك فكانوا مستعجلين حقيقة (٤).

قوله : (سَأُرِيكُمْ آياتِي) مواعيدي ؛ قيل : هي الهلاك المعجل في الدنيا والآخرة ، ولذلك قال (فَلا تَسْتَعْجِلُونِ) أي أنه سيأتي لا محالة في وقته ، فلا تطلبوا العذاب قبل وقته ، فأراهم يوم بدر. وقيل : كانوا يستعجلون القيامة. وقيل : الآيات : أدلة التوحيد وصدق الرسول. وقيل : الآيات آثار القرون الماضية بالشام واليمن (٥). قوله : (وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) هذا هو الاستعجال المذموم على سبيل الاستهزاء ، وهو كقوله : (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَلَوْ لا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجاءَهُمُ الْعَذابُ)(٦) فبين تعالى أنهم يقولون ذلك لجهلهم وغفلتهم (٧).

قوله : «متى هذا» «متى» خبر مقدم ، فهي في محل رفع (٨). وزعم بعض الكوفيين أنها في محل نصب على الظرف ، والعامل فيها فعل مقدر رافع ل «هذا» ، التقدير : متى يجيء هذا الوعد ، أو متى يأتي ونحوه (٩) والأول أشهر.

قوله : «لو يعلم» جوابها مقدر ، لأنه أبلغ في الوعيد (١٠) فقدره الزمخشري : لما كانوا بتلك الصفة من الكفر والاستهزاء والاستعجال ولكن جهلهم هو الذي هونه

__________________

(١) انظر التبيان ٢ / ٩١٨.

(٢) المرجع السابق.

(٣) المختصر : (٩١) ، البحر المحيط ٦ / ٣١٣.

(٤) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ١٧٢.

(٥) الأول أقرب إلى النظم وهو : الهلاك المعجل في الدنيا والعذاب في الآخرة انظر الفخر الرازي ٢٢ / ١٧٢ ، البحر المحيط ٦ / ٣١٣.

(٦) [العنكبوت : ٥٣].

(٧) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ١٧٢.

(٨) انظر البحر المحيط ٦ / ٣١٣.

(٩) «متى» عند الكوفيين في موضع نصب وكذا الجواب في المعرفة إذا قيل : متى الميعاد؟ قيل : يوم الخميس ، فإن كان نكرة رفعت فقلت : ميعادك يوم أو يومان والعرب تقول : إنما البرد شهران ، وإنما الصيف شهران ، ولو جاء نصبا لكان صوابا ، وإنما اختاروا الرفع في النكرة لأنك أبهمت الشهرين فصارا جميعا كأنهما وقتا الصيف ، واختاروا في المعرفة لأنها حين معلوم مسند إلى الذي بعده فحسنت الصفة ، كما أنك تقول : عبد الله دون من الرجال ، وعبد الله دونك ، بالنصب في المعرفة. انظر معاني القرآن للفراء ٢ / ٢٠٣ ـ ٢٠٤ ، وإعراب القرآن للنحاس ٣ / ٧٠ ـ ٧١ والبحر المحيط ٦ / ٣١٣.

(١٠) انظر البحر المحيط ٦ / ٣١٣.

٥٠٢

عندهم (١) وقدره ابن عطية : لما استعجلوا (٢). وقدره الحوفي : لسارعوا (٣). وقدره غيره : لعلموا صحة البعث (٤). وقال البغوي : لما أقاموا على كفرهم ، ولما استعجلوا بقولهم (مَتى هذَا الْوَعْدُ)(٥).

و«حين» مفعول به لعلموا ، و(٦) ليس منصوبا على الظرف ، أي : لو يعلمون وقت عدم كف النار (٧). وقال الزمخشري : ويجوز أن يكون «يعلم» متروكا بلا تعدية بمعنى : لو كان معهم علم ولم يكونوا جاهلين لما كانوا مستعجلين ، و«حين» منصوب بمضمر أي حين «لا يكفّون عن وجوههم النّار» يعلمون أنهم كانوا على الباطل (٨). وعلى هذا ف «حين» منصوب على الظرف ، لأنه جعل مفعول العلم أنهم كانوا.

وقال أبو حيان : والظاهر أن مفعول (يعلم) محذوف لدلالة ما قبله ، أي : لو يعلم الذين كفروا مجيء الموعد الذي سألوا عنه واستبطأوه ، و«حين» منصوب بالمفعول الذي هو مجيء ، ويجوز أن يكون من باب الإعمال على حذف مضاف ، وأعمل الثاني (٩) ، والمعنى : لو يعلمون مباشرة النار حيث لا يكفونها عن وجوههم (١٠).

فصل (١١)

ثم إنه تعالى ذكر في رفع هذا الحزن عن قلب رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وجهين : الأول : أنه بيّن ما لصاحب هذا الاستهزاء من العقاب الشديد فقال «لو يعلم الّذين كفروا حين لا يكفّون عن وجوههم النّار ولا عن ظهورهم ولا هم ينصرون» أي : لو يعلمون الوقت الذي يسألون عنه بقولهم (مَتى هذَا الْوَعْدُ) وهو وقت صعب شديد تحيط بهم فيه النار من قدّام ومن خلف ، فلا يقدرون على دفعها عن أنفسهم ، ولا يجدون ناصرا ينصرهم كقوله : (فَمَنْ يَنْصُرُنا مِنْ بَأْسِ اللهِ إِنْ جاءَنا)(١٢). وإنما خص الوجوه والظهور ، لأن مس العذاب لها أعظم موقعا.

قال بعضهم : (وَلا عَنْ ظُهُورِهِمْ) السياط. قوله : «بغتة» نصب على الحال ، أي : مباغتة(١٣). والضمير في «تأتيهم» يعود على النار (١٤) ، وقيل : على الحين ، لأنه في معنى الساعة. وقيل: على الساعة التي تضطرهم فيها إلى العذاب (١٥). وقيل : على الوعد ،

__________________

(١) الكشاف ٣ / ١٢.

(٢) تفسير ابن عطية ١٠ / ١٥٣.

(٣) البحر المحيط ٦ / ٣١٣.

(٤) المرجع السابق.

(٥) البغوي ٥ / ٤٨٨.

(٦) في الأصل : أو. وهو تحريف.

(٧) انظر الكشاف ٣ / ١٢.

(٨) الكشاف ٣ / ١٢.

(٩) على مذهب البصريين.

(١٠) البحر المحيط ٦ / ٣١٣.

(١١) فصل : سقط من ب. وهذا الفصل نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٢ / ١٧٢ ـ ١٧٣.

(١٢) [غافر : ٢٩].

(١٣) أي على التأويل بالمشتق لأن (بغتة) مصدر ، وذلك على مذهب البصريين.

(١٤) واستظهره أبو حيان. البحر المحيط ٦ / ٣١٤.

(١٥) انظر البحر المحيط ٦ / ٣١٤.

٥٠٣

لأنه في معنى النار التي وعدوها قاله الزمخشري (١). وفيه تكلّف (٢). وقرأ الأعمش : «بل يأتيهم» بياء الغيبة «بغتة» بفتح الغين «فيبهتهم» بالياء أيضا (٣). فأما الياء فأعاد الضمير على الحين أو على الوعد (٤) ، وقيل : على «النّار» وإنما ذكر ضميرها ، لأنها في معنى العذاب ، ثم راعى لفظ «النّار» فأنث في قوله «ردّها» (٥). وقوله (بَلْ تَأْتِيهِمْ) إضراب انتقال (٦).

وقال ابن عطية : «بل» استدراك مقدّر قبله نفي تقديره : إنّ الآيات لا تأتي على حسب اقتراحهم (٧). وفيه نظر ، لأنه يصير التقدير : لا تأتيهم الآيات على حسب اقتراحهم بل تأتيهم بغتة ، فيكون الظاهر أن الآيات تأتي بغتة ، وليس ذلك مرادا قطعا. وإن أراد أن يكون التقدير : بل تأتيهم الساعة أو النار ، فليس مطابقا لقاعدة الإضراب.

فصل (٨)

لما بين شدة هذا العقاب بين أن وقت مجيئه غير معلوم لهم (بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً) وهم غير محتسبين ولا مستعدين «فتبهتهم» أي : تدعهم حيارى واقفين (لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً) في ردها ، (وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ) أي لا يمهلون لتوبة أو معذرة. وإنما لم يعلم المكلفين وقت الموت (والقيامة لما) (٩) فيه من المصلحة ، لأن المرء مع كتمان ذلك أشد (١٠) حذرا وأقرب إلى التلافي.

ثم ذكر الوجه الثاني في دفع الحزن عن قلب الرسول ـ عليه‌السلام (١١) ـ فقال : (وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) أي : عقوبة استهزائهم. و«حاق» وحقّ بمعنى (١٢) كزال (١٣) وزلّ (١٤) ، والمعنى : فكذلك يحيق بهؤلاء وبال استهزائهم.

__________________

(١) انظر الكشاف ٣ / ١٢.

(٢) من جهة تأويل «الوعد» بمعنى النار ، فعوده إلى «النار» من غير تأويل أولى.

(٣) المختصر : (٩١) ، والكشاف ٣ / ١٢ ، والبحر المحيط ٦ / ٣١٤.

(٤) في الأصل : الوقت ، وهو تحريف. وانظر الكشاف ٣ / ١٢.

(٥) قاله أبو الفضل الرازي. انظر البحر المحيط ٦ / ٣١٤.

(٦) وذلك أن الله حكى عنهم أنهم يستعجلون العذاب الموعود بقوله : «وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ»وبيّن أن سبب ذلك الاستعجال هو عدم علمهم بهول وقت وقوعه وما فيه من العذاب الشديد ، ثم أضرب وانتقل من بيان السبب إلى بيان كيفية وقوع الموعود فقال : «بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً».

(٧) تفسير ابن عطية ١٠ / ١٥٣.

(٨) هذا الفصل نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٢ / ١٧٣.

(٩) ما بين القوسين سقط من ب.

(١٠) في ب : أشدا. وهو تحريف.

(١١) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(١٢) وذلك أن حاق بهم العذاب أي أحاط ونزل كأنه وجب عليهم. وحقّ الأمر يحِقّ ويحُقّ حقّا وحقوقا : صار حقّا وثبت (اللسان : حيق ـ حقق).

(١٣) في النسختين : زال. وما أثبته هو الصواب.

(١٤) وذلك أن زال الشيء عن مكانه يزول زوالا وأزاله غيره وزوله فانزال. وزل السهم عن الدرع والإنسان عن الصخرة يزلّ ويزلّ زلا وزليلا ومزلّة : زلق. (اللسان : زول ـ زلل).

٥٠٤

قوله تعالى : (قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ مِنَ الرَّحْمنِ بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ (٤٢) أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنا لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ وَلا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ (٤٣) بَلْ مَتَّعْنا هؤُلاءِ وَآباءَهُمْ حَتَّى طالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ أَفَلا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها أَفَهُمُ الْغالِبُونَ)(٤٤)

قوله تعالى : (قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ) الآية (١) لما بين أن الكفار في الآخرة «لا يكفّون عن وجوههم النّار» بسائر ما وصفهم (٢) به أتبعه بأنهم في الدنيا أيضا لو لا أن الله تعالى يحرسهم ويحفظهم لما بقوا في السلامة ، فقال لرسوله : «قل» لهؤلاء الكفار الذين يستهزئون ويغترون بما هم عليه (مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ) وهذا كقول الرجل لمن حصل في قبضته ولا مخلص له منه : من ينصرك مني؟ وهل لك مخلص(٣)؟ والكلاءة : الحفظ ، أي يحفظكم بالليل والنهار «من الرّحمن» إن نزل بكم عذابه.

يقال : كلأه الله يكلؤه كلاءة بالكسر كذا ضبطه الجوهري (٤) فهو كالىء ومكلوء.

قال ابن (٥) هرمة (٦) :

٣٧١٧ ـ إنّ سليمى والله يكلؤها

ضنّت بشيء ما كان يزرؤها (٧)

واكتلأت منه : احترست ، ومنه سمّي النبات كلأ (٨) ، لأنّ به تقوم بنية البهائم وتحرس. ويقال : بلغ الله بك أكلأ العمر. والمكلأ موضع يحفظ فيه السفن (٩). وفي الحديث : «نهى عن بيع الكالىء بالكالىء» (١٠) أي : بيع الدين بالدين كأنّ كلّا من رب الدينين يكلأ الآخر أي : يراقبه.

__________________

(١) الآية : سقط من الأصل.

(٢) في النسختين : ما وصفه. وما أثبته هو الصواب.

(٣) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ١٧٣.

(٤) الصحاح ١ / ٦٩. هو إسماعيل بن حماد الجوهري أبو نصر الفارابي ، كان إماما في اللغة والأدب ، صنف كتابا في العروض ، ومقدمة في النحو ، والصحاح في اللغة ، ومات في حدود سنة ٤٠٠ ه‍.

البغية ١ / ٤٤٦ ـ ٤٤٧.

(٥) في ب : بن. وهو تحريف.

(٦) هو أبو إسحاق إبراهيم بن هرمة ، وهو آخر الشعراء الذين يحتج بشعرهم الخزانة ١ / ٤٢٤ ـ ٤٢٦.

(٧) البيت من بحر المنسرح ، وهو مطلع قصيدة لإبراهيم بن هرمة ، وقد قيل له إنّ قريشا لا تهمز ، فقال : لأقولنّ قصيدة أهمزها كلها بلسان قريش. والبيت في مجاز القرآن ٢ / ٣٩ ، ومجالس العلماء ١٢٢ ، أمالي ابن الشجري ١ / ٢١٥ ، والمغني ١ / ٣٨٨ ، ٣٩٦ ، القرطبي ١١ / ٢٩١ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٨٢٦. سليمى : تصغير سلمى. يكلؤها : يحرسها ويحفظها. ضنّت : بخلت. يزرؤها : ينقضها.

واستشهد به على أن (يكلؤها) مضارع (كلأ) بمعنى يحرسها ويحفظها.

(٨) وفي اللسان (كلأ) : الكلأ : البقل والشجر.

(٩) وفي اللسان (كلأ) : والمكلأ ، بالتشديد : شاطىء النهر ومرفأ السفن وهو ساحل كل نهر.

(١٠) وهو أن يكون لك على رجل دين فإذا حل أجله استباعك ما عليه إلى أجل ، انظر النهاية في غريب الحديث ٤ / ١٩٤ ، الفائق ٣ / ٢٧٣.

٥٠٥

(وقال ابن عباس : المعنى : من يمنعكم من عذاب الرحمن (١).

وقرأ الزهري وابن القعقاع (٢) «يكلوكم» بضمة خفية دون همز (٣).

وحكى الكسائي والفراء «يكلوكم» بفتح اللام وسكون الواو (٤).

قال شهاب الدين : ولم أعرفها قراءة. وهو قريب من لغة من يخفف أكلت الكلأ على الكلو وقفا (٥) إلا أنه أجرى الوصل مجرى الوقف (٦)) (٧).

قوله : (مِنَ الرَّحْمنِ) متعلق ب «يكلؤكم» على حذف مضاف أي من أمر الرحمن أو بأسه كقوله : (يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ)(٨)(٩). و«باللّيل» بمعنى في الليل (١٠) ، وإنما ذكر الليل والنهار ، لأن لكل واحد من الوقتين آفات تختص به ، والمعنى : من يحفظكم بالليل إذا نمتم وبالنهار إذا تصرفتم في (١١) معاشكم (١٢).

وخص هاهنا اسم الرحمن بالذكر تلقينا للجواب حتى يقول العاقل أنت الكالىء يا إلهنا لكل الخلائق برحمتك كما في قوله : (ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ)(١٣). فخص اسم الكريم تلقينا (١٤). قوله : «بل هم» إضراب عما تضمنه الكلام الأول من النفي ، إذ التقدير : ليس لهم كالىء ولا مانع غير الرحمن (١٥). والمراد ب (ذِكْرِ رَبِّهِمْ) القرآن ومواعظ الله «معرضون» لا يتأملون في شيء منها ليعرفوا أنه لا كالىء لهم سواه ، ويتركوا عبادة الأصنام التي لا تحفظهم ولا تنعم عليهم (١٦).

قوله : (أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ) «أم» منقطعة (١٧) ، أي بل ألهم (١٨)؟ فالميم صلة والمعنى : ألهم آلهة تمنعهم ، وقد تقدم ما فيها (١٩).

وقوله : (مِنْ دُونِنا) فيه وجهان :

__________________

(١) انظر البغوي ٥ / ٤٨٨.

(٢) تقدم.

(٣) أي : أن الهمزة صارت بين الهمزة والواو الساكنة ، وذلك أن الهمزة إذا كانت مضمومة وقبلها فتحة صارت بين الهمزة والواو الساكنة. انظر الكتاب ٣ / ٥٤٢ ، البحر المحيط ٦ / ٣١٤.

(٤) انظر معاني القرآن ٢ / ٢٠٤ ، والبحر المحيط ٦ / ٣١٤.

(٥) حكى سيبويه في آخر الكلمة أن من العرب من يقول : هذا هو الكلو ، حرصا على البيان ، كما قالوا : الوثو. انظر الكتاب ٤ / ١٧٨ ـ ١٧٩.

(٦) الدر المصون ٥ / ٥٠.

(٧) ما بين القوسين سقط من الأصل.

(٨) [الرعد : ١١].

(٩) انظر التبيان ٢ / ٩١٨.

(١٠) أي : أن الباء بمعنى الظرفية.

(١١) في ب : و.

(١٢) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ١٧٤.

(١٣) من قوله تعالى «يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ» [الانفطار : ٦].

(١٤) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ١٧٤.

(١٥) قاله ابن عطية. تفسير ابن عطية ١٠ / ١٥٤.

(١٦) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ١٧٤.

(١٧) وهي للإضراب المتضمن معه استفهاما إنكاريا.

(١٨) في ب : بل لهم. وهو تحريف.

(١٩) في هذه السورة.

٥٠٦

أحدهما : أنه متعلق ب «تمنعهم» قبل ، والمعنى : ألهم آلهة تجعلهم في منعة وعز ، وإلى (١) هذا ذهب الحوفي (٢).

والثاني : أنه متعلق بمحذوف ، لأنه صفة ل «آلهة» ، أي آلهة من دوننا تمنعهم ، ولذلك قال ابن عباس إن في الكلام تقديما وتأخيرا (٣).

ثم وصف الآلهة بالضعف فقال : (لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ) وهذا مستأنف لا محل له (٤) ، ويجوز أن يكون صفة ل «آلهة» ، وفيه بعد من حيث المعنى.

قال ابن الخطيب : (لا يَسْتَطِيعُونَ) خبر مبتدأ محذوف ، أي فهذه الآلهة لا تستطيع حماية أنفسها عن الآفات (٥) ، وحماية النفس أولى من حماية الغير ، فإذا لم تقدر على حماية نفسها فكيف تقدر على حماية غيرها (٦).

قوله : (وَلا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ). قال ابن عباس (٧) : يجاورون ، تقول العرب : أنا لك جار وصاحب من فلان ، أي مجير عنه. وقال مجاهد : ينصرون. وقال قتادة : لا يصحبون من الله بخير. (بَلْ مَتَّعْنا هؤُلاءِ) الكفار (وَآباءَهُمْ) في الدنيا ، أي أمهلناهم. وقيل : أعطيناهم النعمة. (حَتَّى طالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ) أي امتد بهم الزمان فاغتروا (٨). (أَفَلا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها) أي (٩) : أفلا يرى هؤلاء المشركون بالله المستعجلون بالعذاب آثار قدرتنا في أنا ننقص الأرض من جوانبها نأخذ الواحد بعد الواحد من المشركين ونفتح البلاد والقرى من حول مكة ، ونزيدها في ملك محمد ، أما (١٠) كان لهم عبرة في ذلك فيؤمنوا برسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم (١١) ـ. (أَفَهُمُ الْغالِبُونَ) أم نحن ، وهو استفهام تقريع (١٢).

قال ابن عباس (١٣) ومقاتل والكلبي : «ننقصها» بفتح البلدان. وروي عن ابن عباس رواية أخرى : المراد نقصان أهلها. وقال عكرمة : تخريب القرى وموت أهلها.

__________________

(١) في ب : وا إلى. وهو تحريف.

(٢) البحر المحيط ٦ / ٣١٤.

(٣) تقديره : أم لهم آلهة من دوننا تمنعهم انظر البحر المحيط ٦ / ٣١٤.

(٤) انظر التبيان : ٢ / ٩١٨ ، البحر المحيط ٦ / ٣١٤.

(٥) في ب : عن الآيات. وهو تحريف.

(٦) الفخر الرازي ٢٢ / ١٧٤.

(٧) من هنا نقله ابن عادل عن البغوي ٥ / ٤٨٩.

(٨) آخر ما نقله هنا عن البغوي ٥ / ٤٨٩.

(٩) أي : سقط من ب.

(١٠) في الأصل : أفلا.

(١١) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ١٧٤ ـ ١٧٥.

(١٢) أي : أن الهمزة خرجت عن الاستفهام الحقيقي إلى استفهام مقصود به التقرير والتقريع ، ومعناه : حمل المخاطب على الإقرار والاعتراف بأمر قد استقر عنده ثبوته أو نفيه ويجب أن يليها الشيء الذي تقرره به. انظر المغني ١ / ١٨.

(١٣) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٢ / ١٧٥.

٥٠٧

وقيل : موت العلماء ، وهذه الرواية إن صحت عن رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فلا يعدل (١) عنها وإلا فالأظهر هاهنا ما يتعلق بالغلبة ، ولذلك قال : (أَفَهُمُ الْغالِبُونَ). قال القفال : نزلت هذه الآية في كفار مكة ، فكيف يدخل فيها العلماء والفقهاء (٢).

قوله تعالى : (قُلْ إِنَّما أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ وَلا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعاءَ إِذا ما يُنْذَرُونَ (٤٥) وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ (٤٦) وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَكَفى بِنا حاسِبِينَ)(٤٧)

قوله : (قُلْ إِنَّما أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ) أي : أخوفكم بالقرآن وقوله : (وَلا يَسْمَعُ) قرأ ابن عامر هنا «ولا تسمع» بضم التاء للخطاب وكسر الميم ، (الصُّمُّ الدُّعاءَ) منصوبين. وقرأ ابن كثير كذلك في النمل (٣) والروم (٤). وقرأ باقي السبعة بفتح ياء الغيبة والميم «الصّمّ» بالرفع «الدّعاء» بالنصب في جميع القرآن(٥).

وقرأ الحسن كقراءة ابن عامر إلا أنه بياء الغيبة (٦). وروى عنه (٧) ابن خالويه «ولا يسمع» بياء الغيبة مبنيا للمفعول «الصّمّ» (٨) رفعا «الدّعاء» نصبا (٩).

وروي عن أبي (١٠) عمرو بن العلاء «ولا يسمع» بضم الياء من تحت وكسر الميم «الصّمّ» (٤) نصبا «الدّعاء» رفعا (١١).

فأما قراءة ابن عامر وابن كثير فالفاعل فيها ضمير المخاطب ، وهو الرسول ـ عليه‌السلام (١٢) ـ. فانتصب «الصّمّ» (١٣) و«الدّعاء» على المفعولين ، وأولهما هو الفاعل المعنوي (١٤).

__________________

(١) في ب : بعد. وهو تحريف.

(٢) آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢٢ / ١٧٥.

(٣) وهو قوله تعالى : «إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ» [النمل : ٨٠].

(٤) وهو قوله تعالى : «فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ» [الرّوم : ٥٢].

(٥) السبعة (٤٢٩) ، الكشف ٢ / ١١٠ ـ ١١١ ، النشر ٢ / ٣٢٣ ـ ٣٢٤ ، الإتحاف (٣١٠). وقراءة ابن كثير لآيتي النمل والروم ولا يسمع بالياء المفتوحة الصم رفعا ، وباقي السبعة ولا تسمع بضم التاء الصم نصبا ، وروى عباس عن أبي عمرو «وَلا يَسْمَعُ الصُّمُّ»مثل ابن كثير. السبعة (٤٨٦ ، ٥٠٨) الكشف ٢ / ١٦٥.

(٦) انظر البحر المحيط ٦ / ٣١٥.

(٧) في الأصل : عن.

(٨) في ب : الضم. وهو تحريف.

(٩) المختصر (٩١).

(١٠) في الأصل : ابن. وهو تحريف.

(٤) وهو قوله تعالى : «فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ» [الرّوم : ٥٢].

(١١) البحر المحيط ٦ / ٣١٥ ـ ٣١٦.

(١٢) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(١٣) في ب : الضم. وهو تحريف.

(١٤) لأنه جعل الفعل رباعيا من «أسمع» فتعدى إلى مفعولين والفاعل ضمير المخاطب وهو الرسول ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ لأنه لما أضيف الفعل إليه في «أنذركم» أضيف إليه في «تسمع». انظر الكشف ٢ / ١١٠ ـ ١١١ ، البحر المحيط ٦ / ٣١٥.

٥٠٨

وأما قراءة الجماعة فالفعل مسند للصّمّ فانتصب «الدّعاء» مفعولا به (١). وأما قراءة الحسن الأولى فأسند الفعل فيها إلى ضمير الرسول ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وهي كقراءة ابن عامر في المعنى. وأما قراءته الثانية فأسند الفعل فيها إلى «الصّم» (٢) قائما مقام الفاعل ، فانتصب الثاني وهو «الدّعاء» وأما قراءة أبي عمرو فإنه أسند الفعل فيها إلى الدعاء على سبيل الاتساع وحذف المفعول الثاني للعلم به ، والتقدير : ولا يسمع الدعاء الصم شيئا البتة (٣) ولما وصل أبو البقاء إلى هنا قال : (وَلا يَسْمَعُ) فيه قراءات وجوهها ظاهرة (٤) ولم يذكرها. و«إذا» في ناصبه وجهان :

أحدهما : أنه «يسمع».

والثاني : أنه «الدّعاء» فأعمل المصدر المعرف ب (أل) (٥) وإذا (٦) أعملوه في المفعول الصريح ففي الظرف أولى (٧).

قال الزمخشري : فإن قلت : الصم (٨) لا يسمعون دعاء المبشّر كما لا يسمعون دعاء المنذر ، فكيف قيل : (إِذا ما يُنْذَرُونَ)؟ قلت : اللّام في «الصّم» عائدة إلى هؤلاء المنذرين كائنة للعهد لا للجنس ، والأصل : ولا يسمعون إذا ما ينذرون ، فوضع الظاهر موضع المضمر للدلالة على تصامّهم وسدهم أسماعهم (٩) إذا أنذروا ، أي أنتم على هذه الصفة من الجراءة والجسارة على التصامّ عن (١٠) الإنذار والآيات (١١). ثم بيّن تعالى أن حالهم سيتغير (١٢) إلى أن يصيروا بحيث إذا شاهدوا اليسير مما (١٣) أنذروا به ، فعنده يسمعون ويعتذرون ويعترفون حيث لا ينتفعون ، وهذا المراد بقوله (وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ) وأصل النفح من الريح : اللين (١٤). قال الزمخشري : في المس والنفحة ثلاث مبالغات ، لفظ المس ، وما في النفح من معنى القلّة والنزار يقال : نفحته الدابة : رمحته رمحا يسيرا (١٥). والنفح (١٦) : الخطرة. قال ابن عباس (١٧) :

__________________

(١) أضافوا الفعل إلى الصم فارتفعوا بفعلهم ، لأنه نفى السمع عنهم ، وتعدى الفعل إلى مفعول وهو «الدعاء» لأنه ثلاثي. انظر الكشف ٢ / ١١١.

(٢) في الأصل : الضم. وهو تحريف.

(٣) انظر البحر المحيط ٦ / ٣١٦.

(٤) التبيان ٢ / ٩١٩.

(٥) المرجع السابق.

(٦) في ب : وإذ.

(٧) وإعمال المصدر المعرف ب (أل) أجازه سيبويه وبعض البصريين. انظر شرح الأشموني ٢ / ٢٨٤ ـ ٢٨٥.

(٨) في ب : الضم. وهو تحريف.

(٩) في ب : سماعهم.

(١٠) في الأصل : على.

(١١) الكشاف ٣ / ١٣.

(١٢) في النسختين : يستعين. وما أثبته هو الصواب.

(١٣) في ب : فما ، وهو تحريف.

(١٤) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ١٧٦.

(١٥) الكشاف ٣ / ١٣. وفيه : يقال : نفحته الدابة وهو رمح يسير ، ونفحه بعطية : رضخه.

(١٦) في ب : النفخ. وهو تصحيف.

(١٧) من هنا نقله ابن عادل عن البغوي ٥ / ٤٩٠.

٥٠٩

«نفحة» طرف. وقيل : قليل. وقال ابن جريج : نصيب من قولهم : نفح فلان لفلان من ماله أي : أعطاه حظا منه (١) ، قال :

٣٧١٨ ـ إذا ريدة من حيث ما نفحت له (٢)

أتاه بريّاها خليل يواصله (٣)

وقيل : ضربة ، من قولهم : نفحت (٤) الدابة برجلها ، أي : ضربت (٥).

و (مِنْ عَذابِ) صفة ل «نفحة» (٦).

ثم بيّن تعالى أن جميع ما ينزل (٧) بهم في الآخرة لا يكون إلّا عدلا فيهم بقولهم : (لَيَقُولُنَّ يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ) أي : مشركين دعوا على أنفسهم بالويل بعد ما أقروا بالشرك (٨).

قوله : (وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ) قال الزجاج : ذوات القسط (٩) ، ووضعها إحضارها. (وإنما جمع «الموازين» لكثرة من توزن أعمالهم ، وهو جمع تفخيم. ويجوز أن يرجع إلى الموزونات (١٠)) (١١). وفي نصب «القسط» وجهان :

أحدهما : أنه نعت للموازين ، وعلى هذا فلم أفرد؟ وعنه جوابان :

أحدهما : أنه في الأصل مصدر ، والمصدر يوحّد (١٢) مطلقا.

والثاني : أنه على حذف مضاف (١٣).

الوجه الثاني : أنه مفعول من أجله أي : لأجل القسط (١٤) ، إلا أن في هذا نظرا (١٥) من حيث إن المفعول له إذا كان معرّفا ب (أل) يقل تجرّده من حرف العلة (١٦) تقول : جئت للإكرام ، ويقل : جئت الإكرام ، كقوله :

__________________

(١) آخر ما نقله هنا عن البغوي ٥ / ٤٩.

(٢) في ب : إذا أريد به من حيث ما نفحت له. وهو تحريف.

(٣) البيت من بحر الطويل قاله أبو حية النمري ، شاعر مجيد أدرك الدولة الأموية والعباسية. وهو في اللسان (ريد) والمغني ١ / ١٣٢ ، المقاصد النحوية ٣ / ٣٨٦ ، الهمع ١ / ٢١٢ ، شرح شواهد المغني ١ / ٣٩٠ ، الخزانة ٦ / ٥٥٤ ، الدرر ١ / ١٨٠ الرّيدة : ريح لينة الهبوب. نفحت بمعنى : أعطت. وهو موطن الشاهد هنا. ريّا : الرائحة.

(٤) في ب : نفخت. وهو تصحيف.

(٥) انظر البغوي ٥ / ٤٩٠.

(٦) انظر التبيان ٢ / ٩١٩. وجوز أبو البقاء أن يكون «من عذاب» في موضع نصب ب «مسّتهم».

(٧) في النسختين : ما نزل. وما أثبته من الفخر الرازي ٢٢ / ١٧٦.

(٨) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ١٧٦.

(٩) معاني القرآن وإعرابه ٣ / ٣٩٤.

(١٠) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ١٧٧.

(١١) ما بين القوسين سقط من الأصل.

(١٢) في ب : يوجب. وهو تحريف.

(١٣) والتقدير : ذوات القسط. انظر الكشاف ٣ / ١٣ ، التبيان ٢ / ٩١٩ ، البحر المحيط ٦ / ٣١٦.

(١٤) انظر البحر المحيط ٦ / ٣١٦.

(١٥) في ب : نظر.

(١٦) أي حرف الجر ، وهو اللام.

٥١٠

٣٧١٩ ـ لا أقعد الجبن عن الهيجاء

ولو توالت زمر الأعداء (١)

وقرىء : القصط بالصاد (٢) ، لأجل الطاء (٣). وقد تقدّم.

قوله : (لِيَوْمِ الْقِيامَةِ) في هذه اللام أوجه :

أحدها : قال الزمخشري : مثلها في قولك : جئت لخمس خلون من الشهر (٤) ومنه بيت النابغة :

٣٧٢٠ ـ توهّمت(٥)آيات لها فعرفتها

لستّة أعوام وذا العام سابع (٦)(٧)

والثاني : أنها بمعنى (في) وإليه ذهب بن قتيبة وابن مالك وهو رأي الكوفيين (٨) ومنه عندهم : (لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها)(٩) وكقول (١٠) مسكين الدارمي :

٣٧٢١ ـ أولئك قومي قد مضوا لسبيلهم

كما قد مضى من قبل عاد وتبّع (١١)

وكقول الآخر :

__________________

(١) رجز مجهول القائل. الهيجاء : الحرب. الزّمر جمع زمرة وهي الجماعة.

والشاهد فيه قوله : «الجبن» حيث وقع مفعولا له وهو مقرون ب (أل) وجاء منصوبا على قلة ، والأكثر فيه أن يكون مجرورا ، لأن المفعول له إذا كان معرفا ب (أل) يقل تجرده من حرف الجر. وقد تقدم.

(٢) البحر المحيط ٦ / ٣١٦.

(٣) وذلك إذا كان بعد السين غين أو خاء أو قاف أو طاء جاز قلبها صادا على لغة بني العنبر. قالوا في : أسبغ : أصبغ ، وسخّر : صخر ، وسقت : صقت ، وسراط : صراط. انظر الكتاب ٤ / ٤٧٩ ـ ٤٨١ ، الأصول ٣ / ٤٣١ ، سر صناعة الإعراب ١ / ٢١١ ـ ٢١٢.

(٤) أي : أن اللام بمعنى (عند).

(٥) في الكشاف : ترسمت.

(٦) البيت من بحر الطويل قاله النابغة الذبياني ، وهو في ديوانه (٣٠) ، والكتاب ٢ / ٨٦ ، والمقتضب ٤ / ٣٢٢. والمقرب ٢٧١ ، البحر المحيط ٦ / ٣١٦ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٤٨٢. وشرح شواهد الكشاف ٧٣. توهمها : لم يعرفها إلا توهما لخفاء معالمها وانطماسها. الآيات : علامات الدار التي تعرف بها.

لستة أعوام : يريد بعد ستة أعوام ، والشاهد فيه مجيء اللام في قوله (لستة أعوام) بمعنى عند.

(٧) الكشاف ٣ / ١٣.

(٨) انظر التبيان ٢ / ٩١٩ ، البحر المحيط ٦ / ٣١٦.

(٩) من قوله تعالى«يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ» [الأعراف : ١٨٧].

(١٠) في ب : ولقول. وهو تحريف.

(١١) البيت من بحر الطويل قاله مسكين الدارمي وهو في الديوان (٥٠) برواية :

أولئك قوم قد مضوا لسبيلهم

كما مات لقمان بن عاد وتبّع

والبحر المحيط ٦ / ٣١٦ ، والخزانة ٤ / ١٠١. تبّع : واحد التبابعة ، وهم ملوك اليمن ، سموا بذلك ، لأنه يتبع بعضهم بعضا كلما هلك واحد قام مقامه آخر تابعا له على مثل سيرته. والشاهد فيه مجيء اللام بمعنى (في) والتقدير : قد مضوا في سبيلهم.

٥١١

٣٧٢٢ ـ وكلّ أب وابن وإن عمرا معا

مقيمين مفقود لوقت وفاقد (١)

والثالث : أنها على بابها من التعليل ولكن على حذف مضاف أي : لحساب يوم القيامة و«شيئا» يجوز أن يكون مفعولا ثانيا ، وأن يكون مصدرا ، أي : شيئا من الظلم (٢).

فصل (٣)

في وضع الموازين (٤) قولان :

أحدهما : قال مجاهد : هذا مثل ، والمراد بالموازين العدل ، ويروى مثله عن قتادة والضحاك ، والمراد بالوزن : القسط بينهم في الأعمال ، فمن أحاطت حسناته بسيئاته ثقلت موازينه أي : ذهبت سيئاته وحسناته حكاه ابن جرير (٥) عن ابن عباس.

والثاني : أنّ الموازين توضع حقيقة ويوزن بها الأعمال ، روي عن الحسن أنه ميزان له كفتان ولسان وهو بيد جبريل ـ عليه‌السلام (٦) ـ يروى «أنّ داود ـ عليه‌السلام (١٠) ـ سأل ربه أن يريه الميزان ، فأراه كل كفة ما بين المشرق والمغرب فغشي عليه ، ثم أفاق ، فقال : إلهي من الذي يقدر أن يملأ كفته حسنات ، فقال : يا داود إنّي إذا (٧) رضيت عن عبد ملأتها بتمرة» (٨).

وعلى هذا القول في كيفية وزن الأعمال طريقان :

أحدهما : أن توزن صحائف الأعمال.

والثاني : أن يجعل في كفة الحسنات جواهر بيض مشرقة ، وفي كفة السيئات جواهر سود (٩) مظلمة فإن قيل : أهل القيامة إمّا أن يكونوا عالمين بكونه ـ تعالى ـ عادلا غير ظالم أو لا يعلمون ذلك. فإن علموا كان مجرد حكمه (١٠) كافيا في معرفة أنّ الغالب هو الحسنات أو السيئات فلا فائدة في وضع الميزان. وإن لم يعلموا ذلك لم تحصل الفائدة في وزن الصحائف ، لاحتمال أنه جعل إحدى الصحيفتين أثقل أو (١١) أخف ظلما ، فلا فائدة في وضع الميزان على كلا التقديرين.

والجواب : قال ابن الخطيب : أما على قولنا (لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ)(١٢) وأيضا ففيه

__________________

(١) البيت من بحر الطويل وهو في البحر المحيط ٦ / ٣١٦. والشاهد فيه كالشاهد في البيت السابق ، وهو مجيء اللام بمعنى (في).

(٢) انظر البحر المحيط ٦ / ٣١٦.

(٣) هذا الفصل نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٢ / ١٧٦ ـ ١٧٧.

(٤) في ب : الميزان.

(٥) جامع البيان ١٧ / ٢٥.

(٦) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(١٠) في الأصل : حكم. وهو تحريف.

(٧) في ب : أنا. وهو تحريف.

(٨) انظر البغوي ٥ / ٤٩١.

(٩) في الأصل : بيض. وهو تحريف.

(١٠) في الأصل : حكم. وهو تحريف.

(١١) في ب : و. وهو تحريف.

(١٢) من قوله تعالى : «لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ» [الأنبياء : ٢٣].

٥١٢

ظهور حال الولي من (١) العدو في مجمع الخلائق ، فيكون لأحد القبيلين (٢) في ذلك أعظم السرور والأخرى أعظم الغم ، ويكون ذلك بمنزلة نشر الصحف وغيره. وإذا ثبت ذلك فالدليل على وجود الموازين الحقيقة أن حمل لفظ الميزان على مجرد العدل مجاز وصرف اللفظ عن الحقيقة إلى المجاز من غير دليل غير جائز لا سيما وقد جاءت الأحاديث الكثيرة بالأسانيد الصحيحة (٣) في ذلك (٤).

قوله : «وإن كان مثقال» قرأ نافع هنا (٥) وفي لقمان (٦) برفع «مثقال» (٧) على أن «كان» تامة ، أي : وإن وجد مثقال (٨). والباقون بالنصب (٩) على أنها ناقصة واسمها مضمر ، أي : وإن كان العمل (١٠). و (مِنْ خَرْدَلٍ) صفة ل «حبّة» (١١). وقرأ العامة «أتينا» من الإتيان بقصر الهمزة أي : جئنا بها. (١٢).

وفي حرف (١٣) أبيّ «جئنا» (١٤). وكذا قرأ ابن مسعود ، وهو تفسير معنى لا تلاوة. وقرأ ابن عباس ومجاهد وسعيد وابن أبي إسحاق والعلاء بن سيابة (١٥) ، وجعفر بن محمد «آتينا» بمد الهمزة (١٦) ، وفيه أوجه :

أصحها : أنّه (فاعلنا) من المواتاة وهي المجازاة والمكافأة ، والمعنى : جازينا بها ، ولذلك تعدى بالباء(١٧).

الثاني : أنّها (مفاعلة) (١٨) من الإتيان بمعنى المجازاة والمكافأة ، لأنهم أتوه بالأعمال وأتاهم بالجزاء ، قاله الزمخشري (١٩).

__________________

(١) في ب : إلى.

(٢) في ب : القبيلتين.

(٣) الصحيحة : سقط من ب.

(٤) الفخر الرازي ٢٢ / ١٧٦ ـ ١٧٧.

(٥) في الأصل : وهنا. وهو تحريف.

(٦) في قوله تعالى : «يا بُنَيَّ إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّماواتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللهُ إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ» [لقمان : ١٦].

(٧) السبعة : (٤٢٩ ، ٥١٣) ، الكشف ٢ / ١١١ ، ١٨٨ ، والنشر ٢ / ٣٢٤ ، الإتحاف (٣١٠).

(٨) فتكتفي بالفاعل ولا تحتاج إلى المنصوب. انظر الكشف ٢ / ١١١ ، ومشكل إعراب القرآن ٢ / ٨٤ ، البيان ٢ / ١٦١ ، التبيان ٢ / ٩١٩ والكشاف ٣ / ١٣ ، البحر المحيط ٦ / ٣١٦.

(٩) السبعة (٤٢٩ ، ٥١٣) والكشف ٢ / ١١١ ، ١٨٨ ، النشر ٢ / ٣٢٤ ، الإتحاف (٣١١).

(١٠) انظر الكشف ٢ / ١١١ ، ومشكل إعراب القرآن ٢ / ٨٤ ، البيان ٢ / ١٦١ ، التبيان ٢ / ٩١٩ والبحر المحيط ٦ / ٣١٦.

(١١) انظر التبيان ٢ / ٩١٩ ، وجوز أبو البقاء أيضا أن يكون (من خردل) صفه ل (مثقال).

(١٢) انظر البحر المحيط ٦ / ٣١٦.

(١٣) حرف : سقط من ب.

(١٤) المختصر (٩٢) ، الكشاف ٣ / ١٣ ، البحر المحيط ٦ / ٣١٦.

(١٥) لم أقف له على ترجمة فيما رجعت إليه من مراجع.

(١٦) الكشاف ٣ / ١٣ ، البحر المحيط ٦ / ٣١٦.

(١٧) انظر البحر المحيط ٦ / ٣١٦.

(١٨) في النسختين : فاعلة. وهو تحريف.

(١٩) الكشاف ٣ / ١٣.

٥١٣

الثالث : أنه أفعل من الإيتاء ، كذا توهم بعضهم وهو غلط. قال ابن عطية : ولو كان آتينا : أعطينا لما تعدّت بحرف جر ، ويوهن هذه القراءة أنّ إبدال (١) الواو المفتوحة همزة ليس بمعروف ، وإنما يعرف ذلك في المضمومة والمكسورة (٢) يعني : أنه كان من حق هذا القارىء أن يقرأ «وأتينا» مثل وأعطينا ، لأنها من المواتاة على الصحيح ، فأبدل هذا القارىء الواو المفتوحة همزة وهو قليل ومنه أحد وأناة (٣).

قال أبو البقاء : ويقرأ بالمد بمعنى جازينا بها ، فهو يقرب من معنى أعطينا ، لأنّ الجزاء إعطاء ، وليس منقولا من أتينا ، لأن ذلك لم ينقل عنهم (٤).

وقرأ حميد «أثبنا» من الثواب (٥) ، والضمير في «بها» (٦) عائد على المثقال وأنّث ضميره لإضافته لمؤنث (٧) ، فهو كقوله :

٣٧٢٣ ـ كما شرقت صدر القناة من الدّم (٨)

في اكتسابه التأنيث بالإضافة.

فصل

زعم الجبائي أنّ من استحق مائة جزء من العقاب فأتى بطاعة يستحق بها خمسين جزءا من الثواب فهذا الأقل ينحبط بالأكثر ، فيبقى الأكثر كما كان (٩). وهذه الآية تبطل قوله ، لأن الله تعالى تمدح بأنّ اليسير من الطاعة لا يسقط ولو كان الأمر كما قال الجبائي لسقطت الطاعة من غير فائدة (١٠). فإن قيل : الحبة أعظم من الخردلة فكيف قال : (حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ)؟ فالوجه فيه أن تفرض الخردلة كالدينار ثم تعتبر الحبة من ذلك الدينار. والغرض المبالغة في أنّ شيئا من الأعمال صغيرا كان أو كبيرا غير ضائع عند الله (١١). ثم قال : (وَكَفى بِنا حاسِبِينَ).

قال السّديّ : محصين (١٢). والحسب : معناه العد. قال ابن عباس : عالمين

__________________

(١) في الأصل : بدل وهو تحريف.

(٢) تفسير ابن عطية ١٠ / ١٥٩.

(٣) أصل أحد وأناة : وحد ووناة ، فإبدال الواو هنا همزة سماعيّ.

(٤) التبيان ٢ / ٩١٩.

(٥) المختصر (٩٢) ، الكشاف ٣ / ١٣ ، البحر المحيط ٦ / ٣١٦.

(٦) في ب : باها. وهو تحريف.

(٧) انظر الكشاف ٣ / ١٣ ، البحر المحيط ٦ / ٣١٦.

(٨) عجز بيت من الطويل قاله الأعشى وصدره :

وتشرق بالقول الّذي قد أذعته

وسبق تخريجه.

(٩) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ١٧٧.

(١٠) المرجع السابق.

(١١) المرجع السابق.

(١٢) انظر البغوي ٥ / ٤٩١.

٥١٤

حافظين ، لأنّ من حسب (١) شيئا علمه وحفظه (٢).

والغرض منه التحذير فإنّ المحاسب إذا كان عالما بحيث لا يمكن أن يفوته شيء ، وكان في القدرة بحيث لا يعجز عن شيء فحقيق بالعاقل أن يكون شديد الخوف منه (٣).

قوله تعالى : (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَهارُونَ الْفُرْقانَ وَضِياءً وَذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ (٤٨) الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ (٤٩) وَهذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ أَنْزَلْناهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ)(٥٠)

قوله تعالى : (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَهارُونَ الْفُرْقانَ) الآية. لما أمر رسوله (٤) أن يقول (إِنَّما أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ)(٥) أتبعه بأنه عادة الله في الأنبياء قبله. (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَهارُونَ الْفُرْقانَ) يعني : الكتاب المفرق بين الحق والباطل ، وهو التوراة ، وكان «ضياء» لغاية وضوحه يتوصل به إلى طرق الهدى في معرفة (٦) الشرائع ، وكان «ذكرى» أي موعظة أو ذكر ما يحتاجون إليه في دينهم ومصالحهم.

وقال ابن زيد : الفرقان النصر على الأعداء كقوله تعالى : (وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ)(٧) يعني : يوم بدر حين فرق بين الحق والباطل (٨). وهو مروي عن ابن عباس ، ولأنه أدخل الواو في قوله «وضياء» أي : آتينا موسى النصر والضياء ، وهو التوراة ، لأنّ العطف يقتضي المغايرة. وقيل : المراد بالفرقان : البرهان الذي فرق به بين الحق والباطل. وقال الضحاك : الفرقان هو فلق البحر.

وقال محمد بن كعب : الفرقان الخروج عن الشبهات (٩). ومن قال المراد بالفرقان : التوراة قال : الواو في قوله : «وضياء» تكون من عطف الصفات ، والمراد به شيء واحد ، أي : آتيناه الجامع بين هذه الأشياء. وقيل : الواو زائدة (١٠). قال أبو البقاء ف «ضياء» حال على هذا (١١). وإنما خصص الذكر بالمتقين كما في قوله (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ)(١٢).

قوله : (الَّذِينَ يَخْشَوْنَ) في محله ثلاثة أوجه : (الجر على النعت أو البدل أو البيان ، والنصب والرفع على القطع) (١٣). وفي معنى «الغيب» وجوه :

__________________

(١) في الأصل : لأن من حفظ حسب.

(٢) انظر البغوي ٥ / ٤٩١.

(٣) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ١٧٧ ـ ١٧٨.

(٤) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٢ / ١٧٩.

(٥) [الأنبياء : ٤٥].

(٦) في الأصل : موعظة وهو تحريف.

(٧) [الأنفال : ٤١].

(٨) انظر البغوي ٥ / ٤٩١.

(٩) آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢٢ / ١٧٩.

(١٠) على مذهب الكوفيين والأخفش ، أما البصريون فلا يرون زيادتها ولا تأتي عندهم إلا للعطف. انظر معاني القرآن وإعرابه للزجاج ٣ / ٣٩٤ والمغني ٢ / ٣٦٢.

(١١) التبيان ٢ / ٩١٩.

(١٢) [البقرة : ٢].

(١٣) انظر الكشاف ٣ / ١٣ ، التبيان ٢ / ٩١٩.

٥١٥

الأول : «يخشون» أي : يخافون ربهم ولم يروه فيأتمرون بأوامره ، وينتهون عن نواهيه.

وثانيها : يخشون ربهم وهم غائبون عن الآخرة وأحكامها.

وثالثها : يخشون ربهم في الخلوات إذا غابوا عن الناس (١)(وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ) خائفون. ثم قال : ولما أنزلت عليه الفرقان فكذلك هذا القرآن المنزل عليك وهو معنى قوله : (وَهذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ) يعني: القرآن «ذكر» لمن تذكر به «مبارك» يتبرك به ، ويطلب منه الخير ، «أفأنتم» يا أهل مكة (لَهُ مُنْكِرُونَ) جاحدون ، استفهام إنكار وتوبيخ (٢) ، والمعنى : لا إنكار في إنزاله وفي عجائب ما فيه.

قوله تعالى : (وَلَقَدْ آتَيْنا إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عالِمِينَ (٥١) إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ما هذِهِ التَّماثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَها عاكِفُونَ (٥٢) قالُوا وَجَدْنا آباءَنا لَها عابِدِينَ (٥٣) قالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٥٤) قالُوا أَجِئْتَنا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللاَّعِبِينَ (٥٥) قالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلى ذلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ)(٥٦)

قوله تعالى : (وَلَقَدْ آتَيْنا إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ) الآية. «رشده» مفعول ثان.

وقرأ العامة «رشده» بضم الراء وسكون الشين. وعيسى الثقفي بفتحها (٣). والرّشد والرّشد كالعدم والعدم (٤) ، وقد تقدم الكلام عليهما (٥). والمراد بالرّشد (٦) : النبوة لقوله (وَكُنَّا بِهِ عالِمِينَ) ، لأنه تعالى إنّما يخص بالنبوة من يعلم من حاله أنه في المستقبل يقوم بحقها ويجتنب ما لا (٧) يليق بها ويحترز عما ينفر قومه من القبول.

وقيل : الرّشد : الاهتداء لوجوه الصلاح في الدين والدنيا لقوله تعالى : (فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً)(٨) وقيل : يدخل تحت الرشد النبوة والاهتداء (٩).

__________________

(١) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ١٧٩. وفي ب : الساعة. وهو تحريف.

(٢) انظر البحر المحيط ٦ / ٣١٧.

(٣) المختصر (٩٢) ، البحر المحيط ٦ / ٣٢٠. وفي ب بفتحها. وهو تحريف.

(٤) في ب : والعدم كالعدم. وهو تحريف. الرّشد والرّشد نقيض الغيّ ، رشد الإنسان بالفتح يرشد رشدا ، ورشد بالكسر يرشد رشدا. اللسان (رشد).

العَدَم والعُدْم والعُدُم فقدان الشيء وذهابه ، وغلب على فقد المال وقلته عدمه يعدمه عدما وعدما.

اللسان (عدم).

(٥) عند قوله تعالى : «وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ» [الأعراف : ١٤٦] ، وذكر هناك أنهما لغتان في المصدر كالبخل والبخل والسّقم والسّقم ، وقال أبو عمرو بن العلاء الرشد بضم وسكون الصلاح في النظر ، وبفتحتين الدين. انظر اللباب ٤ / ٩٩.

(٦) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٢ / ١٧٩ ـ ١٨٠.

(٧) لا : سقط من الأصل.

(٨) [النساء : ٦].

(٩) آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢٢ / ١٧٩ ـ ١٨٠.

٥١٦

قوله : (مِنْ قَبْلُ)(١) أي : من قبل موسى وهارون ، قاله ابن عباس ، وهذا أحسن ما قدر به المضاف إليه (٢) وقيل : من قبل بلوغه أو نبوته حين كان في السرب فظهرت له الكواكب ، فاستدل بها ، وهذا على قول من حمل الرشد على الاهتداء وإلا لزمه أن يحكم بنبوته ـ عليه‌السلام (٣) ـ قبل البلوغ. قاله مقاتل.

وروى الضحاك عن ابن عباس معنى (مِنْ قَبْلُ) أي : حين كان في صلب آدم لما أخذ الله ميثاق النبيين (٤).

والضمير في «به» يعود على «إبراهيم». وقيل : على «رشده» (٥).

والمعنى : أنه تعالى علم منه أشياء بديعة وأسرارا عجيبة حتى أهّله لأن يكون (٦) خليلا له ، وهذا كقولك في رجل كبير : أنا عالم بفلان ، فإنّ هذا الكلام في الدلالة على تعظيمه أدل مما إذا شرحت حال كماله (٧).

فصل (٨)

دلّت الآية على أنّ الإيمان مخلوق لله تعالى ، لأنّه لو كان الرشد هو التوفيق والبيان ، وقد فعل الله تعالى ذلك بالكفار فيجب أن يكون قد آتاهم رشدهم.

وأجاب الكعبي : بأنّ هذا يقال فيمن قبل لا فيمن ردّ ، وذلك كمن أعطى المال لولدين فقبله أحدهما وثمره ، وردّه الآخر أو أخذه ثم ضيعه ، يقال : أغنى فلان ابنه فيمن ثمر المال ، ولا يقال فيمن ضيع. وهذا الجواب لا يتم إلا إذا جعلنا قبوله جزءا من مسمى الرّشد وذلك باطل ، لأنّ المسمى إذا كان متركبا من جزأين ولا يكون أحدهما مقدور (٩) الفاعل لم يجز إضافة ذلك المسمى إلى ذلك الفاعل ، فكان يلزم أن لا يجوز (١٠) إضافة الرشد إلى الله تعالى بالمفعولية (١١) لكن النص وهو قوله (وَلَقَدْ آتَيْنا إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ) صريح في أنّ ذلك الرشد إنما حصل من الله تعالى فبطل قوله.

قوله : «إذ قال» يجوز أن يكون منصوبا ب «آتينا» أو ب «رشده» أو ب «عالمين» أو بمضمر أي : اذكر وقت قوله (١٢). وجوّز أبو البقاء فيه أن يكون بدلا من موضع

__________________

(١) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٢ / ١٨٠. بتصرف.

(٢) في الأصل : ما قدره المضاف إليه. وفي ب : ما قدر به المضاف به. وما أثبته هو الصواب.

(٣) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(٤) آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢٢ / ١٨٠.

(٥) انظر البحر المحيط ٦ / ٣٢٠.

(٦) في ب : لأن لا يكون. وهو تحريف.

(٧) انظر الكشاف ٣ / ١٣.

(٨) هذا الفصل نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٢ / ١٨٠.

(٩) في ب : معدود. وهو تحريف.

(١٠) في النسختين : أن يجوز. وما أثبته هو الصواب.

(١١) في النسختين بالمنقولة. وما أثبته هو الصواب.

(١٢) انظر الكشاف ٣ / ١٤ ، التبيان ٢ / ٩٢٠ ، البحر المحيط ٦ / ٣٢٠.

٥١٧

«قبل» (١). أي : أنه يحل محله فيصح المعنى إذ يصير التقدير : ولقد آتيناه رشده إذ قال. وهو بعيد من المعنى بهذا التقدير.

قوله : (ما هذِهِ التَّماثِيلُ) أي : الصور ، يعني : الأصنام. والتمثال : اسم للشيء المصنوع (٢) مشبها بخلق من خلق الله. وأصله من مثّلت الشيء بالشيء : إذا شبهته به ، فاسم ذلك الممثّل تمثال (٣). والتّماثيل : جمع تمثال ، وهو الصورة المصنوعة من رخام ، أو نحاس ، أو خشب ، أو حديد ؛ يشبه بخلق الآدمي وغيره من الحيوانات ، قال امرؤ القيس :

٣٧٢٤ ـ فيا ربّ يوم قد لهوت وليلة

بآنسة كأنّها خطّ تمثال (٤)

قوله : «لها» قيل : اللام للعلة ، أي : عاكفون لأجلها (٥). وقيل : بمعنى (على) ، أي : عاكفون عليها (٦). وقيل : ضمّن «عاكفون» معنى (٧) عابدين فلذلك أتى باللام (٨) وقال أبو البقاء : وقيل : أفادت معنى الاختصاص (٩).

وقال الزمخشري : لم ينو للعاكفين مفعولا ، وأجراه مجرى ما لا يتعدى كقوله : فاعلون العكوف لها ، أو واقفون لها. فإن قلت : هلّا قيل : عليها عاكفون كقوله : (يَعْكُفُونَ عَلى أَصْنامٍ لَهُمْ)(١٠) قلت : لو قصد التعدية لعداه بصلته (١١) التي هي (١٢) «على» (١٣).

قال شهاب الدين : الأولى أن تكون اللام للتعليل وصلة «عاكفون» محذوفة أي : عاكفون عليها ، أي (١٤) : لأجلها لا لشيء آخر (١٥).

قوله : (قالُوا وَجَدْنا آباءَنا لَها عابِدِينَ) «عابدين» مفعول ثان ل «وجدنا» و«لها» لا تعلق له ، لأنّ اللام زائدة في المفعول به (١٦) لتقدمه (١٧).

__________________

(١) قال أبو البقاء : (لا يجوز أن يكون بدلا من موضع «من قبل») التبيان ٢ / ٩٢٠.

(٢) في النسختين : الموضوع. والصواب ما أثبته.

(٣) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ١٨٠ ، القرطبي ١١ / ٢٩٦.

(٤) البيت من بحر الطويل قاله امرؤ القيس ، وهو في ديوانه ٢٩ ، المقرب ٢١٩ والبحر المحيط ٦ / ٣١٨ ، المغني ١ / ١٣٥ ، ٢ / ٥٨٧ ، شرح التصريح ٢ / ١٨ ، الهمع ٢ / ٢٦ شرح شواهد المغني ١ / ٣٤١ ، ٣٩٣ ، الدرر ٢ / ١٨.

(٥) انظر التبيان ٢ / ٩٢٠. البحر المحيط ٦ / ٣٢٠.

(٦) المرجعان السابقان.

(٧) في ب : بمعنى. وهو تحريف.

(٨) انظر البحر المحيط ٦ / ٣٢٠.

(٩) التبيان ٢ / ٩٢٠.

(١٠) [الأعراف : ١٣٨].

(١١) في النسختين : بصلة. والصواب ما أثبته.

(١٢) هي : تكملة من الكشاف.

(١٣) الكشاف ٣ / ١٤.

(١٤) أي : سقط من الأصل.

(١٥) الدر المصون ٥ / ٥١.

(١٦) في ب : المعلول. وهو تحريف.

(١٧) وهذه اللام تسمى لام التقوية ، وهي المزيدة لتقوية عامل ضعف إما بتأخيره أو بكونه فرعا في العمل ، وقد اجتمع التأخير والفرعية هنا. المغني ١ / ٢١٧.

٥١٨

فصل

اعلم أنّ القوم لم يجدوا في جوابه إلّا طريقة التقليد فأجابوه بأنّ آباءهم سلكوا هذا الطريق ، فاقتدوا بهم ، فلا جرم أجابهم إبراهيم ـ عليه‌السلام (١) ـ بقوله (٢) : (لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) فبين أنّ الباطل لا يصير حقا بكثرة المتمسكين به (٣). قوله : «أنتم» تأكيد للضمير المتصل.

قال الزمخشري : و«أنتم» من التأكيد الذي لا يصح الكلام مع الإخلال (٤) به ، لأن العطف على ضمير هو في حكم بعض الفعل ممتنع ، ونحوه (اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ)(٥). قال أبو حيان : وليس هذا حكما مجمعا عليه فلا يصح الكلام مع الإخلال (٦) به ، لأنّ الكوفيين يجيزون العطف على الضمير المتصل المرفوع من غير تأكيد بالضمير المنفصل ، ولا فصل (٧) ، وتنظير (٨) ذلك ب (اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ) مخالف لمذهبه في (اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ) لأنه يزعم أنّ «وزوجك» ليس معطوفا على الضمير المستكن في «اسكن» بل مرفوع بفعل مضمر أي : وليسكن ، فهو عنده من قبيل عطف الجمل(٩) ، وقوله (١٠) هذا (١١) مخالف لمذهب (١٢) سيبويه (١٣).

__________________

(١) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(٢) بقوله : سقط من ب.

(٣) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ١٨٠.

(٤) في ب : الإضلال. وهو تحريف.

(٥) [البقرة : ٣٥] ، [الأعراف : ١٩]. الكشاف ٣ / ١٤.

(٦) في ب : الإخلاط. وهو تحريف.

(٧) سبق أن بينت عند قوله تعالى : «فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً لا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنْتَ مَكاناً سُوىً» [طه : ٥٨] أنه لا يجوز العطف على الضمير المرفوع المتصل إلا بعد تأكيده بالضمير المنفصل أو فصل يقوم مقام التأكيد. وهو مذهب البصريين. أما الكوفيون فيجوزون العطف على هذا الضمير بلا فصل اختيارا حكي : مررت برجل سواء والعدم ، وفي الصحيح «كنت وأبو بكر وعمر ، وفعلت وأبو بكر وعمر ، وانطلقت وأبو بكر وعمر». وهذا الحديث يحتمل أن يكون مرويّا بالمعنى.

انظر الهمع ٢ / ١٣٨ ـ ١٣٩.

(٨) في ب : وينظر. وهو تحريف.

(٩) وكلام الزمخشري عند هذه الآية مخالف لما حكاه أبو حيان عنه فإنه قال : (و«أنت» تأكيد للمستكن في «أسكن» ليصح العطف عليه) الكشاف ١ / ٦٣ فيفهم من كلامه أنه من عطف المفردات لا من عطف الجمل.

(١٠) في ب : وقويله. وهو تحريف.

(١١) في النسختين : هنا.

(١٢) في ب : لمذهبه. وهو تحريف.

(١٣) البحر المحيط ٦ / ٣٢٠. ذلك أنّ مذهب سيبويه في مسألة العطف على الضمير المرفوع المتصل كمذهب البصريين في ذلك حيث قال سيبويه في كتابه : (وأمّا ما يقبح أن يشركه المظهر فهو المضمر في الفعل المرفوع ، وذلك قولك : فعلت وعبد الله وأفعل وعبد الله) ثم ذكر تعليل الخليل لقبحه ، ثم قال : (فإن نعته حسن أن يشركه المظهر ، وذلك قولك : ذهبت أنت وزيد ، وقال الله عزوجل «اذهب أَنْتَ وَرَبُّكَ» [المائدة : ٢٤] «واسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ» [البقرة : ٣٥][الأعراف : ١٩] وذلك أنك لما وصفته حسن الكلام حيث طوله وأكده) الكتاب ٢ / ٣٧٨.

٥١٩

قال شهاب الدين : لا يلزم من ذلك أنه خالف مذهبه إذ يجوز أن ينظر بذلك عند من يعتقد ذلك(١) وإن لم يعتقده (هو (٢)) (٣).

و (فِي ضَلالٍ) يجوز أن يكون خبرا إن كانت (كان) ناقصة ، أو متعلقا ب «كنتم» إن كانت تامة.

قوله : (أَجِئْتَنا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ) لما حقق عليه‌السلام (٤) ذلك عليهم ، ولم يجدوا من كلامه مخلصا ورأوه منكرا عليهم مع كثرتهم (قالُوا أَجِئْتَنا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ) فأوهموه بهذا الكلام أنه يبعد أن يقدم على الإنكار عليهم جادا في ذلك ، وقالوا : أجاد أنت فيما تقول أم لاعب ، فأجابهم بقوله ـ عليه‌السلام (٥) ـ (بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) الآية (٦). قوله «بالحقّ» متعلق ب «جئت» ، وليس المراد به (٧) حقيقة المجيء إذ لم يكن غائبا (٨). و«أم أنت» «أم» متصلة (٩) وإن كان بعدها جملة ، لأنها في حكم المفرد إذ التقدير : أي الأمرين واقع مجيئك بالحق أم لعبك كقوله :

٣٧٢٥ ـ ما أبالي أنبّ بالحزن تيس

أم لحاني (١٠) بظهر غيب لئيم (١١)

وقوله (١٢) :

٣٧٢٦ ـ لعمرك ما أدري ، وإن كنت داريا

شعيث بن سهم أم شعيث بن منقر (١٣)

__________________

(١) ذلك : سقط من الأصل.

(٢) الدر المصون ٥ / ٥١.

(٣) ما بين القوسين سقط من ب.

(٤) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(٥) في ب : فأجابهم عليه الصلاة والسلام بقوله.

(٦) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ١٨١.

(٧) في ب : أنه. وهو تحريف.

(٨) انظر البحر المحيط ٦ / ٣٢٠.

(٩) أم المتصلة هي التي يتقدم عليها همزة التسوية نحو «سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ» [المنافقون : ٦] أو يتقدم عليها همزة يطلب بها وب (أم) التعيين نحو أزيد في الدار أو عمرو؟ انظر المغني ١ / ٤١.

(١٠) في النسختين : حقاني. وهو تحريف.

(١١) البيت من بحر الخفيف قاله حسان بن ثابت ، وهو في شرح الديوان (٤٣٤) والكتاب ٣ / ١٨١ والمقتضب ٣ / ٢٩٨ ، أمالي ابن الشجري ٢ / ٣٣٤ ، المقاصد النحوية ٤ / ١٣٥ ، الخزانة ١١ / ١٥٥.

(١٢) وقوله : سقط من ب.

(١٣) البيت من بحر الطويل نسبه سيبويه إلى الأسود بن يعفر ونسبه المبرد في الكامل إلى اللعين المنقري ، وهو في الكتاب ٣ / ١٧٥ ، المقتضب ٣ / ٢٩٤ ، الكامل ٢ / ٧٩٣ ٣ / ١٠٩٥ ، المحتسب ١ / ٥٠ ، المغني ١ / ٤٢ ، المقاصد النحوية ٤ / ١٣٨ ، شرح التصريح ٢ / ١٤٣ ، الهمع ٢ / ١٣٢ ، شرح شواهد المغني ١ / ١٣٨ ، الأشموني ٣ / ١٠١ ، ١٠٤ ، الخزانة ١١ / ١٢٨ ، الدرر ٢ / ١٧٥. شعيث : حي من تميم ، ثم من بني منقر ، فجعلهم أدعياء ، وشك في كونهم منهم أو من بني سهم. وسهم : حي من قيس. والشاهد فيه وقوع (أم) المتصلة بين جملتين اسميتين.

واستشهد به سيبويه على حذف همزة الاستفهام ضرورة لدلالة (أم) عليها.

٥٢٠