اللّباب في علوم الكتاب - ج ١٣

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي

اللّباب في علوم الكتاب - ج ١٣

المؤلف:

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي


المحقق: عادل أحمد عبد الموجود و علي محمّد معوّض
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-2298-3

الصفحات: ٦٤٠

الوزر. والضمير في «فيه» يعود ل «وزرا» ، والمراد فيه (١) العقاب المتسبب عن الوزر ، وهو الذّنب ، فأقيم السبب مقام المسبب. وقرأ داود (بن رفيع (٢)) (٣) «ويحمّل» مضعفا مبنيّا للمفعول (٤) ، والقائم مقام فاعله ضمير «من» و(٥) «وزرا» مفعول ثان (٦). قوله : «وساء» هذه ساء التي بمعنى بئس (٧) وفاعلها مستتر فيها يعود إلى «حملا» المنصوب على التمييز ، لأن هذا الباب يفسر الضمير فيه بما بعده ، والتقدير : وساء الحمل حملا ، (والمخصوص بالذم محذوف تقديره : وساء الحمل حملا وزرهم) (٨). ولا يجوز أن يكون الفاعل لبئس ضمير الوزر ، لأن شرط الضمير في هذا الباب أن يعود على نفس (٩) التمييز (١٠). فإن قلت (١١) : ما أنكرت أن يكون في «ساء» ضمير الوزر. قلت : لا يصح أن يكون في «ساء» وحكمه حكم بئس ضمير شيء بعينه غير مبهم (١٢). ولا جائز (١٣) أن يكون «ساء» هنا بمعنى (أهمّ وأحزن) فتكون متصرفة كسائر الأفعال (١٤).

قال الزمخشري : كفاك (١٥) صادّا عنه أن (١٦) يؤول كلام الله تعالى إلى قولك (١٧) وأحزن (١٨) الوزر لهم يوم القيامة حملا ، وذلك بعد (١٩) أن تخرج عن عهدة هذه اللام وعهدة هذا (٢٠) المنصوب (٢١). انتهى. واللام في «لهم» متعلقة بمحذوف على سبيل البيان كهي في (هَيْتَ لَكَ)(٢٢) والمعنى بئس ما حملوا على أنفسهم من الإثم كفرا

__________________

(١) في ب : والضمير في ذلك هو. وهو تحريف.

(٢) لم أجد له ترجمة فيما رجعت إليه من مراجع.

(٣) ما بين القوسين سقط من ب.

(٤) المختصر ٩٨ ، ٩٠ ، القرطبي ١١ / ٢٤٤ ، البحر المحيط ٦ / ٢٧٨.

(٥) و : سقط من ب.

(٦) انظر البحر المحيط ٦ / ٢٧٨.

(٧) في لزوم إنشاء الذم ، ولها حينئذ نفس الأحكام الثانية لبئس من كون الفاعل مقرونا بأل نحو ساء الرجل أبو جهل ، أو مضافا لما فيه أل نحو ساء حطب النار أبو لهب. أو مفسرا بتمييز كما هنا. وانظر ذلك في شرح الأشموني ٣ / ٦٣ ـ ٤٣ (باب نعم وبئس).

(٨) ما بين القوسين سقط من ب.

(٩) نفس : سقط من ب.

(١٠) وهو من المواضع التي يعود فيها الضمير على متأخر لفظا ورتبة. انظر الكشاف ٢ / ٤٤٦ ، التبيان ٢ / ٩٠٤. المغني ٢ / ٤٨٩.

(١١) في ب : فإن قيل.

(١٢) الكشاف ٢ / ٤٤٦.

(١٣) في ب : ولا يجوز.

(١٤) لأن «ساء» لما ضمّن معن «بئس» صار جامدا ولزمه إنشاء الذم مبالغة. الأشموني ٣ / ٣٩.

(١٥) في ب : لفي. وهو تحريف.

(١٦) في ب : أنه.

(١٧) قولك : تكملة من الكشاف.

(١٨) في ب : أهمّ وأحزن.

(١٩) في الأصل : بعيد. وهو تحريف.

(٢٠) في ب : هذه. وهو تحريف.

(٢١) الكشاف ٢ / ٤٤٦.

(٢٢) من قوله تعالى : «وَراوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِها عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوابَ وَقالَتْ هَيْتَ لَكَ قالَ مَعاذَ اللهِ» [يوسف : ٣٢] فيمن قرأ «هيت» بهاء مفتوحة وياء ساكنة وتاء مفتوحة أو مكسورة أو مضمومة فهي اسم ـ

٣٨١

بالقرآن. قوله : (يَوْمَ يُنْفَخُ)(١) «يوم» بدل من (يَوْمَ الْقِيامَةِ)(٢) ، أو بيان له أو منصوب بإضمار فعل ، أو خبر مبتدأ مضمر ، وبني (٣) على الفتح على رأي الكوفيين كقراءة (هذا يَوْمُ يَنْفَعُ)(٤) وقد تقدّم. وقرأ أبو عمرو «ننفخ» مبنيّا للفاعل بنون العظمة كقوله : «ونحشر» أسند الفعل إلى (٥) الأمر به تعظيما للمأمور ، وهو إسرافيل. والباقون بالياء مضمومة مفتوح الفاء على البناء للمفعول (٦) ، والقائم (٧) مقام الفاعل الجار والمجرور (٨) بعده. والعامة على إسكان الواو «في الصّور».

وقرأ الحسن وابن عامر (٩) بفتحها جمع صورة كغرف جمع غرفة ، وقد تقدم القول في الصّور في الأنعام (١٠) (وقرىء : «ينفخ ، ويحشر» بالياء مفتوحة مبنيا للفاعل (١١) ، وهو الله تعالى أو الملك) (١٢). وقرأ الحسن وحميد «ينفخ» كالجمهور (١٣) ، «ويحشر» بالياء مفتوحة مبنيا للفاعل (١٤) ، والفاعل (١٥) كما تقدم ضمير الباري أو ضمير الملك. وروي

__________________

ـ فعل ، ويكون مسماه فعل أمر بمعنى أقبل أو تعال ، فاللام للتبيين أي إرادتي لك أو أقول لك. واللام في الآية التي معنا للبيان وهي متعلقة بمحذوف ، لأن الجار والمجرور لا يتعلق بالجامد. انظر المغني ١ / ٢٢٢.

(١) في ب : يوم ينفخ في الصّور.

(٢) في الآية السابقة : (١٠٠). البحر المحيط ٦ / ٢٧٨.

(٣) في ب : وهو. وهو تحريف.

(٤) من قوله تعالى : «قالَ اللهُ هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ» [المائدة : ١١٩] وذكر ابن عادل هناك : الجمهور على رفعه من غير تنوين ونافع على نصبه من غير تنوين ، فأما قراءة الجمهور فواضحة على المبتدأ والخبر ، فالجملة في محل نصب بالقول ، وجملة (يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ) في محل جر بالإضافة ، وأما قراءة نافع ف «هذا» مبتدأ ، و«يوم» خبره كالقراءة الأولى ، وإنما بني الظرف لإضافته إلى الجملة الفعلية وإن كانت معربة وهذا مذهب الكوفيين ، واستدلوا عليه بهذه القراءة وأما البصريون فلا يجيزون البناء إلا إذا صدّرت الجملة المضاف إليها بفعل ماض وخرّجوا هذه القراءة على أنّ «يوم» منصوب على الظرف ، وهو متعلق في الحقيقة بخبر المبتدأ ، أي : هذا واقع أو يقع في يوم ينفع ، و«ينفع» في محل خفض بالإضافة.

(٥) في ب : في. وهو تحريف.

(٦) السبعة (٤٢٤) ، الحجة لابن خالويه (٢٤٧) ، الكشف ٢ / ١٠٦ ، النشر ٢ / ٣٣٢ ، الإتحاف (٣٠٧).

(٧) في ب : وهو القائم. وهو تحريف.

(٨) في ب : على الجار والمجرور. وهو تحريف.

(٩) في ب : وابن عامر في رواية.

(١٠) عند قوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ) [الأنعام : ٧٣].

(١١) البحر المحيط ٦ / ٢٧٨.

(١٢) ما بين القوسين سقط من ب.

(١٣) في ب : وقرأ «ينفخ» «ويحشر» كالجمهور. وهو تحريف.

(١٤) البحر المحيط ٦ / ٢٧٨.

(١٥) والفاعل : سقط من ب.

٣٨٢

عن الحسن أيضا «ويحشر» مبينّا للمفعول «المجرمون» (١) رفع به (٢) و«زرقا» حال من المجرمين (٣) ، والمراد زرقة العيون ، وجاءت الحال هنا بصفة تشبه اللازمة (٤) ، لأن أصلها على عدم اللزوم ، ولو قلت في الكلام : جاءني زيد أزرق العينين لم يجز (٥) إلا بتأويل (٦).

فصل

قيل : الصور قرن ينفخ فيه بدعائه الناس للحشر. وقيل : إنه جمع (٧) صورة ، والنّفخ نفخ الرّوح فيه ، ويدل عليه قراءة من قرأ «الصّور» بفتح الواو (٨).

والأول أولى لقوله تعالى : (فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ)(٩) والله تعالى يعرف الناس أمور الآخرة بأمثال ما شوهد في الدنيا ، ومن عادة الناس النفخ في البوق عند الأسفار وفي العساكر (١٠). والمراد من هذا النفخ هو النفخة الثانية لقوله بعد ذلك : (وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً) ، فالنفخ في الصور كالسبب لحشرهم ، فهو كقوله : (يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْواجاً)(١١)(١٢). والزرقة هي الخضرة في سواد العين ، فيحشرون زرق العيون سود الوجوه (١٣). فإن قيل : أليس أنّ الله تعالى (١٤) أخبر أنهم يحشرون عميا (١٥) فكيف يكون أعمى وأزرق (١٦)؟

__________________

(١) المختصر : (٩٠) ، البحر المحيط ٦ / ٢٧٨.

(٢) في ب : مفعول به. وهو تحريف.

(٣) انظر مشكل إعراب القرآن ٢ / ٧٧ ، القرطبي ١١ / ٢٤٤.

(٤) في ب : هاهنا من الملازمة. وهو تحريف.

(٥) في ب : لم يجز به. وهو تحريف.

(٦) الأصل في الحال أن تكون منتقلة ، وتأتي لازمة في :

أ ـ أن تكون مؤكدة لمضمون جملة قبلها نحو زيد أبوك عطوفا ، أو لعاملها نحو قوله تعالى : (وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا) [مريم : ٣٣] أو لصاحبها نحو قوله تعالى : (لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً) [يونس : ٩٩].

ب ـ أن يدل عاملها على تجدّد صاحبها وحدوثه نحو خلق الله الزرافة يديها أطول من رجليها ، ف (أطول) حال ملازمة من (يديها).

ج ـ أن مرجعها إلى السماع نحو قوله تعالى : (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ) [آل عمران : ١٨] إذا أعرب (قائما) حالا من فاعل (شهد). والآية التي بين أيدينا من النوع الثاني ، وفي المثال لا يمكن حمله على التجدد لعدم دلالة ذلك في العامل. انظر شرح التصريح ١ / ٣٦٧ ـ ٣٦٨.

(٧) في ب : اسم. وهو تحريف.

(٨) وهي قراءة الحسن وابن عامر.

(٩) [المدثر : ٨].

(١٠) الفخر الرازي ٢٢ / ١١٤.

(١١) [النبأ : ١٧].

(١٢) الفخر الرازي ٢٢ / ١١٤.

(١٣) وهو قول الضحاك ومقاتل. وانظر البغوي ٥ / ٤٥٧ ، والفخر الرازي ٢٢ / ١١٤.

(١٤) تعالى : سقط من ب.

(١٥) قال الله تعالى : «وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمًّا» [الإسراء : ٩٧].

(١٦) في ب : أعمى وأزرق العيون.

٣٨٣

فالجواب لعله يكون أعمى في حال ، وأزرق في حال (١).

وقيل : «زرقا» أي عميا (٢) ، قال الزجاج : يخرجون زرقا في أول الأمر ويعمون في المحشر (٣).

وسواد العين إذا ذهب تزرق (٤). فإن قيل : كيف يكون أعمى ، وقد (٥) قال الله تعالى : (لِيَوْمٍ (٦) تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ)(٧) وشخوص البصر (٨) من الأعمى محال ، وأيضا قد (٩) قال في حقهم : (اقْرَأْ كِتابَكَ)(١٠) والأعمى كيف يقرأ؟

فالجواب أن أحوالهم قد تختلف (١١). وقيل : المراد بقوله : «زرقا» أي زرق العيون ، والعرب تتشاءم بها. وقيل يجتمع مع الزرقة سواد (١٢) الوجه.

قال أبو مسلم : المراد بالزرقة شخوص أبصارهم ، والأزرق شاخص فإنه لضعف بصره يكون محدّقا نحو الشيء ، وهذه حال (١٣) الخائف المتوقع لما يكره ، وهي كقوله : (إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ) (١٤) (١٥)

وروى ثعلب عن ابن الأعرابي : «زرقا» عطاشا (١٦) ، قال لأنهم من شدة العطش يتغير سواد أعينهم حتى تزرقّ لقوله (١٧) تعالى : (وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلى جَهَنَّمَ وِرْداً)(١٨)(١٩) وحكى ثعلب عن ابن الأعرابي (٢٠) : «زرقا» طامعين (فيما لا ينالونه (٢١)) (٢٢).

فصل

قالت المعتزلة : لفظ المجرمين يتناول الكفار والعصاة فيدل على عدم العفو عن (٢٣)

__________________

(١) الفخر الرازي ٢٢ / ٤١١.

(٢) قاله الكلبي. انظر الفخر الرازي ٢٢ / ١١٤.

(٣) قال الزجاج : (يخرجون من قبورهم بصراء كما خلقوا أول مرة ويعمون في المحشر) معاني القرآن وإعرابه ٣ / ٣٧٦.

(٤) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ١١٤.

(٥) قد : سقط من ب.

(٦) في ب : يوم. وهو تحريف.

(٧) [إبراهيم : ٤٢].

(٨) في ب : الأبصار.

(٩) قد : سقط من ب.

(١٠) من قوله تعالى : «اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً» [الإسراء : ١٤].

(١١) الفخر الرازي ٢٢ / ١١٤.

(١٢) في ب : وقيل يجتمع بين الزرقة وسواد الوجه.

(١٣) في ب : حالة.

(١٤) [إبراهيم : ٤٢].

(١٥) الفخر الرازي ٢٢ / ١١٤.

(١٦) مجالس ثعلب ١ / ٣٢٥.

(١٧) في الأصل : كقوله.

(١٨) [مريم : ٨٦].

(١٩) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ١١٥.

(٢٠) في ب : عن ابن الأعرابي أيضا.

(٢١) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ١١٥.

(٢٢) ما بين القوسين في الأصل : على ما لا ينالوه ، وفي ب : على مما ينالوه.

(٢٣) في الأصل : عنهم.

٣٨٤

العصاة. وقال (١) ابن عباس : يريد بالمجرمين الذين اتخذوا مع الله إلها آخر وتقدم هذا البحث (٢).

قوله : «يتخافتون» يجوز أن يكون مستأنفا ، وأن يكون حالا ثانية من «المجرمين» (٣) ، وأن يكون حالا من الضمير المستتر في «زرقا» (٣) فتكون حالا متداخلة (٤) ، إذ هي حال (من حال) (٥). ومعنى «يتخافتون» أي : يتشاورون فيما بينهم ، ويتكلمون خفية (٦) ، يقال : خفت يخفت ، وخافت مخافتة (٧) ، والتّخافت السرار نظيره قوله تعالى (٨) : (فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً)(٩) ، وإنما يتخافتون ، لأنه امتلأت صدورهم من الرعب والهول ، أو لأنهم بسبب (١٠) الخوف صاروا في نهاية الضعف فلا يطيقون الجهر(١١). وقوله : (إِنْ لَبِثْتُمْ)(١٢) هو مفعول المارة (١٣) ، وقوله : (إِلَّا عَشْراً) يجوز أن يراد الليالي ، وحذف التاء من العدد قياسي (١٤). وأن يراد الأيام ، فيسأل لم حذفت التاء؟ فقيل (١٥) : إنه إذا لم يذكر المميز في عدد المذكر جازت التاء وعدمها (١٦) ، سمع من كلامهم : صمنا من الشهر خمسا (١٧) ، والصّوم إنما هو الأيام (١٨) ، دون اللّيالي. وفي الحديث «من صام رمضان وأتبعه بست من شوّال» (١٩) ، وحسن الحذف هنا لكونه رأس آية وفاصلة (٢٠).

__________________

(١) في الأصل : قال.

(٢) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ١١٤.

(٣) انظر التبيان ٢ / ٩٠٤.

(٣) انظر التبيان ٢ / ٩٠٤.

(٤) الحال المتداخلة : هي التي يكون صاحبها ضميرا في الحال الأولى.

(٥) ما بين القوسين سقط من ب.

(٦) في اللسان (خفت) : وتخافت القوم إذا تشاوروا سرّا ، وفي التنزيل العزيز :«يَتَخافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْراً».

(٧) في ب : يقال : خفت وخافة ومخافّة ومخفت. وهو تصحيف.

(٨) تعالى : سقط من ب.

(٩) [طه : ١٠٨].

(١٠) في ب : السبب.

(١١) انظر الرازي ٢٢ / ١١٥.

(١٢) في الأصل : «إن لبثتم إلا».

(١٣) في ب : المسارعة. وهو تحريف.

(١٤) لأن العدد من ثلاثة إلى عشرة يذكر مع المؤنث ، ويؤنث مع المذكر.

(١٥) في ب : مذكر.

(١٦) يؤنث العدد إذا كان المعدود مذكرا نحو : أربعة أيام وعشرة رجال. وإن كان المعدود محذوفا يجوز على الأفصح تأنيث العدد نحو : صمت خمسة ، أي خمسة أيام. وترك التأنيث. وعلى قوله تعالى :«أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً» [البقرة : ٢٣٤] وحديث : «من صام رمضان وأتبعه ستا من شوّال» الهمع ٢ / ١٤٨.

(١٧) حكاه الكسائي عن أبي الجراح. البحر المحيط ٦ / ٢٧٩ ، الهمع ٢ / ١٤٨ وهذا شاهد على جواز حذف التاء من العدد إذا كان المعدود مذكرا محذوفا.

(١٨) في ب : وإنما الصوم للأيام.

(١٩) أخرجة مسلم (صيام) ٢ / ٨٢٢ ، والترمذي (صوم) ٢ / ١٢٩ ـ ١٣٠ وابن ماجه (صيام) ١ / ٥٤٧ ، وأحمد ٥ / ٤١٧ ، ٤١٩.

(٢٠) البحر المحيط ٦ / ٢٧٩.

٣٨٥

فصل (١)

قال الحسن وقتادة والضحّاك : أرادوا به (٢) اللبث في الدنيا ، أي فما مكثتم في الدّنيا إلا عشر ليال ، واحتجّوا بقوله تعالى : (قالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ)(٣)(٤).

فإن قيل (٥) : إما (أن يقال) (٦) : إنهم قد (٧) نسوا قدر لبثهم في الدنيا أو (٨) ما نسوا ذلك والأول غير جائز ، إذ لو جاز ذلك لجاز أن يبقى الإنسان خمسين سنة في بلدة ثم ينسى.

والثاني غير جائز ، لأنه كذب ، وأهل الآخرة لا يكذبون لا سيّما وهذا الكذب لا فائدة فيه.

فالجواب من وجوه :

الأول : لعلّهم إذا حشروا في أول الأمر وعاينوا تلك الأهوال وشدة وقعها ذهلوا عن مقدار عمرهم في الدّنيا ، ولم (٩) يذكروا إلا القليل ، فقالوا : ليتنا ما عشنا إلا (١٠) تلك الأيام القليلة في الدنيا حتى لا نقع في هذه الأهوال ، والإنسان قد يذهل عند الهول الشديد ، وتمام تقريره مذكور في سورة الأنعام في قوله تعالى(١١): (ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ)(١٢).

وثانيها (١٣) : أنهم عالمون بمقدار عمرهم في الدنيا إلا إنّهم لمّا قابلوا أعمارهم في الدنيا بأعمار الآخرة وجدوها في نهاية القلة ، فقال بعضهم : ما لبثنا في الدنيا إلا عشرة أيام ، وقال أعقلهم : ما لبثنا إلّا يوما واحدا ، أي : قدر لبثنا في الدنيا بالقياس إلى قدر لبثنا في الآخرة كعشرة أيام بل كاليوم الواحد بل كالعدم ، وإنما خصّ العشرة والواحد (١٤) بالذكر ، لأن القليل في أمثال هذه المواضع لا يعبر عنه إلا بالعشرة والواحد.

وثالثها (١٥) : أنهم لما عاينوا الشدائد تذكّروا أيام النعمة (١٦) والسرور ، وتأسفوا عليها ، وصفوها بالقصر ، لأن أيام السرور قصار.

__________________

(١) فصل : سقط من ب.

(٢) في ب : إن أراد به. وهو تحريف.

(٣) [المؤمنون : ١١٢ ، ١١٣].

(٤) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ١١٥.

(٥) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٢ / ١١٥ ـ ١١٦.

(٦) ما بين القوسين سقط من ب.

(٧) قد : سقط من ب.

(٨) في ب : و. وهو تحريف.

(٩) في ب : وما. وهو تحريف.

(١٠) إلا : تكملة من الفخر الرازي.

(١١) تعالى : سقط من ب.

(١٢) [الأنعام : ٣٢].

(١٣) في ب : الثاني.

(١٤) في ب : الواحد والعشرة.

(١٥) في الأصل : وثانيها. وفي ب : الثالث.

(١٦) في ب : تذكروا أعمال ذلك وأيام النعمة.

وهو تحريف.

٣٨٦

ورابعها (١) : أن أيام الدنيا قد انقضت وأيام الآخرة مستقبلة ، والذاهب وإن طالت مدته قليل (٢) بالقياس إلى الآتي وإن قصرت مدته ، فكيف والأمر بالعكس. ولهذه (٣) الوجوه رجّح الله تعالى قول من بالغ في التقليل (٤) فقال : «إذ يقول أمثلهم طريقة إن لبثتم إلّا يوما». وقيل : المراد منه اللبث في القبر ، ويؤيده قوله تعالى : (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ ما لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ كَذلِكَ كانُوا يُؤْفَكُونَ (٥) وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمانَ (٦) لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللهِ إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ)(٧).

(فأمّا من جوّز الكذب على أهل القيامة فلا إشكال له في الآية) (٨) ، أما من لم يجوزه قال : إن (٩) الله تعالى لما أحياهم في الفترة وعذّبهم ، ثم أماتهم ثم بعثهم (١٠) يوم القيامة لم يعرفوا مقدار لبثهم في القبر كم كان؟ فخطر ببال بعضهم أنه في التقدير عشرة أيام.

وقال آخرون : إنه يوم واحد ، فلمّا وقعوا في العذاب مرة أخرى استثقلوا زمان الموت الذي هو زمان الخلاص لما نالهم من هول العذاب (١١).

وقيل : المراد باللبث بين النفختين ، وهو أربعون سنة ، لأن العذاب يرفع عنهم بين النفختين ، استقصروا مدة لبثهم لهول (١٢) ما عاينوا (١٣). والأكثرون على أنّ قوله (١٤) : (إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْراً) أي عشرة أيام ، فيكون قول من قال (إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْماً) أقل ، وقال مقاتل : (إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْراً) أي ساعات ، لقوله (تعالى : (كَأَنَّهُمْ (١٥) يَوْمَ يَرَوْنَها لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها)(١٦) وعلى هذا يكون اليوم أكثر (١٧).

ثم قال تعالى : (نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ) أي : يتشاورون (إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً) أي : أوفاهم عقلا وأعدلهم قولا (١٨)(إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْماً) قصر ذلك في أعينهم في جنب ما استقبلهم من الأهوال يوم القيامة. قيل : نسوا مقدار لبثهم لشدة ما دهمهم (١٩). قوله : «إذ يقول» منصوب ب «أعلم» و«طريقة» منصوب على التمييز (٢٠).

__________________

(١) في ب : الرابع.

(٢) في ب : قليلة. وهو تحريف.

(٣) في ب : وبهذه.

(٤) في ب : التعليل.

(٥) [الروم : ٥٥].

(٦) «الإيمان» : سقط من الأصل ، وفي ب : «وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمانَ».

(٧) [الروم : ٥٦].

(٨) ما بين القوسين سقط من ب.

(٩) في ب : أما لمن لم يجوزه فإن.

(١٠) في ب : ثم أحياهم أعني ثم بعثهم.

(١١) آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢٢ / ١١٥ ـ ١١٦.

(١٢) في ب : طلبوا. وهو تحريف.

(١٣) انظر البغوي ٥ / ٤٥٧.

(١٤) في ب : طلبوا. وهو تحريف.

(١٥) ما بين القوسين سقط من ب.

(١٦) [النازعات : ٤٦].

(١٧) الفخر الرازي ٢٢ / ١١٦.

(١٨) في ب : عقلا.

(١٩) انظر البغوي ٥ / ٤٥٧.

(٢٠) ما بين القوسين سقط من ب.

٣٨٧

قوله تعالى : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ فَقُلْ يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً (١٠٥) فَيَذَرُها قاعاً صَفْصَفاً (١٠٦) لا تَرى فِيها عِوَجاً وَلا أَمْتاً (١٠٧) يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ فَلا تَسْمَعُ إِلاَّ هَمْساً (١٠٨) يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً (١٠٩) يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً (١١٠) وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً (١١١) وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخافُ ظُلْماً وَلا هَضْماً)(١١٢)

قوله تعالى : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ) الآية ، (لما وصف لهم يوم القيامة) (١) حكى سؤال من لا يؤمن بالحشر. قال ابن عباس : سأل (٢) رجل من ثقيف رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فقال (٣) : كيف تكون الجبال يوم القيامة؟ فأنزل الله هذه الآية (٤). وقال الضحاك : نزلت في مشركي مكة ، قالوا يا محمد كيف تكون الجبال يوم القيامة؟ على سبيل الاستهزاء (٥).

«فقل يسسفها ربّي نسفا» وأجاب (٦) بفاء التعقيب ، لأن مقصودهم من (٧) هذا السؤال الطعن في الحشر والنشر ، فلا جرم أمره بالجواب (٨) مقرونا بحرف التعقيب ، لأن تأخير البيان في مثل هذه المسألة (٩) الأصولية غير جائز ، وأما المسائل الفروعية فجائز فلذلك ذكر هناك بغير حرف التعقيب (١٠). والضمير في «ينسفها» عائد إلى الجبال ، والنسف التذرية (١١). وقيل : القلع الذي يقلعها من أصلها ويجعلها هباء منثورا.

قال الخليل : «ينسفها» يذهبها ويطيّرها (١٢).

قوله : «فيذرها» في هذا الضمير وجهان (١٣) :

أحدهما : أنه ضمير الأرض ، أضمرت للدلالة عليها كقوله : «ما ترك على ظهرها من دابّة»(١٤)(١٥).

والثاني : ضمير الجبال ، وذلك على حذف مضاف أي فيذر مراكزها ومقارها (١٦)

__________________

(١) ما بين القوسين سقط من الأصل.

(٢) في الأصل : سئل. وهو تصحيف.

(٣) فقال : سقط من ب.

(٤) انظر البغوي ٥ / ٤٥٧ ـ ٤٥٨.

(٥) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ١١٧.

(٦) في ب : وأتى.

(٧) في الأصل : في.

(٨) في ب : بالسؤال. وهو تحريف.

(٩) في ب : الأسئلة. وهو تحريف.

(١٠) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ١١٧. وعبارة الفخر الرازي : (ذكر هناك (قل) من غير حرف التعقيب) ولعل مراده ب (هناك) قوله تعالى : «وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً» [الإسراء : ٨٥] والله أعلم.

(١١) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ١١٧.

(١٢) العين : (نسف).

(١٣) في ب : قولان.

(١٤) [فاطر : ٤٥].

(١٥) انظر التبيان ٢ / ٩٠٤.

(١٦) انظر البحر المحيط ٦ / ٢٧٩.

٣٨٨

و«يذر» يجوز أن يكون بمعنى يخلها ، فيكون «قاعا» (١) حالا (٢) ، وأن (٣) يكون بمعنى يترك التصييرية (٤) فيتعدى لاثنين ف «قاعا» ثانيهما (٥).

وفي القاع أقوال : فقيل : هو منتقع (٦) الماء ولا يليق (٧) معناه هنا.

وقيل : إنه (٨) المنكشف من الأرض قاله مكي (٩).

وقيل : إنه (١٠) المكان المستوي ، ومنه قوله ضرار بن الخطاب (١١) :

٣٦٩٠ ـ لتكوننّ بالبطاح قريش

بقعة (١٢) القاع في أكفّ الإماء (١٣)

وقيل : إنه (١٤) الأرض التي لا نبات فيها ولا بناء (١٥).

والصّفصف : الأرض الملساء ، وقيل : المستوية (١٦) ، فهما قريبان من المترادف (١٧) وجمع القاع أقوع وأقواع وقيعان (١٨).

قوله : «لا ترى فيها عوجا» يجوز في هذه الجملة أن تكون مستأنفة ، وأن تكون حالا من الجبال ، ويجوز أن تكون صفة للحال (١٩) المتقدمة وهي «قاعا» على أحد التأويلين ، أو صفة للمفعول الثاني على التأويل الآخر (٢٠).

وتقدم الكلام على العوج (٢١). وقال (٢٢) الزمخشري هنا : فإن قلت : قد فرّقوا بين

__________________

(١) «قاعا» : سقط من ب.

(٢) انظر مشكل إعراب القرآن ٢ / ٧٧ ، التبيان ٢ / ٩٠٤.

(٣) في ب : أو.

(٤) في ب : التفسيرية.

(٥) في ب : بينهما. وهو تحريف.

(٦) في ب : منقع.

(٧) في ب : فما أليق. وهو تحريف.

(٨) في ب : هو.

(٩) البحر المحيط ٦ / ٢٧١.

(١٠) في ب : هو.

(١١) هو ضرار بن الخطاب بن كثير الفهري ، كان فارسا شاعرا ، ويعد من أشعر شعراء قريش. انظر الإصابه في تمييز الصحابة ٥ / ١٩٠ ـ ١٩١.

(١٢) في النسختين : تعقعة.

(١٣) البيت من بحر الخفيف قاله ضرار بن الخطاب ، وهو في تفسير ابن عطية ١٠ / ٩٣ البحر المحيط ٦ / ٢٧٠.

(١٤) في ب : هي.

(١٥) قاله ابن الأعرابي. البحر المحيط ٦ / ٢٧٠.

(١٦) اللسان (صفف).

(١٧) في ب : الترادف.

(١٨) انظر الصحاح (قوع).

(١٩) في ب : الجبال. وهو تحريف.

(٢٠) تقدم أنه يجوز إعراب «قاعا» حالا إذا كانت «يذر» بمعنى يخل ومفعولا ثانيا إذا كانت بمعنى يترك التصييرية. انظر التبيان ٢ / ٩٠٤.

(٢١) عند قوله تعالى : «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً» [الكهف : ١] وذكر هناك : قال أهل اللغة العوج في المعاني كالعوج في الأعيان فالمراد منه نفي التناقض ، وقيل معناه لم يجعله مخلوقا. انظر اللباب ٥ / ٣٢٧.

(٢٢) في ب : فقال.

٣٨٩

العوج والعوج ، قالوا : العوج بالكسر في المعاني ، وبالفتح في الأعيان (١) ، والأرض عين ، فكيف صح فيها (٢) كسر العين. قلت : اختيار هذا اللفظ له موقع حسن بديع في وصف الأرض بالاستواء والملاسة (٣) ، ونفي الإعوجاج عنها على أبلغ ما يكون وذلك أنه لو عمدت إلى قطعة أرض فسويتها وبالغت في التسوية على عينيك وعيون (٤) البصراء ، واتفقتم على أنّه لم يبق فيها اعوجاج قط ، ثم استطلعت رأي (٥) المهندس فيها وأمرته أن يعرض استواءها على المقاييس الهندسية (٦) لعثر (٧) فيها على عوج في غير موضع لا يدرك ذلك بحاسة البصر ولكن (٨) بالقياس الهندسي ، فنفى الله تعالى ذلك العوج الذي دقّ ولطف عن الإدراك اللهم إلا بالقياس الذي يعرفه (٩) صاحب التقدير الهندسي ، وذلك الاعوجاج لمّا لم يدرك إلا بالقياس دون الإحساس ألحق بالمعاني ، فقيل فيه عوج بالكسر (١٠). والأمت (١١) النتوّ اليسير يقال : مدّ حبله حتى ما فيه أمت (١٢). وقيل : الأمت التل (١٣) ، وهو قريب من الأول.

وقيل : الشّقوق في الأرض. وقيل : الإكام (١٤).

وقال الحسن : العوج ما انخفض من الأرض ، والأمت ما نشز من الرّوابي. والمقصود من وصف الأرض بهذه الأوصاف أنها تكون في ذلك اليوم ملساء خالية عن الارتفاع والانخفاض وأنواع الانحراف والاعوجاج (١٥). قوله : «يومئذ» منصوب ب «يتّبعون» وقيل : بدل من (يَوْمَ الْقِيامَةِ) قاله (١٦) الزمخشري (١٧). وفيه نظر ، للفصل الكثير (١٨) وأيضا يبقى «يتّبعون» غير مرتبط بما قبله ، وبه (١٩) يفوت المعنى (٢٠) والتقدير : يوم إذ نسفت الجبال (٢١).

__________________

(١) وفي اللسان (عوج) : والعوج : وهو بفتح العين مختص بكل شخص مرئي كالأجسام وبالكسر بما ليس بمرئي كالرأي والقول. وقيل : الكسر يقال فيهما معا والأول أكثر.

(٢) في ب : فكيف يصح فيهما. وهو تحريف.

(٣) في ب : والملامسة. وهو تحريف.

(٤) في ب : وعين.

(٥) في ب : أمر.

(٦) الهندسية : سقط من ب.

(٧) في ب : يعثر.

(٨) في الأصل : لكن.

(٩) في ب : الذي يصرفه أي يعرفه. وهو تحريف.

(١٠) الكشاف ٢ / ٤٤٧.

(١١) في ب : فصل معنى الأمت.

(١٢) الكشاف ٢ / ٤٤٧.

(١٣) انظر البحر المحيط ٦ / ٢٧١.

(١٤) اللسان (أمت).

(١٥) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ١١٨.

(١٦) في ب : قال.

(١٧) قال الزمخشري : (ويجوز أن يكون بدلا بعد بدل من يوم القيامة) الكشاف ٢ / ٤٤٨.

(١٨) أي : لكثرة الفصل بين البدل والمبدل منه ، فقوله «يَوْمَ الْقِيامَةِ» في الآية (١٠٠) و«يومئذ» في الآية (١٠٨).

(١٩) في ب : وفيه. وهو تحريف.

(٢٠) حيث يكون قوله «يتبعون» كلاما مستأنفا.

(٢١) الكشاف ٢ / ٤٤٨.

٣٩٠

فصل (١)

«الدّاعي» إسرافيل ، والدّعاء هو النفخ في الصور ، أي يتبعون صوت الداعي الذي يدعوهم إلى موقف القيامة (٢). وقوله : (لا عِوَجَ لَهُ) أي لا يعدل عن أحد بدعائه بل يحشر الكلّ (٣). وقيل : لا عوج لدعائه ، وهو (٤) من المقلوب ، أي لا عوج لهم عن دعاء الدّاعي لا يعوجون عنه يمينا ولا شمالا (٥).

وقيل : إنه ملك قائم على صخرة بيت المقدس ينادي ويقول : أيّتها العظام النخرة ، والأوصال المتفرقة ، واللحوم المتمزقة قومي إلى عرض الرّحمن (٦).

قوله : (وَخَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ) أي : سكنت وذلّت وخضعت. وصف الأصوات (٧) بالخشوع والمراد أهلها (٨).

قوله : (فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً) الاستثناء (٩) مفعول به ، وهو استثناء مفرغ. والهمس : الصوت الخفي (١٠) ، قيل : هو تحريك الشفتين دون النطق (١١) قال (١٢) الزمخشري : وهو (١٣) الذكر (١٤) الخفي ، ومنه الحروف المهموسة (١٥).

وقال ابن عباس والحسن وعكرمة : الهمس : وطء الأقدام (١٦) أي : لا تسمع إلا خفق (١٧) الأرض بأقدامهم ، ومنه همست الإبل (إذا سمع ذلك من وقع) (١٨) أخفافها على الأرض ، قال (١٩) :

٣٦٩١ ـ وهنّ يمشين بنا (٢٠) هميسا (٢١)

__________________

(١) في ب : قوله.

(٢) انظر القرطبي ١١ / ٢٤٦ ـ ٢٤٧.

(٣) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ١١٨.

(٤) في ب : وهذا.

(٥) انظر البحر المحيط ٦ / ٢٨٠.

(٦) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ١١٨.

(٧) في ب : للأصوات. وهو تحريف.

(٨) حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه.

(٩) عبر بالمصدر عن اسم المفعول إذ المقام للمستثنى.

(١٠) قاله أبو عبيدة. مجاز القرآن ٢ / ٣٠.

(١١) وهذا المعنى عن ابن عباس. البحر المحيط ٦ / ٢٨٠.

(١٢) في ب : فصل قال.

(١٣) في الأصل : هو.

(١٤) في النسختين : الذكر. وما أثبته من الكشاف. والركز : الصوت الخفي.

(١٥) الكشاف ٣ / ٤٤٧. والحروف المهموسة عشرة أحرف يجمعها قولك : «حثه شخص فسكت».

والمهموس حرف أضعف الاعتماد في موضعه حتى جرى النفس معه ، وأنت تعرف ذلك إذا اعتبرت فردّدت الحرف مع جري النفس ، ولو أردت ذلك في المجهورة لم تقدر عليه. الكتاب ٤ / ٤٣٤.

(١٦) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ١١٨.

(١٧) في ب : خفف. وهو تحريف.

(١٨) ما بين القوسين في ب : فاسمع ذلك من وطء. وهو تحريف.

(١٩) في ب : قال الشاعر.

(٢٠) في ب : بها.

(٢١) رجز لم أهتد إلى قائله ، وهو في معاني القرآن للفراء ٢ / ١٩٢ ، الحجة لأبي علي ٢ / ٢٢٠ ، الحيوان : ٣ / ٤٠ ، القرطبي ١١ / ٢٤٧ ، العمدة ١ / ١١ ابن كثير ١ / ٢٣٧ ، اللسان (رفث ـ همس) الهميس : صوت وطء أخفاف الإبل. وهو الشاهد.

٣٩١

قوله : «يومئذ» بدل مما تقدم (١) ، أو منصوب بما بعد «لا» عند من يجيز ذلك (٢) والتقدير : يوم إذ يتّبعون لا تنفع الشّفاعة (٣).

قوله : (إِلَّا مَنْ أَذِنَ) فيه أوجه :

أحدها : أنه منصوب على المفعول به ، والناصب له «تنفع» (٤) و«من» حينئذ واقعة على المشفوع له (٥).

الثاني : أنّه في محل رفع بدلا من «الشّفاعة» (٦) ، ولا بدّ من حذف مضاف تقديره : إلا شفاعة من أذن له (٧).

الثالث : أنه منصوب على الاستثناء من «الشفاعة» بتقدير المضاف المحذوف وهو استثناء متصل على (٨) هذا (٩) ، ويجوز (١٠) أن يكون استثناء منقطعا إذا لم نقدر شيئا (١١) وحينئذ يجوز أن يكون منصوبا وهي لغة الحجاز ، أو مرفوعا وهي (١٢) لغة تميم (١٣) ، وكل هذه الأوجه واضحة.

(و«له») (١٤) في الموضعين (١٥) للتعليل (١٦) كقوله : «و (قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا)(١٧) أي لأجله ولأجلهم.

__________________

(١) أي : من «يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ». البحر المحيط ٦ / ٢٨٠.

(٢) قيل : إن «لا» ليس لها الصدر بخلاف «ما» وتقدم معمول ما بعدها عليها في نحو قوله تعالى : «يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها» [الأنعام : ١٥٨] دليل على ذلك. اللهم إلا أن تقع في جواب القسم ، فإن الحروف التي يتلقى بها القسم كلها لها المصدر. وقيل : لها الصدر مطلقا. وقيل : لا مطلقا. المغني ١ / ٢٤٥.

(٣) انظر البحر المحيط ٦ / ٢٨٠.

(٤) في ب : يقع. وهو تحريف.

(٥) انظر التبيان ٢ / ٩٠٤ ، البحر المحيط ٦ / ٢٨٠. على أن الاستثناء مفرغ.

(٦) في ب : من الشفاعة ذا. وهو تحريف.

(٧) انظر التبيان ٢ / ٩٠٥ ، البحر المحيط ٦ / ٢٨٠. على أن الاستثناء متصل ، وإعراب المستثنى بدلا من المستثنى منه مذهب البصريين ، وعند الكوفيين عطف نسق لأن «إلا» عندهم من حروف العطف في الاستثناء خاصة. الأشموني ٢ / ١٤٥.

(٨) في ب : وعلى.

(٩) لأنه بهذا التقدير يكون المستثنى بعضا من المستثنى منه.

(١٠) في ب : يجوز.

(١١) لأنه بدون تقدير المضاف يكون المستثنى غير المستثنى منه.

(١٢) في الأصل : وهو. وهو تحريف.

(١٣) لأن المستثنى في الاستثناء المنقطع التام المنفي يجب نصبه عند الحجازيين وعند بني تميم يجيزون أن يتبع المستثنى المستثنى منه على أنه بدل. فقوله : «من أذن» منصوب على الاستثناء عند الحجازيين ومرفوع على البدل عند بني تميم. انظر الأشموني ٢ / ١٤٦ ـ ١٤٧.

(١٤) ما بين القوسين سقط من ب.

(١٥) والموضعان هما : «مَنْ أَذِنَ لَهُ» و«رضي له» البحر المحيط ٦ / ٢٨٠.

(١٦) للتعليل : سقط من ب.

(١٧) [مريم : ٧٣].

٣٩٢

فصل

المعنى : (لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ) أحدا من الناس (إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ) أي : إلا من أذن له الله أن يشفع له (١)(وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً) أي رضي قوله (٢).

قال ابن عباس : يعني قال : لا إله إلّا الله (٣). وهذا يدل على أنه لا يشفع لغير المؤمنين (٣). وقالت المعتزلة (٤) : الفاسق غير مرضيّ عند الله (٥) ، فوجب أن لا يشفع الرسول في حقه. وهذه الآية من أقوى (٦) الدلائل على ثبوت (٧) الشفاعة في حق الفساق ، (لأن قوله : (وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً) يكفي صدقه أن يكون الله تعالى قد رضي له قولا واحدا من أقواله) (٨) ، والفاسق قد ارتضى الله من قوله (٩) شهادة أن لا إله إلّا الله. فوجب أن تكون الشفاعة نافعة له ، لأن الاستثناء من النفي إثبات فإن (١٠) قيل : إنّه تعالى استثنى من ذلك النفي بشرطين : أحدهما حصول الإذن. والثاني : أن يكون رضي له قولا. فهب أنّ الفاسق قد حصل فيه أحد الشرطين ، وهو أنه تعالى (١١) قد رضي (١٢) له قولا ، فلم قلتم : إنه (١٣) أذن فيه؟

فالجواب أنّ هذا القيد كاف في حصول الاستثناء لقوله تعالى : (لا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى)(١٤) فاكتفى هناك بهذا القيد. ودلّت هذه الآية على أنه لا بد من الإذن ، فظهر من مجموعهما أنه (١٥) إذا رضي له قولا يحصل (١٦) الإذن في الشفاعة ، وإذا حصل القيدان حصل الاستثناء وتم المقصود (١٧).

قوله : (يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ) الضمير في قوله : (بَيْنَ أَيْدِيهِمْ) عائد إلى (١٨) الذين يتبعون الداعي (١٩).

ومن قال : إن قوله : (مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ) المراد به الشافع (قال : الضمير عائد إليه) (٢٠) ، والمعنى : لا تنفع شفاعة الملائكة والأنبياء إلا لمن (٢١) أذن له الرحمن في أن

__________________

(١) في ب : عنده. وهو تحريف.

(٢) في ب : أي ورضي قولا.

(٣) انظر البغوي ٥ / ٤٥٩.

(٣) انظر البغوي ٥ / ٤٥٩.

(٤) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٢ / ١١٨ ـ ١١٩.

(٥) في ب : الله تعالى.

(٦) في ب : وهذا من أقوى.

(٧) في ب : قبول.

(٨) ما بين القوسين سقط من ب.

(٩) في ب : أقواله. وهو تحريف.

(١٠) في ب : فإنه. وهو تحريف.

(١١) في ب : وهو أن الله.

(١٢) قد : سقط من الأصل.

(١٣) أنه : سقط من الأصل.

(١٤) [الأنبياء : ٢٨].

(١٥) في الأصل : على أنه.

(١٦) في النسختين لا يحصل.

(١٧) آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢٢ / ١١٨ ـ ١١٩.

(١٨) في ب : على.

(١٩) أي إلى المشفوع.

(٢٠) ما بين القوسين سقط من ب. الضمير عائد إلى الشافع.

(٢١) في ب : على.

٣٩٣

يشفع من الملائكة. ثم قال (١)(يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ) يعني ما بين أيدي (٢) الملائكة كقوله في آية الكرسي (٣) ، قاله (٤) الكلبي ومقاتل.

وفيه تقريع لمن يعبد الملائكة ليشفعوا له. قال مقاتل : يعلم ما كان قبل أن يخلق الملائكة ، وما كان بعد خلقهم (٥). ومن قال : الضمير عائد إلى الذين يتبعون الداعي قال : «يعلم الله ما بين أيديهم» أي ما قدموا (وَما خَلْفَهُمْ) من أمر الدنيا قاله الكلبي. وقال مجاهد : (ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ) من أمر الدنيا والأعمال (وَما خَلْفَهُمْ) من أمر الآخرة. وقال الضحاك : يعلم ما مضى وما بقي ومتى تكون القيامة (٦). (وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً) قيل : الكناية راجعة إلى «ما» أي : هو يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ، (ولا يعلمونه أي العباد لا يعلمون بما بين أيديهم وما خلفهم (٧)) (٨).

وقيل : الكناية راجعة إلى الله ، أي عباده لا يحيطون به علما (٩).

قوله : (وَعَنَتِ الْوُجُوهُ) يقال : عنا يعنو إذا ذلّ وخضع وأعناه غيره أي : أذلّه ، ومنه العناة جمع عان وهو الأسير ، قال :

٣٦٩٢ ـ فيا ربّ مكروب كررت وراءه

وعان فككت الغلّ عنه فقد أبى (١٠)

وقال أمية بن أبي الصلت (١١) :

٣٦٩٣ ـ مليك على عرش السّماء مهيمن

لعزّته تعنو الوجوه وتسجد (١٢)

وفي الحديث : «فإنّهنّ (١٣) عوان» (١٤). والمعنى : أنّ ذلك اليوم تذلّ الوجوه أي :

__________________

(١) ثم : سقط من ب.

(٢) أيدي : سقط من ب.

(٣) قال تعالى :«اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ» [البقرة : ٢٥٥].

(٤) في الأصل : قال.

(٥) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ١١٩.

(٦) ينظر هذه الأقوال في الفخر الرازي ٢٢ / ١١٩.

(٧) البحر المحيط ٦ / ٢٨٠.

(٨) ما بين القوسين سقط من ب.

(٩) انظر البغوي ٥ / ٤٥٩. وقد رجّح ابن الخطيب عود الضمير إلى «ما» فإنه قال : (والأول أولى لوجهين :

أحدهما أنّ الضمير يجب عوده إلى أقرب المذكورات والأقرب ههنا قوله : (ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ) وثانيهما أنه تعالى أورد ذلك مورد الزجر ليعلم أن سائر ما يقدمون عليه وما يستحقون به المجازاة معلوم لله تعالى) الفخر الرازي ٢٢ / ١١٩.

(١٠) البيت من بحر الطويل ، لم أهتد إلى قائله ، ولم أجده فيما رجعت إليه من مراجع. الغلّ : جامعة توضع في العنق أو اليد. والشاهد فيه أن (عان) هو الأسير.

(١١) واسمه عبد الله بن أبي ربيعة بن عوف الثقفي ، قال الأصمعي : ذهب أمية في شعره بعامة ذكر الآخرة ، وقد صدقه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في بعض شعره ، ولما أنشد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم شعره قال : «آمن لسانه وكفر قلبه» مات سنة ٩ ه‍ كافرا. الخزانة ١ / ٢٤٧ ـ ٢٥٣.

(١٢) البيت من بحر الطويل قاله أمية بن أبي الصلت. مليك : ذو الملك. المهين : اسم من أسماء الله في الكتب القديمة ، ومعناه الشاهد ، وهو من آمن غيره من الخوف. تعنو : تخضع وتستأسر. وهو الشاهد.

(١٣) في ب : «إنهن».

(١٤) أخرجه ابن ماجه (نكاح) ١ / ٥٩٤ ، وهو في غريب الحديث لابن الأثير ٣ / ٣١٤ وعوان جمع عانية ، وهي الأسيرة.

٣٩٤

المكلّفين أنفسهم ، ذكر «الوجوه» (١) وأراد أصحاب الوجوه ، لأن قوله : «وعنت» من صفات المكلفين لا من صفات الوجوه كقوله : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناعِمَةٌ لِسَعْيِها راضِيَةٌ)(٢) وخص الوجوه بالذكر ، لأن الخضوع بها يبين ، وفيها يظهر (٣). وتقدم تفسير (الْحَيُّ الْقَيُّومُ)(٤) وروى (٥) أبو أمامة الباهليّ عن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أنه قال : «اطلبوا اسم الله الأعظم في هذه السّور الثلاث البقرة وآل عمران ، وطه» قال الراوي (٦) : فوجدنا المشترك في السور الثلاث (اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ)(٧).

قوله : (وَقَدْ خابَ) يجوز أن تكون هذه الجملة مستأنفة ، وأن تكون حالا (٨) ، ويجوز أن تكون اعتراضا. قال الزمخشري (٩) : (وَقَدْ خابَ) وما بعده اعتراض كقولك خابوا وخسروا ، وكل من ظلم فهو خائب خاسر (١٠).

ومراده (١١) بالاعتراض هنا أنّه خصّ الوجوه بوجوه العصاة (١٢) حتى تكون الجملة قد دخلت بين العصاة وبين (وَمَنْ ١٣) يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ) فهذا (١٤) عنده قسيم (وَعَنَتِ الْوُجُوهُ) فلهذا كان (١٥) اعتراضا (١٦). وأما ابن عطية فجعل «الوجوه» عامة ، فلذلك جعل (وَقَدْ خابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً) معادلا بقوله (وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ) إلى آخره (١٧).

فصل

قال ابن عباس : «خاب» خسر من أشرك بالله. والظّلم : الشّرك (١٨) قال الله تعالى (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ)(١٩) والمراد بالخيبة : الحرمان ، أي : حرم الثواب من حمل ظلما ، أي ظلم ولم يتب (٢٠). ثم قال : (وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ)) (٢١) أي : ومن يعمل شيئا (٢٢) من الصّالحات ، والمراد به الفرائض وكان عمله مقرونا

__________________

(١) ما بين القوسين سقط من ب.

(٢) [الغاشية : ٨ ، ٩].

(٣) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ١٢٠.

(٤) وتقدم ذلك في [البقرة : ٢٥٥] «اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ» انظر اللباب ٢ / ٩٥.

(٥) في ب : فصل روى.

(٦) في ب : الرازي. وهو تحريف.

(٧) [البقرة : ٢٥٥] و[آل عمران : ٢] انظر الفخر الرازي ٢٢ / ١٢٠.

(٨) انظر التبيان ٢ / ٩٠٥.

(٩) في ب : قال الزمخشري وغيره. وهو تحريف.

(١٠) الكشاف ٢ / ٤٤٨.

(١١) في ب : ومراد به. وهو تحريف.

(١٢) الكشاف ٢ / ٤٤٧.

(١٣) في ب : «من».

(١٤) في ب : وهذا.

(١٥) في ب : فكان هذا.

(١٦) انظر البحر المحيط ٦ / ٢٨١.

(١٧) انظر تفسير ابن عطية ١٠ / ٩٧.

(١٨) انظر البغوي ٥ / ٤٥٩ ـ ٤٦٠.

(١٩) [لقمان : ١٣].

(٢٠) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ١٢٠.

(٢١) ما بين القوسين سقط من ب.

(٢٢) في ب : منا. وهو تحريف.

٣٩٥

بالإيمان ، نظيره قوله (١) : (وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً (٢) قَدْ عَمِلَ الصَّالِحاتِ)(٣). قوله : (وَهُوَ مُؤْمِنٌ) جملة حالية.

(فَلا يَخافُ) قرأ ابن كثير (بجزمه) (٤) على النهي (٥) ، والمعنى : أمن ، والنهي عن الخوف أمر بالأمن.

والباقون : برفعه (٦) على النفي والاستئناف ، أي : فهو لا يخاف (٧).

والهضم : النقص (٨) تقول العرب : هضمت لزيد من حقّي أي : نقصت منه (٩) ، ومنه : هضيم الكشحين أي : ضامرهما (١٠) ، ومن ذلك أيضا ، (طَلْعُها هَضِيمٌ)(١١) أي : دقيق متراكب كأنّ (١٢) بعضه يظلم بعضا فينقصه حقه.

ورجل هضيم ومهتضم أي مظلوم (١٣).

وهضمته واهتضمته وتهّضمته عليه (١٤) بمعنى ، قال المتوكل الليثي (١٥) :

٣٦٩٤ ـ إنّ الأذلّة واللّئام لمعشر(١٦)

مولاهم المتهضّم المظلوم (١٧)

قيل (١٨) : والظلم (١٩) والهضم متقاربان (٢٠) وفرّق القاضي الماوردي بينهما فقال : الظلم منع جميع الحق ، والهضم منع بعضه (٢١). والظلم هنا هو أن يعاقب لا على جريمة

__________________

(١) قوله : سقط من ب.

(٢) مؤمنا : سقط من الأصل واستدرك بالهامش.

(٣) [طه : ٧٥].

(٤) بجزمه : سقط من ب.

(٥) وهو جواب الشرط «ومن يعمل من الصّالحات».

(٦) السبعة (٤٢٤) ، الحجة لابن خالويه (٢٤٧ ـ ٢٤٨) والكشف ٢ / ١٠٧ ، النشر ٢ / ٣٢٢ ، الإتحاف (٣٠٧).

(٧) في ب : لا يخاف ظلما ولا هضما.

(٨) في اللسان (هضم) : وهضمه حقّه هضما : نقصه.

(٩) انظر معاني القرآن للفراء ٢ / ١٩٣.

(١٠) أي ضامر الجنبين كأنهما هضما. تفسير غريب القرآن ٢٨٣.

(١١) من قوله تعالى : «وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُها هَضِيمٌ» [الشعراء : ١٤٨].

(١٢) في ب : كأنه.

(١٣) اللسان (هضم).

(١٤) عليه : سقط من ب.

(١٥) هو المتوكل بن عبد الله بن نهشل بن وهب ... من شعراء الإسلام ، وهو من أهل الكوفة ، وكان في عصر معاوية ويزيد ومدحهما. الخزانة ٨ / ٥٦٥ ـ ٥٦٩.

(١٦) في ب : والليالي والحشر.

(١٧) البيت من بحر الكامل قاله المتوكل الليثي ، وهو في القرطبي ١١ / ٢٤٩ والبحر المحيط ٦ / ٢٧١.

الأذلة : جمع ذليل اللئام : جمع لئيم ، وهو الدنيء الأصل الشحيح النفس. المعشر : كل جماعة أمرهم واحد ، وهو الجمع ، لا واحد له من لفظه للرجال دون النساء. المتهضم : المظلوم ، وهو الشاهد.

(١٨) قيل : سقط من ب.

(١٩) في ب : الظلم.

(٢٠) انظر البحر المحيط ٦ / ٢٨١. على أن الظلم أن يأخذ من صاحبه فوق حقه والهضم أن يكسر من حق أخيه فلا يوفيه.

(٢١) انظر البحر المحيط ٦ / ٢٨١.

٣٩٦

أو يمنع من (١) الثواب على الطاعة. والهضم هو أن ينقص من ثوابه (٢).

وقال أبو مسلم : الظلم أن ينقص من الثواب ، والهضم أن لا يوفي حقه (٢).

قوله تعالى : (وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً(١١٣) فَتَعالَى اللهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً)(١١٤)

قوله : (وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ) نسق على (كَذلِكَ نَقُصُّ)(٣) قال الزمخشري : ومثل ذلك الإنزال وكما أنزلنا عليك هؤلاء الآيات أنزلنا القرآن كلّه على هذه الوتيرة (٤).

وقال غيره (٥) : والمعنى كما قدّرنا هذه الأمور وجعلناها حقيقة بالمرصاد للعباد (٦) كذلك حذّرنا هؤلاء أمرها (٧) و (أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا) لتفهمه العرب فيقفوا على إعجازه ونظمه ، وخروجه عن الكلام البشري (٨).

(وَصَرَّفْنا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ) أي : كرّرناه وفصّلناه.

قوله : (مِنَ الْوَعِيدِ) صفة لمفعول محذوف ، أي : صرّفنا في القرآن (٩) وعيدا من الوعيد ، والمراد به الجنس.

ويجوز أن تكون «من» مزيدة على رأي الأخفش (١٠) في المفعول به ، والتقدير : وصرّفنا فيه الوعيد (لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) أي يجتنبون الشرك. (أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً) أي (١١) : يجدد لهم القرآن عبرة وعظة.

وقرأ الحسن : «أو يحدث» كالجماعة إلا أنه سكّن لام الفعل وعبد الله والحسن أيضا في رواية ومجاهد وأبو حيوة «نحدث» بالنون ، وتسكين اللام أيضا (١٢).

(وخرّج على) (١٣) إجراء الوصل (١٤) مجرى الوقف ، أو على تسكين الفعل استثقالا للحركة ، كقول (١٥) امرىء القيس :

__________________

(١) في الأصل : عن.

(٢) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ١٢٠.

(٢) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ١٢٠.

(٣) من الآية : (٩٩).

(٤) الكشاف ٢ / ٤٤٨.

(٥) وهو ابن عطية.

(٦) في ب : والعباد. وهو تحريف.

(٧) تفسير ابن عطية ١٠ / ٩٧.

(٨) الفخر الرازي ٢٢ / ١٢١.

(٩) في ب : أي صرفنا من القرآن أي في القرآن.

(١٠) ذهب الأخفش إلى أنّ «من» تزاد في الإيجاب ، وهي داخلة على المعرفة وهو بذلك يكون مخالفا للبصريين لأنهم يشترطون لزيادتها أن يتقدمها نفي أو شبهه وأن يكون مجرورها نكرة. ينظر شرح الكافية ٢ / ٣٢٢ ـ ٣٢٣.

(١١) في ب : و.

(١٢) انظر البحر المحيط ٦ / ٢٨١.

(١٣) ما بين القوسين سقط من ب.

(١٤) في ب : وأجروا على الوصل.

(١٥) في ب : كقوله.

٣٩٧

٣٦٩٥ ـ فاليوم أشرب غير مستحقب (١)

وقول جرير :

٣٦٩٦ ـ أو نهر تيرى فلا تعرفكم العرب (٢)

وقد فعله كما تقدم أبو عمرو في الراء خاصة (٣) نحو «ينصركم» (٤).

وقرىء «تحدث» بتاء (الخطاب (٥)) (٦) أي (٧) : تحدث أنت (٨).

(قوله : «أو يحدث») (٩) فيه سؤالات (١٠) :

الأول : كيف يكون محدثا للذكر؟ والجواب : لمّا حصل الذكر عند قراءته أضيف إليه.

الثاني : لم أضيف الذكر إلى القرآن ، وما أضيفت التقوى إليه؟

والجواب : أنّ (١١) التقوى عبارة عن (١٢) أن لا يفعل القبيح ، وذلك استمرار على العدم الأصلي ، فلم يجز إسناده إلى القرآن ، وأمّا حدوث الذكر فأمر حدث بعد أن لم يكن ، فجازت إضافته (١٣) إلى القرآن.

الثالث : كلمة «أو» للمنافاة بين التقوى وحدوث الذكر ، ولا يصح الاتقاء إلا مع الذكر ، فما معناه؟

والجواب : هذا كقول : جالس الحسن أو ابن (١٤) سيرين (١٥) ، أي : (لا تكن خاليا منهما) (١٦) ، فكذا ههنا.

__________________

(١) صدر بيت من بحر السريع قاله امرؤ القيس ، وعجزه : إثما من الله ولا واغل. وهو في ديوانه ١٢٢ ، الكتاب ٤ / ٢٠٤ ، النوادر (٣١٣) ، الخصائص ١ / ٧٤ ، ٢ / ٣١٧ ، ٣٤ ، ٣ / ٩٦ ، المحتسب ١ / ١٥ ، الكشاف ٢ / ٤٤٨ ، ابن يعيش ١ / ٤٨ والمقرب ٥٦٥ ، اللسان (حقب ـ وغل) شذور الذهب ٢ / ٢ ، شرح التصريح ١ / ٨٨. الهمع ١ / ٥٤ ، الخزانة ٨ / ٣٥٠ ، الدرر ١ / ٣٢.

(٢) عجز بيت من بحر البسيط قاله جرير ، وصدره :

سيروا بني العمّ فالأهواز منزلكم

وفي النسختين (النفر) مكان (العرب).

(٣) في ب : وقد فعله أبو عمرو في الراء كما تقدم.

(٤) من قوله تعالى : «إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللهُ فَلا غالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ» [آل عمران : ١٥٦].

(٥) وهي قراءة مجاهد. المختصر (٩٠)

(٦) ما بين القوسين في ب : للخطاب.

(٧) في ب : أو.

(٨) انظر الكشاف ٢ / ٤٤٨.

(٩) ما بين القوسين سقط من ب.

(١٠) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٢ / ١٢١.

(١١) في الأصل : لأن.

(١٢) في النسختين : على. والصواب ما أثبته.

(١٣) في ب : فجاز إسناده أي إضافته.

(١٤) في الأصل : وابن سيرين. وهو تحريف.

(١٥) الاستشهاد بهذا القول على أنّ (أو) بمعنى الإباحة. وهي الواقعة بعد الطلب وقيل ما يجوز فيه الجمع. انظر شرح الأشموني ٣ / ١٠٥ ـ ١٠٦.

(١٦) ما بين القوسين في ب : أي لا يكون خاليا عنهما.

٣٩٨

وقيل : معنى الكلام أنا أنزلنا القرآن ليتّقوا ، فإن لم يحصل ذلك فلا أقل من أن يحدث القرآن لهم ذكرا وشرفا وصيتا حسنا ، وعلى التقديرين يكون إنزاله تقوى (١).

قوله تعالى : (فَتَعالَى اللهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ) لما عظم (٢) أمر (٣) القرآن أردفه بأن (٤) عظم نفسه ، وذلك تنبيه على أنّه يجب على خلقه تعظيمه ، وإنما وصف ملكه بالحقّ ، لأن ملكه لا يزول ولا يتغير ، وليس بمستفاد من قبل الغير ولا غيره أولى به ، ولهذا (٥) وصف بذلك. و«تعالى» تفاعل (٦) من العلوّ ، وقد ثبت أن علوه وعظمته (٧) لا تكيّفه الأوهام (٨) ولا تقدره العقول (٩).

ثم قال : (وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ).

قال أبو مسلم : إن من قوله : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ)(١٠) إلى هنا يتم الكلام وينقطع ، ثم قوله: (وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ) (خطاب مستأنف كأنه قال «ويسألونك ... ولا تعجل بالقرآن (١١)) (١٢).

وقال غيره : إن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ كان إذا أنزل عليه جبريل ـ عليه‌السلام (١٣) ـ بالقرآن يبادر فيقرأ معه قبل أن يفرغ جبريل من التلاوة مخافة الانفلات والنسيان فنهاه الله عن ذلك ، وأمره أن يسكت حال قراءة الملك ، يقرأ بعد فراغه من (القراءة (١٤)) (١٥). فكأنه تعالى لما شرح نفع القرآن للمكلفين ، وتبين أنه سبحانه متعال عن كل ما لا ينبغي ، ومن كان كذلك يجب أن يصون رسوله عن السهو والنسيان (في أمر الوحي ، فإذا حصل الأمان عن السهو والنسيان) (١٦) فلا تعجل بالقرآن (١٧) فقوله : (وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ) يحتمل أن يكون المراد لا تعجل بقراءته في نفسك. لما روى عطاء عن ابن عباس : أن يكون أخذك القرآن على تثبيت وسكون (١٨). ويحتمل لا تعجل في تأديته إلى غيرك ، قال مجاهد (١٩) وقتادة : لا تقرأ به أصحابك ولا تمله عليهم حتى يتبين لك معانيه (٢٠). ويحتمل في اعتقاد ظاهره (٢١) ، ويحتمل في تعريفه (٢٢) الغير ما يقتضيه ظاهره ، أي : حتى يتبين لك بالوحي

__________________

(١) آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢٢ / ١٢١.

(٢) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٢ / ١٣١.

(٣) في ب : ذكر.

(٤) في الأصل : بأنه.

(٥) في ب : فلذلك. وهو تحريف.

(٦) تفاعل : سقط من ب.

(٧) في ب : إن عظمه وعلوه. وهو تحريف.

(٨) في ب : الأفهام.

(٩) آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢٢ / ١٢١ بتصرف.

(١٠) من الآية : (١٠٥).

(١١) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ١٢١ ـ ١٢٢.

(١٢) ما بين القوسين سقط من ب.

(١٣) عليه‌السلام : سقط من ب.

(١٤) انظر البغوي ٥ / ٤٦٠.

(١٥) في الأصل : القرآن. وهو تحريف.

(١٦) ما بين القوسين سقط من ب.

(١٧) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ١٢٢.

(١٨) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ١٢٢.

(١٩) في ب : فصل قال مجاهد.

(٢٠) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ١٢٢.

(٢١) في ب : ظواهره.

(٢٢) في ب : معرفة.

٣٩٩

تمامه أو بيانه أو هما (١) جميعا ، لأنه يجب التوقف في معنى الكلام إلى أن يفرغ لجواز أن يحصل عقيبه استثناء أو شرط ، أو غيرهما من المخصصات (٢).

فإن قيل : الاستعجال الذي نهي عنه إن كان فعله بوحي فكيف نهي عنه؟

فالجواب لعله فعله باجتهاد ، وكان الأولى تركه فلهذا نهي عنه (٢).

قوله : (مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ) العامة على بناء «يقضى» للمفعول ورفع «وحيه» لقيامه مقام الفاعل (٣).

والجحدري وأبو حيوة والحسن ، وهي قراءة عبد الله «تقضي» بنون العظمة مبنيّا للفاعل ، «وحيه» مفعول به (٤).

وقرأ الأعمش كذلك إلّا أنّه سكن (لام الفعل (٥)) (٦) ، استثقل الحركة وإن كانت خفيفة على حرف العلة ، وقد (٧) تقدم شواهد عند قراءة «من أوسط ما تطعمون أهاليكم» (٨).

قوله : (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً) أي : بالقرآن ومعانيه ، وقيل : «علما» أي (٩) ما علمت. وكان ابن مسعود إذا قرأ هذه قال (١٠) : اللهم زدني إيمانا ويقينا.

قوله تعالى : (وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً (١١٥) وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبى (١١٦) فَقُلْنا يا آدَمُ إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى (١١٧) إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيها وَلا تَعْرى (١١٨) وَأَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فِيها وَلا تَضْحى) (١١٩)

قوله تعالى (١١) : (وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ) الآية. في تعليق هذه الآية بما قبلها وجوه(١٢) :

__________________

(١) في ب : أو بهما. وهو تحريف.

(٢) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ١٢٢.

(٢) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ١٢٢.

(٣) انظر التبيان ٢ / ٩٠٥ ، البحر المحيط ٦ / ٢٨٢ ، الإتحاف (٣٠٨).

(٤) المختصر (٩٠). وانظر أيضا المراجع السابقة.

(٥) انظر البحر المحيط ٦ / ٢٨٢. وفيه : وقال صاحب اللوامح : (وذلك على لغة من لا يرى فتح الياء بحال إذا انكسر ما قبلها وحلت طرفا).

(٦) ما بين القوسين في ب : لام التعليل والفعل. وهو تحريف.

(٧) قد : سقط من ب.

(٨) [المائدة : ٨٩] وذكر هناك : وقرأ جعفر الصادق «من أوسط ما تطعمون أهاليكم» بسكون الياء ، وفيه تخريجان ، أحدهما : أن أهالي جمع تكسير لأهل فهو شاذ في القياس كليلة وليال ، قال ابن جني : أهال بمنزلة ليال واحدها أهالة وليلاة ، والعرب تقول أهل كاملة ، قال الشاعر : وأهلة ودّ قد سررت بودّهم.

وقياس قول أبي زيد أنه يجعله جمع لواحد مقدر نحو أحاديث وأعاريض. وإليه يشير قول ابن جني أهال بمنزلة ليال واحدها أهلاة وليلاة ، فهو يحتمل أن يكون بطريق الاتساع ويحتمل أن يكون بطريق القياس كما تقول أرض. وكان قياس قراءة جعفر تحريك الياء بالفتحة لخفتها ولكن تشبه الياء بالألف فقدر فيها الحركة ، وهو كثير في النظم. انظر اللباب ٣ / ٣١٦ ـ ٣١٧.

(٩) في ب : إلى. وهو تحريف.

(١٠) في ب : هذه الآية يقول.

(١١) تعالى : سقط من ب.

(١٢) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٢ / ١٢٣ ـ ١٢٤.

٤٠٠