اللّباب في علوم الكتاب - ج ١٣

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي

اللّباب في علوم الكتاب - ج ١٣

المؤلف:

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي


المحقق: عادل أحمد عبد الموجود و علي محمّد معوّض
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-2298-3

الصفحات: ٦٤٠

بالسّوأة (١) ، والبرص أبغض شيء إلى العرب ، فكان جديرا بأن (٢) يكنى عنه بالسّوء ، وكان عليه‌السلام (٣) شديد الأدمة (٤) فكان إذا أدخل يده اليمنى في جيبه ، وأدخلها تحت إبطه الأيسر وأخرجها فكانت تبرق مثل البرق ، وقيل : مثل الشمس ، من غير برص ، ثم إذا ردّها عادت (٥) إلى لونها الأول (٦).

«آية أخرى» دلالة أخرى على صدقك سوى العصا.

قوله : «لنريك» متعلق بما دلّت عليه «آية» أي : دللنا بها لنريك ، أو ب (جعلناها) ، أو ب (آتيناك) المقدر (٧). وقدره الزمخشري : لنريك فعلنا ذلك (٨) ، وجوّز (٩) الحوفي أن يتعلق ب (اضمم) (١٠). وجوّز غيره أن يتعلق (بتخرج) (١١)(١٢). ولا يجوز أن يتعلق بلفظ آية ، لأنها قد وصفت (١٣). وقدره الزمخشري أيضا : لنريك خذ هذه الآية أيضا (١٤).

قوله : (مِنْ آياتِنَا الْكُبْرى).

يجوز أن يتعلق (مِنْ آياتِنَا) بمحذوف على أنه (١٥) حال من «الكبرى» ويكون «الكبرى» على هذا مفعولا ثانيا (١٦) «لنريك» والتقدير : «لنريك الكبرى» (١٧) حال كونها من آياتنا ، أي : بعض آياتنا ويجوز أن يكون المفعول الثاني نفس (١٨)(مِنْ آياتِنَا) فيتعلق بمحذوف أيضا ، و«الكبرى» (١٩) على هذا صفة ل «آياتنا» ووصف الجمع المؤنث غير العاقل وصف الواحد (٢٠) على حد (مَآرِبُ أُخْرى)(٢١) و (الْأَسْماءُ الْحُسْنى)(٢٢).

وهذان الوجهان قد نقلهما الزمخشري (٢٣) والحوفي (٢٤) (وأبو البقاء (٢٥)) (٢٦) واختار

__________________

(١) في ب : عن العوق بالسوأة. وهو تحريف.

(٢) في ب : ن. وهو تحريف.

(٣) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(٤) الأدمة : السمرة.

(٥) في ب : عادها ردت.

(٦) آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢٢ / ٣٠.

(٧) انظر التبيان ٢ / ٨٨٩.

(٨) الكشاف ٢ / ٤٣١.

(٩) في ب : وذكر.

(١٠) انظر البحر المحيط ٦ / ٢٣٦.

(١١) البحر المحيط ٦ / ٢٣٦.

(١٢) في ب : بأخرج. وهو تحريف.

(١٣) انظر التبيان ٢ / ٨٨٩.

(١٤) الكشاف ٢ / ٤٣١.

(١٥) في ب : أنها.

(١٦) ثانيا : سقط من ب.

(١٧) الكبرى : سقط من ب.

(١٨) من : سقط من الأصل.

(١٩) في ب : ويكون الكبرى.

(٢٠) في الأصل : وصفا لجمع المؤنث غير العاقلة وصف الواحدة.

(٢١) [طه : ١٨].

(٢٢) [طه : ٨].

(٢٣) قال الزمخشري :(«لنريك» أي : خذ هذه الآية أيضا بعد قلب العصا حية لنريك بهاتين الآيتين بعض آياتنا الكبرى ، أو : لنريك بهما الكبرى من آياتنا ، أو : لنريك من آياتنا الكبرى فعلنا ذلك) الكشاف ٢ / ٤٣١.

(٢٤) انظر البحر المحيط ٦ / ٢٣٧.

(٢٥) قال أبو البقاء : (والكبرى صفة لآيات : وحكمها حكم مآرب ، ولو قال : الكبر لجاز ، ويجوز أن تكون الكبرى نصبا ب «نريك» و«مِنْ آياتِنَا» حال منها ، أي : لنريك الآية الكبرى من آياتنا) التبيان ٢ / ٨٨٩.

(٢٦) ما بين القوسين في ب : وأبو البقاء وابن عطية. أي : لنريك من آياتنا الآية الكبرى. قال : وقال : من آياتنا الكبرى. ولم يقل الكبر لرؤوس الآي.

٢٢١

أبو حيّان الثاني قال : لأنه يلزم من ذلك أن تكون آياته كلها هي الكبرى ، لأن ما كان بعض (١) الآيات الكبر صدق عليه آية (٢) الكبرى ، لأنها هي المتصفة (٣) بأفعل التفضيل ، وأيضا إذا جعلت «الكبرى» مفعولا فلا يمكن (٤) أن يكون صفة للعصا (٥) واليد معا ، إذ كان يلزم التثنية ، ولا جائز أن يخصّ أحدهما بالوصف دون الأخرى (٦) ، لأن التفضيل في كل منهما (٧).

فصل

قال المفسرون : قال : (لِنُرِيَكَ مِنْ آياتِنَا الْكُبْرى) ولم يقل : الكبر لرؤوس الآي (٨). وقيل(٩) : فيه إضمار معناه : لنريك من آياتنا الآية الكبرى ويدل عليه قول ابن عباس (١٠) : كانت يد موسى أكبر آياته (١١) وهو قول الحسن قال : اليد أعظم في الإعجاز من العصا ، فإنه جعل «الكبرى» مفعولا ثانيا (١٢) لنريك وجعل ذلك (راجعا للآية القريبة ، وقد) (١٣) ضعّف ذلك بأنه ليس في اليد إلا تغير اللون ، (وأما العصا ففيها تغير اللون) (١٤) وخلق الزيادة في الجسم وخلق الحياة والقدرة والأعضاء المختلفة ، وابتلاع الشجر والحجر ، ثم عادت عصا بعد ذلك ، فقد وقع التغير مرة أخرى في كل هذه الأمور فكانت العصا أعظم (١٥).

وأما قوله : (لِنُرِيَكَ مِنْ آياتِنَا الْكُبْرى) فقد ثبت أنه عائد إلى الكلام ، وأنه غير مختص باليد(١٦).

قوله تعالى : (اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (٢٤) قالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (٢٥) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (٢٦) وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي (٢٧) يَفْقَهُوا قَوْلِي (٢٨) وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي (٢٩) هارُونَ أَخِي (٣٠) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (٣١) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (٣٢) كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً (٣٣) وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً (٣٤) إِنَّكَ كُنْتَ بِنا بَصِيراً) (٣٥)

قوله تعالى (١٧) : (اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى) لما أظهر له الآيات عقبها بأن أمره بالذهاب إلى فرعون ، وبيّن العلة في ذلك ، وهو أنه طغى ، وإنما خص فرعون بالذكر مع

__________________

(١) في ب : من.

(٢) في ب : آيات. وهو تحريف.

(٣) في ب : المتصلة وهو تحريف.

(٤) في ب : فلا يلزم. وهو تحريف.

(٥) في ب : العصا.

(٦) في ب : الآخر.

(٧) البحر المحيط ٦ / ٢٣٧. بتصرف يسير.

(٨) انظر القرطبي ١١ / ١٩١.

(٩) وقيل : سقط من ب.

(١٠) في ب : ابن عباس رضي الله عنه.

(١١) انظر القرطبي ١١ / ١٩١.

(١٢) في ب : بآياتنا. وهو تحريف.

(١٣) ما بين القوسين سقط من ب. وفيه : وجعل ذلك قريبا.

(١٤) ما بين القوسين سقط من ب.

(١٥) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ٣٠ ، والبحر المحيط ٦ / ٢٣٧.

(١٦) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ٣٠.

(١٧) تعالى : سقط من ب.

٢٢٢

أنه بعث موسى إلى الكل لأنه ادعى الإلهية وتكبّر ، وكان متبوعا فكان ذكره أولى (١).

ومعنى «طغى» (٢) جاوز الحد في العصيان والتمرد ، فبلّغه رسالتي وادعه إلى عبادتي وحذّره نقمتي.

قال موسى : (رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي) وسّعه للحقّ.

(قال ابن عباس) (٣) : يريد حتى لا أخاف غيرك (٤). والسبب في هذا السؤال ما حكى الله تعالى (٥) عنه في موضع آخر «ويضيق صدري ولا ينطلق لساني» (٦)(٧) وذلك (٨) أن موسى كان يخاف فرعون خوفا شديدا ، لشدة شوكته وكثرة جنوده (٩) ، وكان يضيق صدرا (بما كلّف) (١٠) من مقاومة فرعون (١١) فسأل (١٢) الله تعالى أن يوسع قلبه حتى يعلم أن أحدا لا يقدر (١٣) على مضرته إلا بإذن الله تعالى (١٤) ، وإذا علم ذلك لم يخف فرعون وشدة شوكته وكثرة جنوده (١٥).

(قوله : «لي) (١٦) صدري» متعلق ب «اشرح» ، قال الزمخشري : فإن قلت (١٧) : (لي) (١٨) في قوله : (اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي) ما جدواه والأمر مستتب بدونه. قلت (١٩) : قد أبهم الكلام أولا فقال : (اشْرَحْ لِي وَيَسِّرْ لِي)(٢٠) فعلم أن ثمّ مشروحا وميسرا ، ثم بين ورفع الإبهام بذكرهما ، فكان آكد لطلب الشرح لصدره ، والتيسير لأمره (٢١).

ويقال : يسّرته لكذا ، ومنه (فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى)(٢٢) ويسرت له كذا ، ومنه هذه الآية(٢٣).

قوله : (وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي) أي سهّل عليّ (٢٤) ما أمرتني به من تبليغ الرسالة إلى فرعون (٢٥). وذلك (٢٦) لأن كل ما يصدر من العبد من الأفعال ، والأقوال (٢٧) والحركات ،

__________________

(١) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ٣٠.

(٢) من هنا نقله ابن عادل عن البغوي ٥ / ٤١٩.

(٣) ما بين القوسين سقط من ب.

(٤) آخر ما نقله هنا عن البغوي ٥ / ٤١٩.

(٥) تعالى : سقط من ب.

(٦) [الشعراء : ١٣].

(٧) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ٣١.

(٨) من هنا نقله ابن عادل عن البغوي ٥ / ٤١٩ ـ ٤٢٠.

(٩) في ب : جنوده قوله. وهو تحريف.

(١٠) ما بين القوسين سقط من ب.

(١١) في ب : فرعون وحده.

(١٢) في ب : فكان يسأل.

(١٣) في ب : أن لا أحد يقدر.

(١٤) تعالى : سقط من ب.

(١٥) آخر ما نقله هنا عن البغوي ٥ / ٤١٩ ـ ٤٢٠.

(١٦) ما بين القوسين سقط من ب.

(١٧) في ب : فإن قيل.

(١٨) لي : سقط من ب.

(١٩) في ب : والجواب.

(٢٠) في ب : اشرح لي صدري ويسّر لي أمري.

(٢١) الكشاف ٢ / ٤٣٢.

(٢٢) [الليل : ٧].

(٢٣) أي أن (يسّر) يجوز أن يتعدى إلى المفعول به بنفسه أو بحرف الجر.

(٢٤) عليّ : سقط من ب.

(٢٥) انظر البغوي ٥ / ٤٢٠.

(٢٦) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٢ / ٣٤.

(٢٧) في ب : الأقوال والأفعال.

٢٢٣

والسكنات فما لم يصر العبد مريدا له استحال أن يصير (١) فاعلا له ، فهذه الإرادة (٢) صفة محدثة ، ولا (٣) بد لها من فاعل ، وفاعلها إن كان (٤) هو العبد افتقر في تحصيل تلك (٥) الإرادة إلى إرادة أخرى ولزم (٦) التسلسل بل لا بد من الانتهاء إلى (٧) إرادة يخلقها مدبر العالم ففي الحقيقة هو الميسر للأمور (٨).

قوله : (وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي) ، وذلك أن (٩) موسى (١٠) كان في حجر فرعون ذات يوم في صغره ، فلطم فرعون لطمة ، وأخذ بلحيته ، فقال فرعون لآسية امرأته : إن هذا عدوّي وأراد أن يقتله ، فقالت آسية : إنه صبي لا يعقل ولا يميز جرّبه إن شئت ، فجاء بطشتين في أحدهما جمر ، والآخر جوهر ، فوضعهما بين يدي موسى ، فأراد أن يأخذ الجوهر ، فأخذ جبريل عليه‌السلام (١١) يد موسى (١٢) فوضعها على النار ، فأخذ جمرة فوضعها في فيه ، فاحترق لسانه ، (وصارت عليه عقدة) (١٣).

وقيل : قرّبا إليه ثمرة وجمرة ، فأخذ الجمرة فوضعها في فيه فاحترق لسانه (١٤).

[قالوا](١٥) : ولم تحترق اليد ، لأنها آلة أخذ العصا (١٤).

وقيل : كان ذلك التعقد (١٦) خلقة فسأل الله تعالى إزالته (١٤). واختلفوا في أنه لم طلب حل العقدة؟ فقيل : لئلا يقع خلل في أداء (١٧) الوحي. وقيل : لئلا يستخف بكلامه (١٨) فينفروا عنه ولا يلتفتوا إليه. وقيل : لإظهار المعجزة كما أن حبس لسان (١٩) زكريا عن الكلام كان معجزا في حقه ، فكذا إطلاق لسان موسى ـ عليه‌السلام ـ (٢٠) معجز في حقه (٢١).

فصل (٢٢)

قال الحسن (٢٣) : إن تلك العقدة زالت بالكلية ، لقوله تعالى (٢٤) : (قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ

__________________

(١) في ب : يكون.

(٢) في ب : الآية. وهو تحريف.

(٣) في ب : فلا.

(٤) في ب : فإن كان الفاعل.

(٥) في ب : ذلك. وهو تحريف.

(٦) في ب : ويلزم.

(٧) في ب : من.

(٨) آخر من نقله عن الفخر الرازي ٢٢ / ٣٤.

(٩) من هنا نقله ابن عادل عن البغوي ٥ / ٤٢٠ ـ ٤٢١.

(١٠) في ب : موسى عليه الصلاة والسلام.

(١١) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(١٢) في ب : موسى عليه الصلاة والسلام.

(١٣) آخر ما نقله عن البغوي ٥ / ٤٢٠ ـ ٤٢١.

(١٤) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ٤٧.

(١٥) ما بين القوسين سقط من ب.

(١٤) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ٤٧.

(١٦) في ب : العقد. وهو تحريف.

(١٤) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ٤٧.

(١٧) في ب : أدائه. وهو تحريف.

(١٨) في الأصل : في كلامه. وهو تحريف.

(١٩) لسان على هامش الأصل ، وسقط من ب.

(٢٠) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(٢١) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ٤٨.

(٢٢) في ب : فإن قيل.

(٢٣) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٢ / ٤٨. بتصرف يسير.

(٢٤) تعالى : سقط من ب.

٢٢٤

يا مُوسى)(١) ، وقيل : هذا ضعيف (٢) ، لأنه عليه‌السلام (٣) لم يقل : واحلل العقدة من لساني بل قال : (وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي) ، فإذا حل عقدة واحدة فقد آتاه الله (٤) سؤله ، والحق أنه انحل أكثر العقد وبقي منها شيء لقوله حكاية عن فرعون (أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكادُ يُبِينُ)(٥) مع بقاء قدر من الانعقاد في لسانه وأجيب (٦) عنه بوجهين :

أحدهما : أن المراد بقوله : (وَلا يَكادُ يُبِينُ) أي لا يأتي ببيان وحجة.

والثاني : أن (كاد) بمعنى قرب. فلو كان المراد هو البيان اللساني ، لكان معناه : أنه لا يقارب البيان ، فكان فيه نفي البيان بالكلية ، وذلك باطل ، لأنه خاطب فرعون وقومه ، وكانوا يفهمون ، فكيف يمكن نفي البيان ، بل إنما قالوا ذلك تمويها ليصرفوا الوجوه عنه (٧). واعلم (٨) أن (٩) النطق فضيلة عظيمة ، ويدل عليه وجوه (١٠) :

الأول : قوله تعالى : (خَلَقَ الْإِنْسانَ عَلَّمَهُ الْبَيانَ)(١١) ، ولهذا قيل للإنسان : هو الحيوان الناطق.

الثاني : اتفاق العقلاء (١٢) على تعظيم أمر (١٣) اللسان قال زهير :

٣٦٥٤ ـ لسان الفتى نصف ونصف (١٤) فؤاده

فلم يبق إلّا صورة اللّحم والدّم (١٥)

وقالوا (١٦) : ما الإنسان لو لا اللسان إلا بهيمة مرسلة (١٧). أي لو ذهب النطق اللساني لم يبق من الإنسان إلا القدر الحاصل في البهائم.

وقالوا : المرء (١٨) بأصغريه أي قلبه ولسانه.

وقالوا (١٩) : «المرء مخبوء تحت لسانه».

__________________

(١) [طه : ٣٦].

(٢) ضعيف : سقط من الأصل.

(٣) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(٤) في ب : الله تعالى.

(٥) [الزخرف : ٥٢].

(٦) في ب : فالجواب.

(٧) آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢٢ / ٤٨. بتصرف يسير.

(٨) في ب : فصل واعلم.

(٩) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٢ / ٤٦.

(١٠) في ب : وجه. وهو تحريف.

(١١) [الرحمن : ٣ ، ٤].

(١٢) في ب : العلماء العقلاء.

(١٣) أمر : سقط من ب.

(١٤) ونصف : سقط من ب.

(١٥) البيت من بحر الطويل قاله زهير وهو في جمهرة أشعار العرب ١ / ٣٠٠ ، والبيان والتبيين ١ / ١٧١ ونسبه الجاحظ إلى الأعور الشني ، والفخر الرازي ٢٢ / ٤٦.

واستشهد به على عظم أمر اللسان.

(١٦) في الفخر الرازي : وقال علي.

(١٧) في ب : مرسل. وهو تحريف.

(١٨) في الأصل : الإنسان.

(١٩) في الفخر الرازي : وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

٢٢٥

الثالث : أن في مناظرة آدم ـ عليه‌السلام (١) ـ مع الملائكة ما ظهرت الفضيلة إلا بالنطق حيث قال : (يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمائِهِمْ قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ)(٢)(٣).

قوله : (مِنْ لِسانِي) يجوز أن يتعلق بمحذوف على أنه صفة ل «عقدة» أي : من عقد لساني ، ولم يذكر الزمخشري غيره (٤). ويجوز أن يتعلق بنفس «احلل» (٥) ، والأول أولى. قوله : (وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً) يجوز أن يكون مفعولا ثانيا مقدّما و«وزيرا» هو المفعول الأول (٦) ، و (مِنْ أَهْلِي) على هذا يجوز أن يكون صفة ل «وزيرا» ، ويجوز أن يكون متعلقا بالجعل (٧) ، و«هارون» بدل (٨) من «وزيرا» وجوّز أبو البقاء أن يكون «هارون» عطف بيان ل «وزيرا» (٩). ولم يذكر الزمخشري غيره (١٠). ولما حكى أبو حيان هذا لم يعقبه بنكير ، وهو عجب منه فإنّ عطف البيان يشترط فيه التوافق تعريفا وتنكيرا (١١) ، وقد عرفت أن وزيرا نكرة ، وهارون معرفة.

والزمخشري قد تقدّم له مثل ذلك في قوله تعالى : (فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ)(١٢) ، وتقدّم الكلام معه هناك ، وهو عائد هنا (١٣).

ويجوز أن يكون «هارون» منصوبا بفعل محذوف كأنه قال : أخصّ من بينهم هارون

__________________

(١) عليه‌السلام : سقط من ب.

(٢) [البقرة : ٣٣].

(٣) آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢٢ / ٤٦. بتصرف.

(٤) الكشاف ٢ / ٤٣٢.

(٥) ونسبه أبو حيان إلى الحوفي البحر المحيط ٦ / ٣٣٩ ، وجوز أبو البقاء الوجهين التبيان ٢ / ٨٨٩.

(٦) في ب : الأولى.

(٧) في ب : قوله.

(٨) في ب : بدلا.

(٩) التبيان ٢ / ٨٩٠.

(١٠) الكشاف ٢ / ٤٣٢.

(١١) وذلك لأن عطف البيان كالنعت يوافق متبوعه في الإعراب ، والإفراد والتثنية والجمع والتذكير والتأنيث ، والتعريف والتنكير. انظر شرح التصريح ٢ / ١٣١.

(١٢) [آل عمران : ٩٧].

وقول الزمخشري إن (مَقامُ إِبْراهِيمَ) عطف بيان لقوله : (آياتٌ بَيِّناتٌ) مخالف للبصرين والكوفيين ، لأنهم أجمعوا على أن النكرة لا تبين بالمعرفة ، وجمع المؤنث لا يبين بالمفرد المذكر ، ولا يجوز أن يكون بدلا ، لأنهم نصوا على أن البدل منه إذا كان متعددا وكان البدل غير واف بالعدة تعين القطع وإنما التقدير منها مقام إبراهيم أو بعضها مقام إبراهيم فهو مبتدأ ، أو خبر مبتدأ.

وقد ذكر الزمخشري توجيها لصحة كون (مَقامُ إِبْراهِيمَ) عطف بيان لآيات بينات فقال : (فإن قلت : كيف صح بيان الجماعة بالواحد قلت : فيه وجهان أحدهما : أن يجعل وحده بمنزلة آيات كثيرة لظهور شأنه ، وقوة دلالته على قدرة الله ، ونبوة إبراهيم ... والثاني اشتماله على آيات ، لأن أثر القدم في الصخرة الصماء آية ، وغوصه فيها إلى الكعبين آية ، وإلانة بعض الصخر دون بعض آية ...) الكشاف ١ / ٢٠٣ ـ ٢٠٤ ، شرح التصريح ٢ / ١٣١ ـ ١٣٢.

(١٣) انظر اللباب ٢ / ٣٠٥ ـ ٣٠٦.

٢٢٦

من بين أهلي (١) ويجوز أن يكون «وزيرا» مفعولا ثانيا و«هارون» هو الأول (٢) ، وقدم الثاني عليه اعتناء بأمر (٣) الوزارة (٤). وعلى هذا فقوله : «لي» يجوز أن يتعلق بنفس الجعل ، وأن يتعلق بمحذوف على أنه حال من «وزيرا» (٥) إذ هو في الأصل صفة (٦) له (٧) ، و (مِنْ أَهْلِي) على ما تقدم من وجهيه (٨) ويجوز أن يكون «وزيرا» مفعولا (٩) أول ، و«من (١٠) أهلي» هو الثاني. وقوله : «لي» مثل قوله : (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ)(١١). يعنون أنه به يتم المعنى. ذكر ذلك أبو البقاء (١٢).

ولما حكاه (١٣) أبو حيان لم يعقبه بنكير ، وهو عجب ، لأن شرط المفعولين في باب النواسخ صحة انعقاد الجملة الاسمية ، وأنت لو ابتدأت بوزير (١٤) وأخبرت عنه ب (من أهلي) (١٥) لم يجز ، إذ (١٦) لا مسوّغ للابتداء به (١٧). و«أخي» بدل أو عطف بيان ل «هارون» (١٨).

وقال (١٩) الزمخشري : وإن جعل (٢٠) عطف بيان آخر جاز وحسن (٢١).

قال أبو حيّان : ويبعد فيه عطف البيان ، لأن عطف البيان الأكثر فيه أن (٢٢) يكون الأول دونه في الشهرة ، وهذا بالعكس (٢٣).

قال شهاب الدين : لم يرد الزمخشري أنّ «أخي» عطف بيان ل «هارون» حتى يقول الشيخ (٢٤) : إن الأول وهو «هارون» أشهر من الثاني وهو «أخي» ، إنما (٢٥) عنى الزمخشري أنه عطف بيان أيضا ل «وزيرا» (٢٦) ، ولذلك (٢٧) قال (٢٨) : آخر ، ولا (٢٩) بد

__________________

(١) انظر التبيان ٢ / ٨٩٠. وبعد أن حكى أبو حيان هذا الوجه قال : (وهذا لا حاجة إليه ، لأن الكلام تام بدون هذا المحذوف) البحر المحيط ٦ / ٢٤٠.

(٢) في ب : هو الأول مقدما. وهو تحريف.

(٣) في ب : اعتبار أمر. وهو تحريف.

(٤) انظر الكشاف ٢ / ٤٣٢ ، التبيان ٢ / ٨٩ ، البحر المحيط ٦ / ٣٤٠.

(٥) في ب : وزير.

(٦) صفة : سقط من ب.

(٧) انظر التبيان ٢ / ١٤١ ، التبيان ٢ / ٨٩٠.

(٨) من كونه صفة ل «وزيرا» أو متعلقا بالجمعل.

(٩) في النسختين : مفعول.

(١٠) من : سقط من ب.

(١١) [الإخلاص : ٤].

(١٢) التبيان ٢ / ٨٩٠.

(١٣) ف ب : حكى. وهو تحريف.

(١٤) في ب : وزيرا.

(١٥) في ب : وأخبرت أهلي. وهو تحريف.

(١٦) في ب : لأنه.

(١٧) وذلك لأن وزيرا نكرة ولا يجوز الابتداء بالنكرة ، لأن النكرة مجهولة والحكم على المجهول لا يفيد.

ولكن يبتدأ بها إذا وجد مسوغ من مسوغات الابتداء بالنكرة ، وهنا لا يوجد مسوغ للابتداء ب «وزيرا».

(١٨) انظر البيان ٢ / ١٤١ ، والتبيان ٢ / ٨٩٠.

(١٩) في ب : قال.

(٢٠) في ب : جعلا. وهو تحريف.

(٢١) الكشاف ٢ / ٤٣٢.

(٢٢) أي : سقط من ب.

(٢٣) البحر المحيط ٦ / ٢٤٠.

(٢٤) الشيخ : سقط من ب.

(٢٥) في ب : وإنما.

(٢٦) في ب : الوزير.

(٢٧) في النسختين : وكذلك. والصواب ما أثبته.

(٢٨) قال : سقط من ب. أي قال الزمخشري.

(٢٩) في ب : فلا.

٢٢٧

من الإتيان بلفظه ليعرف أنه لم يرد إلا ما ذكرته (١).

قال (٢) : «وزيرا» و«هارون» مفعولا (٣) قوله : «اجعل» ، أو (لِي وَزِيراً) مفعولاه (٤) ، و«هارون» عطف بيان للوزير ، و«أخي» في الوجهين بدل من «هارون» ، وإن جعل (٥) عطف بيان آخر جاز وحسن (٦) فقوله : (آخر) يعين أن يكون عطف بيان لما جعل عنه عطف بيان قبل ذلك.

وجوّز الزمخشري (في «أخي») (٧) أن يرتفع بالابتداء ، ويكون خبره الجملة من قوله : (اشْدُدْ بِهِ) ، وذلك على قراءة الجمهور له بصيغة الدعاء ، وعلى هذا فالوقف على «هارون» (٨). وقرأ ابن عامر «أشدد» للمضارعة (٩) ، وجزم الفعل جوابا للأمر ، (وَأَشْرِكْهُ) بضم الهمزة للمضارعة ، وجزم الفعل نسقا على ما قبله حكاية عن موسى : أنا أفعل (١٠) ذلك (١١). وقرأ الباقون بحذف همزة الوصل من الأول وفتح (١٢) همزة القطع في الثاني على أنهما دعاء من موسى لربه بذلك (١٣) ، وعلى هذه الجملة قد ترك فيها العطف خاصة دون ما تقدمها من جمل الدعاء وقرأ الحسن «أشدّد» مضارع شدد بالتشديد (١٤).

والوزير (١٥) : قيل : مشتق من الوزر ، وهو الثقل (١٦). وسمي به (١٧) لأنه تحمل أعباء الملك ومؤنه ، فهو معين على أمر الملك وقائم بأمره.

وقيل : هو (١٨) من الوزر ، وهو الحبل (١٩) الذي يتحصن به وهو الملجأ (٢٠) لقوله

__________________

(١) الدر المصون ٥ / ٢٣ ـ ٢٤.

(٢) أي الزمخشري.

(٣) في ب : مفعول. وهو تحريف.

(٤) في ب : مفعول. وهو تحريف.

(٥) في ب : جعلا. وهو تحريف.

(٦) الكشاف ٢ / ٤٣٢.

(٧) ما بين القوسين سقط من ب.

(٨) قال الزمخشري : ويجوز فيمن قرأ على لفظ الأمر أن يجعل «أخي» مرفوعا على الابتداء و«اشْدُدْ بِهِ» خبره ويوقف على «هارون» الكشاف ٢ / ٤٣٢. وقال أبو حيان ردا على ما جوزه الزمخشري (وهو خلاف الظاهر فلا يصار إليه لغير حاجة) البحر المحيط ٦ / ٣٤٠.

(٩) في ب : للمضارعة وجزم الفعل نسقا على ما قبله حكاية عن موسى أني أفعل ذلك وقرأ أيضا أشدد للمضارعة.

(١٠) يريد أن الكلام لموسى حكاه الله عزوجل.

(١١) انظر السبعة ٤١٨ ، الحجة لابن خالويه (٢٤١) ، الكشف ٢ / ٩٧ ، النشر ٢ / ٣٢٠ ، الإتحاف (٣٠٣).

(١٢) في ب : وحذف. وهو تحريف.

(١٣) انظر السبعة ٤١٨ ، الحجة لابن خالويه (٣٤١). الكشف ٢ / ٩٧ ، النشر ٢ / ٣٢٠ ، الإتحاف (٣٠٣).

(١٤) انظر البحر المحيط ٦ / ٢٤٠ ، وقد نقل أبو حيان هذه القراءة عن صاحب اللوامح فإنه قال : (وقال صاحب اللوامح عن الحسن إنه «اشْدُدْ بِهِ» مضارع شدّد للتكثير والتكرير ، أي : كلما حزبني أمر شدد به أزري).

(١٥) في ب : فصل قوله : وزيرا.

(١٦) الوزر : الحمل الثقيل.

(١٧) في ب : وسمي بذلك.

(١٨) في ب : بل هو.

(١٩) في ب : وهو من الجبل.

(٢٠) وهو الملجأ : سقط من ب.

٢٢٨

تعالى : (كَلَّا (١) لا وَزَرَ)(٢)(٣) قال :

٣٦٥٥ ـ من السّباع الضّواري دونها وزر

والنّاس شرّهم ما دونه وزر

كم معشر سلموا لم يؤذهم سبع

ولا ترى بشرا لم يؤذهم بشر (٤)

وقيل (٥) : من المؤازرة ، وهي المعاونة ، نقله الزمخشري عن الأصمعي قال : وكان القياس أزيرا (٦) يعني بالهمزة ، لأن المادة كذلك ، قال الزمخشري : (فقلبت) (٧) الهمزة إلى الواو ، ووجه قلبها إليها أنّ فعيلا جاء بمعنى مفاعل مجيئا صالحا كقولهم : عشير ، وجليس ، وخليط وصديق ، وخليل ، ونديم فلما قلبت في أخيه قلبت فيه ، وحمل الشيء على نظيره ليس بعزيز ، ونظر إلى يؤازر (٨) وإخوته وإلى المؤازرة (٩). يعني أن وزيرا بمعنى مؤازر ، ومؤازر تقلب فيه الهمزة واوا (١٠) قليلة قياسا ، لأنها همزة مفتوحة بعد ضمة (١١)(١٢) فهو نظير مؤجل ويؤاخذكم وشبهه ، فحمل أزير عليه في القلب ، وإن لم يكن فيه سبب القلب. والمؤازرة مأخوذة من إزار الرجل ، وهو الموضع الذي يشده الرجل إذا استعد لعمل متعب (١٣).

فصل

اعلم (١٤) أن طلب الوزير إما أنه خاف على نفسه العجز عن القيام بذلك الأمر فطلب المعين ، أو لأنه رأى أنّ التعاون على الدين والتظاهر عليه مع مخالصة الود وزوال التهمة قربة عظيمة في الدعاء إلى الله تعالى ، ولذلك قال عيسى ابن مريم (١٥) : (مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللهِ)(١٦) ، وقال لمحمد عليه‌السلام (١٧) «يا

__________________

(١) كلا : سقط من الأصل.

(٢) [القيامة : ١١].

(٣) انظر معاني القرآن وإعرابه للزجاج ٣ / ٣٥٧.

(٤) البيتان من بحر البسيط للخطابي. وهو في البحر المحيط ٦ / ٢٣٩ والخزانة ٢ / ١٢٤.

(٥) في ب : وهي. وهو تحريف.

(٦) الكشاف ٢ / ٤٣٢.

(٧) ما بين القوسين سقط من ب ، وفيه : وقلبت.

(٨) في النسختين الوازر. والصواب ما أثبته.

(٩) الكشاف ٢ / ٤٣٢.

(١٠) في ب : واو. وهو تحريف.

(١١) ضمة : سقط من ب.

(١٢) قال سيبويه : (وإذا كانت الهمزة مفتوحة وقبلها ضمة ، وأردت أن تخفف أبدلت مكانها واوا كما أبدلت مكانها ياء حيث كان ما قبلها مكسورا ، وذلك قولك في التؤدة تودة ، وفي الجؤن جون ، وتقول : غلام وبيك إذا أردت غلام أبيك) الكتاب ٣ / ٥٤٣.

(١٣) في ب : إذا أراد العمل المتعب.

(١٤) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٢ / ٤٨ ـ ٤٩.

(١٥) في ب : عيسى ابن مريم عليهما الصلاة والسلام.

(١٦) [آل عمران : ٥٢].

(١٧) في ب : وقال لمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم وشرف وكرم وبجل ومجد وعظم.

٢٢٩

أيّها النّبيّ (١) حسبك الله ومن اتّبعك من المؤمنين» (٢) وقال عليه‌السلام (٣) : «إنّ لي في السّماء وزيرين ، وفي الأرض وزيرين فاللّذان في السّماء جبريل وميكائيل (عليهما‌السلام) (٤) واللّذان في الأرض أبو (٥) بكر وعمر (رضي الله عنهما» (٦)) (٧).

وقال عليه‌السلام (٨) : «إذا أراد الله بملك خيرا قيّض الله له وزيرا صالحا إن نسي ذكّره ، وإن نوى خيرا أعانه ، وإن أراد شرّا كفّه» (٩) وقال أنو شروان : لا يستغني أجود السيوف عن الصقل ، ولا أكرم الدوابّ عن السّوط (ولا أعلم الملوك عن الوزير) (١٠)(١١). وأراد موسى ـ عليه‌السلام (١٢) ـ أن يكون ذلك الوزير من أهله أي من أقاربه ، وأن يكون أخاه هارون ، والسبب فيه إما لأن التعاون على الدين (١٣) منفعة عظيمة فأراد (١٤) أن لا تحصل هذه (١٥) الدرجة إلا لأهله ، أو لأن كل واحد منهما كان في غاية المحبة لصاحبه(١٦).

وكان هارون أكبر سنا من موسى بأربع سنين ، وكان أفصح منه لسانا ، وأجمل ، وأوسم أبيض اللون ، وكان موسى آدم اللون أقنى جعدا (١٧).

و (اشْدُدْ بِهِ) (أزري» قوّ) (١٨) ظهري ، (وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي) في النبوة. والأزر القوة ، وآزره : قوّاه. وقال أبو عبيدة (١٩) : أزري : ظهري (٢٠). وفي كتاب الخليل : الأزر الظّهر (٢١).

ثم إنه تعالى حكى عنه ما لأجله دعا بهذا الدعاء فقال : (كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً) قال الكلبي : نصلّي لك كثيرا ، ونحمدك ، ونثني عليك (٢٢).

والتّسبيح : تنزيه الله تعالى في ذاته وصفاته عمّا لا يليق به (٢٣). (وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً) أي : نصفك بصفات الجلال والكبرياء.

__________________

(١) «يا أَيُّهَا النَّبِيُّ» : * سقط من ب.

(٢) [الأنفال : ٦٤].

(٣) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(٤) ما بين القوسين سقط من ب.

(٥) في الأصل : أبي. وهو تحريف.

(٦) أخرجه الترمذي (مناقب) ٥ / ٢٧٨ ـ ٢٧٩.

(٧) ما بين القوسين سقط من ب.

(٨) في ب : وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(٩) أخرجه أبو داود (إمارة) ٣ / ٣٤٥.

(١٠) آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢٢ / ٤٨ ـ ٤٩.

(١١) ما بين القوسين تكملة من الفخر الرازي.

(١٢) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(١٣) على الدين : سقط من ب.

(١٤) في ب : أراد.

(١٥) في ب : هذه المنفعة.

(١٦) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ٤٩.

(١٧) انظر البغوي ٥ / ٤٢١.

(١٨) ما بين القوسين سقط من ب.

(١٩) في ب : أبو عبيد. وهو تحريف.

(٢٠) مجاز القرآن ٢ / ١٨.

(٢١) العين (أزر).

(٢٢) انظر البغوي ٥ / ٢٤٢.

(٢٣) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ٥٠.

٢٣٠

قوله : «كثيرا» نعت لمصدر محذوف (١) ، أو حال من ضمير المصدر كما هو رأي سيبويه (٢).

وجوّز أبو البقاء : أن يكون نعتا لزمان محذوف ، أي : زمانا كثيرا (٣).

قوله : (إِنَّكَ كُنْتَ بِنا بَصِيراً) أي عالما بأنّا لا نريد بهذه الطاعات (٤) إلا وجهك ورضاك ، أو بصيرا بأنّ الاستعانة بهذه الأشياء لأجل حاجتي في النبوة إليها ، أو بصيرا بوجوه مصالحنا فأعطنا ما هو أصلح لنا (٥).

قوله تعالى : (قالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسى (٣٦) وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرى (٣٧) إِذْ أَوْحَيْنا إِلى أُمِّكَ ما يُوحى (٣٨) أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي) (٣٩)

قوله تعالى : (قالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسى. وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرى) فعل بمعنى مفعول كقولك (٦) : خبز بمعنى مخبوز وأكل بمعنى مأكول ، ولا ينقاس (٧) و«مرّة» مصدر ، و«أخرى» تأنيث آخر بمعنى : غير ، وزعم بعضهم أنها بمعنى آخرة فتكون مقابلة للأولى (٨) ، وتخيّل لذلك بأن قال سمّاها أخرى وهي أولى ، لأنها أخرى في الذكر (٩).

فصل

إن موسى (١٠) عليه‌السلام (١١) لما سأل (١٢) ربه تلك (١٣) الأمور الثمانية ، وكان في المعلوم أن قيامه بما كلفه (١٤) (لا يتم إلا بإجابته إليها ، لا جرم أجابه الله تعالى إليها ليكون أقدر على إبلاغ ما كلف به) (١٥) فقال : «قد أوتيت سؤلك يا موسى. ولقد مننّا عليك مرّة أخرى» فنبه بذلك على أمور :

__________________

(١) تقديره : تسبيحا كثيرا. انظر مشكل إعراب القرآن ٢ / ٦٦. تفسير ابن عطية ١٠ / ٢٥ ، البيان ٢ / ٨٩٠ ، والبحر المحيط ٦ / ٢٤٠.

(٢) انظر البحر المحيط ٦ / ٢٤٠.

(٣) التبيان ٢ / ٨٩٠ ، وانظر أيضا مشكل إعراب القرآن ٢ / ٦٦ ـ ٦٧.

(٤) في ب : الطاعة.

(٥) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ٥٠ بتصرف.

(٦) في ب : كقوله.

(٧) انظر الكشاف ٢ / ٤٣٣.

(٨) وقد نفاه أبو حيان في البحر المحيط فقال : (وليست أخرى بمعنى آخرة فتكون مقابلة للأولى) ٦ / ٢٤٠.

(٩) انظر البحر المحيط ٦ / ٢٤٠.

(١٠) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٢ / ٥١.

(١١) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(١٢) في ب : لما ذكر لما سأل.

(١٣) في ب : في هذه. وهو تحريف.

(١٤) في ب : كلف به.

(١٥) ما بين القوسين سقط من ب.

٢٣١

أحدها (١) : كأنه تعالى قال : إني راعيت مصلحتك قبل سؤالك (٢) فكيف لا أعطيك مرادك بعد السؤال.

وثانيها (٣) : إني (٤) كنت ربيتك فلو منعتك الآن كان ذلك ردا بعد القبول وإساءة بعد الإحسان ، فكيف يليق بكرمي.

وثالثها (٥) : إنا أعطيناك في الأزمنة السالفة كلّ ما احتجت إليه ، ورقّيناك إلى الدرجة العالية ، وهي درجة (٦) النبوة ، فكيف يليق بمثل هذه الرتبة (٧) المنع عن المطلوب. ومعنى «مننّا عليك» أنعمنا عليك (مَرَّةً أُخْرى) فإن قيل : لم ذكر تلك (٨) النّعم بلفظ المنّة مع أن هذه اللفظة مؤذية والمقام مقام التلطف؟

فالجواب : إنما ذكر ذلك ليعرف موسى عليه‌السلام (٩) أن هذه النعم التي وصل إليها ما كان مستحقا لشيء منها ، بل إنما خصّه الله بها لمحض التفضل (١٠) والإحسان.

فإن قيل : لم قال : (مَرَّةً أُخْرى) مع أنه تعالى ذكر «مننا» كثيرة؟

فالجواب : لم (١١) يعن ب (مَرَّةً أُخْرى) مرة (١٢) واحدة من المنن ، لأن ذلك قد (١٣) يقال في القليل والكثير (١٤).

قوله : (إِذْ أَوْحَيْنا) العامل ف ي «إذ مننا» (١٥) أي مننا عليك في وقت إيحائنا إلى أمك ، وأبهم في قوله : (ما يُوحى) للتعظيم كقوله تعالى : (فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ ما غَشِيَهُمْ)(١٦) وهذا وحي إلهام ، لأن الأكثرين على أن أم موسى ـ عليه‌السلام (١٧) ـ ما كانت من الأنبياء ، وذلك (١٨) لأن المرأة لا تصلح للقضاء والإمامة ، ولا تمكن عند أكثر العلماء من تزويج نفسها ، ويدل على ذلك (١٩) قوله تعالى : (وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلَّا رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ)(٢٠).

__________________

(١) في ب : الأول.

(٢) في ب : سؤلك.

(٣) في ب : والثاني.

(٤) في ب : إن.

(٥) في ب : والثالث.

(٦) في ب : منصب.

(٧) في النسختين : التربية. والصواب ما أثبته.

(٨) في ب : لفظ. وهو تحريف.

(٩) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(١٠) في ب : لمن. وهو تحريف.

(١١) في ب : لمن. وهو تحريف.

(١٢) مرة : سقط من ب.

(١٣) مد : سقط من ب.

(١٤) آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢٢ / ٥١.

(١٥) في قوله تعالى :«وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرى» الآية [٣٧] من السورة نفسها وانظر التبيان ٢ / ٨٩١.

(١٦) [طه : ٧٨] والاستشهاد بالآية على أن حق الكلام كان : فغشيهم من ماء اليم شدته ، فعدل إلى لفظة (ما) لما فيها من الإبهام تهويلا للأمر ، وتعظيما للشأن ، لأنه أبلغ من التعيين لأن الوهم يقف في التعيين على الشيء المعين ، ولا يقف عند الإبهام ، بل يتردد في الأشياء المختلفة ، فيكون أبلغ تخويفا وتهديدا. انظر البيان ٢ / ١٥١.

(١٧) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(١٨) ذلك : سقط من ب.

(١٩) في ب : عليه.

(٢٠) [الأنبياء : ٧].

٢٣٢

والوحي قد (١) جاء في القرآن لا بمعنى النبوة قال تعالى : (وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ)(٢)(وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ)(٣) ثم (٤) اختلفوا في المراد بهذا الوحي على وجوه (٥) :

الأول (٦) : أنه رؤيا رأتها (٧) أم موسى (٨) ، وكان تأويلها وضع موسى عليه‌السلام (٩) في التابوت ، وقذفه في البحر ، وأن الله تعالى يرده إليها (١٠).

الثاني (١١) : أنه عزيمة جازمة وقعت في قلبها دفعة واحدة.

الثالث (١٢) : المراد منه (١٣) خطور البال وغلبته على القلب.

فإن قيل : الإلقاء في البحر قريب من الإهلاك ، وهو مساو للخوف الحاصل من القتل المعتاد من فرعون ، فكيف يجوز الإقدام على أحدهما لأجل الصيانة عن الثاني؟ فالجواب لعلّها عرفت بالاستقراء صدق رؤياها ، فكان الإلقاء في البحر إلى السلامة أغلب على ظنها من وقوع الولد في يد فرعون ، أو لعله (١٤) أوحى إلى بعض الأنبياء في ذلك الزمان كشعيب (١٥) أو غيره (١٦) ، ثم إن ذلك النبي عرفها إمّا مشافهة ، أو مراسلة.

واعترض عليه (١٧) بأن (١٨) الأمر لو كان كذلك لما لحقها الخوف. وأجيب (١٩) : ذلك الخوف كان من لوازم البشرية ، كما أن موسى ـ عليه‌السلام (٢٠) ـ كان يخاف من فرعون مع أن الله ـ تعالى ـ كان أمره بالذهاب إليه مرارا.

الرابع من الأوجه (٢١) : لعل بعض الأنبياء المتقدمين كإبراهيم وإسحاق ويعقوب ـ عليهم‌السلام (٢٢) ـ أخبروا بذلك الخبر ، وانتهى ذلك الخبر إلى أمه. أو لعل (٢٣) الله بعث إليها ملكا لا (٢٤) على وجه النبوة كما بعث إلى مريم في قوله : (فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا)(٢٥).

__________________

(١) قد : سقط من ب.

(٢) [النحل : ٦٨].

(٣) [المائدة : ١١].

(٤) في ب : فصل.

(٥) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٢ / ٥٠ ـ ٥٢.

(٦) في ب : أحدها.

(٧) في ب : أنها. وهو تحريف.

(٨) في ب : أم موسى عليه‌السلام.

(٩) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(١٠) في الأصل : عليها.

(١١) في ب : ثانيها.

(١٢) في ب : ثالثها.

(١٣) في ب : بذلك.

(١٤) في ب : أو لأنه.

(١٥) في ب : إلى شعيب عليه الصلاة والسلام.

(١٦) في الأصل : وغيره.

(١٧) في ب : فإن قيل : واعترض عليه.

(١٨) في الأصل : أن.

(١٩) في ب : فالجواب.

(٢٠) في ب : عليهم الصلاة والسلام.

(٢١) في الأصل : الثالث.

(٢٢) في ب : عليهم الصلاة والسلام.

(٢٣) في ب : أو لأن.

(٢٤) لا : سقط من الأصل.

(٢٥) [مريم : ١٧].

٢٣٣

وأما قوله : (ما يُوحى)(١) معناه : أوحينا إلى أمّك ما يجب أن يوحى ، وإنما وجب ذلك الوحي ، لأن الواقعة عظيمة ، ولا سبيل إلى معرفة المصلحة فيها إلا بالوحي ، فكان الوحي فيها واجبا(٢).

قوله : (أَنِ اقْذِفِيهِ)(٣) يجوز أن تكون «أن» مفسّرة ، لأن الوحي (٤) بمعنى القول ، ولم يذكر الزمخشري غيره (٥). وجوز غيره أن تكون مصدرية ، ومحلها حينئذ النصب بدلا من «ما يوحى» (٦) والضمائر في (قوله : (أَنِ اقْذِفِيهِ) إلى آخرها (٨) عائدة (٩) على موسى ـ عليه‌السلام (١٠) ـ لأنه المحدّث عنه (١١).

وجوّز بعضهم أن يعود الضمير في قوله : (فَاقْذِفِيهِ (١٢) فِي الْيَمِّ) للتابوت ، وما بعده وما قبله لموسى (١٣) ـ عليه‌السلام (١٤) ـ وعابه الزمخشري وجعله تنافرا ومخرجا للقرآن عن إعجازه فإنه (١٥) قال : والضمائر كلها راجعة إلى موسى ، ورجوع (١٦) بعضها إليه وبعضها إلى التابوت فيه هجنة (١٧) لما يؤدي إليه من تنافر النظم ، فإن قلت (١٨) : المقذوف في البحر هو التابوت ، وكذلك الملقى إلى الساحل قلت (١٩) : ما ضرك لو جعلت المقذوف والملقى إلى الساحل هو موسى في جوف التابوت حتى لا تفرق الضمائر ، فيتنافر عليك (٢٠) النظم الذي هو أم إعجاز القرآن ، والقانون (٢١) الذي وقع عليه التحدي ، ومراعاته أهم ما يجب على المفسّر (٢٢).

قال أبو حيّان : ولقائل أن يقول : إن الضمير إذا كان صالحا لأن يعود على (٢٣)

__________________

(١) في الأصل : «ما أوحى».

(٢) آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢٢ / ٥١ ـ ٥٢ بتصرف.

(٣) في الأصل : فاقذفيه.

(٤) في ب : لأن معنى الوحي.

(٥) انظر الكشاف ٢ / ٤٣٣.

(٦) ذكر هذا الرأي مكي في مشكل إعراب القرآن ٢ / ٦٧ ، وابن الأنباري في البيان ٢ / ١٤٢ والعكبري في التبيان ٢ / ٨٩١ ، وزاد العكبري وجها آخر : وهو أن تكون على تقدير : هو أن اقذفيه أي خبر المبتدأ محذوف ، ويجوز أن تكون بمعنى أي.

(٧) ما بين القوسين سقط من ب.

(٨) وهي في قوله : «فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ».

(٩) في الأصل : عائد. وهو تحريف.

(١٠) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(١١) انظر الكشاف : ٢ / ٤٣٣.

(١٢) في ب : «أَنِ اقْذِفِيهِ».

(١٣) انظر مشكل إعراب القرآن ٢ / ٦٧ ، البيان ٢ / ١٤٢.

(١٤) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(١٥) في ب : فإن وهو تحريف.

(١٦) في ب : ورجع. وهو تحريف.

(١٧) الهجنة من الكلام : ما يعيبك.

(١٨) في ب : فإن قيل.

(١٩) في ب : فالجواب.

(٢٠) عليك : سقط من الأصل.

(٢١) في ب : والتابوت. وهو تحريف.

(٢٢) الكشاف ٢ / ٤٣٣.

(٢٣) في ب : إلى.

٢٣٤

الأقرب وعلى الأبعد ، كان (١) عوده على (٢) الأقرب راجحا (٣) ، وقد (٤) نص النحويون على هذا ، فعوده على التابوت في قوله : (فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ)(٥) راجح ، والجواب (٦) : أن أحدهما إذا كان محدّثا عنه (٧) والآخر فضلة كان عوده على المحدّث عنه أرجح ، ولا يلتفت إلى القرب ولهذا رددنا (٨) على (٩) أبي (١٠) محمد بن حزم (١١) في دعواه أن الضمير في قوله تعالى : (فَإِنَّهُ (١٢) رِجْسٌ)(١٣) عائد على (خنزير) لا على (لحم) ، لكونه (١٤) أقرب مذكور ، فيحرم بذلك شحمه ، وغضروفه (١٥) وعظمه وجلده ، فإن المحدّث عنه هو (١٦) لحم خنزير (١٧) لا (١٨) خنزير (١٩). وقد تقدمت هذه المسألة في الأنعام (٢٠).

قوله : (فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ) هذا أمر معناه الخبر ، ولكونه أمرا لفظا جزم جوابه في قوله «يأخذه» ، وإنما خرج بصيغة الأمر مبالغة إذ الأمر أقطع الأفعال وآكدها ، قال الزمخشري : لما كانت مشيئة الله وإرادته أن يجرى ماء اليمّ ، ويلقي بذلك التابوت إلى الساحل سلك في ذلك سبيل المجاز ، وجعل اليمّ كأنّه ذو تمييز أمر بذلك ليطيع الأمر ، ويمتثل رسمه فقيل : (فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ)(٢١). و«بالسّاحل» يحتمل أن يتعلق بمحذوف على أن الباء للحال. أي : ملتبسا بالسّاحل. وأن يتعلق بنفس الفعل على أن الباء ظرفية بمعنى

__________________

(١) في ب : وكان.

(٢) في ب : إلى.

(٣) في ب : راجعا إليه مرجحا فإن قيل. وهو تحريف.

(٤) في ب : قد.

(٥) في ب : «الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ».

(٦) في ب : فالجواب.

(٧) عنه : سقط من ب.

(٨) في ب : وعلى هذا أردنا. وهو تحريف.

(٩) في ب : إلى. وهو تحريف.

(١٠) أبي : سقط من ب.

(١١) هو علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهري ، أبو محمد ، عالم الأندلس في عصره ، وأحد أئمة الإسلام ، من مصنفاته الفصل في الملل والأهواء والنّحل ، المحلّى في الفقه ، جمهرة الأنساب ، الناسخ والمنسوخ ، وغير ذلك ، مات سنة ٤٥٦ ه‍. الأعلام ٥ / ٥٩.

(١٢) في ب : إنه.

(١٣) من قوله تعالى : «قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ» [الأنعام : ١٤٥].

(١٤) في ب : لأنه.

(١٥) في ب : وغضروفه.

(١٦) هو : سقط من الأصل.

(١٧) في ب : الخنزير.

(١٨) في ب : ولا.

(١٩) البحر المحيط ٦ / ٢٤١.

(٢٠) انظر اللباب ٣ / ٥٣٨ ـ ٥٣٩.

(٢١) انظر الكشاف ٢ / ٤٣٣ ، وقال الفراء : (ثم قال : «فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ» هو جزاء أخرج مخرج الأمر كأن البحر أمر. وهو مثل قوله : «اتَّبِعُوا سَبِيلَنا وَلْنَحْمِلْ» [العنكبوت : ١٢] المعنى والله أعلم : اتبعوا سبيلنا نحمل عنكم خطاياكم. وكذلك وعدها الله : ألقيه في البحر يلقيه اليمّ بالساحل). معاني القرآن : ٢ / ١٧٩.

٢٣٥

(في) (١) والقذف يستعمل (٢) بمعنى الإلقاء والوضع ، ومنه قوله : (وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ)(٣) واليمّ (٤) البحر ، والمراد (٥) به ههنا نيل مصر (في قول الجميع) (٦) واليمّ : اسم يقع على النهر والبحر(٧) العظيم.

قال الكسائي : والسّاحل فاعل (٨) بمعنى مفعول ، سمي بذلك لأن الماء يسحله أي : يغمره (٩) إلى أعلاه (١٠).

فصل

روي (١١) أنها اتخذت (١٢) تابوتا.

قال مقاتل : إن الذي صنع التابوت حزيقيل مؤمن آل فرعون وجعلت في التابوت قطنا محلوجا ، ووضعت فيه موسى ، وقيرت رأسه وشقوقه بالقير (١٣) ، ثم ألقته (١٤) في النيل ، وكان يشرع منه نهر (١٥) كبير في (١٦) دار فرعون ، فبينما فرعون جالس على رأس البركة مع امرأته آسية إذا بتابوت يجيء به الماء ، فأمر الغلمان والجواري بإخراجه ، فأخرجوه ، وفتحوا رأسه ، فإذا صبيّ من أصبح الناس وجها ، فلما رآه فرعون أحبه بحيث لم يتمالك ، فذلك (١٧) قوله : (وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي)(١٨) قال ابن عباس : أحبّه وحبّبه (١٩) إلى خلقه (٢٠).

وقال عكرمة : ما رآه أحد إلا أحبه (٢٠).

فإن قيل : قوله : (يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ) ولم يكن موسى في ذلك الوقت معاديا له.

فالجواب من وجهين :

__________________

(١) كما في قوله : «وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ» [آل عمران : ١٢٣] وقوله تعالى «نَجَّيْناهُمْ بِسَحَرٍ» [القمر : ٣٤] انظر المغني ١ / ١٠٤.

(٢) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٢ / ٥٢.

(٣) [الأحزاب : ٢٦].

(٤) في ب : فصل.

(٥) في ب : المراد.

(٦) ما بين القوسين سقط من ب.

(٧) في ب : البحر والنهر.

(٨) في ب : اسم فاعل.

(٩) في الأصل : يعمره.

(١٠) آخر ما نقله عن الفخر الرازي ٢٢ / ٥٢.

(١١) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٢ / ٥٢.

(١٢) في ب : أخذت.

(١٣) القير والقار : لغتان ، وهو شيء أسود تطلى به الإبل والسفن يمنع الماء أن يدخل. اللسان (قير).

(١٤) في ب : وألقته.

(١٥) في ب : تفر. وهو تحريف.

(١٦) في ب : من. وهو تحريف.

(١٧) في ب : بذلك.

(١٨) آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢٢ / ٥٢. وانظر البغوي ٥ / ٤٢٥ ـ ٤٢٦.

(١٩) في ب : وأحبه.

(٢٠) البغوي ٥ / ٤٢٦.

(٢٠) البغوي ٥ / ٤٢٦.

٢٣٦

الأول : كونه كافرا عدوا لله (١) ، وكونه عدوا لموسى ـ عليه‌السلام (٢) ـ ، فإنه بحيث لو ظهر له (٣) حاله لقتله.

والثاني : عدوا بحيث (٤) يؤول أمره إلى عداوته (٥).

قوله (٦) : «منّي» فيه (٧) وجهان : قال الزمخشري : «منّي» (٨) لا يخلو (٩) إما أن يتعلق ب «ألقيت» فيكون المعنى : على أني أحببتك ، ومن أحبه الله أحبته القلوب.

وإما أن يتعلق بمحذوف هو صفة ل «محبّة» (١٠) أي : محبة حاصلة وواقعة مني (١١) قد ركزتها أنا (١٢) في القلوب ، وزرعتها فيها ، فلذلك أحبتك امرأة فرعون حتى قالت : (قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ)(١٣). روي أنه كان على وجهه مسحة جمال ، وفي عينيه ملاحة ، لا يكاد يصبر عنه من رآه (١٤) ، وهو كقوله ـ تعالى (١٥) ـ : (سَيَجْعَلُ لَهُمُ (١٦) الرَّحْمنُ وُدًّا)(١٧) قال القاضي (١٨) : هذا الوجه أقرب ، لأنه حال صغره لا يكاد يوصف بمحبة الله تعالى التي ظاهرها من جهة الدين ؛ لأن (١٩) ذلك إنما (٢٠) يستعمل في المكلف من حيث استحقاق الثواب.

فالمراد أول ما ذكر في كيفيته في الخلقة (٢١) يستحلى ويغتبط به ، وكذلك كانت حاله (٢٢) مع فرعون وامرأته. (ويمكن أن يقال) (٢٣) بل (٢٤) الاحتمال الأول أرجح لأن (٢٥) الاحتمال الثاني يحوج إلى الإضمار ، وهو أن يقال : وألقيت عليك محبّة حاصلة منّي وواقعة (٢٦) بتخليقي ، وعلى الأول لا حاجة إلى الإضمار(٢٧).

__________________

(١) في الأصل : كافر عدو. وهو تحريف.

(٢) في ب : عليه الصلاة والسلام.

(٣) له : سقط من ب.

(٤) في ب : من حيث.

(٥) انظر الفخر الرازي ٢٢ / ٥٣.

(٦) قوله : سقط من ب.

(٧) في ب : يجوز فيها.

(٨) مني : سقط من ب.

(٩) في النسختين : لا يخلوا.

(١٠) في ب : بمحبة. وهو تحريف. وقد أجاز الوجهين أبو البقاء حيث قال : (ومنّي تتعلق ب «ألقيت» ويجوز أن تكون نعتا ل «محبة» التبيان ٢ / ٨٩١.

(١١) وجوز أبو البقاء الوجهين. التبيان ٢ / ٨٩١.

(١٢) أنا : سقط من ب.

(١٣) [القصص : ٩].

(١٤) الكشاف ٢ / ٤٣٣.

(١٥) تعالى : سقط من ب.

(١٦) في ب : له. وهو تحريف.

(١٧) [مريم : ٩٦].

(١٨) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٢ / ٥٣. بتصرف يسير.

(١٩) في ب : لا. وهو تحريف.

(٢٠) في ب : فإنما. وهو تحريف.

(٢١) في ب : الخطبة. وهو تحريف.

(٢٢) في ب : حالته. وهو تحريف.

(٢٣) ما بين القوسين سقط من ب. وفيه : بل يحتمل.

(٢٤) في ب : لأن. وهو تحريف.

(٢٥) في ب : و. وهو تحريف.

(٢٦) في ب : وواقعت. وهو تحريف.

(٢٧) لأن ما لا يحتاج إلى إضمار أولى مما يحتاج إليه.

٢٣٧

وأما قوله : إنه حال صباه لا يحصل له محبة الله. فممنوع ، لأن معنى محبة الله هو اتصال النفع إلى عباده ، وهذا المعنى كان حاصلا في حقه في زمان صباه ، وعلم الله أن ذلك يستمر إلى آخر عمره ، فلا جرم أطلق عليه لفظ المحبة (١). قوله : «ولتصنع» قرأ العامة بكسر اللام وضم التاء وفتح النون (٢) على البناء للمفعول ، ونصب الفعل بإضمار (أن) بعد لام (كي) (٣) ، وفيه وجهان :

أحدهما : أن هذه العلة معطوفة على علة مقدرة قبلها.

والتقدير : ليتلطف بك ولتصنع (٤) ، (أو ليعطف عليك) (٥) وترأم (٦) ولتصنع ، وتلك (٧) العلة المقدرة متعلقة بقوله : «وألقيت» أي : ألقيت عليك المحبة (ليعطف عليك ولتصنع ، ففي الحقيقة هو متعلق بما قبله من إلقاء المحبّة (٨)) (٩).

والثاني : أن هذه اللام تتعلق بمضمر بعدها ، تقديره : ولتصنع على عيني فعلت ذلك ، أي : ألقيت عليك محبة منّي ، أو كان كيت وكيت (١٠).

ومعنى «ولتصنع» (١١) أي لتربّى ويحسن إليك ، وأنا مراعيك ، ومراقبك كما يراعي الإنسان الشيء بعينه إذا اعتنى به. قاله الزمخشري (١٢).

ومجاز هذا (١٣) أنّ من صنع للإنسان شيئا وهو حاضر ينظر إليه صنعه كما يحبّ ، ولا يمكنه أن يخالف غرضه فكذا هنا (١٤). وفي كيفية المجاز قولان :

الأول : المراد من العين العلم ، أي تربّى على علم منّي ، ولما كان العالم بالشيء يحرسه عن الآفات أطلق لفظ العين على العلم (لاشتباههما) (١٥) من هذا الوجه (١٦).

__________________

(١) آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢٢ / ٥٣. بتصرف يسير.

(٢) انظر البحر المحيط ٦ / ٢٤٢.

(٣) وإضمار «أن» هنا جائز ، لأن اللام لم تسبق بكون ناقص منفي ، فيجب الإضمار نحو قوله تعالى :«لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ» [النساء : ١٦٨] ولم يقترن الفعل ب (لا) فيجب الإظهار نحو قوله تعالى :«لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ» [البقرة : ١٥٠] الأشموني ٣ / ٢٩١ ـ ٢٩٢.

(٤) في ب : ولتصنع عليك. وهو تحريف.

(٥) ما بين القوسين سقط من ب.

(٦) ترأم : تعطف.

(٧) في ب : وذلك. وهو تحريف.

(٨) ولم يذكر أبو البقاء غير هذا الوجه ، قال :(«ولتصنع» : أي : لتحب ولتصنع) التبيان ٢ / ٨٩١.

(٩) ما بين القوسين سقط من ب.

(١٠) وجوز الزمخشري الوجهين قال :(«ولتصنع» معطوف على علة مضمرة مثل ليتعطف عليك وترأم ونحوه ، أو حذف معلله أي ولتصنع فعلت ذلك) الكشاف ٢ / ٤٣٣.

(١١) في ب : لتصنع.

(١٢) الكشاف ٢ / ٤٣٣.

(١٣) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٢ / ٥٣ ـ ٥٤.

(١٤) في ب : هذا.

(١٥) ما بين القوسين سقط من ب.

(١٦) على سبيل الاستعارة.

٢٣٨

الثاني : المراد من العين الحراسة ، لأن الناظر إلى الشيء يحرسه عما لا يريده ، فالعين (١) كأنها سبب الحراسة ، فأطلق اسم (٢) السبب على المسبب مجازا (٣) وهو كقوله تعالى : (إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَأَرى)(٤). ويقال : عين الله عليك ، إذا دعا له بالحفظ (والحياطة (٥)(٦)) (٧).

وقرأ الحسن وأبو نهيك (٨) : «ولتصنع» بفتح التاء (٩).

(قال ثعلب) (١٠) : معناه لتكون حركتك وتصرفك على عين مني (١١).

وقال قريبا منه الزمخشري (١٢).

وقال أبو البقاء : أي : لتفعل ما آمرك بمرأى مني (١٣). وقرأ أبو جعفر وشيبة «ولتصنع» بسكون (١٤) اللام والعين وضم التاء (١٥) ، (وهو أمر معناه : لتربّ وليحسن إليك (١٦)) (١٧). وروي عن أبي جعفر في هذه القراءة كسر لام الأمر (١٨).

ويحتمل مع كسر اللام أو (١٩) سكونها حالة تسكين العين أن (٢٠) تكون لام كي ، وإنما سكنت تشبيها بكتف وكبد (٢١) ، والفعل منصوب ، والتسكين في العين (٢٢) لأجل

__________________

(١) في ب : والعين.

(٢) في ب : لفظ. وهو تحريف.

(٣) مجاز مرسل علاقته السببية.

(٤) من قوله تعالى : «قالَ لا تَخافا إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَأَرى» [طه : ٤٦].

(٥) حاطه يحوطه حوطا وحيطة وحياطة : حفظه وتعهده. اللسان (حوط).

(٦) آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢٢ / ٥٣ ـ ٥٤.

(٧) ما بين القوسين سقط من ب.

(٨) وأبو نهيك : سقط من ب.

(٩) انظر المحتسب ٢ / ٥١ ، تفسير ابن عطية ١٠ / ٣٠ ، البحر المحيط ٦ / ٢٤٢.

(١٠) ما بين القوسين في ب : قال الحسن. وهو تحريف.

(١١) انظر المحتسب ٢ / ٥٢ ، تفسير ابن عطية ١٠ / ٣٠ ، البحر المحيط ٦ / ٢٤٢.

(١٢) قال الزمخشري. (وقرىء «ولتصنع» بفتح التاء والنصب ، أي وليكون عملك وتصرفك على عين مني) الكشاف ٢ / ٤٣٣.

(١٣) التبيان ٢ / ٨٩١.

(١٤) في ب : بإسكان.

(١٥) المختصر (٨٧) ، والمحتسب ٢ / ٥١ ، والبحر المحيط ٦ / ٢٤٢.

(١٦) الكشاف ٢ / ٤٣٣ ، البحر المحيط ٦ / ٢٤٢.

(١٧) ما بين القوسين سقط من ب.

(١٨) انظر تفسير ابن عطية ١٠ / ٣٠ والبحر ٦ / ٢٤٢ ، والإتحاف (٣٠٣).

(١٩) في ب : أوجه. وهو تحريف.

(٢٠) في ب : أي ، وهو تحريف.

(٢١) في لغة بني تميم الذين يخففون الاسم الثلاثي الذي على وزن فعل ـ بفتح الفاء وكسر العين ـ على فعل ـ بفتح الفاء وسكون العين ـ وعلى فعل ـ بكسر العين وسكون الفاء ـ فيقولون في كبد وكتف كبد وكتف. ثم يعاملون ما كان من كلمتين فأكثر معاملة الكلمة الواحدة كما هنا.

انظر شرح الشافية ١ / ٤١ ـ ٤٢.

(٢٢) في ب الفعل.

٢٣٩

الإدغام لأنه (١) لا يقرأ في الوصل إلا بإدغام فقط.

قوله تعالى : (إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْناكَ إِلى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْناكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلى قَدَرٍ يا مُوسى)(٤٠)

قوله : (إِذْ تَمْشِي)(٢) (في عامل هذا الظرف أوجه :

أحدها : أنّ العامل فيه «ألقيت» ، أي : ألقيت عليك محبّة منّي وقت مشي أختك.

الثاني : أنه منصوب بقوله : «ولتصنع» ، أي : لتربّى ويحسن إليك في هذا الوقت. قال الزمخشري : والعامل في (إِذْ تَمْشِي) «ألقيت» أو «لتصنع» (٣) وقال أبو البقاء : (إِذْ تَمْشِي) يجوز أن يتعلق بأحد الفعلين (٤). يعني بالفعلين ما تقدم من «ألقيت» أو «لتصنع») (٥). وعلى هذا فيجوز أن تكون المسألة من باب التنازع (٦) لأن كلّا من هذين العاملين يطلب هذا الظرف من حيث المعنى ، ويكون من إعمال الثاني للحذف من الأول (٧) ، وهذا إنما يتجه كل (٨) الاتجاه إذا جعلت «ولتصنع» معطوفا على علة محذوفة متعلقة ب «ألقيت».

أما إذا جعلته متعلقا (٩) بفعل مضمر بعده فيبعد ذلك ، أو يمتنع لكون الثاني صار من جملة أخرى.

الثالث : أن يكون (إِذْ تَمْشِي) بدلا من (إِذْ أَوْحَيْنا)(١٠).

قال الزمخشري : فإن قلت (١١) : كيف يصح البدل والوقتان مختلفان متباعدان؟ قلت (١٢) : كما يصح وإن اتسع الوقت وتباعد طرفاه أن يقول لك الرجل : لقيت فلانا سنة كذا ، فتقول : وأنا لقيته إذ ذاك ، وربما لقيه هو في أولها وأنت في آخرها (١٣). قال أبو

__________________

(١) في ب : ولأنه.

(٢) في ب : قوله : «إِذْ تَمْشِي» متعلق بألقيت أو لتصنع.

(٣) الكشاف ٢ / ٤٣٣ ـ ٤٣٤.

(٤) التبيان ٢ / ٨٩١.

(٥) ما بين القوسين سقط من ب.

(٦) التنازع هو أن يتقدم عاملان على معمول كل منهما طالب له من جهة المعنى ويعمل أحدهما في المعمول الظاهر ، ويقدر للآخر معمول آخر ، فأهل البصرة يعملون الثاني ، ويقدرون للأول معمولا ، وحجتهم أنه أقرب العاملين إلى المعمول ، فلا يلغى لما قبله. وأهل الكوفة يعملون الأول وحجتهم أنه أسبق العاملين والثاني طارىء عليه فهو أحق بالعمل منه.

وقول البصريين أوسع في كلام العرب ، والثاني موجود إلا أنه دونه ، وأكثر ما يستعمل في الشعر.

كشف المشكل في النحو ٢ / ١٢٧ ـ ١٢٨.

(٧) وهو اختيار البصريين.

(٨) في ب : على. وهو تحريف.

(٩) في ب : متعلق. وهو تحريف.

(١٠) ذكره الزمخشري. الكشاف ٢ / ٤٣٤.

(١١) قلت : سقط من الأصل.

(١٢) في ب : فالجواب.

(١٣) الكشاف ٢ / ٤٣٤.

٢٤٠