نهاية الحكمة - ج ١

آية الله السيد محمد حسين الطباطبائي

نهاية الحكمة - ج ١

المؤلف:

آية الله السيد محمد حسين الطباطبائي


المحقق: الشيخ عبّاس علي الزارعي السبزواري
الموضوع : الفلسفة والمنطق
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٤
ISBN: 978-964-470-623-3
ISBN الدورة:
978-964-470-005-7

الصفحات: ٢٨٣

العدم ـ بما أنّه مفهوم أخصّ من مطلق العدم مأخوذ فيه العدم ـ نوع من العدم ، وبما أنّ للعدم المضاف إليه ثبوتا مفروضا يرفعه العدم المضاف ـ رفع النقيض للنقيض ـ يقابله العدم المضاف.

وبمثل ذلك يندفع ما اورد (١) على قولهم : «المعدوم المطلق لا يخبر عنه» بأنّ القضيّة تناقض نفسها ، فإنّها تدلّ على عدم الإخبار عن المعدوم المطلق ، وهذا بعينه خبر عنه.

ويندفع بأنّ المعدوم المطلق بما أنّه بطلان محض في الواقع لا خبر عنه ، وبما أنّ لمفهومه ثبوتا مّا ذهنيّا يخبر عنه بأنّه لا يخبر عنه فالجهتان مختلفتان. وبتعبير آخر : المعدوم المطلق بالحمل الشائع لا يخبر عنه ، وبالحمل الاوّليّ يخبر عنه بأنّه لا يخبر عنه (٢).

وبمثل ما تقدّم أيضا يندفع الشبهة (٣) عن عدّة من القضايا توهم التناقض ؛ كقولنا : «الجزئيّ جزئيّ» وهو بعينه كلّيّ يصدق على كثيرين. وقولنا : «اجتماع النقيضين ممتنع» وهو بعينه ممكن موجود في الذهن ، وقولنا : «الشيء إمّا ثابت في الذهن أو لا ثابت فيه» واللا ثابت في الذهن ثابت فيه ، لأنّه معقول موجود

__________________

ـ فلا تناقض بين القضيّتين ، لأنّ الموضوع في إحداهما ـ وهو عدم العدم بالحمل الأوّلي ـ غير الموضوع في الاخرى ـ وهو عدم العدم بالحمل الشائع ـ.

(١) أورده عليه الكاتبي في حكمة العين ، فراجع إيضاح المقاصد في شرح حكمة عين القواعد : ٢٧. وتعرّض له أيضا صدر المتألّهين في الأسفار ١ : ٢٣٩ و ٣٤٧ ـ ٣٤٨ ، وفي شرح المطالع : ١٣٤ ، وشرح المنظومة : ٥١ ، وكشف المراد : ٦٨ ، وشوارق الإلهام : ١٢١ ، وشرح التجريد للقوشجيّ : ٥٥ ، وشرح المقاصد ١ : ٩٢.

(٢) فالتهافت هنا أيضا يرتفع باختلاف الموضوع ، فيقال ، «المعدوم المطلق بالحمل الشائع لا يخبر عنه» أي مصداق المعدوم المطلق لا يخبر عنه ، حيث لا مصداق له حتّى يخبر عنه.

ويقال : «المعدوم المطلق بالحمل الأوّليّ يخبر عنه بأنّه لا يخبر عنه» أي مفهوم المعدوم المطلق الّذي ثبت في الذهن يخبر عنه بأنّه لا يخبر عنه ، فلا تناقض بينهما.

(٣) تعرّض لها صدر المتألّهين في الأسفار ١ : ٢٩٢ ـ ٢٩٤ ، والحكيم السبزواريّ في شرح المنظومة : ٥٢ ـ ٥٣.

٤١

بوجود ذهنيّ.

فالجزئيّ جزئي بالحمل الأوّليّ ، كلّي صادق على كثيرين بالحمل الشائع (١) ؛ واجتماع النقيضين ممكن بالحمل الأوّليّ ، ممتنع بالحمل الشائع (٢) ، واللا ثابت في الذهن لا ثابت فيه بالحمل الأوّليّ ، ثابت فيه بالحمل الشائع.

__________________

(١) فالتناقض بينهما يرتفع باختلاف الحمل. فيقال : «الجزئي جزئيّ بالحمل الأوّلي» أي مفهوم الجزئيّ (الموضوع) نفس مفهوم الجزئيّ (المحمول). وبعبارة اخرى : مفهومهما واحد ، وهو ما يمتنع صدقه على كثيرين. ويقال : «الجزئيّ ليس بجزئيّ بالحمل الشائع» أي مفهوم الجزئيّ ليس مصداق مفهوم الجزئيّ ، بل مفهومه مصداق مفهوم الكلّيّ. ويمكن رفع التهافت بينهما باختلاف الموضوع. فيقال : «الجزئيّ بالحمل الشائع جزئيّ» أي مصداق الجزئيّ ـ كزيد وبكر ـ جزئيّ. ويقال : «الجزئيّ بالحمل الأوّليّ ليس بجزئيّ» أي مفهوم الجزئيّ ليس بجزئيّ بل هو كلّيّ.

(٢) لا يخفى أنّه لا يرفع التهافت بينهما باختلاف الحمل ، وذلك لعدم صحّة قوله : «اجتماع النقيضين ممكن بالحمل الأوّلي» ولا قوله : «ممتنع بالحمل الشائع».

أمّا الأوّل : فلأنّه يرجع إلى أنّ مفهوم «اجتماع النقيضين» نفس مفهوم «ممكن» ، وليس كذلك ، بل الصحيح أن يقال : «اجتماع النقيضين ممكن بالحمل الشايع» أي مفهوم اجتماع نقيضين ـ وهو أحد المفاهيم الثابتة في الذهن ـ مصداق لمفهوم الممكن.

وأمّا الثاني : فلأنّه يرجع إلى أنّ اجتماع النقيضين مصداق لمفهوم الممتنع ، وهو ممنوع ، لعدم وجود المصداق لهما أصلا.

بل الصحيح أن يرفع التهافت باختلاف الموضوع ، فيقال : «اجتماع النقيضين بالحمل الشائع ممتنع» أي مصداق اجتماع النقيضين ممتنع ، فلا مصداق له. ويقال أيضا : «اجتماع النقيضين بالحمل الأوّلي ليس بممتنع» فإن مفهومه اتّحاد أمرين متنافيين ، لا الممتنع.

٤٢

الفصل الخامس

في أنّه لا تكرّر في الوجود (١)

كلّ موجود في الأعيان فإنّ هويّته العينيّة وجوده ، على ما تقدّم من أصالة الوجود (٢) ، والهويّة العينيّة تأبى بذاته الصدق على كثيرين ، وهو التشخّص ، فالشخصيّة للوجود بذاته. فلو فرض لموجود وجودان ، كانت هويّته العينيّة الواحدة كثيرة وهي واحدة ، هذا محال (٣).

وبمثل البيان يتبيّن استحالة وجود مثلين من جميع الجهات ، لأنّ لازم فرض مثلين اثنين التمايز بينهما بالضرورة ، ولازم فرض التماثل من كلّ جهة عدم التمايز بينهما ، وفي ذلك اجتماع النقيضين ، هذا محال.

وبالجملة : من الممتنع أن يوجد موجود واحد بأكثر من وجود واحد ، سواء كان الوجودان ـ مثلا ـ واقعين في زمان واحد من غير تخلّل العدم بينهما أو منفصلين يتخلّل العدم بينهما. فالمحذور ـ وهو لزوم العينيّة مع فرض الاثنينيّة ـ في الصورتين سواء.

والقول (٤) ب «أنّ الوجود الثاني متميّز من الأوّل بأنّه مسبوق بالعدم بعد الوجود ، بخلاف الأوّل (٥) ، وهذا كاف في تصحيح الاثنينيّة ، وغير مضرّ بالعينيّة ،

__________________

(١) وهو المراد بقولهم : «لا تكرار في التجلّي».

(٢) في الفصل الثاني من هذه المرحلة في المتن.

(٣) هكذا في الأسفار ١ : ٣٥٣.

(٤) تعرّض له وللإجابة عليه في الأسفار ١ : ٣٥٩.

(٥) الّذي لا يكون عدما بعد الوجود ، بل العدم السابق عليه عدم أزليّ. فالوجود الثاني متميّز ـ

٤٣

لأنّه تميّز بعدم» مردود بأنّ العدم بطلان محض ، لا كثرة فيه ولا تميّز ، وليس فيه ذات متّصفة بالعدم يلحقها وجود بعد ارتفاع وصفه (١). فقد تقدّم (٢) أنّ ذلك كلّه اعتبار عقليّ بمعونة الوهم الّذي يضيف العدم إلى الملكة ، فيتعدّد العدم ويتكثّر بتكثّر الملكات. وحقيقة كون الشيء مسبوق الوجود بعدم وملحوق الوجود به ـ وبالجملة : إحاطة العدم به من قبل ومن بعد ـ اختصاص وجوده بظرف من ظروف الواقع وقصوره عن الانبساط على سائر الظروف من الأعيان ، لا أنّ للشيء وجودا واقعيّا في ظرف من ظروف الواقع ، وللعدم تقرّر واقع منبسط على سائر الظروف ربّما ورد على الوجود فدفعه عن مستقرّه واستقرّ هو فيه ، فإنّ فيه (٣) إعطاء الأصالة للعدم واجتماع النقيضين.

والحاصل : أنّ تميّز الوجود الثاني تميّز وهميّ لا يوجب تميّزا حقيقيّا ، ولو أوجب ذلك أوجب البينونة بين الوجودين وبطلت العينيّة.

والقول بـ «أنّه لم لا يجوز أن يوجد الموجد شيئا ، ثمّ يعدم ، وله بشخصه صورة علميّة عنده أو عند بعض المبادئ العالية ، ثمّ يوجد ثانيا على ما علم فيستحفظ الوحدة والعينيّة بين الوجودين بالصورة العلميّة؟» يدفعه أنّ الوجود الثاني كيفما فرض وجود بعد وجود ، وغيريّته وبينونته للوجود الأوّل بما أنّه بعده ضروريّ ، ولا تجتمع العينيّة والغيريّة البتّة.

وهذا الّذي تقرّر ـ من استحالة تكرّر الوجود لشيء مع تخلّل العدم ـ هو المراد بقولهم : «إنّ إعادة المعدوم بعينه ممتنعة» (٤). وقد عدّ الشيخ امتناع إعادة المعدوم

__________________

ـ من الوجود الأوّل بأنّ الوجود الثاني مسبوق بالعدم بعد الوجود ، والوجود الأوّل مسبوق بالعدم الأزليّ.

(١) الّذي هو العدم.

(٢) في الفصل السابق.

(٣) أي : في كون العدم ذا تقرّر واقع.

(٤) وذهب إليه الحكماء ، وجماعة من المتكلّمين ، ومنهم بعض الكراميّة وأبو الحسين البصريّ ومحمود الخوارزميّ من المعتزلة ؛ خلافا للأشاعرة ومشايخ المعتزلة ، فإنّ إعادة المعدوم جائزة عندهم. راجع شرح المواقف : ٥٧٩ ، وشرح التجريد للقوشجيّ : ٦٠ ـ ٦٣ وقواعد المرام في علم الكلام : ١٤٧.

٤٤

بعينه ضروريّا (١).

وقد أقاموا على ذلك حججا (٢) هي تنبيهات بناء على ضروريّة المسألة (٣) :

منها : أنّه لو جاز للموجود في زمان أن ينعدم زمانا ثمّ يوجد بعينه في زمان آخر لزم تخلّل العدم بين الشيء ونفسه ، وهو محال ، لاستلزامه وجود الشيء في زمانين بينهما عدم متخلّل.

ومنها : أنّه لو جازت إعادة الشيء بعينه بعد انعدامه جاز إيجاد ما يماثله من جميع الوجوه ابتداء ، وهو محال. أمّا الملازمة فلأنّ الشيء المعاد بعينه وما يماثله من جميع الوجوه مثلان ، وحكم الأمثال فيما يجوز وفيما لا يجوز واحد. فلو جاز إيجاده بعينه ثانيا بنحو الإعادة جاز إيجاد مثله ابتداء. وأمّا استحالة اللازم فلاستلزام اجتماع المثلين في الوجود عدم التميّز بينهما ، وهما إثنان متمايزان.

ومنها : أنّ إعادة المعدوم بعينه توجب كون المعاد هو المبتدأ ، لأنّ فرض العينيّة يوجب كون المعاد هو المبتدأ ذاتا وفي جميع الخصوصيّات المشخّصة حتّى الزمان ، فيعود المعاد مبتدأ وحيثيّة الإعادة عين حيثيّة الابتداء.

ومنها : أنّه لو جازت الإعادة لم يكن عدد العود بالغا حدّا معيّنا يقف عليه ، إذ لا فرق بين العودة الاولى والثانية والثالثة وهكذا إلى ما لا نهاية له. كما لم يكن فرق بين المعاد والمبتدأ ، وتعيّن العدد من لوازم وجود الشيء المتشخّص.

وذهب جمع من المتكلّمين (٤) ـ نظرا إلى أنّ المعاد الّذي نطقت به الشرائع

__________________

(١) راجع الفصل الخامس من المقالة الاولى من إلهيّات الشفاء. واستحسنه فخر الدين الرازيّ في المباحث المشرقيّة ١ : ٤٨.

(٢) راجع المباحث المشرقيّة ١ : ٤٧ ـ ٤٨ ، والأسفار ١ : ٣٥٣ ـ ٣٦٤ ، وشرح المنظومة : ٤٨ ـ ٥١ ، وكشف المراد : ٧٥ ، وشوارق الإلهام : ١٢٢ ، وشرح التجريد للقوشجي : ٦٠ ـ ٦٥.

(٣) وحجج ، بناء على كون المسألة نظريّة. كما هو الظاهر من المحقّق الطوسيّ وصدر المتألّهين.

راجع كشف المراد : ٧٤ ـ ٧٥ ، والأسفار ١ : ٣٥٣ ـ ٣٦٤.

(٤) منهم صاحب المواقف وشارحه في شرح المواقف : ٥٧٩ ، والعلّامة التفتازانيّ في شرح المقاصد ٢ : ٢٠٧ ـ ٢١٠. وقال ابن ميثم في قواعد المرام : ١٤٧ : «واتّفقت جملة مشايخ ـ

٤٥

الحقّة إعادة للمعدوم ـ إلى جواز الإعادة. واستدلّوا عليه بأنّه لو امتنعت إعادة المعدوم بعينه لكان ذلك إمّا لماهيّته أو لأمر لازم لماهيّته ، ولو كان كذلك لم يوجد ابتداء ، أو لأمر مفارق فيزول الامتناع بزواله (١).

وردّ بأنّ الامتناع لأمر لازم لوجوده لا لماهيّته (٢).

وأمّا ما نطقت به الشرائع الحقّة فالحشر والمعاد انتقال من نشأة إلى نشأة اخرى وليس إيجادا بعد الإعدام.

__________________

ـ المعتزلة على أنّ إعادته ممكنة ...». وقال صدر المتألّهين في الأسفار ١ : ٣٦١ : «القائلون بجواز إعادة المعدومات جمهور أهل الكلام المخالفين لكافّة الحكماء في ذلك ...».

(١) بيان ذلك : أنّ عود الوجود للمعدوم بعد الوجود ، لو كان ممتنعا ، لكان ذلك الامتناع مستندا إمّا إلى ماهيّة المعدوم نفسها ، أو إلى لازمها ، أو إلى عارض من عوارضها. وعلى الأوّل والثاني يلزم أن لا يوجد ابتداءا ، لأنّ عود الوجود عبارة عن الوجود ثانيا ، فإذا كانت الماهيّة أو لازمها منشئا لامتناع الوجود ثانيا ، لزم أن يكون منشئا لامتناعه ابتداء. فإنّ الأوّليّة والثانويّة لا أثر لهما في ذلك ، ضرورة أنّ مقتضى ذات الشيء ولازمه لا يختلف باختلاف الأزمنة. وعلى الثالث يكون منشأ الامتناع جائز الزوال ، فيجوز زوال الامتناع ، فيكون العود جائزا ، وهو المطلوب.

(٢) قال الحكيم السبزواريّ ـ تقريرا للجواب ـ : «إنّ الامتناع لأمر لازم ، لا للماهيّة ، بل للهويّة أو لماهيّة الموجود بعد العدم». شرح المنظومة (قسم الحكمة) : ٥١.

وقال العلّامة : «الامتناع لازم للماهيّة الموصوفة بالعدم بعد الوجود». والظاهر أنّه سهو من قلم الناسخ. والصحيح : «الامتناع لأمر لازم للماهيّة الموصوفة ...». كشف المراد : ٧٥.

وحاصل ما ذكره المصنّف رحمه‌الله هاهنا : أنّ الامتناع غير لازم لماهيّة المعدوم نفسها ، بل الامتناع لأمر لازم لوجود المعدوم ، وهو فرض الوجود المماثل للوجود الأوّل. وهذا نفس ما ذكره الحكيم السبزواريّ.

وهاهنا جواب آخر أشار إليه المحقّق الطوسيّ بقوله : «والحكم بامتناع العود لأمر لازم للماهيّة» أي لأمر لازم لماهيّة الموجود بعد العدم ـ كما في شرح المنظومة ـ أو لأمر لازم لماهيّة المعدوم بعد الوجود ـ كما في الشوارق : ١٣٠ ـ ؛ والمراد واحد. وذلك الأمر هو وصف الوجود بعد العدم أو وصف العدم بعد الوجود ، فإنّ الشيء بعد الوجود ممتنع العدم المقيّد بأنّه بعد الوجود ، كما أنّه بعد العدم ممتنع الوجود المقيّد بأنّه بعد العدم.

٤٦

المرحلة الثانية

في الوجود المستقلّ والرابط

وفيها ثلاثة فصول

٤٧
٤٨

الفصل الأوّل

في انقسام الوجود إلى المستقلّ والرابط

ينقسم الموجود إلى ما وجوده في نفسه ونسمّيه «الوجود المستقلّ والمحموليّ» (١) أو «النفسيّ» (٢) ، وما وجوده في غيره ونسمّيه «الوجود الرابط» (٣).

وذلك أنّ هناك قضايا خارجيّة تنطبق بموضوعاتها ومحمولاتها على الخارج ، كقولنا : «زيد قائم» و «الإنسان ضاحك» مثلا ، وأيضا مركّبات تقييديّة مأخوذة من هذه القضايا ، كقيام زيد وضحك الإنسان ، نجد فيها بين أطرافها ـ من الأمر الّذي نسمّيه نسبة وربطا ـ ما لا نجده في الموضوع وحده ، ولا في المحمول وحده ، ولا بين الموضوع وغير المحمول ، ولا بين المحمول وغير الموضوع ، فهناك أمر موجود وراء الموضوع والمحمول (٤).

__________________

(١) لأنّه يقع محمولا في الهليّات البسيطة كقولنا : «الإنسان موجود».

(٢) لأنّه وجود في نفسه.

(٣) قال الحكيم السبزواريّ : «ويقال له في المشهور الوجود الرابطيّ. والأولى على ما في المتن أن يسمّى بالوجود الرابط على ما اصطلح السيّد المحقّق الداماد في الافق المبين وصدر المتألّهين في الأسفار ، ليفرّق بينه وبين وجود الأعراض حيث أطلقوا عليه الوجود الرابطيّ». راجع شرح المنظومة : ٦١ ـ ٦٢.

(٤) وأورد عليه بعض الأساتيذ من تلامذة المصنّف رحمه‌الله بأنّ ثبوت الموضوعات والمحمولات في الخارج لا يكفي دليلا على ثبوت الرابطة ، كنوع من الوجود العينيّ. والرابطة في القضايا ـ

٤٩

وليس منفصل الذات عن الطرفين (١) بحيث يكون ثالثهما ومفارقا لهما كمفارقة أحدهما الآخر ، وإلّا احتاج إلى رابط يربطه بالموضوع ورابط آخر يربطه بالمحمول ، فكان المفروض ثلاثة خمسة ، واحتاج الخمسة إلى أربعة روابط اخر وصارت تسعة ، وهلمّ جرّا ، فتسلسل أجزاء القضية أو المركّب إلى غير النهاية ، وهي محصورة بين حاصرين ، هذا محال. فهو إذن موجود في الطرفين قائم بهما ، بمعنى ما ليس بخارج منهما من غير أن يكون عينهما أو جزءهما أو عين أحدهما أو جزءه ، ولا أن ينفصل منهما ؛ والطرفان اللذان وجوده (٢) فيهما هما (٣) بخلافه. فثبت أنّ من الموجود ما وجوده في نفسه وهو «المستقلّ» ، ومنه ما وجوده في غيره وهو «الرابط».

وقد ظهر ممّا تقدّم أنّ معنى توسّط النسبة بين الطرفين كون وجودها قائما بالطرفين رابطا بينهما.

ويتفرّع عليه امور :

الأوّل : أنّ الوعاء الّذي يتحقّق فيه الوجود الرابط هو الوعاء الّذي يتحقّق فيه وجود طرفيه ، سواء كان الوعاء المذكور هو الخارج أو الذهن ؛ وذلك لما في طباع الوجود الرابط من كونه غير خارج من وجود طرفيه ؛ فوعاء وجود كلّ منهما هو بعينه وعاء وجوده ، فالنسبة الخارجيّة إنّما تتحقّق بين طرفين خارجيّين ، والنسبة الذهنيّة إنّما تتحقّق بين طرفين ذهنيّين. والضابط أنّ وجود الطرفين مسانخ لوجود النسبة الدائرة بينهما وبالعكس.

__________________

ـ إن دلّت على شيء خارجيّ فإنّما تدلّ على اتّحاد مصداق الموضوع والمحمول ، وهو أعمّ من ثبوت أمر رابط بينهما ، فإنّ اتّحاد الجوهر والعرض أو اتّحاد المادّة والصورة في الخارج لا يستلزم وجود رابط بينهما ، بل يكفي كون أحدهما من مراتب الآخر. راجع تعليقته على نهاية الحكمة : ٥٨.

(١) أي : وليس ذلك الأمر الموجود وراء الموضوع والمحمول ذا هويّة مستقلّة ، منفصلة عن الموضوع والمحمول.

(٢) أي : وجود الرابط.

(٣) أي : الطرفان.

٥٠

الثاني : أنّ تحقّق الوجود الرابط بين الطرفين يوجب نحوا من الاتّحاد الوجوديّ بينهما ؛ وذلك لما أنّه متحقّق فيهما غير متميّز الذات منهما ، ولا خارج منهما. فوحدته الشخصيّة تقضي بنحو من الاتّحاد بينهما ، سواء كان هناك حمل كما في القضايا ، أو لم يكن كغيرها من المركّبات ، فجميع هذه الموارد لا يخلو من ضرب من الاتّحاد.

الثالث : أنّ القضايا المشتملة على الحمل الأوّليّ ، كقولنا : «الإنسان إنسان» لا رابط فيها إلّا بحسب الاعتبار الذهنيّ فقط. وكذا الهليّات البسيطة كقولنا : «الإنسان موجود» إذ لا معنى لتحقّق النسبة الرابطة بين الشيء ونفسه.

الرابع : أنّ العدم لا يتحقّق منه رابط ، إذ لا شيئيّة له ولا تميّز فيه. ولازمه أنّ القضايا الموجبة الّتي أحد طرفيها أو كلاهما العدم ـ كقولنا : «زيد معدوم» و «شريك البارئ معدوم» ـ لا عدم رابطا فيها ، إذ لا معنى لقيام عدم بعدمين أو بوجود وعدم ، ولا شيئيّة له ولا تميّز فيه ، اللهمّ إلّا بحسب الاعتبار الذهنيّ.

ونظيرتها القضايا السالبة ـ كقولنا : «ليس الإنسان بحجر» ـ فلا عدم رابطا فيها إلّا بحسب الاعتبار الذهنيّ.

الخامس : أنّ الوجودات الرابطة لا ماهيّة لها ، لأنّ الماهيّات هي المقولة في جواب ما هو ، فهي مستقلّة بالمفهوميّة ، والوجودات الرابطة لا مفهوم لها مستقلّا بالمفهوميّة.

٥١

الفصل الثاني

في كيفيّة اختلاف الوجود الرابط والمستقلّ

هل الاختلاف بين الوجود المستقلّ والرابط اختلاف نوعيّ أو لا؟ بمعنى أنّ الوجود الرابط (١) ـ وهو ذو معنى تعلّقيّ ـ هل يجوز أن ينسلخ عن هذا الشأن فيعود معنى مستقلّا بتوجيه الالتفات إليه مستقلّا بعد ما كان ذا معنى حرفيّ (٢) أو لا يجوز (٣)؟

الحقّ هو الثاني (٤) ، لما سيأتي في أبحاث العلّة والمعلول (٥) أنّ حاجة المعلول إلى العلّة مستقرّة في ذاته ، ولازم ذلك أن يكون عين الحاجة ، وقائم الذات بوجود العلّة ، لا استقلال له دونها بوجه ؛ ومقتضى ذلك أن يكون وجود كلّ معلول ـ سواء كان جوهرا أو عرضا ـ رابطا بالنظر إلى علّته (٦) ، وإن كان بالنظر إلى نفسه

__________________

(١) لا يخفى أنّ ترتيب ما ذكره من معنى محلّ النزاع وما ذكره ابتداءا من محلّ النزاع من اللفّ والنشر المشوّشين.

(٢) فالاختلاف بينهما ليس اختلافا نوعيّا.

(٣) فكان الاختلاف بينهما نوعيّا.

(٤) أي : ليس الاختلاف بينهما اختلافا نوعيّا ، كما في الأسفار ١ : ٨٢ ، وشرح المنظومة (قسم الحكمة) : ٦٢.

(٥) يأتي في الفصل الخامس من المرحلة الثامنة.

(٦) وفي جميع النسخ : «كان جوهرا أو عرضا موجودا في نفسه رابطا بالنظر إلى علّته». والصحيح أنّ «موجودا في نفسه» زائد ، وإلّا لزم تكرار المطلب في سطر واحد ، وهو مستهجن ، مضافا إلى أنّ المعلول ـ سواء كان جوهرا أو عرضا ـ ليس موجودا في نفسه مطلقا ، بل إنّما هو بالنظر إلى نفسه موجود في نفسه ، كما تعرّض له بقوله : «وإن كان بالنظر ...».

٥٢

وبمقايسة بعضه إلى بعض جوهرا أو عرضا موجودا في نفسه.

فتقرّر أنّ اختلاف الوجود الرابط والمستقلّ ليس اختلافا نوعيّا بأن لا يقبل المفهوم غير المستقلّ الّذي ينتزع من الرابط التبدّل إلى المفهوم المستقلّ المنتزع من المستقلّ.

ويتفرّع على ما تقدّم امور :

الأوّل : أنّ المفهوم في استقلاله بالمفهوميّة وعدم استقلاله تابع لوجوده الّذي ينتزع منه ، وليس له من نفسه إلّا الإبهام (١). فحدود الجواهر والأعراض ماهيّات جوهريّة وعرضيّة بقياس بعضها إلى بعض وبالنظر إلى أنفسها ، وروابط وجوديّة بقياسها إلى المبدأ الأوّل تبارك وتعالى ، وهي في أنفسها ـ مع قطع النظر عن وجودها ـ لا مستقلّة ولا رابطة.

الثاني : أنّ من الوجودات الرابطة ما يقوم بطرف واحد ، كوجود المعلول بالقياس إلى علّته ؛ كما أنّ منها ما يقوم بطرفين ، كوجودات سائر النسب والإضافات.

الثالث : أنّ نشأة الوجود لا تتضمّن إلّا وجودا واحدا مستقلّا ، هو الواجب عزّ إسمه ، والباقي روابط ونسب وإضافات.

__________________

(١) أي : ليس للمفهوم في نفسه استقلال أو عدمه ، بل له الإبهام في الاستقلال وعدمه.

٥٣

الفصل الثالث

في انقسام الوجود في نفسه إلى ما لنفسه وما لغيره

ينقسم الموجود في نفسه إلى ما وجوده لنفسه وما وجوده لغيره. والمراد بكون وجود الشيء لغيره أن يكون وجوده في نفسه ـ وهو الوجود الّذي يطرد عن ماهيّته العدم ـ هو بعينه طاردا للعدم عن شيء آخر ، لا لعدم ماهيّة ذلك الشيء الآخر وذاته ، وإلّا كانت لموجود واحد ماهيّتان ، وهو محال ، بل لعدم زائد على ماهيّته وذاته ، له نوع من المقارنة له ، كالعلم الّذي يطرد بوجوده العدم عن ماهيّة نفسه ، وهو بعينه يطرد الجهل الّذي هو عدم مّا عن موضوعه.

والحجّة على تحقّق هذا القسم ـ أعني الوجود لغيره ـ وجودات الأعراض ، فإنّ كلّا منها كما يطرد عن ماهيّة نفسه العدم يطرد عن موضوعه عدما مّا زائدا على ذاته. وكذلك الصور النوعيّة المنطبعة ، فإنّ لها نوع حصول لموادّها تطرد به العدم عن موادّها ، لا عدم ذاتها ، بل نقصا جوهريّا تكمل بطرده ، وهو المراد بكون وجود الشيء لغيره وناعتا.

ويقابله ما كان وجوده طاردا للعدم عن ماهيّة نفسه فحسب ، وهو الوجود لنفسه ، كالأنواع التامّة الجوهريّة كالإنسان والفرس وغيرهما.

فتقرّر أنّ الوجود في نفسه ينقسم إلى ما وجوده لنفسه وما وجوده لغيره (١) ،

__________________

(١) والوجود لغيره قد يسمّى : «الوجود الرابطيّ» أو «الوجود الناعتيّ».

وحاصل ما ذكره المصنّف رحمه‌الله في بيان انقسام الوجود في نفسه إلى ما لنفسه وما لغيره : أنّه لا ريب في أنّ كلّ وجود حيثيّته حيثيّة طرد العدم ، فكلّ وجود طارد للعدم ، سواء كان وجودا في نفسه أو وجودا في غيره ، وسواء كان الوجود في نفسه وجودا لنفسه أو لغيره. ـ

٥٤

وذلك هو المطلوب.

ويتبيّن بما مرّ أنّ وجود الأعراض من شؤون وجود الجواهر الّتي هي موضوعاتها ، وكذلك وجود الصور المنطبعة غير مباين لوجود موادّها.

ويتبيّن به أيضا أنّ المفاهيم المنتزعة عن الوجودات الناعتة الّتي هي أوصاف لموضوعاتها ليست بماهيّات لها ولا لموضوعاتها ؛ وذلك لأنّ المفهوم المنتزع عن وجود إنّما يكون ماهيّة له إذا كان الوجود المنتزع عنه يطرد عن نفسه العدم ، والوجود الناعت يطرد العدم لا عن نفس المفهوم المنتزع عنه ، مثلا وجود السواد في نفسه يطرد العدم عن نفس السواد ، فالسواد ماهيّته ، وأمّا هذا الوجود من حيث جعله الجسم أسود فليس يطرد عدما (١) ، لا عن السواد في نفسه (٢) ، ولا عن ماهيّة الجسم المنعوت به ، بل عن صفة يتّصف بها الجسم خارجة عن ذاته.

__________________

ـ والفرق بين الأقسام الأربعة في أنّ المطرود بكلّ منها غير المطرود بالآخر.

أمّا الوجود في غيره «الوجود الرابط» فهو يطرد العدم عن اتّحاد طرفيه ، ولا يطرد العدم عن ماهيّته ، لأنّه لا ماهيّة له ، حيث لا مفهوم له مستقلّا بالمفهوميّة.

وأمّا الوجود في نفسه «الوجود المحموليّ» فهو يطرد العدم عن ماهيّة من الماهيّات الّتي كانت معدومة.

والوجود في نفسه إمّا يطرد العدم عن ماهيّة نفسه فحسب ، وهو الوجود لنفسه كوجود الإنسان ، فإنّه يطرد العدم عن ماهيّته ويوجب اتّصاف ماهيّته المعدومة بالوجود ؛ وإمّا في عين أنّه يطرد العدم عن ماهيّة نفسه ، يطرد العدم عن نقص شيء آخر ، لا عن ماهيّة ذلك الشيء ، وهو الوجود لغيره ، ويسمّى أيضا : «الوجود الرابطيّ» أو «الوجود الناعتيّ». فالوجود الرابطيّ يكون وجودا في نفسه من حيث يطرد العدم عن ماهيّة نفسه ، ويكون وجودا لغيره من حيث يطرد بنفس وجوده الّذي يطرد العدم عن ماهيّة نفسه العدم عن نقص محلّ ، بمعنى أنّ تحقّق الوجود الرابطيّ ليس إلّا كمال محلّ ، لأنّه يطرد العدم عن نقص ذاك المحلّ ، لا أنّه يطرد العدم عن نفس ماهيّة ذلك المحلّ ، كالعلم ، فإنّه بوجوده يطرد العدم عن ماهيّة العلم الّتي كانت معدومة قبل وجودها ، وهو بعينه يطرد العدم عن وصف عالميّة الإنسان ، لا أنّه يطرد العدم عن نفس ماهيّة الإنسان ، وبعبارة اخرى : هو بعينه يطرد العدم عن كمال الإنسان ، وهو علمه ، لا عن نفس ماهيّة الإنسان حتّى يلزم أن تكون لموجود واحد ماهيّتان.

(١) أي : لا يطرد عدما عن ماهيّته.

(٢) أي : لا عن ماهيّة السواد.

٥٥
٥٦

المرحلة الثالثة

في انقسام الوجود إلى ذهنيّ وخارجيّ

وفيها فصل واحد

٥٧
٥٨

فصل

في انقسام الوجود إلى ذهنيّ وخارجيّ (١)

المعروف من مذهب الحكماء أنّ لهذه الماهيّات الموجودة في الخارج المترتّبة عليها آثارها وجودا آخر لا تترتّب عليها فيه آثارها الخارجيّة بعينها ، وإن ترتّبت آثار اخر غير آثارها الخارجيّة (٢). وهذا النحو من الوجود هو الّذي

__________________

(١) إن أردت تفصيل البحث عن الوجود الذهنيّ فراجع الكتب المطوّلة ، كالأسفار ١ : ٢٦٣ ـ ٣٢٦ ، وشرح المنظومة : ٢٧ ـ ٣٩ ، والمباحث المشرقيّة ١ : ٤١ ـ ٤٣ ، وكشف المراد : ٢٨ ، والمسألة الرابعة من الفصل الأوّل من المقصد الأوّل من شوارق الإلهام ، وشرح المقاصد ١ : ٧٧ ـ ٧٩ ، وشرح المواقف : ١٠٠ ـ ١٠٢ ، وكشف الفوائد : ٥ ـ ٦ ، وايضاح المقاصد : ١٥ ـ ١٨ ، وغيرها من الكتب الفلسفيّة والكلاميّة.

والبحث عن الوجود الذهنيّ وإن كان شائعا بين المتأخّرين بحيث اختصّوا بابا أو فصلا من كتبهم بالبحث عنه لكنّ في كلام القدماء أيضا إشارة إليه ، فالشيخ الرئيس أشار إلى الوجود الذهنيّ في الردّ على القائلين بالحال ، فراجع الفصل الخامس من المقالة الاولى من إلهيّات الشفاء ، وتبعه بهمنيار في التحصيل : ٢٨٩ و ٤٨٩ ، والشيخ الإشراقيّ في المطارحات : ٢٠٣.

(٢) والأولى أن يقول : «وإن ترتّبت آثار اخر غير تلك الآثار» ، فإنّ المراد أنّ الماهيّة الموجودة في الذهن لا يترتّب عليها جميع آثار الماهيّة الموجودة في الخارج ، وإن ترتّب عليها بعض آثارها ؛ وهي من هذه الجهة وجود خارجيّ.

قال المصنّف في تعليقته على الأسفار ١ : ٢٦٤ : «إنّ الوجود الذهنيّ ـ الّذي هو أحد قسمي الوجود المطلق المنقسم إلى الخارجيّ والذهنيّ ـ إنّما يتحقّق بالقياس ، وهو قولنا : ـ

٥٩

نسمّيه : «الوجود الذهنيّ» (١) وهو علمنا بماهيّات الأشياء.

وأنكر الوجود الذهنيّ قوم ، فذهب بعضهم (٢) إلى أنّ العلم إنّما هو نوع إضافة من النفس إلى المعلوم الخارجيّ.

وذهب بعضهم (٣) ـ ونسب إلى القدماء (٤) ـ إلى أنّ الحاصل في الذهن عند العلم بالأشياء أشباحها المحاكية لها ، كما يحاكي التمثال ذا التمثال (٥) ، مع مباينتهما ماهيّة.

وقال آخرون (٦) بالأشباح مع المباينة وعدم المحاكاة. ففيه خطأ من النفس غير أنّه خطأ منظّم لا يختلّ به حياة الإنسان ، كما لو فرض إنسان يرى الحمرة

__________________

ـ الوجود إمّا أن يترتّب عليه الآثار وهو الخارجيّ ، وإمّا أن لا يترتّب عليه تلك الآثار بعينها وهو الوجود الذهنيّ. والقسمان متقابلان لمكان التقسيم. فالوجود الذهنيّ إنّما هو ذهنيّ من جهة مقابلته الوجود الخارجيّ وعدم ترتّب آثاره عليه ، وأمّا من جهة ترتّب آثار مّا عليه ـ ككونه رافعا لعدم الّذي هو الجهل ، وكونه متشخّصا بتشخّص الذهن ، وسائر الآثار ، كحمرة الخجل أو الغضبان ، وصفرة الوجل وغير ذلك ـ فهو من هذه الجهة وجود خارجيّ وليس بذهنيّ ، لترتّب الآثار عليه وعدم كونه مأخوذا بالقياس إلى الخارج».

(١) ويسمّى أيضا : «الوجود في الذهن» قبال «الوجود في الخارج» ، و «الوجود الظلّيّ» قبال «الوجود العيني» ، و «الوجود الغير الأصيل» قبال «الوجود الأصيل».

(٢) وهم قوم من المتكلّمين ، كما في شرح المنظومة : ٣٠ ، وشرح مسألة العلم (للمحقّق الطوسيّ) : ٢٩.

وذهب إليه من المتأخّرين فخر الدين الرازيّ في المباحث المشرقيّة ١ : ٣٣١.

(٣) وهم قوم من المتأخّرين على ما في الأسفار ١ : ٣١٤. وقال الحكيم السبزواريّ في شرح المنظومة : ٣١ : «والقائل جماعة من الحكماء».

(٤) قال الحكيم السبزواريّ في تعليقته على الأسفار ١ : ٣١٤ الرقم ١ : «ينسب القول بالشبح إلى القدماء». ونسبه إليهم المحقّق اللاهيجيّ في شوارق الإلهام ، ثمّ أراد توجيه مذهبهم بحيث يرجع إلى مذهب المتأخّرين ، فقال : «فالحقّ أنّ ماهيّات الأشياء في الذهن لمّا لم يظهر عنها آثارها ولم يصدر عنها أحكامها أطلق القدماء عليها لفظ «الأشباح» ، لأنّ شبح الشيء لا يصدر عنه أثر ذلك الشيء ، لا أنّهم قائلون بحصول أشباح الأشياء في الذهن». راجع شوارق الإلهام : ٥١ ـ ٥٢.

(٥) وفي النسخ : «لذي التمثال». والصحيح ما أثبتناه.

(٦) نسب إلى جماعة من الحكماء ، فراجع شرح المنظومة : ٣١.

٦٠