نهاية الحكمة - ج ١

آية الله السيد محمد حسين الطباطبائي

نهاية الحكمة - ج ١

المؤلف:

آية الله السيد محمد حسين الطباطبائي


المحقق: الشيخ عبّاس علي الزارعي السبزواري
الموضوع : الفلسفة والمنطق
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٤
ISBN: 978-964-470-623-3
ISBN الدورة:
978-964-470-005-7

الصفحات: ٢٨٣

في جواب «ما هو؟». كلّ ذلك لتباين المقولات بتمام ذواتها البسيطة ، فلا يتكوّن من أكثر من واحدة منها ماهيّة.

ولا يقال : كون الصور النوعيّة جواهر ينافي قولهم : «إنّ فصول الجواهر غير مندرجة تحت جنس الجوهر».

فإنّه يقال : قد تقدّم البحث عنه في مرحلة الماهيّة (١) واتّضح به انّ معنى جوهريّة فصول الجواهر ـ وهي الصور النوعيّة مأخوذة بشرط لا ـ أنّ جنس الجوهر صادق عليها صدق العرض العامّ على الخاصّ ، فهي مقوّمات للأنواع عارضة على الجنس.

حجّة اخرى (٢) : إنّا نجد الأجسام مختلفة بحسب الآثار القائمة بها من العوارض اللازمة والمفارقة. واختصاص كلّ من هذه المختلفات الآثار بما اختصّ به من الآثار ليس إلّا لمخصّص بالضرورة. ومن المحال أن يكون المخصّص هو الجسميّة المشتركة لاشتراكها بين جميع الأجسام ، ولا المادّة المشتركة لأنّ شأنها القبول والاستعداد دون الفعل والاقتضاء ، ولا موجود مفارق لاستواء نسبته إلى جميع الأجسام. ويمتنع أن يكون المخصّص هو بعض الأعراض اللاحقة بأن يتخصّص أثر بأثر سابق ، فإنّا ننقل الكلام إلى الأثر السابق فيتسلسل أو يدور أو ينتهي إلى أمر غير خارج عن جوهر الجسم الّذي عنده الأثر ، والأوّلان محالان ، فيبقى الثالث ـ وهو استناد الآثار إلى أمر غير خارج من جوهر الجسم ـ فيكون مقوّما له ، ومقوّم الجوهر جوهر. وإذ كان هذا المقوّم الجوهريّ أخصّ من الجسم المطلق فهو صورة جوهريّة منوّعة له. ففي الأجسام على اختلافها صور نوعيّة جوهريّة هي مباد للآثار المختلفة باختلاف الأنواع.

__________________

(١) راجع الفصل السادس من المرحلة الخامسة.

(٢) هذه الحجّة ممّا ذكره الشيخ الرئيس في الإشارات ، فراجع شرح الإشارات ٢ : ١٠١.

وتعرّض له بهمنيار في التحصيل : ٣٣٦ ـ ٣٣٧. وهذه أولى الحجج المنقولة في الأسفار ٥ : ص ١٥٧ ـ ١٦٦ ، وشرح الهداية الأثيريّة لصدر المتألّهين : ٦٥.

١٨١

لا يقال (١) : إنّ في أفراد كلّ نوع من الأنواع الجسمانيّة آثارا مختصّة وعوارض مشخّصة ، لا يوجد ما هو عند فرد منها عند غيره من الأفراد ، ويجري فيها ما سبقتموه من الحجّة ، فهلّا أثبتّم بعد الصور الّتي سمّيتموها صورا نوعيّة صورا شخصيّة مقوّمة لماهيّة النوع؟!.

لأنّه يقال : الأعراض المسمّاة «عوارض مشخّصة» لوازم التشخّص ، وليست بمشخّصة ، وإنّما التشخّص بالوجود ـ كما تقدّم في مرحلة الماهيّة (٢) ـ وتشخّص الأعراض بتشخّص موضوعاتها ، إذ لا معنى لعموم العرض القائم بالموضوع المتشخّص. والأعراض الفعليّة اللاحقة بالفرد مبدؤها الطبيعة النوعيّة الّتي في الفرد تقتضي من الكمّ والكيف والوضع وغيرها عرضا عريضا. ثمّ الأسباب والشرائط الخارجيّة الاتّفاقيّة تخصّص ما تقتضيه الطبيعة النوعيّة ، وبتغيّر تلك الأسباب والشرائط ينتقل الفرد من عارض يتلبّس به إلى آخر من نوعه أو جنسه.

خاتمة للفصل

لمّا كانت الصورة النوعيّة مقوّمة لمادّتها الثانية الّتي هي الجسم المؤلّف من المادّة والصورة الجسميّة كانت علّة فاعليّة (٣) للجسم متقدّمة عليه كما أنّ الصورة الجسميّة شريكة العلّة للمادّة الاولى.

__________________

(١) هذا الإشكال أورده الشيخ الإشراقيّ في حكمة الإشراق ، فراجع شرح حكمة الإشراق (كلام الماتن) : ٢٢٧ ، حيث قال : «والطبائع النوعيّة اعترفتم بأنّها أتمّ وجودا من الأجناس ، ولا يتصوّر فرض وجودها دون المخصّصات ، فإن كانت مخصّصات الجسم صورا وجوهرا لأجل أنّ الجسم لا يتصوّر دون مخصّص فمخصّصات الأنواع أولى بأن يكون جوهرا ، وليس كذا ، فيجوز أن يكون المخصّص عرضا».

(٢) راجع الفصل الثالث من المرحلة الخامسة.

(٣) لا يخفى أنّها ليست علّة فاعليّة بمعنى أنّها مفيضة لوجودها ، كما مرّ. قال بعض الأساتيذ من تلامذة المصنّف : «وقوله : (علّة فاعليّة) احتراز عن العلّة المادّيّة الّتي تكون للمادّة بالنسبة إلى الجسم. وعلّيّة التشخّص الّتي هي لها بالنسبة إلى الصورة. وقوله : (متقدّمة عليه) يعني : التقدّم بالعلّيّة لا بالزمان». تعليقة على نهاية الحكمة : ١٥٦.

١٨٢

ويتفرّع عليه :

أوّلا : أنّ الوجود أوّلا للصورة النوعيّة ، وبوجودها توجد الصورة الجسميّة ثمّ الهيولى بوجودها الفعليّ (١).

وثانيا : أنّ الصور النوعيّة لا تحفظ الجسميّة إلى بدل ، بل توجد بوجودها الجسميّة ، ثمّ إذا تبدّلت إلى صورة اخرى تخالفها نوعا بطل ببطلانها الجسم ، ثمّ حدثت جسميّة اخرى بحدوث الصورة التالية.

__________________

(١) راجع ما مرّ من تعليقاتنا على الفصل السادس من هذه المرحلة ، الصفحة : ١٧٥ و ١٧٦.

١٨٣

الفصل الثامن

في الكمّ (١) وهو من المقولات العرضيّة

قد تقدّم (٢) أنّ العرض ماهيّة إذا وجدت في الأعيان وجدت في موضوع مستغن عنها ، وأنّ العرضيّة كعرض عامّ لتسع من المقولات ، هي أجناس عالية ، لا جنس فوقها ، ولذا كان ما عرّف به كلّ واحدة منها تعريفا بالخاصّة ، لا حدّا حقيقيّا ذا جنس وفصل.

وقد عرّف الشيخان ـ الفارابيّ (٣) وابن سينا (٤) ـ الكمّ ب «أنّه العرض الّذي بذاته يمكن أن يوجد فيه شيء واحد يعدّه». وهو أحسن ما اورد له من التعريف (٥).

وأمّا تعريفه ب «أنّه العرض الّذي يقبل القسمة (٦) لذاته (٧)» (٨) فقد اورد

__________________

(١) قال المحقّق الشريف في وجه تقديمه على سائر المقولات : «لكونه أعمّ وجودا من الكيف ، فإنّ أحد قسميه ـ أعني العدد ـ يعمّ المقارنات والمجرّدات ، وأصحّ وجودا من الأعراض النسبيّة الّتي لا تقرّر لها في ذوات موضوعاتها» ، انتهى كلامه في شرح المواقف : ٢٠٣.

(٢) راجع الفصل الثاني من هذه المرحلة.

(٣) راجع المنطقيّات للفارابي ١ : ٤٤.

(٤) راجع آخر الفصل الرابع من المقالة الثالثة من إلهيات الشفاء ، حيث قال : «فالكمّيّة بالجملة حدّها هي أنّها الّتي يمكن أن يوجد فيها شيء منها يصحّ أن يكون واحدا عادّا».

(٥) واستحسنه الرازيّ في المباحث المشرقيّة ١ : ١٧٨ ، وصدر المتألّهين في الأسفار ٤ : ١٠.

(٦) أي : القسمة الوهميّة ، كما صرّح بذلك الحكيم السبزواريّ ، فقال في هامش شرح المنظومة (قسم الحكمة) : ١٣٨ : «لا الفكّيّة ، لأنّها يعدم الكمّ ، والقابل والمقبول لا بدّ أن يجتمعا».

(٧) فيخرج ما يقبل القسمة بالعرض ، كالكيف مثلا ، فإنّ البياض الحالّ في الجسم المتقدّر يقبل القسمة من حيث كونه متقدّرا بمقدار الجسم ، لا من حيث ذاته.

(٨) وهكذا عرّفه الميبديّ فى شرحهه للهداية الأثيريّة : ١٦١ ، وقطب الدين الرازيّ في ـ

١٨٤

عليه (١) بأنّه تعريف بالأخصّ ، لاختصاص قبول القسمة بالكمّ المتّصل ، وأمّا المنفصل فهو ذو أجزاء بالفعل.

وكذا تعريفه ب «أنّه العرض الّذي يقبل المساواة» (٢) فقد اورد عليه (٣) بأنّه تعريف دوريّ ، لأنّ المساواة هي الاتّحاد في الكمّ.

وكيف كان ، فما تشتمل عليه هذه التعاريف خواصّ ثلاثة للكمّ ، وهي : العدّ والانقسام والمساواة.

__________________

ـ تعليقته على شرح الإشارات ٢ : ١٥٤ ، والكاتبيّ في حكمة العين ، وشارح حكمة العين في شرح حكمة العين : ٢٥٩. ونسب إلى الجمهور في شرح التجريد للقوشجيّ : ٢٢١. والمصنّف رحمه‌الله عرّفه به في بداية الحكمة : ٩٩.

(١) هذا الإشكال أورده عليه فخر الدين الرازيّ في المباحث المشرقيّة ١ : ص ١٧٨. وقال التفتازانيّ في شرح المقاصد ١ : ١٨٣ : «وأرى أنّه بنى ذلك على أنّ قبول الشيء عبارة عن إمكان حصوله من غير حصول بالفعل. ولا شكّ أنّ الانقسام في الكمّ المنفصل حاصل بالفعل. وأمّا اذا اريد بالقبول أعمّ من ذلك ـ أعني إمكان فرض شيء غير شيء ـ فلا خفاء في شموله المتّصل والمنفصل. ولذا قال الإمام : إنّ قبول القسمة من عوارض المتّصل دون المنفصل ، إلّا إذا اخذ القبول باشتراك الاسم».

(٢) هكذا عرّفه الشيخ الرئيس في عيون الحكمة ، فراجع شرح عيون الحكمة ١ : ١٠٧. وتبعه أثير الدين الأبهريّ في الهداية الأثيريّة ، راجع كلام الماتن في شرح الهداية الأثيريّة لصدر المتألّهين : ٢٦٥ ، وابن سهلان الساوجيّ أيضا في البصائر النصيريّة : ٢٦.

(٣) هذا الإشكال أورده الشيخ الإشراقيّ في المطارحات : ٢٣٤ حيث قال : «والكمّيّة قابلة لذاتها المساواة واللامساواة ـ أي التفاوت والتجزّي واللاتجزّي ـ. وهذا قد يوردونه رسما وإن كانت المساواة لا تعرّف إلّا بأنّه اتّفاق في الكمّيّة ، فعرّفوا الشيء بما يعرّف بالشيء».

وأورده أيضا فخر الدين الرازيّ في المباحث المشرقيّة ١ : ١٧٧ ، ثمّ أجاب عنه وقال : «ويمكن أن يجاب عنه بأنّ المساواة واللامساواة ممّا يدرك بالحسّ ، والكمّ لا يناله الحسّ ، بل إنّما يناله مع المتكمّم تناولا واحدا ، ثمّ إنّ العقل يجتهد في تمييز أحد المفهومين عن الآخر ، فلهذا يمكن تعريف ذلك المعقول بهذا المحسوس» ، انتهى كلامه في المباحث المشرقيّة ١ : ١٧٨.

١٨٥

الفصل التاسع

في انقسامات الكمّ

ينقسم الكمّ انقساما أوّليا إلى المتّصل والمنفصل.

والمتّصل هو : الكمّ الّذي يمكن أن يفرض فيه أجزاء تتلاقى على حدود مشتركة (١). والحدّ المشترك هو الّذي يمكن أن يجعل بداية لجزء ، كما يمكن أن يجعل نهاية لآخر ، كالخطّ إذا فرض انقسامه إلى ثلاثة أجزاء ، فإنّ القسم المتوسّط يمكن أن يجعل بداية لكلّ من الجانبين ونهاية له ، فيكون القسمان قسما واحدا والخطّ ذو قسمين (٢).

وعرّف المتّصل أيضا بما يقبل الانقسام إلى غير النهاية (٣).

__________________

(١) هكذا عرّفه المشهور من الحكماء ، فراجع الأسفار ٤ : ١٣ ، والمباحث المشرقيّة ١ : ١٧٨ ، وشرح المواقف : ٢٠٥ ، والمطارحات : ٢٣٥ ، وكشف المراد : ٢٠٣ ، والفصل الرابع من المقالة الثالثة من الفنّ الثاني من منطق الشفاء ، وغيرها من الكتب الفلسفيّة.

(٢) ومثّل له الحكيم السبزواريّ في شرح المنظومة : ١٣٨ بالنقطة في جزئي الخطّ ، والخطّ في جزئي السطح ، والسطح في جزئي الجسم ، والآن في جزئي الزمان.

وهذا أولى ، بل هو المتعيّن ، فإنّ الحدّ المشترك خارج عن طرفيه ، وإلّا فيمكن انقسام عدد السبعة إلى ثلاثة وواحد وثلاثة ، ويكون الواحد المتوسّط حدّا مشتركا ، فيلزم أن لا يكون بين المتّصل والمنفصل فرق.

(٣) تعرّض له فخر الدين الرازيّ في المباحث المشرقيّة ١ : ١٧٨.

١٨٦

والمنفصل خلاف المتّصل ، وهو : العدد الحاصل من تكرّر الواحد (١) ، فإنّه منقسم إلى أجزاء بالفعل ، وليس بينها حدّ مشترك ، فإنّ الخمسة مثلا إذا قسّم إلى اثنين وثلاثة فإن كان بينهما حدّ مشترك من الأجزاء كانت أربعة أو من خارج كانت ستّة.

والمتّصل ينقسم إلى قسمين : قارّ وغير قارّ. والقارّ هو الثابت المجتمع الأجزاء بالفعل كالسطح. وغير القارّ هو الّذي لا تجتمع أجزاؤه المفروضة بالفعل كالزمان ، فإنّ كلّ جزء منه بالفعل قوّة للجزء التالي ، فلا يجتمعان بالفعل ، إذ فعليّة الشيء لا تجامع قوّته.

والقارّ ينقسم إلى الجسم التعليميّ (٢) ، وهو القابل للانقسام في جهاته الثلاث : العرض والطول والعمق ، والسطح ، وهو القابل للانقسام في الجهتين : العرض والطول ، والخطّ ، وهو القابل للانقسام في جهة واحدة.

والكمّ المنفصل ـ وهو العدد ـ موجود في الخارج بالضرورة (٣). والكمّ المتّصل غير القارّ ـ وهو الزمان ـ سيأتي إثبات وجوده في مباحث القوّة والفعل (٤).

وأمّا الكمّ المتّصل القارّ فالجسم التعليميّ والسطح موجودان في الخارج (٥) ،

__________________

(١) مثّلوا للكمّ المنفصل بالعدد قطّ ، لأنّ الكمّ المنفصل منحصر في العدد ، كما قال الشيخ الرئيس في الفصل الرابع من المقالة الثالثة من الفنّ الثاني من منطق الشفاء : «وأمّا المنفصلة فلا يجوز أن تكون غير العدد».

(٢) قال شمس الدين محمّد بن مباركشاه المرويّ في شرح حكمة العين : ٢٧٠ : «وإنّما سمّي تعليميّا ؛ لأنّه المبحوث عنه في العلوم التعليميّة ، أي الرياضيّة».

(٣) هذا مذهب الحكماء ، فراجع الفصل الخامس من المقالة الثالثة من إلهيّات الشفاء ، والتحصيل : ٣٧٥. خلافا للمتكلّمين ، فإنّهم أنكروا العدد ، فراجع كشف المراد : ١٠٥ ، وشرح المقاصد ١ : ١٨٥ ، وشرح المواقف : ٢٠٧ ـ ٢٠٩.

(٤) في الفصل الحادي عشر من المرحلة التاسعة.

(٥) هذا مذهب الحكماء ، راجع الفصل الرابع من المقالة الثالثة من إلهيّات الشفاء ، والتحصيل : ٣٧٥. وأمّا المتكلّمون فأنكروا المقدار الّذي هو الجسم التعليميّ والسطح ، راجع شرح المقاصد ١ : ١٨٥ ـ ١٨٦ ، وشرح المواقف : ٢٠٩ ـ ٢١٠ ، وكشف المراد : ٢٠٧.

١٨٧

لأنّ هناك أجساما طبيعيّة منفصلا بعضها عن بعض ، متعيّنة متناهية ، ولازم تعيّنها الجسم التعليميّ ، ولازم تناهيها السطح.

وأمّا الخطّ فهو موجود في الخارج إن ثبتت أجسام لها سطوح متقاطعة كالمكعّب والمخروط والهرم ونحوها.

ثمّ إنّ كلّ مرتبة من مراتب العدد غير المتناهية نوع خاصّ منه مباين لسائرها (١) ، لاختصاصها بخواصّ عدديّة لا تتعدّاها إلى غيرها.

والزمان نوع واحد ، وإن كان معروضه أنواع الحركات الجوهريّة والعرضيّة لما أنّ بين أفراده عادّا مشتركا.

والأجسام التعليميّة الّتي لا عادّ مشتركا بينها كالكرة والمخروط والمكعّب ونحوها أنواع متباينة ، وكذا السطوح الّتي لا عادّ مشتركا بينها كالسطح المستوي وأقسام السطوح المحدّبة والمقعّرة ، وكذا الخطوط الّتي لا عادّ مشتركا بينها ـ إن كانت موجودة ـ كالخطّ المستقيم وأنواع الأقواس. وأمّا الأجسام والسطوح والخطوط غير المنتظمة فليست بأنواع ، بل مركّبة من أنواع شتّى (٢).

__________________

(١) كذا قال أرسطو في منطق أرسطو ١ : ٤٣ ، والشيخ الرئيس في الفصل الخامس من المقالة الثالثة من إلهيّات الشفاء. ونسبه صدر المتألّهين إلى الجمهور ، فراجع الأسفار ٢ : ٩٩.

(٢) وأورد عليه بعض الأساتيذ من تلامذة المصنّف رحمه‌الله بقوله : «فيه نظر واضح ، فإنّ الشكل غير المنتظم أيضا شكل واحد ، لا تركيب فيه بالفعل. وفرض قسمته إلى أشكال منتظمة لسهولة المحاسبة لا يستلزم تركّبه منها حقيقة ، وإلّا لزم القول بتركّب المربّع من مثلّثين. وهكذا في كثير من الأشكال المنتظمة». تعليقة على نهاية الحكمة : ١٦٠.

١٨٨

الفصل العاشر

في أحكام مختلفة للكمّ

قد تقدّمت الإشارة إلى أنّ من خواصّ الكمّ المساواة والمفاوتة. ومنها الانقسام خارجا كما في العدد ، أو وهما كما في غيره. ومنها وجود عادّ منه يعدّه (١).

وهناك أحكام اخر أوردوها.

أحدها : أنّ الكمّ المنفصل ـ وهو العدد ـ يوجد في المادّيات والمجرّدات جميعا. وأمّا المتّصل غير القارّ منه ـ وهو الزمان ـ فلا يوجد إلّا في المادّيات. وأمّا المتّصل القارّ ـ وهو الجسم التعليميّ والسطح والخطّ ـ فلا يوجد في المجرّدات إلّا عند من يثبت عالما مقداريّا مجرّدا له آثار المادّة دون نفس المادّة (٢).

الثاني : أنّ العدد لا تضادّ فيه ، لأنّ من شروط التضادّ غاية الخلاف بين المتضادّين ، وليست بين عددين غاية الخلاف ، إذ كلّ مرتبتين مفروضتين من العدد فإنّ الأكثر منهما يزيد بعدا من الأقلّ بإضافة واحد عليه (٣).

__________________

(١) راجع الفصل الثامن من هذه المرحلة.

(٢) وهو عالم المثال ، أثبته الإشراقيّون وصدر المتألّهين وتابعوه.

(٣) راجع منطق أرسطو ١ : ٤٥ ، والأسفار ٤ : ١٨ ـ ١٩ ، والمباحث المشرقيّة ١ : ١٨٨ ـ ١٩٠ ، وكشف المراد : ٢٠٥ ، وشرح المنظومة : ١٣٨ ، والفصل الثاني من المقالة الرابعة من الفنّ الثاني من منطق الشفاء ، والمطارحات : ٢٤٠ ـ ٢٤٢ ، وشرح المقاصد ١ : ١٨٤.

١٨٩

وأمّا الاحتجاج عليه (١) بأنّ كلّ مرتبة من العدد متقوّم بما هو دونه والضدّ لا يتقوّم بالضدّ.

ففيه (٢) : أنّ المرتبة من العدد لو تركّبت ممّا دونها من المراتب كانت المراتب الّتي تحتها في جواز تقويمها على السواء ، كالعشرة مثلا يجوز فرض تركّبها من تسعة وواحدة ، وثمانية واثنين ، وسبعة وثلاثة ، وستّة وأربعة ، وخمسة وخمسة ، وتعيّن بعضها للجزئيّة ترجّح بلا مرجّح ، وهو محال. وقول الرياضيّين : «إنّ العشرة مجموع الثمانية والاثنين» (٣) معناه مساواة مرتبة من العدد لمرتبتين ، لا كون المرتبة (وهي نوع واحد) عين المرتبتين (وهما نوعان اثنان).

ونظير الكلام يجري في الكمّ المتّصل مطلقا (٤).

وكذا لا يضادّ الجسم التعليميّ سطحا ولا خطّا ، ولا سطح خطّا (٥) ، إذ لا موضوع واحدا هناك يتعاقبان عليه ، ولا يتصوّر هناك غاية الخلاف.

الثالث : أنّ الكمّ لا يوجد فيه التشكيك بالشدّة والضعف ، وهو ضروريّ أو قريب منه ، نعم يوجد فيه التشكيك بالزيادة والنقص ، كأن يكون خطّ أزيد من خطّ في الطول إذا قيس إليه وجودا ، لا في أنّ له ماهيّة الخطّ ، وكذا السطح يزيد وينقص من سطح آخر من نوعه ، وكذا الجسم التعليميّ.

__________________

(١) كذا احتجّ عليه فخر الدين الرازيّ في المباحث المشرقيّة ١ : ١٨٨. وتبعه كثير ممّن تأخّر عنه كالمحقّق الطوسيّ والعلّامة الحلّيّ في كشف المراد : ٢٠٥ ، وصدر المتألّهين في الأسفار ٤ : ١٨ ، وابن سهلان الساوجيّ في البصائر النصيريّة : ٢٨.

(٢) هذا الإشكال أورده الحكيم السبزواريّ في حاشية شرح المنظومة : ١٣٨. ثمّ قال : «ولكن مع هذا كان الإفناء بالعادّ العدديّ والتجزئة بالكسور العدديّة ونحو ذلك من اللوازم ، واللازم عارض ، والعروض ينافي الضدّيّة».

(٣) قال الشيخ الرئيس في الفصل الخامس من المقالة الثالثة من إلهيّات الشفاء : «ولهذا ما قال الفيلسوف المقدّم : لا تحسبنّ أنّ ستّة ثلاثة وثلاثة ، بل هو ستّة مرّة واحدة».

(٤) سواء كان قارّا أم غير قارّ.

(٥) أي : ولا يضادّ سطح خطّا.

١٩٠

الرابع : قالوا : «إنّ الأبعاد متناهية» (١) ، واستدلّوا عليه بوجوه (٢) ، من أوضحها : أنّا نفرض خطّا غير متناه وكرة خرج من مركزها خطّ مواز لذلك الخطّ غير المتناهي ، فإذا تحرّكت الكرة تلاقى الخطان بمصادرة اقليدس (٣) ، فصار الخطّ الخارج من المركز مسامتا للخطّ غير المتناهي المفروض بعد ما كان موازيا له. ففي الخطّ غير المتناهي نقطة بالضرورة هي أوّل نقط المسامتة ، لكن ذلك محال ، إذ لا يمكن أن يفرض على الخطّ نقطة مسامتة إلّا وفوقها نقطة يسامتها الخطّ قبلها.

وقد اقيم على استحالة وجود بعد غير متناه براهين اخر ، كبرهان التطبيق والبرهان السلّميّ وغير ذلك (٤).

الخامس : أنّ الخلاء ـ ولازمه قيام البعد بنفسه من دون معروض يقوم به ـ محال (٥) ،

__________________

(١) هذا مذهب أكثر الحكماء والمتكلّمين ؛ بخلاف حكماء الهند ، على ما في شرح المواقف : ٤٥١ ، وكشف المراد : ١٦٧ ، والمحصّل : ١٩٣ ـ ١٩٤.

(٢) راجع الفصلين السابع والثامن من المقالة الثالثة من الفنّ الأوّل من طبيعيّات الشفاء ، وشرح الإشارات ٢ : ٥٩ ـ ٧٤ ، والمباحث المشرقيّة ١ : ١٩٢ ـ ٢٠٣ ، والأسفار ٤ : ٢١ ـ ٣٠ ، وكشف المراد : ١٦٧ ـ ١٦٨ ، وشرح عيون الحكمة ٢ : ٤٩ ـ ٦٤ ، وشرح المنظومة ٢٢٧ ـ ٢٣١ ، وشرح حكمة العين : ٢٧٣ ـ ٢٨١ ، وغيرها من المطوّلات.

(٣) قال الشهرستانيّ في الملل والنحل ٢ : ١١٤ : «هو أوّل من تكلّم في الرياضيّات وأفرده علما نافعا في العلوم». ومصادرته هي أنّ الخطّين المتوازيين لا يتقاطعان وإن امتدّا إلى غير النهاية ، وإذا خرجا عن التوازي تقاطعا لا محالة.

(٤) كبرهان حفظ النسبة وبرهان الترسيّ. راجع شرح الإشارات ٢ : ٧٣ ـ ٧٤ ، والأسفار ٤ : ٢٣ ، وشرح المنظومة : ٢٣٠ ـ ٢٣١ ، وشرح المواقف : ٤٥٢ ـ ٤٥٥ ، والمباحث المشرقيّة ١ : ١٩٦ ـ ١٩٩.

(٥) هذا مذهب أكثر المحقّقين من الحكماء. راجع الأسفار ٤ : ٤٨ ـ ٥٧ ، والفصل الثامن من المقالة الثانية من الفنّ الأوّل من طبيعيّات الشفاء ، وشرح عيون الحكمة ٢ : ٨٣ ـ ١٠٠ ، وشرح الإشارات ٢ : ١٦٤ ـ ١٦٦ ، والمباحث المشرقيّة ١ : ٢٤٦ ـ ٢٨٨ والدعاوي القلبيّة : ٧ ، والتحصيل : ٣٨٥ ـ ٣٩١. وأمّا المتكلّمون فذهبوا إلى جواز الخلاء ، ومنهم فخر الدين الرازيّ في المحصّل (تلخيص المحصّل) : ٢١٤ ، وأبو إسحاق إبراهيم بن نوبخت في الياقوت في علم الكلام : ٣٣١ ، وأبو البركات في المعتبر ٢ : ٤٨ ـ ٦٧ ، والجبّائيّ وابنه وجماعة من متكلّمي الحشويّة وأهل الجبر والتشبيه على ما في أوائل المقالات : ٨١.

١٩١

وسيأتي الكلام فيه في بحث الأين (١).

السادس : أنّ العدد ليس بمتناه ، ومعناه أنّه لا توجد مرتبة من العدد إلّا ويمكن فرض ما يزيد عليها ، وكذا فرض ما يزيد على الزائد ، ولا تقف السلسلة حتّى تنقطع بانقطاع الاعتبار ، ويسمّى غير المتناهي «اللايقفيّ» ولا يوجد من السلسلة دائما بالفعل إلّا مقدار متناه ، وما يزيد عليه فهو في القوّة. وأمّا ذهاب السلسلة بالفعل إلى غير النهاية ـ على نحو العدول دون السلب التحصيليّ ـ فغير معقول ، فلا كلّ ولا مجموع لغير المتناهي بهذا المعنى ، ولا تحقّق فيه لشيء من النسب الكسريّة كالنصف والثلث والربع ، وإلّا عاد متناهيا.

__________________

(١) لا يخفى أنّه لم يتعرّض له في بحث الأين ، راجع الفصل السابع عشر من هذه المرحلة.

١٩٢

الفصل الحادي عشر

في الكيف وانقسامه الأوّليّ

عرّفوه بـ «أنّه عرض لا يقبل القسمة ولا النسبة لذاته» (١). فيخرج ب «العرض» الواجب لذاته (٢) والجوهر ، وبقيد «عدم قبول القسمة» الكمّ ، وبقيد «عدم قبول النسبة» المقولات السبع النسبيّة ، ويدخل بقيد «لذاته» ما تعرضه قسمة أو نسبة بالعرض.

__________________

(١) هكذا عرّفه فخر الدين الرازيّ في المحصّل : ١٢٦. وتبعه الحكيم السبزواريّ في شرح المنظومة : ١٣٩. والمشهور أنّ الكيفيّة هيئة قارّة لا يوجب تصوّرها تصوّر شيء خارج عنها وعن حاملها ، ولا يقتضي قسمة ولا نسبة. راجع تعليقة صدر المتألّهين على الشفاء : ١٢١. وزاد في الأسفار ٤ : ٥٩ ـ كما في المباحث المشرقيّة ١ : ٢٥٧ ، وشرح المقاصد ١ : ٢٠٠ ، والتحصيل : ٣٩٣ ـ قوله : «في أجزاء حاملها».

والرازيّ أورد على هذا التعريف ، ثمّ قال : «ولعلّ الأقرب أن يقال : الكيف هو العرض الّذي لا يتوقّف تصوّره على تصوّر غيره ولا يقتضي القسمة واللاقسمة في محلّه اقتضاء أوّليا» ، راجع المباحث المشرقيّة ١ : ٢٦١.

وقال الشيخ الرئيس في الفصل الأوّل من المقالة الخامسة من الفنّ الثاني من منطق الشفاء : «إنّ الكيفيّة هي كلّ هيئة قارّة في الموصوف بها ، لا توجب تقديره أو لا تقتضيه ، ويصلح تصوّرها من غير أن يحوج فيها إلى التفات إلى نسبة تكون إلى غير تلك الهيئة». وقال في عيون الحكمة : «هو كلّ هيئة غير الكمّيّة مستقرّة لا نسبة فيها». ثمّ الرازيّ أورد عليه ، فراجع شرح عيون الحكمة ١ : ١٠٨ ـ ١١٠.

(٢) لا يخفى أنّ الواجب لذاته خارج ذاتا ، وإنّما يخرج بقيد «عرض» الجوهر ، فإنّ البحث في الأجناس العالية للماهيّات الممكنة ، والواجب تعالى لا ماهيّة له.

١٩٣

قال صدر المتألّهين : «المقولات لمّا كانت أجناسا عالية ليس فوقها جنس لم يمكن أن يورد لها حدّ ، ولذلك كان ما يورد لها من التعريفات رسوما ناقصة يكتفى فيها بذكر الخواصّ لإفادة التمييز. ولم يظفر في الكيف بخاصّة لازمة شاملة إلّا المركّب من العرضيّة والمغايرة للكمّ والأعراض النسبيّة ، فعرّف بما محصّله : «أنّه عرض يغاير الكمّ والأعراض النسبيّة». لكنّ هذا التعريف تعريف للشيء بما يساويه في المعرفة والجهالة ، لأنّ الأجناس العالية ليس بعضها أجلى من البعض ، ولو جاز ذلك لجاز مثله في سائر المقولات ، بل ذلك أولى ، لأنّ الامور النسبيّة لا تعرف إلّا بعد معروضاتها الّتي هي الكيفيّات ، فعدلوا عن ذكر كلّ من الكمّ والأعراض النسبيّة إلى ذكر الخاصّة الّتي هي أجلى» (١) ـ انتهى ملخّصا.

وينقسم الكيف انقساما أوّليا إلى أربعة أقسام كلّيّة ، هي : الكيفيّات المحسوسة ، والنفسانيّة ، والمختصّة بالكمّيّات ، والاستعداديّة. وتعويلهم في حصرها في الأربعة على الاستقراء (٢).

__________________

(١) راجع الأسفار ٤ : ٥٨ ـ ٥٩.

(٢) كما في الأسفار ٤ : ٦١ ، وشرح المواقف : ٢٣٤ ، وشرح المقاصد ١ : ٢٠١. وقد ذكر في بيان وجه الحصر في الأربعة طرق أربعة : الأوّل ما ذكره الرازيّ في المباحث المشرقيّة ١ : ٢٦٢ ـ ٢٦٣.

والثاني والثالث والرابع ما ذكره الشيخ الرئيس في الفصل الأوّل من المقالة الخامسة من الفنّ الثاني من منطق الشفاء ، فراجع. وتعرّض لها صدر المتألّهين في الأسفار ٤ : ٦٢ ـ ٦٤ ، ثمّ قال : «والكلّ ضعيفة متقاربة».

١٩٤

الفصل الثاني عشر

في الكيفيّات المحسوسة (١)

ومن خاصّتها أنّ فعلها بطريق التشبيه ـ أي جعل الغير شبيها بنفسها ـ كما تجعل الحرارة مجاورها حارّا ، وكما يلقى السواد مثلا شبحه ـ أي مثاله ـ على العين. والكيفيّات المحسوسة تنقسم إلى : المبصرات ، والمسموعات ، والمذوقات ، والمشمومات ، والملموسات.

والمبصرات : منها الألوان ، فالمشهور أنّها كيفيّات عينيّة موجودة في خارج الحسّ ، وأنّ البسيط منها البياض والسواد ، وباقي الألوان حاصلة من تركّبهما أقساما من التركيب.

وقيل (٢) : «الألوان البسيطة ـ الّتي هي الاصول ـ خمسة : السواد ، والبياض ، والحمرة ، والصفرة ، والخضرة. وباقي الألوان مركّب منها».

وقيل (٣) : «اللون كيفيّة خياليّة لا وجود لها وراء الحسّ ، كالهالة وقوس قزح وغيرهما ، وهي حاصلة من أنواع اختلاط الهواء بالأجسام المشفّة أو انعكاس منها».

__________________

(١) قال شارح المواقف في وجه تقديمها على سائر الأقسام : «لأنها أظهر الأقسام الأربعة» ، راجع شرح المواقف : ٢٣٥.

(٢) والقائل هم المعتزلة على ما نقل في المحصّل : ٢٣٢.

(٣) والقائل هو بعض القدماء على ما نقل في شرح المواقف : ٢٥٣. وتعرّض له وللإجابة عليه الشيخ الرئيس في الفصل الرابع من المقالة الثالثة من الفنّ السادس من طبيعيّات الشفاء.

١٩٥

ومن المبصرات النور ، وهو غنيّ عن التعريف (١). وربّما يعرّف ب «أنّه الظاهر بذاته المظهر لغيره» (٢). وينبغي أن يراد به إظهاره الأجسام للبصر ، ولو اطلق الإظهار كان ذلك خاصّة للوجود. وكيف كان ، فالمعروف من مذهبهم : «أنّه كيفيّة مبصرة توجد في الأجسام النيّرة بذاتها ، أو في الجسم الّذي يقابل نيّرا من غير أن ينتقل من النيّر إلى المستنير» ، ويقابله الظلمة مقابلة العدم للملكة (٣). وقيل (٤) : «إنّ النور جوهر جسمانيّ». وقيل (٥) : «إنّه ظهور اللون».

والمسموعات : هي الأصوات. والصوت كيفيّة حاصلة من قرع عنيف أو قلع عنيف مستتبع لتموّج الهواء الحامل للأصوات ، فإذا بلغ التموّج الهواء المجاور لصماخ الأذن أحسّ الصوت (٦). وليس الصوت هو

__________________

(١) كما كان اللون غنيّا عن التعريف لظهورهما ، فإنّ الإحساس بجزئيّاتهما قد اطّلعنا على ماهيّتهما اطّلاعا لا يفي به ما يمكننا من تعريفاتهما على تقدير صحّتها.

وعرّفه الرازيّ في المباحث المشرقيّة ١ : ٣٠١ ب «أنّه الكيفيّة الّتي لا يتوقّف الإبصار بها على الإبصار بشيء آخر». وزيّفه صدر المتألّهين في الأسفار ٤ : ٩٠ بأنّه تعريف بما هو أخفى.

(٢) هكذا عرّفه الشيخ الإشراقيّ في حكمة الإشراق ، فراجع شرح حكمة الإشراق (كلام الماتن) : ٢٩٥.

(٣) اعلم أنّ في تقابل الظلمة والنور مذاهب ثلاثة ، أحدها : ما ذهب إليه الإشراقيّون ، وهو تقابل السلب والإيجاب. وثانيها : ما ذهب إليه المشّاؤون ، وهو تقابل العدم والملكة ، كما قال الشيخ الرئيس في الفصل الأوّل من المقالة الثانية من الفنّ السادس من طبيعيّات الشفاء : «فإنّ الظلمة عدم الضوء فيما من شأنه أن يستنير». وثالثها : ما ذهب إليه المتكلّمون ، وهو تقابل التضادّ.

(٤) والقائل هو بعض الحكماء الأقدمين على ما نقل في شرح المواقف : ٢٥٦. وراجع الفصل الثاني من المقالة الثالثة من الفنّ السادس من طبيعيّات الشفاء. وأشار إلى بطلانه في كشف المراد : ٢١٩.

(٥) تعرّض له وللإجابة عليه الشيخ الرئيس في الفصلين الثاني والثالث من المقالة الثالثة من الفنّ السادس من طبيعيّات الشفاء ، وصدر المتألّهين في الأسفار ٤ : ٩١ ـ ٩٤.

(٦) هذا ما ذهب إليه الفلاسفة في تعريف الصوت ، فراجع الفصل الخامس من المقالة الثانية ـ

١٩٦

التموّج (١) ، ولا نفس القلع والقرع (٢). وليس الصوت المحسوس خيالا في الحسّ معدوما في خارج الحسّ (٣).

والمذوقات : هي الطعوم المدركة بالذائقة ، وقد عدّوا بسائطها تسعة (٤) ، وهي : الحرافة ، والملاحة ، والمرارة ، والدسومة ، والحلاوة ، والتفه ، والعفوصة ، والقبض ، والحموضة ، وما عدا هذه الطعوم طعوم مركّبة منها.

والمشمومات : أنواع الروائح المحسوسة بالشامّة. وليس لأنواع الروائح الّتي ندركها أسماء عندنا نعرفها بها إلّا من جهة إضافتنا لها إلى موضوعاتها كما نقول : «رائحة المسك» و «رائحة الورد» ، أو من جهة موافقتها للطبع ومخالفتها له كما نقول : «رائحة طيّبة» و «رائحة منتنة» ، أو من جهة نسبتها إلى الطعم كما نقول : «رائحة حلوة» و «رائحة حامضة». وهذا كلّه دليل ضعف الإنسان في شامّته ، كما ذكره الشيخ (٥).

والملموسات (٦) : أنواع الكيفيّات المحسوسة بحسّ اللمس ، وقد عدّوا

__________________

ـ من الفنّ السادس من طبيعيّات الشفاء ، وكشف المراد : ٢٢٠ ، والأسفار ٤ : ٩٨ ، والمباحث المشرقيّة ١ : ٣٠٥.

وأمّا المتكلّمون فقال صاحب المواقف ـ على ما في شرح المواقف : ٢٦٠ ـ : «والحقّ أنّ ماهيّته بديهيّة مستغنية عن التعريف». وقال التفتازانيّ في شرح المقاصد ١ : ٢١٦ : «والصوت عندنا يحدث بمحض خلق الله تعالى من غير تأثير لتموّج الهواء والقرع والقلع كسائر الحوادث».

(١ و ٢) هكذا في شرح حكمة العين : ٢٩٨.

(٣) راجع الفصل الخامس من المقالة الثانية من الفنّ السادس من طبيعيّات الشفاء.

(٤) راجع شرح المقاصد ١ : ٢٢١ ، وإيضاح المقاصد : ١٩٤ ، وشرح حكمة العين : ٣٠٢ ، والفصل الرابع من المقالة الثانية من الفنّ السادس من طبيعيّات الشفاء ، والمحصّل : ٢٣٣.

(٥) في الفصل الرابع من المقالة الثانية من الفنّ السادس من طبيعيّات الشفاء ، حيث قال : «ويشبه أن يكون حال إدراك الروائح من الناس كحال إدراك أشباح الأشياء وألوانها من الحيوانات الصلبة العين».

(٦) والمحقّق الطوسيّ قدّم البحث عنها ، وقال العلّامة الحلّيّ في وجه تقديمه : «لمّا كانت ـ

١٩٧

بسائطها اثني عشر نوعا (١) ، هي : الحرارة والبرودة ، والرطوبة واليبوسة ، واللطافة والكثافة ، واللزوجة والهشاشة ، والجفاف والبلّة ، والثقل والخفّة (٢). وقد ألحق بها بعضهم (٣) الخشونة والملاسة (٤) ، والصلابة واللين (٥) ، والمعروف أنّها مركّبة.

__________________

ـ الكيفيّات الملموسة أظهر عند الطبيعة ؛ لعمومها بالنسبة إلى كلّ حيوان قدّم البحث عنها» راجع كشف المراد : ٢١١.

(١) راجع الأسفار ٤ : ٦٧ ، والمباحث المشرقيّة ١ : ٢٦٩. بخلاف المحقّق الطوسيّ فإنّه عدّها أربعة أنواع ، حيث قال : «فمنها أوائل الملموسات ، وهي الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة ، والبواقي منتسبة إليها». فراجع كشف المراد : ٢١١.

وهذه تسمّى «أوائل الملموسات». والوجه في تسميتها بأوائل الملموسات وجهان :

(أحدهما) أنّ القوّة اللامسة تعمّ جميع الحيوانات ولا يخلو حيوان عن هذه القوّة. و (ثانيهما) أنّ الأجسام العنصريّة قد تخلو عن الكيفيّات المبصرة والمسموعة والمذوقة والمشمومة ، ولا تخلو عن الكيفيّات الملموسة.

(٢) والكاتبيّ فسّر جميع هذه الكيفيّات ، فقال : «أمّا الحرارة والبرودة فغنيّتان عن التعريف. وأمّا الرطوبة فهي الكيفيّة الّتي بها يصير الجسم سهل التشكّل وسهل الترك له. وأمّا اليبوسة فهي الّتي بها يصير الجسم عسر التشكّل وعسر الترك له. وأمّا اللطافة فيقال على رقّة القوام وقبول الانقسام وسرعة التأثّر من الملاقي. والشفّافيّة ، والكثافة على مقابلات هذه الأربعة. واللزج هو الّذي يسهل تشكيله ويصعب تفريقه ، والهشّ بالعكس. والجسم الّذي طبيعته لا يقتضي الرطوبة فإن لم يلتصق به جسم رطب فهو الجافّ ، وإلّا فهو المبتلّ. والزق المنفوخ المسكن تحت الماء قسرا نجد فيه مدافعة صاعدة ، والحجر المسكن في الجوّ قسرا نجد فيه مدافعة هابطة ، والاولى هي الخفّة والثانية هي الثقل» ، انتهى كلامه ملخّصا. فراجع شرح حكمة العين : ٢٨٧ ـ ٢٩٢. وفسّرها الآمليّ أيضا في درر الفوائد : ٤٠٧.

(٣) وهو الجمهور من الحكماء على ما في شرح الهداية الأثيريّة لصدر المتألّهين : ٢٦٩.

(٤) وأخرجهما عنها صدر المتألّهين في الأسفار ٤ : ٨٤ ، وقال : «إنّما يقع الاشتباه في مثل هذه الامور ؛ لعدم الفرق بين ما بالذات وما بالعرض».

(٥) وعدّهما صدر المتألّهين من الكيفيّات الاستعداديّة تبعا لأثير الدين الأبهريّ في الهداية الأثيريّة. فراجع الأسفار ٤ : ٨٤ ، وشرحه للهداية الأثيريّة : ٢٦٩.

١٩٨

الفصل الثالث عشر

في الكيفيّات المختصّة بالكمّيّات

وهي الكيفيّات العارضة للجسم بواسطة كمّيّته ، فيتّصف بها الكمّ أوّلا ثمّ الجسم لكمّيّته (١) كالاستدارة في الخطّ والزوجيّة في العدد.

وهي ثلاثة أقسام بالاستقراء : (الأوّل) الشكل والزاوية. (الثاني) ما ليس بشكل وزاوية ، مثل الاستدارة والاستقامة من الكيفيّات العارضة للخطّ والسطح والجسم التعليميّ. (الثالث) الكيفيّات العارضة للعدد ، مثل الزوجيّة والفرديّة والتربيع والتجذير وغير ذلك.

وألحق بعضهم (٢) بالثلاثة الخلقة ، ومرادهم بها مجموع اللون والشكل. ويدفعه : أنّها ليست لها وحدة حقيقيّة ذات ماهيّة حقيقيّة ، بل هي من المركّبات الاعتباريّة ، ولو كانت ذات ماهيّة كان من الواجب أن تندرج تحت الكيفيّات المبصرة والكيفيّات المختصّة بالكمّيّات ، وهما جنسان متباينان ، وذلك محال.

__________________

(١) هكذا عرّفه الفخر الرازيّ في المباحث المشرقيّة ١ : ٤١٤. وتبعه صدر المتألّهين في الأسفار ٤ : ١٦٢.

(٢) كالشيخ الرئيس في الفصلين الأوّل والثاني من المقالة السادسة من الفنّ الثاني من منطق الشفاء ، وفخر الدين الرازيّ في المباحث المشرقيّة ١ : ٤١٥ و ٤٢٨ ، والمحقّق الطوسيّ على ما في كشف المراد : ٢٥٥ ، والعلّامة التفتازانيّ في شرح المقاصد ١ : ٢٥٢ ـ ٢٥٣ ، وصدر المتألّهين في الأسفار ٤ : ١٦٢ ـ ١٦٣ و ١٨٣ ـ ١٨٤.

١٩٩

أمّا القسم الأوّل :

فالشكل : هيئة حاصلة للكمّ من إحاطة حدّ أو حدود به إحاطة تامّة ، كشكل الدائرة الّتي يحيط بها خطّ واحد ، وشكل المثلّث والمربّع وكثير الأضلاع الّتي يحيط بها حدود (١) ، والكرة الّتي يحيط بها سطح واحد ، والمخروط والاسطوانة والمكعّب الّتي تحيط بها سطوح فوق الواحد.

والشكل من الكيفيّات لصدق حدّ الكيف عليه (٢). وليس هو السطح أو الجسم ، ولا الحدود المحيطة به ، ولا المجموع ، بل الهيئة الحاصلة من سطح أو جسم أحاط به حدّ أو حدود خاصّة (٣).

والزاوية : هي الهيئة الحاصلة من إحاطة حدّين أو حدود متلاقية في حدّ إحاطة غير تامّة ، كالزاوية المسطّحة من إحاطة خطّين متلاقيين في نقطة ، والزاوية المجسّمة الحاصلة من إحاطة سطح المخروط المنتهي إلى نقطة الرأس ، وزاوية المكعّب المحيط بها سطوح ثلاثة.

والكلام في كون الزاوية كيفا لا كمّا (٤) ....

__________________

(١) أي : خطوط فوق الواحد.

(٢) قال المحقّق الآمليّ : «وأمّا المهندسون فهم جعلوه من مقولة الكمّ ، وعرّفوه بأنّه مقدار ما أحاط به حدّ أو حدود». درر الفوائد ١ : ٤٠٥.

(٣) والمراد من الحدّ والحدود هو الخطّ أو الخطوط إذا كانت الهيئة الحاصلة محاطيّة السطح إحاطة تامّة. وهو السطح والسطوح إذا كانت الهيئة الحاصلة محاطيّة الجسم كذلك.

(٤) اعلم أنّهم اختلفوا في تعريف الزاوية على أقوال :

الأوّل : ما ذكره المصنّف رحمه‌الله في المتن. وهذا ما ذهب إليه صدر المتألّهين ، وتبعه المصنّف رحمه‌الله في المقام.

الثاني : أنّها الهيئة الحاصلة من إحاطة حدّ أو حدود متلاقية في نقطة إحاطة تامّة. وهذا هو المشهور بين الحكماء.

الثالث : أنّها تماسّ خطّين من غير أن يتّحدا. فهو من مقولة الإضافة. وهذا منسوب إلى اقليدس.

الرابع : أنّها انتهاء السطح عند نقطة مشتركة بين خطّين يحيطان به. فهو أمر عدميّ. ـ

٢٠٠