نهاية الحكمة - ج ١

آية الله السيد محمد حسين الطباطبائي

نهاية الحكمة - ج ١

المؤلف:

آية الله السيد محمد حسين الطباطبائي


المحقق: الشيخ عبّاس علي الزارعي السبزواري
الموضوع : الفلسفة والمنطق
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٤
ISBN: 978-964-470-623-3
ISBN الدورة:
978-964-470-005-7

الصفحات: ٢٨٣

تقدّم في بحث الوجود لنفسه ولغيره (١) أنّ الوجود في نفسه هو الّذي ينتزع عنه ماهيّة الشيء. وأمّا اعتبار وجوده لشيء فلا ينتزع عنه ماهيّة ، وإن كان وجوده لغيره عين وجوده في نفسه. والفصل مفهوم مضاف إلى الجنس ، حيثيّته أنّه مميّز ذاتيّ للنوع ، وجوده للجنس ، فلا ماهيّة له من حيث إنّه فصل. وهذا معنى قولهم : «إنّ لازم كون الجنس عرضا عامّا للفصل والفصل خاصّة له أن ليست فصول الجواهر جواهر ، بمعنى كونها مندرجة تحت معنى الجواهر اندراج الأنواع تحت جنسها ، بل كاندراج الملزومات تحت لازمها الّذي لا يدخل في ماهيّتها» (٢).

وأمّا الصورة من حيث إنّها صورة مقوّمة للمادّة فحيث كانت بشرط لا بالنسبة إلى المادّة لم يكن بينهما حمل أوّليّ ، فلا اندراج لها تحت الجنس ، وإلّا كانت نوعا (٣) بينه وبين الجنس عينيّة وحمل أوّليّ ، هذا خلف ، وإن كان بينها وبين المادّة حمل شائع بناء على التركيب الاتّحاديّ بين المادّة والصورة (٤).

نعم ، لمّا كانت الصورة تمام ماهيّة النوع ـ كما عرّفوها بأنّها ما به الشيء هو هو بالفعل ـ كانت فصول الجواهر جواهر (٥) ، لأنّها عين حقيقة النوع وفعليّته ، لكن لا يستوجب ذلك دخولها تحت جنس الجوهر بحيث يكون الجوهر مأخوذا في حدّها بينه وبينها حمل أوّليّ.

فتبيّن بما تقدّم أنّ الفصول بما أنّها فصول بسائط غير مركّبة من الجنس والفصل ، ممحّضة في أنّها مميّزات ذاتيّة ، وكذلك الصور المادّيّة الّتي هي في ذاتها

__________________

(١) راجع الفصل الثالث من المرحلة الثانية.

(٢) راجع الأسفار ٢ : ٣٩ ـ ٤٠.

(٣) أي : قسما من الجنس.

(٤) والقول بكون التركيب اتّحاديّا قول السيّد السند (صدر الدين الشيرازيّ) وصدر المتألّهين. قال الحكيم السبزواريّ في شرح المنظومة : ١٠٥ : «إنّ بقول السيّد السناد ، أي القويّ ، وهو صدر الدين الشيرازيّ المشهور بالسيّد السند ، وقد تبعه في ذلك صدر المتألّهين ، تركيب أجزاء عينيّة اتّحاديّ». ثمّ قال : «لكنّ قول الحكما العظام من قبله التركيب الانضماميّ». راجع الأسفار ٥ : ٢٨٢.

(٥) بالحمل الشائع.

١٤١

مادّية موجودة للمادّة بسائط في الخارج غير مركّبة من المادّة والصورة ، وبسائط في العقل غير مركّبة من الجنس والفصل ، وإلّا كانت الواحدة منها أنواعا متسلسلة ، كما تقدّمت الإشارة إليها.

وأمّا النفس المجرّدة فهي باعتبار أنّها فصل للنوع حيثيّتها حيثيّة الوجود الناعتيّ ، وقد عرفت (١) أن لا ماهيّة للوجود الناعتيّ. وأمّا من حيث تجرّدها في ذاتها فإنّ تجرّدها مصحّح وجودها لنفسها (٢) ، كما أنّها موجودة في نفسها ، وهي تمام حقيقة النوع ، فيصدق عليها الجوهر ، فتكون هي النوع الجوهريّ الّذي كانت جزءا صوريّا له ، وليست بصورة ، ولا ينافيه كون وجودها للمادّة أيضا ، فإنّ هذا التعلّق إنّما هو في مقام الفعل دون الذات ، فهي مادّيّة في فعلها لا في ذاتها.

هذا على القول بكون النفس المجرّدة روحانيّة الحدوث والبقاء كما عليه المشّاؤون (٣). وأمّا على القول بكونها جسمانيّة الحدوث روحانيّة البقاء (٤) فهي تتجرّد في ذاتها أوّلا ، وهي بعد متعلّقة بالمادّة فعلا ثمّ تتجرّد عنها في فعلها أيضا بمفارقة البدن.

__________________

(١) في الفصل الأوّل من المرحلة الثانية.

(٢) أورد عليه بعض الأساتيذ من تلامذة المصنّف رحمه‌الله بأنّه يستشعر من كلامه هذا أنّ مصحّح كون النفس من أنواع الجوهر كون وجودها لنفسها ، لا وجودها في نفسها. وهذا لا يوافق صدر كلامه حيث صرّح بأنّ الملاك هو كون الوجود في نفسه لا لنفسه ، مضافا إلى أنّه يستلزم عدم انتزاع الماهيّة عن الأعراض. راجع تعليقته على نهاية الحكمة : ١٢٤ ـ ١٢٥.

ودفعه شيخنا الاستاذ الجواديّ الآملي بأنّه لا تهافت بين كلامه هذا وبين ما مرّ منه في صدر الجواب ، فإنّه كان هناك بصدد بيان المصحّح لكون الشيء ذا ماهيّة ، فصرّح بأنّ المصحّح له هو وجوده في نفسه. وأمّا في المقام فليس بصدد بيان المصحّح لكون الشيء ذا ماهيّة ، بل كان في مقام بيان المصحّح لكون الشيء ذا ماهيّة جوهريّة ، ولا شكّ أنّه وجوده لنفسه ، كما أنّ المصحّح لكون الشيء ذا ماهيّة عرضيّة هو وجوده لغيره. راجع «رحيق مختوم ١ / ٢ : ٢٥٧».

(٣) نسب إليهم في حواشي شرح المنظومة للسبزواريّ ، فراجع شرح المنظومة : ٣٠٢

(٤) هذا مذهب صدر المتألّهين ، فراجع الأسفار ٨ : ٣٤٧ ، وحاشية شرح حكمة الإشراق : ٢٤٥.

وتبعه الحكيم السبزواريّ في شرح المنظومة : ٣٠٣.

١٤٢

الفصل السابع

في بعض أحكام النوع

النوع هو الماهيّة التامّة الّتي لها في الوجود آثار خاصّة. وينقسم : إلى ما لا يتوقّف في ترتّب آثاره عليه إلّا على الوجود الخارجيّ الّذي يشخّصه فردا ، كالإنسان مثلا ، ويسمّى : «النوع الحقيقيّ». وإلى ما يتوقّف في ترتّب آثاره عليه على لحوق فصل أو فصول به ، فيكون جنسا بالنسبة إلى أنواع دونه ، وإن كان نوعا بالنظر إلى تمام ماهيّته ، كالأنواع العالية والمتوسّطة ، كالجسم الّذي هو نوع من الجوهر عال ، ثمّ هو جنس للأنواع النباتيّة والجماديّة ، والحيوان الّذي هو نوع متوسّط من الجوهر ، وجنس للإنسان وسائر الأنواع الحيوانيّة ، ويسمّى : «النوع الإضافيّ» (١).

__________________

(١) لا يخفى أنّ المستفاد من كلمات المحقّقين من الفلاسفة أنّ إطلاق لفظ «النوع» على النوع الحقيقيّ والنوع الإضافيّ إنّما هو بالاشتراك اللفظيّ ، لا الاشتراك المعنويّ ، لأنّه لا جامع بين الأمرين.

وأمّا بناء على ما ذكره المصنّف رحمه‌الله في تعريف النوع ـ وهو تعريف بديع ـ كان إطلاق لفظ «النوع» عليهما بالاشتراك المعنويّ ، والجامع بينهما هو الماهيّة التامّة ، فإنّ الماهيّة التامّة إن كانت تامّة من جميع الجهات بحيث ليس لها إبهام أصلا فهو النوع الحقيقيّ ، وإن كانت تامّة في الجملة ـ أي تركّبت من جنس وفصل ، وخرجت عن الإبهام بالنسبة إلى فصل وإن كانت مبهمة بالنسبة إلى فصل آخر ـ فهو النوع الإضافيّ.

ويمكن أن يقال : إنّ الجامع بينهما هو الماهيّة المتميّزة. فالماهيّة غير المتميّزة ـ وهي المبهمة من جميع الجهات ـ جنس ، والماهيّة المتميّزة بالفصل نوع. وهذه إن كانت متميّزة ـ

١٤٣

ثمّ إنّ الماهيّة النوعيّة توجد أجزاؤها في الخارج بوجود واحد ، هو وجود النوع (١) ، لأنّ الحمل بين كلّ منها (٢) وبين النوع حمل أوّليّ ، والنوع موجود بوجود واحد ، وأمّا في الذهن فبينها تغاير بالإبهام والتحصّل ، ولذلك كان كلّ من الجنس والفصل عرضيّا للآخر كما تقدّم (٣).

ومن هنا ما ذكروا (٤) أنّه لا بدّ في المركّبات الحقيقيّة ـ وهي الأنواع المادّيّة ـ أن يكون بين أجزائها فقر وحاجة من بعضها إلى بعض حتّى ترتبط وتتّحد حقيقة واحدة (٥). وقد عدّوا المسألة ضروريّة (٦).

ويمتاز المركّب الحقيقيّ من غيره بالوحدة الحقيقيّة. وذلك بأن يحصل من تألّف الأجزاء أمر آخر وراءها له أثر جديد خاصّ وراء آثار الأجزاء ، لا مثل المركّبات الاعتباريّة الّتي لا أثر لها وراء آثار الأجزاء ، كالعسكر المركّب من أفراد ، والبيت المركّب من اللبن والجصّ وغيرها.

ومن هنا يترجّح القول بأنّ التركيب بين المادّة والصورة تركيب اتحاديّ لا انضماميّ كما سيأتي إن شاء الله (٧).

ثمّ إنّ الماهيّات النوعيّة منها ما هو كثير الأفراد كالأنواع الّتي لها تعلّق مّا بالمادّة كالعنصر وكالإنسان ، ومنها ما هو منحصر في فرد كالنوع المجرّد عن المادّة ذاتا وفعلا وهو العقل. وذلك أنّ الكثرة إمّا أن تكون تمام ذات الماهيّة

__________________

ـ من جميع الجهات بحيث لا إبهام لها بالنسبة إلى فصل فهو النوع الحقيقيّ ، وإن كانت متميّزة من بعض الجهات فهو النوع الإضافيّ.

(١) كالإنسان.

(٢) أي : أجزاؤها ، كالناطق والحيوان بالنسبة إلى الإنسان.

(٣) في الفصل الخامس من هذه المرحلة.

(٤) كما قال المحقّق الطوسيّ : «ولا بدّ من حاجة مّا لبعض الأجزاء إلى البعض». راجع كشف المراد : ٩١.

(٥) وحدة حقيقيّة كالإنسان ، لا وحدة اعتباريّة كالعشرة.

(٦) راجع شرح المقاصد ١ : ١٠٤ ، وشرح المواقف : ١١٩ ، وشرح المنظومة : ١٠٤ ، والمباحث المشرقيّة ١ : ٥٦.

(٧) في الفصل الرابع عشر من المرحلة الثامنة.

١٤٤

النوعيّة أو بعضها (١) أو خارجة منها لازمة أو مفارقة ، وعلى التقادير الثلاثة الاول يمتنع أن يتحقّق لها فرد ، إذ كلّ ما فرض فردا لها وجب كونه كثيرا ، وكلّ كثير مؤلّف من آحاد ، وكلّ واحد مفروض يجب أن يكون كثيرا ، وكلّ كثير فإنّه مؤلّف من آحاد ، وهكذا. فيذهب الأمر إلى غير النهاية ، ولا ينتهي إلى واحد ، فلا يتحقّق الواحد ، فلا يتحقّق لها فرد ، وقد فرض كثير الأفراد ، وهذا خلف. وعلى التقدير الرابع كانت الكثرة بعرض مفارق يعرض النوع ، تتحقّق بانضمامه إليه عدم انضمامه الكثرة ، وكلّ عرض مفارق يتوقّف عرضه على سبق إمكان (٢) حامله المادّة ، فيكون النوع مادّيا بالضرورة ، فكلّ نوع كثير الأفراد فهو مادّيّ ، وينعكس بعكس النقيض إلى أنّ كلّ نوع مجرّد فهو منحصر في فرد ، وهو المطلوب.

__________________

(١) أي : إمّا أن تكون باقتضاء من تمام ذات الماهيّة أو جزئها. ويشهد له قوله في تعليقة الأسفار ٦ : ٦٣ : «إنّ كثرة الأفراد إن كان باقتضاء من تمام الماهيّة أو جزئها أو ...».

(٢) وهو الإمكان الاستعداديّ.

١٤٥
١٤٦

المرحلة السادسة

في المقولات العشر

وهي الأجناس العالية الّتي إليها تنتهي الماهيّات بالتحليل

وفيها واحد وعشرون فصلا

١٤٧
١٤٨

الفصل الأوّل

في المقولات وعددها

لا ريب أنّ للموجود الممكن ماهيّة هي ذاته الّتي تستوي نسبتها إلى الوجود والعدم ، وهي ما يقال في جواب «ما هو؟». وأنّ في هذه الماهيّات مشتركات ومختصّات ـ أعني الأجناس والفصول ـ. وأنّ في الأجناس ما هو أعمّ وما هو أخصّ ، أي إنّها قد تترتّب متصاعدة من أخصّ إلى أعمّ ، فلا محالة تنتهي السلسلة إلى جنس لا جنس فوقها ، لاستحالة ذهابها إلى غير النهاية المستلزم لتركّب ذات الممكن من أجزاء غير متناهية ، فلا يمكن تعقّل شيء من هذه الماهيّات بتمام ذاتيّاتها ، على أنّ هذه الأجناس باعتبار أخذها بشرط لا موادّ خارجيّة أو عقليّة ، والمادّة من علل القوام ، وهي متناهية ، كما سيأتي إن شاء الله تعالى (١).

فتحصّل : أنّ هناك أجناسا عالية ليس فوقها جنس ، وهي المسمّاة ب «المقولات» (٢).

ومن هنا يظهر :

أوّلا : أنّ المقولات بسائط غير مركّبة من جنس وفصل ، وإلّا كان هناك جنس أعلى منها ، هذا خلف.

__________________

(١) في الفصل الخامس عشر من المرحلة الثامنة.

(٢) والوجه في تسميتها بالمقولات أنّها تحمل على الأشياء حملا ذاتيّا ، ولا يحمل عليها شيء كذلك ، لأنّه ليس فوقها جنس.

١٤٩

وثانيا : أنّها متباينة بتمام ذواتها البسيطة ، وإلّا كان بينها مشترك ذاتيّ ، وهو الجنس ، فكان فوقها جنس ، هذا خلف.

وثالثا : أنّ الماهيّة الواحدة لا تندرج تحت أكثر من مقولة واحدة ، فلا يكون شيء واحد جوهرا وكمّا معا ، ولا كمّا وكيفا معا ، وهكذا. ويتفرّع عليه أنّ كلّ معنى يوجد في أكثر من مقولة واحدة فهو غير داخل تحت المقولة ، إذ لو دخل تحت ما يصدق عليه لكان مجنّسا بجنسين متباينين أو أجناس متباينة ، وهو محال. ومثله ما يصدق من المفاهيم على الواجب والممكن جميعا. وقد تقدّمت الإشارة إلى ذلك. (١)

ورابعا : أنّ الماهيّات البسيطة ـ كالفصول الجوهريّة مثلا وكالنوع المفرد إن كان (٢) ـ خارجة عن المقولات ، وقد تقدّم في مرحلة الماهيّة (٣).

وخامسا : أنّ الواجب والممتنع خارجان عن المقولات ، إذ لا ماهيّة لهما (٤) ، والمقولات ماهيّات جنسيّة.

ثمّ إنّ جمهور المشّائين (٥) على أنّ المقولات عشر. وهي : الجوهر ، والكمّ ، والكيف ، والوضع ، والأين ، والمتى ، والجدة ، والإضافة ، وأن يفعل ، وأن ينفعل.

__________________

(١) في الفصل الخامس من المرحلة الخامسة.

(٢) تلويح إلى أنّه مشكوك الوجود. وهو النوع الحقيقيّ الّذي ليس له جنس ، كالنقطة والوحدة.

(٣) في الفصل السادس من المرحلة الخامسة.

(٤) أمّا الواجب فلا ماهيّة له بالمعنى الأخصّ ، إذ هو وجود محض لا حدّ له. نعم ، له الماهيّة بالمعنى الأعمّ ، وما به الشيء هو هو ، وهو وجوده الواجبيّ. وأمّا الممتنع فلا ماهيّة له ، لا بالمعنى الأعمّ ولا بالمعنى الأخصّ ، إذ لا شيئيّة له.

(٥) كالمعلّم الأوّل في كتابه الموسوم ب «قاطيغورياس» أي المقولات ، فراجع الجزء الأوّل من منطق أرسطو : ٣٥ ؛ وكذا في كتابه الموسوم ب «طوبيقا» أي الجدل ، فراجع الجزء الثاني من منطق أرسطو : ٥٠٢. ونسب إليه أيضا في المعتبر ٣ : ١٤. وذهب إليه الشيخ الرئيس في قاطيغورياس من منطق الشفاء ، وصدر المتألّهين في الأسفار ٤ : ٣ ، والشواهد الربوبيّة : ٢١ ، وفخر الدين الرازيّ في المباحث المشرقيّة ١ : ١٦٤ ، وشرح عيون الحكمة ١ : ٩٧ ـ ٩٨ ، والحكيم السبزواريّ في شرح المنظومة : ١٣٦ ـ ١٣٧.

١٥٠

والمعوّل فيما ذكروه على الاستقراء (١) ، ولم يقم برهان على أن ليس فوقها مقولة هي أعمّ من الجميع أو أعمّ من البعض (٢). وأمّا مفهوم الماهيّة والشيء والموجود وأمثالها الصادقة على العشر جميعا ومفهوم العرض والهيئة والحال الصادقة على التسع غير الجوهر والهيئة النسبيّة الصادقة على السبع الأخيرة المسمّاة بالأعراض النسبيّة فهي مفاهيم عامّة منتزعة من نحو وجودها خارجة من سنخ الماهيّة. فماهيّة الشيء هو ذاته المقول عليه في جواب «ما هو؟» ولا هويّة إلّا للشيء الموجود ، وشيئيّة الشيء موجود (٣) ، فلا شيئيّة لما ليس بموجود ، وعرضيّة الشيء كون وجوده قائما بالغير ، وقريب منه كونه هيئة وحالا ، ونسبيّة الشيء كون وجوده في غيره غير خارج من وجود الغير. فهذه مفاهيم منتزعة من نحو الوجود محمولة على أكثر من مقولة واحدة ، فليست من المقولات كما تقدّم (٤).

وعن بعضهم (٥) : «أنّ المقولات أربع ، بإرجاع المقولات النسبيّة إلى مقولة واحدة ، فهي : الجوهر والكمّ والكيف والنسبة».

ويدفعه ما تقدّم (٦) [من] أنّ النسبة مفهوم غير ما هويّ منتزع من نحو الوجود. ولو كفى مجرّد عموم المفهوم في جعله مقولة فليردّ المقولات إلى مقولتين :

__________________

(١) هكذا في شرح المواقف : ١٩٣. وقال المحقّق اللاهيجيّ في مقدّمة الفصل الخامس من المقصد الثاني من شوارق الإلهام : «وبالجملة فالّذي استقرّ عليه رأي المتأخّرين أنّ هذا الحصر استقرائيّ. ولا يخفى أنّ هذا الاستقراء أيضا ضعيف جدّا».

(٢) راجع مقدمة الفصل الخامس من المقصد الثاني من شوارق الإلهام ، والفصل الأوّل والثالث والرابع والخامس من المقالة الثانية من الفنّ الثاني من منطق الشفاء.

(٣) والأولى أن يقول : «وشيئيّة الشيء كونه موجودا» أو «وشيئيّة الشيء وجوده».

(٤) في السطور السابقة.

(٥) قيل : «هو عمر بن سهلان الساوجيّ «الساويّ» صاحب البصائر النصيريّة» ، فراجع شرح الهداية الأثيريّة لصدر المتألّهين : ٢٦٤ ، وشرح المنظومة : ١٣٧. وقال الإيجيّ في المواقف : «وقد احتجّ ابن سينا على الحصر بما خلاصته : أنّه ينقسم إلى كمّ وكيف ونسبة كما مرّ ، وغيرها الجوهر» انتهى كلامه على ما في شرح المواقف : ١٩٥.

(٦) في السطور السابقة.

١٥١

«الجوهر والعرض» (١) ، لصدق مفهوم العرض على غير الجوهر من المقولات ، بل إلى مقولة واحدة هي الماهيّة أو الشيء.

وعن شيخ الإشراق : «أنّ المقولات خمس : الجوهر والكمّ والكيف والنسبة والحركة» (٢).

ويرد عليه ما يرد على سابقه ، مضافا إلى أنّ الحركة أيضا مفهوم منتزع من نحو الوجود ، وهو الوجود السيّال غير القارّ الثابت ، فلا مساغ لدخولها في المقولات.

__________________

(١) قال الشيخ الإشراقيّ في المطارحات : ٢٨٤ : «ويكفي تقسيم الماهيّات إلى جوهر وهيئة».

وقال السيّد الداماد في القبسات : ٤٠ : «فإذا المقولات الجائزات جنسان أقصيان ...».

(٢) راجع التلويحات : ١١.

١٥٢

الفصل الثاني

في تعريف الجوهر (١) وأنّه جنس لما تحته من

الماهيّات

تنقسم الماهيّة انقساما أوّليا إلى : الماهيّة الّتي إذا وجدت في الخارج وجدت لا في موضوع مستغن عنها وهي ماهيّة الجوهر ، وإلى الماهيّة الّتي إذا وجدت في الخارج وجدت في موضوع مستغن عنها وهي المقولات التسع العرضيّة.

فالجوهر ماهيّة إذا وجدت في الخارج وجدت لا في موضوع مستغن عنها. وهذا تعريف بوصف لازم للوجود من غير أن يكون حدّا مؤلّفا من الجنس والفصل (٢) ، إذ لا معنى لذلك في جنس عال ؛ كما أنّ تعريف العرض بالماهيّة الّتي

__________________

(١) قدّم البحث عن الجوهر على البحث عن العرض تبعا للمحقّق الطوسيّ. ولعلّ الوجه في ذلك ـ كما قال القوشجيّ في شرحه للتجريد : ١٣٧ ـ أنّ وجود العرض متوقّف على وجود الجوهر ، فالجوهر مقدّم بالطبع على العرض ، فتقدّمه بالذكر مناسب لتقدّمه بالطبع.

ومنهم من قدّم البحث عن العرض على البحث عن الجوهر ، كفخر الدين الرازيّ في المباحث المشرقيّة ١ : ١٣٦. وتبعه صدر المتألّهين في الأسفار حيث قال : «إنّ الترتيب الطبيعيّ وإن استدعى تقديم مباحث الجواهر وأقسامها على مباحث الأعراض لكن أخّرنا البحث عن الجواهر لوجهين : «أحدهما» أنّ أكثر أحوالها لا يبرهن إلّا باصول مقرّرة في أحكام الأعراض. و «ثانيهما» أنّ معرفتها شديدة المناسبة لأن يقع في العلم الإلهيّ وعلم المفارقات الباحث عن ذوات الأشياء وأعيانها دون أن يقع في الفلسفة الباحثة عن الكلّيّات والمفهومات العامّة وأقسامها الأوّليّة». راجع الأسفار ٤ : ٢.

(٢) ولذا قال الحكيم السبزواريّ في شرح المنظومة : ١٣٦ : «الفريدة الاولى في رسم ـ

١٥٣

إذا وجدت في الخارج وجدت في موضوع مستغن عنها تعريف بوصف لازم لوجود المقولات التسع العرضيّة وليس من الحدّ في شيء.

والتعريف تعريف جامع مانع ، وإن لم يكن حدّا ، فقولنا : «ماهيّة» يشمل عامّة الماهيّات ، ويخرج به الواجب بالذات حيث كان وجودا صرفا لا ماهيّة له ، وتقييد الماهيّة بقولنا : «إذا وجدت في الخارج» للدلالة على أنّ التعريف لماهيّة الجوهر الّذي هو جوهر بالحمل الشائع ، إذ لو لم يتحقّق المفهوم بالوجود الخارجيّ لم يكن ماهيّة حقيقيّة لها آثارها الحقيقيّة ، ويخرج بذلك الجواهر الذهنيّة ـ الّتي هي جواهر بالحمل الأوّليّ ـ عن التعريف ، فإنّ صدق المفهوم على نفسه حمل أوّليّ لا يوجب اندراج المفهوم تحت نفسه ، وتقييد الموضوع ب «كونه مستغنيا عنها» للإشارة إلى تعريف الموضوع بصفته اللازمة له ، وهو أن يكون قائما بنفسه ـ أي موجودا لنفسه ـ فالجوهر موجود لا في موضوع «أي ليس وجوده لغيره كالأعراض ، بل لنفسه» (١).

__________________

ـ الجوهر». وقال الآمليّ في درر الفوائد ١ : ٣٨٨ : «إنّما عبّر بالرسم دون الحدّ لأنّ الجوهر الجنسيّ الّذي هو من الأجناس العالية لا حدّ له ، لأنّ الحدّ مشتمل على جنس الشيء وفصله ، والأجناس العالية لا جنس لها ، وإلّا لم تكن أجناسا عالية ، وما لا جنس له لا فصل له».

(١) لا يخفى أنّ في قيد «مستغن عنها» وجهين :

الأوّل : أن يكون قيدا توضيحيّا يوضّح الموضوع. وعليه فيكون المراد من «الموضوع» هو المحلّ ، ويكون المراد من «لا في موضوع» هو لا في محلّ ، أي ما يكون موجودا لنفسه ولا يحلّ في محلّ ، لا ما يكون موجودا لغيره الّذي يحلّ لا محالة في محلّ ، فتخرج الصور الجوهريّة عن تعريف الجوهر ، لأنّها تحلّ في محلّ هو الهيولى ، فلا يعدّ الصور الجوهريّة من أنواع الجوهر إلّا مسامحة. هذا ما ذهب إليه المصنّف رحمه‌الله في المقام.

الثاني : أن يكون قيدا احترازيّا يخصّص الموضوع بالمستغني عن الحالّ ، ويخرج الموضوع المفتقر إلى الحالّ. وعليه فالجوهر هو الماهيّة الّتي في الوجود الخارجيّ لا تكون في محلّ كان ذاك المحلّ مستغنيا عن تلك الماهيّة الحالّة فيه ، ولو كانت في محلّ كان ذاك المحلّ مفتقرا إليها. فالصور الجوهريّة تدخل في تعريف الجوهر ، لأنّها وإن كانت حالّة في الهيولى إلّا أنّها حالّة في محلّ مفتقر إليها ، لا في محلّ مستغن عنها.

هذا ما ذهب إليه كثير من الحكماء كصدر المتألّهين في الأسفار ٤ : ٢٣٤ ، والحكيم ـ

١٥٤

وأمّا ما قيل (١) : إنّ التقييد بالاستغناء لإدخال الصور الجوهريّة الحالّة في المادّة في التعريف ، فإنّها وإن وجدت في الموضوع لكنّ موضوعها غير مستغن عنها ، بل مفتقرة إليها.

ففيه : أنّ الحقّ أنّ الصور الجوهريّة ماهيّات بسيطة غير مندرجة تحت مقولة الجوهر ، ولا مجنّسة بجنس ـ كما تقدّمت الإشارة إليه في مرحلة الماهيّة (٢) ـ.

ووجود القسمين ـ أعني الجوهر والعرض ـ في الخارج ضروريّ في الجملة (٣) ، فمن أنكر وجود الجوهر فقد قال بجوهريّة الأعراض من حيث لا يشعر. ومن الأعراض ما لا ريب في عرضيّته كالأعراض النسبيّة.

والجوهر جنس لما يصدق عليه من الماهيّات النوعيّة ، مقوّم لها ، مأخوذ في حدودها (٤) ، لأنّ كون الماهيّات العرضيّة مفتقرة في وجودها الخارجيّ إلى موضوع مستغن عنها يستلزم وجود ماهيّة هي في ذاتها موضوعة لها (٥) ، مستغنية عنها ، وإلّا ذهبت سلسلة الافتقار إلى غير النهاية ، فلم تتقرّر ماهيّة ، وهو ظاهر.

وأمّا ما استدلّ به على جنسيّة الجوهر لما تحته ، بأنّ كون وجود الجوهر لا في

__________________

ـ السبزواريّ في شرح المنظومة (قسم الحكمة) : ١٣٦. وتبعهم المصنّف رحمه‌الله في بداية الحكمة : ٨٧ ، حيث قال : «تنقسم الماهيّة انقساما أوّليّا إلى جوهر وعرض ، فإنّها إمّا أن تكون بحيث إذا وجدت في الخارج وجدت لا في موضوع مستغن عنها في وجوده ، سواء وجدت لا في موضوع أصلا كالجواهر العقليّة القائمة بنفسها أو وجدت في موضوع لا يستغنى عنها في وجوده ، كالصور العنصريّة المنطبعة في المادّة المتقوّمة بها».

(١) والقائل هو محمّد تقيّ الآمليّ في درر الفوائد : ٣٨٩ حيث قال : «الجوهر هو الماهيّة الّتي حقّ وجودها العينيّ أن لا يكون في موضوع ـ أي في محلّ مستغن عن الحالّ فيه ـ وإن كان في المحلّ ، أي في محلّ مفتقر ذاك المحلّ إلى هذا الحالّ ، كالصورة الحالّة في الهيولى حيث إنّها مع حلولها في الهيولى جوهر ، إذ ليست حالّة في محلّ مستغن عنها».

(٢) في الفصل السادس من المرحلة الخامسة.

(٣) أي : على نحو القضيّة المهملة.

(٤) هذا مذهب أكثر الحكماء. والأقلّون على خلافه ، ومنهم فخر الدين الرازيّ في المباحث المشرقيّة ١ : ١٤٢ ـ ١٤٦.

(٥) أي : ما يستلزم وجود ماهيّة كانت حيثيّة ذاتها أنّها لا في موضوع.

١٥٥

موضوع وصف واحد مشترك بين الماهيّات الجوهريّة ، حاصل لها على وجه اللزوم ، مع قطع النظر عن الامور الخارجة ، فلو لم يكن الجوهر جنسا لها بل كان لازم وجودها وهي ماهيّات متباينة بتمام الذات لزم انتزاع مفهوم واحد من مصاديق كثيرة متباينة بما هي كذلك ، وهو محال. فبين هذه الماهيّات الكثيرة المتباينة جامع ماهويّ واحد لازمه الوجوديّ كون وجودها لا في الموضوع (١).

ففيه : أنّ الوصف المذكور معنى منتزع من سنخ وجود هذه الماهيّات الجوهريّة لا من الماهيّات ، كما أنّ كون الوجود في الموضوع ـ وهو وصف واحد لازم للمقولات التسع العرضيّة ـ معنى واحد منتزع من سنخ وجود الأعراض جميعا. فلو استلزم كون الوصف المنتزع من الجواهر معنى واحدا جامعا ماهويّا واحدا في الماهيّات الجوهريّة لاستلزم كون الوصف المنتزع من المقولات العرضيّة معنى واحدا جامعا ماهويّا واحدا في المقولات العرضيّة هو جنس لها ، وانتهت الماهيّات إلى مقولتين هما الجوهر والعرض.

فالمعوّل في إثبات جنسيّة الجوهر لما تحته من الماهيّات على (٢) ما تقدّم ، من أنّ افتقار العرض إلى موضوع يقوم به (٣) يستلزم ماهيّة قائمة بنفسها.

ويتفرّع على ما تقدّم أنّ الشيء الواحد لا يكون جوهرا وعرضا معا. وناهيك في ذلك أنّ الجوهر وجوده لا في موضوع ، والعرض وجوده في موضوع ، والوصفان لا يجتمعان في شيء واحد بالبداهة. (٤)

__________________

(١) هكذا استدلّ عليه صدر المتألّهين في الأسفار ٤ : ٢٦٠.

(٢) متعلّق بقوله : «فالمعوّل».

(٣) كون وجود العرض لغيره (ناعتا لغيره) معنى سلبيّ لا اقتضاء للماهيّة العرضيّة بالنسبة إليه ، ولكن وجود الجوهر وجود لنفسه قائم بنفسه الّتي هي ماهيّته ، وهو معنى إيجابيّ تقتضيه الماهيّة اقتضاء الماهيّة للوازمها ، والمعنى الواحد لا ينتزع من ماهيّات متباينة ، وقد أشرنا إليه في قولنا قبلا : «وإلّا لذهبت سلسلة الافتقار إلى غير النهاية ...». ـ منه رحمه‌الله ـ.

(٤) فإنّ وصف «لا في موضوع» نقيض وصف «في موضوع» ، والنقيضان لا يجتمعان في شيء واحد.

١٥٦

الفصل الثالث

في أقسام الجوهر الأوّليّة (١)

قالوا (٢) : إنّ الجوهر إمّا أن يكون في محلّ أو لا يكون فيه والكائن في المحلّ هو «الصورة المادّيّة» (٣). وغير الكائن فيه إمّا أن يكون محلّا لشيء (٤) يقوم به أو لا يكون. والأوّل هو «الهيولى» والثاني لا يخلو إمّا أن يكون مركّبا من الهيولى والصورة أو لا يكون. والأوّل هو «الجسم» والثاني إمّا أن يكون ذا علاقة انفعاليّة بالجسم بوجه أو لا يكون. والأوّل هو «النفس» والثاني هو «العقل». فأقسام الجوهر الأوّليّة خمسة ، هي : الصورة المادّيّة ، والهيولى ، والجسم ، والنفس ، والعقل.

وليس التقسيم عقليّا دائرا بين النفي والإثبات ، فإنّ الجوهر المركّب من الجوهر الحالّ والجوهر المحلّ ليس ينحصر بحسب الاحتمال العقليّ في الجسم ، فمن الجائز أن يكون في الوجود جوهر مادّيّ مركّب من المادّة وصورة

__________________

(١) أي الأقسام الأوّليّة للجوهر.

(٢) أي : المشّاؤون. راجع الفصل الأوّل من المقالة الثانية من إلهيّات الشفاء ، وتعليقة صدر المتألّهين عليه : ٤٧ ، وشرح الهداية الأثيريّة لصدر المتألّهين : ٢٦١ ، والأسفار ٤ : ٢٣٤ ، وقواعد المرام : ٤٣ ، وشرح حكمة العين : ٢١٢.

(٣) مرادهم من الصورة المادّيّة جميع الصور المنطبعة في المادّة ، من الصورة النوعيّة والصورة الجسميّة ، كما في شرح المنظومة (قسم الحكمة) : ١٣٦.

(٤) أي : لجوهر.

١٥٧

غير الصورة الجسميّة (١) ، لكنّهم قصروا النوع المادّيّ الأوّل في الجسم تعويلا على استقرائهم.

على أنّك قد عرفت (٢) أنّ الصورة الجوهريّة ليست مندرجة تحت مقولة الجوهر وإن صدق عليها الجوهر صدق الخارج اللازم.

قال في الأسفار بعد الإشارة إلى التقسيم المذكور : «والأجود في هذا التقسيم أن يقال : الجوهر إن كان قابلا للأبعاد الثلاثة فهو الجسم ، وإلّا فإن كان جزءا منه هو به بالفعل ـ سواء كان في جنسه أو في نوعه ـ فصورة ، إمّا امتداديّة أو طبيعيّة (٣) ، أو جزء هو به بالقوّة فمادّة ، وإن لم يكن جزءا منه فإن كان متصرّفا فيه بالمباشرة (٤) فنفس ، وإلّا فعقل».

ثمّ قال مشيرا إلى وجه جودة هذا التقسيم : «وذلك لما سيظهر من تضاعيف ما حقّقناه من كون الجوهر النفسانيّ الإنسانيّ مادّة للصورة الإدراكيّة (٥) الّتي يتحصّل بها جوهرا آخر كماليّا بالفعل من الأنواع المحصّلة الّتي يكون لها نحو آخر من الوجود غير الوجود الطبيعيّ الّذي لهذه الأنواع المحصّلة الطبيعيّة» (٦) انتهى.

وما يرد على التقسيم السابق يرد على هذا التقسيم أيضا. على أنّ عطف

__________________

(١) لا يخفى أنّ هذا الإيراد إنّما يرد عليهم إن أرادوا أن يجعلوا حصر الجواهر في الخمسة حصرا عقليّا ، مضافا إلى أنّ مقصودهم من الصورة ليست الصورة الجسميّة فقط ، بل أعمّ من الصورة النوعيّة.

(٢) في الفصل السابق.

(٣) أي : إمّا جسميّة ، وإمّا نوعيّة.

(٤) أي : يكون له تعلّق تدبيريّ استكماليّ بالجسم.

(٥) بناء على ما ذهب إليه نفسه من أنّ اتّحاد العاقل بالمعقول اتّحاد المادّة بالصورة. فيكون الجوهر النفسانيّ الإنسانيّ ـ وهو العاقل ـ مادّة للصورة الإدراكيّة ـ وهو المعقول ـ ، فالنفس تصير متّحدة بالصورة الإدراكيّة.

وحاصل وجه الأجوديّة أنّ الكائن في المحلّ لا يختصّ بالصور المادّيّة ، بل الصورة الإدراكيّة أيضا حالّة في النفوس ، كما أنّ المحلّ لا يختصّ بالهيولى ، بل النفس أيضا تكون محلّا للصورة الإدراكيّة.

(٦) راجع الأسفار ٤ : ٢٣٤.

١٥٨

الصورة الطبيعيّة (١) ـ وهي متأخّرة عن نوعيّة الجسم ـ على الصورة الامتداديّة لا يلائم كون الانقسام أوّليّا.

وكيف كان فالّذي يهمّنا هاهنا أن نبحث عن حقيقة الجسم وجزئيه : المادّة والصورة الجسميّة. وأمّا النفس فاستيفاء البحث عنها في علم النفس ، وستنكشف حقيقتها بعض الانكشاف في مرحلتي القوّة والفعل (٢) ، والعاقل والمعقول (٣). وأمّا العقل فيقع الكلام في حقيقته في الإلهيّات بالمعنى الأخصّ ، وستنكشف بعض الانكشاف في مرحلتي القوّة والفعل (٤) ، والعاقل والمعقول (٥) إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) وفي النسخ : «الصور الطبيعيّة» ، ولكن الصحيح ما أثبتناه.

(٢ و ٤) أي : المرحلة التاسعة.

(٣ و ٥) أي : المرحلة الحادية عشرة.

١٥٩

الفصل الرابع

في ماهيّة الجسم

لا ريب في وجود الجسم ، بمعنى الجوهر الّذي يمكن أن يفرض فيه ثلاثة خطوط متقاطعة على زوايا قوائم ، وإن لم تكن موجودة فيه بالفعل ، كما في الكرة والاسطوانة.

فحواسّنا الّتي تنتهي إليها علومنا وإن لم يكن فيها ما ينال الموجود الجوهريّ وإنّما تدرك أحوال الأجسام وأوصافها العرضيّة لكنّ أنواع التجربات تهدينا هداية قاطعة إلى أنّ ما بين السطوح والنهايات من الأجسام مملوءة في الجملة غير خالية عن جوهر ذي امتداد في جهاته الثلاث.

والّذي يجده الحسّ من هذا الجوهر الممتدّ في جهاته الثلاث يجده متّصلا واحدا يقبل القسمة إلى أجزاء بالفعل ، لا مجموعا من أجزاء بالفعل ذوات فواصل.

هذا بحسب الحسّ ، وأمّا بحسب الحقيقة فاختلفوا فيه على أقوال (١).

أحدها : أنّه مركّب من أجزاء ذوات أوضاع (٢) لا تتجزّى ولا تنقسم أصلا ، لا خارجا ولا وهما ولا عقلا ، وهي متناهية. وهو مذهب جمهور المتكلّمين (٣).

__________________

(١) وذكر الحكيم السبزواريّ وجها تضبط به الأقوال في ماهيّة الجسم ، فراجع شرح المنظومة : ٢٠٨ ـ ٢٠٩.

(٢) أي : أجزاء قابلة للإشارة الحسّيّة.

(٣) ومنهم أبو الهذيل العلّاف والجبّائيّ ومعمّر بن عبّاد وهشام الفوطيّ على ما في مقالات الإسلاميّين ٢ : ١٣ ـ ١٤ ، ومذاهب الإسلاميّين ١ : ١٨٢. ونسب إلى جمهور المتكلّمين في شرح حكمة العين : ٢١٥ ، وإيضاح المقاصد : ٢٤ ، والمباحث المشرقيّة ٢ : ٨ ، والأسفار ٥ : ١٦ ، ـ

١٦٠