إعجاز القرآن العلمي والبلاغي والحسابي

محمّد حسن قنديل

إعجاز القرآن العلمي والبلاغي والحسابي

المؤلف:

محمّد حسن قنديل


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار ابن خلدون
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٠٢

الزمر قوله تعالى (تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ) (١) ... ، ولقد أثبت العلم الحديث أن الجهاز المناعى للطفل يتم بناؤه من خلال لبن الأم على هيئة أجسام مضادة حتى يصبح الجسم قادرا بنفسه على إنتاج تلك الأجسام المضادة وذلك بعد مرور فترة الرضاعة ولذلك حرم الإسلام الذين اشتركوا فى الرضاع من ثدى امرأة واحدة خمس رضعات مشبعات (٢) وذلك لاشتراك أفراد الأسرة فى التركيب المناعى أو الوراثى ، وهذا يسبب ظهور الأمراض الوراثية كما ثبت حديثا ولكن بعد مرور عامين يتم البناء من الجسم ، يقول صلى‌الله‌عليه‌وسلم" لا رضاعة إلا ما كان فى الحولين" (٣) ... ، إن هناك إعجازات كثيرة فى القرآن الكريم ستظل إلى قيام الساعة ، وهناك أسرار رياضية وإعجاز عددى يعجز العقل عن حصره ، وإعجاز فى اختيار ألفاظ القرآن وعباراته ، فمثلا كل الأنبياء كانت تقول ويا قوم لا اسألكم عليه أجرا إلا إبراهيم وموسى عليهما‌السلام حيث إن إبراهيم عليه‌السلام دعا والده وموسى عليه‌السلام دعا فرعون الذى تربى عنده وليس من المناسب أن يأتى الحديث عن الأجر مع هؤلاء ... ، كذلك لم يأمر الله تعالى النار أن تكون بردا فقط على إبراهيم عليه‌السلام وإلا أهلكه البرد ولكن جعلها بردا وسلاما ... ، وهناك الكثير من الأسرار والكوامن اللفظية والإعجازات الرياضية والكيمائية ، والنفسية ، والفيزيائية والجيولوجية والطبية ، والجغرافية ، وغيرها ، حيث إن أسرار الكون كله فى كتاب الله سبحانه ، لذلك فلا بد من البحث الدائم وطلب العلم وقراءة القرآن لمعرفة أسرار الله فى كونه ... ، ولقد اكتشف العلماء فى عصرنا أن هناك أسرارا كثيرة فى كوامن النفس البشرية لو استغلها صاحبها سوف يمتلك من القوة ما يمكنه من التغلب على الصعاب التى تواجهه ولا يتطلب منه ذلك إلا أن يغير حديث النفس أو الحالة أو الفكرة المسيطرة عليه فإذا كان ضعيف الإيمان ويسيطر عليه الحزن عليه أن يتذكر أن له ربا قويا قادرا على نسف الجبال ، مالك السماوات والأرض وهو ينصر المؤمنين المتقين ، وبهذا

__________________

(١) سورة الزمر الآية ٢٣.

(٢) أخرج الإمام مسلم عن أم الفضل أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال" لا تحرم الرضعة والرضعتان أو المصة والمصتان" الإعجاز العلمى فى الحديث النبوى ص ١٤١.

(٣) أخرجه الإمام مالك فى الموطأ عن ابن مسعود رضى الله عنه.

٢٨١

العلاج واليقين النفسى عبر المسلمون بخيولهم سطح الماء فى معركة القادسية ... ، ورفض عروة بن الزبير أن يأخذ مسكرا لقطع ساقه وأمرهم بقطعها وهو فى الصلاة لقوة يقينه بربه ... ، كذلك سمع سارية نداء عمر بن الخطاب رضى الله عنه وهو يناديه من على منبره" الجبل يا سارية" ... ، لذلك هناك تجارب أجراها علماء النفس فى عصرنا لبعض المرضى وبالعزيمة وتغيير حوار النفس مر المريض على جمرات من النار أو ما يسمى بسجادة الجمر ... ، ومعنى ذلك لو غير الإنسان فكرة أن السعادة فى كثرة المال واقتنع بأن القناعة هى الغنى كما أمره الله سبحانه ورسوله" وارض بما قسمه الله لك تكن أغنى الناس" ... ، لو اعتقد الإنسان بذلك لتغيرت فكرته تماما ... ، كذلك لو غير الإنسان فكرته المسيطرة وهى أنه يعيش ليأكل ويشرب ويربى الأولاد وفقط إلى أن عليه مسئوليات البحث فى العلم واليقين والدعوة إلى الله والنفع للمسلمين ومعاونة الغير وإتقان العمل لكان كذلك ... ، فعلى الإنسان أن يعيش بعقيدة ويحب ويتعلم ويعمل وسلاحه الإيمان والأمل فى الله حتى تذلل له صعاب الحياة ... ، لقد أدرك العلماء فى عصرنا أن المعدة تحتاج فترة راحة للتخلص من السموم وأضرار الطعام فكان أمر الله لنا بالصيام ... ، وحين أمر صلى‌الله‌عليه‌وسلم بصيام ثلاثة أيام من كل شهر عربى وجد العلماء أن ظاهرة المد التى يحدثها القمر شهريا بجذب الغلاف المائى تسبب ارتفاع نسبة السوائل فى جسم الإنسان ولا يتزن فى انفعالاته فيكون الصيام خير علاج ... ، وهكذا سيظل العطاء والإعجاز فى الرسالة الحق إلى قيام الساعة فلنتمسك بها حتى يكون الفوز بالجنة ... ، لقد سئل صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن قوله تعالى (وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ) (١) قال : " وقصر فى الجنة من لؤلؤة فيها سبعون دارا من ياقوته حمراء ، فى كل دار سبعون بيتا من زمردة خضراء ، فى كل بيت سبعون سريرا ، على كل سرير سبعون فراشا من كل لون ، فى كل بيت سبعون مائدة ، على كل مائدة سبعونا لونا من الطعام ، فى كل بيت سبعون وصيفا ووصيفة يعطى المؤمن ما

__________________

(١) سورة الصف الآية ١٢.

٢٨٢

يأتى بقوة ما يأتى على ذلك كله فى غداة واحدة (١).

فما أطيب هذا النعيم لذلك على المسلم أن لا يغفل لحظة عن ذكر ربه حتى ينسجم قوله مع بدنه المسبح لله وبذلك يطمئن الإنسان ولا يقلق ويتوتر ... ، إن نعم الله على الإنسان كثيرة ، فيكفى أن الله تعالى جعل الليل ليسكن فيه الإنسان وجعل النوم آية من آياته ليستريح البدن من عناء العمل طوال النهار ... ، وتكفى نعمة الأمر منه بالصيام حيث يستريح البدن من الكثير من الأمراض ، كأمراض الجهاز الهضمى وأمراض الدورة الدموية ... ، وهو يساعد فى التئام قرحة المعدة وينشط آليات البناء والهدم ، فحين يصوم الإنسان تنشط آليات الهدم وبذلك يقاوم الإنسان تعرض الجسم للشدة المفاجئة بانقطاع الطعام عنه فى الصحة والمرض ، كذلك يحسن الصيام خصوبة الرجل والمرأة على السواء ويفيد العطش أثناء الصيام فى إمداد الجسم بالطاقة وتحسين القدرة على التعلم وتقوية الذاكرة لذلك حين تحدث ظاهرة المد (٢) فى منتصف الشهر العربى وترتفع السوائل فى الجسم نجد وصية الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم بصيام ثلاثة أيام فى منتصف الشهر وهم الثالث والرابع والخامس عشر من كل شهر عربى كما أشرنا من قبل ، كذلك تنهدم الخلايا الضعيفة أثناء الصيام عند ما يتغلب الهدم على البناء وتتجدد مرة أخرى بصورة أقوى فى مرحلة البناء ... ، كذلك فقد أثبتت دراسات علم الأجنة أن تكون عظام الجنين يبدأ بعد الاسبوع السادس مباشرة أى بعد اثنين وأربعين يوما وهنا يبدو الإعجاز فى قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم" إذا مر بالنطفة ثنتان وأربعون ليلة بعث الله إليها ملكا فصورها وخلق سمعها وبصرها وجلدها ولحمها وعظامها" (٣) ....

وحين قال تعالى عن الوليد بن المغيرة (عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ) (٤) ... ، ذهب إلى والدته وسألها عن بنوته وإلى من ينتمى ووجد الحقيقة كما أخبر بها الله فى كتابه الكريم

__________________

(١) الحديث عن عمران بن حصين وأبى هريرة.

(٢) عبارة عن جذب القمر لسطح الماء فترتفع الأمواج فى تلك الفترة التى يكمل فيها القمر.

(٣) ذكر ذلك الدكتور أحمد شوقى فى اشاراته عن الإعجاز القرآنى.

(٤) سورة القلم الآية ١٣.

٢٨٣

وحين قال (سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ) (١) ... ، نجد أنه فى إحدى الغزوات يضرب على أنفه فتقطع ، وهو ما أخبر به الله سبحانه ... ، إن وعد الله حق فعلينا أن نبادر بالتوبة ونكثر من الاستغفار ونندم على كل ذنب ونعقد العزم على عدم العودة للذنب ونرد المظالم إلى أهلها حتى يقبل الله توبتنا ، ولأن الحساب شديد على الخاسرين يوم القيامة ولأننا لا نقوى على عذاب الله الشديد يقول تعالى عن جزاء أهل النار (إِذا أُلْقُوا فِيها سَمِعُوا لَها شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ) (٢) ... ، ويقول سبحانه (كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ. وَما أَدْراكَ مَا الْحُطَمَةُ نارُ اللهِ الْمُوقَدَةُ. الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ. إِنَّها عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ. فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ) (٣) ... ، فعلينا أن نطيع الله تعالى فيما أمر ونعتدل فى كل شىء يقول صلى‌الله‌عليه‌وسلم" هلك المتنطعون" أى المتشددون ... ، ويقول تعالى (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً) (٤) ... ، واحرص على أن يكون مطعمك ومشربك من الحلال لأن كل لحم نبت من سحت فالنار أولى به ... ، واعلم أن الله تعالى هو الخالق الرازق المجيب ، وهو يدبر الأمر وهو الرازق لكل دابة وهو الذى يضاعف الصدقات وهو المعطى والمانع ... ، سبحانه له الأسماء الحسنى فلا حول ولا قوة إلا به ... ، واعلم أن الأعمال بالخواتيم ، وخروجك عن الحق ومنهج الثواب لحظة يمكن أن يكون فيه هلاكك ... ، وعلينا أن نستعين على قضاء حوائجنا بالكتمان لأن خصمك يتمنى أن يعرف سرك وحتى تأمن حسد العين والنفس ولذلك لا بد من قراءة الأذكار فى الصباح والمساء لتكون وقاية لنا طول اليوم والليلة ... ، وعلينا أن نتعلم من درس أبينا آدم أن مخالفة أمر الله تظهر سوأة الإنسان ... ، وأن إبليس جعله الله تعالى ليشعر المؤمن بحلاوة المجاهدة والطاعة لله ومخالفة عدو الله ... ، وجعل الله تعالى الأضداد فى الكون كالجاذبية وقوة الدفع والغنى والفقر والجمال والقبح وغير ذلك ليكون التوازن ويحاول الإنسان أن يترقى دائما

__________________

(١) سورة القلم الآية ١٦.

(٢) سورة الملك الآية ٧.

(٣) سورة الهمزة من ٤ ـ ٩.

(٤) سورة الإسراء الآية ٢٩.

٢٨٤

فالقبح يجعلك تحاول أن تكون جميلا ، وتنظف ما حولك ، وتغرس الشجر ... ، وهكذا ، كل شىء خلقه الله لحكمه ، فلولا السوس على الحب لخزنه الإنسان وتحكم فى أقوات الناس ولو لا بعض الطيور على الآفات لفسد الزرع ... ، ولقد جعل الله تعالى ما على الأرض زينة لها ليتدبر الإنسان ويدرك قيمة النعمة التى أنعم الله بها عليه وهى نعمة العقل التى تميز بها عن بقية الكائنات ، يكفى أن يتذكر أن تلك الكائنات تفنى بموتها ولكن الله جعل للإنسان الجنة خالدا فيها ، وغير ذلك الكثير من النعم التى منّ الله بها على الإنسان ... ، فكون الإنسان ولد مسلما بين والدين مسلمين هى من النعم التى توجب عليك أيها المسلم أن تظل شاكرا لله وطائعا له فى كل حين ... ، عليك أن لا تكثر من الحلف واحذر اليمين الكاذب ، يقول صلى‌الله‌عليه‌وسلم" من اقتطع مال أخيه بيمين فاجره فليتبوأ مقعده من النار" (١) ويقول" واليمين الفاجرة تدع الديار بلاقع" (٢) أى خراب ويقول صلى‌الله‌عليه‌وسلم" ملعون من حلف بالطلاق وحلف به" ... ، وعلينا أن نعرض عن اللغو والتحدث فيما لا يعنينا حيث إن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم دخل على كعب فى مرضه فقال له أبشر يا كعب فسمعت أمه ذلك فقالت له هنيئا لك الجنة يا كعب ... ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم" وما يدريك ، لعله منع ما لا يغنيه أو تحدث فيما لا يعنيه" ... ، فيجب أن نندم على ذنوبنا ولا نعود إليها ونرد المظالم ونحسن الظن بالله ، يقول صلى‌الله‌عليه‌وسلم" من ندم على ذنبه غفر له قبل أن يستغفر" ... ، ولكن لا بدّ من الاستغفار والإكثار منه ، والدعاء لله ، فكل دعاء يجيبه الله ولكن منه ما يدخر لك فى الآخرة ... ، ومنه ما يستجاب فى الدنيا ومنه ما يدفع عنك بلاء كان سينزل عليك ، ويوصينا صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعدم ترك الدعاء لأنه لا يهلك مع الدعاء شىء" ... ، ويخبرنا الله تعالى أن الذين يستكبرون عن عبادته ، والدعاء من العبادة سيدخلون جهنم داخرين ، لأنهم غير موقنون بالإجابة من ربهم ... ، فكان الشك سبيلا إلى دخول جهنم ... ، ويخبرنا صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن الله كريم يستحى أن يرفع العبد يديه ويردهما صفرا خائبين والله كريم يعطى دون أن يطلب منه فقد منحنا نعما

__________________

(١) جزء من حديث رواه أحمد والحاكم وصححه ـ الترغيب والترهيب ص ٦٢٢ الجزء الثانى.

(٢) جزء من حديث ـ رواه البيهقى ـ المرجع السابق.

٢٨٥

كثيرة دون طلب فما بالنا لو ألح العبد فى الدعاء ... ، ويجب أن ندرك أن هناك من دخلت النار بسبب هرة ، ومن دخل النار فى شمله غلها ... ، ومن دخلت النار فى مخيط ... ، ومن دخل النار فى قيد دابة غلة من صاحبه ... ، هناك فى النار بئر يسمى بئر الأمانات يهوى صاحبه صاحبه فيه ليأتى بالأمانة التى غلها وأخذها من صاحبها ... ، فعلينا بشكر الله ليزيدنا من نعمه ... ، فمن أعطى الشكر لم يحرم الزيادة ... ، ويخبرنا صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن رب العزة فى الحديث القدسى" أهل ذكرى أهل مجالستى ، وأهل شكرى أهل زيادتى وأهل طاعتى أهل محبتى وأهل معصيتى لا أقنطهم من رحمتى ، إن تابوا إلى فأنا حبيبهم وإن لم يتوبوا فأنا طبيبهم ، أبتليهم بالمصائب لأطهرهم من المعايب" ... ، سبحانه ينادى عليك وهو غنى عنك وأنت تعرض عنه وأنت محتاج إليه ... ، ورغم ذلك عبد القدماء الشمس وقدس القمر الفراعنة وبعض القبائل فى عهد إبراهيم عليه‌السلام ومن الناس من عبدوا الجبال حيث ينحتون منها الصخور ويعبدونها بعد تشكيلها لذلك يخبرنا الله تعالى بأن تلك المخلوقات تسبح لله وذلك قوله تعالى (أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ) (١) والإعجاز هنا أيضا فى ترتيب المخلوقات حيث خلق الله تعالى النجوم ثم الكواكب وأول ما خلق على كوكب الأرض الجبال التى عملت على استقرار الأرض ... ، وأمطرت السماء مطرا غزيرا على الجبال فكونت منابع الأنهار ... ، وحين جرت الأنهار نمت الأشجار ومن أثار عملية البناء الضوئى انطلق الأكسجين المناسب لحياة الكائنات فخلق الله تعالى الدواب والحيوانات ، ومرت الأرض بظروف كثيرة من عوامل التعرية ونحت المياه لصخورها حتى مهدت وخلق الله الإنسان فسبحان العليم بما خلق ... ، وعليك أن تعلم أخى المسلم أنه ما نزل بلاء إلا بذنب وما رفع إلا بتوبة ... ، وإن المرض سوط من سياط الله يسوق به عباده إليه ... ، واعلم أن من يعرض عن ذكر الله فإن معيشته فى الدنيا والآخرة هى الضنك

__________________

(١) سورة الحج الآية ١٨.

٢٨٦

والشقاء واعلم أن العبد آمن من عذاب الله ما استغفر الله ، وأن أشد الناس بلاء الأنبياء ثم العلماء ثم الصالحون ، وما كان حكيم فى قومه إلا بغى عليه الناس وحسدوه .. ن فسر فى الدنيا وكأنك على الصراط من أسفلك النار ....

فلا تتكبر ، ولا تظلم ولا تحقد ، ولا تحسد ، وإلا وقعت فيها ... ، واعدل وساوى بين أولادك حتى فى القبل ... ، واعلم أن ربك بالمرصاد لكل ظالم وعاصى وإن انتقام الله يصلك من جنس عملك ، فكما تدين تدان فإن كنت تنظر إلى الحرام فالإصابة فى عينك وإن كنت تدبر الشر للناس فالإصابة فى عقلك المفكر والمدبر ... ، وإن كنت ترتكب الفواحش كالزنا فالإصابة بأمراض لم تكن تعرفها ... ، ومن يحقد على الناس ويحسدهم فالإصابة فى قلبة ... ، وهناك من حلف باطلا وهو يضع المصحف على جبهته وعينيه فكف بصره ... ، فلا تخلف عهدك مع الله ولا تقول ما لا تفعل وأطع الله ليصلح بالك ... ، واعلم أنك منقطع عن الدنيا إلى قبر مظلم لا حول لك ولا قوة فتمسك فى حبل الله حتى ينجيك فى الدنيا والآخرة ... ، واعلم أنه لا يؤمن أحدنا حتى يكون هواه تبعا لما جاء به النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأن الدين يؤخذ كله دون تجزئة ... ، وأنك تحملت أمانة الرسالة وطهارة أعضائك من المعاصى فلا تدنسها بالذنوب ، وعليك أن تؤدى الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك ، وكن من الذين يراهم الله حيث أمرهم ، واطرق بابه بالتوبة والاستغفار ، حيث يخبرنا سبحانه أنه جواد لا يرد من طرق بابه ، واعلم أن رحمة الله وملائكته لا تتنزل فى بيت يقوم على الظلم والتشاحن بين أفراده والبخل والجهل والاستهانة بقدر العلماء ، فعلينا بذكر الله والتراحم فيما بيننا والتمسك بكتاب الله وسنة رسوله ليكون الفوز بالنظر إلى وجه الله تعالى ورسولنا صلى‌الله‌عليه‌وسلم والصحابة الكرام رضى الله عنهم فى رياض الجنة ونعيمها ....

وعلى المسلم أن يدرك أن الدين يؤخذ كله ... ، فنحن لا نؤمن ببعض الكتاب ونتمسك به ، ونترك البعض الآخر ... ، وعليك أخى المسلم أن تلخص واجباتك فى الآتى

٢٨٧

يقين ثابت بالله عزوجل ... ، تنفيذ أوامر الله والعبادات بخشوع ... ، معاملة حسنة مع جيرانك والناس ... ، استحضار العقوبة والثواب ... ، صبر على البلاء والدعوة وسائر الطاعات ، والقناعة ، وعدم التفكير فى الشهوات والتجريد التام والشكر للخالق سبحانه ... ، والمداومة على ذكر الله وتذكر الموت وأن الأعمال بالخواتيم ... ، وعليك بالذل لله والطاعة ... ، والذكر والاستغفار ... ، وحمد الله وشكره فى كل وقت دون تهديد أو قنوط من رحمته وتذكر الموت دائما وتفصيل هذه النقاط بتوفيق الله كما يلى ....

* اليقين الثابت بالله عزوجل من خلال التفكر فى دعوة الخير ... ، والتفكر فى نفسك وفى الكون ... ، وآيات القرآن الكريم ... ، ثم الإعجاز العلمى فى القرآن ... ، والإعجاز العلمى فى السنة ... ، ونبوءات النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم التى تتحقق بمرور الزمن كفلق الصبح ، وثبوت عالم الجن والملائكة ... ، وكذلك الإعجاز الحسابى ... ، والكرامات والخواتيم ، ومواقف التذكرة الزمنية والتى يذكرنا بها الله ـ تعالى ـ للعبرة والموعظة ... ، * طاعة الله فى أوامره ، والخشوع فى العبادة ، وإصلاح نفسك وبيتك ، والنصح لكل مسلم ... ، فليس لك من صلاتك إلا ما عقلت منها ... ، والله لا يتقبل الصلاة إلا ممن تواضع بها لعظمته ... ، ولم يستطل بها على خلقه ... ، وقطع نهاره فى ذكر الله ... ، ورحم المسكين ... ، والأرملة ... ، ورحم المصاب ... ، ولقد كان الصحابة يحفظون أبناءهم القرآن ، ويسمع لهم كدوى النحل فى قيام الليل ... ، وهو نور الوجه ، والقبر ، ويوم القيامة ... ، وكان الصحابى يعزى أخاه على ضياع التكبيرة أو الركعة ... ، وسبب غفلتنا كثرة سماع الله ، وعدم الاهتمام بالأمور الشرعية التى أمر بها الله تعالى ، وهو ما يكيده لنا أعداء الإسلام لإضعاف همتنا.

* المعاملة الحسنة مع الناس ... ، حيث إن الدين المعاملة ... ، ويروى أن امرأة صوامة قوامة ولكنها تؤذى جيرانها ... ، قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم هى فى النار ... ، والله فى عون العبد ما دام العبد فى عون أخيه ... ، والناس شهداء الله فى الأرض ... ، فمن شهد له أربع من جيرانه غفر الله له ... ، ومن لا يرحم الناس لا يرحمه‌الله ....

٢٨٨

* وأما استحضار العقوبة ، فيجب عليك أن تعيش وفى ذهنك قوله تعالى (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا) (١) ... ، وتخيل أنك تسير على الصراط ، وهو أرق من الشعرة ... ، وأحد من السيف ، ومن أسفلنا النار ... ، وأعلم أن هناك ناجيا سليما ... ، ومخدوش ... ، ومن يقع فيها ... ، واعلم أن ما يوقعك فيها .. ، تكاسل عن الصلاة ... ، أو عدم اتمامها ... ، عقوق الوالدين ... ، نظرة حرام ... ، شرب النار أو الدخان ... ، وغير ذلك من ألوان المعاصى ... ، وتذكر قوله تعالى (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ) وقوله سبحانه ... ، (قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها وَتَشْتَكِي إِلَى اللهِ ، وَاللهُ يَسْمَعُ تَحاوُرَكُما) (٢) ... ، وتذكر أنك ضعيف أمام قوة الله ، وأن عدوك الشيطان ... ، وأن التذكرة تنفع المؤمنين.

* الصبر على البلاء ، وهو لازم لصحة الأربعة نقاط السابقة ... ، وتذكر الموت فى كل لحظة ... ، وأن الأعمال بالخواتيم ... ، وأكثر من ذكر الله ... ، وأعلم أن من علامة الإيمان صبر على البلاء ... ، وشكر فى الرخاء ... ، والرضا بمواقع القضاء ... ، وعليك بالدعوة إلى الله ، لأن الجار يوم القيامة سيتعلق بجاره على الصراط ويسقطا معا إن قصر أحدهم فى تبليغ الآخر ... ، يقول تعالى (قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي) (٣) ... ، واعلم أن الله تعالى خلق الخلق جميعا إخوة من أب واحد وأم واحدة ... ، يقول شجاع بن الوليد ، صحبت سفيان الثورى ذات يوم فما فتر لسانه عن الأمر بالمعروف ، والنهى عن المنكر ذهابا وإيابا (٤) ... ، واعلم أن اعداءنا افقدونا علو الهمة باشغالنا بالشهوات ... ، لذلك فلا بد أن تغلف عبادتك والنقاط السابقة جميعا بعلو الهمة ... ، وتذكر التاريخ ... ، وماضى الأمم ... ، صبر الناس ... ، وفرحتهم ... ، وآمالهم سطوة الفرس ... ، الروم ... ، القدس والصليبيين ... ، التتار ... ، اليرموك ... ، عين جالوت ... ،

__________________

(١) سورة مريم الآية ٧١

(٢) سورة المجادلة الآية ١

(٣) سورة يوسف الآية ١٠٨

(٤) أنظر كتاب علو الهمة

٢٨٩

المرابطين ... ، حياة الصحابة ... ، الخلافة الراشدة ورفع راية الإسلام ... ، الحكم الأموى والفاطمى ... ، والعباسى ... ، والعثمانى ... ، والحكم الجبرى الذى نعيشه ... ، العلمانية ... ، والليبرالية ... ، والمفاهيم المقلوبة ... ، أصبح رجل الدين متطرف ... ، وأصبح يؤتمن الخائن ... ، ويخون الأمين ....

* تعلم من الدروس ... ، واقرأ واطلع فى العلم لتزداد إيمانا ... ، وتعرض للنفحات لأن العمر محدود يضيع نصفه فى النوم ، وجزءا فى الطفولة والصبا ... ، وجزءا فى المكاسب والسعى ... ، ويبقى للعبادة وقت قليل ، فعلينا بصيام الاثنين والخميس ... ، وثلاثة أيام من كل شهر ... ، ويوم عاشوراء ... ، والستة أيام بعد شهر رمضان من شوال ... ، والعشر الأوائل من ذى الحجة حيث العمل فيها أفضل من الجهاد ... ، وقيام الليلة فيها يعدل قيام ليلة القدر ... ، ومن دروس التعلم ... ، أن نتعلم من مؤتمر الحج التسبيح من خلال الطواف ... ، والثبات واليقين حيث لم يهرب إبراهيم عليه‌السلام وهم يعدون له النار ... ، وترك أولاده فى الصحراء ... ، ولنا مثل فى عبد الرحمن بن عوف رضى الله عنه ... ، الذى أقسم على الله فأبره وعبر بالجيش على الماء ... ، وكذلك سعد بن أبى وقاص رضى الله عنه ... ، فلا تشرك بالله وإن قتلت وحرقت ... ، ولا تفتن بمن قصر حولك ... ، وكلما أذنبت استغفر فى الحال قبل أن يكتب عليك ملك السيئات ... ، وادعوا بالحكمة والموعظة الحسنة ... ، ونتعلم الرحمة والجد فى العمل من خلال السعى ، حيث أن سعى السيدة هاجر كان رحمة من أجل ولدها ... ، ونتعلم السخاء والكرم وشكر الله على ما رزقنا من خلال الأضحية ... ، ونتعلم تنفيذ أوامر الله دون سؤال فهو الخبير ويبدو ذلك فى كل شىء ، وفى نفسك وفى الكون حولك ... ، فقدمك لا تنثنى لأنك لا تمسك بها الأشياء ، ولكن يدك تنثنى لتتمكن من القبض على الأشياء ... ، والأحماض تذيب الدهون كالليمون فنجد المرارة فى جسم الإنسان لتذيب الدهون ... ، والأصبح الخامس فى القدم بجوار الأربعة ولكن فى اليد على مسافة ليتمكن الإنسان من إمساك الأشياء ... ، لقد أوصى رب العزة النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بتسع وصايا منها :

٢٩٠

الاخلاص فى السر والعلانية ... ، والعدل فى الرضا الغضب ... ، والقصد فى الغنى والفقر ... ، أن يصل من قطعه ... ، ويعطى من حرمه ... ، ويعفو عن من ظلمه وأن يكون نطقه ذكرا ... ، وصمته فكرا ... ، ونظرة عبرة ... ، فعليك أخى المسلم بحدود نفسك وعدم الكبر وتذكر الجنة والألم والنار والزمهرير ولا تغفل عن ذكر الله والاستغفار وتذكر الموت ... ، وكلما فكرت أو نطقت تذكر الخالق الموجود ....

وإضافة إلى ما سبق هناك الكثير من الاكتشافات والحقائق.

ـ لقد اكتشف العلماء أنه كلما صعد الإنسان لأعلى قل الأكسجين ويسبب ذلك الشعور بضيق الصدر ويخبرنا الله تعالى عن ذلك بقوله سبحانه (وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ).

ـ صورت وكالة ناسا الفضائية بواسطة مركبة الفضاء التى أطلقتها مؤخرا لتصوير الأرض من الفضاء الخارجى بقعتين مضيئتين بنور ساطع ... ، وكانت المفاجأة أنهم اكتشفوا أن هذا النور ينبعث من الكعبة المشرفة ومسجد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ... ، أى من الحرم المكى ... ، والحرم النبوى ... ، فالحمد لله رب العالمين.

ـ فى بحث مختبرى أثبت عشرون من كبار علماء الطب ... ، والطب البيطرى ... ، والصيدلية ... ، والعلوم ... ، وذلك فى الجامعات السورية أن التسمية والتكبير عند ذبح الحيوان تعمل عملية تعقيم كامل لبدنه وتطهره من الدماء والجراثيم حيث لوحظ شدة اختلاج أعضاء الحيوان مما يؤدى إلى اعتصار معظم دم الذبيحة بعكس التى لم يذكر اسم الله عليها حيث يكون نسيج الحيوان محتقنا بشيء من بقايا الدم المسفوح لضعف الاختلاج مما يسبب الإصابة بمستعمرات الجراثيم كالمكورات العنقودية والعقدية ... ، والمجموعة القولونية ، وغيرها ... ، ولقد حرم الله ما ذبح دون ذكر اسم الله عليه فى قوله سبحانه (وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ) (١) ... ، ـ هناك نوع من الحيتان الزرقاء يبلغ طول الذكر ٢٥ مترا ... ، ومتوسط وزنه ١٧٥ طن ... ، فمه يمكن أن يتسع لأكثر من خمسين رجلا ، وتتميز بانعدام أسنانها

__________________

(١) سورة المائدة الآية ٣

٢٩١

ومطاطية حلوقها وضيق البلعوم ويرى العلماء أن هذا الحوت بالذات دون غيره من الحيوانات البحرية هو الذى يمكن أن يلتقم إنسانا دون أن يمزقه كما حدث ليونس عليه‌السلام يقول تعالى (فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ) (١) ....

ـ اكتشف العلماء أن البعوضة الأنثى هى التى تعيش على الدم الحار ولكن الذكر يتغذى على رحيق الأزهار ويتجمع فى أماكن البرك والمستنقعات فالأنثى أشد خطورة على حياة الإنسان يقول تعالى (إِنَّ اللهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها) (٢) ... ، كذلك وجد العلماء أن أنثى العنكبوت بها غدد تفرز الخيوط فهى التى تقوم ببناء البيت يقول تعالى (كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً) (٣) ولفظ اتخذت إشارة إلى الأنثى وليس الذكر ... ، كذلك وجد العماء أن دابة الأرض التى تتغذى على الأخشاب الأنثى هى المزودة بمنشار لوضع البيض حيث تقوم بنشر الخشب لتضع فى تلك التجاويف بيضها بعكس الذكر ليس له هذا المنشار ويشير الله تعالى لذلك فى قوله سبحانه (ما دَلَّهُمْ عَلى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ) (٤) ولفظ تأكل إشارة إلى الأنثى ... ، كذلك وجد العلماء أن ضعف الخيط يبدو بحسب قوة الشد وخيط العنكبوت يمكن أن يمتد لعدة أمتار عند شدة دون أن يقطع بعكس أى خيط آخر لذلك لم يصفه الله تعالى بأنه أوهن الخيوط ... ، بل قال تعالى (وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ) (٥) وبالفعل بيت العنكبوت فيه الأنثى تقتل الذكر ... ، والصغار يقتل بعضهم بعضا عند الفقس ، وهذا التفكك فى الأسرة يجعله بالفعل أوهن البيوت ....

ـ اكتشف العلماء من خلال دراسة سلوك الحيوانات والطير أن الغراب يعد من أذكى الطيور ، حيث يملك أكبر حجم للمخ بنسبة نصف حجم الجسم ، ومن ذكائه أنه

__________________

(١) سورة الصافات الآية ١٤٢.

(٢) سورة البقرة الآية ٢٦.

(٣) سورة العنكبوت الآية ٤١.

(٤) سورة سبأ الآية ١٤.

(٥) سورة العنكبوت الآية ٤١.

٢٩٢

يدفن موتاه حيث يحفر الأرض بمخالبه ومنقاره حتى يكون حفرة عميقة ثم يقوم بطى جناحى الغراب الميت وضمهما إلى جنبيه ورفعه برفق لوضعه فى قبره ثم يهيل عليه التراب ... ، وقد شوهدت الغربان وهى تلقى على طرق السيارات ما لا تستطيع تمزيقه وكسره كأصداف الثمار الصلبة مثل جوز الهند وبعض الحيوانات الكبيرة الحجم كالسنجاب حتى تقوم السيارات بدهسها وكسر أصدافها وعند ذلك ينزل الغراب ليجمع كل ذلك بعد أن سهل عليه تناوله ... ، ويرجع تاريخ الطيور إلى ١٥٠ مليون سنة مضت ، فالطيور سابقة فى وجودها للإنسان ، لذلك استحق الغراب أن يقف مع بنى آدم موقف المعلم يقول تعالى (فَبَعَثَ اللهُ غُراباً يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ) (١) ....

ـ وجد العلماء أن منطقة الأدمة فى الجلد بها شعيرات عصبية هى المسئولة عن الاحساس بالألم ، كذلك فى نهاية جذور الشعر هناك عضلات ناعمة يؤدى انقباضها إلى وقوف الشعر وقشعريرة الجلد فتجد فى سورة الزمر قوله تعالى (تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ) (٢) ... ، ولقد أثبت العلم الحديث أن الجهاز المناعى للطفل يتم بناؤه من خلال لبن الأم على هيئة أجسام مضادة حتى يصبح الجسم قادرا بنفسه على إنتاج تلك الأجسام المضادة وذلك بعد مرور فترة الرضاعة ولذلك حرم الإسلام الذين اشتركوا فى الرضاعة من ثدى امرأة واحدة خمس رضعات مشبعات وذلك لاشتراك أفراد الأسرة فى التركيب المناعى أو الوراثى ، وهذا يسبب ظهور الأمراض الوراثية كما ثبت حديثا ولكن بعد مرور عامين يتم البناء من الجسم يقول صلى‌الله‌عليه‌وسلم" لا رضاعة إلى ما كان فى الحولين" (٣) ....

ـ إن الشمس تدور فى فلكها وتحافظ على حرارتها ، وحين يرتفع الضغط بداخلها وتوشك أن تنفجر يرى العلماء بواسطة الأجهزة الحديثة على فترات ما يسمونه بالبقع الشمسية حيث تظهر وتنطفئ قرب حافة الشمس فلا ترتفع حرارتها عن

__________________

(١) سورة المائدة الآية ٣١

(٢) سورة الزمر الآية ٢٣

(٣) خرجه الامام مالك فى الموطا عن بن مسعود

٢٩٣

معدلاتها التى قدرها سبحانه فيختل نظام الكون فى لحظات ... ، إن ذلك يدل على سجود الكائنات وعلم الله المحيط ....

ـ وجد العلماء فى تقسيمات الرياح أن هناك ريحا عاصفة تسبب كثرة الأمواج ... ، وريح قاصفة تكسر السفن وقد حذر الله المشركين من إرسال قاصفا من الريح عليهم ... ، وأشار سبحانه إلى الريح العاصفة فى قوله سبحانه (جاءَتْها رِيحٌ عاصِفٌ وَجاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ) (١) ... ، وتحدث القرآن عن الريح الطيبة التى يأتى منها الخير والمطر ... ، فسبحان العليم الخبير.

ـ حين تحدث الشيخ الزندانى كما أشرنا مع أحد علماء الغرب فقال العالم هناك صفة متنحية فى علم الوراثة تظهر فجأة فى أحد الأبناء ولا تكون فى الأب أو الجد ولكن يمكن أن تكون فى جد قديم من العائلة ... ، فقال له الشيخ لقد أشار لنا رسولنا الكريم عن ذلك حين جاءه رجل ومعه غلام أسود يشك فى بنوته فقال له صلى‌الله‌عليه‌وسلم أ لك إبل ، قال نعم قال ما لونها فقال الرجل حمر ... ، فسأله النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم أ فيها أوراق ... ، قال فيها أورقا ... ، فسأله النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم من جاء به فقال الأعرابى لعله نزعه عرق ... ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهذا نزعه عرق ... ، أى أن ابنك هذا نتيجة لصفة قديمة كانت فى عرف العائلة ... ، فقال العالم إن هذا العلم لا يمكن أن يكون من بشر بل هو من عند الله ... ، ولقد مسح صلى‌الله‌عليه‌وسلم على ضرع شاه لم ينز عليها الفحل عند أم معبد فأدرت لبنا كثيرا ... ، وأخبر عمار بن ياسر أن آخر شربه يشربها هى اللبن وبالفعل كان ذلك قبل أن يقتله أحد جنود معاوية ... ، وأخبر أن الحسين سيولد له غلام يدعى يوم القيامة بسيد العابدين وبالفعل أنجب زين العابدين مثالا فى الزهد والخشوع ... ، وحين دخل بستانا لجابر بن عبد الله ولم يثمر النخل فيه بما يمكن الصحابى من سداد دين أحد اليهود ، فدعا صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالبركة وقال له اذهب وجز واقضى وبالفعل بارك الله فى تمر النخل ... ، وقضى الصحابى دينه ... ، وبقى الكثير ... ، وحين صنع الأطباء عقارا للشيخوخة لم يفلح لقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم" لكل داء دواء إلا الهرم" (٢).

__________________

(١) سورة يونس الآية ٢٢.

(٢) جزء من حديث روى عن أسامة بن شريك ـ الاعجاز العلمى الحديث النبوى.

٢٩٤

ـ استطاع العالم الفرنسى شامبليون فك رموز حجر رشيد ، وخلال ترجمة النقوش المكتوبة عليه ذكر اسم هامان ووظيفته حيث كان رئيس عمال الحجارة وكان مقربا لفرعون حيث إنه المسئول عن عمليات الإنشاء والبناء ، ذكر القرآن الكريم ذلك فى قوله تعالى (وَقالَ فِرْعَوْنُ يا هامانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ) (١) ... ، ـ سجل الخبراء فى عصرنا أن الثبات من أسباب النصر ويقول تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (٢) ... ، وكذلك ضرب مؤخرة الصفوف يؤثر تأثيرا بالغا فى العدو حيث به مصادر العدة والعتاد والمئونة وإدارة المعركة ويسبق القرآن ذلك كله فى قوله تعالى (فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) (٣) ... ، أى لعل الباقين يتذكرون ما يسجل بهم فيكون التراجع والانسحاب ....

ـ صعد الإنسان إلى القمر وكما مر على آيات الله فى الأرض فهو يمر على آيات الله فى السماء لذلك نجد قوله تعالى (وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْها وَهُمْ عَنْها مُعْرِضُونَ ، وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ) (٤) ... ، ولقد قسم العلماء حاجات الإنسان إلى طعام وشراب ... ، ولباس ومسكن ولكن القرآن الكريم يجمع كل شىء بقرينة كما توصل إليه العلماء فى عصرنا فالطعام يولد الطاقة ولكى يتم الحفاظ على هذه الطاقة لا بدّ أن لا يعرى الإنسان ويتعرض للبرد حتى لا تختل وظائفه ... ، كذلك إذا تعرض الإنسان لحرارة الشمس فإنه يظمأ ولكى يحافظ على نفسه ولا يحدث ما يسمى بالاحتباس الحرارى الذى يؤدى إلى اختناق القنوات العرقية وهو ما يسمى بضربة الشمس يلزم الإنسان ألا يضحى أى لا يتعرض للشمس بوجود المسكن الذى يأويه يقول تعالى (إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيها وَلا تَعْرى وَأَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فِيها وَلا تَضْحى) (٥) ....

__________________

(١) سورة غافر الآية ٣٦

(٢) سورة الانفال الآية ٤٥

(٣) سورة الانفال الآية ٥٧

(٤) سورة يوسف الآيات ١٠٥ و١٠٦

(٥) سورة طه الآيات ١١٨ ـ ١١٩

٢٩٥

ـ فى عهد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم طرد اليهود لخيانتهم ومخالفتهم العهود ، وذاقوا الكثير بسبب اضطهاد الرومان لهم ... ، وذاقوا الكثير فى عهد هتلر الألمانى ... ، وكذلك تعرضوا للكثير من الإيذاء فى غرب أوربا ... ، وحتى الآن لاستقرار لهم يقول تعالى (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) (١) ... ، كذلك نجد العداوة والصراع بين الدول الأوروبية وغيرها فهناك حرب السنين السبع ... ، والمائة عام بين إنجلترا وفرنسا ، ولم تزل ألمانيا حتى الآن تعانى آثار الجوع والعرى بسبب ما أنفقته فى الحروب الماضية ونجد قوله تعالى (وَمِنَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى أَخَذْنا مِيثاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللهُ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ) (٢) ....

ـ فى عالم الطير يتجلى إعجاز الخالق سبحانه حيث يصمم الجناح بمفاصل تسمح بتغير زاوية الميل ... ، كذلك قدرات خاصة منحها الله للطائر لاستخلاص أقل قدر من أكسجين الهواء حيث ينقص بالارتفاع حيث يبلغ أعلى ارتفاع للطيور أثناء هجرتها إلى تسعة كيلومترات وذلك لتجنب الجفاف والهواء الحار الملامس لسطح الأرض والاستفادة من التناقص الشديد فى الضغط والحرارة كلما ارتفعنا ، وغير ذلك الكثير من ألوان الإعجاز ويكفى أن هناك ما يزيد عن عشرة بلايين طائر تختلف جميعا فى سلوكها ومعيشتها ... ، إنه إبداع الخالق ، وإنها الآيات تتحقق وكذلك النبوءات ... ، فلقد أخبر صلى‌الله‌عليه‌وسلم بفتح مصر" إنكم ستفتحون مصر" ... ، وبالفعل فتحت مصر فى عهد عمرو بن العاص وأخبر بفتح الأندلس كما ذكر القرطبى فى التذكرة عن معاوية بن أبى سفيان ... ، " ستفتح بعدى جزيرة تسمى بالأندلس" (٣) ... ، وبالفعل تم فتحها ... ، وأشار أنها ستسلب من المسلمين وتم ذلك بالفعل.

__________________

(١) سورة الأعراف الآية ١٦٧.

(٢) سورة المائدة الآية ١٤.

(٣) أنظر كتاب المهدى المنتظر.

٢٩٦

ـ لقد أثبتت الأبحاث والدراسات المتأخرة أن النحل مثلا عند شدة الحرارة تقوم جماعة بالحركة الدائمة وترفرف بأجنحتها لتهوية الخلية وعند شدة البرودة تتراكم جماعة فى زاوية الخلية لإنتاج الطاقة ... ، كذلك أثبتت الدراسات أهمية المسح على سيقان الخيل وأعناقها حيث تمتاز هذه المناطق بالحساسية الشديدة عند الحيوان يقول تعالى (فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْناقِ) (١) كذلك أثبتت الدراسات أن الأنثى هى الحاكمة والمسيطرة على القطيع وهى التى تحاسب الصغار عند الخطأ يقول تعالى (إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِناتُ الْجِيادُ) (٢) ... ، ونلاحظ أن الجياد تشير إلى التأنيث وهناك الإعجازات الكثيرة فى مختلف العلوم التى يمكن أن يدركها عقل الإنسان وما لا يدركه ... ، إن رسالة الإسلام زاخرة بالإشارات العلمية فى جميع المجالات فحين أشار صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن الطريق يطوى للمسافر ليلا يلاحظ ذلك المسافرون بالسيارات أو من يركب الدراجة ليلا ... ، كذلك اكتشف العلماء أن الإنسان يتأثر من الناحية العصبية بظاهرة المد والجزر التى تحدث فى منتصف الشهر القمرى حيث تؤثر جاذبية القمر على سطح المياه فيرتفع منسوبها والإنسان لأنه غالبية جسده ماء فهو يتأثر بذلك وهنا تبدو الحكمة من صيام الثالث والرابع والخامس عشر من الشهر القمرى ... ، وحين اكتشف العلماء كروية السماوات والأرض وليست الأرض فقط كما يظن البعض فقد أشارت السنة النبوية أن السماوات السبع والأراضين السبع بالنسبة للكرسى كحلقة فى فلاة ... ، أى فى صحراء والتعبير بالحلقة يعبر عن الكروية ... ، وحين وجد العلماء أن الشغالة فى مملكة النحل هى التى تقوم ببناء الخلية وصيانتها وحراستها نجد الخطاب القرآنى للمفردة من إناث النحل من الشغالة فى قوله تعالى (أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ) (٣) فسبحان الله ....

__________________

(١) سورة ص الآية ٣٣.

(٢) سورة ص الآية ٣١.

(٣) سورة النحل الآية ٦٨.

٢٩٧

ـ كذلك هناك ممالك النمل حيث النظام والإدخار ... ، ولغة التخاطب ... ، إنها بالفعل أمم أمثالنا ... ، ومن ذلك يبدو إعجاز الله تعالى فى كل العوالم من حولنا ... ، عالم الإنس ... ، والجن ... ، والطير ... ، والنبات ... ، والحيوان ... ، ومختلف العلوم التى يمكن أن يدركها عقل الإنسان وما لا يدركها ... ، فعلينا باليقين الثابت وتبليغ رسالة الإسلام ... ، فهى الحق المطلق وليس بعد الحق إلا الضلال ... ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ...

٢٩٨

المراجع

ـ الله والعلم الحديث ـ عبد الرازق نوفل ـ دار الشروق.

ـ حياة الصحابة ـ محمد يوسف الكاندهلوى ـ الريان للتراث.

ـ والموعد الله ـ خالد محمد خالد ـ أخبار اليوم.

ـ وقفات حاسمة بين يدى علامات الساعة الآتية ـ سعيد عبد العظيم العقيدة للتراث.

ـ الأدلة المادية على وجود الله ـ الشيخ محمد متولى الشعراوى ـ أخبار اليوم.

ـ مجموعة مقالات عن الإعجاز العلمى فى القرآن والسنة ـ دكتور زغلول النجار.

ـ الإعجاز العلمى فى القرآن ـ دكتور السيد الجميلى ـ دار القلم للتراث.

ـ الإعجاز العلمى فى القرآن الكريم ـ دكتور زغلول النجار ـ أخبار اليوم.

ـ من روائع الإعجاز العلمى ـ دكتور عاطف قاسم المليجى" النهار" للنشر والتوزيع.

ـ معجزات النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أحمد رجب محمد ـ مطبعة محمد صبيح.

ـ معجزة القرآن الكريم الرياضية ـ دكتور عبد الله البلتاجى ـ نشر بستان المعرفة.

ـ رجال حول الرسول ـ خالد محمد خالد ـ دار الكتب الحديثة.

ـ سلسلة دراسات فى الإسلام ـ دكتور محمد سلام مدكور ـ الإسلام وأثره فى الثقافة العالمية.

ـ مراجع أخرى عن الإعجاز البلاغى فى القرآن الكريم.

ـ الحق المطلق ـ عدنان الرفاعى ـ دار الفكر.

ـ الإعجاز العلمى والتاريخى فى القرآن ـ محمد محمود عبد الله.

ـ البعث يوم القيامة ـ محمد شكرى حسن ـ دار الشعب.

ـ من وصايا الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ حمزة محمد صالح ـ المكتبة التوفيقية.

ـ رياض الصالحين ـ للإمام أبى زكريا النووى ـ الدمشقى.

٢٩٩

ـ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ سعيد حوىّ.

ـ الترغيب والترهيب ـ الحافظ ذكى الدين عبد العظيم ـ دار الريان.

ـ حقائق غريبة ومثيرة ـ هاشم محمد هاشم ـ مكتبة جزيرة الورد.

ـ غرائب وطرائف الحيوانات ـ أبو عبيده إبراهيم بن محمود ـ دار الإيمان الإسكندرية.

ـ نماذج الإعجاز الرياضى ـ الدكتور عبد الله البلتاجى ـ نشر بستان المعرفة.

ـ بستان الواعظين ورياض السامعين ـ لأبى الفرج بن الجوزى ـ تحقيق مجدى محمد الشهاوى ـ مكتبة الإيمان المنصورة.

ـ الإعجاز العلمى فى الحديث النبوى ـ دكتور أحمد شوقى إبراهيم ـ نهضة مصر.

٣٠٠