إعجاز القرآن العلمي والبلاغي والحسابي

محمّد حسن قنديل

إعجاز القرآن العلمي والبلاغي والحسابي

المؤلف:

محمّد حسن قنديل


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار ابن خلدون
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٠٢

٣ ـ معانى القرآن والخطاب لكل زمان

إن معانى القرآن الكريم يخاطب الله تعالى بها الناس فى وقت نزول الآية بقدر ما تتحمل عقولهم ... ، وهى تخاطب أيضا الناس فى الأزمنة التالية بقدر اكتشافاتهم وحدود علمهم .. ، لأن القرآن الكريم هو الرسالة الخاتمة والتى تخاطب كل العصور ولقد عرف الناس فى عصرنا أن القتال تستخدم فيه الأسلحة الخفيفة بأنواعها للدفاع عن النفس وكذلك تستخدم الأسلحة الثقيلة لدك معاقل العدو ويخيرنا الله تعالى عن ذلك فى قوله تعالى (انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالاً وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (١)

كذلك يدرك خبراء القتال أن ضرب مؤخرة الجيش تؤدى إلى تفكك الجيش وتفرقة ليؤمن خطر تلك المؤخرة .. ، كذلك فإن مؤخرة الجيش يكون بها إدارة الجيش ومصادر العدة والعتاد والمئونة ، وضرب تلك المؤخرة يؤثر تأثيرا بالغا فى العدو ويصف لنا القرآن الكريم تلك الحقيقة فى قوله تعالى (فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) (٢) ومؤخرة الجيش حين تضرب بما تحتويه من المئونة والإمدادات يتذكر باقى الجيش ما سيحدث بهم فيكون التراجع والانسحاب .. ، (٣) وكذلك يشير الله تعالى إلى أن الثبات فى الحرب من أسباب النصر بشرط أن يكون ذلك مقرونا بذكر الله عزوجل ، يقول تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) ، (٤) وكذلك أشار القرآن الكريم إلى إعداد القوة لإرهاب العدو والاستعداد له ، وهو ما تفعله الدول الآن فهو أسلوب ناجح أسسه الإسلام.

__________________

(١) سورة التوبة الآية ٤١.

(٢) سورة الأنفال الآية ٥٧.

(٣) أنظر المنتخب فى تفسير القرآن ـ فى شرح نواحى الإعجاز فى الآية الكريمة.

(٤) سورة الأنفال الآية ٥٤.

٢١

٤ ـ ضيق الصدر بين إعجاز القرآن وأقوال العلماء :

لقد أقر العلماء أن الإنسان إذا تجاوز ارتفاع يزيد عن ثمانية كيلومترات فوق مستوى سطح البحر فإنه يتعرض لمشكلات عديدة منها صعوبة التنفس لنقص الأكسجين وتناقص ضغط الهواء ، وهو مرض يسميه المتخصصون فى طب الطيران بأنه مرض عوز الأكسجين (١) ، ومنها مشكلات انخفاض الضغط الجوى والذى يسمى باسم خلل الضغط الجوى ، وتحت تأثير ذلك لا يستطيع جسم الإنسان القيام بوظائفه الحيوية ، فتبدأ فى التوقف الوظيفة تلو الأخرى ، ويمكن تفسير ضيق الصدر الذى يمر به الإنسان أثناء صعوده فى السماء بدون وسائل وقائية بأنه الشعور بالإجهاد الشديد والصداع المستمر والشعور بالرغبة فى النوم ، ونتيجة للنقص فى الضغط الجوى تبدأ الغازات المحبوسة فى الجسم بالتمدد مما يؤدى إلى ضغوط شديدة على الرئتين والقلب مما يؤثر على أنسجتهما ، فيسبب الشعور بضيق الصدر وحشرجة الموت وكذلك تتأثر بقية الأجهزة كما تبدأ الغازات الذائبة فى جميع سوائل الجسم وأنسجته فى الانفصال والتصاعد إلى خارج حيز الجسم على هيئة فقاعات مما يؤدى إلى ضيق شديد فى التنفس نتيجة لتصاعد النتروجين من أنسجة الرئتين وكذلك تتأثر بقية أعضاء الجسم.

ولقد أشار الله تعالى إلى ذلك فى قوله سبحانه وتعال (فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ كَذلِكَ يَجْعَلُ اللهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ) (٢)

__________________

(١) الاعجاز العلمى فى القرآن ـ الدكتور السيد الجميلى ـ وبحث علمى عن تلك الإشارة ـ مجلة الإعجاز العلمى ...

(٢) سورة الأنعام آية ١٢٥

٢٢

٥ ـ الخلق واستحالة المصادفة

إن قدرة الله تعالى تتجلى فى خلق الإنسان من الماء المهين وخلق أجهزته المختلفة التى تقوم بعملها بأمر خالقها ، ومن ينظر فى نفسه يجد الكثير من صور الإعجاز التى تثبت استحالة المصادفة فى الخلق ، كأصابع القدم المتراصة بجانب بعضها البعض ولكن الإصبع الخامس فى اليد على مسافة من الأصابع الأربعة حتى يتمكن الفلاح من أن يقبض على فأسه والعالم من أن يمسك بالقلم ، ونجد قطعة اللحم عند بداية القصبة الهوائية لتسدها عند البلع حيث يكون الموت الحتمى بنزول قطعة الطعام إلى الرئتين ، وكذلك نجد المخرج الدقيق للبول لأن الإنسان يشرب الماء وكذلك أثبت العلماء أهمية ثانى أكسيد الكربون لحياة الكائنات حيث يحتاجه النبات لعملية التمثيل الكربونى ويخرج الأكسجين بعد امتصاص ثانى أكسيد الكربون من الجو المحيط ، ويشير العلماء إلى أن عملية التمثيل الكربونى للكائنات كفيلة وحدها باستهلاك ثانى أكسيد الكربون الموجود فى العالم لو أن الأمر اقتصر عليها ، ولكن الله تعالى جعل كائنات أخرى تخرج فى تنفسها ثانى أكسيد الكربون وبعض التفاعلات الأخرى ، ولقد وجد العلماء أن نسبة ثانى أكسيد الكربون فى الجو دائما من ثلاثة إلى أربعة أجزاء فى كل عشرة آلاف جزء هواء ، وهذه النسبة ينبغى أن تكون ثابتة على الدوام لعمار الكوكب الأرضى ، ولم يحدث قط مهما اختلفت عمليات الاستهلاك وعمليات الإنتاج أن اختلفت هذه النسبة وهذا يثبت استحالة المصادفة فى تدبير الخلق فسبحان العليم الخبير ....

٦ ـ المرعى والفحم الأسود

مر من الزمن على الأرض ملايين السنين قبل خلق الإنسان .. ، وذكر العلماء أن النباتات كانت أسبق ما ظهر على سطح الكرة الأرضية ، ولم تكن هذه النباتات

٢٣

مزروعة بيد الإنسان ، إذ أنه لم يكن خلق بعد ولكنها كانت تلقائية بأمر الله دون أن يزرعها الإنسان ، وكانت تحتوى الأشجار الضخمة السيقان كأشجار الغابات المعروفة ومرت ملايين السنين ومرت بالكرة الأرضية فى تلك الفترات العديد من الاضطرابات الكونية والعواصف والرياح الشديدة التى كانت تقتلع الأشجار وتعصف بها من جذورها ، ثم كانت هناك الفيضانات التى غمرت تلك الأشجار وحللتها إلى المواد العضوية فى باطن الأرض ثم مرت بها العديد من فترات الجفاف التى يعقبها الفيضانات وهكذا .. ، وعلى مدار الحقب الطويلة تحولت بقايا الأشجار والنباتات والأخشاب المطمورة فى باطن الأرض إلى الفحم الأسود ، أو المادة الصخرية الصلبة السوداء المستقرة فى باطن الأرض (١) .. ، ولقد أشار القرآن الكريم لتلك الحقيقة فى قوله تعالى (وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعى فَجَعَلَهُ غُثاءً أَحْوى) (٢) ، ومعنى الأحوى أى الأسود من قدمه واحتراقه ، فجعل الله تعالى بقدرته تلك المراعى مادة ينتفع بها الإنسان بعد ذلك عند خلقه ، ثم جعل الله تعالى بعد ذلك المملكة الحيوانية كالديناصورات الضخمة وغيرها والتى كانت تتغذى على تلك النباتات وعلى هذا الشجر الأخضر ثم بموتها وتحللها كانت المواد البترولية التى انتفع بها الإنسان فى حياته فسبحان علام الغيوب الذى خلق ما ينفع الإنسان ، فاللهم اجعلنا من الشاكرين الذاكرين لك يا أرحم الراحمين.

٧ ـ وحى الله وتكوير الكون

لقد أوحى الله تعالى إلى بعض خلقه ، فلقد أوحى إلى الأنبياء ، وأوحى إلى أم موسى .. ، وأوحى إلى النحل .. ، ووحى الله لا يأتى إلا بالخير ، وتتجلى فيه العظمة والإبداع .. ، ومن يتأمل خلية النحل يجد الكثير من صور هذا الإبداع ، فهناك فريق يقوم بترتيب الخلية ، وفريق من الشغالات يجمع الصمغ من الأشجار ليسد الشقوق ،

__________________

(١) ذكر ذلك الدكتور / زغلول النجار فى إشاراته عن الإعجاز العلمى فى القرآن.

(٢) سورة الأعلى الآيات ٤ ، ٥.

٢٤

ويحبط بالحشرات المهاجمة حتى لا تتعفن ، وهناك فريق يقوم بتهوية الخلية فى الصيف وذلك بتحريك أجنحته وآخر ينضم إلى بعضه البعض لتدفئة الخلية فى الشتاء .. ، والنحل يعيش فى جماعات ومن ينعزل عن الجماعة يموت .. ، ولقد وجه الله تعالى الخطاب للمفردة من إناث النحل (أَنِ اتَّخِذِي) ووجد العلماء أن الشغالة بالفعل هى التى تقوم ببناء الخلية وصيانتها وحراستها ونظافتها وترميمها وتكييفها وتهويتها ، (١) والنحل لا يلوث الخلية أو يتغوط فيها بل يعمل دائما على ترتيبها ونظافتها ، ولا بد أن يكون ذلك ، فلقد جعل الله تعالى من العسل شفاء للناس .. ، ولقد أمر سبحانه السماوات والأرض أن تقوم بإذنه فكانت على أحسن ما يكون ، حيث قامت بغير عمد نراها .. ، وحين زعم الماديون أن الكون لا نهائى بلا بداية أو نهاية فهو أزلى غير مخلوق لينكروا وجود الخالق ، أثبتت الاكتشافات العلمية الحديثة أن الكون مكور على بعضه كالكرة ، فهو محدود الحجم كالكرة لمن ينظر إليه من بعيد لكن من يعيش بداخله يظن أنه لا توجد له بداية أو نهاية .. ، ولقد اكتشف العلماء كروية السماوات والأرض ، وليست الأرض فقط كما يظن البعض (٢) ، وتلك الحقيقة ذكرها النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم منذ ألف وأربعمائة عام ، حين روى الإمام أحمد عن زيد بن اسلم قال" ولو أن السماوات السبع والأراضين السبع كن حلقة مبهمة ونزلت عليها لا إله إلا الله لقسمتها" .. ، وفى حديث آخر يشير إلى أن السماوات السبع والأراضين السبع بالنسبة للكرسى كحلقة فى فلاة ، أى فى صحراء ، ونلاحظ التعبير بالحلقة تعبير عن الكروية .. ، لقد شبه أحد علماء الغرب ، هذا النظام الكونى بالكتب المختلفة المتراصة بلغات مختلفة وشبه الإنسان كطفل ينظر ويتأمل كيف ألفها المؤلف ، وكيف رتب كلماتها وصاغها بتلك اللغات التى لا يعلم عنها شىء وإذا كان الإنسان لم يستطيع أن يفهم كل أسرار الكون المخلوق فما بالنا بالخالق رب هذا الكون .. ،

ولقد أوحى إلينا بشريعة الخير فعلينا أن نقيم تلك الشريعة على أحسن وجه حتى نفوز ... ، فلقد أمرنا بالطاعة وفعل الخير والإحسان إلى الغير ، وهدم اليأس من رحمته

__________________

(١) من أسرار القرآن وإشارة عن الإعجاز القرآنى عن عالم النحل وتكوير الكون ـ الدكتور / زغلول النجار.

(٢) نفس المرجع السابق

٢٥

حيث إن لله تعالى فى كل نفس مائة ألف فرج قريب .. ، وقد أمر الإنسان أن يفكر بقدر حدود عقله ولا يسأل عن أشياء فوق طاقته لأن عقله محدود ، لا يمكن أن يحيط بكل العوالم .. ، ويكفى أن نعرف أن أقدم أثر عن عالم النحل فى صخور القشرة الأرضية يرجع إلى أكثر من مائة وخمسين مليونا من السنين (١) .. ، فيجب على كل مسلم أن يطبق ما شرع الله به ليفوز فى الدنيا والآخرة ، لقد عاهد النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم الصحابة على السمع والطاعة ، وعلى العزة فلا يسألوا الناس شيئا .. ، وعلى كلمة الحق فلا يخشى أحدهم فى الله لومة لائم .. ، وعلى النصح لكل مسلم (٢) ، فهم قدوة لنا ، ومن يسر فى طريق الله يجد النور فى كل مكان ، وما دون الله مخلوقات له لا يملكون من قطمير ، فالفضل كله لله .. ، ولقد رأينا أن رسالة الله تعالى هى الرسالة المعجزة فى كل زمان ، حتى لقد كان فى عتاب الله لرسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين جاءه الأعمى ، وفى مسألة أسرى بدر دليلا آخر على أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم لا ينطق عن الهوى ، حيث إنه لا ينكر آية فيها العتاب له ، وهذا هو إثبات من الله ودليل ليدرك به العقلاء أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان لا ينطق عن الهوى ، بل هو الوحى من السماء .. ، وعلينا أن نخلص فى العبادة ، حيث خلقنا الله لعبادته ، فهو الغنى عن خلقه ، ويكفى أن من يقوم الليل ويناجى ربه يلبسه من نوره فى الدنيا والآخرة .. ، واعلم أخى المسلم أن عدوك الشيطان يعقد عليك قبل نومك ثلاث عقد ، فإذا استيقظت أنحلت عقده ، وإن توضأت انحلت الثانية ، وإن صليت انحلت الثالثة .. ، فتصبح نشيطا طيب النفس (٣) .. ، هناك شيطان موكل لكل من بدأ يسير فى طريق الهدى يأتى الشباب ليضله ويوسوس له بكل ما يبعده عن طريق الإيمان ، ومن تمسك بطريق الله ينصره الله .. ، هناك شيطان يوسوس فى الوضوء حتى يرهق صاحبه فلا بد من التسمية وإسباغ الوضوء والاستعاذة .. ، وهناك شيطان يحاول أن يخرجك من الصلاة لتتوضأ .. ،

__________________

(١) إشارة ذكرها الدكتور / أحمد شوقى إبراهيم عن عالم النحل.

(٢) شرح المعنى حديث نبوى فى إرشاده صلى‌الله‌عليه‌وسلم للصحابة وهى نصيحة عامة" حق المسلم على المسلم ست ... وإذا استنصحك فانصح له ..." جزء من حديث رواه مسلم. رياض الصالحين

(٣) من شرح حديث" يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد" جزء من حديث متفق عليه. رياض الصالحين برقم ١١٦٤

٢٦

وهناك شيطان يوسوس لك فى الصلاة حيث يعلم أنه" ليس للمرء من صلاته إلا ما عقل منها .." فاحذر عدوك يقول صلى‌الله‌عليه‌وسلم" والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا .. ، فتحلى بالصبر والإتقان والثقة بوعد الله فى كل الأمور ولا تيأس من روح الله لتنجو بثباتك ويقينك ورحمة بك واعلم أن المعوذتين ما تعوذ متعوذ بمثلهما .. ، لقد أخبرنا صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه لو كان شىء يسبق القدر لكانت العين .. ، واحذر الفراغ ، فإن شر الناس المكفى الفارغ ليس فى عمل دنيا أو آخرة .. ، واعلم أن الله تعالى لم يكن يجمع أمة الإسلام على ضلالة فكن مع الجماعة ، فمن شذ شذ فى النار ، واعلم أن أمة الإسلام تخرج من الأزمات أشد صلابة ، ولنا مثل فى حروب المرتدين ، والحروب الصليبية ، وقهر التتار وغير ذلك الكثير من الانتصارات فى كل زمان .. ، واعلم أخى المسلم" أن الله فى عون العبد ما كان العبد فى عون أخيه" (١) وأن الرحمة تشمل ما حولك من الكائنات .. ، لقد صلى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوما صلاة الكسوف ، حين كسفت الشمس فى ذلك اليوم ، ولقد تأخر فى صلاته إلى الخلف وتأخرت الصفوف معه ثم تقدم مرة أخرى ، وحين سأله الصحابة عن سر ذلك حيث أنه أطال فى الصلاة ولم ينته منها حتى طلعت الشمس قال : " إنه ليس من شىء توعدونه إلا قد رأيته فى صلاتى هذه ، ولقد جيء بالنار فذلك حين رأيتمونى تأخرت مخافة أن يصيبنى من لفحها حتى قلت" أى رب وأنا فيهم" ، ورأيت فيها صاحب المحجن يجر قصبة فى النار كان يسرق الحاج بمحجنه فإن فطن به قال إنما تعلق بمحجنى ، وإن غفل عنه ذهب به ، وحتى رأيت فيها صاحبة الهرة التى ربطتها فلم تطعمها ولم تتركها تأكل من خشاش الأرض ، حتى ماتت جوعا ، وجيء بالجنة ، فذلك حين رأيتمونى تقدمت حتى قمت فى مقامى فمددت يدى وأنا أريد أن أتناول من ثمرها لتنظروا إليه ثم بدا لى أنا لا أفعل (٢) ".

__________________

(١) جزء من حديث رواه مسلم ـ رياض الصالحين ص ٩٠ ـ مختصر تحقيق محمد عصام الدين وفى الحديث القدسى" وجبت محبتى .. ، وللمتزاورين فى وللمتباذلين فى" رواه مالك باسناد صحيح

(٢) جزء من حديث رواه احمد عن جابر بن عبد الله تحت رقم ١٣٨٩٧

٢٧

ولقد روى هذا الحديث أيضا الإمام مالك بن عباس وفيه قول الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم" ورأيت النار فلم أرى كاليوم منظر قط ، ورأيت أكثر أهلها النساء ، قالوا لم يا رسول الله قال لكفرهن ، قيل أ يكفرن بالله قال ويكفرن العشير ويكفرن الإحسان لو أحسنت إلى إحداهن الدهر كله ثم رأت منك شيئا قالت ما رأيت منك خيرا قط" (١).

وفى حديث آخر رواه أحمد عن أسماء بنت أبى بكر وزاد فيه" وقد أريتكم تفتنون فى قبوركم يسأل أحدكم ما كنت تقول ، وما كنت تعبد فإن قال لا أدرى رأيت الناس يقولون شيئا فقلته ، ويصنعون شيئا فصنعته ، قيل له أجل على الشك عشت وعليه مت هذا مقعدك من النار .. ، وإن قال أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله قيل على اليقين عشت وعليه مت هذا مقعدك من الجنة" (٢).

وكما أشرنا سابقا أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم رأى فى رحلة الإسراء والمعراج أيضا جزاء المتكاسل عن الصلاة حيث ترضخ رأسه بالحجارة .. ، وجزاء الزناة وحيث يرفعهم لفح النار ويخفضهم .. ، وغير ذلك من المشاهد التى تثبت لنا أن وعد الله حق فالتأمل والفطرة إثبات للكثير من الإعجازات وكذلك الاكتشافات العلمية ، ونبوءات الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وما يشهده البشر من مشاهد للعبرة والتذكرة كأقراص العسل وسعف النخل حيث يقرأ المتأمل بوضوح كلمة التوحيد ، وثبوت عالم الملائكة ، وعالم الجن ، وتحقق رؤيا المؤمن وتحذير الله تعالى للعصاة بالمواقف والتبليغ والرؤى ، لقد أقسمت لى إحدى النساء أن معاملتها لزوجها المصلى كانت لا ترضى الله وكانت تمنع الماعون عن الناس ، فرأت من يأمرها بالإحسان إلى الزوج والانتهاء عن تلك الخصلة .. ، ولقد سمع سارية قول عمر بن الخطاب رضى الله عنه وهو على المنبر" يا سارية الجبل" أى أجعل الجبل من خلفك وأنت تقاتل العدو" .. ، وهناك كرامات الصالحين وغير ذلك من آيات الله التى يريها لعباده فى كل حين ، فالحمد لله أنه يرينا آياته فنعرفها .. ، والحمد لله أن لنا ربا هدانا للإيمان وإلى طريق الهدى .. ، وإلى طريق القرآن المليء بالإعجازات .. ،

__________________

(١) جزء من الحديث عن الإمام مالك رقم ٣٩٩ فى كتاب النداء على الصلاة.

(٢) جزء من الحديث الذى رواه أحمد عن أسماء بنت أبى بكر تحت رقم ٢٥٧٥٢.

٢٨

والذى يدعو إلى الرحمة ، لقد قتل الصليبيون سبعين ألفا فى ساحة المسجد الأقصى وقتلوا كل من لجأ إلى الأزقة والمساجد والأماكن المقدسة .. ، وحين تمكن منهم صلاح الدين ، ذكرهم بما فعله آباؤهم (١) فظنوا هلاكهم وأدركوا ما سيفعله بهم ولكنه عفا عنهم كما فعل رسول الله بالمشركين يوم فتح مكة .. ، فعلينا بتطبيق منهج الله والثقة بالله كما وثق موسى عليه‌السلام حين قال أصحابه إنا لمدركون ، والتواضع لله .. ، ألا يخشى من يتكبر أن يأخذ كتابه بشماله فيدعو بالثبور والهلاك .. ، إن الله يستجيب دعاء عبادة فى أى وقت ، ويسمح بالوقوف بين يديه فى أى وقت ولا ينهى المقابلة قبل أن تنتهى من صلاتك رغم أنه هو الملك العلى الكبير فسبحانه .. ، واعلم أخى المسلم أننا جميعا قبل دخول الجنة لا بد أن نعبر الصراط ، " فهو أرق من الشعرة وأحد من السيف" (٢) والنار أسفلنا تتأجج وتفور ، والمكان مظلما ، وكل إنسان يأخذ نورا بقدر عمله (يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ) (٣) وأما المنافقين يقولون (انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ) (٤) .. ، إنها محنة صعبة ، يخبرنا النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن هناك ناجيا سليما ، وناجيا مخدوشا ، ومن يقع فى النار ، حيث إنه على الصراط كلاليب تخطف المقصر فى حق الله ، والظالم للعباد .. ، فعلينا بفعل الخير وعداوة الشيطان ، والإيمان بأن الخالق الله هو الرازق والمجيب حتى ننال حب الله ، لقد دعى صلى‌الله‌عليه‌وسلم لأبى هريرة وأمه أن يحبهم الناس ، فلا يسمح بأبى هريرة أو أمه أحد إلا أحبهم .. ، لقد دعى أمين السماء جبريل عليه‌السلام بالخيبة والخسران وأمن أمين الأرض رسولنا محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم على كل من أدرك رمضان ولم يغفر له أو أدرك والديه ولم يغفر الله ، أو ذكر اسم النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولم يصل عليه (٥) .. ، لقد دعا ثلاثا وأمن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فلنحذر من الغفلة فى رمضان ، ولنحذر من عقوق الوالدين ، وعدم الصلاة على النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم .. ،

__________________

(١) الإعجاز العلمى والتاريخى فى القرآن ـ محمد محمود عبد الله ـ عالم المعرفة.

(٢) من شرح حديث عن عبد الله بن مسعود ـ قول صلى‌الله‌عليه‌وسلم" يوضع الصراط على سواء جهنم مثل حد السيف المرهف مدحضة.

مذله ، عليه كلاليب من نار يخطف بها" رواه الطبرانى بإسناد حسن ـ الترغيب والترهيب ـ الجزء الرابع.

(٣) سورة الحديد آية ١٢.

(٤) سورة الحديد آية ١٣.

(٥) من شرح معنى حديث عن جابر بن سمرة." صعد النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم المنبر فقال آمين .." رواه الطبرانى بإسناد حسن الترغيب والترهيب" الجزء الثالث.

٢٩

إن الدين الإسلامى هو رسالة الخير والأمن فى كل زمان ، فكل ما نهى عنه كان فى صالح العباد ، وكل ما أمر به كان خيرا للعباد .. ، وهو الرسالة الزاخرة بالمعجزات .. ، ففي المجال الطبى رصد العلماء سبعة وثمانين ألف نوع من الذباب يتغذى على النفايات والمواد العضوية المتعفنة .. ، ولقد خلق الله تعالى لكل نوع من البكتريا والفيروسات والجراثيم ما هو ضده ، كذلك الذباب ، يحمل الجراثيم والبكتريا على إحدى أجنحته ومضادات هذه الجراثيم والبكتريا على الجناح الآخر ، وقد أجرى العلماء فحصا مجهريا لسائل غمس فيه الذباب بعد وقوعه وآخر لم يغمس ولاحظوا حركة الجراثيم فى السائل الذى لم يغمس فيه الذباب وخلو الآخر من الجراثيم (١) .. ، لقد عالج الإسلام كل مشكلات المجتمع ، عالج السلبية حيث قال ذو القرنين" ما مكنى فيه ربى خير فأعينونى بقوة" .. ، وحرم المسكرات وعالج البخل ، وجاء بمثل أصحاب الجنة اللذين بخلوا فاصبحوا وقد وجدوا حديقتهم محترقة كالصريم .. ، وعالج الكذب حتى تظل الثقة بين الناس ، وعالج الاكتئاب حيث إن كل شىء بأمر الله ولا ضرر ولا نفع إلا بإذنه سبحانه .. ، وأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذى القربى ، ونهى عن الفحشاء والمنكر والبغى .. ، وأمر بالزكاة والعطف على الفقراء .. ، فعلينا بالتمسك بالإسلام ، ومحاسبة النفس ، فلقد خف الحساب على قوم حاسبوا أنفسهم فى الدنيا هناك سكرات الموت وضمة القبر ، والوقوف ليوم الحساب وعبور الصراط .. ، وغير ذلك فلا بد من الاستعداد لتلك المحن .. ، إن ضربة بألف سيف أهون على العبد من سكرات الموت .. ، لكنها تهون على المؤمن الصادق العارف بربه والمتوكل عليه ، والذى يحسن الظن به .. ، لكن الحساب يثقل على قوم لم يحاسبوا أنفسهم فى الدنيا فعلى كل إنسان أن يحاسب نفسه ، ويدرس العلم ليزداد إيمانه ، وينفع غيره ويدعو على بصيرة .. ، لقد أخبرنا صلى‌الله‌عليه‌وسلم بقوله" إذا اشتهى مريض أحدكم شيئا فليطعمه" (٢).

وقد اكتشف العلماء فى عصرنا أن جسم الإنسان إذا احتاج شيئا من العناصر يصدر إشارات وميول فطرية لتناول الأطعمة التى تحتوى العناصر اللازمة ، وقد نشر

__________________

(١) ذكر ذلك الشيخ أحمد ربيع ـ أحد علماء الأزهر ـ عن الإعجاز العلمى فى السنة ـ وذكر تفصيلا انظر كتاب الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ تحقيق الدكتور عز الدين جواله ص ٣٨.

(٢) أخرجه ابن ماجة ـ ٣٤٤١.

٣٠

بحثا فى عام ١٩٣٢ بعنوان حكمة الجسد للعالم الغربى" وولتر بكانون" عن هذا الموضوع وقد كان السبق للإعجاز النبوى منذ ألف وأربعمائة عام .. ، فعلينا بالثقة واليقين بالله وصلة الرحم والصلاة على النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم الذى تنقل بين الأصلاب الطاهرة ، والعبادة الخالصة لله فى كل حال .. ، فى الصحة والمرض .. ، وفى الغنى والفقر .. ، لأن الجميع فى ابتلاء واختبار .. ، واعلم أن الدعاء مخ العبادة .. ، لقد دعا صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى غزوة بدر حتى سقطت جبته .. ، وعليك بالاستغفار حتى ينزل الله عليك الخير كله .. ، لقد رزق الله تعالى مريم ابنة عمران فى محرابها .. ، وأنزل مائدة من السماء لحوارى عيسى عليه‌السلام .. ، إن المؤمن يكفيه أن معه الله الخالق .. ، معه كتاب يتحدى به العالم .. ، إن شفاء العالم كله وقوته ونجاته لن تكون إلا إذا لجأ الجميع إلى هذا الكتاب .. يكفى أن فيه النجاة من النار والزمهرير .. ، وعليك أن تسأل نفسك كم يستحق الله من الشكر وقد جعلك مسلما .. ، وكم يستحق من الشكر وقد وعك بالنظر إلى وجهه الكريم .. ، وكم يستحق من الشكر حين يعينك على عبور الصراط ومن أسفلك النار وهى تفوز .. ، إن الله تعالى يحب لنا الجنة .. ، وسيخرج من النار يوم القيامة من كان فى قلبه مثقال ذرة من إيمان .. ، كم يستحق من الشكر على نعمه الكثيرة علينا .. ، كم يستحق من الشكر على شربه الماء فى يوم شديد الحرارة .. ، لذلك لا بد من الاختبار ، كما كان فى حادث الاسراء والمعراج .. ، وتحويل القبلة ، وغير ذلك من الأحداث كالابتلاء بالخوف والجوع ، ونقص الأموال ، والأنفس ، والثمرات ، هى اختبارات لمعرفة صدق الإيمان ، والفائز من يصبر وينجح فى هذا الاختبار .. ، إن أحباب النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم قوم آمنوا به ولم يروه فعلى كل راع أن يأمر أهله بما أمر به الله ورسوله من الصلاة والخشوع فيها ، والصدقة ، وإنكار المنكر ، وأعمال البر ، والتزام الزى الإسلامى حتى لا يطردنا النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن حوضه يوم القيامة .. ، ذكّر أهلك بالصراط الذى لا بد من عبوره قبل دخول الجنة حيث إن مسافته لا يعلمها إلا الله ومن أسفلنا ستكون النار المتأججة .. ، فهل المتبرجة ستعبر هذا الصراط الدقيق كالبرق .. ، وهل المتكبر .. ، وهل الظالم للناس .. ، وهل العاق لوالديه سيعبر كالبرق أم تزل قدمه وتخطفه الكلاليب

٣١

إلى النار المتأججة التى يسمع الجميع شهيقها وهى تفور .. ، والتى تكاد تميز من الغيظ وهى السوداء الحالكة ، والتى رغم شدتها فالمنافقون فى الدرك الأسفل منها .. ، ويسبح العصاة فى دركاتها .. ، فهل نفيق من غفلتنا .. ، إن التفكير فى محنة الصراط فقط كافية لأن ينسى الإنسان التفكير فى كل أمور الدنيا .. ، حين سألت السيدة عائشة رضى الله عنها النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، هل تذكرون أهليكم يوم القيامة؟ .. ، قال! إلا فى ثلاث مواضع عند عبور الصراط .. ، وعند تطاير الصحف .. ، وعند الميزان .. ، فعلينا بلين الكلام حيث أمر سبحانه موسى عليه‌السلام أن يقول لفرعون قولا لينا لعله يتذكر ويخشى رغم أنه اغتر بنفسه فقال أنا ربكم الأعلى .. ، فالمؤمن ليس بالطعان ولا اللعان ولا المتفحش ولا البذيء .. ، واجعل أخى المسلم حياتك كلها لله ، صلاتك ونسكك ، ومحياك ومماتك .. ، ولا تلتفت فى صلاتك إلى أمور الدنيا فإذا التفت العبد التفت عنه ربه ، حيث ينصب الله وجهه تجاه عبده إذا صلى .. ، وعليك بالصدقة ، والصوم الذى يشمل الجوارح ، فمن ختم له بصوم يوم خالص دخل الجنة (١) ومن ختم له بصدقة خالصة دخل الجنة .. ، فعلينا بالإخلاص لله والدعاء .. ، إن من لا ترد دعوتهم كما أخبرنا صلى‌الله‌عليه‌وسلم" الصائم حتى يفطر والمظلوم حتى ينتصر ، والمسافر حتى يرجع" (٢) وعلينا ، بأخذ الدين بقوة والثقة فى مالك الملك ، وتربية الأولاد على الصدق والقوة فى الدين ومحبة الله ورسوله والشجاعة كما كان يفعل السلف الصالح فى تربية أبنائهم .. ، ويجب أن نستقبل الخير بقلوبنا ، ففي الماضى كان هلال رمضان تترقبه جميع طوائف الشعب ، وبمجرد ظهوره ، كان يلتزم الجميع بفعل الخير والعطف على الفقراء ، وقراءة القرآن وقراءة صحيح البخارى فى الجامع الأزهر وكان السلطان برقوق يذبح كل يوم من أيام رمضان ٢٥ بقرة يتصدق بلحومها على الفقراء والمساكين وكان يفطر جموعا غفيرة من الصائمين ، ويأمر بتوزيع الصدقة عليهم ، وقد اعتاد سلاطين المماليك أن يعتق الواحد منهم فى شهر رمضان ثلاثين عبدا أى بعدد أيام

__________________

(١) عن شرح معنى حديث عن أبى سعيد رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم" ما من عبد يصوم يوما فى سبيل الله تعالى إلا باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفا" أخرجه البخارى من وصايا الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ حمزة محمد صالح.

(٢) الحديث رواه البزار مختصرا ـ الترغيب والترهيب ص ٨٩ ـ الجزء الثانى وفى رواية أخرى والإمام العادل.

٣٢

الشهر .. ، وعلى كل مسلم أن يدرك نعمة الله عليه حيث لم يشدد الله علينا فى شىء .. ، ولكن شدد على بنى إسرائيل لتكذيبهم ، فحرم عليهم كل ذى ظفر من الأنعام والطير وغيرها ، وكانوا يقصون مكان النجاسة ويقتلون أنفسهم عند التوبة .. ، لقد أضلهم الشيطان فعلينا بالاستعاذة منه ومخالفته واتخاذه عدوا .. ، لقد ضرب الله مثلا للمؤمنين فى التوراة أنهم" ركعا سجدا" وفى الإنجيل أنهم" كزرع أخرج شطأه" هو مثل روحى فى التوراة لليهود عن الركوع والسجود لأنهم ماديون ... ، ومثل مادى بالزرع للنصارى لأنهم تغالوا فى الروحية .. ، حين سئل عيسى عليه‌السلام فى مسألة المواريث ، " قال إنى لم أبعث مورثا .." (١) لكن القرآن الكريم جاء شاملا لكل جوانب الكون والحياة الدنيا والآخرة ، وجاء بكل مثل ليظل دستورا إلى يوم القيامة ، فمن ابتغى القوة فى غيره قسمة الله ، ومن تمسك به هدى إلى صراط مستقيم .. ، فالحمد لله على نعمة الإسلام .. ، ونعمة البعث بعد أن صرنا عظاما نخرة .. ، والوعد بالخلود فى الجنة بعد أن كنا ترابا لا ذكر لنا .. ، ورغم أننا عباد فقراء ، خلقنا سبحانه من الماء المهين فلا منة لنا على ربنا .. ، ورغم ذلك نعصاه ويغفر لنا ، فهو الحنان المنان .. ، وهو الملك .. ، وهو الوارث .. ، وهو الباعث .. ، وهو الرشيد الصبور سبحانه .. ، فعلينا بالنصح للمسلمين والأهل لأن كل راع مسئول عن رعيته .. ، جاء فى كتاب أماه عودى إلينا ، وهو دعوة لصيانة المرأة فى بيتها ، ما نصه .. ، ما الذى زاد عليها بسبب العمل غير الجرأة وذهاب الحياء ، وضياع الأولاد .. ، ما الذى زاد عليها سوى كثرة الخلافات مع الزوج والتفريط فى حق دينها .. ، أ تدرون ما الفرق بين أولاد المرأة العاملة وأولاد المرأة المصونة فى البيت .. ، إن أولاد الأولى فيهم القسوة والجرأة وانعدام الحياء .. ، وأولاد الثانية تبدو عليهم أمارات الأدب والحياء .. ، إن هول العذاب شديد يوم القيامة .. ، فما أشد عذاب النار .. ، وما أصبر العصاة على الزمهرير .. ، وما أصعب لحظة عبور الصراط والنار تفور من أسفلنا .. ، فما ذا تظنون بمصير من تكبر وعق والديه .. ، وترك الصلاة .. ، وأى فرحة وأى وصف لسعادة من نجا .. ، ولا

__________________

(١) بحث علمى عن نواحى الإعجاز فى القرآن الكريم ومقارنة الأديان.

٣٣

مفر من الحساب ، حيث قال الله سبحانه (إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ لَواقِعٌ) (١) فلا بد أن يتحقق وعد الله ، وكما أشرنا سابقا أن كل آيات الله تتحقق فوعد الله لا محالة واقع .. ، وما يتمناه الإنسان فى الدنيا من أمانى وأحلام لينا لا لسعادة ، لن يجدها إلا فى التمسك بهذا الكتاب الكريم ، ليس عليك شىء إلا أن تدعو ربك بيقين ، ولا تستعجل الإجابة .. ، وتتحرى الحلال فمع الدعاء رزق سبحانه مريم ابنة عمران فى محرابها بغير حساب ، ومنح الولد لزكريا عليه‌السلام وشق البحر لموسى عليه‌السلام .. ، وجعل النار بردا وسلاما على إبراهيم عليه‌السلام .. ، وجعل مع التقوى بركات من السماء والأرض .. ، فعلينا كما نصحنا رسولنا صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالتوبة قبل الممات ، والمبادرة بالأعمال الصالحة قبل أن نشغل .. ، ونصل ما بيننا وبين الله بكثرة الذكر والصدقة فى السرو العلانية ، فيكون الثواب كما وعد صلى‌الله‌عليه‌وسلم" ترزقوا .. ، وتنصروا .. ، وتجبروا .. ، " فعلينا بتنفيذ تلك الوصايا .. ، يخبرنا صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن لحم وجه العبد يتساقط يوم القيامة خجلا حين يسأله عن تنفيذ تلك الوصايا .. ، لقد أخبرنا أن إلقاء السلام على الأهل عند دخول المنزل والتسمية على الطعام تجعل إبليس يخبر أتباعه ، أن لا مبيت لكم ولا عشاء (٢) .. ، لقد أوصانا برحمة الناس ورعاية الجار ، وقد أشرنا إلى صندوق الفقراء الذى يشارك فيه أهل الحى حيث أخبر صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه لا يؤمن من بات شبعان وجاره جائع (٣) ، ويمتد ذلك إلى أخيك المسلم الذى يجاهد الأعداء فى أقصى البلاد .. ، فلا تنس الوقوف بجانبه ولا تنس المقاطعة .. ، ولا تنس أن الدعاء سلاح المؤمن .. ، لقد أوصى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ، وأمر بترك الجدال ولو كنت محقا لتنال قصرا فى الجنة .. (٤) ، وأمر بإتقان العمل ، والرحمة بالأهل والأولاد .. ، وقرن الحياء بالإيمان .. ، وأمر بلزوم المرأة لبيتها صيانة لها ولأولادها .. ، وأمر بالزهد .. ، فكلنا سيفارق الدنيا ونعيمها الزائل إلى الآخرة الباقية .. ، فكن بيقينك واثقا من لقاء ربك ووعده لتكون أغنى الناس ، لا يضرك إذا لم تملك شيئا من حطام الدنيا الذى يزول ...

__________________

(١) سورة الطور آية ٧.

(٢) من حديث رسول الله" إذا دخل الرجل بيته فذكر الله تعالى عند دخوله وعند طعامه قال الشيطان لأصحابه لا مبيت لكم ولا عشاء" جزء من حديث رواه مسلم.

(٣) شرح حديث عن أنس بن مالك رضى الله عنها قال : قال رسول الله" ما آمن بى من بات شبعانا وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم رواه الطبرانى ـ إسناده حسن ـ الترغيب والترهيب الجزء الثالث.

(٤) شرح معنى حديث نبوى عن فضل ترك الجدال.

٣٤

لقد خلق الله سبحانه آدم عليه‌السلام بيديه وليس بالأمر كن ، وهو دليل العناية من الله بهذا المخلوق الذى أسجد له ملائكته .. ، وجعل فطرته السليمة تهتدى إلى الخير قبل أن يشرع له ، ولنا مثل فى عمر بن الخطاب رضى الله عنه حيث كان ينزل القرآن وفق ما يتمنى .. ، إنه ميثاق الذر" أ لست بربكم .." ، إن لله تعالى حكمه فى كل شىء .. ، لقد نزل القرآن منجما تثبيتا لقلب النبى والصحابة .. ، ولكى يكون مناسبا مع الموقف وزمنه .. ، ومراعاة لعقول الناس حتى يسهل الاستيعاب .. ، وليكون نظاما لتلقى العلم حيث يراعى مستوى الطالب الذهنى فيعطى على قدر طاقته وكذلك لتيسير جمعه وسهولة حفظه .. ، فعلينا بطلب العلم فهو مؤنس الوحشة والصاحب فى الغربة .. ، وهو السلاح على الأعداء .. ، به يعرف الحلال والحرام وبه توصل الأرحام .. ، وبه يوجد الله ويعبد ، وهو ميراث النبوة وبه يبلغ صاحبه مرافقة الأبرار والدرجات العلى فى الآخرة .. ، والعلم يضئ القلب ويحلو كلما كررته حيث تتضح المعانى الغائبة بالتأمل ، لذلك كلما طلبت العلم حصلت على الكثير من عطائه بفضل الله ...

ولله قوم بحفظ الدين قد قاموا ، وبالعلوم ونشر الفضل قد هاموا .. ، يقول شجاع بن الوليد ، صحبت سفيان الثورى ذات يوم فما فتر لسانه عن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ذهابا وإيابا .. ، (١) لقد أفلح من دعا إلى الله وتحدث بنعمه خلق سبحانه اللسان والشفتين ولو لا ذلك لما تحدث الإنسان أو نطق بالحروف .. ، ولو لا الأذن ما سمع الإنسان وما عرف أسماء الأشياء ، حيث ينطق الإنسان بما يسمع فسبحان الذى خلق ما ينفع .. ، وأمر بما فيه الخير .. ، حين خالف الصحابة أوامر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأرادوا الدنيا وجمع الغنائم كان تمكن الأعداء منهم ، وكسرت رباعية النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأشيع أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد قتل .. ، فالمخالفة معناها الذل والهلاك .. ، إن كل هذه النتائج كانت لخطأ أو مخالفة واحدة ، فما بالنا بمن يخالف كتاب الله وسنة النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى نواحى متعددة .. ، إنها النتيجة الحتمية .. ، تداعى الأمم علينا من كل صوب

__________________

(١) أنظر كتاب ـ علو الهمة ـ باب علو الهمة فى الدعوة إلى الله ـ وشجاع بن الوليد عاصر سفيان الثورى ونقل عنه بعض المواقف.

٣٥

لتدمير عدة المسلمين وهويتهم ومبادئهم .. ، وفى حنين حين أعجب المسلمين بكثرتهم أو شكت الهزيمة أن تحل بهم لو لا رحمة الله .. ، فليحذر الإنسان أن ينسى ربه ولو لحظة ، ربما كانت هى الخاتمة ، والأعمال بالخواتيم .. ، حين تكبّر فرعون ، كان هلاكه بسبب هذا الكبر .. ، وحين بخل أصحاب البستان على الفقراء ، أصبحوا وقد حرق بأمر الله .. ، وهلك قوم لوط وقوم صالح ، وقوم هود وثمود لأنهم خالفوا أوامر الله وعصوا الرسل وأصروا على فسادهم .. ، حين أوصى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعدم الصخب والشجار فى رمضان كان التفسير العلمى هو إفراز هرمون الإدرنالين بكثرة ، وهو يضيق الأوعية الدموية الطرفية ويعمل على اتساع الشرايين التاجيّة فتزداد عدد ضربات القلب ويرتفع نسبة الكولسترول فى الدم مما يسبب تصلب الشرايين (١) .. ، وكانت وصيته صلى‌الله‌عليه‌وسلم للصائم بأن لا يرفث ولا يصخب وإن سابه أو قاتله أحد فليقل إنى صائم (٢) .. ، ولقد أخبرنا صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن فى رمضان يزاد رزق المؤمن وبالفعل نجد ذلك فى رمضان .. ، إنها رسالة المعجزات .. ، ويكفى إعجاز القرآن الكريم أنه إذا قرئ بتدبر ومعرفة عبر القلوب ، لذلك فهناك مثلا خمسة عشر أوكرانيا أعلنوا إسلامهم حين استمعوا إلى الشيخ الخشت لخضوعه وجمال صوته .. ، إن من نذر نفسه لله وفقه الله لكل خير ، إن الحجر يلين له وربما تفجر بين يديه الماء .. ، لقد أخرج الله تعالى لصالح عليه‌السلام الناقة دما ولحما تدر لبنا من الصخرة الصماء .. ، ولقد أمر صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعدم النفخ فى الإناء لأنه وسيلة لنقل العدوى حيث هناك البكتريا بالفم والتى تخرج مع النفخ أو النفس فى الإناء .. ، وأخبرنا صلى‌الله‌عليه‌وسلم" بأن قيعان البحر مسجرة بالنيران" (٣) وهى بالفعل كذلك وأخبرنا صلى‌الله‌عليه‌وسلم بأن فى الصوم صحة للإنسان ، ولقد أثبت العلم الحديث أنه يقى من أخطار السموم ويهدئ الغريزة الجنسية ، وهو يساهم فى عدم تكوين حصيات الكلية وإذابة بعض الأملاح ويساهم فى علاج مرض السكر وضغط الدم ويقى جهاز

__________________

(١) أشاره عن الإعجاز القرآنى ـ مجلة منار الإسلام ـ عدد خاص عن شهر رمضان.

(٢) شرح لمعنى حديث رواه البخارى" .. فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب .." الترغيب والترهيب ـ الجزء الثانى رفث

(٣) من حديث قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم" لا يركب البحر إلا حاج أو معتمر أو غاز فى سبيل الله فإن تحت البحر نارا وتحت النار بحرا" أخرجه أبو داود فى سنته ٢٤٨٩ ـ سنن أبى داود ـ كتاب الجهاد والبيهقى ـ الجزء الرابع ص ٤٤٣.

٣٦

المناعة حيث تزداد الأجسام المضادة فى الجسم وتنشط الردود المناعية نتيجة لزيادة البروتين الدهنى منخفض الكثافة .. ، إنه الدين الحق والخير .. ، لقد أعد الله تعالى لأهل الجنة الكثير من الخير ، ومنه نظرة سبحانه إليهم وأنه لا تعلم نفس ما أخفى لهم من قرة أعين .. ، ورضوان الله تعالى عليهم أكبر حيث يديم عليهم هذا النعيم .. ، ويكفى أن الله تعالى" يتولى الصالحين" .. ، يوصينا صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يكون زادنا من الدنيا كزاد الراكب .. ، ولا بد أن ندرك أن الصدقة برهان الإيمان ، وأن صلة الرحم تجعل الله تعالى يتقبل العمل ويبسط الرزق ، ويبارك فى العمر .. ، وعلينا أن ندرك أننا فى اختبار وأن علينا واجبات كالعمل والدعوة إلى الله ، والتربية الصالحة ونصرة المسلمين وإطعام الفقير وغير ذلك ، وهناك الأعداء فى الخارج حيث يتربصون لتنصير المسلمين ووقف الإغاثة فى المحن الاقتصادية ، والمناداة بتحرير المرأة ومساواتها بالرجل ونشر الفرق المختلفة والسيطرة على الإعلام .. ، وهناك إبليس حيث ترتفع حوادث قتل الأبناء .. ، وقتل الآباء .. ، والزنا .. ، والمقاهى والفساد حتى فى ليل رمضان وربما نهاره رغم أن مردة الشياطين تسلسل .. ، فعلينا أن نتخذه عدوا .. ، ونأخذ الكتاب بقوة .. ، ونحمد الله أن ربنا الله .. ، جعلنا مسلمين وهدانا للإيمان والعلم واليقين بأعلى معرفة وأصدق حديث ...

لقد قام الإسلام على أسس الخير كلها فهو يقوم على أساس التحرر الوجدانى من كل استعباد وخضوع فلا خوف ولا خضوع إلا لله .. ، وهو يقوم على أساس المساواة فلا فرق بين عربى ولا أعجمى إلا بالتقوى .. ، ويقوم على أساس التكافل بكل صورة" والله فى عون العبد ما دام العبد فى عون أخيه" (١) ، فرعاية الوالدين والزوجة والأولاد ومساعدة المحتاجين كلها من صور التكافل التى أمر الله تعالى بها وجعل عقوبة المقصر فيها من أشد العقوبات" فلا يدخل الجنة قاطع رحم." (٢) .. ، ولا يدخل الجنة عاق لوالديه (٣) .. ،

__________________

(١) سبق تخريجه.

(٢) من شرح حديث ـ عن جابر رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم" ريح الجنة يوجد من مسيرة ألف عام والله لا يجدها عاق ولا قاطع رحم" رواه الطبرانى ـ الترغيب والترهيب ـ الجزء الرابع ص ٤٩٤.

(٣) يشير إلى ذلك معنى الحديث السابق.

٣٧

وأخبر النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم كما أشرنا سابقا أنه لا يؤمن من بات شبعان وجاره جائع وهو يعلم .. (١) ، فعلى المسلم أن يعيش كأنه يسير على الصراط ، حيث لا بد من المرور عليه ومن أسفلنا النار تغلى ويسمع شهيقها ، فهل تتيقن يا من كنت مقصرا فى الصلاة أن تعبر الصراط كالبرق وهو أرق من الشعرة واحد من السيف .. ، وهل تتيقن يا من كنت تصلى فرضا وتترك الآخر أن تمر كالبرق دون أن تقع فى النار .. ، وهل تثق يا مدخن .. ، يا من تقبل النار وتبتلع دخانها منذ سنين أن تمر كالبرق ولا تقع فيها .. ، إنها محنة لو تصورها كل إنسان لما ضحك أبدا .. ، يقول صلى‌الله‌عليه‌وسلم "لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا .." ، ولو سمع الناس عذاب القبر لصعقوا وما تدافنوا ، يقول النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم "لو لا أن لا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم عذاب القبر .." (٢) لقد زلزل الذين من قبلنا حتى قالوا متى نصر الله .. ، ولقد اجتهد النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى الدعاء فى غزوة بدر حتى سقط رداءه من فوق كتفيه .. ، والله ينصر المظلوم لذلك لا بد أن يكشف صاحب الجريمة ولو بعد حين .. ، والله إذا أحب قوما ابتلاهم فمن رضى فله الرضا والبركة ومن سخط فله السخط .. (٣) ، إن تارك الصلاة يضرب فى قبره فيصرخ صرخة يسمعها كل شىء إلا الثقلين وهم الإنس والجن (٤) لذلك نفرت دابة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين مر بها على قبر أحد المشركين .. ، وكل إنسان يحمل ذنوبا لا يعلمها إلا الله ، يقول صلى‌الله‌عليه‌وسلم لو تكاشفتم ما تدافنتم .. ، فعلينا بالتوبة والرفق بكل شىء .. ، ولين الكلام .. ، وإطعام الطعام .. ، وقيام الليل .. ، حتى تضاء قبورنا ، وحتى نعبر الصراط كالبرق .. ، وعلينا أن ندرك أن هناك ثلاث محن لا يذكر أحدنا أهله عندها كما أخبر صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهى عند عبور الصراط وعند تطاير الصحف .. ، وعند الميزان .. ، فما يجعلك تعبر الصراط دون عناء ، صلاة الجماعة ، فمن صلى الصلوات الخمس فى جماعة جاز على الصراط كالبرق اللامع وجاء يوم القيامة وجهه كالقمر ليلة البدر ، وكذلك صلة الرحم ،

__________________

(١) سبق تخريجه.

(٢) رواه مسلم ـ الترغيب والترهيب ـ الجزء الرابع ـ دار الريان.

(٣) الرضا عن الله ـ للحافظ بن أبى الدنيا ـ وفى الحديث الصحيح" إن الله عزوجل يبتلى عبده فيما اعطاه ـ. فمن رضى بما قسم الله له بارك الله له فيه ووسعه ، ومن لم يرضى لم يبارك له فيه اسناده صحح ـ اخرجه أحمد (٥ / ٢٤).

(٤) فى عصرنا ظهرت آية ، فحين أخرجوا شابا من قبره خلال يوم دفنه ـ لاحظ الناس بياض شعره ، وآثار التعذيب حيث كان لا يصلى .. ، وهناك من يضيق قبره فلا يتمكن الناس من إدخاله .. ، وهناك قصة الرجل الذى تنصر وكذب على النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فلفظه القبر ، فعلينا أن نعتبر من الآيات .. ،

٣٨

وتسهيل أمور المسلمين والرحمة بالخلق .. ، ولكى تأخذ كتابك بيمينك لا بد من التواضع وعدم الكبر ، والإخلاص فى سائر العبادات والخشوع فيها ومراقبة الله فى كل شىء ولكى يثقل ميزانك عليك بالصدقة .. ، فالعبد يتصدق بالدرهم فيلقى الله وهو مثل الجبل .. ، ويخبرنا صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن أثقل شىء فى ميزان العبد يوم القيامة الصمت وحسن الخلق .." (١) .. وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان فى الميزان حبيبتان إلى الرحمن" سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم .. ، " (٢) كذلك فإن قراءة القرآن كل حرف بعشر حسنات والصفحة الواحدة يفوز قارئها بما يقرب من خمسة آلاف حسنة تثقل ميزانك يوم القيامة ، فلا يمر يوم عليك دون أن تقرأ جزء أو نصف جزء أو ما تيسر من القرآن .. ، داوم على ذكر الله واجعل لسانك دائما رطبا بذكره سبحانه ليظل عداد حسناتك يعمل ليل نهار حتى لا تغلبك السيئات التى يحاربك بها الشيطان .. ، ولا تنس غض البصر والإعراض عن اللغو والغيبة حتى لا تضيع كل ما تعمل وتصبح مفلسا يوم القيامة رغم فعلك كل الخيرات السابقة .. ، وكن أخى المسلم من الصالحين ، فإن الله تعالى يصلح بالرجل الصالح ولده وولد ولده ودويرات حوله ولا يزالون فى حفظ الله ما زال فيهم ، واعلم أن الهدى رغم كل ذلك من الله .. ، واعلم أن ما يزيد إيمانك طهارة القلب فلا يكن فى قلبك مرض يضعفك أمام الشهوات ، ولا تشغل فكرك وقلبك إلا بذكر الله تعالى وما سمح به .. ، إن ذرة من أعمال القلوب تعدل جبالا من أعمال الجوارح .. ، واحذر خلف الوعد فإنها من خصال المنافقين (٣) .. ، وأد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك .. ، ولا تتبع عورات الناس حتى لا يفضحك الله ولو كنت فى جوف بيتك .. ، وما يزيد الإيمان أيضا الانشغال بالله وذكره ، وقراءة القرآن ، والمداومة على الطاعات ، ولقد كانت أعمال النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ديمة أى مداومة على الطاعات ، كما أخبرت السيدة عائشة .. ، كذلك مجالسة الصالحين وغض الطرف عن

__________________

(١) شرح معنى حديث قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم" يا أبا ذر أ لا أدلك على خصلتين هما خفيفتان على الظهر وأثقل فى الميزان من غيرهما؟ قال بلى يا رسول الله قال عليك بحسن الخلق وطول الصمت" جزء من حديث رواه ابن أبى الدنيا ـ الترغيب والترهيب ـ الجزء الثالث

(٢) أخرجه البخارى ـ صحيح الدعاء المستجاب ص ١٥.

(٣) قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم" آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف. وإذا اؤتمن خان .. ، متفق عليه ـ رياض الصالحين.

٣٩

الحرام ، والإخلاص فى العمل ، " فمن أمسى كالا من عمل يده أمسى مغفورا له" ولقد أخبر صلى‌الله‌عليه‌وسلم" أنه ما من عمل أنجى من عذاب الله من ذكر الله ، قالوا ولا الجهاد فى سبيل الله ، قال ولا الجهاد إلا أن يضرب بسيفه حتى ينقطع ثلاث مرات" .. وفى الحديث القدسى عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن جبريل عليه‌السلام أنه قال سمعت رب العزة يقول : " لا إله إلا الله حصنى ومن دخل حصنى أمن من عذابى" (١) .. ، ولو لا أن الشياطين تجوب حول بن آدم لرأى ملكوت السماوات فعلينا بالمداومة على ذكر الله ، والاستعاذة من الشيطان ، وتذكر الموت وأن الأعمال بالخواتيم. فمن ختم له بلا إله إلا الله مخلصا بها دخل الجنة .. ، وعلينا بالحركة فى الخير ، كالسمع والطاعة والجهاد والهجرة ولزوم الجماعة والدعوة إلى الله .. ، والنتيجة بركة فى العمر والمال والعلم والصحة كلها من رزق الله .. ، وعلينا بإمساك اللسان" فلا يكبّ الناس على مناخيرهم فى النار إلا حصائد ألسنتهم .. (٢) " وعلينا بلزوم الطاعة فالله تعالى لم يجمع الأمة على ضلالة ، ومن فارق الجماعة قيد شبر ، فقد خلع ربقة الإسلام .. ، ولنحذر من ثلاثة أشياء تمنع النطق بالشهادة قطع الرحم ، وعقوق الوالدين ، والإصرار على الكبيرة .. ، فيجب عليك أن تقسم رحمك إلى أقارب للأب وأقارب للأم وتقوم بزيارة الجميع بعد كتابة أسمائهم جميعا وتكرر الأمر حتى يبسط الله لك فى رزقك ويبارك فى عمرك .. ، كذلك فإن صلة الرحم يتوقف عليها قبول أعمال العباد .. ، فلا يدخل الجنة قاطع رحم أو نمام أو عاق لوالديه .. ، وينصح النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم عشيرته بالعمل وأنه لا يملك لهم شيئا بقوله" غير أن لكم رحما سأبلها ببلالها" (٣) .. ، وهى كناية عن أن الصلة تشبه سقى الماء للزرع .. ، ومن وصل الرحم وصلة الله ومن قطعها قطعه الله أى لا يتقبل منه عمل أو صيام أو صلاة أو غير ذلك من سائر العبادات .. ، فالحمد لله أن ربنا لا يأمر إلا بالخير .. ، والحمد لله أن ربنا الله .. ، والحمد لله على نعمة الإسلام .. ، ونسأل الله أن لا يجعل الدنيا هى غاية همنا حتى لا يفرق شملنا .. ، وأن يجعل الآخرة هى غاية همنا حتى يجمع شملنا ، ويجعل الغنى فى قلوبنا ، وتأتينا الدنيا وهى راغمة ...

__________________

(١) أنظر صحيح صحيح الأحاديث القدسية ـ مصطفى العدوى ـ عن فضل الذكر.

(٢) شرح حديث رواه الطبرانى وفيه قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم" ثكلتك أمك وهل يكب الناس على مناخيرهم فى النار إلا حصائد ألسنتهم" الترغيب والترهيب ـ الجزء الثالث ـ ص ٥٢٥ ـ دار الريان للتراث.

(٣) من حديث رواه مسلم ـ رياض الصالحين ص ١١٩.

٤٠