إعجاز القرآن العلمي والبلاغي والحسابي

محمّد حسن قنديل

إعجاز القرآن العلمي والبلاغي والحسابي

المؤلف:

محمّد حسن قنديل


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار ابن خلدون
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٠٢

ولقد وجد العلماء أن الطير صافات أجنحتها كما أشار القرآن الكريم ويقبضن من حين إلى آخر ، فسبحان من يمسكها ، جين تقبض أجنحتها ولقد كان نبى الله سليمان عليه‌السلام يعرف لغة الطير والنمل بفضل الله ... ، واكتشف العلماء فى عصرنا أن للطير لغات معروفة وكذلك النمل وغيره من الكائنات فهى أمم أمثالنا ... ، فالنمل له سوق يجتمع فيه فى أوقات معينة يتبادل السلع ويتعارف على غيره ، وهذه الجماعات حين تلتقى تتجاذب أطراف الحديث باهتمام بالغ ، وهو يقيم الطرق الطويلة بأناة ومثابرة ، وهو يقضم الجذور عند التخزين ويفلق الحب حتى لا ينبت ، وإذا ابتل الحب تقوم جماعات النمل بإخراجه لتجفيفه ... ، والنمل له لغة كيميائية للتعرف على مكان الطعام ... ، وحركية عن طريق قرون الاستشعار وحركة الأرجل والملامسة ، ولغة صوتية عبارة عن ذبذبات صوتية كالصرير يفهمها النمل ... ، وهو يخزن ويزرع ويحفظ طعامه من الميكروبات عن طريق إفراز العديد من المضادات الحيوية (١) ... ، ولقد أكدت الدراسات المتخصصة أن النمل كغيره من المخلوقات له من الغرائز الفطرية ما يعطيه قدرا من الذكاء والوعى والإدراك والشعور الذى يمكنه من معرفة الأشياء والأماكن ، والاتجاهات والأوقات والأشخاص ، ويعينه على التمييز بين الحق والباطل ، وعلى توقى المخاطر وتجنبها ، والإقدام على المغانم واقتناص فرصتها ، وفى ترتيب وتنظيم حياته الاجتماعية (٢) ... ، ويشير القرآن الكريم إلى تلك الحقائق ، وأن للنمل لغته وشعوره بالأخطار من حوله ، وأن له وسيلة للإدراك والشعور بمن حوله ، وذلك فى قوله تعالى (حَتَّى إِذا أَتَوْا عَلى وادِ النَّمْلِ قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) (٣) ... ، فالحمد لله أن خالقنا يرينا آياته فنعرفها ... ، وبذلك وجب علينا أن نعود إلى الله ونطبق منهج شريعته فى كل شىء ... ، إن إبليس يعرف أن له ربا خالقا حيث قال (رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى

__________________

(١) الله والعلم الحديث ـ عبد الرازق نوفل.

(٢) نفس المرجع السابق.

(٣) سورة النمل الآية ١٨.

١٢١

يَوْمِ يُبْعَثُونَ) (١) وقال (خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) (٢) ... ، هو يعترف أن له رب وأنه خلقه ... ، ولكن هلاكه كان فى عصيانه لربه ... ، فنحن قد أدركنا من خلال الإعجاز العلمى وتلك الأدلة السابقة التى ستصبح حجة علينا يوم القيامة أن الله هو ربنا وهو خالقنا ، وهو الرازق المجيب العليم والمحيط بكل شىء ... ، والواجب علينا الآن أن نقيم شرع الله ومنهجه بالخشوع فى الصلاة ، والتواضع لله ، والرفق بالمساكين ، والتراحم فيما بيننا ، ورعاية الجار ، والوفاء بالوعد ، وصلة الرحم ، وغض البصر وقيام الليل ، وتلاوة القرآن وتدبر معانيه وتطبيق أوامر الله وإتباع سنة النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وطلب العلم ، وعدم البخل على أهلك أو إخوانك بثمن الكتاب أو الشريط ، فلقد كان لها دورا كبيرا فى تنبيه الغافلين وعودتهم إلى الطريق ، فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ... ، وإن هدى الله على يديك فردا واحدا كان خيرا لك من الدنيا وما فيها ... ، ونلخص فى النهاية ثلاثة فروع تأخذ بنا إلى طريق النجاة ... ، الأول : مراقبة ويقين ثابت من خلال معرفة الأدلة والإعجاز ... ، والثانى : عبادة فيها الخشوع ، وتحرى الحلال ، والرضا بالقليل ... ، والثالث : معاملة الخلق كما أمر الله ، باللين والعفو والرحمة وحسن الخلق ، وهو ما تحبه لنفسك ليكمل إيمانك مع التوحيد الخالص ... ، فلو اجتمعت تلك الصفات دون التوحيد والإخلاص فى العبودية ما نفعت صاحبها يقول سبحانه (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ).

فيجب أن يكون الله ورسوله أحب إلينا مما سواهما ... ، وإلا فلنتربص حتى يأتى الله بأمره ... ، فاللهم الطف بنا فيما جرت به المقادير وأجعل حبك فى قلوبنا وحب رسولك فوق كل شىء ....

__________________

(١) سورة ص الآية ٧٩.

(٢) سورة ص الآية ٧٦.

١٢٢

٢٣ ـ تذكرة وحقائق عن العنكبوت ـ دابة الأرض ـ الغراب

الحمد لله والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين ... ، رسولنا محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وعلى آله وصحبه أجمعين ... ، وبعد ... فإن المؤمن يجب أن يدرك أن عليه مسئوليات كثيرة طالما عرف ربه واستقر الإيمان فى قلبه ، فهناك سكرات الموت وضمة القبر ... ، وحيث لا يطيق الإنسان الألم ... ، فى الدنيا هناك فى الآخرة النار ... ، والزمهرير ... ، والزقوم ... ، والمهل ... ، والحميم ... ، وهناك الجنة لمن أطاع واستقام فيها الفواكه والقصور ... ، والحور ... ، وفيها الأجمل من كل ذلك وهو رضوان الله والنظر إلى وجهه الكريم ... ، إن المعصية هى حرمان من رحمة الله ورزقه ولعنة من الله والناس فى الدنيا ، والآخرة ... ، " إن العبد يحرم الرزق بالذنب يصيبه" ... ، إن المؤمن يجب أن يؤمن بالله ، وملائكته ، وكتبه ، ورسله واليوم الآخر ، والقدر خيره وشره والإيمان بالله يعصمك من المعاصى ، فلا يزنى الزانى حين يزنى وهو مؤمن ... ، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ... ، وأما الإيمان بالملائكة وهم اللذين لا يفترون عن عبادته ، منهم حملة العرش ... ، ومنهم من يلتمسون حلق الذكر ... ، ومنهم الحفظة ... ، ومنهم جنود الحرب يثبتون المؤمنين ويجاهدون معهم ... ، ومنهم الراكعون دائما والساجدون دائما لا يفترون ولا يملون ... ، ورغم ذلك شعارهم ما عبدناك حق عبادتك ... ، ومنهم خزنة الجنة والنار ... ، وأما الإيمان بالكتب فهى الكتب المنزلة على الأنبياء من قبلنا ، ولقد حرف الناس الكثير منها ، ولم يحفظ إلا القرآن الكريم حيث قال تعالى (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) ... ، إن سور القرآن الكريم بعدد معين ، وكل آية مرقمة ، ويحتوى الإعجاز فى معناه وبلاغته ، حيث يحتوى كل علوم الكون ، وهو رحمة من الله للبشرية كلها ، ودستورها به الإعجاز العلمى والبلاغى والرياضى ، والنفسى والتشريعى ... ، وغير ذلك من ألوان الإعجاز فى كل زمان ... ، وأما الإيمان بالرسل ، فهم رسل الله ، قص الله علينا منهم ، ولم يقصص الكثير ... ، لقد صبروا كثيرا ، فالأنبياء أشد بلاء ثم الأمثل فالأمثل صبر نوح عليه‌السلام كثيرا وظل يدعو قومه بلا ملل ألف سنة إلا خمسين وما

١٢٣

آمن معه إلا القليل ... ، وكان الرجل منهم يوصى أبناءه قبل موته ألا يتبع دعوته ... ، وإبراهيم عليه‌السلام جاهد قومه وكان أمة وحده ، وألقى فى النار فكانت بأمر الله بردا وسلاما عليه ... ، وموسى عليه‌السلام رأى الكثير من اليهود ... ، لقد عبدوا العجل بعد أن عبر بهم البحر ورأوا آية الله ... ، ولقد طلبوا أن يروا الله جهرة ... ، لقد أخرجوه عن شعوره ... ، ألقى الألواح ... ، ورغم قوته أخذ برأس أخيه يجره ... ، لقد جاهد فى سبيل الدعوة إلى الله ... ، ونبينا محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم الذى لاقى الكثير من المشركين وهاجر أصحابه إلى الحبشة وهاجر إلى الطائف ... ، ومن مكة إلى المدينة ، ولم يتراجع عن دعوته وقال والله لو وضعوا الشمس عن يمينى والقمر عن يسارى على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه ... ، وأما الإيمان باليوم الآخر ... ، وهو اليوم العصيب الذى تدنو فيه الشمس من الرءوس ... ، إنه يوم القارعة التى تقرع الآذان ... ، ويوم الزلزلة حيث تزلزل الأرض بما عليها ... ، ويوم الساعة حيث لا بد من حضورها لأن الزمن يمر ولا يتوقف ... ، كان أحد الصالحين يسمع لفظ الساعة فيبكى كثيرا ويتذكر ما فى الساعة من أهوال ... ، إنه يوم يجعل الولدان شيبا يوم يغضب فيه الله تعالى غضبا لم يغضب مثله وهو الحليم الصبور على عبادة وخلقه ، اللذين أشركوا به وعصوه كثيرا ... ، حيث أفسدوا وسفكوا الدماء ... ، وحيث خالفوا تشريع الرحمة فأعرضوا وقتلوا الأنبياء ... ، إن أصحاب الرس فى اليمن أزاحوا غطاء بئر الماء ووضعوا نبيهم ثم أعادوا الغطاء كما كان ... ، وقوم صالح اللذين قتلوا ناقة الله كانوا يشربون من لبنها ... ، هناك من أكلوا الربا ... ، واستحلوا الرشوة ، والحرام ، وأكلوا الميراث ... ، وفتنوا بالشهوات كالنساء ، والمال والبنون ، والطعام ، والشراب ، والإعجاب بالنفس ، فأضاعوا أيمانهم ... ، إنه يوم الحشر ، حيث الزحام الشديد ... ، وهو يوم الجمع حيث يجمع الناس من كل مكان فى الأرض ، إلى أرض المحشر تسوقهم النار الحاشرة ، تبيت معهم حيث باتوا وتقيل معهم حيث قالوا ... ، إنه يوم التغابن حيث يأخذ المؤمن ميراث الكافر ، فكل إنسان خلق الله مكانه فى الجنة أو النار ... ، إنه يوم الفتح حيث تفتح أبواب الجنة أو النار ... ، وهو يوم الحسرة

١٢٤

حيث يتحسر الكافر على ما قدم ... ، ويتحسر المؤمن لما لم يزداد من الخير ... ، وهو يوم تذهل فيه كل مرضعة عما ارضعت وتضع كل ذات حمل حملها (وَتَرَى النَّاسَ سُكارى وَما هُمْ بِسُكارى ، وَلكِنَّ عَذابَ اللهِ شَدِيدٌ) (١) ... ، إنه يوم البعث ، فيبعث كل إنسان على ما مات عليه فاحذر أن تموت على معصية ... ، تنظر إلى الحرام ... ، أو تدخن ... ، أو ترتشى ... ، أو تنهر أهلك وأولادك بقسوة وبلا رحمة ... ، " إذا غضب حامل القرآن يقول له القرآن" أما تستحى أنا معك وأنت تغضب؟ اقتد بى تنجو واكرمنى بالطاعة أنجيك من الأهوال ، وأجوزك على الصراط وأدخلك الجنة" (٢) ... ، ولقد كان صلى‌الله‌عليه‌وسلم لا يغضب ولا يستفذ إلا إذا انتهكت حرمات الله ... ، إنه يوم عصيب ترى الناس فيه يوزعون ، أى يدفع بعضهم بعضا حيث تلاحقهم النار الحاشرة ... ، تدنو الشمس من الرءوس ... ، ويلجم العرق الناس إلجاما ... ، تغلى الرءوس من قرب الشمس حتى يتمنى الناس أن ينصرفوا ولو إلى النار ... ، يقتص الله تعالى فى هذا اليوم من كل ظالم ... ، حتى يقتص للشاة الجماء من القرناء ... ، فلا يحزن من ظلم ... ، يقال للمظلوم تكلم ... ، والظالم لا تتكلم ... ، (هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ) (٣) (يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَالْأَقْدامِ) (٤) ... ، هناك من يسحبون على وجوههم فى النار ... ، وترى كل أمة جاثية حيث لا تحملهم أقدامهم حين يرون النار (وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ) (٥) ... ، لها سبعون ألف زمام تجرها الملائكة ... ، وهى ترمى بشرر كالقصر ... ، إنهم يخفون وجوههم بأيديهم من هول ما يرون (وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍ) (٦) ... ، إنه التصوير القرآنى الذى يجب أن يعيشه القارئ والمتدبر لمعانى القرآن الكريم فكل كلمة وضعت فى مكان لا يمكن أن تبدل بغيرها

__________________

(١) سورة الحج الآية ٢.

(٢) ذكر الحديث فى كتاب بستان الواعظين ورياض السامعين لأبى الفرج بن الجوزي تحقيق ـ مجدى محمد الشهاوى ص ٧٤.

(٣) سورة المرسلات الآية ٣٥.

(٤) سورة الرحمن الآية ٤١.

(٥) سورة الفجر الآية ٢٣.

(٦) سورة الشورى الآية ٤٥.

١٢٥

وتؤدى نفس المعنى الذى يريده سبحانه ، ويعرف ذلك من تدبر القرآن وعلم من معانيه بإذن ربه ... ، إن أهوال يوم القيامة لو تفكر فيها الخلق لبكوا كثيرا واستيقظوا من غفلتهم ... ، هناك من الأغلال فى أعناقهم والسلاسل يسحبون إلى النار ... ، وهناك من يلجم بلجام النار وهو من كتم العلم وابتغى به الدنيا ... ، هناك من يسقى الحميم ، أو يصب فوق رأسه ، ومن يضربون بمقامع الحديد كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها ... ، هناك من يحمل شاة غلها لها تغاء ... ، أو جملا له رغاء ... ، أو بقرة تيعر ... ، أو يحمل ذهبا أو فضة ... ، وهؤلاء من غلوا فى الدنيا وسرقوا ... ، أخبر صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن امرأة دخلت النار فى مخيط ، وحين تعجب الصحابة قال والمخياط ... ، أى الإبرة وخيطها لا بد من تسليمهما لمن أخذتهما منه ... ، هناك من دخل النار فى قيد دابة أخذه من صاحبه ولم يرده ... ، فلا بد من تذكر الصراط واليوم الآخر ... ، وبئر الأمانات ... ، إن الجار يتعلق بجاره لأنه لم ينصحه فيهوى الاثنان فى النار ... ، ولو نصحه وأمره بالمعروف ونهاه عن المنكر جاز على الصراط قبل العباد بخمسمائة عام ... ، والأمانة تمثل لمضيعها فى قعر جهنم حتى يأتى بها وهى أثقل من الجبال ثم إذا وصل إلى أعلى جهنم وقعت من فوق كتفيه إلى قعر جهنم ، وهكذا إلى ما شاء الله .. ، وعاق والديه لا ينظر الله تعالى إليه يوم القيامة ولو جاء بعمل ألف صديق وكان مصيره النار (١) ... ، يقول صلى‌الله‌عليه‌وسلم" ريح الجنة يوجد من مسيرة ألف عام والله لا يجدها عاق ولا قاطع رحم" ... ، وما من عبد مسلم أو أمة ضحك فى وجه والديه أو أحدهما إلا غفر له ما كان منه من الذنوب والخطايا ، وكان مصيره إلى الجنة" (٢) ... ، إن الكاذب فى أول قدم يضعها على الصراط يهوى فى النار ... ، كذلك يهوى قاطع الرحم ... ، وينجو أصحاب الصدقات وقوام الليل ، والعلماء العاملون يقدمونهم ، وينجو من استقام على حب الله ورسوله ، وأدى الفرائض وأحب مجالس العلم وصحبة العلماء ... ، إن الصراط طوله خمسمائة عام ... ، وقيل طوله ستة وثلاثون ألف سنة من

__________________

(١) رواه الطبرانى ـ الترغيب والترهيب ـ الجزء الرابع ص ٤٩٤.

(٢) بستان الواعظين ورياض السامعين.

١٢٦

سنين الدنيا ... ، أرق من الشعرة واحد من السيف ، وأحر من الجمر عليه كلاليب ، بكل كلوب عدد من زبانية جهنم لو أن واحدا منهم أذن الله أن يتنفس فى الدنيا لأحرقها بإنسها وجنها وجميع ما ذرأ الله فيها ... ، ولأذاب جبالها وجفف بحارها ، والصراط أسود مظلم من شدة سواد جهنم ، فلا يجوزه إلا من كان له نور (يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ) (١) ... ، فاحذروا الأهوال الصعبة يا من ضيعتم العمر فى المعاصى والخلاف ، والجفاء ، لأن الصراط لا يجوزه آثم ولا ينجو منه ظالم ... ، يخبرنا صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن من قال لا إله إلا الله مخلصا رجح ميزانه ونجا من النار ودخل الجنة فقيل يا رسول الله وما إخلاصها فقال" ان تزحزحكم عما حرم الله عليكم" ... ، كذلك فإن الصدقة الطيبة التى لا يراد بها إلا وجه الله ولا يراد بها جزاء من مخلوق ولا محمدة ولا شكر ولا رياء ولا سمعة ، فإن تلك الصدقة ترجح فى ميزان العبد على جميع سيئاته ... ، ولحظة الميزان ينخلع منها فؤاد العبد وهو ينظر أ يثقل ميزانه فيسعد أم يخف فيشقى ويلقى من العذاب أمرا عظيما ... ، إن الذرة والخردلة من أعمال العباد من الخير أو الشر لتوضع فى الكفة فتميل بقدرة الله تعالى وسبحانه أعلم بحقيقة ذلك فلا يحقرن أحدكم حسنة يعملها فربما خف الميزان بها ... ، إن الذنب الصغير فى عين محتقرة يأتى يوم القيامة وهو فى الميزان أعظم من الجبال الرواسى ... ، ولو عمل العبد أعمالا صالحة كالجبال لا يتقبل الله منها إلا ما كان خالصا لوجهه ... ، يقول صلى‌الله‌عليه‌وسلم لعائشة رضى الله عنها" يا عائشة لو قبل الله تعالى من العبد سجدة واحدة لأدخله بها الجنة ، فقالت يا رسول الله ، فما ذا يصنع بأعمال العبد؟ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم" يأكلها الرياء والسمعة كما تأكل النار الحطب" ... ، وهناك من يدخلون النار رغم صلاتهم وعبادتهم ، قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم" كانوا يصلون كما تصلون ، ويصومون كما تصومون ، ويزكون كما تزكون ، ويقومون الليل برهة ، ولكن كانوا إذا عرض لهم درهم حرام ... ، وثبوا عليه كالذئاب فأحبط الله أعمالهم بذلك ، ولم يتقبل

__________________

(١) سورة الحديد الآية ١٢.

١٢٧

منهم حسنة واحدة (١) ... ، فإذا عملتم عباد الله فأخلصوا النية لله وتجنبوا الحرام وإلا ضيعتم أعمالكم ... ، وقد ذكر فى بعض الأخبار أنه لا يجوز الصراط العبد والأمة إلا من بعد نشر الدواوين (٢) ، ووضع الموازين ، وقيل إن مقدار زمن الحشر ثلاثمائة سنة من سنين الدنيا لا خبر ينزل ولا خبر يصعد ، قد كثر الزحام فلا تسمع إلا همس أقدام الحيارى النادمون فيما فرطوا ولا ينفع الندم ، ويحشر الجبارون يوم القيامة على صور الذر لتجبرهم على العباد حيث صارت العزة للغنى الحميد ... ، هناك بئر فى النار يسمى الهبهب عليه صخرة من كبريت ، فى تلك البئر باب ، إذا رفعت تلك الصخرة استغاثت نيران جهنم من تلك النار ... ، ويؤتى بالمنافقين فيلقون فى تلك البئر ، فلا يخرجون منها أبدا يقول تعالى (إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً) (٣) ... ، لذلك فعليك بالطاعة ، وتغلب على الشهوات ، تمتلئ بالنور فالدنيا بشهواتها ، وزينتها لا تساوى عند الله جناح بعوضة فلما ذا تغتر وتنسى ... ، فلا يؤمن أحدنا حتى يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ... ، وتذكر وقفة الخلائق كل منهم ينظر إلى أعلى من شدة الزحام ولا يرتد إليه طرفه ، ولا يدرى من يقف بجواره أرجل أو امرأة؟ ولا يدرى الأخ بأخيه ، ولا الوالد بولده ، ولا الأم بابنها ، فعلينا بفعل الخير والاستغفار ... ، وإكرام الضيف ، قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم" يا عائشة لا تتكلفى للضيف فتمليه" (٤) ... ، وفى حديث أبى هريرة رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم" أيها الناس لا تكرهوا الضيف فإنه إذا نزل نزل برزقه ، وإذا رحل ، رحل بذنوب أهل المنزل" (٥) ... ، روى عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم" ما آمن بالله واليوم الآخر من بات شبعان وجاره جوعان ، أو بات ريان وجاره عطشان" ... ، إنه يوم عصيب ، يوم يقف إسرافيل عليه‌السلام على الصخرة ، وهى بيت المقدس وهى أقرب ما فى الأرض إلى

__________________

(١) أنظر بستان الواعظين ورياض السامعين ـ لأبى فرج بن الجوزى.

(٢) نفس المرجع السابق.

(٣) سورة النساء الآية ١٤٥.

(٤) رواه أبو عبد الله محمد ، الرافعى ـ بستان الواعظين ص ٥٨.

(٥) من حديث أبى هريرة ـ المرجع السابق ص ٥٨.

١٢٨

السماء يقول تعالى (وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ) (١) ... ، كذلك على المؤمن أن يؤمن بالقدر خيره وشره ويرضى بقضاء الله ... ، عليه أن يصبر على البلاء ، ويرضى بالقضاء ويشكر فى الرخاء ... ، وعليه أن يتوب ويستغفر دائما ، فالله يتوفى الأنفس حين موتها ، والتى لم تمت فى منامها ....

تزود من التقى فإنك لا تدرى إذا جن

ليل عليك هل تعيش إلى الفجر

يقول تعالى (اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرى إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) (٢) ... ، إن المؤمن نافع لنفسه ولمن حوله فى كل حال ، وإذا حل بمكان حلت فيه البركة ... ، لقد كثر الخير فى منزل حليمة السعدية رضى الله عنها حين نزل عندها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وحلت البركة فى المدينة المنورة حين هاجر إليها صلى‌الله‌عليه‌وسلم ... ، فسبحان الله القادر أحيا الطير لإبراهيم عليه‌السلام ... ، وأحيا الموتى بإذنه لعيسى عليه‌السلام ... ، وأحيا العزير ... ، وأهل الكهف ... ، وأخرج الناقة دما ولحما من الصخرة الصماء لصالح عليه‌السلام ... ، وأخرج من البيضة المغلقة الريش الأسود والجمجمة والأمعاء بقدرته كن فيكون ، من مادة تختلف تماما عن كل ذلك وهى المادة الصفراء والبيضاء ... ، كذلك النبات وهو بذرة صلبة ثم ينبت ويهتز أوراقا خضراء تسر الناظرين ... ، فسبحان من خلق كل شىء ... ، سبحانه فوقه كل شىء ... ، يقول صلى‌الله‌عليه‌وسلم" لا يؤمن أحدكم حتى يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما" (٣) ... ، فعليك بالصبر ، والرضا بحكم الله ، فمن استعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه ... ، وذلك ينم على الأنانية وعدم علو الهمة ... ، إن الدين الإسلامى زاخر بفروع العلم الكثيرة ، والكتب الإسلامية فى كل الفروع ... ، ويتميز الدين الإسلامى بذلك مما يثبت أنه الدين الحق فهناك القرآن العظيم ... ، وكتب التفسير ... ، والسنة النبوية ... ، وكتب الإعجاز العلمى فى القرآن والسنة ... ،

__________________

(١) سورة ق الآية ٤١.

(٢) سورة الزمر الآية ٤٢.

(٣) وفى رواية للبخارى" ثلاثة من كن فيه وجد حلاوة الإيمان وطعمه أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وأن يحب فى الله ويبغض فى الله ... ، البخارى ومسلم ـ الترغيب والترهيب ـ الجزء الرابع ص ١٥.

١٢٩

والإعجاز فى الحقائق والنبوءات التى أخبر عنها الله ورسوله ... ، والفقه ... ، والأخلاق والمعاملات ... ، والعبادات ... ، والسيرة ... ، والغزوات وحياة الصحابة .. ، والكرامات والخواتيم ... ، وكل فرع فيه آلاف الكتب والموضوعات المختلفة ... ، إنه الدين الحق ... ، والثراء فى كل النواحى ... ، فهو وحى الله المنزل لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ... ، فالحمد لله أن ربنا الله ، والحمد لله أنه جعلنا مسلمين ... ، والحمد لله أن يرزق من يتوكل عليه ومن يتقى ... ، خلقنا سبحانه للعبادة ، وتكفل بالرزق وأمر بالسعى والأخذ بالأسباب مع التوكل التام عليه سبحانه ... ، سبحانه أبدع فى خلق كل شىء ، فألوان النباتات والأطعمة تناسب شهية الإنسان ... ، فما ذا لو وجدنا اللحم لونه أخضر ... ، والجذر لونه أزرق ... ، لقد سلط أحد الباحثين أضواء مختلفة غيرت شكل الأطعمة ، فلم يتناول منهم على المائدة إلا القليل من الطعام ، ومنهم من مرض (١) ... ، كذلك جعل ـ سبحانه وتعالى ـ الثمرات التى ترطب البدن فى الصيف كالبطيخ والبرقوق وغيره وفى الشتاء أغذية الوقاية من البرد كالموالح مثل اليوسفى والبرتقال لاحتوائها على فيتامين entxt١C%entxt٢ وهو مفيد فى الوقاية من نزلات البرد وغيرها ، وأغذية الطاقة كالموز وغيره ... ، فسبحان البديع ... ، فعلينا أن نحذر أعداءنا ... ، هناك الماسونية ، وهناك المغالاة فى الدين تحت ستار الباطنية والصوفية والشيعة كالمغالاة فى العزلة ومنع الطيبات ، وحب الأشعار ، والغفلة عن كتاب الله وسنة رسوله ، وأفكار الحلول والاتحاد وكلها أفكار تهدف لهدم الإسلام وإضعاف المسلمين وهناك البهائية ، والقاديانية والنوادى التى تمولها الماسونية كنوادى الليونز والروتاى وكثير من المؤسسات الخاصة التى تنادى بالعلمانية وفصل الدين عن أمور الحياة ... ، ومن قبل كان المعتزلة والخوارج والآن هناك كل هذه التيارات وهى حصاد الترجمات اليونانية والفارسية والفلسفات المتعددة القديمة منذ عهد الدولة العباسية وهناك من يصنعون القنابل المدمرة لإبادة البشر ... ، لقد نسى العالم رسالة الخير (يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُما

__________________

(١) بحث علمى عن الإعجاز الإلهى والإبداع فى ألوان الأطعمة والنباتات.

١٣٠

رِجالاً كَثِيراً وَنِساءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ إِنَّ اللهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) (١) ... ، نسى الجميع أننا جميعا إخوة من أبينا آدم حواء كلنا إخوة من نفس واحدة ، فلما ذا الدمار ولما ذا القتل؟! ... ، لو تدبرت البشرية رسالة الله ما كان هناك قتل ولا تدمير ... ، يخبرنا صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن زوال الدنيا أهون عند الله من قتل امرئ مسلم" (٢) ... ، لم نسمع أن أسد أكل أسد لأنه مثله ومن فصيلته ... ، ولم نسمع عن ذئب أكل ذئبا أو قتله ... ، لم يحدث هذا إلا فى عالم البشر أصحاب العقول ... ، بيكاسوا وجدوا عنده ثلاجة مملوءة بلحوم الأطفال والنساء والرجال فكان يأكل لحوم البشر ... ، هناك من قطعت زوجها ووضعته فى أكياس ... ، وهناك من قتل ابنته عند ما أزعجه بكاؤها ... ، وهناك فى كوريا من ضبطوه قد أكل جزءا من رأس ابن أخيه بعد أن انتهى من طهيها ... ، وهناك الأفلام الإباحية التى دخلت البيوت فجعلت الكثير من حوادث الاعتداءات والزنا وقال تعالى عن جزاء الزناة (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً ، يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهاناً) (٣) ... ، أن من رحمة الله تعالى أنه كره إلينا الكفر والفسوق والعصيان ... ، فعلينا بعلو الهمة فى الدعوة إلى الله ليعرف هؤلاء حقيقة ديننا ... ، لقد أسلم أحد الألمان وكان يبكى عند الكعبة ويتهم المسلمين بالتقصير لأن أباه مات على الكفر ولم يعلم بهذا الدين الحق ... ، هناك أحد الأجانب أسلم حين استمع إلى من يقرأ بجانبه فعبرت ترنيمة القرآن قلبه ... ، فسأل من كتب هذا الكلام ... ، فقال له القارئ : هو كلام الله ... ، فأعلن الشهادتين وأسلم (٤) ... ، فما بالنا لو علم بتعاليم القرآن ورحمته ... ، وما بالنا لو علم بنواحى الإعجاز فيه ... ، وما بالنا لو علم بالأحداث والغزوات وكرامات الصالحين حيث يحمى الله عباده الصالحين حين يلجئون إليه من كل سوء ... ، علينا أن نتجنب البدع ، فكل بدعة تنسى شيئا من رسالة

__________________

(١) سورة النساء الآية ١.

(٢) يقول صلى‌الله‌عليه‌وسلم" زوال الدنيا أهون عند الله من قتل رجل مسلم" رواه مسلم والنسائى الترغيب والترهيب ـ الجزء الثالث ص ٢٩٣.

(٣) سورة الفرقان الآية ٦٨. ٦٩.

(٤) ذكر ذلك الشيخ أحمد ربيع ـ أحد علماء الأزهر ـ فى الحديث عن فضل القرآن الكريم.

١٣١

الواحد القهار ومن إبداع الله تعالى أنه ألهم الأطباء والباحثين اكتشاف الكثير من الأسرار فى علم التشريح والأجنة ، ومعرفة أساليب الشفاء ، ومطابقة كل ما اكتشفوه لما أخبر به سبحانه فلقد وجد العلماء أن فى عسل النحل الشفاء من الكثير من الأمراض ، وصور العلماء مرحلة العلقة وكذلك المضغة التى تشبه قطعة اللبان الممضوغ كما أخبر سبحانه وتعالى ، واكتشفوا أن الناصية وهى الفص الجبهى الأمامى هى مركز تصرفات الإنسان كالصدق والكذب وغيره وأخبرنا الله تعالى عن ذلك فى قوله سبحانه (كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ) (١) ... ، لقد اكتشف الباحثون فى مجال النباتات أن هناك حشيشة تشبه الكبد فى تكوينه وهى تعالج أمراض الكبد ... ، وهناك نبات يشبه الخلية العصبية وهو يساعد فى علاج المشاكل والأمراض العصبية ... ، وهناك حبوب اللقاح التى تشبه البويضة الناضجة ، وهى تحتوى هرمونات وفيتامينات ضرورية لصحة المبايض والإخصاب ... ، وهناك نبات يشبه الخلايا المناعية ويستخدم فى زيادة مناعة الجسم ... ، وهناك نبات بلادرويرك الذى يشبه فى تكوينه الغدة الدرقية ، وهو يساعد فى علاج قصور الغدة الدرقية ... ، حيث يحتوى على كمية كبيرة من اليود ... ، وهناك نبات يشبه فى شكله غدة البنكرياس وهو يعالج أمراض سكر الدم ومعروف أن البنكرياس يفرز الأنسولين الذى ينظم السكر فى الدم ... ، وهناك نبات البلادونة الذى يشبه بؤبؤ العين ، ويستخدم فى توسيع حدقة العين ، ويعالج التهاب العين ... ، وثمار الجوز التى تشبه فى تكوينها وهى متراكمة بعدد معين ثنايا المخ وهى تساعد فى تقوية المخ ... ، وهناك حشيشة السعال وهى نبات يشبه فى تكوينه الرئة ، ويعالج أمراض الرئة ، ونبات كيلب الذى يشبه فى تكوينه العمود الفقرى وهو يعالج آلام العمود الفقرى والتهاب المفاصل ... ، وإذا كان المخ تقع به أهم الغدد ، وهى الغدة النخامية التى تفرز تسعة هرمونات هامة للجسم ، وكما أشرنا أن الجوز يفيد المخ فإن اللوز يشبه فى تكوينه شكل الغدة النخامية وهو يحتوى على عناصر مهمة تساهم فى

__________________

(١) سورة العلق الآية ١٥ ، ١٦.

١٣٢

تنشيط هذه الغدة (١) ... ، إنها وحدة الخلق وإعجاز الخالق القدير ، الذى يثبت لنا أنه أبدع كونه بأسرار تثبت أنه الخالق العليم الخبير ... ، فعلى المؤمن أن يدرك مسئولياته ، فهناك أوامر الله حيث أمرك بعبادته حتى تنال الجنة إن كنت مصدقا صالحا شاكرا ، والنار إن كنت من المكذبين ... ، ولا بد أن تمر بالابتلاءات فى الدنيا وسكرات الموت ، والقبر وضمته ثم الحساب وأهوال يوم القيامة ، من الحشر ، وتطاير الصحف ، والميزان ، وعبور الصراط ... ، وإن كنت ترى فى الدنيا الألم والمرض ابتلاء فإن فى الآخرة النار والزمهرير والزقوم ... ، ولقد جعل الله تعالى من فضله آيات كثيرة ليثبت لخلقه أنها رسالة الحق فيعبدونه بيقين ، وهذا فضل الله يؤتيه من يشاء ... ، وإذا أراد الله بعبد خيرا يفقهه فى الدين" (٢) ... ، هناك التفكر بالفطرة فى النفس والكون ، وفروع الإعجاز البلاغى والتشريعى والعلمى ، والرياضى ، والإعجازات النبوية ، ونبوءات النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم لأمور تحدث فى عصره ، ومع الصحابة ... ، ومع العباد الصالحين كالكرامات والخواتيم ... ، وهناك الإعجاز فى التذكرة الزمنية ومواقف يؤيد الله تعالى فيها من يدعوه ويلجأ إليه ... ، ومع كل تلك الإعجازات هناك ابتلاءات الاختبار كشعب الغيب التى يجب أن لا نسأل عنها ، أخبرنا النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن الله تعالى سكت عنها رحمة بنا حيث لا تتحمل عقولنا معرفة كل شىء عن هذا الكون وعن أمور تدبيره ... ، رزق سبحانه كل دابة شرقا وغربا وبرا وبحرا ، ويهدى ويضل بما يعلمه من أمور خلقه فهو العالم بجذور كل ذرية ... ، (ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ) (٣) ... ، ومن مثل ذلك مسائل اختلاف الأرزاق ، وتفاوت الأعمار ... ، والهدى والضلال ، والغنى والفقر وحرائق القطارات ، والافتراس بين الكائنات ، واختلاف الأحاديث والآيات وهو إعجاز يثبت أنه وحى الله وليس من توفيقات البشر ... ، وجمال الجنة وشدة النار ... ، والحكمة من قتل بعض الدواب ... ، والدعاء والإجابة

__________________

(١) علاج السحر والحسد بالأغذية والنباتات ـ عن فوائد النباتات فى علاج الأمراض.

(٢) من حديث معاوية رضى الله عنه قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم" من يرد الله به خيرا يفقهه فى الدين" رواه البخارى ومسلم ـ التراغيب والترهيب ص ٩٢.

(٣) سورة آل عمران الآية ٣٤.

١٣٣

... ، وإن لم تكن الإجابة فى الحال فهى اختبار لثبات يقينك .. ، فعليك باليقين مما سمح الله لك به من معرفة آياته ومعجزاته وتمسك بالكتاب والسنة واعلم أن أمة الإسلام لا تجتمع على ضلالة ... ، ولا تكن متشددا ، فلن يشاد الدين أحد" إلا غلبه ثم هناك فتنة الشهوات ، وهى الطعام والشراب والمال والبنون والنساء ... ، إن الدنيا بما تحتويه من الشهوات لا تساوى عند الله جناح بعوضه ، فالطعام شهوة تمر فلا يذكر أحدنا الطعام الذى أكله بالأمس .. ، والنساء شهوة تكمن فى ظهر الرجل تنتهى فى لحظات ... ، والمال جماد لا ينطق ولا يتحرك ولم يخلق عينا ولا قدما ولكنه فتنة تضيع بالنفقة ، والتاريخ يثبت أن المال لم يسعد أصحابه ولكن السعادة هى سعادة الروح بتطبيق منهج الله وفى العفو والعافية من الله تعالى ... ، والبنون لا يدخل أحد منهم معك فى قبرك يخفف عنك ... ، بل يرثونك ، وتحاسب أنت على مالك من أين جمعته ... ، إن كل الشهوات تساوى لا شىء إلا ما كان حلالا وسمح الله به ولم يشغلك عن عبادة الله ، ولم يدفعك إلى الحرام ، وكل ما فيه أسئلة فوق طاقة العقل لا تفكر فيه ، حيث سكت الله عنها رحمة بعقولنا فلن تصل إلى شىء وتوقف عند منتهاك ... ، يجب عليك أن تفرح بفضل الله وبرحمته ، وأنك مسلم وأنه عصمك من المعاصى ، وأن تكون محبا لله ورسوله والمؤمنين ، واعلم أن أعلى معرفة هى معرفة الله تعالى الذى أفاض عليك بالخير والعلم ، وازهد فيما عند الناس ولا تخرج عن حدودك تسلم ... ، تذكر الصراط وما يضيع صلاتك ، وما يفطر الصائم ، واعلم أن ما ستره الله رحمة بعقولنا وسكت عنه لن تصل فيه لشيء لأن عقلك محدود وتذكر أن العلم لله وهى أعلى معرفة وعليك بالقناعة وعدم الانشغال إلا بذكر الله.

وبعد معرفتك لكل ما سبق يجب عليك أن تدرك أعداءك المضلين وهم إبليس ، والفرق الباطنية ، وأصحاب المغالاة من الصوفية وكل ما يبعد عن الكتاب والسنة ، وكذلك الشيعة والبهائية ، والقاديانية ، والماسونية اليهودية التي تسيطر على أغلب المؤسسات الخاصة وتنادى بالعلمانية وخلق المشكلات والمناداة بعمل المرأة حتى لا ترتبط بمنزلها وتربية أولادها ومراقبتهم كما كانت تفعل الأم قديما ، وهناك من عددوا ديانتهم واعتنقوا ديانات متعددة من أجل مصالحهم فجاملوا من يعبدون

١٣٤

الشمس ، واتجهوا بعبادتهم نحو مشرق الشمس ، ومن يعبدون الأبقار والحيوانات فحرموا كل ذى روح ، وجاملوا من يعبدون الأصنام فجعلوا الله ثالث ثلاثة ... ، وجاملوا من يعبدون الشهوات فأحلوا الزنا والخمر مقابل أن يدخل المذنب على أحد أفراد البشر من عباد الله فيستمع له ثم يقول له اذهب فقد غفر الله لك ... ، وعليك أن تدرك مسئولياتك وهى

ـ أن لا تسأل عن أشياء غيبية ربما لا يدركها عقلك المحدود وتثبت على إيمانك بما عرفت من المعجزات ومبادئ الخير من كتاب الله وسنة رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

ـ أن تدرك أن الشهوات جميعها فتنة وتساوى لا شىء فى النهاية وأن أعلى معرفة هى معرفة الله ، ولا يؤمن أحدنا حتى يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما.

ـ أن تكون عقيدتك بالله لا يعتريها أى شك ، فقدرة الله ظاهرة من خلال النظر والتفكر فى كل شىء.

ـ أن تعبد الله وتدعوا إليه وتشكره ، وعليك بالخشوع وعلو الهمة فى الدعوة لأن الجار يتعلق بجاره على الصراط لأنك لم تنصحه ... ،

ـ عليك مسئولية العمل وتحرى الحلال وعدم سؤال الناس والعفة وعدم الشبع والصدقة وما استطعت من فعل الخير والنصح لكل مسلم وعدم الخشية فى الله لومة لائم ، وحسن الخلق والعفو عمن جهل عليك والإحسان إلى من أساء إليك ، وأنت بذلك تنتصر على من يكيد لك لأنك بإحسانك لا تثير عنده شعلة الغضب التى يدخل معها الشيطان فيقتدى بك.

ـ كذلك مسئولياتك ناحية معاملة الناس ، ورعاية الجار ، والتربية الصالحة للأولاد ، ومعرفة أن أحداث المجتمع يجب أن تكون فى كيانك لأن المؤمن للمؤمن كالبنيان ، وعليك متابعة أحوال المسلمين والدعاء لهم والمقاطعة ومشاركتهم بالجهاد معهم.

١٣٥

ـ عليك بالثبات لأن الأعمال بالخواتيم ومن كانوا قبلنا كان ينشر أحدهم بالمنشار ويصلب فى جذوع النخل ويجاهد بنفسه وماله ولا يثنيه ذلك عن دين الله ... ، فلا تشرك بالله وإن قتلت وحرقت ... ، وإن أنس الناس بالدنيا فأنس أنت بالله ... ، وإن استغنى الناس بالمال فاستغنى أنت بالله ....

ـ احذر خلف العهد مع الله والناس ، ومن فعلوا ذلك أعقبهم الله نفاقا فى قلوبهم إلى يوم يلقونه ... ، واحذر التكاسل عن الصلاة فهى صفة المنافقين وهم فى الدرك الأسفل من النار وليس لهم من نصير ... ، وحذّر زوجتك من كفران الإحسان والعشير والغفلة عن ذكر لله والخشوع فى العبادة ، والإساءة إليك فلقد كان أكثر أهل النار من النساء بسبب ذلك.

ـ تذكر أن المجتمع من حولك يضج بأنواع الفساد بسبب البعد عن منهج الله ، فهناك قتل الآباء ... ، والأبناء ... ، والزوجة تقتل زوجها ... ، وحالات الزواج العرفى بين طلاب الجامعات ... ، وتلبس الجن بالطالبات والطلبة ... ، وسهرات المقاهى والفساد حتى فى ليالى شهر رمضان ... ، والحروب ضد المسلمين ... ، وشكوى الناس من ضيق الرزق حيث غفلوا عن التقوى والاستغفار ونسوا أنفسهم أمام مشاهدة المنكر وبرامج الفساد ... ، ولن يرد عذاب الله ونقمته عنا طالما ظهرت معاصى الله فلم تنكر ولم تغير ... ،

ـ تذكر نعمة الله عليك بالإسلام فالجاهلية كانت من قبل اعتداء وسلبا وقتلا للأولاد خشية الفقر ووأد البنات خشية العار ، وحب الغناء ، وشرب الخمر ، وانتشار الزنا والفواحش ... ، وفى عصرنا من بعد عن الدين فهناك كما أشرنا فرق الضلال ومن قبل كانت الحروب ، والفتن ، والاستعمار الغاصب للبلاد من أجل شهوات الدنيا الزائلة ، وأطماع الإمارة ، نسى هؤلاء جميعا إشارة الله سبحانه ووصيته لنا بالخشية منه والتقوى ومعرفة أنه خلقنا من نفس واحدة فكيف يقتل الأخ أخاه ونحن جميعا من أب واحد هو آدم عليه‌السلام وأم واحدة هى حواء رضى الله عنها فهل يفهم ذلك من ضلوا الطريق ... ، إن من سار على الخير وقال

١٣٦

ربى الله ثم استقام فليستبشر برضا الله ولا يحزن يقول تعالى (وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (١) ... ، (وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ) (٢) ... ، وعند ذلك لا ينشغل الإنسان إلا بكل ما هو خير ولا يكون منه إلا كل ما هو طيب ونافع لنفسه وللناس من حوله ، لذلك اصطفى الله تعالى الأنبياء من أشرف الناس ، وانتقل النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بين الأصلاب الطاهرة ، وسمى الصادق الأمين ، وكان يدعو لكل ما هو طيب وخير ، وكان صابرا على دعوته ... ، إن رسالة الحق واضحة حيث الدعوة لكل خير وهى الزاخرة بكتب لا حصر لها تدعو كلها إلى عبادة الله ومكارم الأخلاق ... ، إن السحرة فى عهد موسى عليه‌السلام حين ذاقوا حلاوة الإيمان تمنوا أن يغفر الله لهم خطاياهم ولم يبالوا بتهديدات فرعون حيث توعدهم بأن يصلبهم فى جذوع النخل ... ، إن من وصل إلى مرحلة اليقين يرى فى القرآن الكريم وسنة النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم نفحات الجنة ، ومواقف وعبر تزيده يقينا حيث أخرج الله تعالى ناقة دما ولحما من الصخرة الصماء ... ، وقصة الذبح العظيم لإسماعيل عليه‌السلام وإرسال الحجر الذرى على أصحاب الفيل ... ، هذا الفيل إذا وجهه أبرهة ناحية الكعبة كان يبرك ولا يتقدم وإذا وجهه ناحية اليمن أو الشام أو الحبشة كان يسير ، مما يثبت أنه كان أفضل من صاحبه لذلك ذكر جنوده أنهم أصحاب الفيل ، والأصحاب دائما أقل من الصاحب الذى ينتمون إليه ، فالنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان أفضل من أصحابه وفى اللغة يقال ، أصحاب النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ... ، لإن كل حرف فى القرآن وكل كلمة وضعت لحكمة وفيها إعجاز لمن يتدبر ... ، ومن ينظر فى مخلوقات الله يجد الكثير من آيات الإبداع فالأذن مثلا لها صيوان لتجميع الصوت ، وبها ما يسمى بالمطرقة والسندان والركاب ، وكلها أجزاء تساعد على تخلخل الصوت وتجميعه وسماعه ، وهناك سائل فى الأذن الداخلية يحميها من تمزق الأوتار الداخلية من شدة الصوت (٣) ... ، لقد أحيا الله الموتى

__________________

(١) سورة آل عمران ١٢٩.

(٢) سورة الحجر الآية ٥٦.

(٣) ذكر ذلك الدكتور ـ زغلول النجار ـ فى إشارته عن الإعجاز العلمى فى القرآن

١٣٧

لعيسى علية السلام .. ، والطير لإبراهيم علية السلام ، وأحيا العزيز وأهل الكهف وغيرة ذلك ، وولد صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى فصل ربيعى عام الفيل وأشرق الكون بميلاده صلى‌الله‌عليه‌وسلم ... ، فلا بد من اليقين الثابت واستحضار عظمة الله يقول سبحانه (قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها وَتَشْتَكِي إِلَى اللهِ وَاللهُ يَسْمَعُ تَحاوُرَكُما) (١) ... ، وعلينا بالخشية من عذاب الله يقول تعالى (إِذا أُلْقُوا فِيها سَمِعُوا لَها شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ) (٢) ... ، حقا إنها آيات تتصدع منها الجبال يقول سبحانه (لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللهِ) (٣) ....

أما فكرك ، فاجعل هدفك إرضاء الله ـ تعالى ـ والنظر إلى وجهه الكريم ، ومدارسة العلم ، والموعظة من الموت ، فهو فى أى لحظة واعتبر ممن تعرفهم.

ـ أن يكون سعيك فى الأمر على أساس الإيمان والتخطيط والأسباب والتوكل وبعد ذلك يكون التأييد من الله بالمعجزات ، وقد أخذ النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى هجرته بالأسباب وتوكل على ربه فأيده الله تعالى بالمعجزات ، كالعنكبوت والحمامة وما حدث لسراقة بن مالك وغوص أقدام فرسه أكثر من مرة كلما اقترب من النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولا تعجب بنفسك او تستكثر عملك او تنسى ذنبك فإبليس يتمكن من الإنسان فى تلك الأحوال ... ، وحاسب نفسك ، وهل تكسب حلالا ام حراما ، فالحرام يضيع ثواب العبادة ... ، وتذكر سكرات الموت والقبور ويوم البعث ولحظات الحشر والحساب يوم القيامة والألم والنار والزمهرير ، وأحسن الظن ، واعلم بقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم هلك المتنطعون ، فما نهى عنه اجتنبه وما امر به فأتى منه ما استطعت ولا تقنط نفسك وتصنع لها التهديد فرحمة الله واسعة ، وتعامل وتصرف مع كل شىء تصرف الرجال يقول تعالى (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ) (٤) ... ، واعلم أن عدوك إبليس ، ولا تمدن عينيك لما متع

__________________

(١) سورة المجادلة الآية ١.

(٢) سورة الملك الآية ٧.

(٣) سورة الحشر الآية ٢١.

(٤) سورة الأحزاب الآية ٢٣.

١٣٨

الله به غيرك ، واحمد الله أنك مسلم ، وعلى ستره لك فى الدنيا والآخرة ، وعلى نعمه العلم والصحة والنفس الذى يصحبه ذكر الله وشكره ، والتوبة إليه ، وأكثر من الدعاء للمسلمين.

ـ لا تخرج عن الكتاب والسنة ولا فكر ولا مقارنة ولا تقرير ولا حوار يخرجك عن قدر نفسك ، ولا تعزل نفسك عن الناس ، وتعاون مع من يحتاج.

ـ إن خطأ فى أى أمر من الأمور أو كلمة لا يعمل الإنسان لها حسابا تهوى بك والأمر الصواب وفعل الخير يرفعك إلى أعلى الدرجات ، ورب شهوة أورثت حزنا طويلا ، ورب طعاما ضيع الكثير من العبادات لامتلاء البطن ، وصدق صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى قوله" ما ملئ ابن آدم وعاء شرا من بطنه" ... ، فلقد أوتى جوامع الكلم ... ، واعلم أن الدين يؤخذ كله ، وعليك باليقين الثابت ، ولا تجارب مع الله ....

ـ ربى ولدك على الشجاعة وحب العبادات والطاعة ليكون صالحا ... ، والله تعالى يتولى الصالحين ... ، والزم الصمت وحسن الخلق.

ـ لا تنس أذكار الصباح والمساء ... ، وتذكر الألم والنار والزمهرير أنجانا الله منهم ... ، وتذكر الجنة ... ، ومائدة الرحمن ، أو مائدة الخلد ، إن زاوية من زواياها ما بين المشرق والمغرب ، ينظر الله إليهم قائلا (سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ) (١).

ـ اعمل بيدك فمن أمسى كالا من عمل يده أمسى مغفورا له.

ـ يخبرنا صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن" أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا ، وخياركم خياركم لنسائهم ، لا يعزهن إلا عزيز ، ولا يذلهن إلا ذليل ، والذليل عند الله فى النار ..." (٢) وكذلك المرأة إذا عزت زوجها وأطاعته فيما يرضى الله تعالى لقد أوصى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم عند موته بصلة الرحم ، وما من عبد وصل رحمه بنفسه أو ماله إلا جعله الله تعالى يوم القيامة على الصراط كالذى يمشى فى رياض الجنة ولا يرى من أهوال الصراط شيئا ....

__________________

(١) سورة يس الآية ٥٨.

(٢) أنظر بستان الواعظين ـ ورياض السامعين ـ وتقدم تخريج مثله

١٣٩

ـ اعلم أنه قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم" إذا كذب المؤمن كذبة من غير عذر تباعد منه الملكان مسيرة سنة من نتن ما جاء به ، وكتب الله تبارك وتعالى عليه بكذبه ثمانين خطيئة أقلها كمن يزنى بأمه" (١)

ـ اعلم أن الرجل الصالح والمرأة الصالحة يشفعان يوم القيامة فى سبعين من جيرانهما ويجوزانهم على الصراط ... ، ولو أن شاهد الزور جاء يوم القيامة بعمل سبعين نبيا ما نظر الله إليه ... ، وكذلك صاحب الغيبة والنميمة ، لا يجوز الصراط حتى يعفو عنه الله ويسامحه من اغتابه بل أنه يأكل لحم أخيه ميتا يوم القيامة فيضج ويصيح ... ، والحرام يضيع ثواب الصلاة والعبادة ... ، ويخبرنا صلى‌الله‌عليه‌وسلم" إن العبد ليقذف باللقمة الحرام فى جوفه لا يقبل له عمل أربعون يوما" (٢).

ـ إن العلماء على الصراط ، بيد كل عالم لواء من نور الجنة يضئ له مسيرة خمسمائة عام ، وتحت لواء العالم ، كل من اقتدى بعلمه وكل من أحبه فى الله.

ـ قال أحد العباد إنى أذنبت ذنبا عظيما فأنا أبكى عليه منذ ستين عاما ، وكان قد اجتهد فى العبادة لأجل التوبة من الذنب فقيل له وما هو ، قال قلت مرة لشيء كان ليته لم يكن.

ـ علينا بالفأل الحسن وتجنب البدع ، وعليك بالسخاء ، فالشحيح لا يدخل الجنة فلقد كان عبد الله بن عمر على نهج النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى كل شىء ، وفى سخائه وحب الصدقات وكان جعفر بن أبى طالب يحب إطعام الفقراء ، وكانوا يؤثرون على أنفسهم والإيثار يحل معه السخاء والبركة.

ـ تذكر أن النظر إلى وجه الله تعالى وهو راض عنك هو الفوز العظيم ... ، وهناك خيرات كثيرة (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ) (٣) ... ،

__________________

(١) رواه الترمذى ـ أوله وقال : حسن غريب ـ وكذا رواه ابن عدى ـ وأبو نعيم عن ابن عمر.

(٢) من حديث ابن عباس وفيه" .. والذى نفس عمر بيده إن العبد ليقذف اللقمة الحرام فى جوفه ما يتقبل منه عمل أربعين يوما ..." رواه الطبرانى فى الصغير ـ الترغيب والترهيب ـ الجزء الثانى ص ٥٤٧.

(٣) سورة السجدة الآية ١٧.

١٤٠