إعجاز القرآن العلمي والبلاغي والحسابي

محمّد حسن قنديل

إعجاز القرآن العلمي والبلاغي والحسابي

المؤلف:

محمّد حسن قنديل


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار ابن خلدون
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٠٢

ولقد كان خبيب بن عدى من الأبطال اللذين لا ينسى ذكرهم ، فهو الذى حصد بسيفه الكثير من رءوس المشركين يوم بدر ، وحين أسره المشركون ، صنعوا له صليبا من جزوع النخل وأوثقوه بالحبال ، وراحوا يرمونه بالسهام والرماح فى أماكن شتى ليشعر بالعذاب ، لكنه لم يغمض عينيه ولم تزايل السكينة المضيئة وجهه ، وحين يقترب منه أحد المشركين قائلا له : أ تحب أن محمدا مكانك وأنت سليما معافا فى أهلك ، فينتفض كالإعصار والدماء تترف من جسده صائحا" والله ما أحب أنى فى أهلى وولدى معى عافية الدنيا ونعيمها ، ويصاب رسول الله بشوكة (١) ... ، وهذا هو خالد بن سعيد الذى صبر على العذاب والجوع والحرمان فى سبيل الله ، حيث عذبه أبوه عذابا شديدا بسبب إسلامه ، ولقد قهر العذاب بالتضحية وانتصر على الجوع والحرمان بالإيمان حتى لحق بالنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأعلن إسلامه ، وظل مجاهدا حتى نال الشهادة فى موقعه مرج الصفر بأرض الشام (٢) ... ، وهذا هو خالد بن الوليد الذى قضى حياته فوق ظهر جواده حاملا سيفه فى وجه الأعداء ، منطلقا فى قلب الصفوف لا يعرف التراجع ، قاهرا المرتدين فى حروب الردة ومسويا عرش فارس والروم وقاطعا الأرض وثبا يفتح بلاد المسلمين ، وهو رغم ذلك يموت على فراشه ، فيقول والدموع تسقط من عينه ، لقد غزوت كذا وكذا زحفا وما فى جسدى موضع إلا وفيه ضربة بسيف أو طعنة برمح أو رمية بسهم ثم ها أنا ذا أموت على فراشى كما يموت البعير ، فلا نامت أعين الجبناء (٣) ، وهو الذى فى معركة اليرموك ينطلق على رأس مائة من المسلمين ، ثم ينقض على ميسرة الروم البالغ عددها أربعون ألفا فينتصر المسلمون القلة ويفر أمامهم أربعون ألفا من جنود الروم ... ، لقد كانوا مائة ، الرجل منهم بألف رجل ، وعلى أثر هذا المشهد الرائع أسلم أحد القواد من الروم وقتل شهيدا فى تلك المعركة ... ، ولقد كان عكرمة بن أبى جهل ينطلق بين صفوف الروم مناديا من يبايع على الموت فيبايعه المسلمون وينطلقون يشقون الصفوف فى قلب

__________________

(١) سبق الإشارة إلى هذا الموقف.

(٢) رجال حول الرسول ـ الحديث عن خالد بن الوليد.

(٣) نفس المرجع السابق.

١٠١

المعركة ... ، وهذا هو أحد جنود المسلمين يقترب من ابى عبيدة بن الجراح والقتال يدور قائلا : إنى قد عزمت على الشهادة ، فهل لك من حاجة إلى رسول الله ، أبلغها له حين ألقاه؟ فيجيب أمين الأمة نعم ، قل له : يا رسول الله إنا وجدنا ما وعدنا ربنا حقا" (١) ... ، وهذا هو جعفر بن أبى طالب فى غزوة مؤتة ، الذى ينطلق وسط صفوف الروم كالإعصار يحصد رءوسهم ويلهب فى حماسة الجيش بصوته المتوهج وفصاحته ، وحين يدرك الروم بأسه ومقدرته فى القتال فيحيط به جنود الروم من كل جانب ، وبسيوفهم يضربون يمينه وهو يحمل راية المسلمين وقبل أن تسقط الراية يتلقها بشماله ، فيضربونها فيحتضن الراية بعضديه حتى لا تلامس التراب وهو حى (٢) ، وعندها يشق عبد الله بن رواحه الصفوف كالسهم نحوها ويأخذها فى قوة ويمضى يقاتل فى شجاعة لا تقل عن شجاعة جعفر رضى الله عنه ... ، يقول صلى‌الله‌عليه‌وسلم" لقد رايته فى الجنة ، له جناحان مضر جان بالدماء مصبوغ القوادم" ، ولقد كان خباب بن الأرت عبدا لامرأة تسمى أم أنمار ، وحين أسلم ، كانت تسلط عليه الكفار يضعونه على الحجارة المحماة فى قلب الصحراء ، حتى ينسلخ لحمه ، ويعذبونه بأسياخ الحديد المحماة فى النيران الملتهبة ، وكانت تشاركهم فى هذا التعذيب ، وحين يدعو رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بقوله اللهم انصر خبابا ، فتصاب أم أنمار بمرض فى رأسها يجعلها تعوى كالكلاب ، ونصحها المعالجون أنه لا علاج لها إلا أن تكوى رأسها بالنار ، وظلت هكذا تكوى صباحا ومساء حتى فارقت الحياة جزاء من الله من جنس العمل ... ، وهذا هو أبو أيوب الأنصارى الذى يشارك المسلمين فى أكبر المعارك عند فتح القسطنطينية والذى يطلب من يزيد بن معاوية أن يحمله إذا قتل قبل النصر إلى أرض العدو ليسمع حوافر خيل المسلمين هناك ، فيشعر بحلاوة النصر لهم ، ولقد أنجز يزيد الوصية ، لقد كان دائما هادئ الطبع مستقر النفس رغم كثرة المعارك التى خاضها ، فلقد سمع من النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم حديثا فوعاه" إذا صليت فصل صلاة مودع ، ولا تكلمن بكلام تعتذر منه ، والزم

__________________

(١) أنظر رجال حول الرسول.

(٢) نفس المرجع السابق.

١٠٢

الياس مما فى أيدى الناس" (١) ... ، وبذلك لم يخض لسانه فى فتنة ولم تهف نفسه إلى مطمع ... ، وهذا مصعب بن عمير الذى ترك كل أسباب الترف من أجل الإسلام وأبو ذر الغفارى الذى جهر بإسلامه فى المسجد ولاقى من المشركين أشد الإيذاء ... ، وبلال بن رباح الذى وضعه المشركون عريانا فوق الجمر وفوق الرمال الملتهبة فى أيام القيظ الشديدة ، ثم يأتون بالحجر الملتهب ، يحمله الرجال ثم يلقونه فوق جسده وصدره ، ولكنه ضرب أروع الأمثلة فى تحدى هؤلاء الكفرة وظل يردد ثابتا أحد أحد ... ، وهذا هو عبد الله بن مسعود أول من صدح بالقرآن الكريم فى وجه المشركين ولاقى ما لاقاه منهم دون أن يتزعزع .. ، وهذا هو حذيفة بن اليمان الذى نفذ أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو من أصعب المهام ، حين أمره بأن يتسلل إلى معسكر الأعداء ويقتحمه ليعرف أخبارهم يوم غزوة الخندق ، وحين اشتدت الريح وخيم الظلام على أرجاء المعسكر بعد انطفاء نيرانهم ، وعند ذلك يتسلل حذيفة ويأخذ مكانه بين صفوف المشركين ، وحين يدرك أبو سفيان خطورة الموقف ، فينادى قائلا : يا معشر قريش ، لينظر كل منكم جليسه ، وليأخذ بيده وليعرف اسمه فيقول حذيفة ، فسارعت إلى يد الرجل الذى بجوارى ، وقلت له من أنت فقال فلان بن فلان ، (٢) ويعد هذا الموقف من أخطر المواقف التى يمكن أن يتعرض لها رجل فى مثل تلك الظروف ، لذلك شارك بنجاح فى الكثير من الفتوحات الإسلامية كفتوح العراق جميعها ، ولقد كان الفتح بأمر الله على يديه فى الكثير من المواقع كهمدان والرى والدينور ، ولقد خاض معركة نهاوند العظمى ضد الفرس ، وانتهت المعركة بالهزيمة الساحقة للفرس رغم عددهم البالغ مائة وخمسين ألفا ، وكانت من أشد معارك التاريخ فدائية وعنفا ، فلقد كان حذيفة بتأييد الله واسع الذكاء ، متنوع الخبرة فى المعارك ، عالما بأمر الدنيا والآخرة ، فكان يقول للمسلمين ليس خياركم اللذين يتركون الدنيا للآخرة ولا اللذين يتركون الآخرة للدنيا ، ولكن اللذين يأخذون من هذه ومن هذه ، وحين جاء الموت ،

__________________

(١) أمثلة ومواقف عن الصحابى ـ أبى أيوب الأنصارى ـ المرجع السابق.

(٢) رجال حول الرسول ـ الحديث عن موقف الصحابى ـ حذيفة بن اليمان ـ رضى الله عنه.

١٠٣

سمعه الحاضرون يقول ، مرحبا بالموت ، حبيب جاء على شوق لا أفلح من ندم (١) ... ، وهذا هو عمار بن ياسر الذى صمد بإسلامه فى وجه المشركين صمودا ظل محفورا على وجه التاريخ حتى يومنا هذا ، لقد لاقى من العذاب هو ووالده وأمه سميه ، ما لا يتحمله أحد من أقوياء العقيدة والإيمان فلقد كان المشركون يخرجون بهم إلى الصحراء الملتهبة ويصبون عليهم من ألوان العذاب ما لا يطيقونه ... ، لقد أراد الله أن تكون هذه الأسرة الكريمة مثالا لكل مؤمن ينهج طريق الإيمان أنه لا بد عليه من الصبر على المكاره إذا كانت الجنة هى نهاية الطريق ... ، ولقد كان المشركون بسبب صلابة عمار يتفنون فى صنع ألوان العذاب به ، فلقد كانوا يحرقون جسده بالنار ، ثم يلقونه فوق الحجارة الملتهبة ، ثم يغطونه فى الماء حتى تنسلخ قروحة وتختنق انفاسه ، وطعن أبو جهل أمه فى موضع عفتها فقتلها (٢) ، لقد صبرت تلك الأسرة الكريمة وثبتت على إيمانها رغم كل المكاره ... ، ولقد كان كلام النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم له أبلغ الأثر فى تثبيت أصحابه حيث وضح لهم أن الرجل ممن كانوا قبلهم ، كان يؤتى به ثم ينشر بالمنشار من مفرق رأسه إلى أخمص قدميه فلا يثنيه ذلك عن دينه ، وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم" من عادى عمارا أبغضه الله" وحين يسقط على عمار جدارا كان يعمل تحته ، ويظن الصحابة أنه مات ، فيقول النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ما مات عمار ... ، تقتل عمارا الفئة الباغية".

وفى موقعة صفين كان يقاتل ببسالة ، وكان يردد اليوم ألقى الأحبة محمدا وصحبه" ولقد حاول رجال معاوية أن يتجنبوا قتله ما استطاعوا حتى لا يتنبه الناس أنهم الفئة الباغية ، ولكن شجاعة عمار الذى كان يقاتل كأنه جيشا وحده أفقدتهم صوابهم ، وتمكن منه بعض جنود معاوية فقتلوه ، وحين شاع الخبر عرف الناس أن من قتلوه هم الفئة الباغية ، فثبت أصحاب على بن أبى طالب فى المعركة ، وتهيأ بعض جنود معاوية إلى الانضمام إلى صفوف على بن ابى طالب ، ولقد صدق توقعه حين كان

__________________

(١) نفس المرجع السابق.

(٢) أنظر رجال حول الرسول.

١٠٤

يردد أثناء المعركة" اليوم ألقى الأحبة محمدا وصحبه ، ولقد قال عنه النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو يجلس بين أصحابه ذات يوم ، حيث تهلل وجهه ثم قال" اشتاقت الجنة لعمار" ولقد صبر حتى نال هذا الفوز العظيم وذلك مصداقا لقوله تعالى (أَ حَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ) (١) وقوله تعالى (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ ، وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) (٢) ... ، إن الأمثلة كثيرة.

والإيمان يملأ القلوب أملا فى رحمة الله تعالى فيكفى أن الله تعالى رغم قدرته واتساع ملكه لم يجعل الموت هو النهاية ، وكان يمكن أن يجعل انتفاع الإنسان بطيباته هى الفترة التى يعيشها فقط ثم بعد ذلك ينقطع من الأرض بموته فلا يرى ربه أو الأنبياء المرسلين ولا يتذوق الفواكه ولحم الطير كما كان يتنعم فى الدنيا ولا يقابل بعد ذلك قريبا ولا زوجة ولا ولدا ولكن الله الكريم ، لا يحرم الإنسان بموته بل يتفضل عليه بالجنة خالدا فيها إن أطاعه ، بل ويرزقه رؤيته ، يقول تعالى (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) (٣) ... ، ولا يحرمه أيضا من طيبات الدنيا ، بل يمده بما هو أطيب ، يقول تعالى (وَفاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ) ... ، وهو برحمته أيضا لا يحرمه من الجلسة مع أصفيائه وأنبيائه ، يقول تعالى (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ ، فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً) (٤) ... ، وبفضله لا يحرمك من الزوجة والولد ، يقول تعالى (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) (٥) ... ، وعلينا بعد ذلك أن يسأل كل منا نفسه هذا السؤال ، ما واجبنا نحو الله بعد أن تفضل علينا برؤية المؤمنين له وجعل الجنة لهم خالدين فيها ولم يكن الموت هو النهاية ولقد أثرت تلك الآيات فيمن كانوا قبلنا حيث فهموا هذا الفضل وتلك المعانى ،

__________________

(١) سورة العنكبوت الآية ٢.

(٢) سورة آل عمران الآية ١٤٢.

(٣) سورة القيامة الآية ٢٢ ، ٢٣.

(٤) سورة النساء الآية ٦٩.

(٥) سورة الطور الآية ٢١.

١٠٥

فهذه الخنساء حين يقتل أخوها صخر فى الجاهلية أثناء نشوب المعارك بين القبائل تبكى كثيرا وتكاد أن تنتحر ، وتردد قائلة : لو لا كثرة الباكين حولى على إخوانهم لقتلت نفسى ، إنها فى جاهليتها لا تجد وعدا بلقائه ، ولكن حين أسلمت جاءها خبر استشهاد أولادها الأربعة فى معركة القادسية ، فتقول بكل ثبات وثقة وإيمان فى وعد الله الحق" الحمد لله الذى شرفنى بقتلهم وأدعو الله أن يجمعنى بهم فى مستقر رحمته ... ، وتلك المرأة التى يتردد حولها أثناء غزوة أحد ، إشاعة أن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد قتل ، فتهرول نحو الصحابة وهم عائدون من الغزوة ، وتسألهم عن أنباء المعركة ، فينعون إليها زوجها وأباها وأخاها وإذا بها لا تعبأ بهذا الخبر ، وتسألهم فى لهفة عن خبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيقولون لها : خيرا ... ، هو بحمد الله كما تحبين". فتقول : أرونيه أنظر إليه. فلما رأته أقبلت نحوه قائلة : كل مصيبة بعدك أمرها يهون يا رسول الله (١) ... ، وهذا الأعرابى الذى فهم قوله تعالى (إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ) (٢) ، فيذهب للنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ويبايعه على الإسلام ثم يشارك فى غزوات المسلمين ، وفى إحدى الغزوات التى انتصر فيها المسلمون يوزع النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم الغنائم ، ويأتى دوره ، فيرفض أن يأخذ شيئا ويقول : يا رسول الله ، ما على هذا اتبعتك ، ولكن اتبعتك على أن أضرب هاهنا بسهم فأموت فأدخل الجنة" ... ، إنهم مؤمنون حقا صدقوا الله فصدقهم الله ، يقول تعالى (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً).

٢٢ ـ الكون ومعجزات الله كونية وتشريعية

إن الكون ملئ بآيات الله ومعجزاته ، ومن يتأمل يرى الكثير من تلك الآيات فالطيور تهاجر فى الشتاء آلاف الأميال وتعود إلى نفس المكان ... ، ومنها ما يعيش فى المناطق القطبية الباردة ، ومنها ما يعيش فى المناطق شديدة الحرارة ، ومنها ما

__________________

(١) انظر البداية والنهاية ـ لابن كثير.

(٢) سورة التوبة الآية ١١١.

١٠٦

يعيش فى المناطق المعتدلة .. ، وهى تختلف فى نظام غذائها فطيور المراعى تعيش على الديدان وتتغذى على النباتات ، والطيور البرية تعيش على الحبوب ، والطيور الجارحة تعيش على الافتراس والصيد بمهارة فائقة ، والطيور البحرية تعيش على تناول غذائها من الأسماك ، وهى تتمكن من الغوص فى الماء لمسافات لتخرج بغذائها وتواصل الطيران بقدرة الله العلى الكبير ... ، وهناك من مملكة النحل تقف جماعة على أبواب الخلية تشم النحلة القادمة من الخارج ولو وجدت عليها أثرا لأحد الميكروبات الضارة فيظل النحل يحرك أجنحته ينفض عنها هذا الميكروب وإن لم يسقط عنها يقوم النحل بقتل النحلة قبل دخولها حتى لا تلوث الخلية وما بها من العسل الذى جعله الله شفاء للناس ، إنه إلهام العلى القدير ... ، كذلك لو دخل فأر ليشرب من عسل الخلية ، يجتمع عليه النحل ويقتله ويفرز عليه الشمع ولا يترك له أثرا يظهر فيضر بالخلية فمن الذى ألهمه بأن الفأر لا بد أن يغطى؟! ... ، وهناك النبات الذى يفرز الرائحة العطرة فتنجذب له الحشرات والفراشات فيلتهمها ويغلق عليها أوراقه لحاجته إلى المواد العضوية النتروجينية (١) ... ، والنباتات الصحراوية ثغورها ضيقة لتقلل من عملية النتح وأوراقها سميكة لتحميها من الجفاف وأحيانا تتحول إلى أشواك للتقليل من فقد المياه ... ، ولقد أحل الله الطيبات وحرم الخبائث وكان فيما أحل الخير ... ، وحين أخبرنا أنه أوحى إلى النحل ، كانت مملكة النحل مليئة بالإتقان والإبداع من البناء الهندسى للخلايا والذى يعجز عنه البارعون المتخصصون ... ، وفى النظافة والنظام وتقسيم العمل بين أفرادها ... ، وحين كرم الإسلام المرأة نجدهم فى الغرب يتبادلون زوجاتهم لمدة معلومة كما يعير القروى دابته أو الحضرى شيئا من متاع بيته وتطرد البنت بعد سن الثامنة عشرة لتبدأ فى الكدح لتنال لقمة العيش ، ولو بقيت فى المنزل بعد هذه السن فإنها تدفع لوالديها إيجاز غرفتها وثمن طعامها ومقابل اتصالاتها الهاتفية ... ، وحين أوصى الإسلام بالرحمة بالصغير نجدهم يأكلون لحوم الأطفال فى بعض البلاد ... ، وحين أوصى بالوالدين نجدهم فى الغرب يطردون

__________________

(١) أنظر ـ الله والعلم الحديث ـ عبد الرازق نوفل.

١٠٧

المسنين لأنهم لا يعملون وينتجون ... ، وحين حرم الإسلام الزنا نجدهم فى الغرب يمارسونه فنجد فى بلادهم الأمراض الخطيرة كالإيدز وغيره ... ، وهناك الإعجاز البلاغى حيث إن كل حرف وكل عبارة فى القرآن لها معناها وإعجازها على مر العصور ... ، وهناك الإعجاز النفسى للقرآن الكريم حيث إنه علاج للنفس ، فالأمر بالصلاة ودخول المسجد فيه كل الأمن والراحة واطمئنان النفس ، حيث تتجلى فى المسجد أنوار الله تعالى وفيوضاته (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ) (١) ... ، كذلك حين يعرف المسلم أن الرزق مكفول من الله فيطمئن ولا يظلم ولا يقتل ولا يبغى فى الأرض ، فما تراه من صور الصراع بين الناس هو من الغفلة والجهل برسالة الخالق العليم الخبير ، كذلك يأمرنا القرآن الكريم بعدم الفرح بما جاءك أو الندم على ما فات حيث أن كل شىء من الله وفى علم الله ، وبذلك تطمئن النفس فى كل الأحوال ، وقد ثبت أن الفرح الشديد يضر الإنسان ، وكذلك الحزن الشديد ، وقد أمرنا الله تعالى بعدم اليأس يقول سبحانه (إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ) (٢) ويقول سبحانه (وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (٣) ... ، فالمطلوب الاعتدال فى كل شىء والوسطية كما أمر سبحانه فى كل شىء ... ، وحين صرح القرآن الكريم بتعدد الزوجات فى حالة الاستطاعة والتمكن من العدل كان فى ذلك الخير للنساء حين إن عدد النساء أكثر من الرجال بالإضافة إلى تعرض الرجال للقتل فى الحروب وغيرها ، ولذلك قامت مظاهرة نسائية فى ألمانيا بعد الحرب العالمية الأولى تطالب بتعدد الزوجات ، وحين سمح بالطلاق فى أضيق الحدود فقال سبحانه (فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً) (٤) فكان الطلاق لضرورة وكان الترغيب فى الإمساك أفضل لتظل المرونة والمصلحة للعباد فى المنهج الإسلامى ، لعدم تشريد الأطفال وتفكك الأسرة ... ، فسبحان العليم بأحوال عبادة ... ، ولقد رغب سبحانه فى الإحسان إلى النساء

__________________

(١) سورة النور الآية ٣٦.

(٢) سورة يوسف الآية ٨٧.

(٣) سورة آل عمران الآية ١٢٩.

(٤) سورة النساء الآية ١٩.

١٠٨

يقول صلى‌الله‌عليه‌وسلم" من ابتلى من هذه البنات بشيء فأحسن إليهن كن له سترا من النار" (١).

إن القرآن الكريم يدلك بما يحتويه من دعوة إلى الخير وإعجازاته التشريعية والبلاغية والعلمية على الإيمان واليقين ، كذلك العقل والفكر بالفطرة دليل آخر إلى الإيمان فتصريف الرياح ، وحركة الليل والنهار ، ونزول المطر من السماء يقول تعالى (وَفِي خَلْقِكُمْ وَما يَبُثُّ مِنْ دابَّةٍ آياتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) (٢) ... ، فما أحوج الإنسان إلى الإيمان حيث يحشر الناس يوم القيامة منهم الراكب ، والسائر على قدميه ، ومنهم من يحشرون على وجوههم ، ومنهم الصم البكم العمى ، فمن عمى فى الدنيا عن الخير عمى يوم القيامة عن رؤية الخير ... ، إن كل شىء له أجل فالنجوم تمر فى بداية حياتها باللون الأحمر وفى وسط الحياة يكون لونها أبيض ثم تظلم وتنكدر وهو بداية نهايتها ... ، والجبال لها فترة شباب وشيخوخة ... ، والخلايا تتجدد ... ، والله تعالى قد أحكم الكون بصورة تصل بعقلك إلى الإيمان ... ، فالشمس تشرق نهارا للسعى والعمل وتغرب ليلا للنوم والراحة ... ، وإذا اقتربت الأرض من الشمس تزيد فى سرعتها حتى لا تجذبها الشمس ، وبذلك فإن السرعة التى تزيد وتنقص عند اللزوم دليل على أن هناك مهيمن على كونه بما فيه ... ، والقمر لو اقترب بدرجة عن التى هو عليها فإنه سيجذب سطح الماء وتغرق القرى والمدن ... ، ولو أن سواحل البحار هى أعلى بقاع الأرض لغرقت اليابسة التى تمثل ربع مساحة الكرة الأرضية حيث أن (entxt١CS%entxt٢) مساحتها ماء ... ، وتلك النجوم الهائلة والمجرات من يضبط حركتها دون سقوط ، رغم أن منها ما يفوق حجم الشمس الهائلة والأرض الممتدة الشاسعة؟! ... ، إن وجود المصباح يدل بالتأكيد أن هناك صانعا قد صنعه رغم أننا لم نر هذا الصانع ... ، وكل مادة فى الفراغ تدل على وجود الصانع إنه الخالق سبحانه ، فلو أمسكت بقلم أو كراسة تجد أن لهما صانع ، كذلك فالكرة الأرضية مادة فى الفراغ ولها خالق والخالق هو الله ... ، لقد ضبط سبحانه وتعالى حرارة الجسم ٣٧ م وهى مناسبة وهى مضبوطة رغم أن الجو

__________________

(١) جزء من حديث صحيح رواه البخارى ومسلم والترمذى ـ عن عائشة رضى الله عنها ـ الترغيب والترهيب الجزء الثالث ص ٦٦.

(٢) سورة الجاثية الآية ٤.

١٠٩

أحيانا شديد البرودة وأحيانا صيفا لافحا ... ، ودرجة حرارة العين تختلف عن درجة حرارة الكبد وبقدرة الله لا يحدث استطراق وتسرب الحرارة من الأعلى إلى الأقل فسبحان اللطيف الخبير ... ، كذلك فإن أسنان الطفل تنبت جميعها بعد أن يتم رضاعته ليبدأ فى استكمال رزقه من الطعام والشراب المختلف عن اللبن السائل ... ، وهو البارد فى الصيف ، والدافئ فى الشتاء ... ، والخلية الحية التى يبدأ بها تكون جسم الإنسان فيها الكتاب الحفيظ الذى به كل أسرار الإنسان كلون البشرة ، وشكل الأنف ، وأحجام الأصابع ، ولون الشعر والعينين ، وغير ذلك ... ، وحين تنقسم تلك الخلية ، فنجد خلية تكون الكبد ، وأخرى تكون الأمعاء وأخرى تكون الكلى ، وأخرى للأظافر ، وأخرى للرئتين ، وأخرى للعظام ، وهكذا حتى يتكامل الجسد ، إنها الأسرار والدلائل ، التى تدل على وجود الخالق الخبير ... ، ولقد نظم العليم الخبير نسبة الهواء فى الجو وما يحتويه من عناصر لازمة لحاجة الإنسان وبقية الكائنات كثانى أكسيد الكربون والأكسجين ... ، والقلب مقسم إلى حجرات وشرايين لكل حجرة وظيفتها وكل شريان له وظيفته ... ، وتتجلى قدرة الله فى خلق نسيج كل شىء بما يناسب وظيفته فنسيج القلب متين قابل للتمدد وضخ الدم ، ونسيج الكبد قليل لإنتاج الغذاء ، ونسيج المعدة والأمعاء والعصارات الهاضمة والأغشية المخاطية التى تحمى النسيج من التآكل كلها صور تدل على إبداع العلى الحكيم .. ، ويتجلى الإبداع فى أن العين تفرز الدمع ، والفم يفرز اللعاب ، والأنف تفرز المخاط ، والأذن تفرز الشمع ، إنها مواد مختلفة تتناسب مع وظيفة كل عضو ، أ لا يدل ذلك على وجود الخالق المبدع الخبير؟! ... ، لقد حفظ الله العين فى علبة ، عظميه قوية ، وجعل كل خلية تنمو بحجم مناسب لا يزيد عن حدود معينة فتغير شكل الإنسان وتجعل مظهره غريب ... ، من الهم عظام الأسنان أن تقف عن النمو بينما تنمو العظام الأخرى ... ، ومن جعل شعر الحاجب يقف عن النمو لا يؤذى العينين بينما ينمو شعر الرأس ويستطيل ... ، من أبدع عظام القفص الصدرى بهذا الشكل الهندسى المناسب لحماية الرئتين. والأعضاء المختلفة ، ثم لا نجد العظام عند البطن ليستطيع الإنسان ثنى ظهره ، وهو المصمم على

١١٠

هيئة فقرات يسهل ثنيها .. ، سبحان من صمم ذلك ... ، وسبحان من صمم المفاصل للحركة ، ليتمكن الإنسان من الجلوس ، والوقوف ، والقبض على الأشياء والانتفاع بها ... ، إن الدجاجة تجرى إذا اقترب منها أحد الأشخاص لكنها تقف وتهاجم من يقترب من أفراخها ... ، والبقرة تلعق من جسد وليدها عند ولادته ... ، والفرس ترفع حافرها عن وليدها خشية أن تصيبه ... ، وخلايا النبات تنقسم فتكون الجذور التى تنمو لأسفل لتمتص الأملاح والغذاء ، والأوراق تنمو لأعلى لتقوم بوظيفتها وتستفيد من طاقة الشمس ، وخلايا الثمار تنمو بما يتناسب مع نوع النبات ، فهذه خلية تعطى اللون الجذاب للزهرة لتجذب إليها الفراشات ، وهذه خلية تفرز المادة اللزجة ليقوم النبات باصطياد الحشرات ليستفيد بالمواد العضوية اللازمة ... ، والغلاف الجوى به مكونات لحماية الأرض من الأشعة الضارة ، كطبقة الأوزون وغيرها ....

إن الخالق هو الواحد الذى لا شريك له ، لذلك خلق الكون فى تكامل بديع ، فالخلل فى المجرة يؤدى إلى الخلل فى المجموعة الشمسية ، والخلل فى المجموعة الشمسية يؤدى إلى الخلل فى ضوء الشمس ، والخلل فى ضوء الشمس يؤدى إلى الخلل فى البناء الضوئى وتكون غذاء النبات ، والخلل فى بناء النبات يؤدى إلى الخلل فى نسبة الأكسجين التى يطلقها النبات ... ، والخلل فى الأكسجين يؤدى إلى الخلل فى وظائف التنفس بالرئتين ، والخلل فى وظائف التنفس يؤثر على الدورة الدموية وحياة الإنسان ، وكذلك بقية الكائنات فسبحان الله ... ، خلق سبحانه العوالم المختلفة وقدر لها أقواتها ويسر لها سبل معيشتها فنحن الضعفاء لا نقوى على عذابه وهو سبحانه الحنان المنان جعل أعظم رزقه الوعد برؤيته والخلود فى جنته ، فالحمد له على نعمه والحمد لله على نعمة العلم التى من علينا بها لنعرفه سبحانه وتعالى ....

إن رسالة الإسلام مليئة بالمواقف والمعجزات ، كان عيسى عليه‌السلام ينبئ الناس بما يأكلون وما يدخرون فى بيوتهم وهو سر لا يعلمه إلا أصحاب المنزل ولكنه وحى الله العليم الخبير ... ، ولقد كان يصور من الطين كهيئة الطير فينفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله ، ولقد أنزل الله له مائدة من السماء ، وكان يبرئ الأكمة

١١١

والأبرص بإذن الله ، ولقد تكلم فى المهد بإذن ربه ، وموسى عليه‌السلام كلم ربه وجعل له الله تعالى البحر طريقا يابسا يمر فيه حين أتبعه فرعون ... ، ولقد صبر الأنبياء جميعا على أمر الدعوة رغم أنهم رسل الله ليكونوا قدوة لغيرهم ، فنوح عليه‌السلام صبر تسعمائة وخمسون عاما وما آمن معه إلا قليل ... ، وصبر عيسى عليه‌السلام ... ، وصبر رسولنا صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأدميت قدمه الشريفة ... ، لذلك وجب علينا أن نقتدى بهؤلاء الرسل وندعو إلى الله بلا ملل وكما نعلم فإن متوسط أعمار أمة الإسلام ما بين الستين والسبعين يذهب بعض تلك السنين مع الطفولة والصبا ، وبعضها فى النوم ، وبعضها فى الشغل بالمكاسب وأمور الدنيا ، فما ذا يتبقى لأمر الدعوة؟! لذلك وجب أن تكون حياتنا كلها طاعة لله ودعوة إلى فعل الخير ... ، والصحابة كانوا يبايعون النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم على السمع والطاعة والنصح لكل مسلم فرضى الله عنهم أجمعين ... ، إن خدمة الدين الإسلامى هى أقل ما يجب على كل مسلم أن يقدمه وهو لا يقدم شيئا إلا بفضل الله ورحمته وهو سبحانه الذى يوفقه إلى هذا الخير ، فنعم الله تعالى الظاهرة والباطنة علينا لا تحصى ولا تعد ... ، سبحانه أحتفظ بعلم الغيب لنفسه ، فأمور الرزق والآجال وأسرار الهدى والضلال والشدة والفرج والسعادة والشقاء والغنى والفقر وغيرها ، كلها أسرار لا يعلم حكمتها إلا الله فهناك من كان عاصيا وأصبح مصلحا بأمر الله يهدى إلى الخير ، وهناك من كان غنيا وصار فقيرا يجد فى طلب قوته ... ، وهناك من كان طائعا لله مصلحا وصار من أهل الذنوب والمعاصى ... ، وهناك من ظل على صلاحه ، وهناك من مات صغيرا ومن مات شابا ومن مات شيخا والسر فى ذلك لا يعلمه إلا الله ... ، لن يستطيع الإنسان بعقله أن يحيط بكل شىء ولكن الله قد أحاط بكل شىء علما فسبحانه وتعالى فى كل وقت وحين ... ، خلق بقدرته عقل الإنسان وعلمه كل العلوم ، علم الأحياء والطب ، والرياضة ، وعلم الكيمياء والفيزياء ... ، جعل الله تعالى كل تلك العلوم فى كونه الممتد وألهم بعض أسرارها للإنسان الذى ميزه بالعقل بكل ما يحتوى من خلايا ومراكز ليفهم ويدرك ما يحيط من حوله ، وكل إنسان يدرك قدرا محدودا من العلوم

١١٢

لكن الله تعالى قد أحاط بكل العلوم ومدى ما تحتويه من البساطة والتعقيد واحتفظ سبحانه بعلوم الغيب التى لا يعلمها الإنسان ، فسبحان من له الأسماء الحسنى ... ، إن كل ما اخترعه الإنسان من آلات وأجهزة دقيقة معقدة يثبت ذلك أن العقل بتكوينه أدق منها وأشمل ، وكل ما يعلمه الإنسان عن العمليات الكيمائية والحسابية المعقدة والجراحات الطبية وما يعلمه عن أسرار الذرة والخلية فإن ذلك كله نقطة من بحر علم الله الذى سمح للإنسان أن يعلمه ، وما كان فى علم الغيب أكثر ، لقد أعد الله تعالى لعباده الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ... ، فسبحان الله ... ، وما أشد تقصير الإنسان فى كل زمان .. ، وهناك فى عالم البشر والنبات والطير الكثير من العجائب التى تثبت طلاقة قدرة الله ... ، فهناك من الطيور ما يسمى بالعقاب الذهبى ، وهو يحلق نحو مسافات مرتفعة ، ويتميز بالنظر الحاد ويرى فريسته من بعيد وهى تدب على الأرض ، فهو يفترس الأرانب البرية ، وصغار الغزلان ، والماشية ، وهو من القوة بمكان يتمكن به من حمل غزال يطير به ، ويفترسه فى عشه ، ويبلغ طول الطائر مترا ، ويبلغ طول الجناحين معا مترين (١) ، وهناك آلاف الأنواع من الطيور وآلاف الأنواع من النباتات ، وآلاف الأنواع من الأسماك ... ، وهناك الإبداع فى اختلاف ملامح صور الرجال والنساء والأطفال رغم أن الأعضاء واحدة فسبحان القادر ، وهكذا كل العوالم فى خلق الله تنوع وإختلاف وعلم وإحاطة بأحوال كل نوع ... ، يعلم سبحانه بكل ورقة تسقط ، وبكل حبة فى الأرض ، وبكل ذرة فى هذا الكون الممتد ... ، بل لقد تكفل بهداية كل نوع إلى سبل معيشته ورزقه ، فهى عوالم وأمم أمثالنا ... ، وفى تلك العوالم ما يستحق التأمل والعجب ، فمثلا فى مجتمع النحل تأخذ خلايا العسل الشكل السداسى وليس الدائرى ، حيث اكتشف العلماء أن الشكل الدائرى لو كان متراصا ووضع العسل فيه لكان هناك فراغا بين الأشكال ، فسبحان من ألهم النحل بذلك التنظيم (٢) ... ، لقد أخبرنا الله

__________________

(١) ذكر ذلك ـ الدكتور أحمد شوقى إبراهيم ـ فى إحدى البرامج المسموعة.

(٢) حقائق عن الإعجاز العلمى فى القرآن ـ الدكتور زغلول النجار ... ،

١١٣

تعالى أنه أوحى إلى النحل وصدق الله (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ حَدِيثاً) (١) ... ، ولقد أخبرنا سبحانه بأنه أسرى بنبيه وعرج به وبالفعل كان ذلك ، والمؤمن لا يسأل كيف ولما ذا ... ، رأى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ما سيحدث من صور العذاب للعصاة ، فهناك من ترضخ رءوسهم بالحجارة وهم الكسالى عن الصلاة المكتوبة ... ، وهناك من يأكلون اللحم النتن وتخرج من فروجهم نارا ومن أدبارهم نارا ، وهم الزناة ... ، ويضاف هذا لعقوبتهم فى الدنيا التى بشرهم بها صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهى الفقر المدقع والمرض المزمن ، والفضيحة بين الناس ... ، وهناك من يسبح فى بحر الدم ويضرب بحجر فى فمه فلا يموت ولا يحيا ، وهو آكل الربا ... ، ولقد رأى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثقبا صغيرا يخرج منه ثور عظيم ثم يحاول الدخول من هذا الثقب فلا يستطيع ، فكان هذا هو الذى يقول الكلمة من سخط الله ثم يريد أن يرجع فيها فلا يستطيع ... ، لقد رأى صلى‌الله‌عليه‌وسلم اثنين فقال لهما : ما لى أرى على أسنانكما خضرة اللحم ، فقالوا : ما أكلنا لحما فقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم أ لم تغتابا فلانا ، قالوا أجل ، قال : ذلك لحمه ، ولقد أمر صلى‌الله‌عليه‌وسلم امرأتين أن يقيئا فكان القيء لحما ودما وكانتا صائمتين (٢) ، وكان السبب أنهما قد وقعتا فى الغيبة ... ، لقد صدق صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى كل ما رأى فهل نفيق من الغفلة ... ، وهل ننتهى عن المعاصى ... ، وهل أدركنا قيمة العلم برسالة النور.

تلك الرسالة التى ملأ نورها كل مكان ... ، فى إحدى المناظرات للشيخ الزندانى اليمنى قال له أحد علماء الغرب هناك قضايا حديثة لا يزال الجدال قائما فيها حيث هناك نظرية تقول بتمدد الكون واتساعه وأخرى تشير إلى انكماشه فى وقت من الأوقات ، فهل القرآن تحدث عن تلك القضايا ، فقال له الشيخ يقول تعالى عن الاتّساع الكونى (وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ) (٣) أى أن الكون فى اتساع مستمر ... ، أما عن انكماش الكون فاقرا ما ورد بآخر سورة الأنبياء ، وكان معه قرآنا مترجما فوجد قوله تعالى (يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ

__________________

(١) سورة النساء الآية ٨٧.

(٢) من شرح حديث رواه أحمد وفيه" ... فقال لإحداهما قيئ فقاءت قيحا ودما وصديدا ولحما حتى ملأت نصف القدح .." الترغيب والترهيب ـ الجزء الثالث ص ٥٠٧.

(٣) سورة الذاريات الآية ٤٧.

١١٤

نُعِيدُهُ) (١) أى كما كان كوكبا وانتشرت منه كل تلك النجوم والكواكب سوف تنكمش كل هذه الكواكب وتطوى مرة أخرى فى كوكب واحد كما بدأ الخلق ... ، فاعترف العالم أنه الوحى من السماء ، وقال أريد أن تسمحوا لى بالحضور معكم فى كل مؤتمر محلى أو دولى (٢) ... ، وحين تحدث الشيخ مع العالم جورى سمسون الذى قال أن هناك صفة متنحية فى علم الوراثة تظهر فجأة فى أحد الأبناء ولا تكون فى الأب أو الجد ولكن يمكن أن تكون فى جد قديم من العائلة ... ، فقال له الشيخ لقد أشار لنا رسولنا الكريم عن ذلك حين جاءه رجل ومعه غلام أسود يشك فى بنوته ... ، فقال له صلى‌الله‌عليه‌وسلم أ لك إبل ، قال نعم قال ما لونها ، فقال الرجل حمر ، فسأله النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم أ فيها أوراق ، قال فيها أورقا ، فسأله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من جاء به فقال الأعرابى لعله نزعة عرق ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهذا نزعة عرق ، أى ابنك هذا نتيجة لصفة قديمة كانت فى عرف العائلة ... ، فقال العالم إن هذا العلم لا يمكن أن يكون من بشر بل هو من عند الله (٣) ... ، وجاء للشيخ أحد العلماء فى علم الجيولوجيا يحمل كرة تمثل خريطة العالم ، وعليها أسهم تشير إلى أعلى المناطق والبقاع على الأرض ، وأخفض المناطق والبقاع ، وسأل الشيخ عن أسفل بقعة على الأرض ، فقال له الشيخ هى المنطقة القريبة من بيت القدس بوادى الأغوار التى غلبت فيها الروم قديما من بلاد الفرس والدليل قوله تعالى (غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ) ولم يصدق العالم فى بادئ الأمر ، فأشار إليه الشيخ أن ينظر للخريطة ... ، فنظر العالم على الخريطة فوجد السهم يشير بالفعل إلى تلك المنطقة وهى القريبة من بيت القدس ، فتعجب العالم وبدت عليه آثار الدهشة ... ، وحين استمع أحد العلماء إلى حديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم والذى ينهى فيه عن البول فى الماء الراكد والاغتسال فيه ، قال إن هذا الحديث لو عمل به الناس لكانت الوقاية من الطفيليات التى تصيب الإنسان وبخاصة البلهارسيا ... ، وحين أشارت الآية القرآنية إلى التقاء البحرين الملح والعذب وأن بينهما برزخا وحاجزا يقول تعال (وَجَعَلَ بَيْنَهُما بَرْزَخاً وَحِجْراً

__________________

(١) سورة الأنبياء الآية ١٠٣.

(٢) ذكر ذلك ـ الشيخ عبد المجيد الزندانى ـ فى إحدى مناظراته ـ بعنوان ـ براهين الإيمان ومعجزاته.

(٣) نفس المرجع السابق للشيخ عبد المجيد الزندانى.

١١٥

مَحْجُوراً) (١) ... ، وجد العلماء بالفعل أن منطقة البرزخ أو المصب بين البحرين وهى منطقة مختلفة الملوحة والكثافة والأحياء المائية ، هى تحتفظ بصفاتها وكائناتها ولا تنتقل الكائنات البحرية فيها إلى مياه البحر أو النهر وكذلك لا تنتقل كائنات البحار الملحة إلى النهر أو العكس بل هناك حاجزا مائيا بقدرة الله ، فعند ما تدخل مياه البحر إلى منطقة البرزخ تأخذ خصائص المياه التى تدخلها ، فسبحان من علم الإنسان ما لم يعلم ... ، وحين صور العلماء شقوقا فى أعماق البحار تخرج منها النيران نجد قسم الله تعالى فى سورة الطور بالبحر المسجور ، أى المتقد نارا ... ، ولقد تحدث القرآن الكريم عن أنواع العواصف والرياح فتحدث عن الريح الطيبة ، والريح العاصفة التى تسبب كثرة الأمواج (جاءَتْها رِيحٌ عاصِفٌ وَجاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ) (٢) ... ، ثم يشير الله تعالى إلى الريح القاصفة التى تكسر السفن من شدتها ، حيث يحذر المشركين من انتقامه ، وأنه قادر على أن يرسل عليهم قاصفا من الريح ، يقصف بهم وبالسفينة ، فسبحان الملك الحى القيوم الذى خلق الكون وأحاط بعلمه كل شىء فيه ... ، لذلك وجب علينا ألا نغفل عن شكر الله ، ونعرض عن الشهوات التى منها الهلاك كالطعام والشراب ، والمال والبنون ، والنساء ، وغيرهم دون تحريم ما أحل الله والرحمة بالأولاد والرفق بالنساء ... ، ولا بد أن نعلم أنه لا يؤمن أحدنا حتى يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ... ، ولقد كان تبرج النساء فى عصرنا وخروجهن إلى العمل من أكبر أسباب الفتن حيث قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم" ما تركت فتنة بعدى فى الناس أضر على الرجال من النساء" فعمل المرأة كان سببا فى انتشار البطالة وما حولها من مشكلات ... ، وهناك أمهات كن يتركن أولادهن وهم مرضى ومنهن من تعود فتجد أن طفلها قد فارق الحياة ... ، ومنهن من ينفقن راتبهن على الملابس الفاخرة ، ولضيق الوقت بعد العودة من العمل يشترين الطعام المجهز مما يوقع بالأسرة فى الأزمات المادية المستمرة ... ، إن المرأة المسلمة أشبه بالجوهرة التى يسعى صاحبها لإخفائها عن أعين الناس وهذا هو تكريم

__________________

(١) سورة الفرقان الآية ٥٣.

(٢) سورة يونس الآية ٢٢.

١١٦

الإسلام لها ... ، لذلك وجب على المرأة عند خروجها أن ترتدى نقابها ، والدليل على مشروعية النقاب قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم" لا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين" (١) ... ، فالمرأة عليها أن تطيل ثوبها وفى ذلك طهارة لها ، وأما الرجل فلا يجر ثوبه يقول صلى‌الله‌عليه‌وسلم" ما أسفل الكعبين من الإزار ففي النار" (٢) تقول المستشرقة تراتوساجان : أيتها المرأة الشرقية إن الذين ينادون باسمك ، ويدعون إلى خلع حجابك ومساواتك بالرجل ، إنهم يضحكون عليك ... ، فقد ضحكوا علينا من قبلك ... ، فعلينا بالعودة إلى الله ، وليعلم كل راع أنه مسئول عن رعيته ... ، لقد أهلك الظالمون من قبلنا لظلمهم وإفسادهم ، ولقد أهلك الله تعالى إحدى المدن المشهورة فى إيطاليا حيث انتشر بها الفساد والدعارة ، فأصابها البركان الذى ابتلع سكانها فى لحظات وهم على مجونهم وفسادهم فأضاعوا الدنيا والآخرة ... ، ولقد أهلك الشح من كانوا قبلنا فلا يدخل الجنة شحيح حيث يبخل بنعم الله التى منحه إياها ولا يملكها ... ، ومن أسباب هلاك الإنسان قطع صلة الرحم ، وعقوق الوالدين ، والتخلف عن الجهاد ... ، وعدم الخشوع فى الصلاة ، وموت الهمة فى الصبر على البلاء والدعوة إلى الله وهى واجب على الجميع ... ، فلا ينس كل مسلم أن هناك ابتلاء لا بد أن يمر به الجميع ، وهو شىء من الجوع ، ونقص من الأموال ، والأنفس ، والثمرات ، والبشرى والفوز لمن صبر واستعان بالله ... ، يقول سبحانه (أَ حَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ) (٣) ولقد أخبرنا الله تعالى أنه سيأتينا مثل الذين من قبلنا حيث زلزلوا ومروا بمواقف شديدة حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ... ، ونصر الله قريب من المؤمنين الذين أطاعوا الله فى كل شىء وبحثوا عن العلم ليزدادوا إيمانا ويدافعوا عن رسالتهم ويدعون إليها باليقين الثابت الذى يقهر الأعداء فى كل زمان ، يقول تعالى (وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) (٤) ... ،

__________________

(١) رواه البخارى.

(٢) رواه البخارى.

(٣) سورة العنكبوت الآية ٢.

(٤) سورة سبأ الآية ٦.

١١٧

ووعد الله من يجاهد من أجل تلك الرسالة أن يهديه إلى سبل الخير ... ، ولقد عقدت مؤتمرات كثيرة عن الإعجاز العلمى فى كل مكان وظهر علماء كثيرون فى هذا المجال لم نكن نعرفهم ليتحقق قوله سبحانه (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آياتِهِ فَتَعْرِفُونَها) (١) ... ، لقد أرسل الله تعالى على المشركين فى غزوة الخندق ريحا وجنودا من الملائكة اقتلعت خيامهم وقلبت قدورهم وكان عددهم عشرة آلاف مقاتل ، وقذف الله الرعب فى قلوبهم وعادوا مهزومين ، ولم تضر تلك الريح بالمسلمين رغم وجودهم فى نفس ساحة المعركة ... ، وفى غزوة بدر نزلت الملائكة تقاتل فى صفوف المسلمين ... ، وفى غزوة حنين رمى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بحفنة من تراب فى وجوه القوم فأصابتهم جميعا ... ، ولقد كثر للنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم الطعام فى غزواته وكان الماء ينبع من بين أصابعه ، ودعا صلى‌الله‌عليه‌وسلم لعبد الله بن عتيق حين كسرت ساقه فشفيت بإذن الله ... ، إن من عرف حلاوة الإيمان لا يشك أبدا فى وعد الله ، فالسحرة فى عهد موسى عليه‌السلام ، حين أدركوا هذا المعنى خروا ساجدين ... ، وألقى إبراهيم عليه‌السلام فى النار ولم يبالى ... ، وصبرت عائلة عمار بن ياسر على أشد العذاب ... ، ورأى عبد الله بن حذافة بعض الأسرى يدخلون القدر لحما ويخرجون عظاما فبكى ، وحين سأله ملك الروم عن سر ذلك قال ابكى لأن لى نفس واحدة ، وكنت أتمنى أن تكون لى مائة نفس تقتل فى سبيل الله ... ، إن موضع سوط أحدنا فى الجنة خير من الدنيا وما فيها ... ، وغمسه فى نار جهنم تنسيك ما رأيته من النعيم ... ، فما قيمة الدنيا أمام هذا النعيم ، وأى شىء فيها ينسيك هذا العذاب ... ، إن رسالة الإسلام كل ما فيها معجز والطريق إليها هو الطريق إلى الجنة ... ، لقد أسلم أحد علماء فرنسا حين ظل عاما كاملا يبحث فى سر عدم اختلاط ماء البحر الأحمر بماء خليج عدن حيث يلتقون عند مضيق باب المندب ، حيث يقول وجدت جبهة فاصلة بينهم من ماء ثالث يختلف فى الملوحة والكثافة والأحياء المائية يفصل بين الكتلتين ولقد تعجب وأعلن إسلامه حين علم بأنه البرزخ الذى ذكر فى القرآن

__________________

(١) سورة النمل الآية ٩٣.

١١٨

الكريم منذ ألف وأربعمائة عام فى قوله تعالى (مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ) (١) ... ، وحين اكتشف العلماء أن الناصية وهى بالفص الجبهى الأمامى وهى المسئولة عن توجيه تصرف الإنسان من الصدق والكذب والصواب والخطأ كان قوله تعالى عن ناصية ابى جهل (كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ* ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ) (٢) ... ، وكانت الناصية هى الموجهة لتصرفات الحيوان بأمر الله أيضا يقول تعالى (ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها) (٣) ... ، ولقد اكتشف العلماء أن هناك فى أرض العرب عند تصوير طبقات الأرض من أسفل وجدوا قرى بأكملها ومجارى أنهار وهناك على سطح الأرض آثار الأخاديد ومجارى السيول لم تزل محفورة ، ووجد العلماء أن أرض العرب كانت بساتين وأنهار قبل ذلك وحين سألوا العالم الفريد كرونر عن ذلك قال نعم كانت بساتين وأنهار منذ عشرة آلاف عام فى العصر الجليدى الأول ، وسوف تصير مروجا وانهارا فى العصر الجليدى الثانى وقد أخبرنا صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن ذلك منذ ألف وأربعمائة عام فى الحديث الشريف" لا تقوم الساعة حتى تعود أرض العرب مروجا ونهارا" (٤) أى بساتين وأنهار ... ، قال العالم كرونر حين استمع إلى هذا الحديث ، لا يمكن أن يكون هذا إلا الوحى من السماء (٥) ... ، إن الله تعالى هو الحق ، وهو الذى يجيب المضطر ، وكم من مضطر رفع يده إلى السماء وأجيبت دعوته قبل أن يخفضها وبعض الدعاء كانت الإجابة بعد ساعات وبعضها بعد يوم أو أيام وذلك بإذن العليم الخبير ... ، ولنا مثل فى تلك المرأة المغربية التى احتار معها أطباء الغرب حيث كانت تعانى من مرض السرطان ... ، وحين وجدت أنه لا جدوى مع الأطباء ، توجهت إلى الله تعالى ، وعلمت من حديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن ماء زمزم طعام طعم وشفاء سقم ، وأنه لما شرب له ، فذهبت إلى الحرم وظلت أسبوع تشرب من ماء زمزم

__________________

(١) سورة الرحمن الآية ١٩ ، ٢٠.

(٢) سورة العلق الآية ١٥ ، ١٦.

(٣) سورة هود الآية ٥٦.

(٤) رواه البخارى.

(٥) الأدلة المادية على وجود الله ـ الشيخ محمد متولى الشعراوى.

١١٩

وبعدها ذهبت لإجراء الفحوصات فتعجب الأطباء وأرادوا منها أن تدلهم على العلاج الذى استخدمته حيث هناك الكثير من الحالات التى إحتار معها الأطباء بالنسبة لنفس المرض ... ، إن الله تعالى هو المجيب وهو الحكيم ... ، أحكم كل شىء فدرجة حرارة الجسم ثابتة صيفا وشتاء عند ٣٧ م ، ودرجة حرارة الكبد تختلف عن درجة حرارة العين وعن بقية أعضاء الجسم ولا يحدث استطراق لأن العين لو زادت حرارتها عند درجة معينة لكانت سببا فى فقد البصر ... ، وكذلك فإن نسبة السكر فى الدم تنتظم بواسطة أجهزة خاصة كالبنكرياس ... ، ونسبة البولينا فى الدم لها جهازها المنظم ... ، والإنزيمات الهاضمة التى تحول النشويات إلى السكر لها خطواتها المنظمة ... ، وكذلك تحويل البروتينات إلى الأحماض الأمينية ، والدهون إلى مستحلب دهنى ، كل ذلك أتقنه العليم الخبير ... ، وكذلك فإن آيات الله فى الكون كثيرة ، يقول تعالى (أَ فَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ) (١) ... ، والناظر إلى الإبل يجد الكثير من آيات الإبداع حيث نجد أن شفة الجمل العليا مشقوقة لأنه يتناول أشواك الصحراء التى تتشعب لأعلى ، وله القدرة على غلق أنفه تماما للوقاية من عواصف الرمال المفاجئة فى الصحراء ويأخذ الأنف الشكل الطولى وليس الدائرى وذلك يحميه من مقاومة دفع الهواء المحمل بالأتربة لذلك تصمم مصابيع السيارات الآن بهذا الشكل الطولى للتقليل من مقاومة الهواء ... ، والرقبة طويلة ليرى ما أمامه وما حوله ... ، ولأنه يقوم على قدميه الأمامتين فإن عظام العضد والساعد تلتحم لتكون أكثر صلابة وقدمه وساده لينة تساعده على السير فى رمال الصحراء والأماكن الصلبة ، واليابسة ... ، وهو يتمايل فى حركته للتخفيف من شعوره بالأحمال الثقيلة ، وعينيه على الجانبين أيضا للتقليل من مقاومة الهواء وبها رموش طويلة كشبكة عند العواصف الرملية فيغمض عينيه لكنه يرى من خلالها ... ، وأذنه قصيرة لعدم الاحتكاك بالتيارات الهوائية ، وله زوائد عظمية خلف الجبهة للتحكم فى حركتها مع اتجاه العواصف ، فسبحان الذى أتقن كل شىء خلقه ....

__________________

(١) سورة الغاشية الآية ١٧.

١٢٠