اللّباب في علوم الكتاب - ج ١٢

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي

اللّباب في علوم الكتاب - ج ١٢

المؤلف:

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي


المحقق: عادل أحمد عبد الموجود و علي محمّد معوّض
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-2298-3

الصفحات: ٥٩٢

لأنّ انقياد غيره له معلّل ، بأنّ غيره ممكن لذاته ، والممكن لذاته يلزم أن يكون محتاجا إلى السبب ، في طرفي الوجود ، والعدم ، فالماهيّات يلزمها الإمكان لزوما ذاتيّا والإمكان يلزمه الاحتياج إلى المؤثر لزوما ذاتيّا ، ينتج أنّ الماهيات يلزمها الاحتياج إلى المؤثّر لزوما ذاتيّا ، فهذه [الماهيات](١) موصوفة بالانقياد لله ـ تعالى ـ اتصافا ، دائما ، واجبا ، لازما ، ممتنع التّغير.

ثم قال (أَفَغَيْرَ اللهِ تَتَّقُونَ) ، أي : تخافون ؛ استفهام على طريق الإنكار ، أي : أنكم بعد ما عرفتم أن إله العالم واحد ، وأن كلّ ما سواه محتاج إليه ، في حدوثه وبقائه ، فبعد العلم بهذه الأصول ، كيف يعقل أن يكون للإنسان رغبة في غير الله أو رهبة من غير الله؟!.

قوله تعالى : (وَما بِكُمْ) يجوز في «ما» وجهان :

أحدهما : أن تكون موصولة ، والجارّ صلتها ، وهي مبتدأ ، والخبر قوله : (فَمِنَ اللهِ) والفاء زائدة في الخبر ؛ لتضمن الموصول معنى الشرط ، تقديره : والذي استقرّ بكم ، و (مِنْ نِعْمَةٍ) بيان للموصول.

وقدّر بعضهم متعلق «بكم» خاصّا ، فقال : «وما حلّ بكم أو نزل بكم».

وليس بجيّد ؛ إذ لا يقدر إلّا كونا مطلقا.

الثاني : أنها شرطية ، وفعل الشرط بعدها محذوف ، وإليه نحا الفراء ، وتبعه الحوفيّ وأبو البقاء.

قال الفرّاء (٢) : التقدير «وما يكن بكم». وقد ردّ هذا ؛ بأنّه لا يحذف فعل إلا بعد «إن» خاصّة في موضعين :

أحدهما : أن يكون من باب الاشتغال ؛ نحو (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ) [التوبة : ٦] لأن المحذوف في حكم المذكور.

الثاني : أن تكون «إن» متلوة ب «لا» النافية ، وأن يدلّ على الشرط ما تقدّمه من الكلام ؛ كقوله : [الوافر]

٣٣٢٤ ـ فطلّقها فلست لها بكفء

وإلّا يعل مفرقك الحسام (٣)

أي : وإلا تطلقها ، فحذف ؛ لدلالة قوله «فطلّقها» عليه.

__________________

(١) في أ: الذاتيات.

(٢) ينظر : معاني القرآن للفراء ٢ / ١٠٤.

(٣) البيت للأحوص. ينظر : ديوانه (١٩٠) ، الإنصاف ٧٢ ، شرح التصريح ٢ / ٢٥٢ ، العيني ٤ / ٤٣٥ ، الهمع ٢ / ٦٢ ، الدرر ٢ / ٧٨ ، البحر المحيط ٥ / ٤٨٦ ، الفتوحات ٢ / ٥٧٦ ، أمالي الشجري ١ / ٣٤١ ، الإنصاف ٧٢ ، المغني ٧٢٠ ، ابن عقيل ٤ / ١٠٧ ، شواهد المغني ٧٦٧ ، رصف المباني ١٨٨ ، أوضح المسالك (٥١٦) ، الكتاب ١ / ١٩٥ ، شذور الذهب ٣٤٣ ، الأشموني ٤ / ٢٥ ، الدر المصون ٤ / ٣٣٥.

اللّباب / ج ١٢ / م ٦

٨١

فإن لم توجد «لا» النافية ، أو كانت الأداة غير «إن» لم تحذف إلا ضرورة ، مثال الأول قول الشاعر : [الرجز]

٣٣٢٥ ـ قالت بنات العمّ : يا سلمى وإن

كان فقيرا معدما ؛ قالت : وإن (١)

أي : وإن كان فقيرا راضية ؛ ومثال الثاني قول الشاعر : [الرمل]

٣٣٢٦ ـ صعدة نابتة في حائر

أينما الرّيح تميّلها تمل (٢)

وقول الآخر : [الخفيف]

٣٣٢٧ ـ فمتى واغل ينبهم يحيّو

ه وتعطف عليه كأس السّاقي (٣)

فصل

لما بيّن أنّ الواجب على العاقل أن لا يتّقي غير الله ، بين ههنا أنه يجب عليه أن لا يشكر أحدا إلا الله تعالى ؛ لأنّ الشكر إنما يلزم على النعمة ، وكلّ نعمة تحصل للإنسان ، فهي من الله تعالى ، لقوله (وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ).

واحتجّوا على أن الإيمان حصل بتخليق الله بهذه الآية ؛ فقالوا : الإيمان نعمة وكلّ نعمة فهي من الله ، فالإيمان من الله تعالى ، وأيضا : فالنعمة عبارة عن كل ما ينتفع به ، وأعظم الأشياء نفعا هو الإيمان ، فثبت أنّ الإيمان نعمة ، وكل نعمة فهي من الله ؛ لقوله (وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ) وهذا اللفظ يفيد العموم ، وأيضا : فالموجود إمّا واجب لذاته ، وهو الله ـ تعالى ـ وإما ممكن لذاته ، والممكن لذاته ، لا يوجد إلا لمرجح ؛ إن كان واجبا لذاته ، كان حصول ذلك الممكن بإيجاد الله ـ تعالى ـ وإن كان ممكنا لذاته ، عاد التقسيم الأول فيه والتسلسل ؛ وهو محال ، فلا بدّ أن ينتهي إلى إيجاد الواجب لذاته ؛ فثبت بهذا أنّ كل نعمة فهي من الله.

واعلم أنّ النعم : إمّا دينيّة أو دنيويّة ، أما النعم الدينية : فهي إمّا معرفة الحقّ لذاته ، وإما معرفة الخير ؛ لأجل العمل به ، وأما النعم الدنيوية فهي : إمّا نفسانية ، وإما بدنية ، وإما خارجية ، وكل واحد من هذه الثلاثة جنس تحته أنواع خارجة عن الحصر والتحديد ؛ كما قال : (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لا تُحْصُوها) [إبراهيم : ٣٤] انتهى.

قوله : (إِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ) قال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ : يريد الأسقام ، والأمراض ، والقحط ، والحاجة (٤).

__________________

(١) تقدم.

(٢) البيت لكعب بن جعيل أو لحسام بن ضرار. ينظر : الكتاب ١ / ٤٥٨ ، المقتضب ٢ / ٧٥ ، أمالي الشجري ١ / ٣٣٢ ، الإنصاف ٦١٨ ، ابن يعيش ٩ / ١٠ ، الخزانة ١ / ٤٥٧ ، المؤتلف والمختلف ص ٨٤ ، المقاصد النحوية ٤ / ٤٢٤ ، شرح المفصل ٩ / ١٠ ، لسان العرب (حير) ، همع الهوامع ٢ / ٥٩ ، الدر المصون ٤ / ٣٣٥.

(٣) تقدم.

(٤) ذكره الرازي في «تفسيره» (٢٠ / ٤٢).

٨٢

[قوله] : (فَإِلَيْهِ تَجْئَرُونَ) الفاء جواب «إذا» والجؤار : رفع الصّوت ؛ قال رؤبة يصف راهبا : [المتقارب]

٣٣٢٨ ـ يداوم من صلوات الملي

ك طورا سجودا وطورا جؤارا (١)

ومنهم من قيّده بالاستغاثة ؛ وأنشد الزمخشريّ : [الكامل]

٣٣٢٩ ـ جأر ساعات النّيام لربّه

 ..........(٢)

وقيل : الجؤار : كالخوار ، جأر الثّور ، وخار : واحد ، إلّا أنّ هذا مهموز العين ، وذلك معتلها.

وقال الراغب (٣) : «جأر إذا أفرط في الدّعاء ، والتّضرّع تشبيها بجؤار الوحشيات» وقرأ (٤) الزهري : «تجرون» محذوف الهمزة ، وإلقاء حركتها على الساكن قبلها ، كما (٥) قرأ نافع : «ردا» في (رِدْءاً) [القصص : ٣٤].

ومعنى الآية : أنّه ـ تعالى ـ بيّن أن جميع النّعم من الله ، ثم إذا اتفق لأحد مضرة تزيل تلك النعم ؛ فإلى الله يستغيث ؛ لعلمه بأنّه لا مفزع للخلق إلا الله ، فكأنه ـ تعالى ـ قال لهم : فأين أنتم عن هذه الطريقة في حال الرخاء ، والسلامة.

قوله : (ثُمَّ إِذا كَشَفَ الضُّرَّ) «إذا» الأولى شرطية ، والثانية : فجائية جوابها ، وفي الآية دليل على أنّ «إذا» الشرطية لا تكون معمولة لجوابها ؛ لأنّ ما بعد «إذا» الفجائية لا يعمل فيما قبلها.

[وقرأ (٦) قتادة] : «كاشف» (٧) على فاعل. قال الزمخشريّ : «بمعنى «فعل» وهو أقوى من «كشف» لأن بناء المغالبة يدل على المبالغة».

قوله : «منكم» يجوز أن يكون صفة ل «فريق» ، و«من» للتبعيض ، ويجوز أن يكون للبيان ، قال الزمخشريّ (٨) : «كأنه قال : إذا فريق كافر ، وهم أنتم».

فصل

بين ـ تعالى ـ أنّ عند كشف الضرّ ، وسلامة الأحوال ، يفترقون : فريق منهم يبقى على

__________________

(١) البيت للأعشى وليس لرؤبة ، ينظر : ديوان الأعشى ٨٦ ، البحر المحيط ٥ / ٤٨٤ ، الرازي ٢٠ / ٥٢ ، الكشاف ٢ / ٤١٣ ، الألوسي ١٤ / ١٦٥ ، الطبري ١٤ / ١٢١ ، الدر المصون ٤ / ٣٣٦.

(٢) ينظر : أساس البلاغة (جأر) ، الدر المصون ٤ / ٣٣٦.

(٣) ينظر : المفردات ١٠٣.

(٤) ينظر : المحتسب ٢ / ١٠ ، والبحر ٥ / ٤٨٧ ، والدر المصون ٤ / ٣٣٦.

(٥) من الآية ١٤ من القصص ، وينظر : السبعة ٤٩٤.

(٦) في ب : وقرىء.

(٧) قرأ بها قتادة ينظر : المحتسب ٢ / ١٠ ، والشواذ ٧٣ ، والبحر ٥ / ٤٨٧ ، والدر المصون ٤ / ٣٣٦.

(٨) ينظر : الكشاف ٢ / ٦١١.

٨٣

كان عليه عند الضّراء ، أي : لا يفزع إلّا إلى الله ، وفريق منهم يتغيّرون فيشركون بالله ـ تعالى ـ غيره ؛ وهذا جهل وضلال ؛ لأنّه لما شهدت فطرته الأصليّة عند نزول البلاء ، والضرّ في ألّا يفزع إلا إلى الله ، ولا يستغاث إلا بالله ـ فعند زوال البلاء يجب ألّا يزول عن ذلك الاعتقاد ؛ ونظير هذه الآية قوله تعالى : (فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ) [لقمان : ٣٢].

قوله : (لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ) في هذه اللام ثلاثة أوجه :

أحدها : أن تكون لام كي ، وهي متعلقة ب «يشركون» ، أي : أن إشراكهم سببه كفرهم به.

الثاني : أنّها لام الصّيرورة ، أي : صار أمرهم إلى ذلك.

الثالث : أنّها لام الأمر ، وإليه نحا الزمخشريّ.

وقرأ (١) أبو العالية ، ورواها مكحول عن أبي رافع مولى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «فيمتعوا» بضمّ الياء من تحت ، ساكن الميم ، مفتوح الياء مضارع «متع» مبنيّا للمفعول ، «فسوف يعلمون» بالياء من تحت أيضا ، وهذا المضارع في هذه القراءة ، يجوز أن يكون حذف منه النون فيه ؛ إما للنصب ، عطفا على «ليكفروا» وإن كانت لام «كي» ، أو للصيرورة ، وإما للنصب أيضا ، ولكن على جواب الأمر إن كانت اللام للأمر ، ويجوز أن يكون حذفها للجزم ؛ عطفا على «ليكفروا» وإن كانت للأمر أيضا.

فصل

قال بعض المفسرين : هذه لام العاقبة ؛ كقوله تعالى : (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً) [القصص : ٨] يعني : أنّ عاقبته تلك التضرعات ، ما كانت إلا هذا الكفر.

والمراد بقوله : (بِما آتَيْناهُمْ) كشف الضرّ ، وإزالة المكروه ، وقيل : المراد به القرآن ، وما جاء به محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم من النبوة والشرائع.

ثمّ توعّدهم فقال : «فتمتّعوا» ، [والمراد منه التهديد](٢) ؛ كقوله (فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ) [الكهف : ٢٩] وقوله : (فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) أمركم ، وما ينزل بكم من العذاب.

قوله تعالى : (وَيَجْعَلُونَ لِما لا يَعْلَمُونَ نَصِيباً مِمَّا رَزَقْناهُمْ تَاللهِ لَتُسْئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ (٥٦) وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ سُبْحانَهُ وَلَهُمْ ما يَشْتَهُونَ (٥٧) وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (٥٨) يَتَوارى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ ما بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ أَلا ساءَ ما يَحْكُمُونَ (٥٩) لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ

__________________

(١) ينظر : المحتسب ٢ / ١١ ، والشواذ ٧٣ ، والبحر ٥ / ٤٨٧.

(٢) في أ: وهو تهديد.

٨٤

الْأَعْلى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٦٠) وَلَوْ يُؤاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ ما تَرَكَ عَلَيْها مِنْ دَابَّةٍ وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ (٦١) وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ ما يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنى لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ (٦٢) تَاللهِ لَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٦٣) وَما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)(٦٤)

قوله : (وَيَجْعَلُونَ لِما لا يَعْلَمُونَ نَصِيباً) الآية لما بيّن فساد قول أهل الشرك بالدلائل القاهرة ، شرح في هذه الآية تفاصيل أقوالهم.

قوله : (لِما لا يَعْلَمُونَ) الضمير في قوله : «يعلمون» يجوز أن يعود للكفار ، أي : لما يعلم ، ومعنى (لا يَعْلَمُونَ) أنهم يسمّونها آلهة ، ويعتقدون أنّها تضرّ ، وتنفع ، وتشفع ؛ وليس الأمر كذلك.

ويجوز أن تكون للآلهة ، وهي الأصنام ، أي : الأشياء غير موصوفة بالعلم.

قال بعضهم : والأوّل أولى ؛ لأنّ نفي العلم عن الحي حقيقة ، وعن الجماد مجاز ، وأيضا : الضمير في (وَيَجْعَلُونَ) عائد إلى المشركين ، فكذلك في قوله (لِما لا يَعْلَمُونَ) ، وأيضا فقوله : (لِما لا يَعْلَمُونَ) جمع بالواو والنون ؛ وهو بالعقلاء أليق منه بالأصنام.

وقيل : الثاني أولى ؛ لأنّا إذا أعدناه إلى المشركين ؛ افتقرنا إلى إضمار ؛ فإن التقدير : ويجعلون لما لا يعلمون إلها ، أو لما لا يعلمون كونه نافعا ضارّا ، وإذا أعدناه إلى الأصنام ، لم نفتقر إلى الإضمار ؛ لأن التقدير : ويجعلون لما لا علم لها.

وأيضا : لو كان هذا العلم مضافا إلى المشركين ، لفسد المعنى ؛ لأنه من المحال أن يجعلوا نصيبا مما رزقهم ، لما لا يعلمونه.

فإذا قلنا بالقول الأول ، احتجنا إلى الإضمار ، وذلك يحتمل وجوها :

أحدها : ويجعلون لما لا يعلمون له حقّا ، ولا يعلمون في طاعته [نفعا] ، ولا في الإعراض عنه ضرّا.

قال مجاهد : يعلمون أنّ الله خلقهم ويضرّهم وينفعهم ، ثم يجعلون لما لا يعلمون أنّه ينفعهم ، ويضرّهم نصيبا (١).

وثانيها : ويجعلون لما لا يعلمون إلهيّتها.

وثالثها : ويجعلون لما لا يعلمون السبب في صيرورتها آلهة معبودة.

__________________

(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٧ / ٥٩٨) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ٢٢٦) وعزاه إلى الطبري.

٨٥

قوله «نصيبا» هو المفعول الأول للجعل ، والجارّ قبله هو الثاني ، أي : ويصيّرون الأصنام.

[وقوله :] (مِمَّا رَزَقْناهُمْ) يجوز أن يكون نعتا ل «نصيبا» وأن يتعلق بالجعل ؛ ف «من» على الأول للتبعيض ، وعلى الثاني للابتداء.

فصل

في المراد بالنصيب احتمالات :

أحدها : أنهم جعلوا لله نصيبا من الحرث ، والأنعام ؛ يتقرّبون به إلى الله ، ونصيبا للأصنام ؛ يتقربون به إليها ، كما تقدم في آخر سورة الأنعام.

والثاني : قال الحسن ـ رحمه‌الله ـ : المراد بهذا النصيب : البحيرة ، والسّائبة ، والوصيلة ، والحام (١).

والثالث : ربما اعتقدوا في بعض الأشياء ، أنّه لما حصل بإعانة بعض تلك الأصنام ، كما أنّ المنجمين يوزّعون موجودات هذا العالم على الكواكب السبعة ، فيقولون : لرجل كذا وكذا من المعادن ، والنبات ، والحيوان ، وللمشتري أشياء أخرى.

ثمّ لمّا حكى عن المشركين هذا المذهب ، قال : (تَاللهِ لَتُسْئَلُنَ) وهذا في هؤلاء الأقوام خاصة بمنزلة قوله : (فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ) [الحجر : ٩٢ ، ٩٣] ، فأقسم الله سبحانه وتعالى ـ جل ذكره ـ على نفسه أنّه يسألهم ، وهذا تهديد شديد ؛ لأن المراد من هذا أنه يسألهم سؤال توبيخ ، وتهديد ، وفي وقت هذا السؤال احتمالان :

الأول : أنه يقع هذا السؤال عند قرب الموت ، ومعاينة ملائكة العذاب ، وقيل : عند عذاب القبر ، وقيل : في الآخرة.

الثاني : أنه يقع ذلك في الآخرة ، وهذا أولى ؛ لأنه ـ تعالى ـ قد أخبر بما يجري هناك من ضروب التوبيخ عند المسألة ، فهو إلى الوعيد أولى.

النوع الثاني من كلماتهم الفاسدة : قوله : (وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ) ونظيره قوله : (وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً) [الزخرف : ١٩] كانت خزاعة ، وكنانة تقول : الملائكة بنات الله.

قال ابن الخطيب (٢) : «أظنّ أنّ العرب إنّما أطلقوا لفظ البنات على الملائكة ؛ لأن الملائكة ـ عليهم الصلاة والسلام ـ لما كانوا مستترين عن العيون ، أشبهوا النساء في الاستتار ، فأطلقوا عليهم البنات».

وهذا الذي ظنّه ليس بشيء ، فإن الجنّ أيضا مستترون عن العيون ، ولم يطلقوا عليها لفظ البنات.

__________________

(١) ذكره الرازي في «تفسيره» (٢٠ / ٤٤).

(٢) ينظر : الفخر الرازي ٢٠ / ٤٤.

٨٦

ولمّا حكى عنهم هذا القول قال : «سبحانه» والمراد : تنزيه ذاته عن نسبة الولد إليه.

وقيل : تعجيب الخلق من هذا الجهل الصّريح ، وهو وصف الملائكة بالأنوثة ، ثم نسبتها بالولدية إلى الله ـ سبحانه وتعالى ـ والمعنى : معاذ الله.

قوله : (وَلَهُمْ ما يَشْتَهُونَ) يجوز فيه وجهان :

أحدهما : أن هذا الجملة من مبتدإ ، وخبر ، أي : يجعلون لله البنات ، ثمّ أخبر أنّ لهم ما يشتهون.

وجوّز الفرّاء ، والحوفيّ ، والزمخشري ، وأبو البقاء ـ رحمة الله عليهم ـ أن تكون «ما» منصوبة المحلّ ؛ عطفا على «البنات» و«لهم» عطف على الله ، أي : ويجعلون لهم ما يشتهون.

قال أبو حيّان (١) : وقد ذهلوا عن قاعدة نحويّة ، وهو أنه لا يتعدّى فعل المضمر إلى ضميره المتّصل ، إلّا في باب «ظنّ» وفي «عدم» و«فقد» ولا فرق بين أن يتعدى الفعل بنفسه ، أو بحرف الجرّ ؛ فلا يجوز : زيد ضربه ، أي : ضرب نفسه ، ولا «زيد مرّ به» ، أي : مر بنفسه ، ويجوز : «زيد ظنه قائما» ، و«زيد فقده وعدمه» أي : [ظن نفسه قائما ، وفقد](٢) نفسه ، وعدمها. إذا تقرّر هذا ، فجعل «ما» منصوبة عطفا على «البنات» يؤدّي إلى تعدّي فعل الضمير المتّصل ، وهو واو «يجعلون» إلى ضميره المتّصل ، وهو «هم» في «لهم» انتهى.

وهذا يحتاج إلى إيضاح أكثر من هذا ، وهو أنّه لا يجوز تعدي فعل الضمير المتصل ، ولا فعل الظاهر إلى ضميرها المتصل ، إلا في باب «ظنّ» وأخواتها من أفعال القلوب ، وفي «فقد» و«عدم» فلا يجوز زيد ضربه زيد ، أي : ضرب نفسه ، ويجوز : زيد ظنّه قائما ، وظنّه زيد قائما ، وزيد فقده وعدمه ، وفقده وعدمه زيد ، ولا يجوز تعدي فعل المضمر المتصل إلى ظاهر ، في باب من الأبواب ، لا يجوز : زيد ضرب نفسه ، وفي قولنا «إلى ضميرها المتصل» قيدان :

أحدهما : كونه ضميرا ، فلو كان ظاهرا كالنّفس لم يمتنع ، نحو : زيد ضرب نفسه وضرب نفسه زيد.

والثاني : كونه متّصلا ، فلو كان منفصلا ؛ جاز ، نحو : زيد ما ضرب إلّا إيّاه ، وما ضرب زيد إلّا إياه ، وأدلّة هذه المسألة مذكورة في كتب النّحو.

وقال مكي (٣) : «وهذا لا يجوز عند البصريين ، كما لا يجوز : جعلت لي طعاما إنّما يجوز جعلت لنفسي طعاما ، فلو كان لفظ القرآن : ولأنفسهم ما يشتهون ، جاز ما قال الفرّاء (٤) عند البصريين ، وهذا أصل يحتاج إلى تعليل ، وبسط كثير».

__________________

(١) ينظر : البحر المحيط ٥ / ٤٨٨.

(٢) زيادة من : أ.

(٣) ينظر : المشكل ٢ / ١٦.

(٤) ينظر : معاني القرآن للفراء ٢ / ١٠٥.

٨٧

وقال أبو حيّان ـ بعد ما حكى أنّ «ما» في موضع نصب عن الفرّاء ، ومن تبعه ـ : وقال أبو البقاء ، وقد حكاه ؛ وفيه نظر.

قال شهاب الدّين (١) : «وأبو البقاء لم يجعل النّظر في هذا الوجه ، إنّما جعله في تضعيفه ، بكونه يؤدّي إلى تعدي فعل المضمر المتّصل إلى ضميره المتصل في غير ما استثني ، فإنه قال : «وضعّف قوم هذا الوجه ، وقالوا : لو كان كذلك لقال : ولأنفسهم ، وفيه نظر» فجعل النظر في تضعيفه لا فيه».

وقد يقال : وجه النّظر أنّ الممتنع تعدى ذلك الفعل ، أي : وقوعه على ما جر بالحرف ، نحو : «زيد مرّ به» فإن المرور واقع ب «زيد» ، وأمّا ما نحن فيه ، فليس الجعل واقعا بالجاعلين ، بل ما يشتهون.

وكان أبو حيّان يعترض دائما على القاعدة المتقدمة بقوله تعالى : (وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ) [مريم : ٢٥] (وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ مِنَ الرَّهْبِ) [القصص : ٣٢].

والجواب عنهما ما تقدّم ، وهو أنّ الهزّ ، والضّم ليسا واقعين بالكاف ، وقد تقدّم لنا هذا البحث في مكان آخر ، وإنّما أعدته لصعوبته ، وخصوصيته ، هذا بزيادة فائدة ، وأراد بقوله : (وَلَهُمْ ما يَشْتَهُونَ) [النحل : ٥٧] أي : الشيء الذي يشتهونه ، وهو السّتر.

ثمّ إنه ـ تعالى ـ ذكر أنّ الواحد من هؤلاء المشركين لا يرضى بالبنت لنفسه فالذي لا يرتضيه لنفسه كيف ينسبه لله ـ تعالى ـ فقال تعالى : (وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى).

التّبشير في عرف اللغة : مختصّ بالخبر الذي يفيد السرور ، إلا أنّ أصله عبارة عن الخبر الذي يؤثر في تغيير بشرة الوجه ، ومعلوم أن السّرور كما يوجب تغير البشرة ، فكذلك الحزن يوجبه ؛ فوجب أن يكون التّبشير حقيقة في القسمين ، ويؤكّده قوله تعالى : (فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ) [آل عمران : ٢]. وقيل : المراد بالتّبشير ههنا الإخبار.

قوله : (ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا) يجوز أن تكون «ظلّ» ليست على بابها من كونها تدلّ على الإقامة نهارا على الصّفة المسندة إلى اسمها ، وأن تكون بمعنى : «صار» وعلى التقديرين هي ناقصة ، و«مسودّا» خبرها.

وأما «وجهه» ففيه وجهان :

أشهرهما ، وهو المتبادر إلى الذّهن أنه اسمها.

والثاني : أنه بدل من الضمير المستتر في «ظلّ» : بدل بعض من كلّ ، أي : ظلّ أحدهم وجهه ، أي : ظل وجه أحدهم.

قوله : «كظيم» يجوز أن يكون بمعنى فاعل ، وأن يكون بمعنى مفعول كقوله : (وَهُوَ

__________________

(١) ينظر : الدر المصون ٤ / ٣٣٨.

٨٨

مَكْظُومٌ) ، والجملة حال ، ويجوز أن يكون : (وَهُوَ كَظِيمٌ) حالا من الضّمير في «ظلّ» أو من «وجهه» أو من الضم ير في : «مسودّا».

وقال أبو البقاء : «فلو قرىء هنا «مسودّ» يعني بالرفع ، لكان مستقيما على أن يجعل اسم «ظل» مضمرا فيها ، والجملة خبرها».

وقال في سورة الزخرف [الآية : ١٧] : «ويقرآن بالرفع على أنه مبتدأ ، وخبر في موضع خبر ظلّ».

قوله : (يَتَوارى) يحتمل أن تكون مستأنفة ، وأن تكون حالا ممّا كانت الأولى حالا منه إلا «وجهه» فإنه لا يليق ذلك به ، ويجوز أن يكون حالا من الضمير في : «كظيم».

قوله (مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ) تعلق هنا جاران بلفظ واحد لاختلاف معناهما فإنّ الأولى للابتداء ، والثانية للعلّة ، أي : من أجل سوء ما بشّر به.

قوله : «أيمسكه» قال أبو البقاء : «في موضع الحال ، تقديره : يتوارى ، أي : متردّدا هل يمسكه أم لا؟».

وهذا خطأ عند النحويين ؛ لأنهم نصوا على أنّ الحال ، لا تقع جملة طلبيّة ، والذي يظهر أن هذه الجملة الاستفهامية معمولة لشيء محذوف هو حال من فاعل «يتوارى» ، ليتم الكلام ، أي : يتوارى ناظرا ، أو متفكّرا : (أَيُمْسِكُهُ عَلى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ) على تذكير الضمائر اعتبارا بلفظ «ما».

وقرأ الجحدريّ (١) : أيمسكها ، أم يدسّها مراعاة للأنثى ، أو لمعنى «ما».

وقرىء (٢) : أيمسكه أم يدسّها ، والجحدري ، وعيسى ـ رحمهما‌الله ـ على «هوان» بزنة فدان ، وفرقة على «هون» وهي قلقة ؛ لأنّ الهون بفتح الهاء : الرّفق ، واللين ، ولا يناسب معناه هنا ، وأمّا الهوان فمعنى «هون» المضموم.

قوله : (عَلى هُونٍ) فيه وجهان :

أحدهما : أنه حال من الفاعل ، وهو مروي عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ فإنه قال: أيمسكه (٣) مع [رضاه] بهوان نفسه ، وعلى رغم أنفه.

والثاني : أنه حال من المفعول ، أي : يمسكها ذليلة مهانة.

والدّس : إخفاء الشيء ، وهو هنا عبارة عن الوأد.

فصل

معنى الآية : أنّ وجهه يتغير تغير المغموم ، ويقال لمن لقي مكروها قد اسود وجهه

__________________

(١) القرطبي ١٠ / ٧٨ ، والبحر ٥ / ٤٨٨ ، والدر المصون ٤ / ٣٣٩.

(٢) ينظر : السابق نفسه.

(٣) في أ: رجاءه.

٨٩

غمّا ، وحزنا ، وإنما جعل اسوداد الوجه كناية عن الغمّ ؛ لأنّ الإنسان إذا قوي فرحه انشرح صدره ، وانبسط روح قلبه من داخل البدن ، ووصل إلى الأطراف ، ولا سيّما إلى الوجه لما بين القلب ، والدّماغ من التّعلق الشّديد ، وإذا وصل الرّوح إلى ظاهر الوجه أشرق الوجه ، وتلألأ ، واستنار ، وإذا قوي غمّ الإنسان احتقن الروح في داخل القلب ، ولم يبق منه أثر قويّ في ظاهر الوجه ، فلا جرم يصفرّ الوجه ، ويسودّ ، ويظهر فيه أثر الأرضية ، والكآبة ؛ فثبت أنّ من لوازم الفرح استنارة الوجه ، وإشراقه ، ومن لوازم الغمّ كمودة الوجه ، وغبرته ، وسواده ، فلهذا قال : (ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ) أي ممتلىء غمّا «يتوارى» به من القوم يتنحى عنهم ويتغيّب من سوء ما بشّر.

قال المفسّرون : كان الرجل في الجاهليّة إذا ظهر آثار الطّلق بامرأته توارى واختفى عن القوم إلى أن يعلم ما يولد له ، فإن كان ذكرا ؛ ابتهج به وإن كان أنثى حزن ، ولم يظهر أياما يدبر فيها رأيه ماذا يصنع بها؟ وهو قوله : (أَيُمْسِكُهُ عَلى هُونٍ) ، أي : أيحتبسه؟ والإمساك هنا : الحبس ، كقوله : (أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ) [الأحزاب : ٣٧] والهون : الهوان.

قال النضر بن شميل : يقال : إنه أهون عليه هونا ، وهوانا ، وأهنته هونا وهوانا ، وقد تقدّم الكلام فيه في سورة الأنعام عند قوله تعالى : (عَذابَ الْهُونِ) [الأنعام : ٩٣].

(أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ) والدّس : إخفاء الشيء في الشيء ، كانت العرب يدفنون البنات أحياء خوفا من الفقر عليهن ، وطمع غير الأكفاء فيهنّ.

قال قيس بن عاصم : يا رسول الله : إني واريت ثماني بنات في الجاهليّة ، فقال ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ : «أعتق عن كلّ واحدة منهنّ رقبة» ، فقال : يا نبيّ الله إنّي ذو إبل ، فقال ـ عليه الصلاة والسلام ـ «أهد عن كلّ واحدة منهنّ هديا» (١).

وروي أنّ رجلا قال : يا رسول الله : والذي بعثك بالحق نبيّا ما أجد حلاوة الإسلام منذ أسلمت قد كان لي بنت في الجاهليّة ، وأمرت امرأتي أن تزيّنها وتطيبها ، فأخرجتها إليّ فلمّا انتهيت بها إلى واد بعيد القعر ألقيتها فيه ، فقالت : يا أبت قتلتني ، فكلّما تذكّرت قولها لم ينفعني شيء ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم «ما كان في الجاهليّة فقد هدمه الإسلام ، وما كان في الإسلام يهدمه الاستغفار» (٢).

واعلم أنّهم كانوا مختلفين في قتل البنات ، فمنهم من يذبحها ، ومنهم من يحفر الحفيرة ، ويدفنها إلى أن تموت ، ومنهم من يرميها من شاهق جبل ، ومنهم من يغرقها ، وكانوا يفعلون ذلك تارة للغيرة ، وتارة للحميّة ، وتارة خوفا من الفقر ، والفاقة ، ولزوم النّفقة.

__________________

(١) أخرجه البيهقي (٨ / ١١٦) والطبراني في «الكبير» (١٨ / ٣٣٨) والبزار (٢٢٨٠ ـ كشف).

وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (٧ / ١٣٧) وقال : رواه البزار والطبراني ورجال البزار رجال الصحيح غير حسين بن مهدي الأيلي وهو ثقة.

(٢) ذكره الرازي في «تفسيره» (٢٠ / ٤٥ ـ ٤٦).

٩٠

وكان صعصعة عم الفرزدق إذا أحسّ شيئا من ذلك ، وجه إلى والد البنت إبلا يستحييها بذلك ، فقال الفرزدق مفتخرا به : [المتقارب]

٣٣٣٠ ـ وعمّي الذي منع الوائدات

وأحيا الوئيد فلم توءد (١)

(أَلا ساءَ ما يَحْكُمُونَ) ؛ لأنّهم بلغوا في الاستنكاف من البنت إلى أعظم الغايات.

أولها : أنه يسوّدّ وجهه.

ثانيها : أنّه يختفي عن القوم من شدّة نفرته عنها.

وثالثها : يقدم على قتلها مع أنّ الولد محبوب بالطبع ، وذلك يدلّ على أنّ النفرة من البنت تبلغ مبلغا لا مزيد عليه ، فالشيء الذي يبلغ الاستنكاف عنه إلى هذا الحدّ العظيم ، كيف يليق بالعاقل أن ينسبه لإله العالم القديم المقدّس العالي عن مشابهة جميع المخلوقات؟.

ونظير هذه الآية قوله تعالى : (أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى) [النجم : ٢١ ، ٢٢].

فصل

قال القرطبيّ : ثبت في صحيح مسلم أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «من ابتلي من البنات بشيء ، فأحسن إليهنّ كنّ له سترا من النّار» (٢).

وعن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «من عال جاريتين حتّى تبلغا ، جاء يوم القيامة أنا وهو كهاتين ، وضمّ أصابعه» أخرجهما مسلم (٣).

فصل

قال القاضي : «دلّت هذه الآية على بطلان الجبر ؛ لأنّهم يضيفون إلى الله ـ تعالى ـ من الظّلم ، والفواحش ما إذا أضيف إلى أحدهم أجهد نفسه في البراءة منه ، والتّباعد عنه ، فحكمهم في ذلك مشابه لحكم هؤلاء المشركين ، بل أعظم ؛ لأنّ إضافة البنات إلى الله إضافة قبح واحد ، وذلك أسهل من إضافة كل القبائح والفواحش إلى الله ـ تعالى ـ».

وجوابه : لما ثبت بالدّليل استحالة الصاحبة والولد على الله أردفه الله ـ تعالى ـ بذكر هذا الوجه الإقناعي ، وإلا فليس كل ما قبح في العرف قبح من الله ـ تعالى ـ ألا ترى أنّه لو زيّن رجل إماءه ، وعبيده ، وبالغ في تحسين صورهم ، ثمّ بالغ في تقوية الشّهوة فيهم

__________________

(١) ينظر : الديوان ١ / ١٧٣ ، القرطبي ١٠ / ٧٨ ، البغوي ٤ / ٩٧ ، مجاز القرآن ٢ / ٢٨٧ ، الخازن ٤ / ٩٧ ، الكشاف ٢ / ١٠٢ ، أمالي المرتضى ٢ / ٢٨٢ ، اللسان (وأد) الإصابة ٣ / ١٨٦.

(٢) أخرجه البخاري ١٠ / ٤٤٠ ، كتاب الأدب : باب رحمة الولد وتقبيله ومعانقته (٥٩٩٥) ومسلم ٤ / ٢٠٢٧ ، كتاب البر والصلة والآداب : باب فضل الإحسان إلى البنات (١٤٧ ـ ٢٦٢٩).

(٣) أخرجه مسلم في ٤ / ٢٠٢٨ ، كتاب البر والصلة والآداب : باب فضل الإحسان إلى البنات ١٤٩ ـ ٢٦٣١ ، والترمذي ٤ / ٢٨١ ، كتاب البر والصلة : باب ما جاء في النفقة على البنات والأخوات ١٩١٤.

٩١

وفيهن ، ثم جمع بين الكل ، وأزال الحائل ، والمانع ، فإنّ هذا بالاتّفاق حسن من الله ـ تعالى ـ وقبيح من كلّ الخلق ، فعلمنا أنّ التعويل بالوجوه المبنية على العرف إنّما تحسن إذا كانت مسبوقة بالدّلائل القطعيّة اليقينيّة ، وقد ثبت بالبراهين القطعيّة امتناع الولد على الله ، فلا جرم حسنت تقويتها بهذه الوجوه الإقناعيّة.

وأمّا أفعال العباد فقد ثبت بالدّلائل القطعيّة أنّ خالقها هو الله سبحانه وتعالى فكيف يمكن إلحاق أحد البابين بالآخر.

ثم قال : (لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ) والمثل السّوء : عبارة عن الصّفة السوء ، وهي احتياجهم إلى الولد ، وكراهيتهم الإناث خوفا من الفقر والعار (وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى) ، أي : الصّفة العالية المقدسة ، وهي كونه تعالى منزّها عن الولد.

قال ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ : مثل السّوء : النّار ، والمثل الأعلى شهادة أن لا إله إلا الله (وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)(١).

فإن قيل : كيف جاء (وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى) مع قوله تعالى : (فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثالَ).

فالجواب : أنّ المثل الذي يضربه الله حقّ وصدق ، والذي يذكره غيره باطل.

قال القرطبي (٢) في الجواب : «إن قوله تعالى : (فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثالَ) ، أي : الأمثال التي توجب الأشباه ، والنّقائص ، أي : لا تضربوا لله مثلا يقتضي نقصا وتشبها بالخلق ، والمثل الأعلى : وصفه بما لا شبيه له ولا نظير».

قوله تعالى : (وَلَوْ يُؤاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ) الآية لما حكى عن القوم عظيم كفرهم ، وقبيح قولهم ، بين أنه يمهل هؤلاء الكفار ، ولا يعاجلهم بالعقوبة إظهارا للفضل ، والرحمة ، والكرم.

قالت المعتزلة : هذه الآية دالّة على أنّ الظلم والمعاصي ليست فعلا لله تعالى ، بل تكون أفعالا للعباد ؛ لأنه ـ تعالى ـ أضاف ظلم العباد إليهم ، فقال ـ عزوجل ـ (وَلَوْ يُؤاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ) ، وأيضا : لو كان خلقا لله لكانت مؤاخذتهم بها ظلما من الله ، ولما منع الله ـ تعالى ـ العباد من الظلم ، فبأن يكون منزّها عن الظلم أولى ؛ ولأنّ قوله تعالى : «بظلمهم» الباء فيه تدلّ على العليّة ، كما في قوله تعالى : (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللهَ وَرَسُولَهُ) [الحشر : ٤]. وقد تقدّم الجواب مرارا.

فصل

ظاهر الآية يدلّ على أنّ إقدام الناس على الظّلم ؛ يوجب إهلاك جميع الدّواب ، وذلك غير جائز ؛ لأن الدّابّة لمّا لم يصدر عنها ذنب ، فكيف يجوز إهلاكها بسبب ظلم النّاس؟.

__________________

(١) ذكره البغوي في «تفسيره» (٣ / ٧٣).

(٢) ينظر : الجامع لأحكام القرآن ١٠ / ٧٩.

٩٢

وأجيب بوجهين :

أحدهما : أنّا لا نسلم أن قوله : (ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ) يتناول جميع الدّوابّ.

قال الجبائي ـ رحمه‌الله ـ : إن المراد لو يؤاخذهم الله بما كسبوا من كفر ، ومعصية لعجّل هلاكهم ، وحينئذ لا يبقى لهم نسل ، ومن المعلوم أنه لا أحد إلّا وفي أحد آبائه من يستحق العذاب ، وإذا هلكوا ؛ فقد بطل نسلهم ، فكان يلزمه أن لا يبقى في العالم أحد من النّاس ، وإذا [هلكوا](١) ، وجب ألا يبقى أحد من الدّواب أيضا ، لأن الدّواب مخلوقة لمنافع العباد ، وهذا وجه حسن.

الثاني : أنّ الهلاك إذا ورد على الظّلمة ، ورد أيضا على سائر النّاس والدّواب ، فكان ذلك الهلاك في حق الظلمة عذابا ، وفي حق [غيرهم امتحانا](٢) ، وقد وقعت هذه الواقعة في زمن نوح ـ عليه الصلاة والسلام ـ.

الثالث : أنه تعالى لو أخذهم لا نقطع القطر ، وفي انقطاعه انقطاع النّبت ، فكان لا يبقى على ظهرها دابّة.

عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ سمع رجلا يقول : إنّ الظّالم لا يضرّ إلّا نفسه فقال : «لا والله ، بل إنّ الحبارى لتموت في وكرها بظلم الظالم» (٣).

وعن ابن مسعود ـ رضي الله عنه : كاد الجعل يهلك في جحره بذنب ابن آدم ؛ فهذه الوجوه الثّلاثة مبنية على أنّ لفظ الدابة يتناول جميع الدّواب (٤).

والجواب الثاني : أنّ المراد بالدّابة الكافر ، قوله تعالى : (أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُ) سبيلا [الأعراف : ١٧٩] ، والكناية في قوله : «عليها» عائدة إلى الأرض ، ولم يسبق لها ذكر ، إلّا أن ذكر الدابة يدل على الأرض ، فإن الدابة إنّما تدبّ على الأرض.

قوله : (وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) كي يتوالدوا.

قال عطاء عن ابن عبّاس ـ رضي الله عنه ـ : يريد أجل يوم القيامة.

وقيل : منتهى العمر : (فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) [الأعراف : ٣٤].

قوله : (وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ ما يَكْرَهُونَ) ، أي : البنات التي يكرهونها لأنفسهم ومعنى :

__________________

(١) في ب : بطلوا.

(٢) في ب : غير الظلمة مجازا.

(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٧ / ٦٠١) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ٢٢٨) وزاد نسبته إلى عبد بن حميد وابن أبي الدنيا والبيهقي في «شعب الإيمان».

(٤) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٧ / ٦٠١) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ٢٢٧) وزاد نسبته إلى ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في «شعب الإيمان».

٩٣

«ويجعلون» : يصفون الله بذلك ، ويحكمون به له ، كقولك : جعلت زيدا على النّاس ، أي : حكمت بهذا الحكم. وتقدّم معنى الجعل عند قوله تعالى : (ما جَعَلَ اللهُ مِنْ بَحِيرَةٍ) [المائدة : ١٠٣].

قوله : (وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ) العامة على أنّ «الكذب» مفعول به ، و (أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنى) بدل منهم بدل كلّ من كلّ ، أو على إسقاط الخافض ، أي : بأن لهم الحسنى.

وقرأ (١) الحسن «ألسنتهم» بسكون التّاء تخفيفا ، وهي تشبه تسكين لام (بَلى وَرُسُلُنا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ) [الزخرف : ٨٠] ، وهمزة (بارِئِكُمْ) [البقرة : ٥٤] ونحوه.

والألسنة : جمع لسان مرادا به التذكير ، فجمع كما جمع فعال المذكر نحو : «حمار وأحمرة» ، وإذا أريد به التأنيث جمع جمع أفعل ، كذراع ، وأذرع.

وقرأ (٢) معاذ بن جبل رضي الله عنه : «الكذب» بضمّ الكاف والذّال ، ورفع الباء ، على أنّه جمع كذوب ، كصبور وصبر ، وهو مقيس.

وقيل : هو جمع كاذب ، نحو «شارف وشرف» ؛ كقول الشاعر : [الوافر]

٣٣٣١ ـ ألا يا حمز للشّرف النّواء

 ........... (٣)

وهو حينئذ صفة ل : «ألسنتهم» وحينئذ يكون (أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنى) مفعولا به والمراد بالحسن : البنون.

وقال يمان : يعني بالحسنة : الجنة في المعاد.

فإن قيل : كيف يحكمون بذلك ، وهم منكرون القيامة؟.

فالجواب : أنّ جميعهم لم ينكر القيامة ، فقد قيل : إنّه كان في العرب جمع يقرّون بالبعث ، ولذلك كانوا يربطون البعير النّفيس على قبر ، ويتركونه إلى أن يموت ويقولون : إنّ ذلك الميت إذا حشر ؛ يحشر معه مركوبه.

وقيل : إنهم كانوا يقولون : إن كان محمدا صادقا في قوله بالبعث ، تحصل لنا الجنّة بهذا الدين الذي نحن عليه.

قيل : وهذا القول أولى ، لقوله بعد : (لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ) فردّ عليهم قولهم ، وأثبت لهم النّار ؛ فدلّ على أنهم حكموا لأنفسهم بالجنّة.

قوله : (لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ) ، أي : حقّا. قال ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ نعم إن لهم النّار (٤).

__________________

(١) ينظر : البحر ٥ / ٤٩٠ ، والدر المصون ٤ / ٣٣٩.

(٢) ينظر : البحر ٥ / ٤٩ والمحتسب ٢ / ١١ ، والدر المصون ٤ / ٣٣٩.

(٣) تقدم.

(٤) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٧ / ٦٠٢) وذكره البغوي في «تفسيره» (٣ / ٧٤).

٩٤

قال الزجاج : «لا» رد لقولهم ، أي : ليس الأمر كما وصفوا ، «جرم» [فعلهم](١) أي : كسب ذلك القول لهم النّار ، فعلى هذا اللفظ «أنّ» في محلّ نصب بوقوع الكسب عليه.

وقال قطرب : «أنّ» في موضع رفع ، والمعنى : وجب أنّ لهم النّار ، وكيف كان الإعراب ، فالمعنى : أنّه يحق لهم النّار ، ويجب.

قوله : (وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ) قرأ نافع بكسر (٢) الراء ، اسم فاعل من أفرط ، إذا تجاوز فالمعنى : أنهم متجاوزون الحد في معاصي الله ـ تعالى ـ أو في الإفراط ، فأفعل هنا قاصر.

وقال الفارسي : كأنه من أفرط ، أي : صار ذا فرط ، مثل : أجرب ، أي : صار ذا جرب ، والمعنى : أنّهم ذو فرط إلى النّار كأنّهم قد أرسلوا إلى من يهيّىء لهم مواضع إلى النّار.

والباقون بفتحها ، اسم مفعول من : أفرطته ، وفيه معنيان :

أحدهما : أنه من أفرطته خلفي ، أي : تركته ونسيته ، حكى الفراء أنّ العرب تقول أفرطت منهم ناسا ، أي : خلفتهم ، والمعنى : أنّهم منسيّون متروكون في النّار.

والثاني : أنّه من أفرطته ، أي : قدمته إلى كذا ، وهو منقول بالهمزة من فرط إلى كذا ، أي : تقدّم إليه ، كذا قاله أبو حيان (٣) ، وأنشد للقطامي : [البسيط]

٣٣٣٢ ـ واستعجلونا وكانوا من صحابتنا

كما تعجّل فرّاط لورّاد (٤)

فجعل «فرط» قاصرا ، و«أفرط» منقولا.

وقال الزمخشري : «بمعنى مقدّمون إلى النّار معجّلون إليها ، من أفرطت فلانا وفرّطته ، إذا قدّمته إلى الماء».

فجعل «فعل» ، و«أفعل» بمعنى ؛ لأنّ «أفعل» منقول من «فعل» والقولان محتملان ، ومنه الفرط ، أي : المتقدم ، قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أنا فرطكم على الحوض» (٥) ، أي : سابقكم ، ومنه «جعله فرطا لأبويه وذخرا» ، أي : متقدما بالشّفاعة ، وبتثقيل الموازين ، والمعنى على هذا : أنهم قدموا إلى النّار ، وأنهم فرط الذين يدخلون بعدهم.

__________________

(١) في ب : أن لهم النّار.

(٢) ينظر : السبعة ٣٧٤ ، والإتحاف ٢ / ١٨٥ ، والنشر ٢ / ٣٠٤ والحجة ٣٩١ ، والتيسير ١٣٨ ، والبحر ٥ / ٤٩٠ ، والدر المصون ٤ / ٣٣٩.

(٣) ينظر : البحر المحيط ٥ / ٤٩٠.

(٤) ينظر : اللسان والتاج والصحاح (فرط) ، البحر المحيط ٥ / ٤٩١ ، الطبري ١٤ / ١٢٨ ، روح المعاني ١ / ١٧٣ ، الدر المصون ٤ / ٣٣٩.

(٥) تقدم.

٩٥

وقرأ (١) أبو جعفر في رواية «مفرّطون» بتشديد الرّاء مكسورة من فرّط في كذا ، أي : قصّر ، وفي رواية مفتوحة من فرّطته معدى بالتّضعيف ؛ أي من «فرط» بالتخفيف أي : تقدّم ، وسبق.

وقرأ عيسى (٢) بن عمر والحسن ـ رضي الله عنهما ـ «لا جرم إنّ لهم النار وإنهم» بكسر «إن» فيهما على أنهما جواب قسم ، أغنت عنه : «لا جرم».

ثم بين ـ تعالى ـ أن هذا الصّنع الذي صدر من مشركي قريش ، قد صدر عن سائر الأمم السّابقة في حق أنبيائهم ـ صلوات الله وسلامه عليهم ـ.

فقال : (تَاللهِ لَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ) أي : كما أرسلنا إلى هذه الأمّة ، وهذا تسلية للرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيما كان يناله من الغم بسبب جهالات القوم.

قالت المعتزلة : هذه الآية تدلّ على فساد قول المجبرة من وجوه :

أحدها : أنّه إذا كان خالق أعمالهم هو الله ـ تعالى ـ ، فلا فائدة في التّزيين.

والثاني : أنّ ذلك التزيين لما كان بخلق الله ـ تعالى ـ لم يجز ذمّ الشيطان بسببه.

والثالث : أنّ ذلك التزيين هو الذي يدعو الإنسان إلى الفعل ، وإذا كان حصول الفعل بخلق الله ـ تعالى ـ كان ضروريا ، فلم يكن التّزيين داعيا.

والرابع : أنّ على قولهم : الخالق لذلك العمل ، أجدر بأن يكون وليا لهم من الدّاعي إليه.

الخامس : أنه ـ تعالى ـ أضاف التزيين إلى الشّيطان ، ولو كان ذلك المزيّن هو الله ـ تعالى ـ لكانت إضافته إلى الشّيطان كذبا.

والجواب : إن كان مزين القبائح في أعين الكفّار هو الشيطان ، فمزين تلك الوساوس في عين الشيطان إن كان شيطانا آخر ؛ لزم التّسلسل ، وإن كان هو الله ـ تعالى ـ فهو المطلوب.

قوله : (فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ) يجوز أن تكون هذه الجملة حكاية حال ماضية ، أي : فهو ناصرهم ، أو آتية.

ويراد باليوم يوم القيامة ، والمعنى : فهو وليّ أولئك الذين زيّن لهم أعمالهم يوم القيامة ، وأطلق اسم اليوم على يوم القيامة لشهرته ، والمقصود أنّه لا وليّ لهم ، ولا ناصر لهم ؛ لأنهم إذا عاينوا العذاب ، وقد نزل بالشّيطان كنزوله بهم ، رأوا أنه لا مخلّص له منه كما لا مخلص لهم منه ؛ جاز أن يوبّخوا بأن يقال لهم : «هذا وليّكم اليوم» على وجه السّخرية.

__________________

(١) ينظر : النشر ٢ / ٣٠٤ ، والإتحاف ٢ / ١٨٥ ، والقرطبي ١ / ٨٠ والبحر ٥ / ٤٩١ ، والدر المصون ٤ / ٣٤٠.

(٢) ينظر : البحر ٥ / ٤٩٠ ، الدر المصون ٤ / ٣٤٠.

٩٦

وجوّز الزمخشري أن يعود الضمير على قريش ، فيكون حكاية حال في الحال لا ماضية ، ولا آتية ، والمعنى : أنّ الشّيطان يتولى إغواءهم ، وصرفهم عنك كما فعل بكفّار الأمم قبلك ، فعلى هذا رجع عن الإخبار عن الأمم الماضية إلى الإخبار عن كفّار مكّة ، وسمّاه وليا لهم ؛ لطاعتهم له ، ولهم عذاب أليم في الآخرة.

وجوّز الزمخشري أيضا أن يكون عائدا على «أمم» ، ولكن على حذف مضاف تقديره : فهو ولي أمثالهم اليوم.

واستبعده أبو حيان ، وكأن الذي حمله على ذلك قوله : «اليوم» فإنه ظرف خال ، وقد تقدّم أنه على حكاية الحال الماضية ، أو الآتية.

ثمّ ذكر ـ تعالى ـ أنه مع هذا الوعيد الشّديد ، قد أقام الحجّة ، وأزاح العلّة فقال تعالى : (وَما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ) ، أي وما أنزلنا عليك القرآن إلا لتبين بواسطة بيانات القرآن الأشياء التي اختلفوا فيها يعني أهل الملل ، والنحل ، والأهواء ، مثل التوحيد ، والشرك ، والجبر ، والقدر ، وإثبات المعاد ونفيه ، ومثل : تحريمهم الحلال كالبحيرة والسائبة وغيرهما ، وتحليلهم أشياء محرمة كالميتة.

فصل

قالت المعتزلة : واللام في «لتبيّن» تدلّ على أنّ أفعال الله معللة بالأغراض ، كقوله تعالى: (كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ) [إبراهيم : ١] وقوله عزوجل (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات : ٥٦].

والجواب : أنه لما ثبت بالعقل امتناع التعليل ، وجب صرفه إلى التّأويل.

قوله : (وَهُدىً وَرَحْمَةً) فيه وجهان :

أحدهما : أنهما انتصبا على أنهما مفعولان من أجلهما ؛ والناصب : و (أَنْزَلْنا) إليك ولما اتحد الفاعل في العلّة ، والمعلول ؛ وصل الفعل إليهما بنفسه ، ولما لم يتّحد في قوله : (وَما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ) ، أي : لأن تبين على أنّ هذه اللّام لا تلزم من جهة أخرى ، وهي كون مجرورها «أن» ، وفيه خلاف في خصوصية هذه المسألة ، وهذا معنى قول الزمخشري فإنه قال : «معطوفان على محل «لتبيّن» إلا أنهما انتصبا على أنهما مفعول بهما ؛ لأنّهما فعلا الذي أنزل الكتاب ، ودخلت اللام على : «لتبيّن» ؛ لأنه فعل المخاطب لا فعل المنزل ، وإنما ينتصب مفعولا له ما كان فعلا لذلك الفعل المعلل».

قال أبو حيّان (١) ـ رحمه‌الله ـ : «قوله : معطوفان على محل «لتبيّن» ليس بصحيح ؛ لأنّ محلّه ليس نصبا ، فيعطف منصوب ، ألا ترى أنّه لو نصبه لم يجز لاختلاف الفاعل».

__________________

(١) ينظر : البحر المحيط ٤ / ٤٩١.

اللّباب / ج ١٢ / م ٧

٩٧

قال شهاب الدّين (١) : «الزمخشريّ لم يجعل النّصب لأجل العطف على محلّه إنّما جعله بوصول الفعل إليهما لاتّحاد الفاعل ، كما صرح به فيما تقدّم آنفا ، وإنما جعل العطف لأجل التشريك في العلّة لا غير ، يعني : أنهما علّتان ، كما أنّ «لتبيّن» علة ، ولئن سلمنا أنه نصب عطفا على المحل ، فلا يضر ذلك ، وقوله : «لأنّ محله ليس نصبا» ممنوع ، وهذا ما لا خلاف فيه من أن محل الجار ، والمجرور النصب ؛ لأنه فضلة ، إلا أن تقوم مقام مرفوع ، ألا ترى إلى تخريجهم قوله : «وأرجلكم» في قراءة النصب على العطف على محل «برءوسكم» ، ويجيزون : مررت بزيد وعمرو على خلاف في ذلك بالنسبة إلى القياس ، وعدمه لا في أصل المسألة ، وهذا بحث حسن».

فصل

قال الكلبيّ : وصف القرآن بكونه هدى ، ورحمة لقوم يؤمنون ، يدل على أنّه ليس كذلك في حق الكلّ ، لقوله في أوّل البقرة : (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) [البقرة : ٢] ، وإنّما خص المؤمنين بالذكر ؛ لأنّهم هم المنتفعون به ، كقوله : (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها) [النازعات : ٤٥] ؛ لأنّ المنتفع بالإنذار هؤلاء القوم فقط (٢).

قوله تعالى : (وَاللهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (٦٥) وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَناً خالِصاً سائِغاً لِلشَّارِبِينَ (٦٦) وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)(٦٧)

قوله تعالى : (وَاللهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً) الآية اعلم أنّ المقصود الأعظم من هذا القرآن العظيم تقرير أصول أربعة : الإلهيّات ، والنبوات ، والمعاد ، وإثبات القضاء والقدر ، والمقصود الأعظم من هذه الأصول الأربعة : تقرير الإلهيّات ، فلهذا السّبب كلّما امتد الكلام في فصل من الفصول ، عاد إلى تقرير الإلهيّات ، فههنا لمّا امتد الكلام في وعيد الكفار ، عاد إلى تقرير الإلهيّات ، فقال : (وَاللهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً) وقد تقدّم تقرير هذه الدّلائل.

وقال تعالى : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ) سماع إنصاف وتدبّر ؛ والمراد : سماع القلوب لا سماع الآذان.

والنوع الثاني من الدّلائل : الاستدلال بعجائب أحوال الحيوانات.

قوله تعالى : (وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ) والعبرة : العظة.

قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وحفص عن عاصم ، وحمزة والكسائي «نسقيكم» بضمّ

__________________

(١) ينظر : الدر المصون ٤ / ٣٤٠.

(٢) ينظر : تفسير الرازي (٢ / ٥١).

٩٨

النون هنا ، وفي المؤمنين ، والباقون (١) بفتح النون فيهما.

وهذه الجملة يجوز أن تكون مفسّرة للعبرة ، كأنه قيل : كيف العبرة؟ فقيل : نسقيكم من بين فرث ، ودم لبنا خالصا ، ويجوز أن يكون خبرا لمبتدأ ، [مضمر](٢) ، والجملة جواب لذلك السؤال ، أي : هي ، أي : العبرة نسقيكم ، ويكون كقوله : «تسمع بالمعيديّ خير من أن تراه».

واختلف النّاس : هل سقى ، وأسقى لغتان بمعنى واحد ، أم بينهما فرق؟.

خلاف مشهور ، فقيل : هما بمعنى واحد ، وأنشد جمعا بين اللغتين فقال : [الوافر]

٣٣٣٣ ـ سقى قومي بني مجد وأسقى

نميرا والقبائل من هلال (٣)

دعى للجميع بالسقي ، والخصب ، و«نميرا» هو المفعول الثاني ، أي : ما نميرا ، وقال أبو عبيدة : من سقى الشّفة : «سقى» فقط ، ومن سقى الشجر والأرض : «أسقى» ، وللداعي لأرض بالسقيا وغيرها : أسقى فقط.

وقال الأزهري (٤) ـ رحمه‌الله ـ : العرب تقول لكلّ ما كان من بطون الأنعام ، ومن السّماء ، أو نهر يجري أسقيته ، أي : جعلته شربا له ، وجعلت له منه مسقى ، فإذا كان للمنفعة قالوا : «سقى» ، ولم يقولوا : «أسقى».

وقال الفارسيّ (٥) : «سقيته حتّى روي ، وأسقيته نهرا جعلته له شربا».

وقيل : سقاه إذا ناوله الإناء ؛ ليشرب منه ، ولا يقال من هذا أسقاه.

وقرأ أبو (٦) رجاء «يسقيكم» بضمّ الياء من أسفل ، وفي فاعله وجهان :

أحدهما : هو الله ـ تعالى ـ.

والثاني : أنه ضمير النّعم المدلول عليه بالأنعام ، أي : نعما يجعل لكم سقياه.

وقرىء (٧) : «تسقيكم» بفتح التاء من فوق. قال ابن عطيّة : وهي ضعيفة.

قال أبو حيّان (٨) : «وضعفها عنده ـ والله أعلم ـ أنه أنّث في : «نسقيكم» وذكر في

__________________

(١) ينظر : السبعة ٣٧٤ ، والنشر ٢ / ٣٠٤ ، والحجة ٣٩١ ، والإتحاف ٢ / ١٨٦ ، والقرطبي ١٠ / ٢٨٢ ، والبحر ٥ / ٤٩٢ ، والدر المصون ٤ / ٣٤١.

(٢) في ب : محذوف.

(٣) تقدم.

(٤) ينظر : تهذيب اللغة ٩ / ٢٢٨.

(٥) ينظر : الحجة ٥ / ٧٤ ـ ٧٥.

(٦) ينظر : البحر ٥ / ٤٩٢ ، والدر المصون ٤ / ٣٤١.

(٧) وهي قراءة أبي جعفر ينظر : الإتحاف ٢ / ١٨٦ ، والنشر ٢ / ٣٠٤ ، والبحر ٥ / ٤٩٢ والقرطبي ١٠ / ٨٢ ، والدر المصون ٤ / ٣٤١.

(٨) ينظر : البحر المحيط ٥ / ٤٩٢.

٩٩

قوله : (مِمَّا فِي بُطُونِهِ) ، ولا ضعف من هذه الجهة ؛ لأنّ التّذكير ، والتّأنيث باعتبارين».

قال شهاب الدّين : وضعفها عنده من حيث المعنى ، وهو أنّ المقصود الامتنان على الخلق ، فنسبة السقي إلى الله هو الملائم لا نسبته إلى الأنعام.

قوله : (مِمَّا فِي بُطُونِهِ) يجوز أن تكون «من» للتبعيض ، وأن تكون لابتداء الغاية وعاد الضمير هاهنا على الأنعام مفردا مذكرا.

قال الزمخشريّ : ذكر سيبويه الأنعام في باب ما لا ينصرف في الأسماء المفردة الواردة على أفعال ، كقولهم «ثوب أسمال» ، ولذلك رجع الضمير إليه مفردا ، وأمّا (فِي بُطُونِها) [المؤمنون : ٢١] في سورة المؤمنين ، فلأنّ معناه الجمع ، ويجوز أن يقال في «الأنعام» وجهان :

أحدهما : أن يكون جمع تكسير : «نعم» كأجبال في جبل.

وأن يكون اسما مفردا مقتضيا لمعنى الجمع ، فإذا ذكر ، فكما يذكر «نعم» في قوله : [الرجز]

٣٣٣٤ ـ في كلّ عام نعم يحوونه

يلقحه قوم وينتجونه (١)

وإذا أنّث ففيه وجهان : أنّه تكسير نعم ، وأنه في معنى الجمع.

قال أبو حيّان : أمّا ما ذكره عن سيبويه ، ففي كتابه في هذا الباب ، ما كان على مثال مفاعل ، ومفاعيل ما نصّه : «وأمّا أجمال ، وفلوس فإنّها تنصرف ، وما أشبهها ؛ لأنّها ضارعت الواحد ، ألا ترى أنك تقول : أقوال ، وأقاويل ، وأعراب ، وأعاريب ، وأيد ، وأياد فهذه الأحرف تخرج إلى مثال : مفاعل ، ومفاعيل كما يخرج إليه الواحد ، إذا كسر الجمع ، وأما مفاعل ، ومفاعيل ، فلا يكسر ؛ فيخرج الجمع إلى بناء غير هذا البناء ؛ لأنّ هذا البناء هو الغاية فلما ضارعت الواحد صرفت».

ثمّ قال : وكذلك الفعول لو كسرت مثل الفلوس ؛ لأن يجمع جمعا لأخرجته إلى فعائل كما تقول : جدود ، وجدائد ، وركوب ، وركائب ، وركاب.

ولو فعلت ذلك بمفاعل ، ومفاعيل ، لم يجاوز هذا البناء ، ويقوي ذلك أنّ بعض العرب تقول : «أتي» للواحد فيضم الألف ، وأمّا أفعال ؛ فقد تقع للواحد ، من العرب من يقول : «هو الأنعام» ، قال ـ الله عزوجل ـ : (نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ). وقال أبو الخطّاب :

__________________

(١) البيت لقيس بن حصين الحارثي.

ينظر : الكتاب ١ / ٦٥ ، الخزانة ١ / ١٩٦ ، اللسان (نعم) ، العيني ١ / ٥٢٨ ، إعراب القرآن للنحاس ٢ / ٤٠٢ ، الإنصاف ١ / ٦٢ ، مجاز القرآن ١ / ٣٦٢ ، المخصص ١٧ / ١٩ ، الكشاف ٢ / ٦١٥ ، الطبري ١٤ / ١٣٢ ، التهذيب ١٣ / ١٣ ، حاشية الشهاب ٥ / ٣٤٦ البحر المحيط ٥ / ٤٩٣ ، الدر المصون ٤ / ٣٤٢.

١٠٠