اللّباب في علوم الكتاب - ج ١٢

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي

اللّباب في علوم الكتاب - ج ١٢

المؤلف:

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي


المحقق: عادل أحمد عبد الموجود و علي محمّد معوّض
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-2298-3

الصفحات: ٥٩٢

قال ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ : في البر على الخيل والبغال والحمير والإبل ، وفي البحر على السفن (١).

(وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ) يعني لذيذ الطعام والمشارب ، (وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلاً).

واعلم أنه قال في أول الآية (وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ).

وقال في آخرها : (وَفَضَّلْناهُمْ) ولا بد من الفرق بين التكريم والتفضيل ، وإلا لزم التكرار ، والأقرب أن يقال : إنه تعالى فضل الإنسان على سائر الحيوانات بأمور خلقية طبعية ذاتية ؛ كالعقل ، والنطق ، والخط ، والصورة الحسنة ، والقامة المديدة ، ثم إنه تعالى عرضه بواسطة العقل والفهم لا كتساب العقائد الحقة ، والأخلاق الفاضلة ، فالأول : هو التكريم ، والثاني : هو التفضيل.

فصل

ظاهر الآية يدل على أنه فضلهم على كثير من خلقه ، لا على الكل ، فقال قوم : فضلوا على جميع الخلق ، لا على الملائكة ، وهذا قول ابن عباس (٢) ، واختيار الزجاج على ما رواه الواحدي (٣) في «البسيط».

وقال الكلبي : فضلوا على جميع الخلائق كلهم ، إلا على طائفة من الملائكة : جبريل ، ميكائيل ، وإسرافيل ، وملك الموت ـ صلوات الله عليهم أجمعين ـ وأشباههم (٤).

وقال قوم : فضلوا على جميع الخلق ، وعلى الملائكة كلهم ، وقد يوضع الأكثر موضع الكل ؛ كقوله سبحانه (هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ) إلى قوله : (وَأَكْثَرُهُمْ كاذِبُونَ) [الشعراء : ٢٢١ ـ ٢٢٣] أي : كلهم.

وروى جابر يرفعه : قال «لما خلق الله ـ عزوجل ـ آدم ، وذريته ، قالت الملائكة : يا رب ، خلقتهم يأكلون ، ويشربون ، وينكحون ، فاجعل لهم الدنيا ، ولنا الآخرة ، فقال تعالى : لا أجعل من خلقته بيدي ، ونفخت فيه من روحي ، كمن قلت له : كن فكان» (٥).

__________________

(١) ذكره الرازي في «تفسيره» (٢١ / ١٣).

(٢) ويؤيده ما روي أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : ما من شيء أكرم على الله من بني آدم يوم القيامة. قيل يا رسول الله ولا الملائكة المقربون قال ولا الملائكة.

ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ٣٥٠) وعزاه إلى الطبراني والبيهقي في «الشعب» والخطيب في «تاريخه».

(٣) ينظر : الرازي ٢١ / ١٤.

(٤) ذكره البغوي في «تفسيره» (٣ / ١٢٥).

(٥) أخرجه البيهقي ف ي «الأسماء والصفات» (ص ٣١٧) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ٣٥٠) وعزاه إلى البيهقي ف ي «الأسماء والصفات».

٣٤١

والأولى أن يقال : عوام الملائكة أفضل من عوام المؤمنين ، وخواص المؤمنين أفضل من خواص الملائكة ، قال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ) [البينة : ٧].

وروي عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : «المؤمن أكرم على الله من الملائكة الذين عنده» رواه البغوي (١) وأورده الواحدي في «البسيط».

واحتج القائلون بتفضيل الملائكة على البشر على الإطلاق بهذه الآية.

قال ابن الخطيب : وهو في الحقيقة تمسك بدليل الخطاب ، وتقريره أن يقال : تخصيص الكثير بالذكر يدل على أن الحال في القليل بالضد ، وذلك تمسك بدليل الخطاب.

قوله تعالى : (يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولئِكَ يَقْرَؤُنَ كِتابَهُمْ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً)(٧١)

لما ذكر كرامات الإنسان في الدنيا ، شرح درجات أحواله في الآخرة.

قوله تعالى : (يَوْمَ نَدْعُوا) : فيه أوجه :

أحدها : أنه منصوب على الظرفية ، والعامل «فضلناهم» أي : فضلناهم بالثواب يوم ندعو ، قال ابن عطية في تقريره : وذلك أن فضل البشر على سائر الحيوان يوم القيامة بين ؛ إذ هم المكلفون المنعمون المحاسبون الذين لهم القدر ؛ إلا أن هذا يرده أن الكفار [يومئذ] أخسر من كل حيوان ؛ لقولهم : (يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً) [النبأ : ٤٠].

الثاني : أنه منصوب على الظرف ، والعامل فيه «اذكر» قاله الحوفيّ وابن عطيّة ، وهذا سهو ؛ كيف يعمل فيه ظرفا؟ بل هو مفعول.

الثالث : أنه مرفوع المحلّ على الابتداء ، وإنما بني لإضافته إلى الجملة الفعلية ، والخبر الجملة بعده ، قال ابن عطيّة في تقريره : ويصحّ أن يكون «يوم» منصوبا على البناء ، لمّا أضيف إلى غير متمكّن ، ويكون موضعه رفعا بالابتداء ، وخبره في التقسيم الذي أتى بعده في قوله (فَمَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ) إلى قوله «ومن كان» قال أبو حيان : قوله «منصوب على البناء» كان ينبغي أن يقول : مبنيا على الفتح ، وقوله «لمّا أضيف إلى غير متمكّن» ليس بجيّد ؛ لأنّ المتمكّن وغير المتمكّن ، إنما يكون في الأسماء ، لا في الأفعال ، وهذا أضيف إلى فعل مضارع ، ومذهب البصريين فيه أنه معرب ، والكوفيون يجيزون بناءه ، وقوله : «[والخبر] في التقسيم» إلى آخره ، التقسيم عار من رابط يربط جملة التقسيم بالابتداء. قال شهاب الدين : الرابط محذوف للعلم به ، أي : فمن أوتي كتابه فيه.

__________________

(١) ينظر : تفسير البغوي (٣ / ١٢٥).

٣٤٢

الرابع : أنه منصوب بقوله (ثُمَّ لا تَجِدُوا) قاله الزجاج.

الخامس : أنه منصوب ب «يعيدكم» مضمرة ، أي : يعيدكم يوم ندعو.

السادس : أنه منصوب بما دلّ عليه (وَلا يُظْلَمُونَ) بعده ، أي : لا يظلمون يوم ندعو ، قاله ابن عطية وأبو البقاء (١).

السابع : أنه منصوب بما دلّ عليه «متى هو».

الثامن : أنه منصوب بما تقدّمه من قوله تعالى : (فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ).

التاسع : أنه بدل من (يَوْمَ يَدْعُوكُمْ). وهذان القولان ضعيفان جدّا ؛ لكثرة الفواصل.

العاشر : أنه مفعول به بإضمار «اذكر» وهذا ـ وإن كان أسهل التقادير ـ أظهر ممّا تقدّم ؛ إذ لا بعد فيه ولا إضمار كثير.

وقرأ العامة «ندعو» بنون العظمة ، ومجاهد (٢) «يدعو» بياء الغيبة ، أي : الله تعالى أو الملك ، و«كلّ» نصب مفعولا به على القراءتين.

وقرأ الحسن فيما نقله الدّانيّ عنه «يدعى» مبنيّا للمفعول «كلّ» مرفوع ؛ لقيامه مقام الفاعل ، وفيما نقله عنه غيره «يدعو» بضمّ الياء ، وفتح العين ، بعدها واو ، وخرجت على وجهين :

أحدهما : أن الأصل : «يدعون» فحذفت نون الرفع ، كما حذفت في قوله ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ : «لا تدخلوا الجنّة حتّى تؤمنوا ، ولا تؤمنوا حتّى تحابّوا» وقوله : [الرجز]

٣٤٤٦ ـ أبيت أسري وتبيتي تدلكي

وجهك بالعنبر والمسك الذّكي (٣)

و«كلّ» مرفوع بالبدل من الواو التي هي ضمير ، أو بالفاعلية ، والواو علامة على لغ ة «يتعاقبون فيكم ملائكة».

والتخريج الثاني : أنّ الأصل «يدعى» كما نقله عنه الدّاني ، إلّا أنّه قلب الألف واوا وقفا ، وهي لغة قوم ، يقولون : هذه أفعو وعصو ، يريدون : أفعى وعصا ، ثم أجري الوصل مجرى الوقف. و«كلّ» مرفوع لقيامه مقام الفاعل على هذا ، ليس إلّا.

قوله تعالى : (بِإِمامِهِمْ) يجوز أن تكون الباء متعلقة بالدعاء ، أي : باسم إمامهم ، قال مجاهد : بنبيّهم (٤).

__________________

(١) ينظر : الإملاء ٢ / ٩٤.

(٢) ينظر في قراءاتها الشواذ ٧٧ ، والكشاف ٤ / ٦٨٢ ، والبحر ٦ / ٢٦٠ ، والدر المصون ٤ / ٤٠٩.

(٣) تقدم.

(٤) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٨ / ١١٥) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ٣٥١) وزاد نسبته إلى ابن المنذر.

٣٤٣

ورواه أبو هريرة ـ رضي الله عنه ـ مرفوعا ، فيقال : يا أمّة فلان ، وقال أبو صالح والضحاك : بكتابهم (١).

وقال الحسن وأبو العالية : بأعمالهم (٢).

وقال قتادة : بكتابهم الذي فيه أعمالهم (٣) ؛ بدليل سياق الآية. وقوله تعالى : (أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ) [يس : ١٢].

وعن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ وسعيد بن جبير : بإمام زمانهم الذي دعاهم في الدنيا إلى ضلال أو هدى (٤).

قال تعالى : (وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا) [الأنبياء : ٧٣] وقال تعالى : (وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ) [القصص : ٤١].

وقيل : بمعبودهم.

وأن تكون للحال ، فيتعلق بمحذوف ، أي : ندعوهم مصاحبين لكتابهم ، والإمام : من يقتدى به ، وقال الزمخشريّ : «ومن بدع التفاسير : أن الإمام جمع «أمّ» وأنّ النّاس يدعون يوم القيامة بأمهاتهم دون آبائهم ، وأن الحكمة فيه رعاية حقّ عيسى ـ صلوات الله عليه ـ ، وإظهار شرف الحسن والحسين ، وألّا يفضح أولاد الزّنى» قال : «وليت شعري أيّهما أبدع : أصحّة لفظه ، أم بهاء حكمته؟».

وهو معذور لأنّ «أم» لا يجمع على «إمام» هذا قول من لا يعرف الصناعة ، ولا لغة العرب ، وأمّا ما ذكروه من المعنى ، فإنّ الله تعالى نادى عيسى ـ صلوات الله عليه ـ باسمه مضافا لأمّه في عدّة مواضع من قوله (يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ) [المائدة : ١١٠] ، وأخبر عنه كذلك ؛ نحو : (وَإِذْ قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ) [الصف : ٦] ، وفي ذلك غضاضة من أمير المؤمنين عليّ رضي الله عنه وكرّم وجهه.

قوله تعالى : (فَمَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ) يجوز أن تكون شرطية ، وأن تكون موصولة ، والفاء لشبهه بالشرط ، وحمل على اللفظ أولا في قوله (أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ) فأفرد ، وعلى المعنى ثانيا في قوله : «فأولئك» فجمع. لأن من أوتي كتابه في معنى الجمع.

__________________

وروي مثله عن أنس :

ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ٣٥١) وعزاه إلى ابن أبي حاتم وابن مردويه والخطيب في «تاريخه».

(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٨ / ١١٦) عن الحسن والضحاك وذكره البغوي في «تفسيره» (٣ / ١٢٥).

(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٨ / ١١٦) وينظر : تفسير البغوي (٣ / ١٢٥).

(٣) ينظر : المصدر السابق.

(٤) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٨ / ١١٦) عن ابن عباس ، وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ٣٥١) وعزاه إلى ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس.

٣٤٤

ثم قال : (وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً).

الفتيل : القشرة التي في شقّ النّواة ، وسمّي بذلك ؛ لأنّه إذا رام الإنسان إخراجه انفتل ، وهذا مثل يضرب للشّيء الحقير التّافه ، ومثله : القطمير والنّقير.

والمعنى : لا ينقصون من الثواب بمقدار فتيل ونظيره (وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً) وروى مجاهد عن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ قال : الفتيل هو الوسخ الذي يفتله الإنسان بين سبّابته وإبهامه(١).

وهو فعيل بمعنى مفعول.

فإن قيل : لم خصّ أصحاب اليمين بقراءة كتابهم ، مع أنّ أهل الشّمال يقرءونه؟! فالجواب (٢) : الفرق بينهما أنّ أهل الشّمال ، إذا طالعوا كتابهم ، وجدوه مشتملا على المهلكات العظيمة ، والقبائح الكاملة ، والمخازي الشديدة ، فيستولي الخوف والدهشة على قلبهم ، ويثقل لسانهم ، فيعجزوا عن القراءة الكاملة ، وأما أصحاب اليمين ، فعلى العكس ، فلا جرم أنّهم يقرءون كتابهم على أحسن الوجوه ، ثم لا يكتفون بقراءتهم وحدهم ، بل يقولون لأهل المحشر : (هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ) [الحاقة : ١٩] فظهر الفرق.

قوله تعالى : (وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى وَأَضَلُّ سَبِيلاً)(٧٢)

قوله تعالى : (وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ) : يجوز في «من» ما جاز في «من» قبلها ، وأمال الأخوان وأبو بكر (٣) «أعمى» في الموضعين من هذه السورة ، وأبو عمرو أمال الأول ، دون الثاني ، والباقون فتحوهما ، فالإمالة ؛ لكونهما من ذوات الياء ، والتفخيم ؛ لأنه الأصل ، وأمّا أبو عمرو ، فأمال الأول ؛ لأنه ليس أفعل تفضيل ، فألفه متطرفة لفظا وتقديرا ، والأطراف محل التغيير غالبا ، وأمّا الثاني ، فإنه للتفضيل ، ولذلك عطف عليه «وأضلّ» فألفه في حكم المتوسطة ؛ لأنّ «من» الجارّة للمفضول ، كالملفوظ بها ، وهي شديدة الاتصال بأفعل التفضيل ، فكأنّ الألف وقعت حشوا ، فتحصّنت عن التغيير.

كذا قرّره الفارسي والزمخشري ، وقد ردّ هذا بأنهم أمالوا (وَلا أَدْنى مِنْ ذلِكَ) مع التصريح ب «من» فلأن يميلوا «أعمى» مقدرا معه «من» أولى وأحرى.

وأمّا «أعمى» في طه [الآية : ١٢٤] فأماله الأخوان ، وأبو عمرو ، ولم يمله أبو بكر ، وإن كان يميله هنا ، وكأنه جمع بين الأمرين ، وهو مقيّد باتّباع الأثر ، وقد فرّق بعضهم :

__________________

(١) ذكره الرازي في «تفسيره» (٢١ / ١٧).

(٢) ينظر : الفخر الرازي ٢١ / ١٥.

(٣) ينظر : السبعة ٣٨٣ ، والتيسير ١٤٠ ، والحجة ٢٤٠٧ ، والنشر ٢ / ٥٤ والإتحاف ٢ / ٢٠٢ والحجة للقراء السبعة ٥ / ١١٢ ، والقرطبي ١٠ / ١٩٤ ، وروح المعاني ١٥ / ١٢٣ ، والوسيط ٣ / ١١٩ ، والدر المصون ٤ / ٤١٠.

٣٤٥

بأنّ «أعمى» في طه من عمى البصر ، وفي الإسراء من عمى البصيرة ؛ ولذلك فسّروه هنا بالجهل فأميل هنا ، ولم يمل هناك ؛ للفرق بين المعنيين ، والسؤال باق ؛ إذ لقائل أن يقول : فلم خصّصت هذه بالإمالة ، ولو عكس الأمر ، لكان الفارق قائما.

ونقل ابن الخطيب (١) ـ رحمه‌الله ـ عن أبي عليّ الفارسيّ ، قال : الوجه في تصحيح قراءة أبي عمرو أنّ المراد بالأعمى في الكلمة الأولى كونه في نفسه أعمى ، وبهذا التفسير تكون هذه الكلمة تامّة ، فتقبل الإمالة ، وأما في الكلمة الثانية ، فالمراد من الأعمى أفعل التفضيل ، وبهذا التقدير : لا تكون تامة ؛ فلم تقبل الإمالة.

فصل

قال عكرمة : جاء نفر من أهل اليمن إلى ابن عبّاس ، فسأله رجل عن هذه الآية ، فقال : اقرأ ما قبلها ، فقرأ (رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ) إلى قوله (تَفْضِيلاً).

فقال ابن عباس : من كان أعمى في هذه النّعم التي قد رأى وعاين ، فهو في الآخرة التي لم يعاين ولم ير أعمى وأضلّ سبيلا (٢).

وعلى هذا ؛ فالإشارة بقوله : «هذه» إلى النّعم المذكورة في الآيات المتقدمة.

روى الضحاك عن ابن عباس : من كان في الدنيا أعمى عما يرى من قدرة الله تعالى ، وعن رؤية الحقّ ، فهو في الآخرة أعمى أشدّ عمى (وَأَضَلُّ سَبِيلاً) ، أي : أخطأ طريقا (٣) وعلى هذا ؛ فالإشارة ب «هذه» إلى الدنيا.

وعلى هذين القولين : فالمراد من كان أعمى عن معرفة الدلائل ، والنّعم ، فبأن يكون في الآخرة أعمى القلب عن معرفة أحوال الآخرة أولى.

وقال الحسن : من كان في الدنيا ضالّا كافرا ، فهو في الآخرة أعمى ، وأضلّ سبيلا ؛ لأنّه في الدنيا ؛ تقبل توبته ، وفي الآخرة ، لا تقبل توبته (٤) ، وحمل بعضهم العمى الثاني على عمى العين والبصر ، ويكون التقدير : فمن كان في هذه الدنيا أعمى القلب حشر يوم القيامة أعمى العين والبصر ، كما قال تعالى : (وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً قالَ كَذلِكَ أَتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها وَكَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى) [طه : ١٢٤ ـ ١٢٦].

وقال جلّ ذكره : (وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمًّا) [الإسراء : ٩٧].

وهذا العمى زيادة في عقوبتهم.

__________________

(١) ينظر : الفخر الرازي ٢١ / ١٦.

(٢) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ٣٥١) وعزاه إلى الفريابي وابن أبي حاتم عن عكرمة.

(٣) ذكره الرازي في «تفسيره» (٢١ / ١٦).

(٤) ذكره البغوي في «تفسيره» (٣ / ١٢٦) والرازي في «تفسيره» (٢١ / ١٦).

٣٤٦

قوله تعالى : (وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنا غَيْرَهُ وَإِذاً لاتَّخَذُوكَ خَلِيلاً (٧٣) وَلَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً (٧٤) إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ وَضِعْفَ الْمَماتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنا نَصِيراً)(٧٥)

لما عدد في الآيات المتقدمة أقسام نعمه على خلقه ، وأتبعها بذكر درجات الخلق في الآخرة ، أردفه بما يجري مجرى تحذير الناس عن الاغترار بوساوس أرباب الضلال والانخداع بكلماتهم المشتملة على المكر والتّلبيس ، فقال عزوجل : (وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ).

روى عطاء عن ابن عباس قال : نزلت هذه الآية في وفد ثقيف أتوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقالوا : نبايعك على أن تعطينا ثلاث خصال ، قال : وما هنّ؟ قالوا : ألّا نحني في الصّلاة أي لا ننحني ولا نكسر أصنامنا بأيدينا ، وأن تمتّعنا باللّات سنة ، من غير أن نعبدها ، فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا خير في دين لا ركوع فيه ولا سجود ، وأمّا أن تكسروا أصنامكم بأيديكم فذلك لكم ، وأمّا الطّاغية يعني اللّات فإنّني غير ممتّعكم بها (١). وفي رواية : «وحرّم وادينا ، كما حرّمت مكّة شجرها ، وطيرها ، ووحشها ، فأبى ذلك رسول الله (٢) صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولم يجبهم ، فقالوا : يا رسول الله إنّا نحبّ أن تسمع العرب أنّك أعطيتنا ما لم تعط غيرنا ، وإنّي خشيت أن تقول العرب : أعطيتهم ما لم تعطنا ، فقل : الله أمرني بذلك ، فسكت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فطمع القوم في سكوته أن يعطيهم ، فصاح عليهم عليّ وعمر ـ رضي الله عنهما ـ وقالوا : أما ترون أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد أمسك عن الكلام ؛ كراهيّة لما تذكرونه ، فأنزل الله تعالى هذه الآية».

وقال سعيد بن جبير : كان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم يستلم الحجر الأسود ، فمنعته قريش ، وقالوا : لا ندعك ، حتّى تلم بآلهتنا وتمسّها ، فحدّث نفسه ؛ ما عليّ إذا فعلت ذلك ، والله يعلم أنّي لها كاره ، بعد أن يدعوني ، حتّى أستلم الحجر ، فأنزل الله هذه (٣).

وروى الزمخشريّ أنّهم جاءوا بكتابهم ، فكتب : بسم الله الرحمن الرحيم : هذا كتاب من محمّد رسول الله إلى ثقيف : لا يعشرون ، ولا يحشرون ، فسكت رسول الله ، ثم قالوا للكاتب : اكتب ولا يجبون والكاتب ينظر إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقام عمر بن الخطّاب ـ رضي الله عنه ـ وسلّ سيفه ، وقال : أسعرتم قلب نبيّنا يا ثقيف ، أسعر الله قلوبكم نارا ، فقالوا : لسنا نكلّمك ، إنّما نكلّم محمدا ، فنزلت الآية ، وهذه القصّة إنّما وقعت بالمدينة ؛ فلهذا قيل : إنّ هذه الآيات مدنية.

__________________

(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٨ / ١١٩) وذكره البغوي في «تفسيره» (٣ / ١٢٦ ـ ١٢٧).

(٢) ينظر : الفخر الرازي ٢١ / ١٧.

(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٨ / ١١٨ ـ ١١٩) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ٣٥٢) وزاد نسبته إلى ابن أبي حاتم.

٣٤٧

وروي أنّ قريشا قالت : اجعل آية رحمة آية عذاب ، وآية عذاب آية رحمة ؛ حتّى نؤمن بك ، فنزلت الآية.

قال القفال : ويمكن تأويل الآية من غير تقييد بسبب يضاف إلى نزولها فيه ؛ لأنّ من المعلوم أنّ المشركين كانوا يسعون في إبطال أمر الرسول ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ بأقصى ما يقدرون عليه ، فتارة كانوا يقولون : إن عبدت آلهتنا عبدنا إلهك ، فأنزل الله تعالى : (قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ) [الكافرون : ١ ، ٢]. (وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ) [القلم : ٩].

وعرضوا عليه الأموال الكثيرة ، والنّسوان الجميلة ؛ ليترك ادّعاء النبوة ، فأنزل الله ـ تعالى ـ : (وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ) [طه : ١٣١].

ودعوه إلى طرد المؤمنين عن نفسه ، فأنزل الله تعالى : (وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ) [الأنعام : ٥٢].

ودعوه إلى طرد الّذين يدعون ربّهم ، فيجوز أن تكون هذه الآيات نزلت في هذا الباب ، وذلك أنّهم قصدوا أن يفتنوه عن دينه ، وأن يزيلوه عن منهجه ، فبيّن الله ـ تعالى ـ أنّه يثبته على الدّين القويم ، والمنهج المستقيم ، وعلى هذا الطريق ، فلا حاجة في تفسير هذه الآيات إلى شيء من تلك الرّوايات.

قوله تعالى : (وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ) : «إن» هذه فيها المذهبان المشهوران : مذهب البصريين : أنها مخففة ، واللام فارقة بينها وبين «إن» النافية ، ولهذا دخلت على فعل ناسخ ، ومذهب الكوفيين أنها بمعنى «ما» النافية ، واللام بمعنى «إلّا» وضمّن «يفتنونك» معنى «يصرفونك» فلهذا عدّي ب «عن» تقديره : ليصرفونك بفتنتهم ، و«لتفتري» متعلق بالفتنة.

قوله : (وَإِذاً لَاتَّخَذُوكَ) «إذن» حرف جواب وجزاء ؛ ولهذا تقع أداة الشرط موقعها، و«لاتّخذوك» جواب قسم محذوف ، تقديره : إذن ، والله لا تخذوك ، وهو مستقبل في المعنى ؛ لأنّ «إذن» تقتضي الاستقبال ؛ إذ معناها المجازاة ، وهو كقوله : (وَلَئِنْ أَرْسَلْنا رِيحاً فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا) [الروم : ٥١] أي : ليظلنّ ، وقول الزمخشريّ : «أي : ولو اتّبعت مرادهم ، لاتّخذوك» تفسير معنى ، لا إعراب ، لا يريد بذلك أنّ «لاتّخذوك» جواب ل «لو» محذوفة ؛ إذ لا حاجة إليه.

فصل في معنى الآية

قال الزجاج : معنى الكلام : كادوا يفتنونك ، ودخلت «إن» و«اللام» للتأكيد ، و«إن» مخففة من الثقيلة ، واللام هي الفارقة بينها وبين النافية.

والمعنى : الشّأن أنّهم قاربوا أن يفتنوك ، أي : يخدعوك فاتنين ، وأصل الفتنة : الاختبار.

٣٤٨

يقال : فتن الصّائغ الذّهب ، إذا أدخله النّار ، وأذابه ؛ ليميّز جيّده من رديّه ، ثم استعمل في كلّ من أزال الشيء عن حدّه وجهته ، فقالوا : فتنة ، فقوله تعالى : (وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ). أي : يزيلونك ، ويصرفونك عن الذي أوحينا إليك ، وهو القرآن ، أي : عن حكمه ؛ وذلك لأنّ في إعطائهم ما سألوا مخالفة لحكم القرآن.

وقوله : (لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنا غَيْرَهُ) أي غير ما أوحينا إليك ، وقوله : (وَإِذاً لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلاً) أي لو فعلت ذلك ما أرادوا لا تخذوك خليلا ، وأظهروا للناس أنك موافق لهم على كفرهم وراض بشركهم ، ثم قال : (وَلَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ) يعني على الحق ، بعصمتنا إياك (لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ) أي تميل إليهم شيئا قليلا.

قرأ العامة بفتح كاد تركن مضارع ركن بالكسر ، وقتادة ، وابن مصرف ، وابن أبي إسحاق «تركن» بالضم مضارع «ركن» بالفتح ، وهذا من التداخل ، وقد تقدم تحقيقه في أواخر «هود» (١) و«شيئا» منصوب على المصدر ، وصفته محذوفة ، أي شيئا قليلا من الركون ، أو ركونا قليلا.

قال ابن عباس : يريد حيث سكوتك عن جوابهم.

قال قتادة : لما نزلت هذه الآية قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «اللهم لا تكلني إلى نفسي طرفة عين».

ثم توعد في ذلك أشد التوعد ، فقال : (إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ) أي ضعف عذاب الحياة وضعف عذاب الممات ، يريد عذاب الدنيا وعذاب الآخرة.

قال الزمخشري : فإن قلت : كيف حقيقة هذا الكلام؟ قلت : أصله لأذقناك عذاب الحياة ، وعذاب الممات ، لأن العذاب عذابان عذاب في الممات ، وهو عذاب القبر وعذاب في الحياة الآخرة ، وهو عذاب النار ، والضعف يوصف به نحو قوله تعالى : (فَآتِهِمْ عَذاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ) [الأعراف : ٣٨] يعني عذابا مضاعفا ، فكان أصل الكلام : لأذقناك عذابا ضعفا عذابا ضعفا في الحياة ، وعذابا ضعفا في الممات ثم حذف الموصوف ، فأثبت الصفة مقامه وهو الضعف ، ثم أضيفت الصفة إضافة الموصوف ، فقيل : ضعف الحياة ، وضعف الممات ، لما تقدم في القرآن من وصف العذاب بالضعف في قوله : (مَنْ قَدَّمَ لَنا هذا فَزِدْهُ عَذاباً ضِعْفاً فِي النَّارِ) [ص : ٦١] وحاصل الكلام أنك لو مكنت خواطر الشيطان من قلبك ، وعقدت على الركون إليه لاستحققت تضعيف العذاب عليك في الدنيا وفي الآخرة ، وصار عذابك مثلي عذاب المشرك في الدنيا ومثلي عذابه في الآخرة ، والسبب في تضعيف هذا العذاب أن أقسام نعم الله في حق الأنبياء عليهم‌السلام أكثر فكانت ذنوبهم أعظم ، وكانت العقوبة المستحقة عليها أكثر ، ونظيره قوله تعالى : (يا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ

__________________

(١) آية ١١٣.

٣٤٩

يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ) [الأحزاب : ٣٠].

فإن قيل : قال عليه‌السلام : «من سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة» فموجب هذا الحديث أنه عليه‌السلام لو عمل بما قالوه ، لكان وزره مثل وزر كل واحد من أولئك الكفار ، وعلى هذا التقدير فكان عقابه زائدا على الضعف.

فالجواب : إثبات الضعف لا يدل على نفي الزائد عليه إلا بالبناء على دليل الخطاب ، وهو دليل ضعيف ، ثم قال تعالى : (ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنا نَصِيراً) يعني : إذا أذقناك العذاب المضاعف لم تجد أحدا يخلصك من عذابنا.

فإن قيل : كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم معصوما ، فكيف يجوز أن يقرب مما طلبوه ، وما طلبوه كفر؟.

قيل : كان ذلك خاطر قلب لم يكن عزما ، وقد عفا الله عزوجل عن حديث النفس.

والجواب الصحيح هو أن الله تعالى قال : (وَلَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ). وقد ثبته الله ، فلم يركن إليهم ، وهذا مثل قوله تعالى : (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ) [النساء : ٨٣] وقد تفضل فلم يتبعوا.

فصل

احتج الطاعنون في عصمة الأنبياء ـ عليهم‌السلام ـ بهذه الآية ، فقالوا : هذه الآية تدل على صدور الذنب العظيم منهم من وجوه :

الأول : أن الآية دلت على أنه ـ عليه‌السلام ـ قرب من أن يفتري على الله الكذب ، وذلك من أعظم الذنوب.

الثاني : تدلّ على أنّه لولا أنّ الله ـ تعالى ـ ثبّته وعصمه ؛ لقرب من أن يركن إلى دينهم.

الثالث : لولا أنّه سبق جرم وجناية ، وإلّا فلا حاجة إلى ذكر هذا الوعيد الشّديد.

والجواب عن الأوّل : أنّ «كاد» معناه المقاربة ، أي : أنه قرب وقوعه في الفتنة ، وهذا لا يدلّ على الوقوع في تلك الفتنة ، بل يدلّ على عدم الوقوع ؛ كقولك : «كاد الأمير أن يضرب فلانا» لا يدلّ على أنّه ضربه.

والجواب عن الثاني : أنّ «لولا» تفيد انتفاء الشيء ؛ لثبوت غيره ؛ تقول : لولا عليّ ، لهلك عمرو ؛ إذ وجود عليّ منع من حصول الهلاك لعمرو ، فكذلك ها هنا.

فقوله : (وَلَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ).

معناه : أنّه لولا حصل تثبيت الله لمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم فكان حصول ذلك التّثبيت مانعا من حصول ذلك الرّكون.

والجواب عن الثالث : أنّ التهديد على المعصية لا يدلّ على الإقدام عليها ؛ لقوله

٣٥٠

ـ تعالى ـ : (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ) [الحاقة : ٤٤ ـ ٤٦].

وقوله تعالى : (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ) [الزمر : ٦٥].

وقوله : (وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ) [الأحزاب : ١].

فصل في ألا عصمة من المعاصي إلا بتوفيق الله تعالى

احتجّ أهل السنة على أنه لا عصمة من المعاصي إلّا بتوفيق الله تعالى ؛ بقوله تعالى : (وَلَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ) الآية ، فبيّن أنّه لولا تثبيت الله تعالى له ، لمال إلى طريقة الكفّار ، ولا شكّ أنّ محمّدا ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ كان أقوى من غيره في قوة الدّين ، وصفاء القلب واليقين ، فلما بيّن الله تعالى له أنّ بقاءه معصوما عن الكفر والضلال ، لم يحصل إلّا بإعانة الله تعالى وتوفيقه ، كان حصول هذا المعنى في حقّ غيره أولى.

قالت المعتزلة : المراد بهذا التّثبيت : الألطاف الصّارفة عن ذلك ، وهي ما أخطر الله بباله من ذكر وعده ووعيده ، ومن ذكر أنّ كونه نبيّا من عند الله يمنع من ذلك.

والجواب : لا شكّ أنّ التثبيت عبارة عن فعل فعله الله تعالى ، يمنع الرسول ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ من ذلك الوقوع في ذلك المحذور ، فنقول : لم يوجد المقتضي للإقدام على ذلك العمل المحذور في حقّ الرسول ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ لما كان لإيجاد هذا المنع حاجة ، وحيث وقعت الحاجة إلى تحصيل هذا المانع علمنا أنّ ذلك المقتضي قد حصل في حقّ الرسول ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ وأنّ هذا المانع الذي فعله الله تعالى لمنع ذلك المقتضي من العمل ، وهذا لا يتمّ إلّا إذا قلنا : إنّ القدرة مع الدّاعي توجب الفعل ، فإذا حصلت داعية أخرى معارضة للداعي الأوّل ، اختلّ المؤثّر ، فامتنع الفعل ، ونحن لا نريد إلّا إثبات هذا المعنى.

قوله تعالى : (وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْها وَإِذاً لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلاَّ قَلِيلاً)(٧٦)

قال مجاهد ، وقتادة : الأرض : أرض مكة (١) ، والآية مكيّة. همّ المشركون في أن يخرجوه منها ، فكفّهم الله عنه ؛ حتّى أمره بالهجرة ، فخرج بنفسه ، وهذا أليق بالآية ؛ لأنّ ما قبلها خبر عن أهل مكّة ، وهذا اختيار الزجاج.

وقال ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ : لمّا هاجر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى المدينة حسدته اليهود ، وكرهوا قربه منهم ، ومقامه بالمدينة ، فأتوه ، وقالوا : يا أبا القاسم ، لقد علمت ما هذه بدار الأنبياء ، وأنّ أرض الأنبياء بالشّام ، وهي الأرض المقدسة ، وبها كان إبراهيم

__________________

(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٨ / ١٢١) عن مجاهد وقتادة.

٣٥١

والأنبياء ـ صلوات الله عليهم ـ فإن كنت نبيّا مثلهم ، فأت الشّام ، وإنما يمنعك من الخروج إليها مخافتك الروم ، وإنّ الله يمنعك من الرّوم ، إن كنت نبيّا ، فعسكر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم على ثلاثة أميال من المدينة ، وقيل : بذي الحليفة ؛ حتّى يجتمع إليه أصحابه ، ويراه النّاس عازما على الخروج إلى الشّام ، فيدخلون في دين الله ـ سبحانه وتعالى ـ فأنزلت هذه الآية ، وهذا قول الكلبيّ (١) ، وعلى هذا ، فالآية مدنية ، والمراد بالأرض : أرض المدينة ، وكثر في التنزيل ذكر الأرض ، والمراد منها مكان مخصوص ؛ كقوله تعالى : (أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ) [المائدة : ٣٣] أي : من مواضعهم.

وقوله تعالى : (فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ) [يوسف : ٨٠].

يعني : التي كان يقصدها ؛ لطلب الميرة.

فإن قيل : قال الله تعالى : (وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ) [محمد : ١٣]. يعني : «مكّة»؟!.

فالجواب : أنّهم همّوا بإخراجه ، وهو ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ ما خرج بسبب إخراجهم ، وإنّما خرج بأمر الله تعالى ؛ فزال التّناقض ، والاستفزاز : هو الإزعاج بسرعة.

وإذا (لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ) : قرأ العامة برفع (٢) الفعل بعد «إذن» ثابت النون ، وهي مرسومة في مصاحف العامة ، ورفعه وعدم إعمال «إذن» فيه ثلاثة أوجه :

أحدها : أنّها توسّطت بين المعطوف ، والمعطوف عليه ، قال الزمخشريّ : «فإن قلت : ما وجه القراءتين؟ قلت : أمّا الشائعة ـ يعني برفع الفعل ـ فقد عطف فيها الفعل على الفعل ، وهو مرفوع لوقوعه خبر «كاد» وخبر «كاد» واقع موقع الاسم» قلت : فيكون (لا يَلْبَثُونَ) عطفا على قوله «ليستفزّونك».

الثاني : أنها متوسطة بين قسم محذوف وجوابه ، فألغيت لذلك ، والتقدير : وو الله ، إذن لا يلبثون.

الثالث : أنها متوسطة بين مبتدأ محذوف وخبره ، فألغيت لذلك ، والتقدير : وهم إذن لا يلبثون.

وقرأ أبيّ بحذف (٣) النون ، فنصبه ب «إذن» عند الجمهور ، وب «أن» مضمرة بعدها عند غيرهم ، وفي مصحف عبد الله «لا يلبثوا» بحذفها ، ووجه النصب : أنه لم يجعل الفعل معطوفا على ما تقدّم ، ولا جوابا ، ولا خبرا ، قال الزمخشريّ : وأمّا قراءة أبيّ ،

__________________

(١) ذكره الرازي في «تفسيره» (٢١ / ٢٠) عن ابن عباس.

(٢) ينظر في قراءاتها : الشواذ ٧٧ ، والإتحاف ٢٠٢ ، والبحر ٦ / ٦٣ والدر المصون ٤ / ٤١١.

(٣) ينظر : السبعة ٣٨٣ ، والنشر ٢ / ٣٠٨ ، والتيسير ١٤١ ، والإتحاف ٢ / ٢٠٢ ، والحجة للقراء السبعة ٥ / ١١٣ ، والحجة ٤٠٨ ، والقرطبي ١٠ / ١٩٥ ، والبحر ٦ / ٦٣ ، والدر المصون ٤ / ٤١٠.

٣٥٢

ففيها الجملة برأسها التي هي : إذن لا يلبثوا ، عطف على جملة قوله (وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ).

وقرأ عطاء «لا يلبّثون» بضمّ الياء ، وفتح اللام والباء ، مشددة مبنيّا للمفعول ، من «لبّثه» بالتشديد ، وقرأها يعقوب كذلك ، إلا أنه كسر الباء ، جعله مبنيا للفاعل.

قوله تعالى : «خلافك» قرأ (١) الأخوان ، وابن عامر ، وحفص : «خلافك» بكسر الخاء ، وألف بعد اللام ، والباقون بفتح الخاء ، وسكون اللام ، والقراءتان بمعنى واحد.

قال الأخفش : خلافك : بمعنى : خلفك.

وروى ذلك يونس عن عيسى ، وهذا كقوله : (بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللهِ) [التوبة : ٨١].

وأنشدوا في ذلك : [الكامل]

٣٤٤٧ ـ عفت الدّيار خلافهم فكأنّما

بسط الشّواطب بينهنّ حصيرا (٢)

والمعنى : بعد خروجك ، وكثر إضافة «قبل» و«بعد» ونحوهما إلى أسماء الأعيان ؛ على حذف مضاف ، فيقدّر من قولك : جاء زيد قبل عمرو ، أي : قبل مجيئه.

قوله تعالى : (إِلَّا قَلِيلاً) يجوز أن تكون صفة لمصدر ، أو لزمان محذوف ، أي : إلا لبثا قليلا ، أو إلّا زمانا قليلا ؛ أي : حتّى يهلكوا ، فالمراد بالقليل : إمّا مدّة حياتهم ، وإما ما بين خروج النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى المدينة إلى حين قتلهم ببدر.

قوله تعالى : (سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنا وَلا تَجِدُ لِسُنَّتِنا تَحْوِيلاً)(٧٧)

قوله تعالى : (سُنَّةَ) : فيه ثلاثة أوجه :

أحدها : أن ينتصب على المصدر المؤكّد ، أي : سنّ الله ذلك سنة ، أو سننّا ذلك سنّة.

الثاني : ـ قاله الفراء (٣) ـ رحمه‌الله ـ أنه على إسقاط الخافض ، أي : كسنّة الله تعالى ، وعلى هذا لا يوقف على قوله (إِلَّا قَلِيلاً).

الثالث : أن ينتصب على المفعول به ، أي : اتّبع سنّة.

فصل في سنة الله في رسله

سنة الله في الرّسل ، إذا كذّبتهم الأمم : ألا يعذّبهم ، ما دام نبيّهم بين أظهرهم ، فإذا

__________________

(١) ينظر : السبعة ٣٨٣ ، النشر ٢ / ٣٠٨ ، التيسير ١٤١ ، والقرطبي ١٠ / ١٩٥.

(٢) البيت لجرير ينظر : تفسير الطبري ١٥ / ٩٠ ، القرطبي ١٠ / ١٩٥ ، مجاز القرآن ١ / ٢٦٤ ، الكشاف ٢ / ٦٨٦ ، البحر ٦ / ٦٣ ، روح المعاني ١٥ / ١٣٠ ، التاج واللسان «خلف» ، الدر المصون ٤ / ٤١١.

(٣) ينظر : معاني القرآن للفراء ٢ / ١٢٩.

٣٥٣

خرج نبيهم من بين أظهرهم ، عذّبهم (وَلا تَجِدُ لِسُنَّتِنا تَحْوِيلاً) أي : إنّ ما أجرى الله به العادة ، لم يتهيّأ لأحد أن يقلب تلك العادة ؛ لأنّ اختصاص كلّ حادث بوقته المعيّن ، وصفته المعينة ليس أمرا ثابتا له لذاته ، وإلا لزم أن يدوم أبدا على تلك الحالة ، وألّا يتميّز الشيء عمّا يماثله في تلك الصّفات ، بل إنّما يحصل ذلك التخصيص بتخصيص المخصّص ، وهو الله تعالى يريد تحصيله في ذلك الوقت ، ثم تتعلق قدرته بتحصيله في ذلك الوقت ، فنقول : هذه الصفات الثلاث المؤثرة في حصول ذلك الاختصاص ، إن كانت حادثة ، افتقر حدوثها إلى مخصّص آخر ، وتسلسل ؛ وهو محال ، وإن كانت قديمة ، فالقديم يمتنع تغيّره ؛ لأنّ ما ثبت قدمه ، امتنع عدمه ، ولمّا كان التغيّر على تلك الصّفات المؤثّرة في ذلك الاختصاص ممتنعا ، كان التغيّر في تلك الأشياء المقدرة ممتنعا ، فثبت بهذا البرهان صحّة قوله تعالى : (وَلا تَجِدُ لِسُنَّتِنا تَحْوِيلاً).

قوله تعالى : (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً (٧٨) وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً)(٧٩)

في النظم وجوه :

أولها : أنه تعالى لمّا قرّر الإلهيّات والمعاد ، والنبوة ، أردفها بذكر الآية بالطّاعات ، وأشرف الطّاعات بعد الإيمان الصلاة ، فلهذا أمر بها.

وثانيها : أنه تعالى ، لمّا قال : (وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ).

أمره تعالى بالإقبال على عبادته ؛ لكي ينصره الله ، فكأنّه قيل : لا تبال بسعيهم في إخراجك من بلدك ، ولا تلتفت إليهم ، واشتغل بعبادة الله ، والدوام على الصلاة ؛ فإنه تعالى يدفع مكرهم وشرّهم عنك ، ويجعل يدك فوق أيديهم ، ودينك عاليا على أديانهم.

نظيره قوله تعالى : (فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِها وَمِنْ آناءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرافَ النَّهارِ لَعَلَّكَ تَرْضى) [طه : ١٣٠].

وقال تعالى : (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) [الحجر : ٩٧ ـ ٩٩].

وثالثها : أنّ اليهود ، لمّا قالوا له : اذهب إلى الشّام ، فإنه مسكن الأنبياء ، وعزم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم على الذّهاب إليه ، فكأنّه قيل له : المعبود واحد في كلّ البلاد ، وما النصر والقوّة والدولة إلا بتأييده ونصرته ، فداوم على الصّلوات ، وارجع إلى مقرّك ومسكنك ، فقل : (رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ) «واجعل لي» في هذه البلد (مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً) في تقرير دينك ، وإظهار شريعتك.

قوله تعالى : (لِدُلُوكِ) : في هذه اللام وجهان :

أحدهما : أنها بمعنى «بعد» أي : بعد دلوك الشمس ، ومثله قول متمّم بن نويرة : [الطويل]

٣٥٤

٣٤٤٨ ـ فلمّا تفرّقنا كأنّي ومالكا

لطول اجتماع لم نبت ليلة معا (١)

ومثله قولهم : «كتبته لثلاث خلون».

والثاني : أنها على بابها ، أي : لأجل دلوك ، قال الواحديّ : «لأنّها إنّما تجب بزوال الشّمس».

والدّلوك : مصدر دلكت الشمس ، وفيه ثلاثة أقوال :

أشهرها : أنه الزّوال ، وهو نصف النّهار. وهو قول ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ وابن عمر ، وجابر ، وعطاء ، وقتادة ، ومجاهد ، والحسن ، وأكثر التّابعين ـ رضي الله عنهم (٢) ـ.

روى الواحديّ (٣) في «البسيط» عن جابر ـ رضي الله عنه ـ قال : طعم عندي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه ، ثم خرجوا حين زالت الشمس ؛ فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : هذا حين دلكت الشّمس(٤).

وروي عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : أتاني جبريل صلوات الله عليه لدلوك الشّمس ، حين زالت الشّمس ؛ فصلّى بي الظّهر.

وقال أهل اللغة : الدّلوك في كلام العرب : الزّوال ، ولذلك قيل للشمس ، إذا زالت نصف النهار : دالكة ، وقيل لها ، إذا أفلت : دالكة ؛ لأنها في الحالتين زائلة ، قاله الأزهريّ.

وقال القفال (٥) : أصل الدّلوك : الميل ؛ يقال : مالت الشمس للزّوال ، ويقال : مالت للغروب.

وإذا ثبت ذلك ، وجب أن يكون المراد من الدلوك هاهنا الزّوال عن كبد السماء ؛ لأنّه تعالى علّق إقامة الصلاة بالدّلوك ، والدّلوك عبارة عن الميل والزّوال ؛ فوجب أن يقال : إنّه أوّل ما حصل الميل والزّوال ، تعلق به هذا الحكم.

وقال الأزهريّ : الأولى حمل الدلوك على الزوال في نصف النّهار ؛ لأنّا إذا حملناه

__________________

(١) ينظر البيت في المفضليات ٢ / ٦٧ ، أمالي ابن الشجري ٢ / ٧٢٧١ الهمع ٢ / ٣٢ ، الدرر ٢ / ٣١ ، التصريح ٢ / ٤٨ ، المغني ١ / ٢١٣ ، البحر ٦ / ٦٨ ، الدر المصون ٤ / ٤١٢.

(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٨ / ١٢٤) عن ابن عباس وابن عمر وأبي برزة الأسلمي والحسن ومجاهد وقتادة.

وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ٣٥٤) عن ابن عباس وزاد نسبته إلى سعيد بن منصور.

وأورده أيضا عن ابن عمر وعزاه إلى البزار وأبي الشيخ وابن مردويه والديلمي في «مسند الفردوس» بسند ضعيف عنه.

(٣) ينظر : الرازي ٢١ / ٢١.

(٤) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٨ / ١٢٥) عن جابر.

(٥) ينظر : الرازي ٢١ / ٢٢.

٣٥٥

عليه كانت الآية جامعة لمواقيت الصلاة كلّها ؛ فدلوك الشمس يتناول صلاة الظّهر والعصر وإلى غسق الليل ، ثم قال : «وقرآن الفجر» وعلى هذا التقدير : يتناول المغرب والعشاء ، وقرآن الفجر صلاة الفجر إذا حملناه على الغروب لم يدخل فيه إلا ثلاث صلوات ، وهي المغرب والعشاء والفجر ، وحمل كلام الله ـ تعالى ـ على ما يكون أكثر فائدة أولى ، وأيضا ، فالقائلون به أكثر.

القول الثاني : أنّ الدّلوك : هو الغروب ، وهو قول ابن مسعود ، وبه قال إبراهيم النخعيّ ، ومقاتل بن حيّان ، والضحاك والسديّ (١) ، وهو اختيار الفراء واحتج له بقول الشاعر : [الرجز]

٣٤٤٩ ـ هذا مقام قدمي رباح

ذبّب حتّى دلكت براح (٢)

أي : غربت براح ، وهي الشمس ، وأنشد ابن قتيبة على ذلك قول ذي الرمّة : [الطويل]

٣٤٥٠ ـ مصابيح ليست باللّواتي تقودها

نجوم ولا بالآفلات الدّوالك (٣)

أي : الغاربات.

وهذا استدلال ضعيف ؛ لأنّ الدّلوك عبارة عن الميل والتغيّر ، وهو حاصل في الغروب ، فكان الغروب نوعا من أنواع الدّلوك ، فكان وقوع لفظ الدّلوك على الغروب لا ينافي وقوعه على الزّوال ، كما أنّ وقوع لفظ الحيوان على الإنسان لا ينافي وقوعه على الفرس.

القول الثالث : أنه من الزّوال إلى الغروب ، قال الزمخشريّ : «واشتقاقه من الدّلك ؛ لأنّ الإنسان يدلك عينه عند النّظر إليها» وهذا يفهم أنه ليس بمصدر ؛ لأنه جعله مشتقّا من المصدر ؛ واستدلّوا بهذا على أنّ الدّلوك هو الغروب ، قالوا : وهذا إنما يصحّ في الوقت الذي يمكن النّظر إليها ، أما عند كونها في وسط السّماء ، ففي ذلك الوقت لا يمكن النّظر إليها ، فثبت أن الدلوك هو الغروب.

__________________

(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٨ / ١٢٣) عن ابن مسعود وإبراهيم النخعي وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ٣٥٤) عن ابن مسعود وأخرجه الحاكم (٢ / ٣٦٣) عنه وقال صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بهذه السياقة ووافقه الذهبي.

وزاد السيوطي نسبته في «الدر المنثور» (٤ / ٣٥٤) إلى عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه من طرق عن ابن مسعود.

(٢) البيت للغنوي ينظر : مجاز القرآن ١ / ٣٨٧ ، شرح المفصل لابن يعيش ٤ / ٦٠ ، الجمهرة ٢ / ٢١٨ ، التهذيب واللسان «برح» ، البحر المحيط ٦ / ٦٥ ، الدر المصون ٤ / ٤١٢ ، الصحاح والغريبين والفائق والتاج [برح] ونوادر أبي زيد ٨٨.

(٣) ينظر البيت في ديوانه ٥١١ ، الطبري ٢ / ٤٨٥ ، مجاز القرآن ١ / ١٩٩ ، البحر المحيط ٦ / ٦٦ ، روح المعاني ١٥ / ١٣٢. الدر المصون ٤ / ٤١٢ اللسان والتاج [ذلك].

٣٥٦

والجواب (١) : أنّ الحاجة إلى ذلك التبيين عند كونها في وسط السّماء أتمّ ، فالذي ذكرتم يدلّ على أنّ الدّلوك عبارة عن الزّوال من وسط السّماء ؛ بطريق الأولى.

وقال الراغب (٢) : «دلوك الشمس : ميلها للغروب ، وهو من قولهم : دلكت الشّمس : دفعتها بالرّاح ، ومنه : دلكت الشيء في الرّاحة ، ودلكت الرّجل : ماطلته ، والدّلوك : ما دلكته من طيب ، والدّليك : طعام يتّخذ من زبد وتمر».

قوله : (إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ) في هذا الجارّ وجهان :

أحدهما : أنه متعلق ب «أقم» فهي لانتهاء غاية الإقامة ، وكذلك اللام في «لدلوك» متعلقة به أيضا.

والثاني : أنه متعلق بمحذوف على أنه حال من «الصّلاة» أي : أقمها ممدودة إلى غسق الليل ، قاله أبو البقاء (٣) ، وفيه نظر : من حيث إنه قدّر المتعلق كونا مقيدا ، إلا أن يريد تفسير المعنى ، لا الإعراب.

والغسق : دخول أوّل الليل ، قاله ابن شميل ، وأنشد : [الرجز]

٣٤٥١ ـ إنّ هذا اللّيل قد غسقا

واشتكيت الهمّ والأرقا (٤)

وقيل : هو سواد الليل ، وظلمته ، وأصله من السّيلان : غسقت العين ، أي : سال دمعها ، فكأنّ الظّلمة تنصبّ على العالم ، وتسيل عليهم ؛ قال : [البسيط]

٣٤٥٢ ـ ظلّت تجود يداها وهي لاهية

حتّى إذا هجم الإظلام والغسق (٥)

ويقال : غسقت العين : امتلأت دمعا ، وغسق الجرح : امتلأ دما ؛ فكأنّ الظّلمة ملأت الوجود.

وقال ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ : الغسق : بدوّ اللّيل (٦).

وقال قتادة : وقت صلاة المغرب (٧).

وقال مجاهد : غروب الشّمس (٨).

__________________

(١) ينظر : الفخر الرازي ٢١ / ٢٢.

(٢) ينظر : المفردات ١ / ١٧١.

(٣) ينظر : الإملاء ٢ / ٩٥.

(٤) البيت لعبيد الله بن قيس الرقيات ، ينظر : ديوانه (١٨٧) مجاز القرآن ١ / ٣٨٨ ، الطبري ١٥ / ٩٣ ، البحر ٦ / ٦٦ ، القرطبي ١٠ / ١٩٧ ، روح المعاني ١٥ / ١٣٢ ، اللسان والتاج «غسق» ، الدر المصون ٤ / ٤١٣.

(٥) البيت لزهير ، ينظر : القرطبي ١٠ / ١٩٧ ، البحر المحيط ٦ / ٦٦ ، روح المعاني ١٥ / ١٧٢ ، الدر المصون ٤ / ٤١٣.

(٦) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٨ / ١٢٦) عن ابن عباس وعكرمة وقتادة وذكره البغوي في «تفسيره» (٣ / ١٢٨).

(٧) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٨ / ١٢٦) وذكره البغوي في «تفسيره» (٣ / ١٢٨).

(٨) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٣ / ١٢٨).

٣٥٧

والغاسق في قوله : (وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ) [الفلق : ٣] قيل : المراد به : القمر ، إذا كسف ، واسودّ.

قال ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ لعائشة ـ رضي الله عنها ـ حين رأت كسوف القمر : «استعيذي من شرّ الغاسق إذا وقب» (١).

وقيل : اللّيل ، والغساق ، بالتخفيف ، والتشديد : ما يسيل من صديد أهل النار ، ويقال: غسق اللّيل ، وأغسق ، وظلم ، وأظلم ، ودجى ، وأدجى ، وغبش ، وأغبش ، نقله الفراء.

فصل في معنى الغسق

قال الأزهريّ : غسق الليل عندي : غيبوبة الشفق عند تراكم الظلمة ، واشتدادها ، يقال : غسقت العين ، إذا امتلأت دمعا ، وغسقت الجراحة : إذا امتلأت دما.

قال : لأنّا إذا حملنا الشّفق على هذا المعنى ، دخلت الصّلوات الأربعة فيه ، وهي الظهر ، والعصر ، والمغرب ، والعشاء ، ولو حملنا الغسق على ظهور أوّل الظّلمة ، لم يدخل فيه الظهر والعصر ؛ فوجب أن يكون الأول أولى.

واعلم أنّه يتفرّع على هذين الوجهين بحث حسن ؛ فإن فسّرنا الغسق بظهور أوّل الظلمة ، كان الغسق عبارة عن أوّل المغرب ، وعلى هذا : يكون المذكور في الآية ثلاثة أوقات : وقت الزّوال ، ووقت أوّل المغرب ، ووقت الفجر ، وهذا يقتضي أن يكون الزوال : وقتا للظّهر والعصر ، فيكون هذا الوقت مشتركا بين هاتين الصلاتين ، وأن يكون أوّل وقت المغرب وقتا للمغرب والعشاء ، فيكون هذا الوقت مشتركا أيضا بين هاتين الصلاتين ، فهذا يقتضي جواز الجمع بين الظهر والعصر ، وبين المغرب والعشاء مطلقا ، إلا أنّه دلّ الدليل على أن الجمع في الحضر من غير عذر لا يجوز ؛ فوجب أن يكون الجمع جائزا مع العذر.

وإذا فسّرنا الغسق بالتراكم ، فنقول : الظلمة المتراكمة ، إنّما تحصل عند غيبوبة الشّفق الأبيض ، وكلمة «إلى» لانتهاء الغاية ، والحكم الممدود إلى غاية يكون مشروعا قبل حصول تلك الغاية ؛ فوجب إقامة الصلوات كلّها قبل غيبوبة الشّفق الأبيض ، وهذا إنّما يصحّ إذا قلنا : إنّها تجب عند غيبوبة الشّفق الأحمر.

__________________

(١) أخرجه الترمذي ٥ / ٤٢١ ، ٤٢٢ ، كتاب التفسير : باب من سورة المعوذتين (٣٣٦٦) ، وأحمد ٦ / ١٠٦ ، ٢٠٦ والحاكم ٢ / ٥٤٠ ، ٥٤١ ومدار هذا الإسناد على الحارث بن عبد الرحمن القرشي العامري ، قال الحافظ في التقريب ١ / ١٤٢ صدوق ، لكن نقل في التهذيب ٢ / ١٤٩ ، عن علي بن المديني أنه قال : الحارث بن عبد الرحمن المدني الذي روى عن ابن أبي ذئب مجهول. وهذا الحديث صحيح أو حسن بشواهده. قال الحافظ ابن حجر في الفتح ٨ / ٦١٣ : إسناد حسن قال الترمذي : هذا الحديث حسن صحيح.

٣٥٨

قوله تعالى : (وَقُرْآنَ الْفَجْرِ) فيه أوجه :

أحدها : أنه عطف على «الصّلاة» أي : وأقم قرآن الفجر ، والمراد به صلاة الصبح ، عبّر عنها ببعض أركانها.

والثاني : أنه منصوب على الإغراء ، أي : وعليك قرآن الفجر ، كذا قدّره الأخفش (١) وتبعه أبو البقاء (٢) ، وأصول البصريّين تأبى هذا ؛ لأن أسماء الأفعال لا تعمل مضمرة.

الثالث : أنه منصوب بإضمار فعل ، أي : كثّر قرآن ، أو الزم قرآن الفجر.

فصل في دلالة الآية

دلّت هذه الآية على أمور :

منها : أنّ الصّلاة لا تكون إلا بقراءة ؛ لقوله تعالى : (أَقِمِ الصَّلاةَ).

ومنها : أنه تعالى أضاف القرآن إلى الفجر ، والتقدير : وأقم قرآن الفجر.

ومنها : أنه علّق القراءة بحصول الفجر ، وفي أوّل طلوع الصّبح قد حصل الفجر ؛ لأنّ الفجر سمّي فجرا ؛ لانفجار ظلمة الليل عن نور الصّباح ، وظاهر الأمر الوجوب ، فاقتضى هذا اللفظ وجوب إقامة صلاة الفجر من أوّل طلوعه ، إلّا أنّ الإجماع على أنّ هذا الوجوب غير حاصل ؛ فوجب أن يبقى على النّدب ؛ لأنّ الوجوب عبارة عن رجحان مانع من التّرك ، فإذا منع مانع من تحقّق الوجوب ، وجب أن يرتفع المنع من التّرك ، وأن يبقى أصل الرّجحان ؛ حتّى تنقل مخالفة الدليل ؛ فثبت أنّ هذه الآية تقتضي أنّ إقامة الفجر في أوّل الوقت أفضل ؛ وهذا يدلّ على أنّ التغليس أفضل من التّنوير.

ومنها أن القراءة تكون في هذه الصلاة أطول من القراءة في سائر الصلوات ؛ لأنّ المقصود من قوله تعالى : (وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً) الحثّ على طول القراءة في هذه الصلاة ؛ لأنّ التخصيص بالذّكر يدلّ على أنه أكمل من غيره.

ومنها : قوله تعالى : (إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً).

ومعناه : أنّ ملائكة الليل وملائكة النهار يجتمعون في صلاة الصّبح خلف الإمام ، تنزل ملائكة النّهار عليهم ، وهم في الصّلاة ؛ قبل أن تعرج ملائكة اللّيل ، وإذا فرغ الإمام من الصلاة ، عرجت ملائكة الليل ، ومكثت ملائكة النّهار ، ثمّ إن ملائكة الليل إذا صعدت ، قالت : يا ربّ ، إنّا تركنا عبادك يصلّون لك ، وتقول ملائكة النّهار : ربّنا ، أتينا عبادك يصلّون لك ، فيقول الله تعالى لملائكته : اشهدوا أنّي قد غفرت لهم.

وهذا يدل على أنّ التغليس أفضل من التنوير ، لأنّ الإنسان ، إذا شرع فيها من [أوّل] الصّبح ، ففي ذلك الوقت : الظلمة باقية ، فتكون ملائكة الليل حاضرين ، ثمّ إذا

__________________

(١) ينظر : معاني القرآن للأخفش ٢ / ٣٩٢.

(٢) ينظر : الإملاء ٢ / ٩٥.

٣٥٩

امتدّت الصلاة بسبب ترتيل القراءة ، وتكثيرها ، زالت الظلمة ، وظهر الضوء ، وحضرت ملائكة النّهار ، وأمّا إذا ابتدأ بهذه الصلاة في وقت التّنوير ، فهناك لم يبق أحد من ملائكة الليل ؛ فلا يحصل المعنى المذكور ، فقوله جلّ ذكره : (كانَ مَشْهُوداً). يدلّ على أنّ التغليس أفضل.

قوله تعالى : (وَمِنَ اللَّيْلِ) : في «من» هذه وجهان :

أحدهما : أنها متعلقة ب «تهجّد» أي : تهجّد بالقرآن بعض الليل.

والثاني : أنها متعلقة بمحذوف ، تقديره : وقم قومة من الليل ، أو : واسهر من الليل ، ذكرهما الحوفيّ ، وقال الزمخشريّ : «وعليك بعض الليل ، فتهجّد به» فإن كان أراد تفسير المعنى ، فقريب ، وإن أراد تفسير الإعراب ، فلا يصحّ ؛ لأنّ المغرى به لا يكون حرفا ، وجعله «من» بمعنى «بعض» لا يقتضي اسميّتها ؛ بدليل أنّ واو «مع» ليست اسما بإجماع ، وإن كانت بمعنى اسم صريح وهو «مع».

والضمير في «به» :

الظاهر : عوده على القرآن ؛ من حيث هو ، لا بقيد إضافته إلى الفجر.

والثاني : أنها تعود على الوقت المقدر ، أي : وقم وقتا من الليل ، فتهجّد بذلك الوقت ، فتكون الباء بمعنى «في».

قوله «نافلة» فيها أوجه :

أحدها : أنها مصدر ، أي : تنفّل نافلة لك على الصّلوات المفروضة.

والثاني : أنها منصوبة ب «تهجّد» لأنه في معنى «تنفّل» فكأنه قيل : تنفّل نافلة ، والنّافلة ، مصدر ؛ كالعاقبة ، والعافية.

الثالث : أنها منصوبة على الحال ، أي : صلاة نافلة ، قاله أبو البقاء (١) ، وتكون حالا من الهاء في «به» إذا جعلتها عائدة على القرآن ، لا على وقت مقدر.

الرابع : أنها منصوبة على المفعول بها ، وهو ظاهر قول الحوفيّ ، فإنه قال : «ويجوز أن ينتصب «نافلة» بتهجّد ، إذا ذهبت بذلك إلى معنى : صلّ به نافلة ، أي : صلّ نافلة لك».

والتهجّد : ترك الهجود ، وهو النّوم ، «وتفعّل» يأتي للسّلب ، نحو : تحرّج ، وتأثّم ، وفي الحديث : «كان يتحنّث بغار حراء» (٢) وفي الهجود خلاف بين أهل اللغة ، فقيل : هو النّوم ؛ قال : [الطويل]

__________________

(١) ينظر : الإملاء ٢ / ٩٥.

(٢) أخرجه البخاري (١ / ٣٠) كتاب بدء الوحي حديث (٣).

٣٦٠