جنّة الحوادث في شرح زيارة وارث

الملّا حبيب الله الشريف الكاشاني

جنّة الحوادث في شرح زيارة وارث

المؤلف:

الملّا حبيب الله الشريف الكاشاني


المحقق: نزار الحسن
الموضوع : العرفان والأدعية والزيارات
الناشر: دار جلال الدين
المطبعة: باقري
الطبعة: ٢
ISBN: 964-94216-1-0
الصفحات: ١٩٦
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

وبسنده عن عبد الرحمان بن أبي نجران(١) قال : كتبَ أبو الحسن الرضا عليه‌السلام رسالةً وأقرأنيها قال : قال عليّ بن الحسين عليهما‌السلام : إنّ محمّداً صلى‌الله‌عليه‌وآله كان أمينُ الله في أرضه فلمّا قُبض محمّدٌ صلى‌الله‌عليه‌وآله كنّا أهل البيت ورثته ونحن أُمناء الله في أرضه ، عندنا علم البلايا والمنايا وأنساب العرب ومولد الإسلام وإنّا لنعرف الرجل إذا رأيناه بحقيقة الإيمان وحقيقة النفاق(٢) إلى أنْ قال : نحن ورثة الأنبياء ونحن ورثة أُولي العزم من الرُّسل ...(٣) .

وبسنده عن الباقر عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : (إنّ أوّل وصيّ كان على وجه الأرض هبة الله بن آدم وما من نبيّ مضىٰ إلّا وله وصيّ ، لأنّ عدد جميع

________________________

١ ـ هو عمرو بن مسلم التميمي مولىً كوفي روىٰ عن الرضا عليه‌السلام ، وكان عبد الرحمان ثقة ثقة معتمداً علىٰ ما يرويه . راجع رجال النجاشي ص ٢٣٥ (٦٢٢) .

٢ ـ هذه تكملة الرواية : ( ... وحقيقة النفاق وأنّ شيعتنا لمكتوبون بأسمائهم وأسماء آبائهم أخذ اللهُ علينا وعليهم الميثاق يردون موردنا ويدخلون مدخلنا نحن النجباء وأفراطنا أفراط الأنبياء ونحن أبناء الأوصياء ونحن المفرحون في كتاب الله ونحن أولى الناس بالله ونحن أولى الناس بكتاب الله ونحن أولى الناس بدين الله ونحن الذين شرع لنا دينه فقال في كتابه شرع لكم يا آل محمّد من الدِّين ما وصّى به نوحاً ، وقد وصّانا بما أوصى به نوحاً والذي أوحينا إليك يا محمّد وما وصّينا به إبراهيم وإسماعيل وموسىٰ وعيسىٰ وإسحاق ويعقوب فقد علمنا وبلغنا ما علمنا واستودعنا علمهم ، نحن ورثة الأنبياء ونحن ورثة أولي العزم من الرُّسل أنْ أقيموا الدِّين يا آل محمّد ولا تفرّقوا فيه وكونوا على جماعة كبر على المشركين مَنْ أشرك بولاية علي ما تدعوهم إليه من ولاية عليّ أنّ الله يا محمّد يهدي إليه مَنْ يُنيب من يُجيبكَ إلى ولاية عليّ عليه‌السلام .

٣ ـ بصائر الدرجات : ج ٣ ، ص ١١٨ ، ح ١ .

٤١

الأنبياء مئة ألف نبيّ وأربعة وعشرين ألف نبيّ ، خمسة منهم أولوا العزم : نوح وإبراهيم وموسىٰ وعيسىٰ ومحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأنّ عليّ بن أبي طالب هبة الله لمحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ورث علم الأوصياء ، وعلم مَن كان قبله أمّا أنّ محمّداً ورث علم مَن كان قبله من الأنبياء والمرسلين ...) (١) .

والأخبار بهذه المثابة لا تُحصىٰ كثيرة (٢) .

ومنها (٣) : إنّهم عليهم‌السلام اتّصفوا بما اتّصف به الأنبياء السابقون من الصفات المحمودة والأخلاق الفاضلة ، والسمات الكاملة من الشرف والمجد والنجدة والكرامة والسخاوة والشجاعة والعلم والرحمة والعطوفة وغير ذلك من المناصب العالية التي بلغوا بها أعلى المدارج ، ووصلوا بها إلى أسنى المعارج فصاروا بها مظاهر أسماء الله الحسنىٰ ومرايا صفاته العليا فكأنّهم هم ، فمَنْ نظر إليهم عليهم‌السلام فكأنّما نظر إليهم عليهم‌السلام . وقد أشار إلى ذلك النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في حديث الأعرابي والضّب بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا عبد الله مَن أراد أن ينظر إلى آدم في جلالته وإلى شيث في حكمته وإلى إدريس في نباهته ومهابته ، وإلى نوح في شكره لربِّه وعبادته ، وإلى إبراهيم في وفائه وخلّته ، وإلى موسىٰ في بغض كلّ عدوّ لله ومنابذته ، وإلى عيسىٰ في حبّ كلّ مؤمن ومعاشرته ، فلينظر إلى عليّ بن أبي

________________________

١ ـ راجع بصائر الدرجات : ص ١٢١ ، ح ١ . وهذه تتمّة الحديث : «والمرسلين وعلى قائمة العرش مكتوب حمزة أسد الله وأسد رسوله وسيّد الشهداء وفي زوايا العرش مكتوب عن يمين ربّها وكلتا يديه يمين عليّ أمير المؤمنين عليه‌السلام فهذه حجّتنا على مَنْ أنكر حقّنا وجحدنا ميراثنا وما منعنا من كلام واماننا فأيّ حجّة تكون أبلغ من هذا» .

٢ ـ راجع نفس المصدر .

٣ ـ أي من الوجوه المحتملة على أنّ الأئمّة عليهم‌السلام ورثة الأنبياء عليهم‌السلام .

٤٢

طالب (١) .

وفي حديث المفضل وسيّدنا القائم عليه‌السلام مسند ظهره بالكعبة ويقول : يا معشر الخلائق ألا ومَن أراد أن ينظر إلى آدم وشيث فها أنا آدم وشيث ، ألا ومَنْ أراد أن ينظر إلى نوح وسام فها أنا ذا نوح وسام ، ألا ومَن أراد أن ينظر إلى إبراهيم

________________________

١ ـ بحار الأنوار : ج ١٧ ، ص ٤١٨ ، الباب الخامس ، ط بيروت ، مؤسسة الوفاء .

وأخرج النسائي في الخصائص ص ١٩٦ حديث ١٠٣ ، والحاكم في المستدرك ج ٣ ، ص ١٢٣ ، عن أبي الحمراء قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «مَنْ أراد أنْ ينظر إلى آدم في علمه ، وإلى نوح في فهمه ، وإلى إبراهيم في حلمه ، وإلى يحيى بن زكريا في زهده ، وإلى موسى بن عمران في بطشه فلينظر إلى عليّ بن أبي طالب» .

وأيضاً أخرج أحمد بن حنبل في مسنده ج ١ ، ص ١٦٠ حديث ١٣٧٧ وفي الفضائل ج ٢ ، ص ٦٤ حديث ٩٦ ، عن ابن عبّاس أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «مَنْ أراد أنْ ينظر لإبراهيم في حلمه ، وإلى نوح في حكمه ، وإلى يوسف في جماله فلينظر إلى عليّ بن أبي طالب» .

وأيضاً روى الديلمي في إرشاد القلوب ص ٢١٧ عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «مَنْ أراد أنْ ينظر إلى نوح في عزمه ، وإلى آدم في علمه ، وإلى إبراهيم في حلمه ، وإلى موسىٰ في فطنته ، وإلى عيسى في زهده ، فلينظر إلى عليّ بن أبي طالب» .

وروى محمّد بن الفتّال النيشابوري في روضة الواعظين ج ١ ، ص ١٢٨ ط : الشريف الرضي قال : (إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله نظر ذات يوم إلى عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام وحوله جماعة من أصحابه ، فقال : مَنْ أحبّ أن ينظر إلى يوسف في جماله ، وإلى إبراهيم في سخائه ، وإلى سليمان في بهجته ، وإلى داود في قوّته فلينظر إلى هذا» .

وروىٰ في نفس المصدر : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «مَنْ أراد أن ينظر إلى آدم في علمه ، وإلى نوح في فهمه وإلى إبراهيم في حلمه ، وإلى يحيى بن زكريا في زهده ، وإلى موسىٰ بن عمران في بطشه ، فلينظر إلى عليّ بن أبي طالب» .

٤٣

وإسماعيل فها أنا ذا إبراهيم وإسماعيل ، ألا ومَن أراد أن ينظر إلى موسى ويوشع فها أنا ذا موسى ويوشع ، ألا ومَن أراد أن ينظر إلى عيسى وشمعون فها أنا ذا عيسى وشمعون ، ألا ومَن أراد أن ينظر إلى محمّد وأمير المؤمنين فها أنا ذا محمّد وأمير المؤمنين ، ألا ومَن أراد أن ينظر إلى الحسن والحسين فها أنا ذا الحسن والحسين ، ألا ومَن أراد أن ينظر إلى الأئمّة من ولد الحسين فها أنا ذا الأئمّة (١) ، وهو طويل ، وهذا أحد الوجوه التي يُحمل عليها ما ورد في بعض خطب أمير المؤمنين عليه‌السلام من قوله : «أنا آدم الأوّل ، أنا نوح الأوّل ، أنا محمّد ومحمّد أنا» ونحو ذلك (٢) .

________________________

١ ـ راجع حلية الأبرار للسيّد هاشم البحراني ج ٢ ص ٦٥٨ ، ط بيروت الأعلمي (١٤١٣ هـ) .

وإليك تتمّة الرواية : « . . فلينظر إليّ ويسألني أنبأهما انباؤا به وبما لم ينبؤا به ، ألا ومَن كان يقرء الكتب والصحف فليسمع منّي ، ثمّ يبتدئ بالصحف التي أنزلها الله تعالى على آدم وشيث فيقرؤها فتقول أمّة آدم وشيث هذه والله هي الصحف ولقد قرأها ما لم نعلمه منها وما كان خفي عنّا وما كان أُسقط منها وبُدّل وحُرِّف ، ويقرء صحف نوح وصحف إبراهيم والتوراة والإنجيل والزبور فيقول أهل التوراة وأهل الإنجيل وأهل الزبور هذه والله صحف نوح وصحف إبراهيم حقّاً وما أُسقط منها وما بُدِّل وحُرِّف منها ، هذه والله التوراة الجامعة والزبور التام والإنجيل الكامل وأنّها أضعاف ما قرأنا منها .

ثمّ يتلو القرآن فيقول المسلمون : هذا والله القرآن حقّاً الذي أنزله الله على محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله وما أُسقط منه وبدِّل وحرّف ، لعن الله مَن أسقطه وبدّله وحرّفه ...» .

٢ ـ ذكر هذه الخطبة الحافظ رجب البرسي في مشارق الأنوار ص ٣١٨ ، ط : قم ،

٤٤

________________________

وإليك نصّ الخطبة : قال عليه‌السلام :

(أنا عندي مفاتيح الغيب ، لا يعلمها بعد محمّد رسول الله إلّا أنا ، أنا ذو القرنين المذكور في الصحف الاُولى ، أنا صاحب خاتم سُليمان ، أنا وليّ الحساب ، أنا صاحب الصراط والموقف ، أنا قاسم الجنّة والنار بأمر ربّي ، أنا آدم الأوّل ، أنا نوح الأوّل ، أنا آية الجبّار ، أنا حقيقة الأسرار ، أنا مورق الأشجار ، أنا مونع الثمار ، أنا مفجِّر العيون ، أنا مجري الأنهار ، أنا خازن العلم ، أنا طور الحلم ، أنا أمير المؤمنين ، أنا عين اليقين ، أنا حجّة الله في السماوات والأرض ، أنا الراجفة ، أنا الصاعقة ، أنا الصيحة بالحقّ ، أنا الساعة لمَن كذّب بها ، أنا ذلك الكتاب الذي لا ريب فيه ، أنا الأسماء الحسنى التي أمر الله أنْ يدعىٰ بها ، أنا ذلك النور الذي يُقتبس منه الهدىٰ ، أنا صاحب الصور ، أنا مخرج مَنْ في القبور ، أنا صاحب يوم النشور ، أنا صاحب نوح ومنجيه ، أنا صاحب أيّوب المبتلىٰ وشافيه ، أنا أقمتُ السماوات بأمر ربّي ، أنا صاحب إبراهيم ، أنا سرّ الكليم ، أنا الناظر في الملكوت ، أنا أمر الحي الذي لا يموت ، أنا وليّ الحقّ على سائر الخلق ، أنا الذي لا يُبدّل القول لديّ ، وحساب الخلق إليّ ، أنا المفوّض إليّ أمر الخلائق ، أنا خليفة الإله الخالق ، أنا سرُّ الله في بلاده ، وحجّته على عباده ، أنا أمر الله والروح ، كما قال سبحانه وتعالى : (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) ، أنا أرسيت الجبال الشامخات ، وفجّرتُ العيون الجاريات ، أنا فارس الأشجار ، ومخرج ألوان الثمار ، أنا مقدّر الأقوات ، أنا منشر الأموات ، أنا مُنزل القطر ، أنا منوّر الشمس والقمر والنجوم ، أنا قيّم القيامة ، أنا مقيم الساعة ، أنا الواجب له من الله الطاعة أنا حيٌّ لا أموت وإذا متُّ لم أمت ، أنا سرُّ الله المخزون ، أنا العالم بما كان وما يكون ، أنا صلاة المؤمنين وصيامهم ، أنا مولاهم وإمامهم ، أنا صاحب النشر الأوّل والآخر ، أنا صاحب المناقب والمفاخر ، أنا

٤٥

________________________

صاحب الكواكب ، أنا عذاب الله الواصب ، أنا مهلك الجبابرة الأول ، أنا مزيل الدول ، أنا صاحب الزلازل والرجف ، أنا صاحب الكسوف والخسف ، أنا مدمِّر الفراعنة بسيفي هذا ، أنا الذي أقامني الله في الأظلّة ودعاهم إلى طاعتي فلمّا ظهرت أنكروا ، فقال الله سبحانه : (فَلَمَّا جَاءَهُم مَّا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ) ، أنا نور الأنوار ، أنا حامل العرش مع الأبرار ، أنا صاحب الكتب السالفة ، أنا بابُ الله الذي لا يُفتح لمَن كذّب به ولا يذوق الجنّة ، أنا الذي تزدحم الملائكة على فراشي ، وتعرفني عباد أقاليم الدُّنيا ، أنا الذي ردّت لي الشمس مرّتين ، وسلّمتْ عليَّ كرّتين ، وصلّيت مع رسول الله القبلتين ، وبايعتُ البيعتين ، أنا صاحب بدرٍ وحُنين ، أنا الطور ، أنا الكتاب المسطور ، أنا البحرُ المسجور ، أنا البيتُ المعمور ، أنا الذي دعا الله الخلائق إلى طاعتي فكفرت ، وأصرّت فمُسِختْ وأجابت أمّة فنجت وأزلفت ، أنا الذي بيدي مفاتيح الجنان ومقاليد النيران ، أنا مع رسول الله في الأرض وفي السماء ، أنا المسيح حيث لا روح يتحرّك ولا نفس يتنفّس غيري ، أنا صاحب القرون الأولىٰ ، أنا الصامت ومحمّد الناطق ، أنا جاوزتُ بموسى البحر وأغرقتُ فرعون وجنوده ، أنا أعلم هماهم البهائم ومنطق الطير ، أنا الذي أجوز السماوات السبع والأرضين السبع في طرفة عين ، أنا المتكلِّم على لسان عيسى في المهد ، أنا الذي يُصلّي عيسى خلفي ، أنا الذي أنقلب في الصور كيف شاء الله ، أنا خازن السماوات السبع والأرض بأمر ربّ العالمين ، أنا القاسم بالقسط ، أنا ديّان الدِّين ، أنا الذي لا تُقبل الأعمال إلّا بولايته ، ولا تنفع الحسنات إلّا بحبّه ، أنا العالم بمدار الفلك الدوّار ، أنا صاحب مكيال قطرات الأمطار ورمل القفار بإذن الملك الجبّار ، ألا أنا الذي أُقتل مرّتين وأحيى مرّتين وأظهر كيف شئت ، أنا محصي الخلائق وإن كثروا ، أنا محاسبهم بأمر ربّي ، أنا الذي عندي ألف كتاب من كتب الأنبياء ، أنا الذي جحد

٤٦

وهذه الأخبار وإن أفادت الاختصاص [بالإمام] عليّ عليه‌السلام ، * إلّا أنّه لا فرق بينه عليه‌السلام وبين سائر الأئمّة المعصومين عليه‌السلام (١) ، فقد روى عبد الرحمٰن بن كثير عن الصادق عليه‌السلام قال : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ) (٢) ، قال : «الذين آمنوا النبيّ وأمير المؤمنين عليه‌السلام والذرية والأئمّة الأوصياء عليهم‌السلام ألحقنا بهم ذرّيتهم ، ولم تنقص ذريتهم من الحجّة التي جاء بها محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله في عليّ ، وحجّتهم واحدة ،

________________________

ولايتي ألف أمّة فمسخوا ، أنا المذكور في سالف الزمان والخارج في آخر الزمان ، أنا قاصم الجبّارين في الغابرين ، ومخرجهم ومعذّبهم في الآخرين ، أنا معذّب يغوث ويعوق ونسراً عذاباً شديداً ، أنا المتكلِّم بكلّ لسان ، أنا الشاهد لأعمال الخلائق في المشارق والمغارب ، أنا محمّد ومحمّد أنا ، أنا صهر محمّد ، أنا المعنى الذي لا يقع عليه اسم ولا شبه ، أنا باب حطّة ، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم» .

* ـ بين المعقوفتين لم يكن من الشارح وإنما وضعناه للسياق .

١ ـ إنّهم عليهم‌السلام يجري لهم ما يجري للإمام عليّ عليه‌السلام ، حيث روى الطبرسي في إعلام الورى ص ٣٥٥ عن أبي هاشم قال : سُئِل أبو محمّد عليه‌السلام ـ يعنـي الـعـسكـري ـ ما بال المرأة المسكينة الضعيفة تأخذ سهماً واحداً ويأخذ الرجل سهمين ؟ فقال عليه‌السلام : إنّ المرأة ليس عليها جهاد ولا عليها نفقة ، ولا يُعقل ، إنّما ذلك على الرجل ، فقلتُ في نفسي : قد كان قيل : إنّ ابن أبي العوجاء سأل أبا عبدالله عليه‌السلام عن هذه المسألة ، فأجابه بهذا الجواب ، فأقبل أبو محمّد فقال : نعم ، هذه مسألة ابن أبي العوجاء ، والجواب منّا واحد : جرى لآخرنا ما جرى لأوّلنا ، وأوّلنا وآخرنا في العلم سواء ، ولرسول الله ولأمير المؤمنين فضلهما .

٢ ـ الطور : ٢١ .

٤٧

وطاعتهم واحدة» (١) .

وعن أبي الحسن عليه‌السلام قال : نحن في العلم والشجاعة سواء ، وفي العطايا على قدر ما نؤمر (٢) .

ومنها (٣) : إنّ الروح الأعظم القدسي (٤) الذي كان قد تجلّى في هياكل السابقين (٥)

________________________

١ ـ راجع تفسير علي بن إبراهيم ج ٢ ، ص ٣٠٩ ، ط بيروت الأعلمي ١٩٩١ م ، وبصائر الدرجات ج ٥ الباب الثامن ح ١ ، ص ٤٨٠ .

وأيضاً روى الصفّار في بصائر الدرجات الجزء العاشر ، الباب الثامن ، الحديث الثاني ، ص ٤٨٠ ، عن صفوان بن يحيىٰ عن ابن مسكان عن الحرث بن النضري عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : (سمعته يقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ونحن في الأمر والنهي والحلال والحرام نجري مجرى واحد فأمّا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وعليّ فلهما فضلهما) .

٢ ـ راجع بصائر الدرجات ج ١٠ ، ص ٤٨٠ ، الحديث الثالث ، الباب الثامن ، وأصول الكافي ج ١ ، ص ٢٧٥ ، الحديث الثاني ، ودفع المناواة عن التفضيل والمساواة للسيّد المحقّق الحسين بن الحسن الكركي المتوفى سنة ١٠٠١ هـ ، ص ١٩٢ في الباب التاسع عشر ، تحت عنوان (إنّهم عليهم‌السلام في الفضائل سواء) .

٣ ـ أي من الاحتمالات على أنّ الأئمّة عليهم‌السلام ورثة الأنبياء عليهم‌السلام .

٤ ـ إنّ الذي تقرّره روايات أهل البيت عليهم‌السلام هو أنّ الروح غير جبرائيل عليه‌السلام ، وهذه الروح هي تكون مع الأنبياء والأوصياء . والشيخ محمّد بن الحسن بن فرّوخ الصفّار القمّي يروي في كتابه بصائر الدرجات ج ٩ ، ص ٤٦٤ ح ٤ ، عن أبي بصير قال : كنتُ مع أبي عبدالله عليه‌السلام فذكر شيئاً من أمر الإمام إذا وُلد . قال : واستوجب زيادة الرّوح في ليلة القدر . فقلت : جعلتُ فداك أليس الروح جبرئيل ؟

قال عليه‌السلام : جبرئيل من الملائكة ، والروح خلقٌ أعظم من الملائكة ، أليس الله يقول : تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ .

٥ ـ أي الأنبياء عليهم‌السلام .

٤٨

فقدروا به على خرق العادات وإظهار المعجزات من إحياء الأموات ، وإشفاء المرضىٰ ونحو ذلك قد انتقل إلى هياكل محمّد وآله فظهرت منهم [عليهم‌السلام] الآيات الباهرات والمعجزات الظاهرات (١) بل التجليات السابقة كانت بالصورة

________________________

١ ـ كما أنّ الأنبياء عليهم‌السلام قد ظهرت على أيديهم معاجز وكرامات وبيّنات ودلائل صادقة ، أيضاً الأئمّة من آل محمّد عليهم‌السلام قد ظهرت لهم معاجز فاقت معاجز الأنبياء من قبل ، فالأئمّة عليهم‌السلام أنّهم يُحيون الموتى ويبرؤون الأكمة والأبرص بإذن الله ، وللتفصيل في هذا المجال راجع كتاب (مدينة المعاجز) للسيّد الجليل هاشم البحراني المتوفىٰ (١١٠٩ هـ) ستجد في هذا الكتاب العجائب والغرائب من معاجز الأئمّة الأطهار . ولا عجبَ ولا غرابة لمن فهم مقامهم عليهم‌السلام .

وسوف ننقل شاهدين للتيمّن من كتاب بصائر الدرجات لابن فرّوخ القمّي المتوفى سنة (٢٩٠ هـ) ص ٢٦٩ ج ٦ ، الباب الثالث الحديث الأوّل : منها :

عن أبي بصير قال : دخلتُ على أبي عبدالله عليه‌السلام وأبي جعفر عليه‌السلام وقلتُ لهما : أنتما ورثة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ قال : نعم ، قلتُ : فرسول الله وارث الأنبياء عَلِمَ كلّما علموا ؟ فقال لي : نعم ، فقلت : أنتم تقدرون على أن تحيوا الموتىٰ ، وتبرؤا الأكمه والأبرص ؟ فقال لي : نعم ، بإذن الله ، ثمّ قال : ادن منّي يا أبا محمّد فمسح يده على عيني ووجهي ، وأبصرتُ الشمس والسماء والأرض والبيوت وكلّ شيء في الدار . قال : أتحبّ أن تكون هكذا ولك ما للناس وعليك ما عليهم يوم القيامة ، أو تعود كما كنت ولك الجنّة خالصاً ؟ قلت : أعود كما كنتُ ، قال : فمسح على عيني فعدتُ كما كنت .

ومنها : في نفس المصدر الباب الرابع الحديث الخامس ص ٢٧٤ . عن داود بن كثير الرّقي قال : حجّ رجل من أصحابنا فدخل على أبي عبدالله عليه‌السلام فقال : فداك أبي وأُمّي أنّ أهلي قد توفّيت ، وبقيتُ وحيداً . فقال أبو عبدالله عليه‌السلام : أفكنت تحبّها ؟ قال : نعم

٤٩

والظلّ وما كان في هذه الهياكل الشريفة إنّما هو بالحقيقة والأصل ، فلذا كانت قدرتهم على الاُمور العجيبة أشدّ وأقوىٰ ، وعلمهم بما كان وما يكون أكثر وأجلىٰ ، بل الصادر عن السابقين (١) رشحة من رشحات جودهم عليهم‌السلام ، (٢) كما أنّ وجودهم (٣) رشحة من رشحات وجودهم ، وإلى هذا المقام أشار [الإمام] عليّ عليه‌السلام في بعض خطبة بقوله : أنا رافع إدريس مكاناً عليّا ، أنا منطق عيسى في المهد صبيّاً ، وقوله : أنا جاوزت موسى في البحر ، وأغرقت فرعون وجنوده ، أنا أعلم هماهم البهائم ، ومنطق الطير ، أنا الذي أجوز السماوات السبع والأرضين السبع في طرفة عين ، أنا المتكلِّم على لسان عيسىٰ في المهد صبيّاً ، أنا الذي يصلّي عيسىٰ خلفي ، أنا الذي ينقلب في الصور كيف يشاء الله ، وقوله : أنا الخضر معلِّم موسى ، أنا معلِّم داود وسليمان ، أنا ذو القرنين ، أنا تكلّمتُ على لسان عيسىٰ في المهد ، أنا نوح ، أنا إبراهيم ، أنا صاحب الناقة ، أنا صاحب الرجفة ، أنا صاحب الزلزلة ، أنا اللوح المحفوظ ، إليَّ انتهى علمُ ما فيه ، أنا أنقلب في الصور كيف ما شاء الله ، مَن رآهم فقد رآني ، ومَنْ رآني فقد رآهم ونحن في الحقيقة نور الله الذي لا يزول ولا يتغيّر (٤) .

________________________

جعلتُ فداك . قال : ارجع إلى منزلك فإنّك سترجع إلى المنزل وهي تأكل شيئاً . قال : فلمّا رجعتُ من حجّتي ودخلتُ منزلي رأيتها قاعدة وهي تأكل) .

١ ـ يعني الأنبياء عليهم‌السلام .

٢ ـ أي الأئمة عليهم السلام .

٣ ـ أي وجود الأنبياء عليهم‌السلام .

٤ ـ راجع مشارق أنوار اليقين للحافظ رجب البرسي المتوفىٰ تقريباً في سنة ٨١٣ من الهجرة ص ٢٥٥ ، في فصل (معرفة الإمام بالنورانيّة) ، ط : الأعلمي بيروت .

٥٠

ومنها (١) : إنّ عندهم [عليهم‌السلام] ما كان عند الأنبياء من الآلات والأدوات المختصّة بهم التي خصّهم الله بها دون سائر خلقه مثل عصا موسىٰ وعمامة هارون وخاتم سليمان والتابوت وغير ذلك ممّا ورد في الأخبار .

فقد روي عن سعيد السمان قال : كنتُ عند الصادق عليه‌السلام إذ دخل عليه رجلان من الزيدية فقالا له : أفيكم إمامٌ مفترض الطاعة ؟ قال [عليه‌السلام] : لا ، فقال له : أخبرنا عنكَ الثقات أنّك تفتي وتقرّ وتقول به ونسمّيهم لك فلان وفلان وهم أهل ورع وتشمير وهم ممّن لا يكذّبون ، فغضب أبو عبدالله عليه‌السلام وقال : ما أمرتهم بهذا ، فلمّا رأيا الغضب في وجهه خرجا . فقال لي [عليه‌السلام] : أتعرف هذين ؟ قلتُ : نعم ، هما من أهل سوقنا من الزيديّة وهما يزعمان أنّ سيف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عند عبدالله بن الحسن ، فقال [عليه‌السلام] : كذبا لعنهما الله ولا والله ما رآه عبد الله بعينيه ولا بواحد من عينيه ولا رآه أبوه إلّا أن يكون رآه عند عليّ بن الحسين بن عليّ ، وإن كانا صادقين فما علامة في مقبضه ، وما أثر في موضع مضربه ، وأنّ عندي لسيفَ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ودرعه ولامته ومغفره فإن كانا صادقين فما علامة في درعه ، وأنّ عندي لراية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله المغلبة ، وأنّ عندي ألواح موسىٰ وعصاه ، وأنّ عندي لخاتم سليمان بن داود ، وأنّ عندي الطست الذي كان يُقرّب بها موسى القربان ، وأنّ عندي الاسم الذي كان إذا أراد رسول الله أن يضعه بين المسلمين والمشركين لم يصل من المشركين إلى المسلمين نشابّة ، وأنّ عندي التابوت التي جاءت بها الملائكة تحمله ، ومثل السلاح فينا مثل التابوت في بني إسرائيل أي أهل بيت وقف التابوت على باب دارهم أُوتوا النبوّة ، ومَن صار إليه السلاح منّا أُوتي بالإمامة ، ولقد لبس أبي درع

________________________

١ ـ هذا الوجه الرابع من الوجوه المحتملة على أنّ الأئمّة عليهم‌السلام ورثة الأنبياء .

٥١

رسول الله فخطّت على الأرض خطيطاً ، ولبستها أنا فكانت وقائمنا ممّن إذا لبسها ملأها إن شاء الله (١) .

فالمراد أنّ آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله يرثون أمثال هذه المتروكات المعبّر عنها في بعض الأخبار بالآثار وبميراث النبوّة .

فقد روي عن الباقر عليه‌السلام قال : «لمّا قضىٰ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله نبوّته ، واستكلمت أيّامه أوحى الله إليه يا محمّد قد قضيت نبوّتك ، واستكملت أيّامكَ ، فاجعل العلم الذي عندك والآثار والاسم الأكبر وميراث العلم وآثار النبوّة في أهل بيتك عند عليّ بن أبي طالب ، فإنّي لم أقطع علم النبوّة من العقب من ذرّيتك كما لم أقطعها من بيوتات الأنبياء الذين كانوا بينك وبين أبيكَ آدم عليه‌السلام» (٢) .

وقد روى صاحب البصائر (٣) في الجزء الرابع منه في باب ما عند الأئمّة عليهم‌السلام من سلاح رسول الله ، وآيات الأنبياء مثل عصا موسىٰ وخاتم سُليمان ، والطست ، والتابوت والألواح وقميص آدم ، جملة وافرة من الروايات توضح هذا المعنى (٤) .

________________________

١ ـ أخرج هذه الرواية ابن فرّوخ الصفّار في بصائر الدرجات الجزء الرابع ، ص ١٧٤ ، الحديث الثاني ، الباب الرابع .

٢ ـ الكافي : ج ٨ ، ص ١١٥ .

٣ ـ أي الشيخ المحدّث أبو جعفر محمّد بن الحسن بن فروخ الصفّار القمّي ، من أصحاب الإمام العسكري عليه‌السلام المتوفّى ٢٩٠ من الهجرة . له كتاب بصائر الدرجات في فضائل آل محمّد عليهم‌السلام .

٤ ـ راجع نفس الكتاب المذكور الجزء الرابع ، الباب الرابع ، ص ١٧٤ ، ط : مكتبة السيّد المرعشي النجفي في قم . حيث ذكر ثمانية وخمسين رواية في هذا الباب ، وكلّها تنصّ على أنّ الأئمّة عليهم‌السلام ورثوا الأنبياء عليهم‌السلام ومن هذه الروايات :

٥٢

ومنها (١) : إنّ من شأن الأئمّة الإرشاد والإبلاغ والإنذار ، ووجوب طاعتهم على الناس كما كان ذلك شأن الأنبياء [عليهم‌السلام] ، وهذا معنى كون العلماء أيضاً ورثة لهم .

قال الصادق عليه‌السلام : (الفضل لمحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو المقدّم على الخلق جميعاً لا يتقدّمه أحدٌ ، وعليّ عليه‌السلام المقدَّم بعده والمتقدِّم بين يدي عليّ عليه‌السلام كالمتقدِّم بين يدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وكذلك يجري للأئمّة من بعده واحداً بعد واحد جعلهم الله أركان الأرض أنْ تميد بأهلها ورابطة على سبيل هداه لا يهتدي هادٍ من ضلالة إلّا بهم ، ولا يضلّ خارج من هدى إلّا بتقصير عن حقّهم ، وأمناء الله على ما أهبط الله من علم أو عذر أو نذر ، وشهداءه على خلقه والحجّة البالغة على مَن في الأرض ، جرى لآخرهم من الله مثل الذي أوجب لأوّلهم فمَن اهتدى بسبيلهم وسلّم الأمر لهم فقد استمسك بحبل الله المتين وعروة الله الوثقى) (٢) .

ولا يخفى أنّ حمل الميراث المستفاد من هذه الفقرات على جميع ما كان لهم عليهم‌السلام من الخصائص سوى مرتبة النبوّة أولى من حمله على خصوص بعض المراتب كما يشهد له كثير من الأخبار الواردة في هذا المضمار .

______________________________________________________

* روى عن أبي بصير عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : (خرج أمير المؤمنين ذات ليلة على أصحابه بعد عتمة وهم في الرحبة وهو يقول همهمة وليلة مظلمة خرج عليكم الإمام وعليه قميص آدم وفي يده خاتم سليمان ، وعصا موسى عليهم‌السلام) .

* وروى أبو حمزة الثمالي عن الإمام الصادق عليه‌السلام قال : سمعته يقول : «ألواح موسىٰ عندنا ، وعصا موسىٰ عندنا ، ونحن ورثة النبيّين» .

١ ـ هذا الوجه الخامس من الوجوه المحتملة على أنّ الأئمّة عليهم‌السلام ورثة الأنبياء .

٢ ـ راجع أصول الكافي ج ١ ، ص ٢٢٠ ، باب أنّ الأئمّة هم أركان الأرض ، ولكن يوجد بعض التفاوت بين هذه الرواية والروايات المذكورة في الكافي .

٥٣

ألا ترى إلى ما رواه المفضّل الجعفي عن الصادق عليه‌السلام قال : سمعته يقول : أتدري ما كان قميص يوسف ؟ قال : قلتُ : لا ، قال : إنّ إبراهيم لمّا أوقد له النار أتاه جبرئيل بثوب من ثياب الجنّة فألبسه إيّاه فلم يضرّه معه حرّ ولا برد ، فلمّا حضر إبراهيم الوفاة جعله في تميمة وعلّقها على إسحاق ، وعلّقها إسحاق على يعقوب ، فلمّا ولد يوسف علّقها عليه . وكان في عضده حتّى كان من أمره ما كان فلمّا أخرج يوسف بمصر من التميمة وجد يعقوب ريحه فهو قوله : (إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلَا أَن تُفَنِّدُونِ) (١) فهو القميص الذي أُنزل من الجنّة . قلتُ : جعلتُ فداك فإلى مَن صار ذلك القميص ؟

فقال : إلى أهله ، ثمّ قال : كلُّ نبيّ ورث علماً أو غيره فقد انتهى إلى محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته (٢) .

كيف عمّم في آخره ولم يُفرّق فيه بين العلم وغيره ؟ (٣) .

الموضع الثالث في تفسير صفوة الله

فاعلم أنّ هذا اللفظ (٤) محتمل لكونه وصفاً لآدم عليه‌السلام ، وبدلاً ، وعطف بيان ولا يرد على الأوّل (٥) جموده ، أمّا على القول بجواز الوصف بالجامد مطلقاً

________________________

١ ـ يوسف : ٩٤ .

٢ ـ بصائر الدرجات ، الجزء الرابع ، الباب الرابع ، ص ١٨٩ ، ح ٥٨ .

٣ ـ إنّ الإمام الصادق عليه‌السلام في ذيل الرواية لم يُفرّق في الإرث بين العلم وغيره .

٤ ـ أي صفوة الله .

٥ ـ أي على القول بأنّ صفوة الله صفة لآدم عليه‌السلام .

٥٤

فظاهر . وأمّا على القول الآخر (١) فلتأويله إلى الصفي وهو مشتقّ والعدول عنه إليه إنّما هو للمبالغة كما في زيد عدلٌ ، فالمجاز في الكلمة ولكن التحقيق أنّ هذا لتصحيح اللفظ بمعنى أنّه لو كان الكلام قد جيء به على ظاهره من دون أن يقصد به المبالغة لكان حقّه أن يؤل إلى المشتقّ وكذا تأويلهم نحو زيد عدل بذو عدول وبذلك صرّح بعض أهل البيان (٢) على ما حكي عنه في بيت الخنساء تصف الناقة : (فإنّما هي إقبالٌ وإدبار) .

قال : لم ترد بالإقبال والإدبار غير معناهما حتّى يكون المجاز في الكلمة وإنّما المجاز في أن جعلتها لكثرة ما تقبل وتدبر كأنّها تجسّمت من الإقبال والإدبار ... وحاصله : أنّ المجاز في أمثال ذلك عقلي لكونه في الإسناد .

وكيف كان فصفوة الشيء بتثليث الحركات على الصاد (٣) خالصه وخلاصته كالصفو إلّا أنّه بالفتح خاصّة ، وصفوة الله خيرة الله أي مصطفاه ومختاره من خلقه (٤) .

وفي بعض الأخبار سُمّي الصفا صفا لأنّ المصطفى آدم عليه‌السلام هبط عليه فقطع للجبل اسم من أسماء آدم (٥) ، وهبطت حوّاء على المروة فسمّيت مروة لأنّ المرأة هبطت عليه ، فقطع للجبل اسم من أسماء المرأة (٦) .

________________________

١ ـ أي على القول بأنّ صفوة الله بدل وعطف بيان .

٢ ـ عبد القاهر الجرجاني في دلائل الإعجاز .

٣ ـ أي ضمّ الصاد وفتحها وكسرها .

٤ ـ راجع المصباح المنير للفيومي ص ٣٤٣ ط : دار الهجرة .

٥ ـ هنا سقط أثبتناه من مصدر الرواية وهو ( ... . عليه‌السلام) يقول الله تعالى : (إِنَّ اللَّـهَ اصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ) آل عمران : ٣٣ .

٦ ـ أخرجها الشيخ الصدوق في علل الشرائع ج ٢ ، ص ١٣٧ ، باب : ١٦٥ تحت عنوان

٥٥

يقال : صفا الماء إذا خلص من الكدر ، والدليل على كون آدم عليه‌السلام صفيّ الله ومصطفاه مضافاً إلى ما ذكره قوله تعالى : (إِنَّ اللَّـهَ اصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللَّـهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (١) .

وإنّما لُقِبَ (٢) عليه‌السلام بالصفوة مع عدم الاختصاص لكونه أوّل الاصفياء بحسب الظاهر وإلّا فجميع الأنبياء أصفياء الله حيث خلقهم الله من طينةٍ صافية طيّبة فكرّمهم على سائر الخلق واختارهم من خلقه .

قال [الإمام] عليّ عليه‌السلام : (فاغترف جلّ جلاله من الماء العذب الفرات غرفةً بيمينه وكلتا يديه يمين فصلصلها فجمدت وقال الله : منك أخلق النبيّين والمرسلين وعبادي الصالحين والأئمّة المهديّين الدعاة إلى الجنّة وأتباعهم إلى يوم القيامة ، ولا أسأل عمّا أفعل وهم يُسألون ...) (٣) .

وإنّما صار آدم عليه‌السلام صفيّ الله ، لأنّه تعالى جعل هيكله الشريف مظهراً لأنوار محمّد وآله [عليهم‌السلام] ولذا أمر ملائكته بالسجود له (٤) تعظيماً وإكراماً لهذه الأنوار كما دلَّ عليه جملة وافرة من الأخبار (٥) .

________________________

(العلّة التي من أجلها سمّي الصفا صفا والمروة مروة) .

١ ـ آل عمران : ٣٣ و ٣٤ .

٢ ـ أي النبيّ آدم عليه‌السلام .

٣ ـ البحار ج ٥ ، ص ٢٣٧ ، الباب العاشر ، ط بيروت مؤسسة الوفاء .

٤ ـ إشارة إلى قوله تعالى في سورة البقرة آية (٣٤) : (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ ...) .

٥ ـ قال الاسترابادي في تأويل الآيات الظاهرة في قوله تعالى من سورة البقرة آية (٥٨) : (وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَـٰذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ

٥٦

فقد روي عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : (إنّه قال : يا عباد الله أنّ آدم لمّا رأى النور ساطعاً

________________________

سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ ...) : قال الإمام عليه‌السلام ـ العسكري ـ : قال الله تعالى : (وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا) مثّل الله على الباب مثال محمّد وعلي وأمرهم أن يسجدوا لله تعظيماً لذلك المثال ، ويجدِّدوا على أنفسهم بيعتهما وذكر موالاتهما ، ويذكروا العهد والميثاق المأخوذين عليهم لهما (وَقُولُوا حِطَّةٌ) أي قولوا : إنّ سجودنا لله تعظيماً لمثال محمّد وعلي ، واعتقادنا لولايتهما حطّةً لذنوبنا ، ومحو لسيّئاتنا ...) .

وروى أبو جعفر محمّد ابن بابويه ـ الصدوق ـ رحمه‌الله في فضائل الشيعة وعنه الاسترآبادي في تأويل الآيات الظاهرة ص ٤٩٧ ، ط ، قم ، والعلّامة المجلسي في البحار ج ٢٥ ، ص ٢ في تأويل قوله تعالى : (يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ) عن محمّد بن عمّار ، عن إسماعيل بن ثوية ، عن زياد بن عبدالله البكائي عن سليمان الأعمش ، عن أبي سعيد الخدري ، قال : كنّا جلوساً عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذ أقبل إليه رجلٌ فقال : يارسول الله أخبرني عن قول الله عزّوجلّ لإبليس : (أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ) مَن هم يارسول الله الذين هم أعلى من الملائكة المقرّبين ؟ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنا وعليّ وفاطمة والحسن والحسين ، كنّا في سرادق العرش نسبِّح الله فسبّحت الملائكة بتسبيحنا قبل أن يخلق الله عزّوجلّ آدم بألفي عام ، فلمّا خلق الله عزّوجلّ آدم أمر الملائكة أن يسجدوا له ، ولم يؤمروا بالسجود إلّا لأجلنا فسجدت الملائكة كلّهم أجمعون إلّا إبليس أبى أن يسجد ، فقال له الله تبارك وتعالى : (يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ) أي من هؤلاء الخمسة المكتوبة أسماؤهم في سرادق العرش . فنحن باب الله الذي يؤتىٰ منه ، بنا يهتدي المهتدون ، فمن أحبّنا أحبّه الله وأسكنه جنّته ، ومَن أبغضنا أبغضه الله وأسكنه ناره ، ولا يحبّنا إلّا مَن طاب مولده) .

٥٧

من صلبه إذ كان الله قد نقل أشباحنا من ذروة العرش إلى ظهره رأى النور ولم يتبيّن الأشباح فقال : ياربّ ما هذه (١) الأنوار ؟

فقال : أنوار أشباح نقلتهم من أشرف بقاع عرشي إلى ظهرك ولذلك أمرتُ الملائكة بالسجود لكَ إذ كنتَ وعاءً لتلك الأشباح) (٢) .

فإن قيل : ترك الانتهاء يُنافي مقام الاصطفاء وقد قال : (وَعَصَىٰ آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ) (٣) .

قلنا : قد أجابوا عن ذلك بوجوه كثيرة لا يليق بهذا المختصر .

وفي بعضها أنّ النهي كان من النواهي التنزيهيّة ، فعدم الانتهاء لا ينافي العصمة على أنّه روي عن [الإمام] الرضا عليه‌السلام أنّه قال : (قال الله تعالى لهما : (لَا

________________________

١ ـ في بعض المصادر «ما هذا النور ؟» .

٢ ـ أخرج الرواية الاسترآبادي في تأويل الآيات الظاهرة ص ٥١ ، ط ، قم جامعة المدرسين ، وللرواية تتمّة : «فقال آدم : ياربّ لو بيّنتها لي ، فقال الله عزّوجلّ : انظر يا آدم إلى ذروة العرش ، فنظر آدم إلى ذروة العرش ، فانطبع فيه صور أنوار أشباحنا التي في ظهره كما ينطبع وجه الإنسان في المرآة الصافية ، فرأى أشباحنا ، فقال : ما هذه الأشباح ياربّ ؟

قال الله عزّوجلّ ؛ يا آدم هذه أشباح أفضل خلائقي وبريّاتي ، هذا محمّد وأنا الحميد المحمود في أفعالي ، شققتُ اسماً من اسمي ، وهذا عليّ وأنا العليّ العظيم ، شققتُ له اسماً من اسمي ، وهذه فاطمة وأنا فاطر السماوات والأرض ، فاطم أعدائي من رحمتي يوم فصل قضائي ، وفاطم أوليائي عمّا يعيرهم ويشينهم ، وشققتُ لها اسماً من أسمائي ، وهذا الحسن والحسين وأنا المحسن المجمل ، شققتُ اسمهما من اسمي ، هؤلاء خيار خلقي وأكرم بريتي ، بهم آخذ وبهم أُعطي

٣ ـ طه : ١٢١ .

٥٨

تَقْرَبَا هَـٰذِهِ الشَّجَرَةَ) (١) وأشار لهما إلى شجرة الحنطة ولم يقل لهما ولا تأكلا من هذه الشجرة ولا ممّا كان من جنسها فلم يقربا تلك الشجرة وإنّما أكلا من غيرها لمّا أن وسوس الشيطان إليهما ، ثمّ قال : وكان ذلك من آدم قبل النبوّة ولم يكن ذلك بذنب كبير استحقّ به دخول النار ، وإنّما كان من الصغار الموهوبية التي تجوز على الأنبياء قبل نزول الوحي إليهم ، فلمّا اجتباه الله وجعله نبيّاً وكان معصوماً لا يذنب صغيرة ولا كبيرة قال : قال الله : (وَعَصَىٰ آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ * ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَىٰ) (٢) وقال : (إِنَّ اللَّـهَ اصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحًا ... (٣)) (٤) .

________________________

١ ـ البقرة : ٣٥ .

٢ ـ طه : ١٢١ و ١٢٢ .

٣ ـ آل عمران : ٣٣ .

٤ ـ أخرج هذه الرواية الشيخ الجليل الصدوق في كتابه عيون أخبار الرضا ج ١ ، ص ١٧٤ الباب الخامس عشر ط : الشريف الرضي ، قم .

ولكن الشارح رحمه‌الله ما أوردها بتمامها وإليك نصّها : عن عليّ بن محمّد بن الجهم ، قال : حضرتُ مجلس المأمون وعنده الرضا عليّ بن موسى عليهما‌السلام ، فقال له المأمون : يابن رسول الله أليس من قولك : إنّ الأنبياء معصومون ؟ قال : بلى ، قال : فما معنى قول الله عزّوجلّ : (وَعَصَىٰ آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ) فقال عليه‌السلام : إنّ الله تبارك وتعالى قال لآدم : (اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَـٰذِهِ الشَّجَرَةَ) وأشار لهما إلى شجرة الحنطة ، (فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ) ، ولم يقل لهما : لا تأكلا من هذه الشجرة ولا ممّا كان من جنسها ، فلم يقربا تلك الشجرة ولم يأكلا منها ، وإنّما أكلا من غيرها ، لمّا أن وسوس الشيطان إليهما وقال : (مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَـٰذِهِ الشَّجَرَةِ) وإنّما ينهيكما أن تقربا غيرها ، ولم ينهكما عن الأكل منها (إِلَّا أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ * وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ) .

٥٩

وروي أيضاً : أنّ الله خلق آدم حجّة في أرضه وخليفةً في بلاده لم يخلقه للجنّة وكانت المعصية من آدم في الجنّة لا في الأرض ليتمّ مقادير أمر الله فلمّا أهبط إلى الأرض وجعله حجّةً وخليفةً عُصم بقوله عزّوجلّ : (إِنَّ اللَّـهَ اصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحًا) (١) . (٢) فتدبّر ولا تغفل .

والتحقيق أنّ معاصي الأنبياء ليست من قبيل المعاصي المتعارفة المعروفة بل هي من قبيل ما أُشير إليه بقوله : (حسنات الأبرار سيّئات المقرّبين) (٣) ، وقد فصّلنا هذا الإجمال وشرحنا هذا المقال في بعض رسائلنا الشريفة .

________________________

ولم يكن آدم وحواء شاهداً قبل ذلك من يحلف بالله كاذباً (فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ) فأكلا منها ثقة بيمينه بالله ، وكان ذلك من آدم قبل النبوّة ، ولم يكن ذلك بذنب كبير استحقّ به دخول النار ، وإنّما كان من الصغائر الموهوبة التي تجوز على الأنبياء قبل نزول الوحي عليهم ، فلمّا اجتباه الله وجعله نبيّاً كان معصوماً ، لا يذنب صغيرة ولا كبيرة ، قال الله عزّوجلّ : (وَعَصَىٰ آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ * ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَىٰ) وقال الله عزّوجلّ : (إِنَّ اللَّـهَ اصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ) .

١ ـ آل عمران : ٣٣ .

٢ ـ عيون أخبار الرضا عليه‌السلام للصدوق ج ١ ، ص ١٧١ ، الباب الرابع عشر ط : قم ، الشريف الرضي . وهذه الرواية جواب لسؤالٍ وجّهه إليه عليه‌السلام عليّ بن محمّد بن الجهم بعدما سأله عن عصمة الأنبياء عليهم‌السلام ثمّ قال له : وأمّا قوله عزّوجلّ في آدم : (وَعَصَىٰ آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ) . فأجابه الإمام عليه‌السلام بالرواية المذكورة في المتن .

٣ ـ البحار : ج ٢٥ ، ص ٢٠٤ ، ح ١٦ .

٦٠