جنّة الحوادث في شرح زيارة وارث

الملّا حبيب الله الشريف الكاشاني

جنّة الحوادث في شرح زيارة وارث

المؤلف:

الملّا حبيب الله الشريف الكاشاني


المحقق: نزار الحسن
الموضوع : العرفان والأدعية والزيارات
الناشر: دار جلال الدين
المطبعة: باقري
الطبعة: ٢
ISBN: 964-94216-1-0
الصفحات: ١٩٦
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

على سفاح .

تنقلتُ في أصلاب قومٍ أعزّةٍ

بكَ اجتمعوا في كلِّ وادٍ ومحفلِ

وأشرقت الأنوار في كلّ بقعةٍ

وفاح الشذا في كلّ وادٍ ومنزلِ

وأضحى لسان الحال ينشد برهةً

تنقل فلذات الهوىٰ في التنقلِ

وفي بعض الأخبار فرسول الله أوّل مَن عبد الله ، وأوّل مَن أنكر أن يكون له ولد أو شريك ، ثمّ نحن بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ثمّ أودعنا بذلك صلب آدم فما زال ذلك النور ينتقل من الأصلاب والأرحام من صلبٍ إلى صلب ، ولا استقرّ في صلب إلّا تبيّن عن الذين انتقل منه شرف الذي استقرّ فيه حتى صار في عبد المطّلب فوقع بأمِّ عبدالله فافترق النور جزئين : جزء في عبدالله ، وجزء في أبي طالب ، وذلك قوله : (وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ) (١) يعني في أصلاب النبيّين عليهم‌السلام وأرحام نسائهم (٢) .

وفي بعضها عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : (خلقني الله وأهل بيتي من نور واحد قبل أن يخلق آدم بسبعة آلاف عام ثمّ نقلنا إلى صلب آدم ثمّ نقلنا من صلبه في الأصلاب الطاهرين إلى أرحام الطاهرات) (٣) .

وقوله : «لم تُنجسك» صفة ثانية لـ (نوراً) أو حال منه لمكان التخصيص ، وأُقيم الحاضر مقام الغائب العائد إلى الموصوف ، أو ذي الحال فيكون من قبيل قوله : (أنا الذي سمّتني) (٤) .

________________________

١ ـ الشعراء : ٢١٩ .

٢ ـ بحار الأنوار ، ج ٢٥ ، ص ٢٠ .

٣ ـ بحار الأنوار ، ج ٣٦ ، ص ٣٠١ .

٤ ـ تذكرة الخواص ص ١٥ ، ط الشريف الرضي قم .

١٤١

والجاهلية على ما في المجمع : الحالة التي كانت عليها العرب قبل الإسلام من جهل بالله ورسوله ، وشرائع الدِّين والمفاخرة بالآباء ، والأنساب ، والكبرة ، والتجبر وغير ذلك ، ومنه الحديث إذا رأيتم الشيخ يُحدّث يوم الجمعة بأحاديث الجاهلية فارموا رأسه بالحصىٰ ، وقولهم : كان ذلك في الجاهلية الجهلاء ، وهو توكيد للأوّل يشتقّ له من اسمه ما يؤكّده به (١) . وأنجاس الجاهلية عبارة عن تلك الأحوال المخالفة للشرع المذمومة عند الشارع فالإضافة بيانيّة .

والأنجاس جمع النجس بفتحتين وهو القذر (٢) .

والمراد أنّه لم تتلوّث أذيال عصمته بأرجس الكفر وأنجاس المعاصي ، المدلهمّات : المظلمات . يُقال : ادلهمَّ الليل كاقشعر : أظلم ، وليلة مدلهمة أي مظلمة ، و (مِن) تبعيضيّة ، والجار والمجرور في محلّ النصب ، ليكون مفعولاً ثانياً لتلبسك ، من ألبستُ زيداً جبّةً ، وثياب الجاهلية عبارة عن الأخلاق والحالات الناشئة من الكفر والضلالة وفهي في مقابلة لباس التقوىٰ المشار إليه بقوله تعالى : (وَلِبَاسُ التَّقْوَىٰ ذَٰلِكَ خَيْرٌ) (٣) ففي الكلام استعارة مكنية وترشيحيّة (٤) ، والمراد أنّ الله ألبسه حُلل العلم والمعرفة والسخاوة ، والعلم

________________________

١ ـ مجمع البحرين ج ٥ ص ٣٤٦ .

٢ ـ المصباح المنير للفيومي ص ٥٩٤ .

٣ ـ الأعراف : ٢٦ .

٤ ـ الاستعارة تنقسم إلى عدّة أقسام منها :

الاستعارة المكنية : وهي ما حُذِفَ فيها المشبَّه به ورُمِزَ له بشيءٍ من لوازمه مثل قوله تعالى : (وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا) شبّه الرأس بالوقود ثمّ حذف المشبه به ، ورمز إليه بشيء من لوازمه وهو (اشتعل) .

١٤٢

وسائر الأخلاق الحميدة ، والصفات الربّانية ، فلم تلبسه الجاهلية لباس الجهل والضلالة ، فإنّ الجهالات ، والضلالات ظلمات بعضها فوق بعض ، وهو عليه‌السلام نورٌ على نور ، ونورٌ فوق كلّ نور ، وهو نور الأنوار ، والهادي للأخيار ، وحجّة الجبّار ، وكهف الأبرار .

قال الرضا عليه‌السلام : (الإمام كالشمس الطالعة للعالم وهي في الأُفق بحيث لا تناله الأيدي والأبصار ، الإمام البدر المنير والسراج الظاهر (١) ، والنور الساطع ، والنجم الهادي في غياهب الدجىٰ ، والبلد (٢) القفار ، ولجج البحار ، الإمام الماء العذب على الضماء ، والدالّ على الهدى ، والمُنجي من الردىٰ .. إلى أن قال : الإمام المطهّر من الذنوب ، المبرء من العيوب ، مخصوص بالعلم موسوم بالحلم) (٣) .

______________________________________________________

والاستعارة الترشيحيّة : وهي ما ذُكِر معها ملائم المشبَّه به .

وللوقوف تفصيلاً على الاستعارة وأقسامها ، والتشبيه وأنواعه راجع كتب البلاغة مثل جواهر البلاغة ، البلاغة الواضحة ، دروس في البلاغة وغيرها .

١ ـ في المصدر (الزاهر) بدل (الظاهر) .

٢ ـ في المصدر (والبيد) بدل (البلد) .

٣ ـ أخرج هذه الرواية الشيخ الصدوق في عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ج ١ ، ص ١٩٥ في وصف الإمامة والإمام عليه‌السلام وهي رواية طويلة ونحن نذكر بعضاً منها : قال (... والإمام يحلُّ حلال الله ، ويحرّم حرام الله ، ويُقيم حدود الله ، ويذبّ عن دين الله ويدعو إلى سبيل ربِّه بالحكمة والموعظة الحسنة والحجّة البالغة ، الإمام كالشمس الطالعة للعالم وهي بلأفق بحيث لا تنالها الأيدي والأبصار ، الإمام البدر المنير والسراج الزاهر ، والنور الساطع ، والنجم الهادي في غياهب الدجىٰ والبيد القفار

١٤٣

وعن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : أنا وعليّ والحسن والحسين وتسعة من ولد الحسين مطهّرون معصومون (١) .

________________________

ولجج البحار ، الإمام الماء العذب على الضماء ، والدالّ على الهدىٰ والنجي من الردىٰ ، الإمام النار على اليفاع ـ يعني ما ارتفع من الأرض ـ الحار لمن اصطلىٰ به ، والدليل في المهالك مَن فارقة فهالك ، الإمام السحاب الماطر ، والغيث الهاطل ، والشمس المضيئة والأرض البسيطة والعين الغزيرة والغدير والروضة ، الإمام الأمين الرفيق ، والوالد الرقيق ، والأخ الشفيق ، ومفزع العباد في الداهية ، الإمام أمين الله في أرضه وحجّته على عباده وخليفته في بلاده ، الداعي إلى الله والذابّ عن حرم الله ، الإمام المطهّر من الذنوب المبرأ من العيوب مخصوص بالعلم مرسوم بالحلم ، نظام الدِّين ، وعزّ المسلمين ، وغيظ المنافقين ، وبوار الكافرين ، الإمام واحد دهره ، لا يدانيه أحدٌ ولا يعادله عالم ، ولا يوجد منه بدل ، ولا له مثل ولا نظير ، مخصوص بالفعل كلّه من غير طلب منه له ولا اكتساب ، بل اختصاص من المفضل الوهّاب ، فمَن ذا الذي يبلغ معرفة الإمام ويمكنه اختياره ؟ هيهات هيهات ! ضلّت العقول ، وتاهت الحلوم ، وحارت الألباب ، وحسرت العيون ، وتصاغرت العظماء ، وتحيّرت الحكماء ، وتقاصرت الحلماء ، وحصرت الخطباء ، وجهلت الألباء ، وكلّت الشعراء ، وعجزت الاُدباء وعييت البلغاء عن وصف شأنٍ من شأنه أو فضيلة من فضائله فأقرّت بالعجز والتقصير وكيف يُوصف له أو يُنعت بكنهه أو يُفهم شيء من أمره أو يوجد مَن يُقام مقامه ويُغني غناه ، لا كيف وأنّىٰ وهو بحيث النجم من أيدي المتناولين ووصف الواصفين ، فأين الاختيار من هذا ؟ وأين العقول عن هذا ؟ وأين يوجد مثل هذا ؟ أضنوا أن يوجد ذلك في غير آل محمّد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ...) .

فمن أراد المزيد فليراجع المصدر .

١ ـ عيون أخبار الرضا ج ١ ص ٦٥ ، ح ٣٠ ، ط : قم الشريف الرضي .

١٤٤

وَأَشْهَدُ أَنَّكَ مِنْ دَعَائِمِ الدِّينِ ، وَأَرْكَانِ الْمُؤْمِنِينَ .

الدعائم جمع الدعامة بكسر الدال ، وهي عماد البيت الذي يقوم عليه (١) ، وكثيراً ما يُستعار لكلّ ما لا يتمّ شيء إلّا به ، وكلّ ما يتوقّف عليه شيء بعلاقة المشابهة ، فإنّ البيت لا يستحكم بناءه إلّا بالدعامة والأساس ، ومنه قوله عليه‌السلام : (لكلّ شيءٍ دعامة ، ودعامة الإسلام الشيعة) (٢) ، وقوله عليه‌السلام : (دعامة الإنسان العقل) (٣) لتوقّف تحقّق الإنسانية على العقل ، والمراد بالدين هو الإسلام لقوله تعالى : (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّـهِ الْإِسْلَامُ) (٤) ، قوله : (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ) (٥) . و (مِن) تبعيضية أي من جملة الأئمّة الذين هم دعائم الدِّين . والأركان جمع ركن ، وهو لغةً جانب البيت ، وكثيراً يُستعمل في معنى الاسطوانة والدعامة فيستعار أيضاً فيما أشرنا إليه .

وفي الكلام إشارة إلى أنّ الدِّين لا يكمل إلّا بولاية الإمام ، والإيمان لا يتحقّق إلّا بمحبّة ذرّية سيّد الأنام ، وقد تواترت بذلك الأخبار من النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وعترته المعصومين الكرام ، ففي بعضها عن الرضا عليه‌السلام : (أنّ الإمامة زمام الدِّين

________________________

١ ـ راجع المنجد في اللغة ص ٢١٦ مادّة (دعا) وقال : (دِعَامَةُ القوم : سيّدهم) . وقال الفيومي في المصباح المنير ص ١٩٤ : (الدِعامَةُ بالكسر ما يُستندُ به الحائط إذا مالَ يمنعُهُ السقوط) .

٢ ـ الكافي ج ٨ ص ٢١٢ .

٣ ـ الكافي ج ١ ص ٢٥ .

٤ ـ آل عمران : ١٩ .

٥ ـ آل عمران : ٨٥ . وذيل الآية (وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) .

١٤٥

ونظام المسلمين ، وصلاح الدُّنيا وعزّ المؤمنين ، أنّ الإمامة أسّ الإسلام النامي وضرعه السامي ، بالإمام تمام الصلاة والزكاة والصيام والحجّ والجهاد وتوفير الفيء والصدقات وإمضاء الحدود والأحكام) (١) .

وفي بعضها يامحمّد : (لو أنّ عبداً عبدني حتّى ينقطع ويصير كالشن البالي ثمّ أتاني جاحداً لولايتهم لم أدخله جنّتي ولا أظلّه تحت عرشي) (٢) .

وفي بعضها : (دعائم الإسلام خمس : الصلاة ، والصوم ، والزكاة ، والحجّ ، والولاية) (٣) .

وفي بعضها : (بُنيَ الإسلام على خمس إلى قوله : ولم ينادِ بشيءٍ كما نودي بالولاية) (٤) .

وفي بعضها : عن أبي حمزة عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : قلتُ : أصلحك الله أيّ شيءٍ إذا عملته استكملتُ حقيقة الإيمان ؟

قال : (توالي أولياء الله محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله وعليّ وفاطمة والحسن والحسين وعليّ بن الحسين عليهم‌السلام ثمّ انتهى الأمر إلينا ثمّ ابني جعفر وأومأ إلى جعفر وهو جالس

________________________

١ ـ هذا مقطع من الرواية السابقة التي أخرجها الصدوق قدس‌سره في العيون ج ١ ، ص ١٩٥ في وصف الإمام عليه‌السلام وهذا المقطع في وصف الإمامة ، فراجع .

٢ ـ بحار الأنوار ، ج ٨ ، ص ٣٥٧ ، باب ٢٧ .

٣ ـ الكافي ج ٢ ص ١٥ باب دعائم الإسلام . وروى الصدوق في الخصال ج ١ ، ص ٢٧٨ عن الباقر عليه‌السلام قال : (بُني الإسلام على خمسة دعائم : إقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصوم شهر رمضان ، وحجّ البيت الحرام والولاية لنا أهل البيت) .

ورواه المفيد في أماليه ص ٣٥٣ ، والطبري في بشارة المصطفىٰ ص ١١٧ ج ٢ ، ح ٥٨ .

٤ ـ أصول الكافي ج ٢ ، ص ١٥ ، باب (دعائم الإسلام) ح ٣ .

١٤٦

فمَن والى هؤلاء فقد والى أولياء الله ، وكان مع الصادقين كما أمره الله) (١) .

وفي بعضها : (هل الدِّين إلّا الحبّ) (٢) .

وفي بعضها عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في كلامه لعليّ عليه‌السلام : (لو أنّ عبداً عبد الله ألف عام ما قبل الله ذلك منه إلّا بولايتك وولاية الأئمّة من ولدك وأنّ ولايتك لا يقبلها

________________________

١ ـ إليك نصّ الرواية الشريفة في البحار ج ٢٧ ، ص ٥٧ ، ح ١٦ ، عن أبي حمزة الثمالي قال : قال أبو جعفر عليه‌السلام : (يا أبا حمزة إنّما يعبد الله مَنْ عرف الله وأمّا مَن لا يعرف الله كأنّما يعبد غيره هكذا ضلالاً .

قلتُ : أصلحك الله وما معرفة الله ؟

قال : يُصدّق الله ويُصدّق محمّداً رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في موالاة عليّ والايتمام به وبأئمّة الهدىٰ من بعده ، والبراءة إلى الله من عدوّهم وكذلك عرفان الله .

قال : قلتُ : أصلحك الله أيّ شيءٍ إذا عملته أنا ، استكملت حقيقة الإيمان ؟

قال : توالي أولياء الله وتعادي أعداء الله وتكون مع الصادقين كما أمرك الله .

قال : قلتُ : ومَنْ أولياء الله ؟

فقال : أولياء الله محمّد رسوله وعليّ والحسن والحسين وعلي بن الحسين ثمّ انتهى الأمر إلينا ثمّ ابني جعفر ، وأومأ إلى جعفر وهو جالس ، فمن والى هؤلاء فقد والى أولياء الله وكان مع الصادقين كما أمره الله . قلتُ : ومَن أعداء الله ، أصلحك الله ؟

قال : الأوثان الأربعة . قلتُ : مَن هم ؟ قال : أبو الفصيل ، ورمع ، ونعثل ، ومعاوية ، ومَن دان دينهم ، فمَن عادىٰ هؤلاء فقد عادى أعداء الله) .

قال العلّامة المجلسي في بيان هذه الرواية : (أبو الفصيل أبو بكر لأنّ الفصيل والبكر متقاربان في المعنىٰ ، ورمع مقلوب عمر ، ونعثل عثمان كما صرّح به في كتب اللغة) .

٢ ـ الكافي ج ٨ ص ٧٩ .

١٤٧

الله إلّا بالبراءة من أعدائك وأعداء الأئمّة من ولدك) (١) .

وفي الزيارة الجامعة : (... سَعَدَ مَن والاكم ، وهَلَكَ مَن عاداكم ، وخاب مَن جحدكم (٢) ، وضلَّ مَن فارقكم ، وفازَ مَن تمسّك بكم ، وأمِنَ مَن لجأ إليكم ، وسَلِمَ مَن صدّقكم ، وهُدِيَ مَن اعتصم بكم ، مَن اتّبعكم فالجنّةُ مأواه ، ومَن خالفكم فالنار مثواه) (٣) .

________________________

١ ـ روى العلّامة المجلسي قدس‌سره في البحار ج ٢٧ ، ص ٦٣ ، ح ٢٢ ، عن سليمان الأعمش ، عن جعفر بن محمّد ، عن آبائه ، عن أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : قال لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا علي أنت أمير المؤمنين ، وإمام المتّقين .

يا علي أنت سيّد الوصيّين ، ووارث علم النبيِّين ، وخير الصدِّيقين ، وأفضل السابقين .

يا عليّ أنت زوج سيّدة نساء العالمين ، وخليفة خير المرسلين .

يا عليّ أنت مولى المؤمنين ، والحجّة بعدي على الناس أجمعين ، استوجب الجنّة مَن تولّاك ، واستوجب دخول النار مَن عاداك .

يا عليّ والذي بعثني بالنبوّة ، واصطفاني على جميع البريّة ، لو أنّ عبداً عَبدَ الله ألف عام ما قبل ذلك منه إلّا بولايتك وولاية الأئمّة من ولدك ، وإنّ ولايتك لا تُقبل إلّا بالبراءة من أعدائك ، وأعداء الأئمّة من ولدك . بذلك أخبرني جبرئيل عليه‌السلام : (فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ) .

٢ ـ أي لم يؤمن بإمامتكم ، وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : (والذي نفسي بيده لا ينفع عبداً عمله إلّا بمعرفة حقّنا) راجع إسعاف الراغبين ص ١٢٢ ، ط بيروت .

٣ ـ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ (لا يبغضنا أهل البيت أحدٌ إلّا أدخله الله النار) المصدر نفسه .

١٤٨

وَأَشْهَدُ أَنَّكَ الْإِمَامُ الْبَرُّ التَّقِيُّ الرَّضِيُّ الزَّكِيُّ الْهَادِي الْمَهْدِيُّ .*

شهادة له بالإمامة التي هي عهدُ الله الذي لا يناله الظالمين كما قال : (وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) (١) ، فهي الرياسة العامّة من الله على عباده ، والخلافة والنيابة من النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله على أُمّته .

قال الرضا عليه‌السلام : (إنّ الإمامة خصَّ الله بها إبراهيم الخليل عليه‌السلام بعد النبوّة ، والخلّة مرتبة ثالثة ، وفضيلة شرّفه بها ، وأشاد بها ذكره فقال : (إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا) ، فقال الخليل سروراً بها : (وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) (٢) فأبطلت هذه الآية إمامة كلّ ظالم إلى يوم القيامة ، وصارت في الصفوة ، ثمّ أكرمه الله عزّوجلّ بأنْ جعلها في ذريّته أهل الصفوة والطهارة ، فقال عزّوجلّ : (وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ * وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ) (٣) فلم تزل في ذرّيته يرثها بعض عن بعض قرناً فقرناً حتّى ورثها النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال الله عزّوجلّ : (إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَـٰذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّـهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ) (٤) فكانت له خاصّة فقلّدها صلى‌الله‌عليه‌وآله عليّاً

________________________

* ـ هذه الفقرة غير موجودة في المصباح .

١ ـ البقرة : ١٢٤ .

٢ ـ البقرة : ١٢٤ .

٣ ـ الأنبياء : ٧٢ و ٧٣ .

٤ ـ آل عمران : ٦٨ .

١٤٩

بأمر الله عزّوجلّ على رسم ما فرضها الله عزّوجلّ : (وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّـهِ إِلَىٰ يَوْمِ الْبَعْثِ) (١) فهي في ولد عليّ عليه‌السلام خاصّة إلى يوم القيامة إذ لا نبيّ بعد محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله فمِن أين يختار هؤلاء الجهّال ؟ إنّ الإمامة هي منزلة الأنبياء ، وإرث الأوصياء ، إنّ الإمامة خلافة الله عزّوجلّ وخلافة الرسول ومقام أمير المؤمنين وميراث الحسن والحسين عليهما‌السلام) (٢) .

وهذا المقام ثابت له عليه‌السلام بقول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله المروي من طرقنا وطرق المخالفين : (إمامان قاما أو قعدا) (٣) ، وغير ذلك ممّا تواتر روايته في كتب الفريقين .

ووصف الإمام بالبرّ بالفتح وهو البار العطوف المحسن ، لأنّه كما يُطلق على القدوة للناس المنصوب من قبل الله المفترض الطاعة على العباد كذلك قد يُطلق على الداعي إلى الباطل الذي يقتدي به الجاهل ، كما في قول الصادق لمّا سُئل عن الشيخين : (إمامان عادلان قاسطان كانا على الحقّ ورحمة الله عليهما) (٤) ،

________________________

١ ـ الروم : ٥٦ .

٢ ـ راجع عيون أخبار الرضا ج ١ ، ص ١٩٦ ، باب ٢٠ ، ط ؛ قم الشريف الرضي .

٣ ـ روضة الواعظين لابن فتّال النيسابوري ج ١ ، ص ١٥٦ ط : الشريف الرضي قم ، وإعلام الورى للطبرسي ص ٢١٥ ، ط : دار الكتب الإسلامية طهران .

٤ ـ روى المحقّق الكركي في نفحات اللاهوت في لعن الجبت والطاغوت ص ١٢٨ عن ابن شهرآشوب في كتاب المثالب (إنّ الصادق عليه‌السلام سُئِل عن أبي بكر وعمر فقال : كانا إمامين قاسطين كانا على الحقّ وماتا عليه فرحمة الله عليهما يوم القيامة فلمّا خلى المجلس قال له بعض أصحابنا : كيف قلتَ يابن رسول الله ؟ فقال : نعم ؛ أمّا قولي كانا إمامين فهو مأخوذ من قوله تعالى : (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ) ، وأمّا قولي عادلين فهو مأخوذ من قوله تعالىٰ : (ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ

١٥٠

وربما يُطلق على الأعمّ كما قال تعالى : (يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ) (١) .

والتقي والمتّقي هو الذي يخاف الله ويخشاه بالغيب ، ويجتنب المعاصي ويتوقّى المحرمات من التقوى ، والإتّقاء هو الامتناع من الردىٰ باجتناب ما يدعو إليه الهوىٰ ، ويقال : وقاه يقيه إذا حفظه وعصمه ، والرضىٰ هو المرضي الذي ارتضاه الله من خلقه لإرشاد عباده ، أو الذي رضى الله في سماءه ، والرسول في أرضه ، أو بمعنى الراضي وهو الذي لا يسخط بما قدر عليه ، والزكي الطاهر من الأخلاق الذميمة ، والصفات الرذيلة من قولهم زكىٰ عمله إذا طهُرَ ، ومنه قوله : (أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً) (٢) أي طاهرة لم تجن ما يوجب قتلها ، وهذا اللقب إذا أُطلِقَ فالمراد به هو الحسن بن عليّ عليهما‌السلام (٣) ، والهادي هو الدليل على الحقّ ، والمرشد إلى سبيل الرشد ، قال الله : (إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ) (٤) ، وهذا اللقب عند

________________________

يَعْدِلُونَ) ، وأمّا قولي : كانا على الحقّ فالحقّ علي عليه‌السلام ، وقولي ماتا عليه فالمراد به أنّهما لم يتوبا عن تظاهرهما عليه بل ماتا على ظلمهما إيّاه ، وأمّا قولي : فرحمة الله عليهما يوم القيامة فالمراد به أنّ رسول الله ينتصف له منهما أخذاً من قوله تعالى : (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ) .

١ ـ الإسراء : ٧١ .

٢ ـ الكهف : ٧٤ .

٣ ـ ابن طلحة الشافعي في كتابه مطالب السؤول ج ٢ ، ص ٥١ اعتبر الزكي من ألقاب الإمام الحسين عليه‌السلام ولم يعتبره من ألقاب الإمام الحسين عليه‌السلام .

٤ ـ الرعد : ٧ ، روى السيوطي في الدر المنثور ج ٤ ، ص ٤٥ ، ط : مصر ، عن ابن مردويه عن أبي بُرزة الأسلمي : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : (إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ) ووضع يده على صدر نفسه ، ثمّ وضعها علىٰ صدر عليّ ويقول : (وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ) .

١٥١

الإطلاق ينصرف إلى عليّ بن محمّد الجواد عليه‌السلام (١) ، والمهدي هو الذي هداه الله إلى معارج القرب ، وأرشده إلى بساط الجذب ، وعرّفه المعارف اللاهوتية ، وعلّمه الأسرار الجبروتية ولا يكون الشخص هادياً حتّى يكون مهدياً مهتدياً ، ففي الكلام تقديم وتأخير كما في قوله : واجعله هادياً مهدياً ، فتأمّل . وهذا اللقب إذا أُطلق فالمراد به القائم من آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله المبشّر بمجيئه في آخر الزمان ـ اللّهم عجِّل فرجه ـ ولا ريب أنّ كلّ إمام من آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله هادٍ يهدي العباد إلى طريق الرشاد .

قال الباقر عليه‌السلام في قوله تعالى : (إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ) (٢) : إنّ رسول الله المنذر ، وفي كلّ زمان منّا هادٍ يهديهم إلى ما جاء به نبيّ الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ثمّ الهداة من بعد عليّ ثمّ الأوصياء واحداً بعد واحد) (٣) .

وقال الصادق عليه‌السلام : (في هذه الآية كلّ إمام هادٍ للقرآن الذي هو فيهم) (٤) .

________________________

وروى القمّي في تفسيره ج ١ ، ص ٢٦٠ ، ط : بيروت عن الإمام الصادق عليه‌السلام : قال : المنذر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والهادي أمير المؤمنين عليه‌السلام وبعده الأئمّة عليهم‌السلام وهو قوله : (وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ) أي في كلّ زمان إمام هادٍ مبين .

وراجع مجمع البيان للطبرسي ج ٦ ، ص ٢٧٨ ، وتأويل الآيات ص ٢٣٦ .

١ ـ المشهور هذا ولكن السيّد فضل الله الراوندي في مواليد الأئمّة ص ١١ لم يجعل الهادي من ألقاب الإمام علي بن محمّد الجواد عليه‌السلام ، وإنّما جعل هذا اللقب للإمام المهدي المنتظر (عجّل الله فرجه الشريف) .

٢ ـ الرعد : ٧ .

٣ ـ الكافي ج ١ ، ص ١٩١ .

٤ ـ راجع فضائل أمير المؤمنين لابن عقدة الكوفي المتوفىٰ ٣٣٢ هـ ص ١٩٥ ، ح ١٩٦ ، ط . قم ١٤٢١ هـ .

١٥٢

وعن أبي بصير عنه عليه‌السلام قال : قلتُ له : (إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ) (١) فقال : رسول الله المنذر وعليّ عليه‌السلام الهادي . يا أبا محمّد فهل منّا هادٍ اليوم ؟ قلت : بلىٰ جُعلت فداك ما زال فيكم هادٍ من بعد هاد حتّى رُفِعت إليكَ .

فقال : رحمك الله يا أبا محمّد لو كانت إذا نزلت آية على رجل ماتَ ذلك الرجل ماتت الآية مات الكتاب ولكنّه حيٌّ جرىٰ فيمن بقىٰ كما جرىٰ فيمن مضىٰ) (٢) .

________________________

١ ـ الرعد : ٧ .

٢ ـ الكافي ج ١ ، ص ١٩٢ .

١٥٣

وَأَشْهَدُ أَنَّ الْأَئِّمَةَ مِنْ وُلْدِكَ كَلِمَةُ التَّقْوىٰ ، وَأَعْلَامُ الْهُدىٰ ، وَالْعُروَةُ الْوُثْقىٰ ، [ وَالْحُجَّةُ عَلىٰ أَهْلِ الدُّنْيَا ] .*

هذا الكلام يُحتمل وجهين : أحدهما : أن يكون قوله : (من ولدك) في محلّ الخبر فيكون كلمة التقوىٰ خبراً بعد خبر ، أو لمحذوف أي ؛ وهم كلمةُ التقوىٰ ، أو مفعولاً لفعل المدح المحذوف ، ففيه إشارة إلى ما ورد في جملة من الأخبار من الله عوّض الحسين عليه‌السلام من شهادته أنّ الأئمّة من ولده ، والشفاء في تربته ، وإجابة الدُّعاء تحت قبّته (١) .

قال الباقر عليه‌السلام : (نحن اثنا عشر إماماً منهم الحسن والحسين ثمّ الأئمّة من ولد الحسين عليه‌السلام) (٢) .

وعن سلمان الفارسي قال : (دخلتُ على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فإذا الحسين على فخذيه وهو يُقبّل عينه ، ويلثم فاه ، ويقول : أنت سيّد ابن سيّد ، أنت إمام ابن إمام ، أنت حجّة ابن حجّة أبو حجج تسعة من صلبك تاسعهم قائمهم) (٣) .

وثانيهما : أن يكون في محلّ الحال فالخبر هو كلمة التقوىٰ ، وهذا أيضاً لا يُنافي ما تقدّم من كون الأئمّة عليهم‌السلام من صلب الحسين عليه‌السلام خاصّة .

وفي المجمع وقد سُئِلَ عليه‌السلام عن قوله تعالى : (وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي

________________________

* ـ بين المعقوفتين غير موجودة في المصباح .

١ ـ عدة الداعي لابن فهد الحلي ص ٥٧ القسم الثاني ما يرجع إلى المكان .

٢ ـ الكافي ج ١ ص ٥٣٣ باب ما جاء في الأئمة الاثني عشر والنص عليهم .

٣ ـ مقتل الحسين للخوارزمي ج ١ ، ص ١٤٦ .

١٥٤

عَقِبِهِ) (١) قال : يعني بذلك الإمامة جعلها الله في عقب الحسين عليه‌السلام إلى يوم القيامة وليس لأحد أن يقول : لِمَ جعلها الله في صلب الحسين عليه‌السلام دون الحسن عليه‌السلام ، لأنّه هو الحكيم في أفعاله (لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ) (٢) .

والمراد بكلمة التقوىٰ يُحتمل وجوهاً :

منها : إنّها الإيمان فكونهم كلمة التقوى ، لكون ولايتهم مشروطة في تحقّقه كما قال : (وبموالاتكم تمّت الكلمة وعظمت النعمة) (٣) .

ومنها : إنّه كلمةُ لا إله إلّا الله محمّد رسول الله ، ولا شكّ أنّ ترتّب الآثار على هذه الكلمة موقوف على الإقرار بإمامتهم ، والإذعان بولايتهم فهذا جارٍ مجرىٰ

________________________

١ ـ الزخرف : ٢٨ .

٢ ـ هذه الرواية لم نعثر عليها في مجمع البيان للطبرسي في تفسير هذه الآية ولكن أخرجناها من معاني الأخبار للشيخ الصدوق ص ١٣١ ح ١ ، ط : بيروت الأعلمي ١٤١٠ هـ . وكتاب تأويل الآيات ص ٥٤١ ، وإليك نصّها :

(عن المفضّل بن عمر قال : قلت لأبي عبدالله عليه‌السلام : يابن رسول الله أخبرني عن قول الله : (وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ) قال : يعني بذلك الإمامة ، وجعلها الله في عقب الحسين إلى يوم القيامة ، فقلت : يابن رسول الله أخبرني كيف صارت الإمامة في ولد الحسين دون الحسن وهما ولدا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله سبطاه وسيّدا شباب أهل الجنّة ؟

فقال : يا مفضّل إنّ موسى وهارون نبيّان مرسلان اخوان فجعل الله النبوّة في صلب هارون دون صلب موسىٰ ولم يكن لأحد أن يقول : لِمَ فعل الله ذلك ، وكذلك الإمامة وهي خلافة الله عزّوجلّ وليس لأحد أن يقول : لِمَ جعلها في صلب الحسين دون صلب الحسن ، لأنّ الله عزّوجلّ حكيم في أفعاله : (لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ) . والآية في سورة الأنبياء : ٢٣ .

٣ ـ هذا مقطع من الزيارة الجامعة الشريفة ، فراجع شرح هذه الفقرة في الأنوار اللامعة للسيّد عبدالله شبّر قدس‌سره ص ١٨٧ ط : قم الأمين .

١٥٥

قول أمير المؤمنين عليه‌السلام : (أنا صلاة المؤمنين ، وصيامهم ، وزكاتهم ، وحجّهم) (١) ، يعني أنّ هذه الأعمال لا تُقبل ولا تصحّ إلّا بولايتي (٢) ، وحديث الرضا عليه‌السلام في نيسابور معروف وفي آخره (لا إله إلّا الله حصني ومَن دخله أمن من عذابي فقالوا : حسبنا يابن رسول الله ، فلمّا رجعوا قال لهم : لكن بشروطها وأنا من شروطها) (٣) .

ومنها : إنّه العهد الذي عهده الله في عليّ عليه‌السلام وذرّيته ، وفي الحديث في معنى كلمة التقوى عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : (إنّ الله عهد إليَّ في عليّ عليه‌السلام عهداً ، قلتُ : ياربّ بيّنه لي قال : استمع قلتُ : سمعت ، قال : إنّ عليّاً عليه‌السلام راية الهُدى وإمام أوليائي ونور مَن أطاعني وهو الكلمة التي ألزمتها المتّقين ، مَن أحبّه أحبّني ، ومَن أطاعه أطاعني) (٤) .

________________________

١ ـ تقدّم ذكر هذه الخطبة كاملاً التي رواها البرسي في مشارق أنوار اليقين .

٢ ـ روى الطبري في بشارة المصطفى ص ١١٧ ج ٢ ، ح ٦٤ عن أبي حمزة الثمالي قال : «قال لنا عليّ بن الحسين زين العابدين عليه‌السلام : أي البقاع أفضل ؟ فقلتُ : الله ورسوله وابن رسوله أعلم ، فقال عليه‌السلام : إنّ أفضل البقاع ما بين الركن والمقام ، ولو أنّ رجلاً عمّر ما عمّر نوح في قومه ألف سنة إلّا خمسين عاماً ، يصوم النهار ، ويقوم الليل في ذلك الموضع ، ثمّ لقي الله عزّوجلّ بغير ولايتنا لم ينفعه ذلك شيئاً» .

وروى الشيخ المفيد في أماليه ص ١١٥ عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : (يا أبا الجارود أما ترضون أن تصلّوا فيقبل منكم ، وتصوموا فيقبل منكم ، وتحجّوا فيقبل منكم ، والله أنّه ليصلّي غيركم فما يُقبل منه ، ويصوم غيركم فما يُقبل منه ، ويحجّ غيركم فما يُقبل منه) .

٣ ـ راجع التوحيد للشيخ الصدوق باب ثواب الموحّدين : ص ٢٥ ، ح ٢٣ .

٤ ـ أخرجها الصدوق في معاني الأخبار ص ١٢٦ ، ح ١ ، ط بيروت الأعلمي .

١٥٦

ومنها : أنّها الدعوة إلى الإسلام كما قال : (وكلمةُ ربّك العليا) (١) فهم كلمة التقوى لكونهم الدُّعاة إلى شرائع الإسلام وجوامع الأحكام .

ومنها : أنّها الحجّة كما في قوله تعالى : (وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ) (٢) أي بحججه فإنّهم حجج الله على الخلق وللمتّقين من عباده ، قال عليّ عليه‌السلام : (إنّ الله واحد تفرّد في وحدانيّته ، ثمّ تكلّم بكلمة فصارت نوراً ثمّ خلق من ذلك النور محمّداً وخلقني وذرّيتي ، ثمّ تكلّم بكلمة فصارت روحاً فأسكن الله في ذلك النور وأسكنه في أبداننا فنحن روح الله وكلمته ، فبنا احتجَّ على خلقه فما زلنا في ظلّةٍ خضراء) (٣) .

ومنها : إنّها الخلق البديع ما يُقال لعيسىٰ عليه‌السلام أنّه كلمة الله ، لأنّه وجد بأمره من دون أب فشابه البدعيات ، فهم عليهم‌السلام لما عليهم من الصفات الإلهية ، وفيهم من العجائب الربّانية مشابهون للبدعيات ، فهم كلمات الله التامّات خلقهم الله لإرشاد المتّقين إلى طرق التقوى والصلاح وهدايتهم إلى سبيل الفلاح والنجاح ، وكيف كان فلعلَّ الوجه في توحيد الكلمة أنّهم عليهم‌السلام نور واحد ، ونفسٍ واحدة كما يرشد إليه حديث النورانيّة (٤) وغيره .

والأعلام : جمع العلم (٥) ، وهو لغة الجبل الذي يُعلم به الطريق وقريب منه المنار ، وهو المرتفع الذي يُوقد في أعلاه النار لهداية الضلّال (٦) ، والأئمّة عليهم‌السلام

________________________

١ ـ هذه الآية في سورة التوبة (٤٠) ولكن هكذا : (وَكَلِمَةُ اللَّـهِ هِيَ الْعُلْيَا) .

٢ ـ الشورىٰ : ٢٤ .

٣ ـ راجع بحار الأنوار ج ٢٦ ، ص ٢٩١ ، ح ٥١ ، باب تفضيلهم عليهم‌السلام على الأنبياء .

٤ ـ تقدّم ذكره .

٥ ـ المصباح المنير : ص ٤٢٧ .

٦ ـ ولهذا أشارت الخنساء في رثاء أخيها صخر فقالت :

١٥٧

أعلام للهدى ، لأنّه يُهتدى بهم كما قال : (لولانا ما عُرِف الله ، ولولانا ما عُبد الله) (١) . وفي الجامعة : (وأعلاماً لعباده ، ومناراً في بلاده ، وأدلّاء على صراطه) (٢) .

وروي في قوله : (وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ) (٣) أنّه قال : (نحن العلامات ، والنجم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله) (٤) .

وقال الصادق عليه‌السلام : (نحن ولاة أمر الله وخزنة علم الله وعيبة وحي الله وأهل دين الله وعلينا نزل كتاب الله ، وبنا عُبد الله ، ولولانا ما عُرِفَ الله ، ونحن ورثة نبيّ الله وعترته) (٥) .

وقال الباقر عليه‌السلام : (نحن جنب الله ونحن صفوته ، ونحن خيرته ، ونحن أركان الإيمان ، ونحن دعائم الإسلام ونحن من رحمة الله على خلقه ، ونحن الذين بنا يفتح ، وبنا يختم ، ونحن أئمّة الهدى ، ونحن مصابيح الدُّجىٰ ، ونحن منار الهدىٰ ، ونحن السابقون ، ونحن الآخرون ، ونحن العَلم المرفوع للخلق ، مَن تمسّك بنا لحق ، ومَنْ تخلّف عنّا غرق ، ونحن قادة الغرّ المحجّلين ، ونحن خيرة الله ، ونحن الطريق ، وصراط الله المستقيم إلى الله ، ونحن من نعمه على

________________________

«وإنّ صخراً لتأتم الهداةَ به

كأنّه علمٌ في رأسه نارُ»

١ ـ راجع الكافي ج ١ ، كتاب الحجّة ، باب : إنّ الأئمّة ولاة أمر الله .

وقال الصادق عليه‌السلام : (وبعبادتنا عُبد الله عزّوجلّ ولولانا ما عُبد الله) .

٢ ـ راجع شرح هذه الفقرة في الأنوار اللامعة ص ١١٥ .

٣ ـ النحل : ١٦ .

٤ ـ الكافي ج ١ ، كتاب الحجّة ، باب : إنّ الأئمّة هم العلامات التي ذكرها الله في كتابه ، ح ١ عن الرضا عليه‌السلام وأيضاً روي عن الإمام الصادق عليه‌السلام في المصدر نفسه ح ٢ قال : (إنّ النبي النجم ، والعلامات الأئمّة عليهم‌السلام) .

٥ ـ راجع بصائر الدرجات ص ٦١ ، ج ٢ ، الباب الثالث ، ح ٣ .

١٥٨

خلقه ، ونحن المنهاج ، ونحن معدن النبوّة ، ونحن موضع الرسالة ، ونحن الذين تختلف الملائكة ، ونحن السراج لمَن استضاء بنا ، ونحن السبيل لمَن اهتدى بنا ، ونحن الهداة إلى الجنّة) (١) .

والحاصل : إنّهم أدلّة الهدىٰ ، والهادون بأمر الله المرشدون إلى مرضاة الله .

والعروة لغةً : عروة الكوز (٢) معروفة ، والوثقىٰ تأنيث الأوثق ، والعروة الوثيقة : هي العروة المستحكمة التي يستمسك بها ، شبّهوا عليهم‌السلام بها ، لأنّ المتمسّك بطريقتهم لا يضلُّ ، ولا ينفصم عن رحمة الله ، وربما تفسّر العروة الوثقىٰ بالإيمان كما قال : (فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّـهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ) (٣) .

وفي بعض الأخبار أنّها التسليم لأهل البيت عليهم‌السلام ، وفي بعضها أنّ أوثق عرىٰ الإيمان الحبّ في الله (٤) ، وعن الزمخشري في قوله : (فَقَدِ اسْتَمْسَكَ

________________________

١ ـ المصدر نفسه ح ١٠ ، وإليك تكملة الرواية : (... ونحن عزّ الإسلام ، ونحن الجسور والقناطر مَن مضىٰ عليها سبق ، ومَن تخلّف عنها محق ، ونحن السنام الأعظم ونحن الذين بنا تنزل الرحمة ، وبنا تسقون الغيث ، ونحن الذين بنا يصرف عنكم العذاب فمَن عرفنا ونصرنا وعرف حقّنا وأخذ بأمرنا فهو منّا وإلينا) .

٢ ـ المصباح المنير ص ٤٠٦ ، دار الهجرة .

٣ ـ البقرة : ٢٥٦ .

٤ ـ روى الشيخ الصدوق قدس‌سره في معاني الأخبار ص ٣٦٨ ، ح ١ ، ط : بيروت ، عن عبدالله بن عبّاس ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : (مَن أحبّ أن يتمسّك بالعروة الوثقىٰ التي لا انفصام لها فليتمسّك بولاية أخي ووصيي عليّ بن أبي طالب ، فإنّه لا يهلك مَن أحبّه وتولّاه ولا ينجو مَن أبغضه وعاداه) .

١٥٩

بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ) وهذا تمثيل للمعلوم بالنظر والاستدلال بالمشاهد المحسوس حتّى يتصوّره السامع كأنّه ينظر إليه بعينه فيحكم اعتقاده والتيقّن به (١) .

والحجّة في اللغة البرهان ، وكثيراً ما يُستعمل فيمَن يجب العمل بقوله ، والاقتداء بفعله ، وكونهم عليهم‌السلام حجج الله على خلقه ممّا لا ريب فيه لوجوب العمل بأوامرهم ونواهيهم .

وعن المجلسي الأوّل قدس‌سره في شرحه على قوله : (وحجج الله على أهل الدُّنيا والآخرة والأولى) (٢) (احتجّ الله وأتمّ حجّته بهم على أهل الدُّنيا بأنْ جعل لهم المعجزات الباهرات ، والعلوم الدينية والأخلاق الإلهية ، والعقول الربّانية ، فهداهم بهم إليه ، ويحتجّ بهم في الآخرة بعد الموت أو في القيامة) (٣) .

________________________

وروى الاسترآبادي في تأويل الآيات ص ١٠٢ ، ط قم : عن الإمام الرضا عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : (مَن أحبّ أن يتمسّك بالعروة الوثقىٰ فليتمسّك بحبّ عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام) .

١ ـ راجع الكشّاف للزمخشري : ج ١ ص ٣٠٤ عند تفسيره لآية الكرسي .

٢ ـ هذا مقطع من شرح الزيارة الجامعة .

٣ ـ راجع البحار كتاب المزار ، وهذا الشرح للعبارة الشريفة لوالد العلّامة محمّد باقر المجلسي صاحب البحار ، ولكن يوجد بعض التفاوت بالألفاظ بين الموجود هنا الذي نقله الكاشاني رحمه‌الله والموجود هناك في البحار والذي نقله عبدالله شبّر في الأنوار اللامعة وإليك الموجود هناك : ( ... أي يحتجّ الله بهم ويتمّ حجّته (على أهل الدُّنيا والآخرة) بالمعجزات الباهرات والدلائل الظاهرات ، والعلامات الواضحات ، والأخلاق النفسانية ، والفضائل الملكوتية ، والعلوم الربّانيّة ، والأسرار الإلهية ، ويحتجّ على أهل الآخرة في عالم البرزخ عند السؤال أو في القيامة أو الأعمّ منهما) .

١٦٠