اللّباب في علوم الكتاب - ج ١١

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي

اللّباب في علوم الكتاب - ج ١١

المؤلف:

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي


المحقق: عادل أحمد عبد الموجود و علي محمّد معوّض
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-2298-3

الصفحات: ٥١٠

المخالطة ، والمخالطة لا تكون إلا من اثنين معا ، فكأنه قيل : ولقد همّا بالمخالطة لو لا أن منع مانع أحدهما؟.

قلت : نعم ما قلت : ولكن الله ـ سبحانه وتعالى ـ قد جاء بالهمين على سبيل التفصيل حيث قال : (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها) اه.

والزجاج لم يرتض هذه المقالة ، أي : كون قوله : «لو لا» متعلقة ب «همّ بها» فإنه قال : ولو كان الكلام «لهمّ بها» لكان بعيدا ، فكيف مع سقوط الكلام؟ [يعني](١) الزجاج أنه : لا جائز أن يكون «همّ بها» جوابا ل : «لو لا» ؛ لأنه لو كان جوابها لاقترن باللّام ؛ لأنه مثبت ، وعلى تقدير أنّه كان مقترنا باللّام كان يبعد من جهة أخرى ، وهي تقديم الجواب عليها.

وجواب ما قاله الزجاج : ما تقدم عن الزمخشري من أن الجواب محذوف مدلول عليه بما تقدّم.

وأما قوله : [ولو كان](٢) الكلام : «ولهمّ بها» فغير لازم ؛ لأنّه متى كان جواب «لو» ، و «لو لا» مثبتا جاز فيه الأمران : اللام وعدمها ، وإن كان الإتيان باللّام هو الأكثر.

وتابع ابن عطيّة (٣) في هذا المعنى فقال : «قول من قال : إنّ الكلام قد تمّ في قوله : (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ) ، وأن جواب «لو لا» في قوله : «وهمّ بها» ؛ وأنّ المعنى : لو لا أن رأى البرهان لهم بها ، فلم يهمّ يوسف ـ عليه الصلاة والسلام ـ قال : وهذا قول يردّه لسان العرب ، وأقوال السّلف».

فقوله : «يردّه لسان العرب» فليس كذلك ؛ لأنّ وزن هذه الآية قوله : (إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْ لا أَنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها) [القصص : ١٠] فقوله : (إِنْ كادَتْ) إمّا أن تكون جوابا عند من يرى ذلك ، وإمّا أن يكون دالا على الجواب ، وليس فيه خروج عن كلام العرب ، هذا ما ردّ عليه أبو حيّان.

وكأن ابن عطيّة إنما يعني بالخروج عن لسان العرب تجرد الجواب من اللّام على تقدير جواز تقديمه ، والغرض أن اللّام لم توجد.

فصل

الهمّ هو المقاربة من الفعل من غير دخول فيه ، فهمّها : عزمها على المعصية ، وأما همّه : فروي عن ابن عبّاس ـ رضي الله عنهما ـ أنه حلّ الهميان ، وجلس منها مجلس الخاتن (٤).

__________________

(١) في ب : ليبين.

(٢) في ب : ولكان.

(٣) ينظر : المحرر الوجيز ٣ / ٢٣٥.

(٤) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٧ / ١٨١) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ٢٢) وزاد نسبته إلى أبي الشيخ وأبي نعيم في «الحلية».

٦١

وعن مجاهد ـ رحمه‌الله ـ أنّه حلّ سراويله ، وجعل يعالج ثيابه ، وهذا قول سعيد بن جبير ، والحسن ، وأكثر المتقدمين ـ رضي الله عنهم ـ (١).

وقيل غير ذلك.

وقال أكثر المتأخّرين : إنّ هذا لا يليق بحال الأنبياء ـ عليهم الصلاة والسلام ـ وقالوا : تم الكلام عند قوله : (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ) ، ثم ابتدأ الخبر عن يوسف فقال : (وَهَمَّ بِها لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ) على التّقديم ، والتّأخير ، أي : لو لا أنه رأى برهان ربّه لهم بها ، لكنه رأى البرهان ، فلم يهمّ.

قال البغويّ (٢) : «وأنكره النّحاة ، وقالوا : إنّ العرب لا تؤخّر «لو لا» عن الفعل فلا يقولون : قمت لو لا زيد ، وهي تريد : لو لا زيد لقمت».

وذكر ابن الخطيب (٣) عن الواحديّ أنه قال في البسيط : «قال المفسّرون : هم يوسف أيضا بالمرأة همّا صحيحا ، وجلس منها مجلس الرجل من المرأة فلمّا رأى البرهان من ربه ؛ زالت كلّ شهورة عنه.

قال أبو جعفر الباقر بإسناده عن عليّ ـ كرّم الله وجهه ـ أنه قال : طمعت فيه ، وطمع فيها».

ثمّ إنّ الواحديّ طول في كلمات عارية عن الفائدة في هذا الباب ، ولم يذكر فيما احتج به حديثا صحيحا يعوّل عليه في هذه المقالة ، وروي أنّ يوسف ـ عليه الصلاة والسلام ـ لمّا قال : (ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ) [يوسف : ٥٢] قال له جبريل عليه‌السلام : ولا حين هممت يا يوسف فقال عند ذلك : (وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي).

وقال بعض العلماء ـ رضي الله عنهم ـ : الهمّ همّان :

همّ يخطر بالبال من غير أن يبرز إلى الفعل.

وهمّ يخطر بالبال ، ويبرز إلى الفعل ، فالأوّل مغفور ، والثاني : غير مغفور إلا أن يشاء الله ، ويشهد لذلك قوله تعالى : (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها) ، فهمّه ـ عليه الصلاة والسلام ـ كان خطورا بالبال من غير أن يخرج إلى الفعل ، وهمّها خرج إلى الفعل بدليل أنّها (غَلَّقَتِ الْأَبْوابَ وَقالَتْ هَيْتَ لَكَ) [يوسف : ٢٣] ، (وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ) [يوسف : ٢٥].

ويشهد للثاني قوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ «إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل

__________________

(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٧ / ١٨٢) عن مجاهد والحسن وسعيد بن جبير.

وذكره البغوي في «تفسيره» (٢ / ٤١٨).

(٢) ينظر : معالم التنزيل ٢ / ٤١٨.

(٣) ينظر : الفخر الرازي ١٨ / ٩٢.

٦٢

والمقتول في النّار ، فقيل يا رسول الله : هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال : لأنّه كان حريصا على قتل صاحبه» (١).

قال ابن الخطيب (٢) : وقال المحققون من المفسّرين ، والمتكلّمين : إنّ يوسف ـ عليه الصلاة والسلام ـ كان بريئا من العمل الباطل ، والهمّ المحرّم ، وبه نقول ، وعنه نذبّ ، والدلائل الدّالة على وجوب عصمة الأنبياء ـ عليهم الصلاة والسلام ـ مذكورة مقرّرة ونزيد هاهنا وجوها :

الأول : أن الزّنا من منكرات الكبائر ، والخيانة في معرض الأمانة أيضا من منكرات الذّنوب وأيضا : الصبيّ إذا تربّى في حجر الإنسان ، وبقي مكفيّ المؤنة ، مصون العرض من أوّل صباه إلى زمان شبابه ، وكمال قوّته ، فإقدام هذا الصبي على إيصال أقبح أنواع الإساءة إلى ذلك المنعم المفضل من منكرات الأعمال ، وإذا ثبت هذا فنقول : إن هذه المعصية (٣) إذا نسبوها إلى يوسف ـ عليه الصلاة والسلام ـ كانت موصوفة بجميع الجهالات ، ومثل هذه المعصية إذا نسبت إلى أفسق خلق الله ، وأبعدهم من كلّ حسن ، لاستنكف منه ، فكيف يجوز إسناده إلى الرّسول المؤيّد بالمعجزات الباهرة (٤) مع قوله تعالى : (كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ) وأيضا فلا يليق بحكمة الله تعالى (٥) وذلك يدلّ على أن ماهيّة السّوء ، وماهية الفحشاء مصروفة عنه ، والمعصية التي نسبوها إليه أعظم أنواع السوء ، والفحشاء ، وأيضا فلا يليق بحكمة الله ـ تعالى ـ أن يحكي عن إنسان إقدامه على معصية ، ثم يمدحه ، ويثني عليه بأعظم المدائح والأثنية عقيب ما حكى عنه ذلك الذّنب العظيم ، فإنّ مثاله ما إذا حكى السلطان عن بعض عبيده أقبح الذنوب ، وأفحش الأعمال ، ثم يذكره بالمدح العظيم ، والثناء البالغ عقيبه ، فإنّ ذلك مستنكر جدّا ، فكذا هاهنا.

وأيضا : فإن الأنبياء ـ عليهم الصلاة والسلام ـ متى صدرت عنهم زلة ، أو هفوة ؛ استعظموا ذلك ، وأتبعوه بإظهار النّدامة ، والتوبة ، والتّواضع ، ولو كان يوسف أقدم ههنا على هذه الكبيرة المنكرة ، لكان من المحال أن لا يتبعها بالتّوبة ، والاستغفار ، ولو أتى بالتّوبة لحكى الله ذلك عنه كما في سائر المواضع ، وحيث لم يقع شيء من ذلك علمنا أنه ما صدر عنه في هذه الواقعة ذنب ، ولا معصية.

وأيضا : فكلّ من كان له تعلق بهذه الواقعة ، فقد شهد ببراءة يوسف ـ عليه الصلاة والسلام ـ عن المعصية ، والذين لهم تعلق بهذه الواقعة : يوسف والمرأة وزوجها ، والنسوة الشهود ، ورب العالم ، وإبليس.

__________________

(١) أخرجه البخاري (١٢ / ١٩٩) كتاب الديات : باب قول الله (ومن أحياها) (٦٨٧٥) ومسلم (٤ / ٢٢١٣) كتاب الفتن : باب إذا تواجه المسلمان (١٤ ـ ٢٨٨٨).

(٢) ينظر : الفخر الرازي ١٨ / ٩٣.

(٣) سقط من : ب.

(٤) في ب : القاهرة.

(٥) سقط من : ب.

٦٣

فأمّا يوسف ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ فادّعى أنّ الذنب للمرأة وقال : (هِيَ راوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي) [يوسف : ٢٦] و (قالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ) [يوسف : ٣٣] وإمّا المرأة ، فاعترفت بذلك ، وقالت للنسوة : (وَلَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ) [يوسف : ٣٢] وقالت : (الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ) [يوسف : ٥١] ، وأمّا زوج المرأة فقوله : (إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ) [يوسف : ٢٨ ـ ٢٩].

وأمّا الشهود فقوله تعالى : (وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ) (١) [يوسف : ٢٦].

وأمّا شهادة الله ـ تعالى ـ بذلك فقوله : (كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ) [يوسف : ٢٤] فقد شهد الله ـ تعالى ـ في هذه الآية على طهارته أربع مرات :

أولها : قوله : (لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ).

وثانيها : قوله : (لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ).

والثالث : قوله : (إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا) مع أنه تعالى قال : (وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً) [الفرقان : ٦٣].

والرابع : قوله : «المخلصين» ، وفيه قراءتان تارة باسم الفاعل ، وأخرى باسم المفعول وهذا يدلّ على أنّ الله ـ تعالى ـ استخلصه لنفسه ، واصطفاه لحضرته ، وعلى كل [وجه](٢) فإنّه أدلّ الألفاظ على كونه منزها عمّا أضافوه إليه.

وأما إقرار إبليس بطهارته فقوله : (فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) [ص : ٨٢ ـ ٨٣] فهذا إقرار من إبليس بأنه ما أغواه ، وما أضله عن طريق الهدى ، فثبت بهذه الدّلائل أنّ يوسف ـ عليه الصلاة والسلام ـ بريء عمّا يقوله هؤلاء.

وإذا عرفت هذا فنقول : الكلام على ظاهر هذه الآية [يقع](٣) في مقامين :

المقام الأول : أن نقول : إنّ يوسف ـ عليه الصلاة والسلام ـ ما همّ بها ، لقوله تعالى : (وَهَمَّ بِها لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ) ، وجواب «لو لا» ههنا مقدم ، وهو كما يقال : قد كنت من الهالكين لو لا أنّ فلانا خلصك ، وطعن الزّجاج في هذا الجواب من وجهين :

الأول : أن تقديم جواب «لو لا» شاذّ ، وغير موجود في الكلام الفصيح.

الثاني : [أنّ] «لو لا» يجاب جوابها باللّام ، فلو كان الأمر على ما ذكرتم لقال : ولقد همّت به ، ولهم بها لو لا.

__________________

(١) في ب : دبر.

(٢) في ب : حال.

(٣) سقط من : ب.

٦٤

وذكر غير الزجاج سؤالا ثالثا ، وهو : أنّه لو لم يوجد الهمّ لما كان لقوله : (لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ) فائدة.

واعلم أنّ ما ذكره الزجاج بعيد ؛ لأنّا [لا](١) نسلّم أنّ تأخير جواب «لو لا» حسن جائز ، إلا أنّ جوازه لا يمنع من جواز تقديم هذا الجواب ، فكيف وقد نقل عن سيبويه أنّه قال : «إنّهم يقدّمون الأهمّ فالأهمّ» ، والذي همّ بشأنه أعنى ؛ فكان الأمر في جواز التقديم ، والتّأخير مربوطا بشدّة الاهتمام ، فأمّا تعيين بعض الألفاظ بالمنع ، فذلك ممّا لا يليق بالحكمة ، وأيضا ذكر جواب «لو لا» باللّام جائز ، وذلك يدلّ على أنّ ذكره بغير اللّام لا يجوز ، وممّا يدل على فساد قول الزجاج قوله تعالى : (إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْ لا أَنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها) [القصص : ١٠].

وأما قوله : لو لم يوجد الهم لم يبق لقوله : (لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ) فائدة.

فنقول : بل فيه أعظم الفوائد : وهو بيان أنّ ترك الهمّ بها ما كان لعدم رغبته في النّساء ، ولا لعدم قدرته عليهنّ ؛ بل لأجل أنّ دلائل دين الله منعته عن ذلك العمل ، ثم نقول : الذي يدلّ على أنّ جواب : «لو لا» ما ذكرناه أن «لو لا» تستدعي جوابا ، وهذا المذكور يصلح جوابا له ؛ فوجب الحكم بكونه جوابا له لا يقال : إنّا نضمر له جوابا ، وترك الجواب ذكر في القرآن ، فنقول : لا نزاع أنه ذكر في القرآن ، إلا أنّ الأصل ألّا يكون محذوفا.

وأيضا : فالجواب إنّما يحسن تركه ، وحذفه ، إذا حصل في الملفوظ ما يدلّ على تعيينه ، وههنا بعيد أن يكون الجواب محذوفا ؛ لأنّه ليس في اللفظ ما يدلّ على تعيين ذلك الجواب ، فإن ههنا أنواعا من الإضمارات ، يحسن إضمار كل واحد منها ، وليس إضمار بعضها أولى من إضمار البعض الباقي فظهر الفرق.

المقام الثاني : سلمنا أنّ الهمّ قد حصل إلّا أنّا نقول : إن قوله : «وهمّ بها» لا يمكن حمله على ظاهره ؛ لأنّ تعليق الهمّ بذات المرأة محال ؛ لأنّ الهمّ من جنس القصد ، والقصد لا يتعلق بالذّوات ؛ فثبت أنّه لا بد من إضمار فعل محذوف يجعل متعلق ذلك الفعل غير مذكور ، فهم زعموا أنّ ذلك الفعل المضمر هو إيقاع الفاحشة بها ، ونحن نضمر شيئا آخر يغاير ما ذكروه وهو من وجوه :

الأول : المراد أنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ همّ بدفعها عن نفسه ، ومنعها من ذلك القبيح ؛ لأنّ الهمّ هو القصد ، فوجب أن يحمل في حق كلّ واحد على القصد الذي يليق به ، فالأليق بالمرأة القصد إلى تحصيل اللذّة ، والتّمتّع ، وأليق بالرسول المبعوث إلى الخلق القصد إلى زجر العاصي عن معصيته ، وإلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، يقال : هممت (٢) بفلان ، أي : قصدته ودفعته.

__________________

(١) سقط من : ب.

(٢) في ب : همت.

٦٥

فإن قيل : فعلى هذا التقدير لا يبقى لقوله : (لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ) فائدة قلنا : بل فيه أعظم الفوائد ، وبيانه من وجهين :

الأول : أنه ـ تعالى ـ أعلم يوسف أنه لو همّ بدفعها لقتلته ، أو لكانت تأمر الحاضرين بقتله ، فأعلمه (١) الله ـ تعالى ـ أنّ الامتناع من ضربها أولى ، لصون النّفس عن الهلاك.

الثاني : أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم لو اشتغل بدفعها عن نفسه ، فربّما تعلقت به ، فكان يتخرق ثوبه من قدّام ، وكان في علم الله أنّ الشّاهد سيشهد أن ثوبه لو خرق من قدام ، لكان يوسف هو الخائن ، ولو كان ثوبه مخرّقا من خلفه لكانت المرأة هي الخائنة ، والله ـ تعالى ـ أعلمه بهذا المعنى ، فلا جرم لم يشتغل بدفعها عن نفسه ، بل ولّى هاربا منها حتى صارت شهادة الشّاهد حجّة له على براءته عن المعصية.

الوجه الثاني في الجواب : أن يفسر الهمّ بالشّهوة ، وهذا مستعمل في اللغة الشّائعة ، يقول القائل فيما لا يشتهيه : لا يهمّني هذا ، وفيما يشتهيه : هذا أحبّ الأشياء إليّ ، فسمّى الله شهوة يوسف همّا.

والمعنى : لقد اشتهته ، واشتهاها لو لا أن رأى برهان ربّه لدخل ذلك العمل في الوجود.

الثالث : أن يفسر الهمّ بحديث النّفس ؛ وذلك لأنّ المرأة الفائقة في الحسن والجمال ، إذا تزينت ، وتهيّأت للرّجل الشّاب القوي ، فلا بد أن يقع هناك بين الشهوة والحكمة ، وبين النفس ، والعقل محادثات ، ومنازعات ، فتارة تقوى داعية الطبيعة والشهوة ، وتارة تقوى داعية العقل والحكمة ، والهمّ عبارة عن محادثات الطبيعة ورؤية البرهان عبارة عن جواذب العبودية ، ومثاله : أنّ الرّجل الصّالح الصّائم في الصيف الصّائف ، إذا رأى الجلاب المبرّد بالثّلج ، فإن طبيعته تحمله على شربه إلا أنّ دينه يمنعه منه ، فهذا لا يدلّ على حصول الذنب ، بل كلما كانت هذه الحالة أشد كانت القوة في القيام (٢) بلوازم العبوديّة أكمل ، فظهر بحمد الله صحّة القول الذي ذهبنا إليه ، ولم يبق في يد الواحدي إلا مجرّد التّصلف ، وتعديد أسماء المفسرين ، ولو ذكر في تقرير ذلك القول شبهة لأجبنا عنها إلا أنّه ما زاد عن الرواية عن بعض المفسّرين.

واعلم أنّ بعض الحشويّة روى عن النبي المختار صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ما كذب إبراهيم إلّا ثلاث كذبات» : فقلت : الأولى ألّا تقبل مثل هذه الأخبار فقال على [طريق](٣) الاستنكار : إن لم نقبله لزمنا تكذيب الرّواة ، فقلت له : يا مسكين إن قبلناه لزمنا الحكم بتكذيب إبراهيم

__________________

(١) في ب : فأعلم.

(٢) سقط في : ب.

(٣) في ب : سبيل.

٦٦

ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ وإن رددناه لزمنا الحكم بتكذيب الرواة ، ولا شك أن صون إبراهيم ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ عن الكذب أولى من صون طائفة من المجاهيل عن الكذب.

إذا عرفت هذا الأصل ، فنقول للواحدي : ومن الذي يضمن لنا أنّ الذين نقلوا هذا القول عن هؤلاء المفسرين كانوا صادقين ، أو كاذبين. والله أعلم.

فصل

اختلفوا في البرهان ما هو؟.

فقال المحققون المثبتون للعصمة : رؤية البرهان على وجوه :

الأول : أنه حجّة الله ـ تعالى ـ في تحريم الزّنا ، والعلم بما على الزّاني من العذاب.

والثاني : أن الله ـ تعالى ـ طهّر نفوس الأنبياء عن الأخلاق الذّميمة ، بل نقول : إنه ـ تعالى ـ طهر نفوس المتصلين بهم عنها ، كما قال تعالى : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) [الأحزاب : ٣٣] والمراد برؤية البرهان : هو حصول ذلك الإخلاص ، وترك الأحوال الدّاعية بهم إلى الإقدام على المنكرات.

الثالث : أنه رأى مكتوبا في سقف البيت : (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَساءَ سَبِيلاً) [الإسراء : ٣٢].

الرابع : أنّه النبوة المانعة من ارتكاب الفواحش ، ويدلّ عليه أنّ الأنبياء ـ عليهم الصلاة والسلام ـ بعثوا لمنع الخلق من القبائح ، فلو أنّهم منعوا النّاس عنها ، ثم أقدموا على أقبح أنواعها لدخلوا تحت قوله (لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ) [الصف : ٢] وأيضا : فإن الله ـ تعالى ـ عيّر اليهود بقوله (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ) [البقرة : ٤٤] وما كان عيبا في حق اليهود ، كيف ينسب إلى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم المؤيد بالمعجزات.

وأمّا الذين نسبوا المعصية إلى يوسف ـ عليه الصلاة والسلام ـ فذكروا في ذلك البرهان وجوها :

الأول : أنّ المرأة قامت إلى صنم مكلّل بالدّرّ ، والياقوت في زاوية البيت ، فسترته بثوب ، فقال يوسف ـ عليه الصلاة والسلام ـ [ولم؟ قالت : أستحي من إلهي أن يراني على المعصية ، فقال يوسف :](١) أتستحين من صنم لا يسمع ، ولا يبصر ولا أستحي من إلهي القائم على كلّ نفس بما كسبت ، فو الله لا أفعل ذلك أبدا ، قال هذا هو البرهان.

الثاني : نقلوا عن ابن عبّاس ـ رضي الله عنهما ـ أنّه تمثّل له يعقوب ، فرآه عاضّا على أصبعه يقول له : لا تعمل عمل الفجّار ، وأنت مكتوب في زمرة الأنبياء ـ عليهم

__________________

(١) سقط من : ب.

٦٧

الصلاة والسلام ـ فاستحى منه. قالوا : وهو قول عكرمة ، ومجاهد ، والحسن ، وسعيد بن جبير(١).

وروى سعيد بن جبير رضي الله عنه عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ تمثّل له يعقوب ، فضرب في صدره فخرجت شهوته من أنامله (٢).

الثالث : قالوا : إنّه سمع في الهواء قائلا : يابن يعقوب ، لا تكن كالطّير له ريش ، فإذا زنا ذهب ريشه.

الرابع : نقلوا عن ابن عباس أن يوسف ـ عليه الصلاة والسلام ـ لم ينزجر بكلام يعقوب حتى ركضه جبريل ، فلم يبق به شيء من الشّهوة إلا خرج (٣).

قال ابن الخطيب (٤) : «ولما ذكر الواحديّ هذه الروايات تصلف وقال : هذا الذي ذكرنا قول أئمّة التّفسير الذين أخذوا التّأويل عمن شاهدوا (٥) التنزيل فيقال له : إنّك لا تأتينا ألبتة إلا بهذه التصلفات التي لا فائدة فيها ، فأين هذا من الحجة والدليل الذي ذكرناه ، وأيضا : فإن ترادف الدلائل على الشّيء الواحد جائز وإنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ كان ممتنعا من الزّنا بحسب الدّلائل الأصلية ، فلما انضاف إليها هذه الزّواجر ازدادت قوة.

وأيضا : روي أن جبريل عليه الصلاة والسلام امتنع من دخول حجرة النبي المختار ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ بسبب وقع هناك بغير علمه ؛ قالوا : فامتنع جبريل عليه‌السلام من الدخول [عليه](٦) أربعين يوما ، وههنا زعموا أنّ يوسف حين اشتغاله بالفاحشة ذهب إليه جبريل ، والعجب أيضا أنّهم زعموا أنه لم يمتنع عن ذلك العمل بسبب حضور جبريل ـ عليه‌السلام ـ ، ولو أنّ أفسق الخلق ، وأكفرهم كان مشتغلا بفاحشة ، فإذا دخل عليه رجل في زيّ الصّالحين استحى منه ؛ وترك [ذلك](٧) العمل وهاهنا يعقوب ـ عليه الصلاة والسلام ـ عضّ على أنامله ، فلم يلتفت ، ثمّ إنّ جبريل ـ عليه الصلاة والسلام ـ على جلالة قدره دخل عليه ، فلم يمتنع أيضا عن ذلك القبيح بدخوله حتى احتاج جبريل إلى أن ركضه على ظهره».

__________________

(١) أخرجه الطبري (٧ / ١٨٤ ـ ١٨٦) عن ابن عباس وسعيد بن جبير والحسن وقتادة وذكره البغوي في «تفسيره» (٢ / ٤٢٠).

وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ٢٣) عن قتادة وزاد نسبته إلى ابن أبي حاتم وأبي الشيخ.

(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٧ / ١٨٥) عن ابن عباس وسعيد بن جبير وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ٢٣) عن عكرمة وسعيد بن جبير وزاد نسبته إلى ابن أبي حاتم وأبي الشيخ.

وذكره البغوي في «تفسيره» (٢ / ٤٢٠).

(٣) ذكره الفخر الرازي ١٨ / ٩٦.

(٤) ينظر : الفخر الرازي ٩٦١٨ ، ٩٧.

(٥) في ب : عن مشاهد.

(٦) سقط في : ب.

(٧) سقط في : ب.

٦٨

فنسأل الله أن يصوننا عن الغي في الدين ، والخذلان في طلب اليقين.

فصل

والفرق بين السوء ، والفحشاء من وجهين :

الأول : أنّ السوء : جناية اليد ، والفحشاء : الزّنا.

الثاني : السّوء : مقدمات الفاحشة من القبلة ، والنّظر بالشّهوة. والفحشاء : هو الزنا.

قوله : «وكذلك» في هذه الكاف أوجه :

أحدها : أنّها في محل نصب ، وقدّره الزمخشريّ مثل ذلك التّثبيت ثبّتناه.

وقدّره الحوفيّ أريناه البراهين بذلك ، وقدّره ابن عطيّة : جرت أفعالنا ، وأقدارنا كذلك ، وقدره أبو البقاء : نراعيه كذلك.

الثاني : أن الكاف في محل رفع ، فقدّره الزمخشريّ ، وأبو البقاء : الأمر مثل ذلك ، وقدّره ابن عطيّة : عصمته كذلك. وقال الحوفيّ : أمر البراهين بذلك ثمّ قال : والنصب أجود لمطالبة حروف الجرّ للأفعال أو معانيها.

الثالث : أنّ في الكلام تقديما ، وتأخيرا ، تقديره : همّت به ، وهمّ بها كذلك ثم قال : لو لا أن رأى برهان ربه ، كذلك لنصرف عنه ما هم بها هذا نص ابن عطيّة.

وليس بشيء ؛ إذ مع تسليم جواز التّقديم ، والتّأخير لا معنى لما ذكره.

قال أبو حيّان (١) : وأقول : إنّ التقدير : مثل تلك الرّؤية ، أو مثل ذلك الرّأي نري براهيننا ، لنصرف عنه ، فتجعل الإشارة إلى الرّأي ، أو الرّؤية ، والنّاصب الكاف مما دل عليه قوله : (لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ) ، و «لنصرف» متعلق بذلك الفعل النّاصب للكاف ، ومصدر «رأى» «رؤية ورأي» ؛ قال : [الرجز]

٣٠٧٦ ـ ورأي عينيّ الفتى أباكا

[يعطي الجزيل فعليك ذاكا](٢)

وقرأ (٣) الأعمش «ليصرف» بياء الغيبة ، والفاعل هو الله ـ سبحانه وتعالى ـ قوله تعالى: (الْمُخْلَصِينَ) قرأ هذه اللفظة [حيث وردت](٤) إذا كانت معرفة بأل (٥) مكسورة

__________________

(١) ينظر : البحر المحيط ٥ / ٢٩٥.

(٢) البت لرؤبة بن العجاج. ينظر : ملحق ديوانه ١٨١ والدرر ٢ / ٢٨ والكتاب ١ / ١٩١ والمقاصد النحوية ١ / ٥٧٢ وتخليص الشواهد ص ٢١٢ والهمع ١ / ١٠٧ ، ٢ / ٩٣ وشرح أبيات سيبويه ١ / ٣٩٨ والخزانة ٥ / ٣٦٢ والأشموني ١ / ٢٢٠ وروح المعاني ١٢ / ٢١٧ والدر المصون ٤ / ١٧٠.

(٣) ينظر : المحرر الوجيز ٣ / ٢٣٥ ، والبحر المحيط ٥ / ٢٩٦ والدر المصون ٤ / ١٧٠.

(٤) سقط في ب.

(٥) ينظر : الحجة ٤ / ٤٢٠ ، ٤٢١ وإعراب القراءات السبع ١ / ٣٠٩ وحجة القراءات ٣٥٨ ، ٣٥٩ والإتحاف ٢ / ١٤٥ وقرأ بها أيضا الحسن بن أبي الحسن وأبو رجاء ينظر : المحرر الوجيز ٣ / ٢٣٥ وينظر : البحر المحيط ٥ / ٢٩٦ والدر المصون ٤ / ١٧٠.

٦٩

اللام : ابن كثير ، وأبو عمرو ، وابن عامر أي : الذين أخلصوا دينهم لله على اسم الفاعل ، والمفعول محذوف ، والباقون بفتحها على أنّه اسم مفعول من أخلصهم الله ، أي : اجتباهم ، واختارهم ، وأخلصهم من كلّ سوء ، ويحتمل أن يكون لكونه من ذرية إبراهيم قال فيهم : (إِنَّا أَخْلَصْناهُمْ بِخالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ) [ص : ٤٦].

وقرأ الكوفيّون في مريم (إِنَّهُ كانَ مُخْلَصاً) [مريم : ٥١] بفتح اللّام بالمعنى المتقدم والباقون بكسرها بالمعنى المتقدم.

قوله تعالى : (وَاسْتَبَقَا الْبابَ) [الآية : ٢٥] «الباب» منصوب إمّا على إسقاط الخافض اتّساعا ، إذ أصل «استبق» أن يتعدّى ب «إلى» ، وإما على تضمين «استبق» معنى ابتدر ، فينصب مفعولا به. قوله تعالى : (وَقَدَّتْ) يحتمل أن تكون الجملة نسقا على «استبقا» أي : استبق ، وقدت ، ويحتمل أن يكون في محل نصب على الحال ، أي : وقد قدّت. والقدّ : الشّقّ مطلقا ، قال بعضهم : القدّ : فيما كان يشقّ طولا والقطّ : فيما كان يشقّ عرضا.

قال ابن عطية «وقرأت (١) فرقة : وقطّ» قال أبو الفضل بن حرب : رأيت في مصحف «وقطّ من دبر» أي : شقّ.

قال يعقوب : القطّ في الجلد الصحيح ، والثوب الصحيح ؛ وقال الشاعر : [الطويل]

٣٠٧٧ ـ تقدّ السّلوقيّ المضاعف نسجه

وتوقد بالصفّاح نار الحباحب (٢)

فصل

قال العلماء ـ رضي الله عنهم ـ وهذا الكلام من اختصار القرآن المعجز الذي يجتمع فيه المعاني ، وذلك أنّ يوسف ـ عليه الصلاة والسلام ـ لما أن رأى برهان ربّه ، خرج حينئذ هاربا ، وتبعته المرأة فتعلقت بقميصه من خلفه ، فجذبته إليها حتى لا يخرج (وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ) [أي](٣) : فشققته المرأة من دبر.

والاستباق : طلب السّبق ، أي : يجتهد كلّ واحد منهما أن يسبق صاحبه فإن سبق يوسف فتح الباب ، وخرج ، وإن سبقت المرأة أمسكت الباب لئلا يخرج فسبقها يوسف ـ عليه‌السلام ـ إلى الباب ، والمرأة تعدو خلفه ، فلم تصل إلا إلى دبر القميص ، فتعلقت به فقدته من خلفه ، فلمّا خرجا «ألفيا» ، أي : وجدا «سيّدها» ، وإنما لم يقل سيدهما ؛ لأنّ

__________________

(١) ينظر : البحر المحيط ٥ / ٢٩٦ والدر المصون ٤ / ١٧٠.

(٢) البيت للنابغة الذبياني. ينظر : ديوانه (٣٢) والشعر والشعراء ١ / ١٢٢ والعمدة ١ / ٣١٦ وتأويل مشكل القرآن ١٧٣ والجنى الداني ٢٤٥ والمغني ١ / ٦١ والجمهرة ١ / ١٢٥ واللسان (سلق) والبحر ٥ / ٢٩٦ والقرطبي ٥ / ٢٢٨ ، وابن الشجري ٢ / ٥٨ والوساطة ٤٣٥ وديوان المعاني ٢ / ٥٢ والدر المصون ٤ / ١٧٠ وشرح شواهد المغني ٢ / ٢٨٢.

(٣) سقط في : ب.

٧٠

يوسف ـ عليه الصلاة والسلام ـ لم يكن مملوكا لذلك الرجل حقيقة «لدى الباب» ، أي : عند الباب ، والمرأة تقول لبعلها : سيّدي.

فإن قيل : فالمرأة أيضا ليست مملوكة لبعلها حقيقة.

فالجواب : أن الزّوج لما ملك الانتفاع بالمرأة من الوطء والخلوة ، والمباشرة ، والسفر بها من غير اختيارها أشبهت المملوكة ، فلذلك حسن إطلاق السيّد عليه.

قال القرطبيّ (١) : «والقبط يسمون الزوج سيدا ، ويقال : ألفاه ، وصادفه ، وواله (٢) ووالطه ، ولاطه ، كلّ بمعنى واحد».

فعند ذلك ، خافت المرأة من التّهمة ، فبادرت إلى أن رمت يوسف ـ عليه‌السلام ـ بالفعل القبيح ، (وقالت ما جزاء من أراد بأهلك سوءا) يعني الزّنا ، ثم خافت عليه أن يقتل فقالت : (إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ) ، أي : يحبس ، (أَوْ عَذابٌ أَلِيمٌ) أي : يعاقب بالضّرب.

قوله : «ما جزاء» يجوز في «ما» هذه أن تكون نافية ، وأن تكون استفهاميّة ، و «من» يجوز أن تكون موصولة ، أو نكرة موصوفة.

قوله : (إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ) خبر المبتدأ ، ولما كان (أَنْ يُسْجَنَ) في قوّة المصدر عطف عليه المصدر ، وهو قوله : (أَوْ عَذابٌ). و «أو» تحتمل معانيها ، وأظهرها التنويع.

وقرأ زيد (٣) بن عليّ : (أو عذابا أليما) بالنصب ، وخرّجه الكسائي على إضمار فعل ، أو أن يعذّب عذابا أليما (٤).

قوله : «هي» ، ولم يقل هذه ، ولا تلك ، لفرط استحيائه ، وهو أدب حسن حيث أتى بلفظ الغيبة دون الحضور.

فصل

قال ابن الخطيب (٥) : في الآية لطائف :

إحداها : أن حبّها الشّديد ليوسف ، حملها على رعاية دقيقتين في هذا الموضع ، وذلك لأنّها بدأت بذكر السّجن ، وأخرت ذكر العذاب ؛ لأنّ المحبّة لا تسعى في إيلام المحبوب ، وأيضا : لم تقل إنّ يوسف يجب أن يقابل بهذين الأمرين ، بل ذكرت ذلك ذكرا كليّا صونا للمحبوب عن الذّكر بالشر (٦) وأيضا قالت : «إلّا أن يسجن» والمراد أن يسجن يوما ، أو يومين ، أو أقل على سبيل التخفيف ، فأمّا الحبس الدّائم فإنّه لا يعبّر عنه بهذه العبارة ، بل يقال : يجب أن يجعل من المسجونين ، كما قال فرعون لموسى ـ عليه

__________________

(١) ينظر : الجامع لأحكام القرآن ٩ / ١١٣.

(٢) في ب : ووارطه.

(٣) ينظر : البحر المحيط ٥ / ٢٩٧ ، الدر المصون ٤ / ١٧١.

(٤) سقط في : ب.

(٥) ينظر : الفخر الرازي ١٨ / ٩٨.

(٦) في ب : السوء.

٧١

الصلاة والسلام ـ حين هدّده (لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلهَاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ) [الشعراء : ٢٩] وأيضا : لما شاهدت من يوسف أنه استعصم ، مع أنه كان في عنفوان العمر ، وكمال القوة ، ونهاية الشهوة ، وعظم اعتقادها في طهارته ، ونزاهته ، فاستحيت أن تقول : إنّ يوسف قصدني بالسّوء ، ولم تجد من نفسها أن ترميه بالكذب ، وهؤلاء نسبوا إليه هذا الذّنب القبيح.

وأيضا : يوسف ـ عليه الصلاة والسلام ـ أراد أن يضربها ، ويدفعها عن نفسه [وكان] ذلك بالنسبة إليها (١) جاريا مجرى السّوء ، فقولها (٢) (ما جزاء من أراد بأهلك سوءا) له ظاهر وباطن ، باطنه أنّها التي أرادت السّوء ، وظاهره دفعه لها ومنعها ، فأرادت بقولها : (ما جزاء من أراد بأهلك سوءا) فعل نفسها بقلبها ، أو في ظاهر الأمر ، أو همت أنه قصدني بما لا ينبغي ، ولما لطّخت عرض يوسف بهذا الكلام ؛ احتاج يوسف إلى إزالة هذه التهمة فقال : (هي راودتني عن نفسي) واعلم أنّ العلامات الكثيرة دالة على صدق يوسف :

منها : أنّ يوسف ـ عليه‌السلام ـ في ظاهر الأمر كان عبدا لهم ، والعبد لا يمكنه أن يتسلط (٣) على مولاه إلى هذه الحدّ.

ومنها : أنّهم شاهدوا يوسف هاربا ليخرج ، والطالب للمرأة لا يخرج من الدّار على هذا الوجه.

ومنها : أنهم رأوا المرأة زينت نفسها على أكمل الوجوه ، ويوسف لم يكن عليه أثر من آثار تزيين النّفس.

ومنها : أنّهم كانوا شاهدوا أحوال يوسف في المدّة الطّويلة ، فما رأوا عليه حالة تناسب إقدامه على مثل هذا الفعل المنكر.

ومنها : أنّ المرأة ما نسبته إلى طلب الفاحشة على سبيل التصريح ، بل ذكرت كلاما مجملا ، وأما يوسف فإنّه صرّح بالأمر ، ولو كان مطاوعا لها ، ما قدر على التّصريح ، فإنّ الخائن خائف.

وكلّ هذه الوجوه مما يقوّي غلبة الظن ببراءة يوسف في هذه المسألة ، ثم إنّه ـ تعالى ـ أظهر ليوسف دليلا يقوي تلك الدّلائل على براءته من الذّنب ، وأن المرأة هي المذنبة (٤) ، وهو قوله تعالى : (وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها) فقوله : «من أهلها» صفة ل : «شاهد» ، وهو المسوغ لمجيء الفاعل من لفظ الفعل ، إذ لا يجوز قام القائم ، ولا : قعد القاعد ، لعدم الفائدة.

واختلفوا في ذلك الشّاهد على ثلاثة أقوال :

__________________

(١) في ب : لها.

(٢) في ب : فقوله.

(٣) في أ : يشتط.

(٤) في ب : المزينة.

٧٢

الأول : أنه كان ابن عمّها ، وكان رجلا حكيما ، واتّفق في ذلك الوقت أنّه كان مع زوجها ، يريد أن يدخل عليها ، فقال الحكيم : (إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ) ، فأنت صادقة ، والرّجل كاذب ، (إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ) ، فالرّجل صادق ، وأنت كاذبة فلما نظروا إلى القميص رأوا الشقّ من خلفه ، قال ابن عمّها : (إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ) [أي : من عملكن](١) ثم قال ليوسف : (أَعْرِضْ عَنْ هذا) أي اكتمه ، وقال لها : (وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ) ، وهذا قول السدي ، وطائفة من المفسرين.

قال السّهيلي : وهذا من باب الحكم بالأمارات ، وله أصل في الشّرع ، قال تعالى : (وَجاؤُ عَلى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ) [يوسف : ١٨] حيث لا أثر لأنياب الذئب فيه ، وقال تعالى : (إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكاذِبِينَ) وقال عليه الصلاة والسلام في الحدّ : «انظروا فإن جاءت به أبيض خاليا فهو للّذي رميت به» (٢).

قال السهيلي : كان عامر بن الظرب العدوانيّ لا يكون بين العرب ثائر إلا تحاكموا إليه فيرضون بما (٣) يقضي به ، فتحاكموا إليه في ميراث خنثى بات ليلة ساهرا يرى ما ذا يحكم به؟ فرأته جارية له ترعى ، وكان اسمها سخيلة ، فقالت له : ما لك ، لا أبا لك اللّيلة ساهرا ؛ فذكر لها ما هو مفكر فيه ، وقال : لعلها يكون عندها في ذلك شيء ، فقالت له : «اتبع القضاء المبال» فقال (٤) : فرجتها والله يا سخيلة ، وحكم بذلك القول.

القول الثاني : منقول عن ابن عبّاس ، وسعيد بن جبير ، والضحاك ـ رضي الله عنهم ـ أن ذلك الشّاهد كان صبيّا في المهد ، أنطقه الله (٥).

قال ابن عبّاس ـ رضي الله عنه ـ : تكلّم في المهد ثلاثة صغار : شاهد يوسف ، وعيسى ابن مريم عليه‌السلام ، وصاحب جريج الرّاهب (٦).

قال الجبائيّ : القول الأول أولى لوجوه :

الأول : أنّه ـ سبحانه وتعالى ـ لو أنطق الطفل بهذا الكلام ، لكان مجرد قوله : «إنّها كاذبة» كافيا ، وبرهانا قاطعا ؛ لأنّه من المعجزات العجيبة الباهرة (٧) والاستدلال بتمزيق

__________________

(١) سقط في : ب.

(٢) أخرجه البخاري (٩ / ٣٦٢) ، كتاب الطلاق : باب التلاعن (٥٣٠٩) ومسلم (٢ / ١٢٩) ، (١١٣٤) ، كتاب اللعان (١ / ١٤٩٢) وأبو داود (٢ / ٢٧٤) ، كتاب الطلاق : باب في اللعان (٢٢٤٨).

(٣) في ب : فيضربون عما.

(٤) في ب : فقالت.

(٥) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٧ / ١٩١ ـ ١٩٢) عن ابن عباس وسعيد بن جبير وهلال بن يساف والضحاك.

وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ٢٥) عن ابن عباس وزاد نسبته إلى ابن أبي حاتم وأبي الشيخ.

وعن الضحاك وزاد نسبته إلى أبي الشيخ.

(٦) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٧ / ١٩١) بلفظ أربعة وذكره الرازي في تفسيره (١٨ / ٩٩).

(٧) في ب : القاهرة.

٧٣

القميص من قبل ومن دبر دليل ظنيّ ضعيف ، والعدول عن الحجّة الواضحة القاطعة (١) حال حصولها إلى الدلالة الظّنية لا يجوز.

الثاني : أنه ـ تبارك وتعالى ـ قال : (وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها) يشير بذلك إلى أنّ شهادة الشّاهد على قريبه ، أولى بالقبول من شهادته له ؛ لأن الظاهر من حال القريب أن يشهد لقريبه ، لا أن يشهد عليه ، وهذا التّرجيح إنما يصار إليه إذا كانت دلالة الشّهادة ظنية ، وذلك إنّما يكون في شهاة الرجل ، ولو كان هذا القول صادرا من الصّبي الذي كان في المهد ، لكان قوله حجّة قاطعة ، ولا يتفاوت الحال بين أن يكون من أهلها ، وبين ألا يكون ، وحينئذ لا يبقى لهذا القيد وجه.

الثالث : أن لفظ الشّاهد لا يقع في العرف ، إلا على من تقدّمت معرفته بالواقعة ، وإحاطته بها.

القول الثالث : أن هذا الشاهد هو القميص ، قال مجاهد ـ رضي الله عنه ـ الشاهد : «قد قميصه من دبر» ، وهذا في غاية الضعف ؛ لأن القميص لا يوصف بهذا ولا ينسب إلى الأهل.

واعلم أنّ القول الأول عليه إشكال ، وذلك أنّ العلامة المذكورة لا تدلّ قطعا على براءة يوسف من المعصية ؛ لأن من المحتمل أنّ الرجل قصد المرأة لطلب الزّنا ، والمرأة غضبت عليه ، فهرب الرجل ، فعدت المرأة خلف الرجل ، وجذبته لقصد أن تضربه ضربا وجيعا ، فعلى هذا الوجه يكون قدّ القميص من دبر ، مع أنّ المرأة تكون بريئة عن [الذنب](٢) وأنّ الرجل يكون مذنبا.

جوابه : أنّا بيّنا أنّ علامات كذب المرأة كانت كثيرة بالغة مبلغ اليقين ، فضمّ إليها هذه العلامة الأخرى ، لا لأجل أن يعوّلوا في الحكم عليها ، بل لأجل أن يكون ذلك جاريا مجرى المقدمات ، والمرجّحات.

قوله : «إن كان ...» هذه الجملة الشرطية ، إما معمولة لقول مضمر تقديره : «فقال» إن كان عند البصريين ، وإمّا معمولة «لشهد» ؛ لأنه بمعنى القول عند الكوفيين. قوله (مِنْ دُبُرٍ ..) ، و «من قبل ...» قرأ العامّة جميع ذلك بضمتين ، والجر والتنوين ، بمعنى : من خلف ، ومن قدام ، أي : من خلف القميص ، وقدامه وقرأ الحسن ، وأبو عمرو (٣) في رواية بتسكين العين تخفيفا ، وهي لغة الحجاز ، وأسد ، وقرأ ابن يعمر ، وابن أبي إسحاق [والعطاردي والجارود بثلاث ضمات ، وروي عن الجارود وابن أبي إسحاق وابن يعمر](٤) أيضا (٥) بسكون العين وبنائهما على الضم ووجه ضمهما : أنّهم جعلوهما ك «قبل ، وبعد» في

__________________

(١) في ب : القائمة.

(٢) في ب : الكذب.

(٣) ينظر : المحرر الوجيز ٣ / ٢٣٦ والبحر المحيط ٥ / ٣٩٧.

(٤) ينظر : المحرر الوجيز ٣ / ٢٣٦ وقرأ بها أيضا الجارود ينظر : البحر المحيط ٥ / ٢٩٧ والدر المصون ٤ / ١٧١.

(٥) سقط في : ب.

٧٤

بنائهما على الضم عند قطعهما عن الإضافة ، فجعلوهما غاية ، ومعنى الغاية : أن يجعل المضاف غاية نفسه ، بعد ما كان المضاف إليه غايته ، والأصل إعرابهما ؛ لأنّهما اسمان متمكنان ، وليسا بظرفين.

قال أبو حاتم : وهذا رديء في العربية ، وإنما يقع هذا البناء في الظروف.

وقال الزمخشري (١) : «والمعنى : من قبل القميص ، ومن دبره ، وأما التنكير فمعناه : من جهة يقال لها قبل ، ومن جهة يقال لها دبر» وعن ابن أبي (٢) إسحاق : أنّه قرأ «من قبل» ، و «من دبر» بالفتح (٣) كأنّه جعلهما علمين للجهتين ، فمنعهما الصرف للعلمية ، والتّأنيث ، وقد تقدم [البقرة : ٢٣٥] الخلاف في «كان» الواقعة في حيز الشرط ، هل تبقى على معناها من المضي ، وإليه ذهب المبرّد (٤) ، أم تنقلب إلى الاستقبال كسائر الأفعال ، وأنّ المعنى على التّبيين؟.

قوله : «فكذبت» ، و «صدقت» على إضمار «قد» ، لأنها تقرب الماضي من الحال ، هذا إذا كان الماضي متصرّفا ، فأما إذا كان جامدا ، فلا يحتاج إلى «قد» لا لفظا ، ولا تقديرا.

قوله : (فَلَمَّا رَأى قَمِيصَهُ) : أي : فلمّا رأى زوجها قميصه قدّ من دبر ؛ عرف خيانة امرأته ، وبراءة يوسف ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ قال لها : «إنّه» ، أي : هذا الصّنيع ، أو قولك (ما جزاء من أراد بأهلك سوءا) (مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ) وقيل : هذا من قول الشاهد.

فإن قيل : إنه ـ تعالى ـ قال : (وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً) [النساء : ٢٨] فكيف وصف كيد المرأة بالعظيم ، وأيضا : فكيد الرّجال قد يزيد على كيد النّساء؟.

فالجواب عن الأوّل : أن خلقة الإنسان بالنّسبة إلى خلقة الملائكة ، والسموات ، والكواكب خلقة ضعيفة ، وكيد النسوان بالنسبة إلى كيد البشر عظيم ؛ ولا منافاة بين القولين ، وأيضا : فالنّساء لهنّ في هذا الباب من المكر ، والحيل ، ما لا يكون للرجال ؛ لأنّ كيدهنّ في هذا الباب ، يورث من العار ما لا يورثه كيد الرّجال.

ولما ظهر للقوم براءة يوسف عن ذلك الفعل قال زوجها ليوسف : (أَعْرِضْ عَنْ هذا) الحديث ، فلا تذكره لأحد حتى لا ينتشر ، ولا يحصل العار العظيم وقيل : إنّه من قول الشّاهد. ثم قال للمرأة [(وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ) أي : إلى الله (إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخاطِئِينَ) وقيل هذا من قول الشاهد] (٥) (وَاسْتَغْفِرِي) ، أي : اطلبي من زوجك المغفرة ، والصّفح ؛ حتّى لا يعاقبك.

__________________

(١) ينظر : الكشاف ٢ / ٤٦١.

(٢) ينظر : البحر المحيط ٥ / ٢٩٨ والدر المصون ٤ / ١٧١.

(٣) قال الزجاج ٣ / ١٠٣ : «والفتح أكثر في الرواية عنه ، ولا أعلم أحدا من البصريين ذكر الفتح غيره».

(٤) ينظر : المقتضب ٣ / ٩٧ ، ٤ / ٨٦ ، وابن يعيش ١ / ١٥٦ ، والهمع ٢ / ٥٩.

(٥) سقط من : ب.

٧٥

قال أبو بكر الأصمّ : إنّ ذلك الزوج كان قليل الغيرة ، فاكتفى منها بالاستغفار وقيل : إنّ الله ـ تعالى عزوجل ـ سلبه الغيرة لطفا بيوسف ، حتى كفى بادرته وحلم عنها.

قال الزمخشري (١) : «وإنما قال : (مِنَ الْخاطِئِينَ) ؛ تغليبا للذكور على الإناث» ويحتمل أن يقال : إنك من قبيل الخاطئين ، فمن ذلك القبيل جرى ذلك العرف فيك.

قال البغوي (٢) ـ رحمه‌الله ـ : تقديره : إنّك من القوم الخاطئين ، ولم يقصد به الخبر عن النّساء ؛ بل قصد الخبر عن كلّ من يفعل ذلك ؛ كقوله تعالى : (وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ) [التحريم: ١٢] ، بيانه قوله : (إِنَّها كانَتْ مِنْ قَوْمٍ كافِرِينَ).

قوله تعالى : «يوسف» ، منادى محذوف منه حرف النداء. قال الزمخشريّ : «لأنه منادى قريب مقاطن للحديث ، وفيه تقريب له ، وتلطيف بمحله» انتهى.

وكلّ منادي يجوز حذف حرف النّداء منه ، إلا الجلالة المعظمة ، واسم الجنس غالبا ، والمستغاث ، والمندوب ، واسم الإشارة عند البصريين (٣) ، وفي المضمر إذا نودي.

والجمهور على ضمّ فاء يوسف ـ عليه الصلاة والسلام ـ ؛ لكونه مفردا معرفة ، وقرأ الأعمش بفتحها (٤) ، وقيل لم تثبت هذه القراءة عنه ، وعلى تقدير ثبوتها ، فقال أبو البقاء (٥) : فيها وجهان :

أحدهما : أن يكون أخرجه على أصل المنادى ؛ كما جاء في الشّعر : [الخفيف]

٣٠٧٨ ـ ...........

يا عديّا لقد وقتك الأواقي (٦)

__________________

(١) ينظر : الكشاف ٢ / ٤٦١.

(٢) ينظر : معالم التنزيل : ٢ / ٤٢٢.

(٣) قال ابن الحاجب في كافيته ١ / ١٥٥ النداء عند البصريين : «إنما لم يجز الحذف عند البصريين مع اسم الإشارة وإن كان متعرفا قبل النداء لأنه موضوع في الأصل لما يشار إليه للمخاطب ، وبين كون الاسم مشارا إليه ، وكونه منادى ، تنافر ظاهر ، فلما أخرج في النداء عن ذلك الأصل ، وجعل مخاطبا احتيج إلى علامة ظاهرة تدل على تغييره وجعله مخاطبا وهي حرف النداء ، أما المستغاث فللمبالغة في تنبيهه بإظهار حرف التنبيه لكون المستغاث له أمرا مهما وأما المندوب فلأنه منادى مجازا ويقصد فيه حقيقة التنبيه والإقبال كما في النداء المحض ، فلما نقل عن النداء إلى معنى آخر مع بقاء معنى النداء فيه مجازا لزم لفظ علم النداء تنبيها على الحقيقة المنقول هو فيه ، ولم تحذف من لفظ الجلالة لأنه لا يحذف الحرف منه إلّا مع إبدال الميمين في آخره نحو : اللهم ؛ وذلك لأن حق ما فيه اللام أن يتوصل إلى ندائه بأي أو باسم الإشارة فلما حذفت الوصلة مع هذه اللفظة لكثرة ندائها لم يحذف الحرف منه لئلا يكون إجحافا». وينظر : ١٧٣ ، ١٧٤ ، والمفصل ٢ / ١٥ ، ١٦.

(٤) ينظر : الدر المصون ٤ / ١٧١.

(٥) ينظر : الإملاء ٢ / ٥٢.

(٦) عجز بيت اختلف في نسبته فقيل هو للمهلهل بن أبي ليلى وقيل : لأخيه عدي وصدره : وضربت صدرها إلي وقالت: ....

ينظر : المقتضب ٤ / ٢١٤ والأغاني ١٤ / ١٤٧ وابن الشجري ٢ / ٢٩ والمنصف ١ / ١٢٨ وشرح ابن عقيل ٢ / ٢٦٣ والجمل للزجاجي ١٦٦ وابن يعيش ١٠ / ٨ والتبيان ٢ / ٧٢٩ وشذور الذهب ١١٢ وشواهد العيني ٤ / ٢١١ ولسان العرب والصحاح (وقى) وشرح شواهد المغني ٥ / ٧٥ والدر المصون ٤ / ١٧٢.

٧٦

يريد بأصل المنادى : أنه مفعول به ، فحقه النصب ؛ كالبيت الذي أنشده ، واتفق أن يوسف لا ينصرف ، ففتحته فتحة إعراب.

والثاني ، وجعله الأشبه : أن يكون وقف على الكلمة ، ثم وصل ، وأجرى الوصل مجرى الوقف ؛ فألقى حركة الهمزة على الفاء ، وحذفها ؛ فصار اللفظ بها : (يُوسُفُ أَعْرِضْ) ؛ وهذا كما حكي : «الله أكبر ، أشهد ألّا» ، بالوصل والفتح في الجلالة وفي «أكبر» ، وفي «أشهد» ؛ وذلك أنه قدّر الوقف على كل كلمة من هذه الكلم ، وألقى حركة الهمزة [من](١) كل من الكلم الثّلاث ، على السّاكن قبله ، وأجرى الوصل مجرى الوقف في ذلك.

والذي حكوه الناس ، إنّما هو في «أكبر» خاصّة ؛ لأنّها مظنة الوقف ، وتقدم ذلك في سورة آل عمران [الآية : ١].

وقرىء (٢) : «يوسف أعرض» بضمّ الفاء ، و «أعرض» فعلا ماضيا ، وتخريجها أن يكون «يوسف» مبتدأ ، و «أعرض» جملة من فعل وفاعل خبره.

قال أبو البقاء : «وفيه ضعف ؛ لقوله : (وَاسْتَغْفِرِي) ، وكان الأشبه أن يكون بالفاء: «فاستغفري».

قوله تعالى : (وَقالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُراوِدُ فَتاها عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَها حُبًّا إِنَّا لَنَراها فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٣٠) فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ واحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّيناً وَقالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حاشَ لِلَّهِ ما هذا بَشَراً إِنْ هذا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ (٣١) قالَتْ فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ ما آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ) (٣٢)

قوله تعالى : (وَقالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ) الآية ، النسوة فيها أقوال :

[أشهرها](٣) : أنه جمع تكسير للقلّة ، على فعلة ؛ كالصبية والغلمة ، ونصّ بعضهم على عدم اطّرادها ، وليس لها واحد من لفظها (٤).

الثاني : أنها اسم مفرد ، لجمع المرأة ؛ قاله الزمخشريّ.

الثالث : أنّها اسم جمع (٥) ؛ قاله أبو بكر بن السّراج ـ رحمه‌الله ـ ، وكذلك أخواتها ، كالصّبية ، والفتية.

وقيل : على كلّ قول ، فتأنيثها غير حقيقي ، باعتبار الجماعة ؛ ولذلك لم يلحق فعلها تاء التأنيث.

__________________

(١) في ب : على.

(٢) ينظر : الدر المصون ٤ / ١٧٢.

(٣) في ب : أحدها.

(٤) ينظر : الكتاب ٣ / ٣٨٦ ، والمقتضب ٢ / ٢٠٩ ، ٢١٠ ، والخصائص ١ / ٢٤٩.

(٥) ينظر : الأصول في النحو ١ / ١٧٤.

٧٧

وقال الواحديّ : تقديم الفعل يدعو إلى إسقاط علامة التأنيث ، على قياس إسقاط علامة التّثنية ، والجمع.

والمشهور : كسر نونها ، ويجوز ضمّها في لغة ، ونقلها أبو البقاء (١) عن قراءة ، قال القرطبي (٢) : وهي قراءة الأعمش ، والمفضل والسلمي.

وإذا ضمّت نونه ، كان اسم جمع بلا خلاف ، ويكسّر في الكثرة على نسوان ، والنساء : جمع كثرة أيضا ، ولا واحد له من لفظه ، كذا قاله أبو حيّان (٣).

ومقتضى ذلك ألّا يكون النساء جمعا لنسوة ؛ لقوله : لا واحد له من لفظه.

و «في المدينة» ؛ يجوز تعلّقه بمحذوف ، صفة ل «نسوة» ، وهو ظاهر ، ويقال : ليس بظاهر.

فصل في عدد النسوة

قي : إنّهن خمس : امرأة حاجب الملك ، وامرأة صاحب دوابه ، وامرأة الخازن ، وامرأة السّاقي ، وامرأة صاحب السّجن ، قاله مقاتل.

وقال الكلبيّ : أربع ؛ فأسقط امرأة الحاجب. والأشبه أنّ تلك الواقعة شاعت في البلد ، واشتهرت ، وتحدث بها النساء ، والمراد بالمدينة : مصر ، وقيل : مدينة عين شمس.

قوله : «تراود» خبر (امْرَأَتُ الْعَزِيزِ) ، وجيء بالمضارع ، تنبيها على أنّ المراودة صارت سجية لها ، وديدنا ، دون الماضي فلم يقل : راودت ، ولام الفتى ياء ؛ لقولهم : الفتيان ، وفتى ، وعلى هذا ؛ فقولهم : الفتوّة في المصدر شاذّ.

قال : «فتاها» (٤) ، وهو فتى زوجها ؛ لأن يوسف كان عندهم في حكم المماليك ، وكان ينفذ أمرها فيه.

وروى مقاتل ، عن أبي عثمان النهدي ، عن سلمان الفارسي ـ رضي الله عنه ـ قال : «إنّ امرأة العزيز استوهبت يوسف من زوجها ، فوهبه لها ، وقال : ما تصنعين به؟ قالت : أتخذه ولدا ، قال : هو لك ؛ فربّته حتى [أيفع](٥) ، وفي نفسها منه ما في نفسها (٦) ، فكانت تتكشّف له ، وتتزيّن ، وتدعوه من وجه اللّطف ؛ فعصمه الله».

قوله : (قَدْ شَغَفَها حُبًّا) ، وهذه الجملة يجوز أن تكون خبرا ثانيا ، وأن تكون مستأنفة ، وأن تكون حالا ؛ إمّا من فاعل «تراود» ، وإمّا من مفعوله ، و «حبّا» تمييز ؛ وهو منقول من الفاعليّة ، إذ الأصل : قد شغفها حبّه.

__________________

(١) ينظر : الدر المصون ٤ / ١٧٢ والجامع لأحكام القرآن ٩ / ١١٦.

(٢) ينظر : الجامع لأحكام القرآن ٩ / ١١٦.

(٣) سقط في ب.

(٤) في أ : قتادة.

(٥) في أ : بلغ.

(٦) في ب : نفسه.

٧٨

والعامة على «شغفها» بالغين المعجمة المفتوحة ، بمعنى : خرق شغاف قلبها ، وهو مأخوذ من الشّغاف ، والشّغاف : حجاب القلب ، جليدة رقيقة. وقيل : سويداء القلب.

فعلى الأول ، يقال : شغفت فلانا ، إذا أصبت شغافه ؛ كما تقول : كبدته إذا أصبت كبده ، فمعنى : (شَغَفَها حُبًّا) أي : خرق الحبّ الجلد ؛ حتّى أصاب القلب ، أي : أنّ حبّه أحاط بقلبها ، مثل إحاطة الشّغاف بالقلب ، ومعنى إحاطة ذلك الحبّ بقلبها : هو أنّ اشتغالها بحبه صار حجابا بينها ، وبين كلّ ما سوى هذه المحبّة ، فلا يخطر ببالها سواه ، وإن قلنا : إنّ الشّغاف سويداء القلب ، فالمعنى : أنّ حبّه وصل إلى سويداء قلبها.

وقيل : الشّغاف داء يصل إلى القلب من أجل الحبّ ، وقيل : جليدة رقيقة يقال لها : لسان القلب ، ليست محيطة به.

ومعنى : «شغف قلبه» أي : خرق حجابه ، إذا أصابه ؛ فأحرقه بحرارة الحبّ ، وهو من شغف البعير بالهناء ، إذا طلاه بالقطران ، فأحرقه. [والمشغوف من وصل الحب لقلبه](١) قال الأعشى : [البسيط]

٣٠٧٩ ـ يعصي الوشاة وكان الحبّ آونة

ممّا يزيّن للمشغوف ما صنعا (٢)

وقال النابغة الذبيانيّ : [الطويل]

٣٠٨٠ ـ وقد حال همّ دون ذلك والج

مكان الشّغاف تبتغيه الأصابع (٣)

وقرأ ثابت (٤) البناني : بكسر الغين ، وقيل : هي لغة تميم ، وقرأ أمير (٥) المؤمنين عليّ بن أبي طالب ـ كرم الله وجهه ـ ، وعليّ بن الحسين ، وابنه محمد ، وابنه جعفر والشعبي ، وقتادة ـ رضي الله عنهم ـ بفتح العين المهملة.

وروي عن ثابت البناني ، وأبي رجاء : كسر العين المهملة أيضا ، واختلف الناس في ذلك : فقيل : هو من شعف البعير ، إذا هنأه ، فأحرقه بالقطران ، قاله الزمخشريّ ؛ وأنشد : [الطويل]

٣٠٨١ ـ ...........

كما شعف المهنوءة الرّجل الطّالي (٦)

__________________

(١) سقط في : ب.

(٢) ينظر البيت في ديوانه (١٠٤) والبحر المحيط ٥ / ٢٩٩ وروح المعاني ١٢ / ٢٢٦.

(٣) ينظر البيت في ديوانه ٧٩ والعيني ٣ / ٤٠٩ ومعاني الزجاج ٣ / ١٠٥ ومجاز القرآن ١ / ٣٠٨ وسمط اللآلىء ٤٨٩ وأمالي القالي ١ / ٢٠٥ والخزانة ١ / ٤٣٠ وأدب الكاتب ١١٨ والكشاف ٢ / ٣١٦ والقرطبي ٥ / ٢٣٣ والدر المصون ٤ / ١٧٣ ، واللسان والتاج (شغف).

(٤) ينظر : البحر المحيط ٥ / ٣٠١ ، الدر المصون ٤ / ١٧٣.

(٥) وقرأ بها أيضا الشعبي وعوف الأعرابي ينظر : البحر المحيط ٥ / ٣٠١ وينظر : الدر المصون ٤ / ١٧٣.

(٦) ينظر : ديوانه ١٤٢ وشرح ديوان الحماسة ٤ / ١٦٢٤ والمحتسب ١ / ٣٣٩ والطبري ١٦ / ٦٧ والقرطبي ٩ / ١٧٧ وفتح القدير ٣ / ٢١ والكشاف ٢ / ٣١٦ والدر المصون ٤ / ١٧٣.

٧٩

وهذا البيت لامرىء القيس : [الطويل]

٣٠٨٢ ـ أتقتلني وقد شعفت فؤادها

كما شعف المهنوءة الرّجل الطّالي (١)

والناس إنما يروونه بالمعجمة ، ويفسرونه بأنه أصاب حبّه شغاف قلبها ، أي : أحرق حجابه ، وهي جليدة رقيقة دونه ، كما شغف ، أي : كما أحرق ، وأراد بالمهنوءة : المطليّة بالهناء ، أي : القطران ، ولا ينشدونه بالمهملة ، وكشف أبو عبيدة عن هذا المعنى ؛ فقال : «الشّغف : إحراق الحبّ للقلب مع لذة يجدها ؛ كما أنّ البعير إذا طلي بالقطران ، بلغ منه مثل ذلك ، ثم يستروح إليه».

وقال أبو البقاء (٢) ـ رحمه‌الله ـ لما حكى هذه القراءة : «من قولك : فلان مشغوف بكذا ، أي : مغرم به».

وقال ابن الأنباريّ : «الشّغف : رءوس الجبال ، ومعنى شغف بفلان : إذا ارتفع حبّه إلى أعلى موضع من قلبه».

وعلى هذه الأقوال فمعناهما متقارب ، وفرق بعضهم بينهما ، فقال ابن زيد : «الشّغف ـ يعني بالمعجمة ـ في الحبّ ، والشعف : في البغض».

وقال الشعبيّ : الشّغف ، والمشغوف ـ بالغين ـ منقوطة ـ في الحبّ ، والشّعف : الجنون ، والمشعوف : المجنون» (٣).

قوله : (إِنَّا لَنَراها فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) ، أي : خطأ مبين ظاهر ، وقيل : معناه : إنّها تركت ما يكون عليه أمثالها من العفاف والستر.

«فلّما سمعت» راعيل «بمكرهنّ» ؛ بقولهنّ ، وسمى قولهنّ مكرا ؛ لوجوه :

الأول : أنّ النسوة ، إنما قلن ذلك ؛ مكرا بها ؛ لتريهنّ (٤) يوسف ، وكان يوصف لهن حسنه وجماله ؛ لأنّهن إذا قلن ذلك ، عرضت يوسف عليهنّ ؛ ليتمهد عذرها عندهن.

الثاني : أنّها أسرّت إليهنّ حبّها ليوسف واستكتمتهنّ ، فأفشين ذلك السرّ ؛ فلذلك سمّاه مكرا.

الثالث : أنهن وقعن في الغيبة ، والغيبة إنما تذكر على سبيل الخفية ، فأشبهت المكر.

(أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَ) : قال المفسرون : اتخذت مأدبة ، ودعت جماعة من أكابرهن ، «وأعتدت» ، أي : أعدّت «لهنّ متّكئا».

__________________

(١) تقدم.

(٢) ينظر : الإملاء ٢ / ٥٢.

(٣) ينظر : الطبري في «تفسيره» (٧ / ١٩٦) والسيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ٢٧).

(٤) لتزيهن في : ب.

٨٠