اللّباب في علوم الكتاب - ج ١١

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي

اللّباب في علوم الكتاب - ج ١١

المؤلف:

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي


المحقق: عادل أحمد عبد الموجود و علي محمّد معوّض
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-2298-3

الصفحات: ٥١٠

«فأرسلون» خطاب ، إما للملك ، والجمع ، أو للملك وحده ؛ على سبيل التعظيم ، وفيه اختصار ، تقديره : فأرسلني أيها الملك إليه ، فأرسله فأتى السّجن.

قال ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ : ولم يكن السجن في المدينة (١).

فقال : يوسف ، أي : يا يوسف (أَيُّهَا الصِّدِّيقُ) والصّدّيق : هو المبالغ في الصدق ، وصفه بهذه الصفة ؛ لأنه لم يجرب عليه كذبا ، وقيل : لأنه صدق في تعبير رؤياه ، وهذا يدلّ على أنّ الساقي والخباز لم يكذبا على يوسف في منامهما ، ولم يذكراه امتحانا له ، كما زعم بعضهم ثم إنّه أعاد السؤال باللفظ الّذي ذكره الملك ؛ فإن تعبير الرّؤيا قد تختلف باختلاف الألفاظ ؛ كما هو مذكور في علم التعبير لعلّي أرجع إلى النّاس بفتواك ؛ لأنه عجز سائر المعبّرين على الجواب ، فخاف أن يعجز هو أيضا ؛ فلهذا السبب قال : (لعلي أرجع إلى الناس لعلهم يعلمون) منزلتك من العلم.

قوله : «تزرعون» ظاهر هذا ، إخبار من يوسف ـ عليه الصلاة والسلام ـ بذلك.

وقال الزمخشريّ : تزرعون خبر في معنى الأمر ؛ كقوله (تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُجاهِدُونَ) [الصف : ١١] ، وإنما خرج الأمر في صورة الخبر ؛ للمبالغة في إيجاب المأمور به فيجعل كأنّه وجد ، فهو مخبر عنه ؛ والدليل على كونه في معنى الأمر قوله : (فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ).

قال أبو حيان (٢) : ولا يدلّ الأمر بتركه في سنبله على أنّ تزرعون في معنى : ازرعوا ، بل تزرعون إخبار غيب ، وأمّا فذروه فهو أمر إشارة بما ينبغي أن يفعلوه.

وهذا هو الظاهر ، ولا مدخل لأمر الله لهم بالزراعة ، لأنهم يزرعون على عادتهم أمرهم ، أو لم يأمرهم ، وإنما يحتاج إلى الأمر فيما لم يكن من عادة الإنسان أن يفعله كقوله في سنبله.

قوله دأبا قرأ حفص : بفتح الهمزة ، والباقون (٣) : بسكونها ؛ وهما لغتان في مصدر : دأب يدأب دأبا ، أي : داوم على الشيء ولازمه.

وقيل : بجدّ ، واجتهاد ؛ وهذا كما قالوا : ضأن وضأن ، ومعز ومعز : بفتح العين وسكونها.

قال أبو علي الفارسي (٤) : الأكثر في «دأب» الإسكان ، ولعلّ الفتح لغة وفي انتصابه أوجه.

__________________

(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٧ / ٢٢٧) وذكره البغوي في «تفسيره» (٢ / ٤٢٩).

(٢) ينظر : البحر المحيط ٥ / ١٨٩.

(٣) ينظر : السبعة ٣٤٩ والحجة ٤ / ٤٢٤ ، ٤٢٥ وإعراب القراءات السبع ١ / ٣١٠ وحجة القراءات ٣٥٩ والإتحاف ٢ / ١٤٨ والمحرر الوجيز ٣ / ٢٥٠ ، والبحر المحيط ٥ / ٣١٤ والدر المصون ٤ / ١٨٩.

(٤) ينظر : الحجة ٤ / ٤٢٥.

١٢١

أحدها : وهو قول سيبويه (١) : أنه منصوب بفعل محذوف ، تقديره : تدأبون دأبا.

والثاني : وهو قول أبي العبّاس ـ رضي الله عنه ـ : أنه منصوب ب «تزرعون» ؛ لأنه من معناه ، فهو من باب : قعدت القرفصاء.

وفيه نظر ؛ لأنه ليس نوعا خاصّا به بخلاف القرفصاء مع القعود.

والثالث : أنه مصدر واقع موقع الحال ، فيكون فيه الأوجه المعروفة ، إما للمبالغة وإما وقوعه موقع الصّفة ، وإما على حذف مضاف ، أي : دائبين أو ذوي دأب ، أو جعلهم نفس الدّأب ؛ مبالغة.

وقد تقدم الكلام على الدّأب في «آل عمران» عند قوله ـ عزوجل ـ (كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ) [آل عمران : ١١].

قوله : (فَما حَصَدْتُمْ) ، ما : يجوز أن تكون شرطيّة أو موصولة.

قوله : (فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ) أمرهم بترك الحنطة في السنبل ؛ لتكون أبقى على الزمان ، ولا تفسد.

قوله : (إِلَّا قَلِيلاً مِمَّا تَأْكُلُونَ) ، أي : تدرسون قليلا ؛ للأكل ، أمرهم بحفظ الأكثر ، والأكل قدر الحاجة.

وقرأ أبو عبد الرحمن (٢) يأكلون بالغيبة ، أي : الناس ، ويجوز أن يكون التفاتا.

فصل

قال القرطبيّ : «هذه الآية أصل في القول بالمصالح الشرعية التي هي حفظ للأديان ، والنفوس ، والعقول والأنساب ، والأموال ، فكل ما يضمن تحصيل شيء من هذه الأمور ، فهو مصلحة ، وكل ما يفوت شيئا منها ، فهو مفسدة ؛ ودفعه مصلحة ، ولا خلاف أنّ مقصود (٣) الشرائع إرشاد النّاس إلى مصالحهم الدّنيويّة ، ليحصل لهم التمكن من معرفة الله تعالى ، وعبادته [الموصلتين](٤) إلى السعادة الأخرويّة ، ومراعاة ذلك فضل من الله ورحمة».

قوله تعالى : (ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ سَبْعٌ شِدادٌ) حذف المميز ، وهو الموصوف ؛ لدلالة ما تقدّم عليه ، ونسب الأكل إليهن ، مجازا ؛ كقوله : (وَالنَّهارَ مُبْصِراً) [يونس : ٦٧] لمّا كان الأكل ، والإبصار فيهما ، جعلا كأنهما واقعان منهما ، مبالغة.

و «الشّداد» : الصّعاب التي تشتدّ على الناس ؛ فلذلك سمّى السنين المجدبة شدادا.

__________________

(١) ينظر : الكتاب ١ / ١٩١ ـ ١٩٢.

(٢) ينظر : البحر المحيط ٥ / ٣١٤ ، الدر المصون ٤ / ١٨٩.

(٣) في ب : إن المقصود من.

(٤) في ب : المؤهلين.

١٢٢

يأكلن ، أي : يفنين ، ويهلكن الطعام إلّا قليلا ممّا تحصنون : تحرزون ، وتدّخرون ؛ للبذر.

«والإحصان : الإحراز ، وهو [إبقاء](١) الشيء في الحصن ، يقال : أحصنه إحصانا ، إذا جعله في حرز».

قوله [تعالى] : (يُغاثُ النَّاسُ) يجوز أن تكون الألف عن واو ، وأن تكون عن ياء : إما من الغوث ، وهو الفرج ، وفعله رباعي ، يقال : أغاثنا الله إذا أنقذنا من كرب أو غمّ ، ومعناه: يغاث النّاس من كرب الجدب.

وإما من الغيث ، وهو المطر ، يقال : أغيثت الأرض ، أي : أمطرت ، وفعله ثلاثي ، يقال: أغاثنا الله من الغيث ، وقالت أعرابية : غثنا ما شئنا ، أي : أمطرنا ما أردنا.

فصل

يقال : أسنتوا ، أي : دخلوا في سنة مجدبة : «وقال المفسّرون : السبعة المتقدمة : هي الخصب وكثرة النّعم ، والسّبعة الثانية : هي القحط ، وهي معلومة من الرؤيا ، وأمّا حال هذه السنة ، فما حصل في ذلك المنام ما يدلّ عليه ، بل حصل ذلك من الوحي».

قال قتادة ـ رحمه‌الله ـ : زاده الله علم سنة (٢).

فإن قيل : لما كانت العجاف سبعا ، دلّ على أنّ السنين المجدبة لا تزيد على هذا العدد ، ومن المعلوم أنّ الحاصل بعد انقضاء القحط ، هو الخصب ، فكان هذا ـ أيضا ـ من مدلولات المنام ، فلم قلتم : إنّه حصل بالوحي والإلهام؟.

فالجواب : هب أنّ تبدل القحط بالخصب معلوم ، وأما تفصيل الحال فيه ، وهو قوله (فِيهِ يُغاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ) لا يعلم إلا بالوحي.

قوله يعصرون قرأ الأخوان : «تعصرون» (٣) بالخطاب ، والباقون بياء الغيبة ، وهما واضحتان ؛ لتقدم مخاطب أو غائب ، فكلّ قراءة ترجع إلى ما يليق بها.

و «يعصرون» يحتمل أوجها :

أظهرها : أنه من عصر العنب ، والزيتون ، والسمسم ، ونحو ذلك.

والثاني : أنّه من عصر الضّرع ، إذا حلبه.

__________________

(١) في ب : إلقاء.

(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٧ / ٢٢٩) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ٤١) وزاد نسبته إلى عبد الرزاق وابن المنذر.

(٣) ينظر : السبعة ٣٤٩ والحجة ٤ / ٤٢٥ ، ٤٢٥ وإعراب القراءات السبع ١ / ٣١١ وحجة القراءات ٣٥٩ ، ٣٦٠ والإتحاف ٢ / ١٤٩ والمحرر الوجيز ٣ / ٢٥١ ، والبحر المحيط ٥ / ٣١٤ والدر المصون ٤ / ١٩٠.

١٢٣

والثالث : أنه من العصرة ، وهي النجاة ، والعصر : المنجي. وقال أبو زيد في عثمان ـ رضي الله عنه ـ : [الخفيف]

٣١١٣ ـ صاديا يستغيث غير مغاث

ولقد كان عصرة المنجود (١)

[ويعضد](٢) هذا الوجه مطابقة قوله : (فِيهِ يُغاثُ النَّاسُ) يقال : عصره يعصره ، أي: أنجاه. وقرأ جعفر (٣) بن محمد ، والأعرج : «يعصرون» بالياء من تحت ، وعيسى بالتاء من فوق ، وهو في كلتا القراءتين مبني للمفعول ، وفي هاتين القراءتين تأويلان :

أحدهما : أنها من عصره ، إذا أنجاه : قال الزمخشريّ : «وهو مطابق للإغاثة».

والثاني : ـ قاله قطرب ـ أنّهما من الإعصار ، وهو إمطار السحابة الماء ؛ كقوله تعالى : (وَأَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ ماءً ثَجَّاجاً) [النبأ : ١٤] ، وقال الزمخشريّ : وقرىء : «يعصرون ، تمطرون» ، من أعصرت السّحابة ، وفيه وجهان :

إمّا أن يضمّن أعصرت معنى مطرت ، فيعدّى تعديته ، وإما أن يقال : الأصل : أعصرت عليهم ، فحذف الجار وأوصل الفعل إلى ضميرهم أو يسند الإعصار إليهم ؛ مجازا ، فجعلوا معصرين.

وقرأ زيد (٤) بن عليّ : «تعصّرون» بكسر التاء ، والعين ، والصاد مشددة ، وأصلها يعتصرون ، فأدغم التاء في الصاد ، وأتبع العين للصاد ، ثمّ أتبع التاء للعين وتقدم [تقريره](٥) في قوله (إِلَّا أَنْ يُهْدى) [يونس : ٣٥].

ونقل النقاش قراءة «يعصّرون» بضمّ الياء (٦) ، وفتح العين ، وكسر الصّاد مشددة ؛ من «عصّر» للتكثير ، وهذه القراءة ، وقراءة زيد المتقدمة ، تحتملان أن يكونا من العصر للنبات ، أو الضّرع ، أو النّجاة ؛ كقول الشاعر : [الرمل]

٣١١٤ ـ لو بغير الماء حلقي شرق

كنت كالغصّان بالماء اعتصاري (٧)

__________________

(١) ينظر : مجاز القرآن ١ / ٣١٣ ، الطبري ١٦ / ١٣١ ، روح المعاني ١٢ / ٢٥٦ اللسان : عطر ، الاقتضاب ٣٩٠ ، فتح القدير ٣ / ٣٢ ، المحتسب ١ / ٣٤٥ ، العيني ٤ / ٢٢٢ ، الخزانة ٣ / ٥٩٦ شواهد المغني ٨ / ٢٧ ، الدر المصون ٤ / ١٩٠.

(٢) في ب : ويطابق.

(٣) ينظر : المحرر الوجيز ٣ / ٢٥١ والبحر المحيط ٥ / ٣١٥ والدر المصون ٤ / ١٩٠.

(٤) ينظر : البحر المحيط ٥ / ٣١٥ والدر المصون ٤ / ١٩٠.

(٥) في أ : تحريره.

(٦) ينظر : المحرر الوجيز ٣ / ٢٥١ والبحر المحيط ٥ / ٣١٥ والدر المصون ٤ / ١٩٠.

(٧) البيت لعدي بن زيد ينظر : ديوانه (٩٣) ، الكتاب (٣ / ١٢١) المغني ١ / ٢٦٨ ، الهمع (٢ / ٦٦) ، الخزانة (٨ / ٥٠٨) ، الدرر ٢ / ٨١ ، الأشموني ٤ / ٤٠ ، التصريح ٢ / ٢٥٩ ، التهذيب ٢ / ١٥ ، البحر المحيط ٥ / ٣١٥ ، اللسان : عصر ، الدر المصون ٤ / ١٩١.

١٢٤

قوله تعالى : (وَقالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جاءَهُ الرَّسُولُ قالَ ارْجِعْ إِلى رَبِّكَ فَسْئَلْهُ ما بالُ النِّسْوَةِ اللاَّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ (٥٠) قالَ ما خَطْبُكُنَّ إِذْ راوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حاشَ لِلَّهِ ما عَلِمْنا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (٥١) ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَ (٥٢) وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ ما رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٥٣)

قوله تعالى : (وَقالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ) الآية.

اعلم أنّ الساقي لما رجع إلى الملك ، وأخبره بما أفتاه يوسف من تأويل رؤياه ، وعرف الملك أنّ الذي قاله كائن قال ائتوني به ، فلمّا جاءه الرسول قال : أجب الملك ، فأبى أن يخرج مع الرسول ، حتّى تظهر براءته ، فقال للرسول : ارجع إلى ربّك ، أي : سيّدك ، قال ـ عليه الصلاة والسلام ـ : «عجبت من يوسف وكرمه وصبره والله يغفر له حين سئل عن البقرات العجاف والسّمان ، ولو كنت مكانه ما أخبرتهم حتّى أشترط أن يخرجوني ولقد عجبت منه حين أتاه الرّسول فقال له : ارجع إلى ربّك ، ولو كنت مكانه ولبثت في السّجن طول ما لبث لأسرعت إلى الإجابة وبادرتهم الباب» (١).

قال ابن الخطيب (٢) : والذي فعله يوسف ـ عليه الصلاة والسلام ـ من الصّبر ، والتّوقّف إلى أن يفحص الملك عن حاله ، هو الأليق بالحزم والعقل ، وبيانه من وجوه :

الأول : أنه لو خرج في الحال ، فربما كان يبقى في قلب الملك أثر ما ، فلما التمس من الملك أن يفحص عن حال تلك الواقعة ، دلّ ذلك على براءته من التهمة ، فبعد خروجه لا يقدر أحد أن يلطّخه بتلك الرذيلة ، وأن يتوصل بها إلى الطعن فيه.

والثاني : أن الإنسان الذي يبقى في [السجن](٣) اثنتي عشرة سنة ، إذا طلبه الملك ، وأمر بإخراجه ، فالظاهر أنه يبادر إلى الخروج ، فحيث لم يخرج ، عرف منه أنه في نهاية

__________________

(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٧ / ٢٣٣) والطبراني كما في «مجمع الزوائد» (٧ / ٤٣) وقال الهيثمي : وفيه إبراهيم بن يزيد القرشي وهو متروك وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ٤٢) وزاد نسبته للفريابي وابن أبي حاتم وابن مردويه من طرق عن ابن عباس.

لكن للحديث شاهد من حديث أبي هريرة :

أخرجه أحمد (٢ / ٣٤٦) والطبري في «تفسيره» (٧ / ٢٣٢).

وذكره الهيثمي في «المجمع» (٧ / ٤٣) وقال : رواه أحمد وفيه محمد بن عمرو وهو حسن الحديث.

وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ٤٢) وزاد نسبته إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ وابن مردويه والحاكم وصححه.

(٢) ينظر : الرازي ١٨ / ١٢١.

(٣) في ب : الحبس.

١٢٥

العقل ، والصّبر ، والثبات ؛ وذلك [يكون](١) سببا لاعتقاد البراءة فيه عن جميع أنواع التهم ، وأن يحكم بأنّ كلّ ما قيل فيه ، كان كذبا.

الثالث : أن التماسه من الملك أن يفحص عن حاله من تلك النسوة ، يدل ـ أيضا ـ على شدّة طهارته ، إذ لو كان ملوثا بوجه ما ، لكان يخاف أن يذكر ما سبق.

الرابع : أنه قال للشّرابي : (اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ) فبقي بسبب هذه الكلمة في السجن [بضع](٢) سنين ، وهنا طلبه الملك فلم يلتفت إليه ، ولم يقم لطلبه وزنا ، واشتغل بإظهار براءته من التّهمة ، ولعلّه كان غرضه ـ عليه الصلاة والسلام ـ من ذلك ألّا يبقى في قلبه (٣) التفات إلى ردّ الملك وقبوله ، وكان هذا العمل جاريا مجرى التّلافي ، لما صدر منه من التوسّل إليه ، في قوله : (اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ) ، وليظهر هذا المعنى لذلك الشرابي ؛ فإنه هو الذي كان واسطة في الحالين معا.

قوله (فَسْئَلْهُ ما بالُ النِّسْوَةِ) قرأ ابن كثير (٤) ، والكسائي : «فسله» ، بغير همز ، والباقون : بالهمز ؛ وهما لغتان.

والعامة على كسر نون «النّسوة» ، وضمها عاصم (٥) في رواية أبي بكر ـ رضي الله عنهما ـ وليست بالمشهورة ، وكذلك قرأها أبو حيوة.

وقرىء «اللّائي» (٦) بالهمز ، وكلاهما جمع ل «الّتي» ، «والخطب» : الأمر والشّأن الذي فيه خطر ؛ وأنشد : [الطويل]

٣١١٥ ـ وما المرء ما دامت حشاشة نفسه

بمدرك أطراف الخطوب ولا آل (٧)

وهو في الأصل مصدر : خطب يخطب وإنّما يخطب في الأمور العظام.

فصل ما في الآية من لطائف

أولها : أنّ المعنى ؛ قوله تعالى (فَسْئَلْهُ) سل الملك (ما بالُ النِّسْوَةِ) ليعلم براءتي من تلك التهمة إلا أنّه اقتصر على سؤال الملك عن تلك الواقعة ؛ لئلّا يشتمل اللفظ على ما يجري مجرى أمر الملك بعمل أو فعل.

وثانيها : أنّه لم يذكر سيدته مع أنها التي سعت في إلقائه في السجن الطويل ، بل اقتصر على ذكر سائر النسوة.

وثالثها : أنّ الظاهر أن أولئك النسوة نسبنه إلى عمل قبيح عند الملك ، فاقتصر

__________________

(١) في ب : يصير.

(٢) في ب : سبع.

(٣) سقط من : ب.

(٤) ينظر : الإتحاف ٢ / ١٤٩.

(٥) ينظر : المحرر الوجيز ٣ / ٢٥٢ والبحر المحيط ٥ / ٣١٦ والدر المصون ٤ / ١٩١.

(٦) ينظر : الدر المصون ٤ / ١٩١.

(٧) تقدم.

١٢٦

يوسف ـ عليه الصلاة والسلام ـ على مجرّد قوله : (ما بالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَ) ، وما شكى منهن على سبيل التّعيين ، والتفصيل.

ثم قال يوسف ـ عليه الصلاة والسلام ـ (إنّ ربي بكيدهن عليم).

وفي المراد بقوله «إنّ ربّي» وجهان :

أحدهما : أنه هو الله ـ تعالى ـ فإنه هو العالم بخفيّات الأمور.

والثاني : المراد به الملك ، وجعله ربّا ؛ لكونه مربّيا ، وفيه إشارة إلى كون ذلك الملك عالما بمكرهنّ وكيدهنّ.

واعلم أنّ كيدهن في حقه يحتمل وجوها :

أحدها : أنّ كل واحدة منهن طمعت فيه ، فلما لم يجدن المطلوب أخذن يطعن فيه ، وينسبنه إلى القبيح.

وثانيها : لعلّ كلّ واحدة منهن بالغت في ترغيب يوسف في موافقته سيدته على مرادها ، ويوسف علم أنّ مثل هذه الخيانة في حقّ السّيّد المنعم لا تجوز.

وأشار بقوله : (إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ) إلى مبالغتهنّ في الترغيب في تلك الخيانة.

وثالثها : أنه استخرج منهنّ وجوها من المكر والحيل في تقبيح صورة يوسف عند الملك ، فكان المراد منهن اللفظ ذلك.

ثم إنه ـ تعالى ـ حكى أنّ يوسف عليه‌السلام لما التمس من الملك ذلك ، أمر الملك بإحضارهنّ ، وقال لهنّ : «ما خطبكنّ» : ما شأنكنّ ، وأمركنّ (إِذْ راوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ) ، وفيه وجهان :

الأول : أن قوله : (إِذْ راوَدْتُنَّ يُوسُفَ) ، وإن كان صيغة جمع ، فالمراد منها الواحد ؛ كقوله ـ جلّ ذكره : (الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ) [آل عمران : ١٧٣].

والثاني : أنّ المراد منه خطاب الجماعة ، ثم هاهنا وجهان :

الأول : أنّ كلّ واحدة منهنّ راودت يوسف عن نفسه.

والثاني : أنّ كلّ واحدة منهنّ راودت يوسف ؛ لأجل امرأة العزيز ، فاللفظ محتمل لكل هذه الوجوه.

وعند هذا السؤال (قُلْنَ حاشَ لِلَّهِ ما عَلِمْنا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ) ، وهذا كالتأكيد ؛ لما ذكرنا في أوّل الأمر في حقه ، وهو قولهنّ : «ما هذا بشرا إن هذا إلّا ملك كريم».

وقوله (إِذْ راوَدْتُنَّ) ، هذا الظرف منصوب ب «خطبكنّ» ؛ لأنه في معنى الفعل إذ المعنى : ما فعلتنّ ، وما أردتنّ به في ذلك الوقت.

وكانت امرأة العزيز حاضرة ، وكانت تعلم أن هذه المناظرات ، والتفحصات ، إنما

١٢٧

وقعت بسببها ، ولأجلها. وقيل : إنّ النسوة أقبلن على امرأة العزيز يقررنها.

وقيل : خافت أن يشهدن عليها ؛ فأقرّت ، وقالت : (الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُ) أي : ظهر ، وتبيّن : (أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ) ، في قوله : (هِيَ راوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي).

هذه شهادة جازمة من تلك المرأة أنّ يوسف ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ راعى جانب العزيز حيث قال : (ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن) ؛ ولم يذكر تلك المرأة ألبتة ؛ فعرفت المرأة أنّه ترك ذكرها ؛ رعاية ، وتعظيما لجانبها ، وإخفاء للأمر عليها ؛ فأرادت أن تكافئه على هذا الفعل الحسن ، فلا جرم كشفت الغطاء ، واعترفت بأنّ الذنب كلّه من جانبها ، وأنّ يوسف كان مبرّأ عن الكل.

حكي : أنّ امرأة جاءت بزوجها إلى القاضي ، فادّعت عليه المهر ، فأمر القاضي أن يكشف عن وجهها ؛ حتّى يتمكّن الشّهود من إقامة الشّهادة ، فقال الزّوج : لا حاجة إلى ذلك ؛ فإنّي مقرّ بصداقها في دعواها ، فقالت المرأة : أكرمتني إلى هذا الحد؟ اشهدوا أنّي أبرأت ذمّته من كلّ حقّ لي عليه.

قوله «الآن» منصوب بما بعده ، و «حصحص» معناه : تبيّن وظهر بعد خفاء ، قاله الخليل ـ رحمه‌الله ـ.

وقال بعضهم : هو مأخوذ من الحصّة ، والمعنى : بانت حصّة الحق من حصّة الباطل ، كما تتميّز حصص الأراضي وغيرها ، وقيل : بمعنى ثبت واستقرّ.

وقال الرّاغب (١) : (حَصْحَصَ الْحَقُّ) ، أي : وضح ذلك بانكشاف ما يقهره ، وحصّ وحصحص ، نحو : كفّ وكفكف ، وكبّ وكبكب ، وحصّه : قطعه ؛ إمّا بالمباشرة وإمّا بالحكم ؛ فمن الأول قول الشاعر : [السريع].

٣١١٦ ـ قد حصّت البيضة رأسي فما

 ........... (٢)

ومنه : رجل أحصّ : انقطع بعض شعره ، وامرأة حصّاء ، والحصّة : القطعة من الجملة ، ويستعمل استعمال النصيب.

وقيل : هو من حصحص البعير ، إذا ألقى ثفناته ؛ للإناخة ؛ قال الشاعر : [الطويل]

٣١١٧ ـ فحصحص في صمّ القنا ثفناته

وناء بسلمى نوءة ثمّ صمّما (٣)

__________________

(١) ينظر : المفردات ١٢٠.

(٢) صدر بيت لأبي قيس بن الأسلت وعجزه :

أذوق نوما غير تهجاع

ينظر : شرح المفضليات ٢ / ١٠٠٧ ، الخزانة ٦ / ٨٧ ، اللسان (حصص) ، المفردات (١٧٢) ، فتح القدير ٣ / ٣٤ الألوسي ١٢ / ٢٥٩ ، الدر المصون ٤ / ١٩١.

(٣) البيت لحميد بن ثور ينظر الكشاف ٢ / ٣٧٣ ، شواهد الكشاف (٥٢٧) والديوان (١٩) والألوسي ١٢ / ٢٥٩ ، اللسان : ص م م ، حصص ، الدر المصون ٤ / ١٩١.

١٢٨

قوله تعالى : «ذلك» خبر مبتدإ مضمر ، أي : الأمر ذلك ، و «ليعلم» ، متعلق بضمير ، أي : أظهر ذلك ؛ ليعلم ، أو مبتدأ ، وخبره محذوف ، أي : ذلك الذي صرّحت به عن براءته ، أمر من الله لا بدّ منه ، و «ليعلم» متعلق بذلك الخبر ، أو يكون «ذلك» مفعولا لفعل مقدّر يتعلق به هذا الجار أيضا ، أي : فعل الله ذلك ، أو فعلته أنا بتيسير الله.

قوله : «بالغيب» يجوز أن تكون الباء ظرفية قال الزمخشريّ (١) : أي : مكان الغيب ، وهو الخفاء ، والاستتار وراء الأبواب السبعة المغلقة ، ويجوز أن تكون الباء للحال ، إمّا من الفاعل ، على معنى : وأنا غائب عنه خفي عن عينه.

وإمّا من المفعول على معنى : وهو غائب عني خفي عن عيني.

«وأنّ الله» نسق على «أنّي» ، أي : ليعلم الأمرين ، وهذا من كلام يوسف ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ وبه بدأ الزمخشري ، كالمختار له.

وقال غيره : إنه من كلام امرأة العزيز ، وهو الظّاهر.

فإن قلنا : هو من كلام يوسف ـ عليه الصلاة والسلام ـ فمتى قاله؟.

وروى عطاء ، عن ابن عبّاس ـ رضي الله عنهم ـ : أنّ يوسف لما دخل على الملك ، قال «ذلك» ، وإنما ذكره بلفظ الغيبة تعظيما للملك عن الخطاب (٢).

قال ابن الخطيب (٣) : «والأولى أنه ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ إنما قال ذلك عند عود الرسول إليه ، لأنّ ذكر هذا الكلام في حضرة الملك ، سوء أدب».

فإن قيل : هذه الخيانة لو وقعت ، كانت في حقّ العزيز ، فكيف قال : (ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ)؟.

فالجواب : قيل : المراد ذلك ليعلم الملك أنّي لم أخن العزيز بالغيب ، فتكون الهاء في «أخنه» تعود على العزيز.

وقيل : إنّه إذا خان وزيره ، فقد خانه من بعض الوجوه.

وقيل : إن الشرابي لما رجع إلى يوسف ـ عليه‌السلام ـ وهو في السجن ـ ، قال : (ذلِكَ لِيَعْلَمَ) ، العزيز (أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ).

ثم ختم الكلام بقوله : (وَأَنَّ اللهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَ) ، ولعلّ المراد منه : أني لو كنت خائنا ، لما خلّصني الله من هذه الورطة ، وحيث خلصني منها ، ظهر أنّي كنت بريئا مما نسبوني إليه.

وإن قلنا : إن قوله : (ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ) كلام امرأة العزيز ، فالمعنى : أني

__________________

(١) ينظر : الكشاف ٢ / ٤٧٩.

(٢) ذكره الرازي في «تفسيره» (١٨ / ١٢٣).

(٣) ينظر : الفخر الرازي (١٨ / ١٢٣).

١٢٩

ولو أدخلت الذنب عليه عند حضوره ، لكنني لم أدخل الذنب عليه عند غيبته ؛ لأني لم أقل فيه وهو في السجن خلاف الحقّ ، ثم إنها بالغت في تأكيد هذا القول وقالت : (وَأَنَّ اللهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَ) ، أي : لما أقدمت على الكيد ، والمكر ، لا جرم افتضحت ؛ فإنه لمّا كان بريئا ، لا جرم أظهره الله ـ عز وعلا ـ.

قال صاحب هذا القول : والذي يدلّ على صحّته : أنّ يوسف ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ ما كان حاضرا في ذلك المجلس حتّى يقال : لمّا ذكرت المرأة قولها : (الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ) ، ففي تلك الحالة قال يوسف : (ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ) ، بل يحتاج فيه إلى أن يرجع الرسول عن ذلك المجلس إلى السجن ، ويذكر تلك الحكاية.

ثم إنّ يوسف يقول ابتداء : (ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ) ومثل هذا الوصل بين الكلامين الأجنبيين ، ما جاء ألبتة في نثر ولا نظم ؛ فعلمنا أن هذا من تمام كلام المرأة.

قال القرطبي (١) : وهو متصل بقول امرأة العزيز : (الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ) أي : أقررت بالصدق ؛ (لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ) بالكذب عليه ، ولم أذكره بسوء ، وهو غائب ، بل صدقت ، وزجرت عنه الخيانة ، ثم قالت : (وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي) ؛ بل أنا راودته ، وعلى هذا هي كانت مقرة بالصانع ؛ ولهذا قالت : (إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ).

وقيل : (ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ) ، من قول العزيز ، وإنّي لم أغفل عن مجازاته على أمانته.

(وَأَنَّ اللهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَ) معناه : إنّ الله لا يهدي الخائنين بكيدهم.

فصل

دلّت هذه الآية على طهارة يوسف ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ من الذنب من وجوه :

الأول : أن الملك لما أرسل إلى يوسف ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ وطلبه ، فلو كان يوسف متهما بفعل قبيح ، وقد كان صدر منه ذنب ، وفحش ؛ لاستحال بحسب العرف والعادة ، أن يطلب من الملك أن يفحص عن تلك الواقعة ، وكان ذلك سعيا منه في فضيحة نفسه ، وفي حمل الأعداء على أن يبالغوا في إظهار عيوبه.

والثاني : أنّ النسوة شهدن في المرة الأولى بطهارته ، ونزاهته ، (وَقُلْنَ حاشَ لِلَّهِ ما هذا بَشَراً إِنْ هذا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ) ، وفي المرة الثانية : (قُلْنَ حاشَ لِلَّهِ ما عَلِمْنا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ).

__________________

(١) ينظر : الجامع لأحكام القرآن ٩ / ١٣٧.

١٣٠

والثالث : أنّ امرأة العزيز اعترفت في المرة الأولى بطهارته ، حيث قالت : (وَلَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ) ، وفي المرة الثانية قولها : (الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ) ، وهذا إشارة إلى أنّه صادق في قوله : «هي راودتني عن نفسي».

والرابع : قول يوسف (ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ).

قال ابن الخطيب (١) : «والحشويّة يذكرون أنّه لما قال هذا الكلام ، قال جبريل ـ عليه‌السلام ـ : ولا حين هممت (٢) ، وهذا من رواياتهم الخبيثة ، وما صحّت هذه الرواية في كتاب معتمد ، بل هم يلحقونها بهذا الموضع سعيا منهم في تحريف ظاهر القرآن».

والخامس : قوله (وَأَنَّ اللهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَ) ، يقتضي أن الخائن لا بدّ أن يفتضح ، فلو كان خائنا ، لوجب أن يفتضح ؛ ولما خلصه الله من هذه الورطة ، دلّ ذلك على أنه لم يكن من الخائنين.

ووجه آخر : وهو أنّ ـ في هذا الوقت ـ تلك الواقعة صارت مندرسة ، فإقدامه في قوله (ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ) ، مع أنّه [خانه](٣) بأعظم وجوه الخيانة وأقدم على فاحشة عظيمة ، وعلى كذب عظيم من غير أن يتعلق به مصلحة بوجه ما ، والإقدام على مثل هذه الوقاحة من غير فائدة أصلا ؛ لا يليق بأحد من العقلاء ، فكيف يليق إسناده إلى سيّد العقلاء ، وقدوة الأصفياء (٤) ، فثبت أنّ هذه الآية تدلّ دلالة قطعيّة على براءته مما يقول الجهّال.

قوله تعالى : (وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي) الآية اعلم أنّ تفسير هذه الآية يختلف باختلاف ما قبلها ؛ لأنّه إن قلنا قوله (ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ) ، كلام يوسف ، كان هذا ـ أيضا ـ كلام يوسف ، وإن قلنا : إنه من تمام كلام المرأة ، كان هذا ـ أيضا ـ كذلك ، وإذا قلنا : إنه من كلام يوسف ـ عليه الصلاة والسلام ، فقالوا : إنه ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ لما قال : (ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ) ، قال جبريل ـ عليه‌السلام ـ ولا حين هممت ، فعند هذا ، قال يوسف ـ عليه الصلاة والسلام ـ : (وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ) ، أي : بالزّنا ، (إِلَّا ما رَحِمَ رَبِّي) أي عصم ، (إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ) للهمّ الذي همّ به ، «رحيم» ، أي لو فعلته ، لتاب عليّ.

قال ابن الخطيب (٥) ـ رحمه‌الله ـ : «هذا ضعيف ؛ فإنّا بينا في الآية الأولى برهانا قاطعا على براءته من الذنب».

__________________

(١) ينظر : الفخر الرازي ١٨ / ١٢٤.

(٢) في ب : همت.

(٣) في ب : خائن.

(٤) في ب : الضعفاء.

(٥) ينظر : الفخر الرازي ١٨ / ١٢٥.

١٣١

فإن قيل : ما جوابكم عن هذه الآية؟.

فنقول : فيه وجهان :

الأول : أنه ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ لما قال (ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ) ، كان ذلك جاريا مجرى المدح لنفسه ، وتزكيتها ؛ وقال ـ سبحانه ـ (فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ) [النجم : ٣٢] فاستدركه على نفسه بقوله : (وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي) ، والمعنى : فلا أزكّي نفسي ؛ (إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ) ، ميّالة إلى القبائح ، راغبة في المعصية.

الثاني : أنّ الآية لا تدلّ ألبتة على شيء مما ذكروه ؛ لأنّ يوسف ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ لما قال : (ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ) ، بيّن أنّ ترك الخيانة ما كان لعدم الرغبة ، ولعدم ميل النفس ، والطبيعة ؛ لأنّ النفس أمّارة بالسوء ، توّاقة إلى اللذات ، فبيّن بهذا الكلام أن ترك الخيانة ، ما كان لعدم الرغبة ، بل لقيام الخوف من الله ـ تعالى ـ. وإذا قلنا : إنّ هذا الكلام من بقية كلام المرأة ، ففيه وجهان :

الأول : (وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي) ، عن مراودته ، ومرادها تصديق يوسف في قوله : (هِيَ راوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي).

والثاني : أنها لما قالت : (ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ) ، قالت (وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي) ، من الخيانة مطلقا ؛ فإنّي قد خنته حين أحلت الذنب عليه (١) ، وقلت : «ما جزاء من أراد بأهلك سوء إلّا أن يسجن أو عذاب أليم» ؛ وأودعته في السّجن ، كأنّها أرادت الاعتذار مما كان.

فإن قيل : أيّهما أولى ، جعل هذا الكلام كلاما ليوسف ، أم جعله كلاما للمرأة.

قلنا : جعله كلاما ليوسف مشكل ؛ لأنّ قوله : (قالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ) كلام موصول بعضه ببعض إلى آخره ، فالقول بأنّ بعضه كلام المرأة ، والبعض كلام يوسف ، مع تخلّل الفواصل الكثيرة بين القولين ، وبين المجلسين بعيد.

فإن قيل : جعله كلاما للمرأة مشكل أيضا ؛ لأن قوله (وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا ما رَحِمَ رَبِّي) كلام لا يحسن صدوره إلّا ممّن احترز عن المعاصي ، ثم يذكر هذا الكلام على سبيل كسر النّفس ، ولا يليق ذلك بالمرأة التي استفرغت جهدها في المعصية.

قوله : (إِلَّا ما رَحِمَ رَبِّي) فيه أوجه :

أحدها : أنه مستثنى من الضمير المستكنّ في «أمّارة» كأنه قيل : إن النفس لأمارة بالسوء إلّا نفسا رحمها ربّي ، فيكون أراد بالنفس الجنس ؛ فلذلك ساغ الاستثناء منها ؛ لقوله تعالى : (إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) [العصر : ٢ ، ٣] وإلى

__________________

(١) سقط من : ب.

١٣٢

هذا نحا الزمخشريّ ـ رحمه‌الله ـ فإنه قال : «إلا البعض الذي رحمه ربّي بالعصمة ؛ كالملائكة».

وفيه نظر ؛ من حيث إيقاع «ما» على من يعقل ، والمشهور خلافه.

قال ابن الخطيب (١) : «ما» بمعنى «من» أي : إلا من رحم ربي ، و «ما» و «من» كلّ واحد منهما يقوم مقام الآخر ؛ قال تعالى : (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ) [النساء : ٣] ، وقال : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى أَرْبَعٍ) [النور : ٤٥].

والثاني : أنّ «ما» في معنى الزمان ؛ فيكون مستثنى من الزمن العامّ المقدر ، والمعنى : إنّ النّفس لأمارة بالسوء في كل وقت وأوان ، إلّا ـ وقت رحمة ـ ربّي إيّاها بالعصمة. ونظره أبو البقاء بقوله : (فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ) إلا أن يصدقوا [النساء : ٩٢] ، وقد تقدّم [النساء : ٩٢] أنّ الجمهور لا يجيزون أن تكون «أن» واقعة موقع ظرف الزمان.

والثالث : أنه مستثنى من مفعول «أمّارة» ، أي : لأمّارة صاحبها بالسّوء إلا الذي رحمه‌الله ، وفيه إيقاع «ما» على العاقل.

والرابع : أنه استثناء منقطع ، قال ابن عطيّة : وهو قول الجمهور. وقال الزمخشريّ : ويجوز أن يكون استثناء منقطعا ، أي : ولكن رحمة ربي التي تصرف الإساءة ؛ كقوله : (وَلا هُمْ يُنْقَذُونَ إِلَّا رَحْمَةً مِنَّا) [يس : ٤٣ ، ٤٤].

فصل في أن الإيمان والطاعات لا يحصلان للعبد إلا برحمة الله له

هذه الآية تدل على أن الطاعات والإيمان لا يحصلان إلا من الله تعالى ؛ لقوله ـ تعالى ـ : (إِلَّا ما رَحِمَ رَبِّي) فدلّ ذلك على أنّ انصراف النفس من السوء لا يكون إلا برحمة الله ، ودلّت الآية على أنّ من حصلت تلك الرحمة له ، حصل ذلك الانصراف ، ولا يمكن تفسير هذه الرحمة بإعطاء العقل ، والقدرة ، والألطاف ، كما قاله القاضي (٢) ـ رحمه‌الله ـ ؛ لأنّ كلّ ذلك مشترك بين الكافر والمؤمن ، فوجب تفسيرها بشيء آخر ، وهو ترجيح داعية الطاعة على داعية المعصية.

قوله تعالى : (وَقالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنا مَكِينٌ أَمِينٌ (٥٤) قالَ اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ) (٥٥)

قوله تعالى : (وَقالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي).

لما تبيّن للملك عذر يوسف وعرف أمانته وعلمه ، قال : (ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي) ، أي : أجعله خالصا لنفسي.

__________________

(١) ينظر : الفخر الرازي ١٨ / ١٢٥.

(٢) ينظر : الفخر الرازي ١٨ / ١٢٦.

١٣٣

قال القرطبيّ (١) : «انظر إلى قول الملك أولا حين تحقّق علمه : «ائتوني به» ، فقط فلمّا فعل يوسف ما فعل ، قال ثانيا : (ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي) والاستخلاص : طلب خلوص الشّيء من شوائب الإشراك».

قال القرطبي (٢) : «أستخلصه» جزم ؛ لأنه جواب الأمر ؛ وهذا يدل على أنّ قوله : (ذلِكَ لِيَعْلَمَ) ، جرى في السجن ، ويحتمل أنه جرى عند الملك ، ثم قال في مجلس آخر : (ائْتُونِي بِهِ) ؛ تأكيدا.

واختلفوا في هذا الملك ، فقيل : هو العزيز ، وقيل : هو الملك الأكبر. وهذا هو الأظهر لوجهين :

الأول : لقول يوسف ـ عليه الصلاة والسلام ـ : (اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ).

الثاني : أن قوله : (أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي) يدلّ على أنه قبل ذلك ، ما كان خالصا له (٣) ، وكان خالصا للعزيز ، فدلّ ذلك على أنّ هذا الملك هو الملك الأكبر.

قوله : (فَلَمَّا كَلَّمَهُ) ، يجوز أن يكون الفاعل ضمير الملك ، والمفعول ضمير يوسف ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ وهو الظاهر ؛ لأنّ مجالس الملوك لا يحسن لأحد أن يبدأ فيها بالكلام ، وإنما الملك هو الذي يبدأ ، ويجوز العكس ، وفي الكلام اختصار تقديره : فجاء الرسول يوسف ، فقال له : أجب الملك الآن.

فصل

روي أنّه قام ، ودعا لأهل السّجن ، فقال : اللهمّ اعطف عليهم قلوب الأخيار ، ولا تعمّ عليهم الأخبار ، فهم أعلم النّاس بالأخبار في كل بلد.

فلما خرج من السّجن ، كتب على السجن : هذا قبر الأحياء ، وبيت الأحزان ، وتجربة الأصدقاء ، وشماتة الأعداء ، ثمّ اغتسل ، وتنظّف من درن السّجن ، ولبس ثيابا حسنة وقصد الملك.

وقال وهب ـ رحمه‌الله ـ : كان يوسف ـ يومئذ ـ ابن ثلاثين سنة ، ولما دخل عليه دعا ، وقال : اللهمّ إني أسألك بخيرك من خيره ، وأعوذ بعزّتك وقدرتك من شرّه ، ثمّ سلّم عليه بالعربيّة ، فقال الملك : ما هذا اللسان؟ قال : لسان عمّي ، إسماعيل ، ثم دعا له بالعبرانيّة ، فقال : ما هذا اللسان؟ قال : لسان آبائي : إبراهيم ، وإسحاق ، ويعقوب ، وكان الملك يتكلّم بسبعين لسانا ، وكلّما كلّم يوسف بلسان ، أجابه بذلك اللسان ؛ فأعجب الملك أمره ، وكان يوسف إذ ـ ذاك ـ ابن ثلاثين سنة ، فلما رآه الملك حدثا شابّا ، قال

__________________

(١) ينظر : الجامع لأحكام القرآن ٩ / ١٣٨.

(٢) ينظر : الجامع لأحكام القرآن ٩ / ١٣٩.

(٣) في ب : لنفسه.

١٣٤

للشرابي : هذا هو الذي علم تأويل رؤياي؟ قال : نعم ، فأقبل على يوسف ، فقال الملك : أحبّ أن أسمع منك تأويل رؤياي شفاها.

فأجابه بذلك الجواب شفاها ، وشهد قلبه بصحته ؛ فعند ذلك قال له الملك : (إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنا مَكِينٌ أَمِينٌ) يقال : فلان مكين عند فلان ، بيّن المكانة ، أي : المنزلة ، وهي حالة يتمكن بها صاحبها مما يريد ، وقوله : «أمين» أي : قد عرفنا أمانتك ، وبراءتك مما نسبت إليه.

واعلم أن قوله : «أمين» كلمة جامعة لكلّ ما يحتاج إليه من الفضائل ، والمناقب ؛ وذلك لأنّه لا بدّ في كونه أمينا من القدرة والعلم ، أما القدرة ؛ فلأن يحصل بها المكنة ، وأما العلم ؛ فلأنّ كونه متمكّنا من أفعال الخير لا يحصل إلّا به ، إذ لو لم يكن عالما بما ينبغي ، وبما لا ينبغي ، لا يمكن تخصيص بيان ما ينبغي بالفعل ، ولا تخصيص ما لا ينبغي بالتّرك ؛ فثبت أنّ كونه مكينا لا يحصل إلّا بالقدرة والعلم ، وأما كونه أمينا ، فهو عبارة عن كونه لا يفعل الفعل لداعي الشّهوة ، وإنّما يفعله لداعي الحكمة ، فثبت أنّ كونه مكينا أمينا يدلّ على كونه قادرا ، وعلى كونه عالما بمواضع الصّلاح ، والفساد ، وعلى كونه يفعل لداعي الحكمة ، لا لداعي الشّهوة ، وكل من كان كذلك ، فإنّه لا يصدر عنه فعل السّوء والفحشاء.

ثم حكى ـ سبحانه وتعالى ـ أنّ يوسف عليه الصلاة والسلام ـ قال في هذا المقام : (اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ) قال المفسرون : لمّا عبّر يوسف رؤيا الملك بين يديه ، قال له الملك : فما ترى أيّها الصديق؟ فقال : أرى أن تزرع في هذه السنين المخصبة زرعا كثيرا ، وتبني الخزائن ، وتجمع فيها الطّعام ، فإذا جاءت السنون المجدبة بعت الغلات ، فيحصل بهذا الطريق مال عظيم ، فقال الملك : ومن لي بهذا الشّغل؟ فقال يوسف : (اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ) ، أي : على خزائن أرض مصر. أدخل الألف واللام على الأرض والمراد منه المعهود السابق.

روى ابن عبّاس ـ رضي الله عنهما ـ عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنّه قال : «رحم الله أخي يوسف ، لو لم يقل : اجعلني على خزائن الأرض لاستعمله من ساعته لكنّه لمّا قال ذلك أخّره عنه سنة» (١).

قال ابن الخطيب (٢) : «وهذا من العجائب ؛ لأنه لما تأبّى عن الخروج من السّجن ، سهّل الله عليه ذلك على أحسن الوجوه ، ولما سارع في ذكر هذا الالتماس ، أخّر الله ذلك

__________________

(١) قال الحافظ ابن حجر في «تخريج الكشاف» (٤ / ٩٠) : أخرجه الثعلبي عن ابن عباس من رواية إسحاق بن بشر عن جويبر عن الضحاك به وهذا إسناد ساقط.

وأخرجه البغوي في «تفسيره» (٢ / ٤٣٢) من طريق الثعلبي.

(٢) ينظر : الفخر الرازي ١٨ / ١٢٨.

١٣٥

المطلوب عنه ، وهذا يدلّ على أنّ ترك التّصرف ، والتفويض إلى الله ـ تعالى ـ أولى.

فإن قيل : لم طلب يوسف الإمارة ، والنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال لعبد الرّحمن بن سمرة : «يا عبد الرّحمن: لا تسأل الإمارة»؟.

وأيضا : فكيف طلب الإمارة من سلطان كافر؟ وأيضا : لم لم يصبر مدّة فأظهر الرغبة في طلب الإمارة؟ وأيضا : لم طلب أمر الخزائن في أوّل الأمر ، مع أنّ هذا يورث نوع تهمة؟ وأيضا : كيف مدح نفسه بقوله : (إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ) مع أنه ـ تعالى ـ قال : (فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ) [النجم : ٣٢] ، وأيضا : ما الفائدة في قوله : (إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ)؟ ولم لم يقل : إن شاء الله ـ تعالى ـ ؛ لقوله تعالى (وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) [الكهف : ٢٣ ـ ٢٤]؟.

فالجواب : أن الأصل في جواب هذه المسألة : أنّ التّصرف في أمور الخلق كان واجبا عليه فجاز له أن يتوصل إليه بأي طريق كان إنما قلنا إن ذلك التصرف كان واجبا عليه (١) لوجوه :

الأول : أنه كان رسولا حقّا من الله ـ تعالى ـ إلى الخلق ، والرسول تجب عليه مصالح الأمة بقدر الإمكان.

والثاني : أنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ علم بالوحي أنّه سيحصل القحط والضيق (٢) الشديد ، الذي ربّما أفضى إلى هلاك الخلق ، فلعلّه ـ تعالى ـ أمره بأن يدبّر في ذلك الوقت ، ويأتي بطريق في آجله يقلّ ضرر ذلك القحط في حق الخلق.

الثالث : أنّ السّعي في إيصال النفع إلى المستضعفين ، ودفع الضرر عنهم ـ أمر مستحسن في العقول.

وإذا ثبت هذا ، فنقول : إنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان مكلّفا برعاية المصالح من هذه الوجوه ، وما كان يمكنه رعايتها إلّا بهذا الطريق ، وما لا يتمّ الواجب إلا به ، فهو واجب ، فكان هذا الطريق واجبا ، ولمّا كان واجبا ، سقطت الأسئلة بالكلية.

وأما ترك الاستثناء ، فقال الواحديّ : «كان ذلك من خطيئة أوجبت عقوبة وهو أنه ـ تعالى ـ أخّر عنه حصول ذلك المقصود سنة».

قال ابن الخطيب (٣) : «لعلّ السبب فيه أنه لو ذكر هذا الاستثناء ، لاعتقد الملك فيه أنه ذكره لعلمه بأنه لا قدرة له على ضبط هذه المصلحة كما ينبغي ؛ فلأجل هذا المعنى ترك الاستثناء».

__________________

(١) سقط من : ب.

(٢) في ب : والفسق.

(٣) ينظر : الفخر الرازي ١٨ / ١٢٩.

١٣٦

وأما قوله لم مدح نفسه؟ فجوابه من وجوه :

الأول : لا نسلّم أنه مدح نفسه ، بل بيّن كونه موصوفا بهاتين الصفتين الوافيتين بحصول هذا المطلوب ، فاحتاج إلى ذكر هذا الوصف ؛ لأنّ الملك ـ وإن علم كماله في علوم الدين ـ ما كان عالما بأنه يفي بهذا الأمر.

ثم نقول : هب أنّه مدح نفسه ، إلّا أنّ مدح النفس لا يكون مذموما ؛ إلا إذا قصد به الرجل التّطاول ، والتفاخر ، والتوصل إلى ما لا (١) يحلّ ، وأمّا على هذا الوجه ، فلا نسلّم أنه يحرم ، وقوله تعالى (فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ) [النجم : ٢٣] ، المراد منه : تزكية النفس وهو يعلم كونها غير زكيّة ؛ ويدلّ عليه قوله تعالى ـ بعده : (هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى) [النجم : ٢٣] أما إذا كان عالما بأنه صدق ، فهو غير ممنوع منه ، والله أعلم.

وأما القول : ما الفائدة في وصف نفسه بأنه حفيظ عليم؟.

قلنا : إنه جار مجرى أن يقول : حفيظ بجميع الوجوه التي منها يمكن الرجل تحصيل المال ، عليم بالجهات التي تصلح لأن يصرف المال إليها ، أو حفيظ للخزائن عليم بوجوه مصالحها أو كاتب حاسب ، أو حفيظ لما استودعتني ، عليم بما وليتني (٢) ، أو حفيظ للحساب ، عليم بالألسن ، أعلم لغة من يأتيني.

وقال الكلبيّ : «حفيظ بتقديره في السّنين الخصبة ، عليم بوقت الجوع حين يقع في الأرض الجدبة» (٣).

فقال الملك : من أحقّ به منك فولّاه ذلك ، وقال له : (إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنا مَكِينٌ أَمِينٌ): ذو مكانة ومنزلة ، أمين على خزائن الأرض.

قوله تعالى : (وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْها حَيْثُ يَشاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنا مَنْ نَشاءُ وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (٥٦) وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ) (٥٧)

قوله تعالى : (وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ) الآية قال المفسرون : لما التمس من الملك أن يجعله على خزائن الأرض ، لم يذكر الله عن الملك أنه قال : قد فعلت ؛ بل قال : (وكذلك مكنا ليوسف في الأرض) ؛ فقال المفسرون : في الكلام محذوف تقديره : قال الملك : قد فعلت ؛ لأنّ تمكين الله له في الأرض يدلّ على أن الملك قد أجابه ما سأل.

قال ابن الخطيب (٤) : «وما قالوه حسن ، إلا أنّ هاهنا ما هو أحسن منه ، وهو أنّ ما

__________________

(١) سقط من : ب.

(٢) في ب : كانت من سبب.

(٣) ذكره البغوي في «تفسيره» (٢ / ٤٣٢).

(٤) ينظر : الفخر الرازي ١٨ / ١٢٩.

١٣٧

أجابه الملك في عالم الظاهر ، وأمّا المؤثر الحقيقيّ ، فليس إلّا أنه ـ تعالى ـ هو الذي مكّنه في الأرض ، وذلك ؛ لأنّ الملك كان متمكنا من القبول والرد فنسبة قدرته إلى القبول والرد (١) على التّساوي وما دام يبقى هذا التّساوي ، يمتنع حصول القبول ، فلا بدّ وأن يرجح القبول على الردّ في خاطر ذلك الملك ؛ وذلك لأنّ الترجيح لا يكون إلّا بمرجع يخلقه الله ـ تعالى ـ وإذا خلق الله ذلك المرجح ، حصل القبول لا محالة ، فالتمكين ليوسف في الأرض ليس إلّا من خلق الله ـ تعالى ـ بمجموع القدرة والدّاعية الجازمة التي عند حصولها ، يجب ألّا يؤخّر هذا السبب ، فترك الله إجابة الملك ، واقتصر على ذكر التّمكين الإلهي ؛ لأنّ المؤثّر الحقيقيّ ليس إلا هو».

قوله : «وكذلك» الكاف منصوبة بالتمكين ، و «ذلك» إشارة إلى ما تقدم أي : ومثل ذلك الإنعام الذي أنعمنا عليه في تقريبنا إياه من قلب الملك ، وإنجائنا إياه من غمّ الحبس ، (مكنا له في الأرض).

وقوله «ليوسف» يجوز في هذه اللام أن تكون متعلقة ب «مكّنّا» على أن يكون مفعول «مكّنّا» محذوفا ، تقديره : مكنا ليوسف الأمور ، أو على أن يكون المفعول به «حيث» ، كما سيأتي ، ويجوز أن تكون زائدة عند من يرى ذلك.

وقد تقدّم أنّ الجمهور يأبون ذلك إلّا في موضعين.

قوله «يتبوّأ» جملة حالية من «يوسف» ، و «منها» يجوز أن تتعلّق ب «يتبوّأ» ، وأجاز أبو البقاء : أن يتعلق بمحذوف ، على أنّها حال من «حيث» ، و «حيث» يجوز أن يكون ظرفا ل «يتبوّأ» ، ويجوز أن يكون مفعولا به وقد تقدم تحقيقه في الأنعام.

وقرأ ابن كثير (٢) : «نشاء» بالنّون على أنّها نون العظمة لله تعالى.

وجوّز أبو البقاء : أن يكون الفاعل ضمير يوسف ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ قال : «لأنّ مشيئته من مشيئة الله ـ عزوجل» ؛ وفيه نظر ؛ لأن نظم الكلام يأباه.

والباقون : بالياء على أنه ضمير يوسف ، ولا خلاف في قوله : «نصيب برحمتنا من نشاء» ، أنّها بالنون.

وجوّز أبو حيّان (٣) : أن يكون الفاعل في قراءة الياء ضمير الله تعالى ، ويكون التفاتا. ومعنى (يَتَبَوَّأُ مِنْها) أي : ينزل منها حيث يشاء ويصنع فيها ما يشاء (٤).

__________________

(١) سقط من : ب.

(٢) ينظر : السبعة ٣٤٩ والحجة ٤ / ٤٢٨ وإعراب القراءات السبع ١ / ٣١٢ وحجة القراءات ٣٦٠ والإتحاف ٢ / ١٤٩ والمحرر الوجيز ٣ / ٢٥٦ والبحر المحيط ٥ / ٣١٨ والدر المصون ٤ / ١٩٣.

(٣) ينظر : البحر المحيط ٥ / ٣١٨.

(٤) سقط من : ب.

١٣٨

فصل

روى الزمخشريّ : أنّ الملك أخرج خاتم الملك ، ووضعه في أصبعه ، وقلّده سيفه ، ووضع له سريرا من ذهب مكلّلا بالدّرّ والياقوت ، فقال يوسف ـ عليه الصلاة والسلام ـ أما السرير ، فأشدّ به ملكك ، وأما الخاتم ، فأدبّر به أمرك ، وأمّا التّاج ، فليس من لباسي ، ولا لباس آبائي ، وجلس على السّرير ، ودان له القوم ، وأنّ قطفير زوج المرأة مات بعد ذلك ، وزوج يوسف راعيل امرأة قطفير ، فلما دخل عليها قال : أليس هذا خيرا مما طلبت؟ فوجدها عذراء ، فأصابها ، فولدت له إفرائيم ، وميشا ، وأقام العدل بمصر ، وأحبه الرجال والنساء ، وأسلم على يديه الملك ، وكثير من النّاس ، وفوّض الملك أمر مصر إلى يوسف.

قال وهب ، والسديّ ، وابن عبّاس ، وغيرهم : ثم دخلت السنون المخصبة ، فأمر يوسف بإصلاح الزراع ، وأمرهم أن يتوسّعوا في الزراعة ، فلما أدركت الغلة أمر بها فجمعت ، ثم بنى لها المخازن ، فجمعت فيها في تلك السنة غلة ضاقت عنها المخازن ؛ لكثرتها ، ثم جمع غلّة كلّ سنة كذلك ، حتى انقضت السبع المخصبة ، وجاءت السنون المجدبة ، فنزل جبريل ـ عليه‌السلام ـ وقال : يا أهل مصر : جوعوا فإنّ الله سلّط عليكم الجوع سبع سنين ، فجعل الناس ينادون : الجوع الجوع ، وأباع من أهل مصر في سنين القحط بالدراهم والدنانير في السنة الأولى ، وبالحليّ والجواهر في السنة الثانية ، ثم بالدّوابّ ، ثم بالضياع ، ثم بالعقار ، ثم ترقّى بهم حتّى استرقّهم ؛ فقالوا : والله ، ما رأينا ملكا أعظم ثباتا من هذا ، فلما صار كلّ الخلق عبيدا له ، قال : إنّي أشهد الله أنّي أعتقت أهل مصر عن آخرهم ، ورددت عليهم أملاكهم ، وكان لا يبيع من أحد ممن يطلب الطعام أكثر من حمل ؛ لئلا يضيق الطعام عن الباقين (١).

فصل

قال ابن عبّاس ـ رضي الله عنهما ـ : (نُصِيبُ بِرَحْمَتِنا مَنْ نَشاءُ) ، أي : بنعمتنا(٢).

(وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) يعني الصّابرين ، هذا في الدنيا ، (وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ) : ثواب الآخرة خير.

قال ابن الخطيب قوله تعالى : (وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) ؛ لأن إضاعة الأجر إما أن تكون للعجز ، أو للجهل ، أو للبخل ، والكلّ ممتنع في حقّ الله ـ سبحانه وتعالى ـ فكانت الإضاعة ممتنعة ، وهذه شهادة من الله ـ تعالى ـ على يوسف أنّه كان من المحسنين ، ولو صدق بأنه جلس بين شعبها الأربع لامتنع أن يقال إنه كان من المحسنين فهاهنا لزم إمّا تكذيب الله في حكمه على يوسف أنّه كان من المحسنين (٣) ؛ وهو عين الكفر أو لزوم

__________________

(١) ينظر : تفسير الرازي (١٨ / ١٣٠).

(٢) ذكره البغوي في «تفسيره» (٢ / ٤٣٣).

(٣) سقط من : ب.

١٣٩

تكذيب ما رووه عنه بأنّه جلس منها موضع الرجل من امرأته ؛ وهو عين الإيمان بالحقّ.

واعلم أنّ لفظ الخير قد يستعمل لكون أحد الخيرين أفضل من الآخر ؛ كما يقال : الجلاب خير من الماء ، وقد يستعمل لبيان كونه في نفسه خيرا من غير أن يكون المراد منه بيان التفضيل ؛ كما يقال : «الثّريد خير من عند الله ـ تعالى ـ».

يعني : الثّريد خير من الخيرات حصل من الله.

وإذا ثبت هذا فنقول : قوله : (وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ) إن حملناه على الوجه الأوّل ، لزم أن تكون ملاذّ الدنيا موصوفة بالخيرية أيضا ، وإذا حملت على الوجه الثاني ، لزم أن يقال : منافع الآخرة خيرات ، ولا شكّ أن قوله ـ تعالى ـ : (وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ) ، شرح حال يوسف ـ عليه الصلاة والسلام ـ ووجب أن يصدق في حقه أنّه من (الذين آمنوا وكانوا يتقون) ، وهذا تنصيص من الله ـ عزوجل ـ أنه كان في الزمن السّابق من المتقين ، وليس هاهنا زمن سابق ليوسف يحتاج إلى أنه كان فيه من المتّقين ، إلّا الوقت الذي قاله الله فيه: (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها) ، فكان هذا شهادة من الله تعالى ـ على أنّه ـ عليه‌السلام ـ كان في ذلك الوقت من المتّقين.

وأيضا : قوله تعالى : (وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) شهادة من الله ـ عزوجل ـ أنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ من المحسنين ، وقوله : (إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ) وكل هذه التأكيدات تبطل ما رووه عنه ، والله أعلم.

فصل

قال القاضي رحمه‌الله : قوله : (وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ) يدلّ على بطلان قول المرجئة الذين يزعمون أنّ الثواب يحصل في الآخرة لمن لم يتّق الكبائر.

وهذا ضعيف ؛ لأنا إن حملنا لفظ «خير» على التّفضيل ، لزم أن يكون الثّواب الحاصل للمتقين أفضل ، ولا يلزم ألا يحصل لغيرهم أصلا ، وإن حملناه على أصل معنى الخير ، فهذا يدلّ على حصول هذا الخير للمتقين ، ولا يدلّ على أنّ غيرهم لا يحصل له هذا الخير ، والله أعلم.

قوله تعالى : (وَجاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (٥٨) وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ قالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ أَلا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ (٥٩) فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلا تَقْرَبُونِ (٦٠) قالُوا سَنُراوِدُ عَنْهُ أَباهُ وَإِنَّا لَفاعِلُونَ) (٦١)

قوله : (وَجاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ) الآية.

وروي أنّ يوسف ـ عليه‌السلام ـ لا يشبع من طعام في تلك الأيّام ؛ فقيل له :

١٤٠