اللّباب في علوم الكتاب - ج ٩

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي

اللّباب في علوم الكتاب - ج ٩

المؤلف:

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي


المحقق: عادل أحمد عبد الموجود و علي محمّد معوّض
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-2298-3

الصفحات: ٥٩٩

وقال : شاهت الوجوه ، فلم يق مشرك إلّا ودخل في عينه وفمه ومنخريه منها. فانهزموا وردفهم المؤمنون يقتلونهم ويأسرونهم (١).

وقال قتادة وابن زيد : ذكر لنا أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أخذ يوم بدر ثلاث حصيات فرمى بحصاة في ميمنة القوم ، وبحصاة في ميسرة القوم ، وبحصاة بين أظهرهم ، وقال : شاهت الوجوه فانهزموا ، فذلك قوله : (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى)(٢) [الأنفال : ١٧].

إذ ليس في وسع أحد من البشر أن يرمي كفّا من الحصى إلى وجوه جيش ، فلا تبقى فيهم عين إلّا ويصيبها منه شيء. وقيل : المعنى : وما بلغت إذ رميت ولكن الله بلغ ، وقيل : وما رميت بالرّعب في قلوبهم إذ رميت بالحصاء ولكن الله رمى بالرّعب في قلوبهم حتى انهزموا.

القول الثاني : أنّها نزلت يوم خيبر. روي أنّه عليه الصّلاة والسّلام أخذ قوسا وهو على باب خيبر ، فرمى سهما ، فأقبل السّهم حتّى قتل ابن أبي الحقيق وهو على فراشه ، فنزلت الآية (٣).

القول الثالث : أنّها نزلت في يوم أحد ، وذلك أن أمية بن خلف أتى النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعظم رميم وقتّه ، وقال : يا محمّد ، من يحيي هذا وهو رميم؟ فقال عليه الصلاة والسلام : «يحيّيه الله يميتك ثم يحييك ثم يدخلك النّار» فأسر يوم بدر ، فلما افتدي قال لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إنّ عندي فرسا أعلفها كلّ يوم فرقا من ذرة كي أقتلك عليها.

فقال عليه‌السلام : «بل أنا أقتلك إن شاء الله» فلمّا كان يوم أحد أقبل أبيّ يركض على ذلك الفرس حتى دنا من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فاعترض له رجال من المسلمين ليقتلوه.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «استأخروا» ورماه بحربة فكسر ضلعا من أضلاعه ، فحمل فمات ببعض الطريق ففي ذلك اليوم نزلت الآية (٤).

والصّحيح أنّها نزلت في يوم بدر وإلّا لدخل في أثناء القصّة كلام أجنبي عنها ، وذلك لا يليق بل لا يبعد أن يدخل تحته سائر الوقائع ؛ لأنّ العبرة بعموم اللّفظ لا بخصوص السّبب.

__________________

(١) انظر معالم التنزيل للبغوي (٢ / ٢٣٧ ـ ٢٣٨.

(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٢٠٤) عن ابن زيد وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٣١٦ ـ ٣١٧) وعزاه إلى ابن أبي حاتم.

وأخرجه الطبري (٦ / ٢٠٣) عن قتادة وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٣١٦) وزاد نسبته إلى عبد الرزاق وابن المنذر.

(٣) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٣١٨) وعزاه إلى الطبري وابن أبي حاتم عن عبد الرحمن بن جبير.

(٤) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٢٠٤) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٣١٧) وزاد نسبته إلى عبد بن حميد وابن أبي حاتم.

٤٨١

فصل

ومعنى الآية : أنّ القبضة من الحصباء الّتي رميتها ، فأنت ما رميتها في الحقيقة ؛ لأنّ رميك لا يبلغ أثره إلا ما يبلغه رمي سائر البشر ، ولكن الله رماها حيث أنفذ أجزاء ذلك التراب وأوصلها إلى عيونهم ، فصورة الرمية صدرت من الرسول ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ وأثرها إنّما صدر من الله تعالى ، فلهذا المعنى صح فيه النفي والإثبات.

واحتج أهل السّنّة بهذه الآية على أن أفعال العباد مخلوقة لله تعالى ؛ لأنّ الله تعالى قال : (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللهَ قَتَلَهُمْ) [الأنفال : ١٧].

ومن المعلوم أنهم جرحوا ، فدلّ هذا على أن حدوث تلك الأفعال إنما حصل من الله تعالى.

وقوله : (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ) أثبت كونه عليه الصّلاة والسّلام راميا ونفى عنه كونه راميا ، فوجب حمله على أنه رماه كسبا وأنه ما رماه خلقا.

فإن قيل : أما قوله : (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللهَ قَتَلَهُمْ) فيه وجوه :

أحدها : أنّ قتل الكفّار إنما تيسّر بمعونة الله ونصره وتأييده ، فصحت هذه الإضافة.

وثانيها : أن الجرح كان إليهم وإخراج الروح كان إلى الله ، والتقدير : فلم تميتوهم ولكن الله أماتهم.

وأما قوله : (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى).

قال القاضي : قيل : فيه أشياء : منها أنّ الرمية الواحدة لا توجب وصول التّراب إلى عيونهم ، فكان وصول أجزاء التراب إلى عيونهم ليس إلّا بإيصال الله تعالى ، ومنها : أنّ التراب الذي رماه كان قليلا فيمتنع وصول ذلك القدر إلى عيون الكل ، فدل على أنّ الله تعالى ضمّ إليها سائر أجزاء التّراب ، فأوصلها إلى عيونهم. ومنها : أنّ عند رميه ألقى الله الرّعب في قلوبهم ، فكان المراد من قوله : (وَلكِنَّ اللهَ رَمى) هو أنه تعالى رمى قلوبهم بالرّعب.

فالجواب : أنّ كلّ ما ذكروه عدول عن الظّاهر ، والأصل في الكلام الحقيقة.

قوله : (وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ) متعلق بمحذوف ، أي : وليبلي فعل ذلك ، أو يكون معطوفا على علة محذوفة ، أي : ولكن الله رمى ليمحق الكفار ، وليبلي المؤمنين ، والبلاء في الخير والشّر ، قال زهير : [الوافر]

٢٦٨٩ ـ ..........

وأبلاهما خير البلاء الّذي يبلو (١)

والهاء في «منه» تعود على الظفر بالمشركين.

__________________

(١) تقدم.

٤٨٢

وقيل : على الرمي قالهما مكيّ ، والظّاهر أنها تعود على الله تعالى.

وقوله : «بلاء» يجوز أن يكون اسم مصدر ، أي : إبلاء ، ويجوز أن يكون أريد بالبلاء نفس الشيء المبلو به ، والمراد من هذا البلاء الإنعام أي : ولينعم على المؤمنين نعمة عظيمة بالنصر والغنيمة والأجر.

قال القاضي (١) : ولو لا أنّ المفسرين اتفقوا على حمل البلاء هنا على النعمة ، وإلّا لكان يحتمل المحنة بالتكليف فيما بعده من الجهاد ثمّ قال تعالى (إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ) لدعائكم «عليم» بنيّاتكم.

قوله : «ذلكم» يجوز فيه الرفع على الابتداء أي : ذلكم الأمر ، والخبر محذوف قاله الحوفيّ ، والأحسن أن يقدّر الخبر ذلكم البلاء حق وحتم.

وقيل : هو خبر مبتدأ ، أي : الأمر ذلكم ، وهو تقدير سيبويه.

وقيل : محلّه نصب بإضمار فعل أي : فعل ذلكم ، والإشارة ب «ذلكم» إلى القتل والرمي والإبلاء.

قوله : (وَأَنَّ اللهَ) يجوز أن يكون معطوفا على : «ذلكم» فيحكم على محلّه بما يحكم على محلّ : «ذلكم» ، وأن يكون في محلّ نصب بفعل مقدّر أي : واعلموا أنّ الله ، وقد تقدم ما في ذلك.

وقال الزمخشريّ : «إنّه معطوف على : «وليبلي» والمعنى : أنّ الغرض إبلاء المؤمنين ، وتوهين كيد الكافرين». وقرأ ابن عامر (٢) والكوفيون : «موهن» بسكون الواو وتخفيف الهاء ، من «أوهن» ك : أكرم ، ونوّن «موهن» غير حفص ، وقرأ الباقون : «موهّن» بفتح الواو ، وتشديد الهاء ، والتنوين ، ف «كيد» منصوب على المفعول به في قراءة غير حفص ، ومخفوض في قراءة حفص ، وأصله النّصب وقراءة الكوفيين جاءت على الأكثر ؛ لأن ما عينه حرف حلق غير الهمزة تعديته بالهمزة ولا يعدّى بالتّضعيف إلّا كلم محفوظ نحو : وهّنته وضعّفته.

فصل

توهين الله كيدهم يكون بأشياء :

بإطلاع المؤمنين على عوراتهم.

وإلقاء الرعب في قلوبهم وتفريق كلمتهم.

ونقض ما أبرموا بسبب اختلاف عزائمهم.

__________________

(١) ينظر : تفسير الفخر الرازي ١٥ / ١١٣.

(٢) ينظر : السبعة ص (٣٠٤ ـ ٣٠٥) ، الحجة ٤ / ١٢٧ ، حجة القراءات ص (٣٠٩) ، إعراب القراءات ١ / ٢٢٢ ، إتحاف ٢ / ٧٨ ، النشر ٢ / ٢٧٦.

٤٨٣

قال ابن عبّاس : ينبىء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ويقول : إنّي قد أوهنت كيد عدوك حتى قتلت خيارهم وأسرت أشرافهم (١).

قوله تعالى : (إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئاً وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ)(١٩)

قوله : (إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ) قال الحسن ، ومجاهد ، والسّدّي : إنه خطاب للكافرين ، وذلك أنّ أبا جهل قال يوم بدر : اللهم ، انصر أفضل الفريقين وأحقّه بالنّصر.

وروي (٢) أنه قال : اللهم ، أينا كان أقطع للرّحم وأفجر ؛ فأهلكه الغداة (٣).

وقال السدي : «لمّا أراد المشركون الخروج إلى بدر تعلّقوا بأستار الكعبة وقالوا : اللهمّ انصر أعلى الجندين وأهدى الفئتين وأكرم الحزبين وأفضل الدينين ، فأنزل الله تعالى : (إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ) أي : تستنصروا لإحدى القبيلين ، فقد جاءكم النصر» (٤).

وقال آخرون : المعنى : إن تستقضوا فقد جاءكم القضاء.

قال عبد الرحمن بن عوف : إني لفي الصّف يوم بدر ، فالتفت ، فإذا عن يميني وعن يساري فتيان حديثا السّنّ وكأني لم آمن لمكانهما ، فتمنيت أن أكون بين أضلع منهما ، إذ قال لي أحدهما سرّا من صاحبه ، أي عم أرني أبا جهل ، فقلت : يا ابن أخي ما تصنع به؟.

قال : عاهدت الله إن رأيته أن أقتله ، أو أموت دونه ، وقال لي الآخر سرّا من صاحبه مثله ، فما سرّني أنني بين رجلين مكانهما فأشرت لهما عليه ، فشدّا عليه مثل الصقرين حتّى ضرباه ، وهما ابنا عفراء (٥).

وقال عكرمة : قال المشركون : والله ما نعرف ما جاء به فافتح بيننا وبينه بالحق ،

__________________

(١) ذكره الفخر الرازي في «التفسير الكبير» (١٥ / ١١٤) عن ابن عباس.

(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٢٠٦) عن عطية وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٣١٨) وزاد نسبته إلى ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم.

وذكره الرازي في «تفسيره» (١٥ / ١١٤) عن الحسن ومجاهد والسدي.

(٣) أخرجه أحمد (٥ / ٤٣١) والنسائي في «الكبرى» (٦ / ٣٥٠) والحاكم (٢ / ٣٢٨) والبيهقي في «دلائل النبوة» (٣ / ٧٤) من طريق ابن شهاب الزهري عن عبد الله بن ثعلبة بن أبي صعير به.

وقال الحاكم : صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٣١٨) وزاد نسبته إلى ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ وابن مردويه وابن منده.

(٤) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٢٠٦) عن السدي.

(٥) أخرجه البخاري (٧ / ٣٥٨) كتاب المغازي ب (١٠) حديث (٣٩٨٨) ومسلم (٣ / ١٣٧٢) كتاب الجهاد والسير : باب استحقاق القاتل سلب القتيل.

٤٨٤

فأنزل الله تعالى : (إِنْ تَسْتَفْتِحُوا) الآية ، أي : إن تستفتحوا فقد جاءكم القضاء (١).

وقال أبيّ بن كعب : هذا خطاب لأصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال الله للمسلمين : (إِنْ تَسْتَفْتِحُوا) أي تستنصروا فقد جاءكم الفتح والنصر (٢). روى قيس عن خباب قال : شكونا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو متوسّد بردة له في ظل الكعبة ، فقلنا له : ألا تدعو الله لنا ، ألا تستنصر لنا ، فجلس محمرّ الوجه ، فقال لنا : «لقد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض ثمّ يجاء بالمنشار فيجعل فوق رأسه ثمّ يجعل نصفين ما يصرفه عن دينه ، ويمشّط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه ما يصرفه عن دينه ، والله ليتمّنّ الله هذا الأمر حتّى يسير الرّاكب منكم من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله ، ولكنّكم تستعجلون» (٣).

قال القاضي : وهذا القول أولى ؛ لأن قوله «فقد جاءكم الفتح» لا يليق إلا بالمؤمنين اللهم إلّا أن يحمل الفتح على الحكم والقضاء ، فيمكن أن يراد به الكفار.

قوله : (وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ).

فإن قلنا : إن ذلك الخطاب للكفار ، كان المعنى وإن تنتهوا عن قتال الرّسول وعداوته ؛ فهو خير لكم في الدّين بالخلاص من العقاب ، وفي الدّنيا بالخلاص من القتل والأسر والنّهب.

(وَإِنْ تَعُودُوا) إلى القتال : «نعد» أي : إلى تسليطه عليكم : (وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ) كثرة الجموع كما لم يغن ذلك يوم بدر.

وإن قلنا ذلك خطاب للمؤمنين كان المعنى : إن تنتهوا عن المنازعة في أمر الأنفال وتنتهوا عن طلب الفداء على الأسرى ، فقد كان وقع بينهم نزاع يوم بدر في هذه الأشياء حتى عاتبهم الله بقوله : (لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ) [الأنفال : ٦٨].

فقال تعالى (وَإِنْ تَنْتَهُوا) عن مثله : (فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا) أنتم إلى تلك المنازعات «نعد» إلى ترك نصرتكم ؛ لأن الوعد بنصركم مشروط بشرط استمراركم على الطّاعة ، وترك المخالطة ثمّ لا تنفعكم الفئة والكثرة ، فإنّ الله لا يكون إلّا مع المؤمنين الذين لا يرتكبون الذنوب.

قوله : (وَلَنْ تُغْنِيَ) قرأ الجمهور بالتّاء من فوق ، لتأنيث الفئة.

__________________

(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٢٠٥) وذكره البغوي في «معالم التنزيل» (٢ / ٢٣٩).

وذكره أيضا السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٣١٨) وزاد نسبته إلى عبد بن حميد وابن المنذر.

(٢) انظر تفسير البغوي (٢ / ٢٣٩).

(٣) أخرجه البخاري (٧ / ٢٠٢) كتاب مناقب الأنصار : باب ما لقي النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه من المشركين بمكة حديث (٣٨٥٢) والبغوي في «شرح السنة» (٧ / ٩٥) وفي «تفسيره» (٢ / ٢٣٩).

٤٨٥

وقرىء (١) «ولن يغني» بالياء من تحت لأن تأنيثه مجازي ، وللفصل أيضا. (وَلَوْ كَثُرَتْ) هذه الجملة الامتناعية حالية ، وقد تقدّم تحقيق ذلك.

قوله : (وَأَنَّ اللهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ) قرأ نافع ، وابن عامر (٢) ، وحفص عن عاصم ، بالفتح.

والباقون : بالكسر ، فالفتح من أوجه :

أحدها : أنه على لام العلّة تقديره : ولأنّ الله مع المؤمنين كان كيت وكيت.

والثّاني : أن التقدير : ولأنّ الله مع المؤمنين امتنع عنادهم

والثالث : أنه خبر مبتدأ محذوف أي : والأمر أنّ الله مع المؤمنين ، وهذا الوجه الأخير يقرب في المعنى من قراءة الكسر لأنه استئناف.

قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ (٢٠) وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قالُوا سَمِعْنا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ (٢١) إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ (٢٢) وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ) (٢٣)

قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ) الآية.

لمّا خاطب المؤمنين بقوله : (وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) أتبعه بتأديبهم فقال : (أَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ) ولم يبين ماذا يسمعون إلّا أنّ الكلام من أول السورة إلى ههنا لما كان واقعا في الجهاد علم أن المراد وأنتم تسمعون دعاءه إلى الجهاد.

قوله (وَلا تَوَلَّوْا) الأصل : تتولّوا فحذف إحدى التّاءين ، وقد تقدّم الخلاف في أيتهما المحذوفة.

وقوله : (وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ) جملة حالية ، والضمير في «عنه» يعود على الرّسول ؛ لأنّ طاعته من طاعة الله.

وقيل : يعود على الله ، وهذا كقوله تعالى : (وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ) [التوبة : ٦٢] وقيل : يعود على الأمر بالطّاعة.

قوله : (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قالُوا سَمِعْنا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ) أي : لا تكونوا كالذين يقولون بألسنتهم إنّا قبلنا تكاليف الله تعالى : ثمّ إنّهم بقلوبهم لا يقبلونها ، وهذه صفة المنافقين.

قوله : (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ).

__________________

(١) ينظر : الكشاف ٢ / ٢٠٨.

(٢) ينظر : السبعة ص (٣٠٥) ، الحجة للقراء السبعة ٤ / ١٢٨ ، حجة القراءات ص (٣١٠) ، إعراب القراءات ١ / ٢٢٣ ، إتحاف ٢ / ٧٨ ، النشر ٢ / ٢٧٦.

٤٨٦

قيل : شبّههم بالدّواب لجهلهم ، وعدولهم عن الانتفاع بما يسمعونه وبما يقولونه ، ولذلك وصفهم بالصّمّ والبكم ، وبأنهم لا يعقلون.

وقيل : سمّاهم دوابا لقلة انتفاعهم بعقولهم كما قال : (أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُ) [الأعراف : ١٧٩].

قال ابن عبّاس : هم نفر من عبد الدار بن قصي كانوا يقولون نحن صمّ بكم عمي عمّا جاء به محمّد ؛ فقتلوا جميعا بأحد وكانوا أصحاب اللّواء ، ولم يسلم منهم إلّا رجلان : مصعب بن عمير ، وسويد بن حرملة (١).

وقيل : بل هم من الدّواب ؛ لأنه اسم لما يدبّ على الأرض ولم يذكره في معرض التّشبيه ، بل وصفهم بصفة تليق بهم على طريقة الذّمّ ، كما يقال لمن لا يفهم الكلام : هو شبح وجسد وطلل على طريقة الذمّ.

وإنّما جمع على جهة الذّم وهو خبر «شرّ» لأنه يراد به الكثرة ، فجمع الخبر على المعنى. ولو كان الأصم لكان الإفراد على اللّفظ ، والمعنى على الجمع.

قوله : (الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ) يجوز رفعه أو نصبه على القطع.

قوله : (وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ) سماع الفهم والقبول ، ولو أسمعهم بعد أن علم أنه لا خير فيهم ما انتفعوا بذلك ، ولتولّوا وهم معرضون لعناهم وجحودهم الحقّ بعد ظهوره.

وقيل : إنهم كانوا يقولون للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أحي لنا قصيّا فإنّه كان شيخا مباركا حتى نشهد لك بالنّبوّة من ربك فقال الله ـ عزوجل ـ : (وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ) كلام قصيّ : (لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ).

فصل

اعلم أنّه تعالى حكم عليهم بالتّولي عن الدلائل ، وبالإعراض عن الحق ، وأنّهم لا يعقلونه البتّة ولا ينتفعون به ألبتّة ، وإذا كان كذلك وجب أن يكون صدور الإيمان منهم محالا ؛ لأنّه لو صدر منهم الإيمان ، لكان إمّا أن يوجد إيمانهم مع بقاء هذا الخبر صدقا ، أو مع انقلابه كذبا ، والأول محال ؛ لأنّ وجود الإيمان مع الإخبار عن عدم الإيمان يكون جمعا بين النّقيضين وهو محال ، والثاني محال ؛ لأن انقلاب خبر الله الصدق كذبا محال ، لا سيّما في الزّمان المنقضي وهكذا القول في انقلاب علم الله جهلا ، كما تقدّم تقريره.

__________________

(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٢١٠) والبخاري (٨ / ١٥٨) كتاب التفسير : باب إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون حديث (٤٦٤٦) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٣١٩) وزاد نسبته إلى الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس.

٤٨٧

فصل

قال النّحاة : كلمة «لو» وضعت للدلالة على انتفاء الشيء لانتفاء غيره.

فإذا قلت : لو جئتني لأكرمتك ، أفاد أنّه ما حصل المجيء ، وما حصل الإكرام ، ومن الفقهاء من قال : إنّه يفيد الاستلزام ، فأمّا الانتفاء لأجل انتفاء الغير ، فلا يفيده هذا اللّفظ ، ويدل عليه الآية والخبر.

أمّا الآية فهذه وتقريره : أنّ كلمة «لو» لو أفادت ما ذكروه لكان قوله : (وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ) يقتضي أنّه تعالى ما علم خيرا وما أسمعهم ، ثمّ قال (وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ) فيكون معناه : أنه ما أسمعهم ، وأنهم ما تولّوا لكن عدم التولي خير من الخيرات ، فأوّل الكلام يقتضي نفي الخير ، وآخره يقتضي حصول الخير ، وذلك متناقض.

فثبت القول : بأنّه لو كانت كلمة : «لو» تفيد انتفاء الشّيء لانتفاء غيره لوجب هذا التناقض ؛ فوجب أن لا يصار إليه.

وأمّا الخبر فقوله عليه الصلاة السلام : «نعم الرّجل صهيب لو لم يخف الله لم يعصه» (١) فلو كانت لفظة «لو» تفيد ما ذكروه لصار المعنى أنّه خاف الله وعصاه ، وذلك متناقض.

__________________

(١) ذكره الشيخ علي القاري في «الأسرار المرفوعة» رقم (٨١٠١١) وقال : اشتهر في كلام الأصوليين وأصحاب المعاني وأهل العربية ، فبعضهم يرويه عن عمر ، وبعضهم يرفعه.

قال السخاويّ : ورأيت بخط شيخنا ـ يعني العسقلاني ـ أنه ظفر به في «مشكل الحديث» لابن قتيبة ، ولم يذكر له ابن قتيبة سندا ، وقال : أراد أن صهيبا إنما يطيع الله حبّا له لا لمخافة عقابه. انتهى.

وقال السبكي في «شرح التلخيص» لم أر هذا الكلام في شيء من كتب الحديث لا مرفوعا ولا موقوفا ولا عن النبي عليه الصلاة والسلام ولا عن عمر مع شدة التفحص عنه. وقال الشمني في «حاشية المغني» عن والده أنه رأى بخطه ما صورته : رأيت الحافظ أبا بكر بن العربي نسبه إلى عمر بن الخطاب إلّا أنه لم يبدله إسنادا. وقال العراقي : لا أصل لهذا الحديث ولم أقف له على إسناد قط في شيء من كتب الحديث. وبعض النحاة ينسبونه إلى عمر بن الخطاب من قوله ، ولم أر إسنادا إلى عمر.

وقال الدماميني في «حاشيته على المغني» وقفت في «الحلية» لأبي نعيم على حديث في ترجمة سالم مولى حذيفة من طريق عمر قال : سمعت رسول الله عليه الصلاة والسلام يقول : إن سالما شديد الحب لله عزوجل لو كان لا يخاف الله ما عصاه. انتهى ذكره ابن أبي شريف في حاشية «شرح جمع الجوامع». قال : وفي سنده ابن لهيعة. انتهى.

وقال الزركشي : لا أصل لهذا الحديث لكن في «الحلية» من حديث ابن عمر مرفوعا : «إن سالما شديد الحب لله لو لم يخف الله ما عصاه».

وقال الحافظ السيوطي في «شرح نظم التلخيص» : كثر سؤال الناس عن حديث «نعم العبد صهيب لو لم يخف الله لم يعصه» ونسبه بعضهم إلى النبي عليه الصلاة والسلام ، ونسبه ابن مالك في شرح «الكافية» وغيره إلى عمر ، قال الشيخ بهاء الدين السبكي : لم أر هذا الكلام في شيء من كتب الحديث لا مرفوعا ولا موقوفا لا عن عمر ولا عن غيره ، مع شدة التفحص عنه انتهى.

٤٨٨

فثبت أنّ كلمة «لو» لا تفيد انتفاء الشيء لانتفاء غيره ، وإنّما تفيد مجرد الاستلزام ، وهذا دليل حسن إلّا أنّه خلاف قول الجمهور.

قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَ رْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٢٤) وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (٢٥) وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآواكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)(٢٦)

قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ) الآية.

قال أبو عبيدة ، والزجاج : «استجيبوا» معناه : أجيبوا ؛ وأنشدوا قول الغنوي : [الطويل]

٢٦٩٠ ـ ..........

فلم يستجبه عند ذاك مجيب (١)

وهذه الآية تدلّ على أنّ الأمر يفيد الوجوب ؛ لأنها تدل على أنه لا بدّ من الإجابة في كل ما دعاه الله إليه.

فإن قيل : قوله (اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ) أمر. فلم قلتم : إنّه على الوجوب؟ وهل النّزاع إلا فيه ، فيرجع حاصل هذا الكلام إلى إثبات أنّ الأمر للوجوب بناء على أنّ هذا الأمر يفيد الوجوب فيقتضي إثبات الشيء بنفسه ، وهو محال.

فالجواب : أنّ من المعلوم بالضّرورة أنّ كل ما أمر الله به فهو مرغب فيه مندوب إليه ، فلو حملنا قوله «استجيبوا» على هذا المعنى كان ذلك جاريا مجرى إيضاح الواضحات وهو عبث ، فوجب حمله على فائدة زائدة ، وهي الوجوب صونا لهذا النصّ عن التعطيل.

ويؤيده ما روى أبو هريرة أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم مرّ على باب أبي بن كعب فناداه وهو في الصّلاة فعجل في صلاته ثم جاء فقال : «ما منعك عن إجابتي»؟ فقال : كنت أصلّي ، فقال : «أليس الله يقول : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ) فلامه على ترك الإجابة متمسكا بهذه الآية (٢).

__________________

(١) عجز بيت لكعب بن سعد الغنوي أو لرجل من قومه يسمى سهم الغنوي وصدره :

وداع دعا يا من يجيب إلى النّدى

 ...

ينظر مجاز القرآن ١ / ٦٧ ، ١١٧ ، ٢٤٥ والنوادر لأبي زيد ٣٧ والأصمعيات ٩٦ وتأويل المشكل (٢٣٠) وزاد المسير ١ / ١٨٦ واللسان (جوب) وأمالي القالي ٢ / ١٥١ والاقتضاب ٤٥٩ ومعاني الزجاج ١ / ٢٥٥ ، ٢ / ٤٠٩ ، والحجة لأبي علي ١ / ٢٦٥ ومعاني الأخفش ١ / ٢٠٨.

(٢) أخرجه النسائي (٢ / ١٣٩) والبيهقي (٢ / ٣٦٨) والحاكم (١ / ٥٥٨) والترمذي (٥ / ١٨٤) والطحاوي في «مشكل الآثار» (١ / ٤٦٧) والطبري في «تفسيره» (٦ / ٢١٢) من طريق العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة.

وقال الترمذي : حسن صحيح.

٤٨٩

فإن قيل : مسألة الأمر ـ يفيد الوجوب ـ مسألة قطعيّة ، فلا يجوز التمسك فيها بخبر الواحد.

فالجواب : لا نسلم أنّ مسألة الأمر ـ يفيد الوجوب ـ مسألة قطعية ، بل هي ظنيّة ؛ لأن المقصود منها العمل ، والدلائل الظنية كافية في العمل.

فإن قيل : إنّ الله تعالى ما أمر بالإجابة مطلقا ، بل بشرط خاص ، وهو قوله : (إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ) فلم قلتم إنّ هذا الشرط الخاص حاصل في جميع الأوامر؟.

فالجواب : أنّ قصة أبي تدلّ على أنّ هذا الحكم عام ليس مخصصا بشرط معين ، وأيضا فلا يمكن حمل الحياة ههنا على نفس الحياة ؛ لأنّ إحياء الحيّ محال ؛ فوجب حمله على شيء آخر وهو الفوز بالثواب ، وكل ما دعا الله إليه ورغب فيه مشتمل على الثواب ، فكان هذا الحكم عاما في جميع الأوامر.

فصل

في المراد بقوله : (لِما يُحْيِيكُمْ) وجوه :

أحدها : قال السّديّ : هو الإيمان والإسلام وفيه الحياة (١) ، وقال قتادة : يعني القرآن فيه الحياة والنّجاة (٢). وقال مجاهد : هو الحق (٣).

وقال ابن إسحاق : الجهاد أعزكم الله فيه بعد الذّلّ ، وقال القتيبيّ : الشّهادة ، قال تعالى : (بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) [آل عمران : ١٦٩].

قوله (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ) قال الواحديّ حكاية عن ابن عباس ، والضحاك : يحول بين المرء الكافر وطاعته ، ويحول بين المطيع ومعصيته ، فالسّعيد من أسعده الله ، والشقيّ من أضله الله ، والقلوب بيده يقلبها كيف يشاء (٤).

وقال السّديّ : يحول بين الإنسان وقلبه ، فلا يستطيع أن يؤمن ولا أن يكفر إلا بإذنه (٥).

وقال سعيد بن جبير ، وعطاء : يحول بين المؤمن والكفر وبين الكافر والإيمان (٦).

وقيل : إنّ القوم لمّا دعوا إلى القتال في حالة الضعف ساءت ظنونهم واختلجت

__________________

(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٢١١) وذكره البغوي في «معالم التنزيل» (٢ / ٢٤٠).

(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٢١٢) وانظر معالم التنزيل للبغوي (٦ / ٢١١).

(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٢١٣).

(٤) أخرجه الطبري (٦ / ٢١٤) والحاكم (٢ / ٣٢٨) عن ابن عباس وقال الحاكم : صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٣٢٠) وزاد نسبته إلى ابن أبي شيبة وحنيش بن أصرم في الاستقامة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ وأخرجه الطبري أيضا (٦ / ٢١٤) عن الضحاك. وذكره البغوي في «معالم التنزيل» (٢ / ٢٤١).

(٥) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٢١٥) وذكره البغوي في «معالم التنزيل» (٢ / ٢٤١).

(٦) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٢١٣) وانظر معالم التنزيل (٢ / ٢٤١) وأخرجه الطبري أيضا عن ابن عباس (٦ / ٢١٣ ـ ٢١٤).

٤٩٠

صدورهم ، فقيل لهم : قاتلوا في سبيل الله ، واعلموا أنّ الله يحول بين المرء وقلبه فيبدل الله الخوف أمنا ، والجبن جراءة.

قوله : «بين المرء» العامّة على فتح الميم.

وقرأ ابن أبي (١) إسحاق : بكسرها على إتباعها لحركة الهمزة ، وذلك أن في : «المرء» لغتين : أفصحهما : فتح الميم مطلقا ، والثانية : إتباع الميم لحركة الإعراب فتقول : هذا مرء ـ بضم الميم ، ورأيت مرءا ـ بفتحها ، ومررت بمرء ـ بكسرها ، وقرأ الحسن (٢) ، والزهري : بفتح الميم وتشديد الرّاء. وتوجيهها : أن يكون نقل حركة الهمزة إلى الرّاء ، ثم ضعّف الراء ، وأجرى الوصل مجرى الوقف.

قوله «وأنّه» يجوز أن تكون الهاء ضمير الأمر والشأن ، وأن تعود على الله تعالى ، وهو الأحسن لقوله : (إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) أي إلى الله ؛ ولا تتركون مهملين.

قوله (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ).

في «لا» وجهان :

أحدهما : أنّها ناهية ، وعلى هذا ، فالجملة لا يجوز أن تكون صفة ل «فتنة» لأنّ الجملة الطلبية لا تقع صفة ، ويجوز أن تكون محمولة لقول ، ذلك القول هو الصّفة أي : فتنة مقولا فيها : لا تصيبن ، والنّهي في الصورة للمصيبة ، وفي المعنى للمخاطبين ، وهو في المعنى كقولهم : لا أرينّك ههنا ، أي : لا تتعاطوا أسبابا يصيبكم بسببها مصيبة لا تخص ظالمكم ، ونون التوكيد على هذا في محلّها ، ونظير إضمار القول قوله : [الرجز]

٢٦٩١ ـ جاءوا بمذق هل رأيت الذّئب قط (٣)

أي مقول فيها ما رأيت.

والثاني : أن «لا» نافية ، والجملة صفة ل «فتنة» وهذا واضح من هذه الجهة إلّا أنّه يشكل عليه توكيد المضارع في غير قسم ، ولا طلب ، ولا شرط ، وفيه خلاف : هل يجري المنفي ب «لا» مجرى النّهي؟ فقال بعضهم : نعم ؛ واستشهد بقوله : [الطويل]

٢٦٩٢ ـ فلا الجارة الدّنيا بها تلحينّها

ولا الضّيف فيها إن أناخ محوّل (٤)

__________________

(١) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٥١٤ ، البحر المحيط ٤ / ٤٧٧ ، الدر المصون ٣ / ٤١٠.

(٢) المصدر السابق.

(٣) عجز بيت ينسب للعجاج وليس في ديوانه وصدره :

حتى إذا جنّ الظلام واختلط

 ..........

ينظر : أمالي الزجاجي (٢٣٣) والمغني ١ / ٢٤٦ والمقرب ١ / ٢٢٠ والخزانة ٢ / ١٠٩ والدرر ٢ / ١٤٨ والهمع ٢ / ١١٧ وأوضح المسالك ٣ / ٣١٠ والأشموني ٣ / ٦٤ ، ٩٩ والعيني ٤ / ٦١ والإنصاف ١ / ١١٥ والارتشاف ٢ / ٨٣١ والدر المصون ٣ / ٤١١.

(٤) البيت للنمر بن تولب ينظر : الأشموني ٣ / ٤١٨ والمغني ١ / ٢٤٧ والكافية الشافية ٣ / ١٤٠٤ وجمهرة القرشي ٢ / ٥٤٦ والدر المصون ٣ / ٤١١.

٤٩١

وقال الآخر : [الطويل]

٢٦٩٣ ـ فلا ذا نعيم يتركن لنعيمه

وإن قال قرّظني وخذ رشوة أبى

ولا ذا بئيس يتركنّ لبؤسه

فينفعه شكو إليه إن اشتكى (١)

فإذا جاز أن يؤكد المنفيّ ب «لا» مع انفصاله ، فلأن يؤكّد المنفيّ غير المفصول بطريق الأولى إلّا أنّ الجمهور يحملون ذلك على الضرورة.

وزعم الفرّاء أنّ : (لا تُصِيبَنَّ) جواب للأمر نحو : انزل عن الدّابة لا تطرحنّك ، أي : إن تنزل عنها لا تطرحنك ، ومنه قوله تعالى (لا يَحْطِمَنَّكُمْ) [النمل : ١٨] أي : إن تدخلوا لا يحطمنّكم ، فدخلت النّون لما فيه من معنى الجزاء.

قال أبو حيان (٢) : وقوله (لا يَحْطِمَنَّكُمْ) وهذا المثال ، ليس نظير (فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ) ؛ لأنه ينتظم من المثال والآية شرط وجزاء كما قدّر ، ولا ينتظم ذلك هنا ، ألا ترى أنه لا يصحّ تقدير : إن تتقوا فتنة لا تصب الذين ظلموا ، لأنه يترتّب على الشرط غير مقتضاه من جهة المعنى.

قال الزمخشريّ (٣) : (لا تُصِيبَنَّ) لا يخلو إمّا أن يكون جوابا للأمر ، أو نهيا بعد أمر ، أو صفة ل «فتنة» فإن كان جوابا فالمعنى : إن أصابتكم لا تصيب الظّالمين منكم خاصة بل تعمّكم.

قال أبو حيان «وأخذ الزمخشريّ قول الفرّاء ، وزاده فسادا وخبّط فيه» فذكر ما نقلته عنه ثم قال : «فانظر إليه كيف قدّر أن يكون جوابا للأمر الذي هو : «اتّقوا» ثمّ قدّر أداة الشرط داخلة على غير مضارع «اتقوا»؟ فقال المعنى : إن أصابتكم يعني : الفتنة. وانظر كيف قدّر الفرّاء : انزل عن الدّابّة لا تطرحنّك ، وفي قوله : (ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ) [النمل : ١٨] فأدخل أداة الشّرط على مضارع فعل الأمر ، وهكذا يقدّر ما كان جوابا للأمر».

وقيل : (لا تُصِيبَنَّ) جواب قسم محذوف ، والجملة القسمية صفة ل «فتنة» أي : فتنة والله لا تصيبنّ ، ودخول النّون أيضا قليل ، لأنه منفيّ.

وقال أبو البقاء (٤) «ودخلت النّون على المنفي في غير القسم على الشّذوذ» وظاهر هذا أنّه إذا كان النّفي في جواب القسم يطّرد دخول النّون ، وليس كذلك ، وقيل : إنّ اللام لام التّوكيد والفعل بعدها مثبت ، وإنّما أشبعت فتحة اللّام ؛ فتولّدت ألفا ، فدخول النّون

__________________

(١) البيتان لحسان السعدي ينظر : النوادر (٣٥٨) ، والبحر المحيط ٤ / ٤٧٧ والدر اللقيط ٤ / ٤٨٣ والدر المصون ٣ / ٤١١.

(٢) ينظر : البحر المحيط ٤ / ٤٧٨.

(٣) ينظر : الكشاف ٢ / ٢١١.

(٤) ينظر : الإملاء لأبي البقاء ٢ / ٥.

٤٩٢

فيها قياس ، وتأثر هذا القائل بقراءة جماعة كثيرة «لتصيبنّ» وهي قراءة أمير (١) المؤمنين ، وابن مسعود ، وزيد بن ثابت ، والباقر ، والربيع بن أنس ، وأبي العالية ، وابن جماز.

وممّن وجّه ذلك ابن جني ، والعجب أنه وجّه هذه القراءة الشّاذّة بتوجيه يردّها إلى قراءة العامّة ، فقال : «يجوز أن تكون قراءة ابن مسعود ، ومن ذكر معه مخففة من «لا» يعني حذفت ألف «لا» تخفيفا واكتفي بالحركة».

قال : «كما قالوا : أم والله ، يريدون : أما والله».

قال المهدويّ «كما حذفت من «ما» وهي أخت «لا» في نحو : أم والله لأفعلنّ وشبهه».

قوله «أخت لا» ليس كذلك ؛ لأنّ «أما» هذه للاستفتاح ، ك «ألا» ، وليست من النّافية في شيء ، فقد تحصّل من هذا أنّ ابن جني خرّج كلّا من القراءتين على الأخرى ، وهذا لا ينبغي أن يجوز ألبتّة ، كيف يورد لفظ نفي ، ويتأوّل بثبوت وعكسه؟ وهذا ممّا يقلب الحقائق ، ويؤدّي إلى التّعمية.

وقال المبرّد ، والفرّاء ، والزّجّاج : في قراءة العامّة «لا تصيبنّ» الكلام قد تمّ عند قوله : «فتنة» وهو خطاب عامّ للمؤمنين ، ثم ابتدأ نهي الظلمة خاصة عن التعرّض للظّلم فتصيبهم الفتنة خاصة ، والمراد هنا : لا يتعرّض الظّالم للفتنة فتقع إصابتها له خاصة.

قال الزمخشريّ في تقدير هذا الوجه : «وإذا كانت نهيا بعد أمر ؛ فكأنه قيل : واحذروا ذنبا أو عقابا.

ثم قيل : لا تتعرّضوا للظلم فيصيب العقاب أو أثر الذّنب من ظلم منكم خاصة».

وقال عليّ بن سليمان : هو نهي على معنى الدّعاء ، وإنّما جعله نهيا بمعنى الدّعاء لأنّ دخول النون في النفي ب «لا» عنده لا يجوز ، فيصير المعنى : لا أصابت الفتنة الظالمين خاصة ، واستلزمت الدّعاء على غير الظّالمين ، فصار التقدير : لا أصابت ظالما ولا غير ظالم فكأنّه قيل : واتقوا فتنة لا أوقعها الله بأحد.

وقد تحصّلت في تخريج هذه الكلمة أقوال : النّهي بتقديريه ، والدّعاء بتقديريه ، والجواب للأمر بتقديريه وكونها صفة بتقدير القول.

قوله : «منكم» فيه ثلاثة أوجه :

أظهرها : أنّها للبيان مطلقا ، والثاني : أنّها حال ، فيتعلّق بمحذوف.

وجعلها الزمخشريّ : للتبعيض على تقدير ، وللبيان على تقدير آخر ، فقال «فإن قلت : فما معنى «من» في قوله : (الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ)؟ قلت : التبعيض على الوجه الأوّل ،

__________________

(١) ينظر : الكشاف ٢ / ٢١٢ ، المحرر الوجيز ٢ / ٥١٦ ، البحر المحيط ٤ / ٤٧٧ ، الدر المصون ٣ / ٤١٢.

٤٩٣

والبيان على الثاني ؛ لأنّ المعنى : لا تصيبنّكم خاصة على ظلمكم ، لأن الظلم منكم أقبح من سائر النّاس» يعني بالأول كونه جوابا للأمر ، وبالثاني كونه نهيا بعد أمر ، وفي تخصيصه التبعيض بأحد الوجهين دون الآخر ، وكذا الثاني ، نظر ، إذ المعنى يصح بأحد التقديرين مع التّبعيض والبيان.

قوله : «خاصّة» فيه ثلاثة أوجه :

أظهرها : أنها حال من الفاعل المستكنّ في قوله : (لا تُصِيبَنَّ) وأصلها أن تكون صفة لمصدر محذوف ، تقديره : إصابة خاصة.

الثاني : أنّها حال من المفعول وهو الموصول ، تقديره : لا تصيبنّ الظّالمين خاصة ، بل تعمّهم ، وتعمّ غيرهم.

الثالث : أنها حال من فاعل «ظلموا» قاله ابن عطية. قال أبو حيان : «ولا يعقل هذا الوجه».

قال شهاب الدّين : «ولا أدري ما عدم تعقّله؟ فإنّ المعنى : واتقوا فتنة لا تصيبنّ الذين ظلموا ، ولا يظلم غيرهم ، بمعنى : أنّهم اختصوا بالظّلم ، ولم يشاركهم فيه غيرهم ، فهذه الفتنة لا تختصّ إصابتها لهؤلاء ، بل تصيبهم ، وتصيب من لم يظلم ألبتّة ، وهذا معنى واضح».

فإن قيل : إنّه تعالى خوّفهم بعذاب لو نزل عمّ المذنب ، وغيره ، وكيف يليق بالرحيم الحليم أن يوصل العذاب إلى من لم يذنب؟.

فالجواب : أنّه تعالى قد ينزل الموت ، والفقر ، والعمى ، والزمانة بعبده ابتداء ، إمّا لأنّه يحسن منه تعالى ذلك بحكم المالكيّة ، أو لأنّه تعالى علم اشتمال ذلك على نوع من أنواع الصلاح على اختلاف المذهبين.

فصل

روي عن الحسن قال : «نزلت في علي ، وعمار ، وطلحة ، والزبير ، وهو يوم الجمل خاصة» (١).

قال الزبير : «نزلت فينا وقرأناها زمانا وما ظننّا أنّا أهلها فإذا نحن المعنيّون بها» (٢).

وعن السدي «نزلت في أهل بدر واقتتلوا يوم الجمل» (٣).

__________________

(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٢١٦) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٣٢١) وزاد نسبته إلى ابن المنذر.

وذكره البغوي في «معالم التنزيل (٢ / ٢٤١).

(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٢١٧) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٣٢١) وزاد نسبته إلى ابن أبي شيبة وعبد بن حميد ونعيم بن حماد في «الفتن» وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ وابن مردويه عن الزبير.

(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٢١٧) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٣٢١) وزاد نسبته إلى أبي الشيخ وذكره البغوي في «معالم التنزيل» (٢ / ٢٤١).

٤٩٤

روي : أنّ الزّبير كان يسامر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوما إذ أقبل عليّ ـ رضي الله عنه ـ فضحك الزبير ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : كيف حبك لعليّ؟

فقال : يا رسول الله أحبّه كحبّي لولدي أو أشد.

فقال : كيف أنت إذا سرت تقاتله؟ وقال ابن عباس : «أمر الله المؤمنين ألّا يقرّوا المنكر بين أظهرهم فيعمهم الله بعذاب يصيب الظّالم وغير الظّالم» وقال عليه الصّلاة والسّلام : «إنّ الله لا يعذب العامّة بعمل الخاصّة حتّى يروا المنكر بين ظهرانيهم ، وهم قادرون على أن ينكروه فلا ينكروه فإذا فعلوا ذلك عذّب الله العامّة والخاصّة» (١).

وقال ابن زيد : «أراد بالفتنة افتراق الكلمة ، ومخالفة بعضهم بعضا» (٢).

روى أبو هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «تكون فتن القاعد فيها خير من القائم ، والقائم فيها خير من الماشي ، والماشي فيها خير من السّاعي ، من تشرّف لها تستشرفه فمن وجد ملجأ أو معاذا فليعذ به» (٣).

ثم قال : (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) ، والمراد منه الحث على لزوم الاستقامة.

قوله تعالى : (وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ) الآية.

في «إذ» ثلاثة أوجه ، أوضحها : أنّه ظرف ناصبه محذوف ، تقديره : واذكروا حالكم الثّابتة في وقت قلّتكم ، قاله ابن عطيّة.

والثاني : أنّه مفعول به.

قال الزمخشريّ : «نصب على أنّه مفعول به مذكور لا ظرف ، أي : اذكروا وقت كونكم أقلة أذلة» وفيه نظر ؛ لأنّ «إذ» لا يتصرّف فيها إلّا بما تقدّم ذكره ، وليس هذا منه.

الثالث : أن يكون ظرفا ل «اذكروا» قاله الحوفيّ ، وهو فاسد ؛ لأنّ العامل مستقبل ، والظّرف ماض فكيف يتلاقيان.

__________________

(١) أخرجه أحمد (٤ / ١٩٢) والطبراني في «الكبير» (١٧ / ١٣٨ ـ ١٣٩) وابن المبارك في «الزهد» ص (٤٧٦) والبغوي في «تفسيره» (٢ / ٢٤١) من طريق عدي بن عدي الكندي ثني مولى لنا أنه سمع جدي ... فذكره وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (٧ / ٢٧٠) وقال : أخرجه أحمد من طريقين إحداهما هذه ـ عدي بن عدي عن مجاهد عن مولى لنا عن جدي ـ والأخرى عن عدي بن عدي عن مولى لنا عن جدي وهو الصواب وكذلك رواه الطبراني وفيه رجل لم يسم وبقية رجال أحد الإسنادين ثقات.

وللحديث شاهد من حديث العرس بن عميرة.

ذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (٧ / ٢٧١) وقال : رواه الطبراني ورجاله ثقات.

(٢) ذكره البغوي في «معالم التنزيل» (٢ / ٢٤١).

(٣) أخرجه البخاري (٦ / ٧٠٨) كتاب المناقب : باب علامات النبوة في الإسلام حديث (٣٦٠٤) ومسلم (٤ / ٢٢١١ ـ ٢٢١٢) كتاب الفتن : باب نزول الفتن كمواقع القطر (١٠ / ٢٨٨٦) وأحمد (٢ / ٢٨٢) والبغوي في «شرح السنة» (٧ / ٤١٧) من حديث أبي هريرة.

٤٩٥

قوله «تخافون» فيه ثلاثة أوجه :

أظهرها : أنه خبر ثالث.

والثاني : أنّه صفة ل «قليل» وقد بدىء بالوصف بالمفرد ، ثم بالجملة.

الثالث : أن يكون حالا من الضّمير المستتر في «مستضعفون».

فصل

المعنى : واذكروا يا معشر المهاجرين : (إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ) في العدد : (مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ) أي : أرض مكّة في ابتداء الإسلام : «(تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ) تذهب بكم النّاس يعني كفار مكّة.

وقال عكرمة «كفّار العرب لقربهم منهم وشدة عداوتهم لهم» (١).

وقال وهب : «فارس والرّوم» (٢) «فآواكم» إلى المدينة «وأيّدكم بنصره» أي : قوّاكم يوم بدر بالأنصار. وقال الكلبيّ : «قوّاك يوم بدر بالملائكة» (وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ) يعني الغنائم أحلّها لكم ولم يحلها لأحد قبلكم.

ثم قال : (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) أي : نقلناكم من الشّدّة إلى الرّخاء ، ومن البلاء إلى النّعماء حتى تشتغلوا بالشكر والطاعة ، وتتركوا المنازعة والمخاصمة بسبب الأنفال.

قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٢٧) وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ)(٢٨)

قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ) الآية.

لمّا ذكر أنّه رزقهم من الطّيبات ، فههنا منعهم من الخيانة ، واختلفوا في تلك الخيانة.

فقال ابن عبّاس : نزلت في أبي لبابة حين بعثه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى قريظة لمّا حاصرهم وكان أهله وولده فيهم. فقالوا : ما ترى لنا ، أننزل على حكم سعد بن معاذ فينا؟ فأشار أبو لبابة إلى حلقه ، إنّه الذبح فلا تفعلوا ، فكان منه خيانة لله ورسوله (٣).

وقال السديّ «كانوا يسمعون الشيء من النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيفشونه ويبلغونه إلى المشركين فنهاهم الله عزوجل عن ذلك» (٤).

__________________

(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٢١٨) عن عكرمة وذكره البغوي في «معالم التنزيل» (٢ / ٢٤٢).

(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٢١٨ ـ ٢١٩) عن وهب وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٣٢٢) وزاد نسبته إلى عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن أبي حاتم وأبي الشيخ.

(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٢٢٠) عن عبد الله بن أبي قتادة وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٣٢٣) وزاد نسبته إلى سعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ.

وذكره البغوي في «معالم التنزيل» (٢ / ٢٤٢) عن الزهري والسدي.

(٤) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٢٢١) وذكره البغوي في «معالم التنزيل» (٢ / ٢٤٢).

٤٩٦

وقال ابن زيد : «نهاهم الله أن يخونوا كما صنع المنافقون يظهرون الإيمان ، ويسرون الكفر» (١).

وقال جابر بن عبد الله : «إنّ أبا سفيان خرج من مكّة فعلم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم خروجه ، وعزم على الذهاب إليه ، فكتب رجل من المنافقين إليه أنّ محمدا يريدكم ، فخذوا حذركم فنزلت الآية» (٢). وقال الكلبيّ والأصمّ والزهريّ : «نزلت في حاطب بن أبي بلتعة حين كتب إلى أهل مكّة لمّا همّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالخروج إليها» (٣).

فصل

قال أبو العباس المقرىء : ورد لفظ «الخيانة» في القرآن بإزاء خمسة معان :

الأول : أنّ المراد بالخيانة : الذّنب في الإسلام ، كهذه الآية ، لمّا نزلت في أبي لبابة.

الثاني : الخيانة : السرقة ، قال تعالى : (وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً) [النساء : ١٠٥] نزلت في طعمة ، لمّا سرق الدرعين.

الثالث : نقض العهد ، قال تعالى : (وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً) [الأنفال : ٥٨].

الرابع : الخيانة : المخالفة ، قال تعالى : (فَخانَتاهُما) أي : خالفتاهما في الدين ؛ لأنه يروى أنه ما زنت امرأة نبي قط.

الخامس : الخيانة : الزّنا ، قال تعالى : (وَأَنَّ اللهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَ) [يوسف : ٥٢] يعني : الزنا.

فصل

قال القاضي : «الأقرب : أنّ خيانة الله غير خيانة رسوله ، وخيانة الرّسول غير خيانة الأمانة ؛ لأنّ العطف يقتضي المغايرة».

وإذا عرف ذلك فنقول : إنّه تعالى أمرهم أن لا يخونوا الغنائم ، وجعل ذلك خيانة لله ؛ لأنّه خيانة لعطيته وخيانة لرسوله ؛ لأنه القيم بقسمها ، فمن خانها فقد خان الرّسول ، وهذه الغنيمة قد جعلها الله أمانة في أيدي الغانمين ، وألزمهم أن لا يتناولوا لأنفسهم منها شيئا فصارت وديعة.

والوديعة أمانة في يد المودع ، فمن خان منهم فيها فقد خان أمانة النّاس.

إذ الخيانة ضد الأمانة.

قال : ويحتمل أن يريد بالأمانة كل ما تعبد به ، وعلى هذا التقدير : فيدخل فيه

__________________

(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٢٢٢) عن ابن زيد.

(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٢٢٠) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٣٢٣) وزاد نسبته إلى ابن المنذر وأبي الشيخ.

(٣) ذكره الرازي في «تفسيره» (١٥ / ١٢٢) عن الكلبي والزهري. وذكر البغوي عنهما (٢ / ٢٤٢) أنها نزلت في أبي لبابة بن عبد المنذر الأنصاري.

٤٩٧

الغنيمة وغيرها ، فكان معنى الآية : إيجاب أداء التكاليف تامة كاملة.

قال ابن عباس : «لا تخونوا الله بترك فرائضه ، والرسول بترك سنته» (١)(وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ). قال ابن عباس : «هي ما يخفى عن أعين النّاس من فرائض الله تعالى» (٢) والأعمال التي ائتمن الله عليها العباد المذكورة في سبب النّزول داخلة فيها ، لكن لا يجب قصر الآية عليها لأنّ العبرة بعموم اللّفظ لا بخصوص السّبب.

قال الزمخشريّ «ومعنى الخون النقص ، كما أن معنى الوفاء التّمام ، ومنه تخوّنه إذا تنقصه ثم استعمل في ضد الأمانة ؛ لأنك إذا حنت الرّجل في شيء ، فقد أدخلت النّقصان فيه».

قوله : «وتخونوا» يجوز فيه أن يكون منصوبا بإضمار «أن» على جواب النّهي ، أي : لا تجمعوا بين الخيانتين.

كقوله : [الكامل]

٢٦٩٤ ـ لا تنه عن خلق وتأتي مثله

عار عليك إذا فعلت عظيم (٣)

والثاني : أن يكون مجزوما نسقا على الأوّل ، وهذا الثاني أولى ؛ لأن فيه النهي عن كلّ واحد على حدته بخلاف ما قبله فإنّه نهي عن الجمع بينهما ، ولا يلزم من النهي عن الجمع بين الشيئين النهي عن كلّ واحد على حدته ، وقد تقدّم تحريره في قوله : (وَتَكْتُمُوا الْحَقَ) [البقرة : ٤٢] أول البقرة.

و «أماناتكم» على حذف مضاف ، أي : أصحاب أماناتكم ، ويجوز أن يكونوا نهوا عن خيانة الأمانات مبالغة كأنّها جعلت مخونة.

وقرأ مجاهد (٤) ورويت عن أبي عمرو «أمانتكم» بالتّوحيد ، والمراد الجمع.

وقوله (وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) جملة حالية ، ومتعلّق العلم يجوز أن يكون مرادا أي : وأنتم تعلمون قبح ذلك أو أنكم مؤاخذون بها ، ويجوز ألّا يقدّر ، أي : وأنتم من ذوي العلم. والعلم يحتمل أن يكون على بابه ، وأن يكون بمعنى العرفان.

قوله : (وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ).

لمّا كان الدّاعي إلى الإقدام على الخيانة هو حب الأموال ، والأولاد ، نبّه تعالى على أنه يجب على العاقل أن يحترز عن المضار المتولدة من ذلك.

__________________

(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٢٢١ ـ ٢٢٢) وو ذكره البغوي في «معالم التنزيل» (٢ / ٢٤٣).

(٢) انظر المصادر السابقة.

(٣) ينسب البيت للأخطل والطرماح وحسان والمشهور أنه لأبي الأسود الدؤلي. ينظر : الكتاب ٣ / ٤٢ وشذور الذهب ٢٣٨ ، ٣١٢ والجنى الداني ١٥٧ والتصريح ٢ / ٢٣٨ وأوضح المسالك ٤ / ١٨١ والمؤتلف والمختلف ١٧٩ والمثل السائر ٣ / ٢٦٢ وشرح الحماسة للبحتري ١٧٣ والمقتضب ٢ / ٢٥ وابن يعيش ٧ / ٢٤ ، والمغني ١ / ٣٦١ ، والدر المصون ٣ / ٤١٤.

(٤) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٥١٨ ، البحر المحيط ٤ / ٤٨٠ ، الدر المصون ٣ / ٤١٤.

٤٩٨

فقال : (أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ) لأنّها تشغل القلب بالدّنيا.

ثم قال : (وَأَنَّ اللهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) أي : أنّ سعادة الآخرة خير من سعادات الدّنيا ، لأنّ سعادات الآخرة لا نهاية لها ، وسعادات الدنيا تفنى وتنقضي.

قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ)(٢٩)

قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً) الآية.

لمّا حذّر من الفتنة بالأموال ، والأولاد ، رغّب في التّقوى الموجبة لترك الميل ، والهوى في محبّة الأموال والأولاد.

فإن قيل : إدخال الشّرط في الحكم إنّما يحسن في حقّ من كان جاهلا بعواقب الأمور وذلك لا يليق بالله تعالى.

فالجواب : أنّ قولنا إن كان كذا كان كذا لا يفيد إلّا كون الشّرط مستلزما للجواب ، فأمّا أنّ وقوع الشّرط مشكوك فيه ، أو معلوم فذلك غير مستفاد من هذا اللّفظ ، سلّمنا أنّه يفيد هذا الشّك إلّا أنه تعالى يعامل العباد في الجزاء معاملة الشّاك ، وعليه يخرّج قوله تعالى (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ) [محمد : ٣١].

قال أبو العباس المقرىء : «الفرقان» على أربعة أوجه :

الأول : الفرقان النور ، كهذه الآية أي : يجعل لكم نورا في قلوبكم تفرّقون به بين الحلال والحرام.

والثاني : الحجة.

قال تعالى (وَإِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَالْفُرْقانَ) [البقرة : ٥٣] أي : الحجة.

الثالث : القرآن. قال تعالى (تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ) [الفرقان : ١] أي : القرآن.

الرابع : يوم بدر قال تعالى (يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ) [الأنفال : ٤١] أي : يوم بدر.

فصل

ومعنى الآية : إن تتّقوا الله بطاعته وترك معصيته يجعل لكم فرقانا.

قال مجاهد : «مخرجا في الدّنيا والآخرة من الضّلال» (١) وقال مقاتل : «مخرجا في الدّين من الشّبهات» (٢).

__________________

(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٢٢٣) عن مجاهد وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٣٢٤) وعزاه إلى ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وأبي الشيخ.

وذكره البغوي في «معالم التنزيل» (٢ / ٢٤٣).

(٢) انظر معالم التنزيل للبغوي (٢ / ٢٤٣).

٤٩٩

وقال عكرمة «نجاة» ، أي : يفرق بينكم وبين ما تخافون» (١).

وقال الضحاك : «بيانا» (٢).

وقال ابن إسحاق : «فصلا بين الحق والباطل. يظهر الله به حقكم ويطفىء باطل من خالفكم» قال مزرد بن ضرار : [الخفيف]

٢٦٩٥ ـ بادر الأفق أن يغيب فلمّا

أظلم اللّيل لم يجد فرقانا (٣)

وقال آخر : [الرجز]

٢٦٩٦ ـ ما لك من طول الأسى فرقان

بعد قطين رحلوا وبانوا (٤)

وقال آخر : [الطويل]

٢٦٩٧ ـ وكيف أرجّي الخلد والموت طالبي

وما لي من كأس المنيّة فرقان (٥)

والفرقان : مصدر كالرّجحان والنّقصان ، وتقدم الكلام عليه أول البقرة.

قوله تعالى : (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ)(٣٠)

قوله تعالى (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا) الآية.

هذا الظرف معطوف على الظّرف قبله ؛ لأنّ هذه السّورة مدنيّة ، وهذا المكر والقول إنما كان بمكّة ولكنّ الله ذكرهم بالمدينة لقوله تعالى : (إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ) [التوبة : ٤٠].

واعلم أنّه لمّا ذكّر المؤمنين بنعمه عليهم بقوله : (وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ) فكذلك ذكر رسوله بنعمه عليه وهو دفع كيد المشركين ومكر الماكرين.

قال ابن عبّاس ومجاهد وقتادة وغيرهم : إن قريشا فزعوا ـ لمّا أسلمت الأنصار ـ أن يتفاقم أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ؛ فاجتمع نفر من كبارهم في دار الندوة ليتشاوروا في أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وكانت رءوسهم عتبة ، وشيبه ابنا ربيعة ، وأبو جهل ، وأبو سفيان ، وطعيمة بن عدي ، والنضر بن الحارث ، وأبو البختري بن هشام ، وزمعة بن الأسود ، وحكيم بن حزام ، ونبيه ومنبه ابنا الحجاج ، وأمية بن خلف فاعترضهم إبليس في صورة شيخ ، فلما

__________________

(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٢٢٤) وذكره البغوي في «معالم التنزيل» (٢ / ٢٤٣) عن عكرمة.

(٢) انظر المصادر السابقة.

(٣) ينظر : المحرر الوجيز ٨ / ٤٧ ، البحر ٤ / ٤٨٠ ، الدر المصون ٣ / ٤١٤.

(٤) ينظر : المحرر الوجيز ٨ / ٤٧ ، الدر المصون ٣ / ٤١٤ والقرطبي ٧ / ٣٩٦.

(٥) ينظر : المحرر الوجيز ٨ / ٤٧ ، والبحر المحيط ٤ / ٤٨١ والدر اللقيط ٤ / ٤٨٦ والدر المصون ٣ / ٤١٤ وتفسير القرطبي ٧ / ٢٥١.

٥٠٠