اللّباب في علوم الكتاب - ج ٨

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي

اللّباب في علوم الكتاب - ج ٨

المؤلف:

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي


المحقق: عادل أحمد عبد الموجود و علي محمّد معوّض
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-2298-3

الصفحات: ٥٥٢

وثانيها : حكمهم بالبحيرة والسّائبة والوصيلة والحام مخصوص بالإبل ، فالله ـ تبارك وتعالى ـ بيّن أن النّعم عبارة عن هذه الأنواع الأربعة فلما لم يحكموا بهذه الأحكام في الأقسام الثلاثة ، وهي : الضّأن والمعز ، والبقر ، فكيف خصصتم الإبل بهذا الحكم دون الغير ، فهذا ما عندي في هذه الآية(١).

ثم قال : (أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللهُ بِهذا).

أي : هل شاهدتم الله حرم هذا ، إن كنتم لا تؤمنون برسول ، وحاصل الكلام من هذه الآية : أنّكم لا تقرّون بنبوّة أحد من الأنبياء ، وكيف تثبتون هذه الأحكام المختلفة.

ولما بيّن ذلك قال : (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ).

قال ابن عبّاس ـ رضي الله عنهما ـ : يريد عمرو بن لحيّ ؛ لأنه هو الّذي غير شريعة إسماعيل ـ عليه الصّلاة والسلام (٢) ـ.

قال ابن الخطيب (٣) : «والأقرب أن يكون هذا محمولا على كلّ من فعل ذلك ؛ لأنّ اللّفظ عامّ ، والعلّة الموجبة لهذا الحكم عامّة ، فالتخصيص تحكّم محض».

فصل في دحض شبهة للمعتزلة

قال القاضي : دلّت الآية على أنّ الإضلال عن الدّين مذموم ، وذلك لا يليق بالله ـ تبارك وتعالى ـ ؛ لأنه إذا ذمّ الإضلال الّذي ليس فيه إلّا تحريم المباح ، فالّذي هو أعظم منه أولى بالذم.

وأجيب : بأنه ليس كل ما كان مذموما منا كان مذموما من الله ـ تعالى ـ ؛ ألا ترى أن الجمع بين العبيد والإماء ، وتسليط الشّهوة عليهم ، وتمكينهم من أسباب الفجور مذموم منّا ، وليس مذموما من الله فكذا ههنا.

قوله : (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ).

قال القاضي (٤) : «لا يهديهم إلى ثوابه».

وقال أهل السّنّة (٥) : «المراد لا يهدي أولئك المشركين ، أي : لا ينقلهم من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان» ، وتقدّم الكلام الثاني.

قوله تعالى : (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٤٥) وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي

__________________

(١) ينظر : الرازي ١٣ / ١٧٨.

(٢) ينظر : المصدر السابق.

(٣) ينظر : المصدر السابق.

(٤) ينظر : الرازي ٣ / ٢٧٨.

(٥) ينظر : المصدر السابق.

٤٨١

ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما إِلاَّ ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما أَوِ الْحَوايا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصادِقُونَ (١٤٦) فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ واسِعَةٍ وَلا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ)(١٤٧)

قوله تعالى : (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً) الآيات.

لمّا بيّن فساد طريقة أهل الجاهليّة فيما يحلّ ويحرّم من المطعومات ـ أتبعه بالبيان الصّحيح.

روي أنهم قالوا : فما المحرّم إذن؟ فنزل : قل يا محمد : (لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ) شيئا (مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ) أي : آكل يأكله.

قوله : «محرّما» منصوب بقوله : «لا أجد» وهو صفة لموصوف محذوف ؛ حذف لدلال قوله : (عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ) أي : آكل يأكله.

قوله : «محرّما» منصوب بقوله : «لا أجد» وهو صفة لموصوف محذوف ؛ حذف لدلال قوله : (عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ) ، والتقدير : لا أجد طعاما محرّما ، و (عَلى طاعِمٍ) متعلّق ب «محرّما» ، و «يطعمه» في محل جرّ صفة ل «طاعم».

وقرأ (١) الباقر ونقلها مكيّ (٢) عن أبي جعفر ـ : «يطّعمه» بتشديد الطّاء ، وأصلها «يتطعمه» افتعال من الطعم ، فأبدلت التاء طاء لوقوعها بعد طاء للتقارب ، فوجب الإدغام.

وقرأت (٣) عائشة ، ومحمّد بن الحنفيّة ، وأصحاب عبد الله بن مسعود رضي الله عنهم : «تطعّمه» بالتاء من فوق وتشديد العين فعلا ماضيا.

قوله : (إِلَّا أَنْ يَكُونَ) منصوب على الاستثناء ، وفيه وجهان :

أحدهما : أنه متّصل. قال أبو البقاء (٤) : «استثناء من الجنس ، وموضعه نصب ، أي : لا أجد محرّما إلا الميتة».

والثاني : أنه منقطع ، قال مكّي (٥) : «وأن يكون في موضع نصب على الاستثناء المنقطع».

وقال أبو حيان (٦) : و (إِلَّا أَنْ يَكُونَ) استثناء منقطع ؛ دلائله كون ، وما قبله عين ، ويجوز أن يكون موضعه نصبا بدلا على لغة تميم ، ونصبا على الاستثناء على لغة الحجاز ، يعني : أن الاستثناء المنقطع فيه لغتان :

إحداهما : لغة الحجاز ، وهو وجوب النّصب مطلقا.

وثانيتهما : لغة التّميميّين ـ يجعلونه كالمتّصل ، فإن كان في الكلام نفي أو شبهه ،

__________________

(١) ينظر : الدر المصون ٣ / ٢٠٤ ، البحر المحيط ٤ / ٢٤٢.

(٢) ينظر : المشكل ١ / ٢٩٦.

(٣) ينظر : البحر المحيط ٤ / ٢٤٢ ، المحرر الوجيز ٢ / ٣٥٦ ، الدر المصون ٣ / ٢٠٤.

(٤) ينظر : الإملاء ١ / ٢٦٤.

(٥) ينظر : المشكل ١ / ٢٩٦.

(٦) ينظر : البحر المحيط ٤ / ٢٤٢.

٤٨٢

رجّح البدل ، وهنا الكلام نفي فيترجّح نصبه عند التّميميّين على البدل ، دون النّصب على الاستثناء ؛ فنصبه من وجهين : وأمّا الحجاز : فنصبه عندهم من وجه واحد ، وظاهر كلام أبي القاسم الزّمخشريّ أنه متّصل ؛ فإنه قال (١) : «محرّما» أي : طعاما محرّما من المطاعم التي حرّمتموها إلّا أن يكون ميتة ، أي : إلّا أن يكون الشّيء المحرّم ميتة.

وقرأ ابن (٢) عامر في رواية : «أوحى» بفتح الهمزة والحاء مبنيا للفاعل ؛ وقوله تعالى : (قُلْ آلذَّكَرَيْنِ) وقوله : «نبّئوني» ، وقوله أيضا : «آلذّكرين» ثانيا ، وقوله : (أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ) جمل اعتراض بين المعدودات الّتي وقعت تفصيلا لثمانية أزواج.

قال الزّمخشريّ (٣) : «فإن قلت : كيف فصل بين المعدود وبين بعضه ولم يوال بينه؟.

قلت : قد وقع الفاصل بينهما اعتراضا غير أجنبيّ من المعدود ؛ وذلك أنّ الله ـ عزوجل ـ منّ على عباده بإنشاء الأنعام لمنافعهم وبإياحتها لهم ، فاعترض بالاحتجاج على من حرّمها ، والاحتجاج على من حرّمها تأكيد وتشديد للتّحليل ، والاعتراضات في الكلام لا تساق إلا للتّوكيد».

وقرأ ابن عامر (٤) : «إلّا أن تكون ميتة» بالتّأنيث ورفع «ميتة» يعني : إلا أن يوجد ميتة ؛ فتكون تامّة عنده ، ويجوز أن تكون النّاقصة والخبر محذوف ، تقديره : إلا أن يكون هناك ميتة ، وقد تقدّم أن هذا منقول عن الأخفش في قوله قبل ذلك (وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً) [الأنعام : ١٣٩].

وقال أبو البقاء (٥) : «ويقرأ برفع «ميتة» على أن تكون تامّة ، وهو ضعيف ؛ لأن المعطوف منصوب».

قال شهاب الدّين : كيف يضعّف قراءة متواترة؟ وأما قوله : «لأن المعطوف منصوب» فذلك غير لازم ؛ لأن النّصب على قراءة من رفع «ميتة» يكون نسقا على محلّ «أن تكون» الواقعة مستثناة ، تقديره : إلّا أن يكون ميتة ، وإلا دما مسفوحا ، وإلّا لحم خنزير.

وقال مكّي (٦) : وقرأ أبو جعفر (٧) : «إلّا أن تكون» بالتّاء ، «ميتة» بالرفع ثم قال : وكان يلزم أبا جعفر أن يقرأ «أو دم» بالرفع ، وكذلك ما بعده.

__________________

(١) ينظر : الكشاف ٢ / ٧٤.

(٢) ينظر : الدر المصون ٣ / ٢٠٤.

(٣) ينظر : الكشاف ٢ / ٧٤.

(٤) ينظر : الحجة لأبي زرعة ٢٧٦ النشر ٢ / ٢٦٦ السبعة ٢٧٢ المشكل ١ / ٢٧٥ الفراء ١ / ٣٦٠ إعراب القراءات ١ / ١٧٢ إتحاف ٢ / ٣٧ التبيان ١ / ٥٤٥ الدر المصون ٣ / ٢٠٤.

(٥) ينظر : الإملاء ١ / ٢٦٤.

(٦) ينظر : المشكل ١ / ٨٢٩٦.

(٧) ينظر : البحر المحيط ٤ / ٢٤٢ ، والدر المصون ٣ / ٢٠٤ والمحرر الوجيز ٢ / ٣٥٦.

٤٨٣

قال شهاب الدين (١) : هذه قراءة ابن عامر ، نسبها لأبي جعفر يزيد بن القعقاع المدني شيخ نافع ؛ وهو محتمل ، وقوله : «كان يلزمه» إلى آخره هو معنى ما ضعّف به أبو البقاء هذه القراءة ، وتقدّم جواب ذلك ، واتّفق أنّ ابن عامر يقرأ : وإن تكن ميتة بالتّأنيث والرّفع وهنا كذلك.

وقرأ ابن كثير وحمزة : «تكون» بالتّأنيث ، «ميتة» بالنّصب على أن اسم «تكون» مضمر عائد على مؤنّث أي : إلا أن يكون المأكول أو النّفس أو الجثّة ميتة ، ويجوز أن يعود الضّمير من «تكون» على «محرّما» ، وإنّما أنّث الفعل لتأنيث الخبر ؛ كقوله : (ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ) [الأنعام : ٢٣] ، بنصب «فتنتهم» وتأنيث «تكن».

وقرأ الباقون : «يكون» بالتّذكير ، «ميتة» نصبا ، واسم «يكون» يعود على قوله : «محرّما» أي : إلّا أن يكون ذلك المحرّم ، وقدّره أبو البقاء (٢) ومكّي (٣) وغيرهما : «إلّا أن يكون المأكول» ، أو «ذلك ميتة».

قوله : (أَوْ دَماً مَسْفُوحاً) «دما» على قراءة العامّة : معطوف على خبر «يكون» وهو «ميتة» ، وعلى قراءة ابن عامر وأبي جعفر : معطوف على المستثنى ، وهو (أَنْ يَكُونَ) وقد تقدّم تحرير ذلك.

و «مسفوحا» صفة ل «دما» ، والسّفح : الصبّ ، وقيل : «السّيلان» ، وهو قريب من الأول ، و «سفح» يستعمل قاصرا ومتعدّيا ؛ يقال : سفح زيد دمعه ودمه ، أي : أهراقه ، وسفح هو ، إلّا أن الفرق بينهما وقع باختلاف المصدر ، ففي المتعدّي يقال : سفح ، وفي اللّازم يقال : سفوح ، ومن التّعدّي قوله تعالى : (أَوْ دَماً مَسْفُوحاً) ؛ فإن اسم المفعول التّامّ لا يبنى إلا من متعدّ ، ومن اللّزوم ما أنشده أبو عبيدة لكثيّر عزّة : [الطويل]

٢٣٦٩ ـ أقول ودمعي واكف عند رسمها

عليك سلام الله والدّمع يسفح (٤)

فصل فيما كان محرما بمكة

قال القرطبي (٥) : «هذه الآية الكريمة مكّيّة ، ولم يكن في الشّريعة في ذلك الوقت محرّم غير هذه الأشياء ، ثم نزلت سورة «المائدة» ب «المدينة» وزيد في المحرّمات ؛ كالمنخنقة ، والموقوذة والمتردّية ، والنّطيحة ، والخمر ، وغير ذلك ، وحرّم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالمدينة أكل كلّ ذي ناب من السّباع ، ومخلب من الطّير».

__________________

(١) ينظر : الدر المصون ٣ / ٢٠٤.

(٢) ينظر : الإملاء ١ / ٢٦٣.

(٣) ينظر : المشكل ١ / ٢٩٦.

(٤) ينظر : ديوانه ٤٦٣ ، تفسير الفخر الرازي ١٣ / ٢٢٢ ، الدر المصون ٣ / ٢٠٥.

(٥) ينظر : القرطبي ٧ / ٧٦.

٤٨٤

فصل في معنى الدم المسفوح

قال ابن عبّاس ـ رضي الله عنهما ـ : يريد بالدّم المسفوح : ما خرج من الحيوان وهي أحياء ، وما يخرج من الأوداج عند الذّبح ، ولا يدخل فيه الكبد والطّحال ؛ لأنهما جامدات وقد جاء الشّرع بإباحتهما ، وما اختلط باللّحم من الدّم ؛ لأنه غير سائل (١).

قال عمران بن حدير : «سألت أبا مجلز عمّا يختلط باللّحم من الدّم ، وعن القدر يرى فيها حمرة الدّم ، فقال : لا بأس به ، إنما نهي عن الدّم المسفوح» (٢).

قال إبراهيم : «لا بأس بالدّم في عرق أو مخّ ، إلّا المسفوح الذي يتعمد ذلك» (٣).

قال عكرمة : «لو لا هذه الآية لاتّبع المسلمون من العروق ما تتبع اليهود» (٤).

وقوله : (أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ) أي : حرام ، والهاء» في «فإنّه» الظاهر عودها على «لحم» المضاف ل «خنزير».

وقال ابن حزم : إنها تعود على خنزير ؛ لأنه أقرب مذكور.

ورجّح الأوّل : بأنّ اللّحم هو المحدّث عنه ، والخنزير جاء بعرضيّة الإضافة إليه ، ألا ترى أنّك إذا قلت : «رأيت غلام زيد فأكرمته» أنّ الهاء تعود على الغلام ؛ لأنه المحدّث عنه المقصود بالإخبار عنه ، لا على زيد ؛ لأنه غير مقصود.

ورجّح الثاني : بأن التّحريم المضاف إلى الخنزير ليس مختصا بلحمه ، بل شحمه وشعره وعظمه وظلفه كذلك ، فإذا أعدنا الضّمير على خنزير ، كان وافيا بهذا المقصود ، وإذا أعدناه على لحم ، لم يكن في الآية الكريمة تعرّض لتحريم ما عدا اللّحم ممّا ذكر.

وأجيب : بأنّه إنما ذكر اللّحم دون غيره ، ـ وإن كان غيره مقصودا بالتحريم ـ ؛ لأنّه أهمّ ما فيه ، وأكثر ما يقصد منه اللّحم كغيره من الحيوانات ، وعلى هذا فلا مفهوم لتخصيص اللّحم بالذّكر ، ولو سلّمه ، فإنه يكون من باب مفهوم اللّقب ؛ وهو ضعيف جدا.

وقوله : (فَإِنَّهُ رِجْسٌ) إمّا على المبالغة بأن جعل نفس الرّجس ، أو على حذف مضاف ، وله نظائر.

قوله : (أَوْ فِسْقاً) فيه ثلاثة أوجه :

أحدها : أنه عطف على خبر «يكون» أيضا ، أي : إلا أن يكون فسقا. و «أهلّ» في

__________________

(١) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٩٧) وعزاه لابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ عن ابن عباس.

(٢) ينظر : القرطبي ٧ / ٨١.

(٣) ينظر : المصدر السابق.

(٤) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٥ / ٣٧٩) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٩٧) وعزاه لسعيد بن منصور وعبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ عن عكرمة.

٤٨٥

محل نصب ؛ لأنه صفة له ؛ كأنه قيل : أو فسقا مهلّا به لغير الله ، جعل العين المحرّمة نفس الفسق ؛ مبالفة ، أو على حذف مضاف ، ويفسّره ما تقدّم من قوله : (وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ).

الثاني : أنه منصوب عطفا على محلّ المستثنى ، أي : إلا أن يكون ميتة أو إلّا فسقا ، وقوله : (فَإِنَّهُ رِجْسٌ) اعتراض بين المتعاطفين.

والثالث : أن يكون مفعولا من أجله ، والعامل فيه قوله : «أهلّ» مقدّم عليه ، ويكون قد فصل بين حرف العطف وهو «أو» ، وبين المعطوف وهو الجملة من قوله : «أهلّ» بهذا المفعول من أجله ؛ ونظيره في تقديم المفعول له على عامله قوله : [الطويل]

٢٣٧٠ ـ طربت وما شوقا إلى البيض أطرب

ولا لعبا منّي وذو الشّيب يلعب (١)

و «أهلّ» على هذا الإعراب عطف على «يكون» ، والضّمير في «به» عائد على ما عاد عليه الضّمير المستتر في «يكون» ، وقد تقدم تحقيقه ، قاله الزمخشري (٢).

إلّا أن أبا حيّان (٣) تعقّب عليه ذلك ؛ فقال : «وهذا إعراب متكلّف جدا ، وتركيبه على هذا الإعراب خارج عن الفصاحة ، وغير جائز على قراءة من قرأ : «إلا أن يكون ميتة» بالرّفع ، فيبقى الضّمير في «به» ليس له ما يعود عليه ، ولا يجوز أن يتكلّف محذوف حتى يعود الضّمير عليه ، فيكون التّقدير : أو شيء أهلّ لغير الله به ؛ لأن مثل هذا لا يجوز إلّا في ضرورة الشّعر».

قال شهاب الدّين (٤) : يعني بذلك : أنّه لا يحذف الموصوف والصّفة جملة ، إلا إذا كان في الكلام «من» التّبعيضيّة ؛ كقولهم : «منّا ظعن ومنّا أقام» أي : منا فريق ظعن ، ومنّا فريق أقام فإن لم يكن فيه «من» كان ضرورة ؛ كقوله : [الرجز]

٢٣٧١ ـ ترمي بكفّي كان من أرمى البشر (٥)

أي : بكفّي رجل ؛ وهذا رأي بعضهم ، وأما غيره فيقول : متى دلّ على الموصوف ، حذف مطلقا ، فقد يجوز أن يرى الزّمخشري هذا الرّأي.

فصل في هل التحريم مقصور على هذه الأشياء؟

ذهب بعض أهل العلم إلى أن التّحريم مقصور على هذه الأشياء ؛ يروى ذلك عن عائشة وابن عبّاس ـ رضي الله عنهما ـ قالوا : ويدخل في الميتة المنخنقة والموقوذة وما

__________________

(١) تقدم.

(٢) ينظر : الكشاف ٢ / ٧٥.

(٣) ينظر : البحر المحيط ٤ / ٢٤٤.

(٤) ينظر : الدر المصون ٣ / ٢٠٥.

(٥) ينظر : الخصائص ٢ / ٣٦٧ المحتسب ٢ / ٢٢٧ ، ابن يعيش ٣ / ٥٩ ، الإنصاف / ١١٥ ، المغني ١ / ١٦٠ ، الدر المصون ٣ / ٢٠٦.

٤٨٦

ذكر [في أوّل سورة المائدة ، وأكثر العلماء على أنّ التّحريم لا يختصّ بهذه الأشياء مما ذكر ، فالمحرم بنص الكتاب ما ذكر](١) ههنا ، وقد حرّمت السّنّة أشياء :

منها : ما روى ابن عبّاس ـ رضي الله عنهما ـ ؛ قال : «نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن كلّ ذي ناب من السّباع ، وكلّ ذي مخلب من الطّير».

ومنها : ما أمر بقتله بقوله : «خمس فواسق تقتل في الحلّ والحرم» (٢).

ومنها : ما نهى عن قتله ؛ كنهيه عن قتل النّحلة والنّملة ؛ فهو حرام ، وما سوى ذلك فيرجع إلى الأغلب فيه من عادات العرب ، فما يأكله الأغلب منهم ، فهو حلال ، وما لا يأكله الأغلب منهم ، فهو حرام ؛ لأن الله ـ تبارك وتعالى ـ خاطبهم بقوله : (قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ) [المائدة : ٤] فما استطابوه فهو حلال.

وقوله : (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ).

أباح هذه المحرّمات عند الاضطرار في غير العدوان ، وتقدم الكلام على نظيرها في البقرة.

قوله : (وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا) متعلّق ب «حرّمنا» ، وقد يفيد الاختصاص عند بعضهم ؛ كالزّمخشري (٣) ، والرّازي (٤) ، وقد صرّح به الرّازي هنا ، أعني : تقديم المعمول على عامله.

وفي «ظفر» خمس لغات :

أعلاها : «ظفر» بضم الظّاء والفاء ، وهي قراءة العامّة (٥).

و «ظفر» : بسكون العين ، وهي تخفيف لمضمومها ، وبها قرأ الحسن في رواية وأبيّ بن كعب (٦) والأعرج.

و «ظفر» : بكسر الظّاء والفاء ، ونسبها الواحديّ قراءة (٧) لأبي السّمال.

و «ظفر» : بكسر الظّاء وسكون الفاء ، وهي تخفيف لمكسورها ، ونسبها النّاس للحسن أيضا قراءة (٨).

__________________

(١) سقط في أ.

(٢) أخرجه البخاري (٦ / ٤٠٨) كتاب بدء الخلق : باب إذا وقع الذباب في إناء أحدكم (٣٣١٤) ومسلم (٢ / ٨٥٦) كتاب الحج : باب ما يندب للمحرم وغيره قتله من الدواب في الحل والحرم حديث (٦٧ / ١١٩٨) من حديث عائشة وقد خرجنا هذا الحديث تخريجا تفصيليا في تعليقنا على بداية المجتهد لابن رشد وخرجنا له شواهد كثيرة.

(٣) ينظر : الكشاف ٢ / ٧٥.

(٤) ينظر : الرازي ١٣ / ١٨٢.

(٥) ينظر : إتحاف ٢ / ٣٧. الدر المصون ٣ / ٢٠٦.

(٦) ينظر : الدر المصون ٣ / ٢٠٧ ، المحرر الوجيز ٢ / ٣٥٧.

(٧) ينظر : الدر المصون ٣ / ٢٠٦ ، المحرر الوجيز ٢ / ٣٥٧ والبحر المحيط ٤ / ٢٤٥.

(٨) ينظر : البحر المحيط ٤ / ٢٤٥ ، الدر المصون ٣ / ٢٠٦.

٤٨٧

واللغة الخامسة : «أظفور» ولم يقرأ بها فيما علمنا ؛ وأنشدوا على ذلك قول الشاعر : [البسيط]

٢٣٧٢ ـ ما بين لقمتها الأولى إذا انحدرت

وبين أخرى تليها قيد أظفور (١)

وجمع الثّلاثي : أظفار ، وجمع أظفور : أظافير وهو القياس وأظافر من غير مدّ ، وليس بقياس ؛ وهذا كقوله : [الرجز]

٢٣٧٣ ـ العينين والعواور (٢)

وقد تقدّم تحقيق ذلك في قوله : (مَفاتِحُ الْغَيْبِ) [الأنعام : ٥٩].

فصل في معنى «ذي ظفر»

قال الواحديّ اختلفوا في ذي الظّفر : فروى عطاء عن ابن عبّاس ـ رضي الله عنهما ـ : أنه الإبل فقط (٣) ، وروي عنه أيضا : أنّه الإبل والنّعامة ؛ وهو قول مجاهد (٤).

وقال عبد الله بن مسلم (٥) : «إنّه كلّ ذي مخلب من الطّير ، وكلّ ذي حافر من الدّوابّ».

وقيل : هو كلّ ما لم يكن مشقوق الأصابع من البهائم والطّير مثل البعير والنّعامة والإوزّ والبطّ ؛ ثم قال : كذلك قال المفسّرون.

وقال ابن الخطيب (٦) : «وسمّي الحافر ظفرا على الاستعارة» ، قال ابن الخطيب (٧) : أمّا حمل الظّفر على الحافر فبعيد من وجهين :

الأول : أن الحافر لا يسمّى ظفرا.

والثاني : لو كان الأمر كذلك ، لوجب أن يقال : إنه ـ تبارك وتعالى ـ حرّم عليهم كلّ حيوان له حافر ، وذلك باطل ؛ لأن الآية تدلّ على أنّ الغنم والبقر مباحان لهم مع حصول الحافر لهم.

وإذا ثبت هذا ، فنقول : وجب حمل الظّفر على المخالب والبراثن ؛ لأن المخالب آلات الجوارح في الاصطياد ، والبراثن آلات السّباع في الاصطياد ، وعلى هذا التقدير

__________________

(١) ينظر : اللسان (ظفر) التهذيب ١٤ / ٣٧٥. الدر المصون ٣ / ٢٠٦.

(٢) البيت لجندل بن المثنى ينظر : الكتاب ٢ / ٣٧٤ ، الخصائص ١ / ١٩٥ ، المحتسب ١ / ١٠٧ ، ابن يعيش ٥ / ٧٠ ، والتصريح ٢ / ٢٦٩ ، اللسان [عور] ، الدر المصون ٣ / ٢٠٦.

(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٥ / ٣٨٢) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ١٠٠) وزاد نسبته لابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن عباس.

(٤) ذكره الرازي في «تفسيره» (١٣ / ١٨٢) وانظر التعليق السابق.

(٥) ينظر : الرازي (١٣ / ١٨٣).

(٦) ينظر : الرازي ١٣ / ١٨٣.

(٧) ينظر : المصدر السابق.

٤٨٨

يدخل أنواع الكلاب والسّباع والسّنانير ، ويدخل فيه الطّيور التي تصطاد ؛ لأن هذه الصّفة تعمّهم.

وإذا ثبت هذا ؛ فنقول : قوله ـ تعالى ـ : (وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ) تخصيص هذه الحرمة بهم من وجهين :

الأول : أن قوله : (وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا) كذا وكذا يفيد الحصر في اللّغة.

والثاني : أنه لو كانت هذه الحرمة ثابتة في حقّ الكلّ ، لم يبق لقوله : (وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا) فائدة ؛ فثبت أنّ تحريم السّباع ، وذوي المخلب من الطّير مختص باليهود ، فوجب ألا تكون محرّمة على المسلمين ، وعند هذا نقول : ما روي أنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ حرّم كل ذي ناب من السّباع ، وكل ذي مخلب من الطّير ضعيف ؛ لأنه خبر واحد على خلاف كتاب الله ، فلا يكون مقبولا ، وهذا يقوي قول مالك في هذه المسألة.

قوله : (وَمِنَ الْبَقَرِ) فيه وجهان :

أحدهما : أنه معطوف على (كُلَّ ذِي) ، فتتعلّق «من» ب «حرّمنا» الأولى لا الثانية ، وإنّما جيء بالجملة الثانية مفسّرة لما أبهم في «من» التّبعيضيّة من المحرّم ؛ فقال : (حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما).

والثاني : أن يتعلّق ب «حرّمنا» المتأخّرة ، والتقدير : وحرّمنا على الذين هادوا من البقر والغنم شحومهما ، فلا يجب هنا تقديم المجرور بها على الفعل ، بل يجوز تأخره على الفعل كما تقدّم ، ولكن لا يجوز تأخيره عن المنصوب بالفعل ؛ فيقال : حرّمنا عليهم شحومهما من البقر والغنم ؛ لئلا يعود الضّمير على متأخّر لفظا ورتبة.

وقال أبو البقاء (١) : «ولا يجوز أن يكون «من البقر» متعلّقا ب «حرّمنا» الثانية».

قال أبو حيّان (٢) : «وكأنه قد توهّم أن عود الضّمير مانع من التعلّق ؛ إذ رتبة المجرور ب «من» التّأخير ، لكن عن ماذا؟ أما عن الفعل فمسلّم ، وأما عن المفعول فغير مسلّم» يعني : أنه إن أراد أنّ رتبة قوله : «من البقر» التأخير عن شحومهما ، فيصير التقدير : حرمنا عليهم شحومهما من البقر ؛ فغير مسلّم ، ثم قال أبو حيّان : «وإن سلّمنا أن رتبته التّأخير عن الفعل والمفعول ، فليس بممنوع ، بل يجوز ذلك كما جاز : «ضرب غلام المرأة أبوها» و «غلام المرأة ضرب أبوها» ، وإن كانت رتبة المفعول التّأخير ، لكنه وجب هنا تقديمه ؛ لعود الضّمير الذي في الفاعل الذي رتبته التّقديم عليه ، فكيف بالمفعول الذي هو والمجرور في رتبة واحدة؟ أعني في كونها فضلة. فلا يبالى فيهما بتقديم أيّهما شئت على الآخر ؛ قال الشاعر : [الطويل]

__________________

(١) ينظر : الإملاء ١ / ٢٦٤.

(٢) ينظر : البحر المحيط ٤ / ٢٤٥.

٤٨٩

٢٣٧٤ ـ ..........

وقد ركدت وسط السّماء نجومها (١)

فقدّم الظّرف وجوبا ؛ لعود الضّمير الذي اتّصل بالفاعل على المجرور بالظّرف».

قال شهاب الدّين (٢) : «لقائل أن يقول : لا نسلّم أن أبا البقاء إنما منع ذلك لما ذكرت ، حتى يلزم بما ألزمته ، بل قد يكون منعه لأمر معنويّ».

والإضافة في قوله : «شحومهما» تفيد الدّلالة على تأكيد التّخصيص والرّبط ، إذ لو أتى في الكلام : «من البقر والغنم حرّمنا عليهم الشّحوم» لكان كافيا في الدّلالة على أنّه لا يراد إلّا شحوم البقر والغنم ؛ هذا كلام أبي حيّان ، وهو بسط ما قاله الزّمخشري ؛ فإنه قال (٣) : (وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما) ؛ كقولك : «من زيد أخذت ماله» تريد بالإضافة زيادة الرّبط.

قوله : (إِلَّا ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما) «ما» موصولة في محل نصب على الاستثناء المتّصل من الشّحوم ، أي : إنه لم يحرّم الشّحم المحمول على الظّهر ، ثم إن شئت جعلت هذا الموصول نعتا لمحذوف ، أي : إلا الشّحم الذي حملته ظهورهما ؛ كذا قدّره أبو حيان (٤) ، وفيه نظر ؛ لأنه قد نصّ على أنّه لا يوصف ب «ما» الموصولة وإن كان يوصف بالذي ، وقد ردّ هو على غيره بذلك في مثل هذا التقدير ، وإن شئت جعلته موصوفا بشيء محذوف ، أي : إلّا الذي حملته ظهورهما من الشّحم ، وهذا الجارّ هو وصف معنويّ لا صناعي ، فإنّه لو أظهر كذا ، لكان إعرابه حالا.

وقوله : «ظهورهما» يحتمل أن يكون من باب قوله : (فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما) [التحريم: ٤] ، بالنسبة إلى ضمير [البقر] والغنم من غير نظر إلى جمعيّتهما في المعنى ، ويحتمل أن يكون جمع «الظّهور» لأنّ المضاف إليه جمع في المعنى ؛ فهو مثل : «قطعت رؤوس الخرفان» فالتّثنية في مثل هذا ممتنعة.

فصل في تفسير الشحم

قال ابن عبّاس : «إلا ما علق بالظّهر من الشحم ، فإنّي لم أحرمه» (٥) وقال قتادة : «إلا ما علق بالظّهر والجنب من داخل بطونها» (٦).

__________________

(١) صدر بيت لامرىء القيس وعجزه :

ركود فؤادي الرّبرب المتورق

ينظر : ديوانه (١٧١) ، الدر المصون ٣ / ٢٠٧.

(٢) ينظر : الدر المصون ٣ / ٢٠٧.

(٣) ينظر : الكشاف ٢ / ٧٥.

(٤) ينظر : البحر المحيط ٤ / ٢٤٦.

(٥) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٥ / ٣٨٤) من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس.

(٦) ذكره الرازي في «تفسيره» (١٣ / ١٨٣).

٤٩٠

قال ابن الخطيب (١) : «وأقول : ليس على الظّهر شحم إلا اللحم الأبيض السّمين الملتصق باللّحم الأحمر ، وعلى هذا التقدير فذلك اللحم السّمين الملتصق يكون مسمّى بالشّحم وبهذا التقدير لو حلف ألّا يأكل الشّحم ، وجب أن يحنث إذا أكل ذلك اللّحم السّمين».

قوله : (أَوِ الْحَوايا) في موضعها من الإعراب ثلاثة أوجه :

أحدها ـ وهو قول الكسائي ـ : أنّها في موضع رفع عطفا على «ظهورهما» أي : وإلّا الّذي حملته الحوايا من الشّحم ، فإنّه أيضا غير محرّم ، وهذا هو الظّاهر.

الثاني : أنّها في محل نصب نسقا على «شحومهما» أي : حرّمنا عليهم الحوايا أيضا ، أو ما اختلط بعظم ، فتكون الحوايا والمختلط محرّمين ، وإلى هذا ذهب جماعة قليلة ، وتكون «أو» فيه كالّتي في قوله ـ تعالى ـ : (وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً) [الإنسان : ٢٤] يراد بها : نفي ما يدخل عليه بطريق الانفراد ؛ كما تقول : «هؤلاء أهل أن يعصوا فاعص هذا أو هذا» فالمعنى : حرم عليهم هذا وهذا.

وقال الزّمخشري (٢) : «أو بمنزلتها في قولهم : جالس الحسن أو ابن سيرين».

قال أبو حيّان (٣) : «وقال النّحويّون : «أو» في هذا المثال للإباحة ، فيجوز له أن يجالسهما وأن يجالس أحدهما ، والأحسن في الآية إذا قلنا : إن «الحوايا» معطوف على «شحومهما» ، أن تكون «أو» فيه للتفصيل ؛ فصّل بها ما حرّم عليهم من البقر والغنم».

قال شهاب الدّين (٤) : هذه العبارة التي ذكرها الزّمخشري سبقه إليها الزّجّاج (٥) فإنه قال : وقال قوم : حرّمت عليهم الثّروب ، وأحلّ لهم ما حملت الظّهور ، وصارت الحوايا أو ما اختلط بعظم نسقا على ما حرّم لا على الاستثناء ، والمعنى على هذا القول : حرّمت عليهم شحومهما أو الحوايا أو ما اختلط بعظم ، إلا ما حملت الظّهور فإنه غير محرّم ، وأدخلت «أو» على سبيل الإباحة ؛ كما قال تعالى : (وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً) [الإنسان : ٢٤] والمعنى : كل هؤلاء أهل أن يعصى فاعص هذا أو اعص هذ ، و «أو» بليغة في هذا المعنى ؛ لأنّك إذا قلت : «لا تطع زيدا وعمرا» فجائز أن تكون نهيتني عن طاعتهما معا في حالة ، فإذا أطعت زيدا على حدته ، لم أكن عاصيا ، وإذا قلت : لا تطع زيدا أو عمرا أو خالدا ، فالمعنى : أن كلّ هؤلاء أهل ألّا يطاع ، فلا تطع واحدا منهم ، ولا تطع الجماعة ؛ ومثله : جالس الحسن أو ابن سيرين أو الشّعبي ، فليس المعنى : أني آمرك بمجالسة واحد منهم ، فإن جالست واحدا منهم فأنت مصيب ، وإن جالست الجماعة فأنت مصيب.

وأمّا قوله : «فالأحسن أن تكون «أو» فيه للتّفصيل» فقد سبقه إلى ذلك أبو البقاء (٦) ؛

__________________

(١) ينظر : الرازي ١٣ / ١٨٣.

(٢) ينظر : الكشاف ٢ / ٧٥.

(٣) ينظر : البحر المحيط ٤ / ٢٤٦.

(٤) ينظر : الدر المصون ٣ / ٢٠٨.

(٥) ينظر : معاني القرآن ٢ / ٣٣١.

(٦) ينظر : الإملاء ١ / ٣٣١.

٤٩١

فإنه قال : و «أو» هنا بمعنى الواو ؛ لتفصيل مذاهبهم أو لاختلاف أماكنها ، وقد ذكرناه في قوله : (كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى) [البقرة : ١٣٥].

وقال ابن عطيّة (١) ردّا على هذا القول ـ أعني كون «الحوايا» نسقا على شحومهما ـ : «وعلى هذا تدخل «الحوايا» في التّحريم ، وهذا قول لا يعضده لا اللّفظ ولا المعنى بل يدفعانه» ولم يبيّن وجه الدّفع فيهما.

الثالث : أن «الحوايا» في محلّ نصب عطفا على المستثنى وهو (ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما) ؛ كأنه قيل : إلا ما حملت الظّهور أو الحوايا أو إلا ما اختلط ، نقله مكّي (٢) ، وأبو البقاء (٣) بدأ به ثم قال : «وقيل : هو معطوف على الشّحوم».

ونقل الواحدي عن الفراء (٤) ؛ أنّه قال : يجوز أن يكون في موضع نصب بتقدير حذف المضاف على أن يريد : أو شحوم الحوايا فيحذف الشّحوم ويكتفي بالحوايا ؛ كما قال ـ تعالى ـ : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) [يوسف : ٨٢] يريد أهلها ، وحكى ابن الأنباريّ عن أبي عبيد ؛ أنه قال : قلت للفرّاء : هو بمنزلة قول الشّاعر :

٢٣٧٥ ـ لا يسمع المرء فيها ما يؤنّسه

باللّيل إلّا نئيم البوم والضّوعا (٥)

فقال لي : نعم ، يذهب إلى أن «الضّوع» عطف على «النّئيم» ولم يعطف على «البوم» ؛ كما عطفت الحوايا على «ما» ولم تعطف على الظّهور.

قال شهاب الدّين (٦) : فمقتضى ما حكاه ابن الأنباريّ : أن تكون «الحوايا» عطفا على «ما» المستثناة ، وفي معنى ذلك قلق بيّن.

و «الحوايا» قيل : هي المباعر ، وقيل : المصارين والأمعاء ، وقيل : كل ما تحويه البطن فاجتمع واستدار ، وقيل : هي الدّوّارة الّتي في بطن الشّاة.

واختلف في مفرد «الحوايا» : فقيل : حاوية ك «ضاربة» ، وقيل : حويّة ك «طريفة» ، وقيل : حاوياء ك «قاصعاء».

وجوّز الفارسيّ أن يكون جمعا لكلّ واحد من الثلاثة ، يعني : أنه صالح لذلك ، وقال ابن الأعرابيّ : هي الحويّة والحاوية» ولم يذكر الحاوياء. وذكر ابن السّكّيت الثلاثة فقال : «يقال : «حاوية» و «حوايا» مثل «زاوية» و «زوايا» ، و «راوية» و «روايا» ، ومنهم من يقول : «حويّة» و «حوايا» ؛ مثل الحويّة التي توضع على ظهر البعير ويركب فوقها ، ومنهم من يقول لواحدتها : «حاوياء» وأنشد قول جرير : [البسيط]

__________________

(١) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٣٥٨.

(٢) ينظر : المشكل ١ / ٢٩٧.

(٣) ينظر : الإملاء ١ / ٢٦٤.

(٤) ينظر : معاني القرآن ١ / ٣٦٣.

(٥) البيت للأعشى ينظر : ديوانه ١٥٣ ، والتهذيب ١٣ / ٨٩ (أنس) ، اللسان (أنس) الدر المصون ٣ / ٢٠٨.

(٦) ينظر : الدر المصون ٣ / ٢٠٩.

٤٩٢

٢٣٧٦ ـ تضغو الخنانيص والغول الّتي أكلت

في حاوياء ردوم اللّيل مجعار (١)

وأنشد ابن الأنباري : [الطويل]

٢٣٧٧ ـ كأنّ نقيق الحبّ في حاويائه

فحيح الأفاعي أو نقيق العقارب (٢)

فإن كان مفردها حاوية ، فوزنها فواعل ؛ كضاربة وضوارب ونظيرها في المعتلّ : «زاوية» و «زوايا» ، و «راوية» و «روايا» ، والأصل : حواوي كضوارب ، فقلبت الواو التي هي عين الكلمة همزة ؛ لأنها ثاني حرفي لين ، اكتنفا مدّة مفاعل ، فاستثقلت همزة مكسورة فقلبت ياء ، فاستثقلت الكسرة على الياء فجعلت فتحة ، فتحرّك حرف العلّة وهو الياء الّتي هي لام الكلمة بعد فتحة ، فقلبت ألفا [فصار «حوايا» ، وإن شئت قلت : قلبت الواو همزة مفتوحة ، فتحركت الياء وانفتح ما قبلها فقلبت ألفا] ، فصارت همزة مفتوحة بين ألفين يشبهانها فقلبت الهمزة ياء ، وقد تقدّم تحقيق هذا في قوله : (نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ) [البقرة : ٥٨] واختلاف أهل التّصريف في ذلك.

وكذلك إذا قلنا : مفردها «حاوياء» ، كان وزنها فواعل أيضا ؛ كقاصعاء وقواصع ، وراهطاء ورواهط ، والأصل : حواوي أيضا ، ففعل به ما فعل في الذي قبله.

وإن قلنا : إن مفردها «حويّة» فوزنها فعائل كطرائف ، والأصل : حوائي فقلبت الهمزة ياء مفتوحة ، وقلبت الياء التي هي لام ألفا ، فصار اللّفظ «حوايا» أيضا ، فاللّفظ متّحد والعمل مختلف.

قوله : (أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ) فيه ما تقدّم في «حوايا» ورأي الفرّاء (٣) فيه : أنّه منصوب نسقا على «ما» المستثناة في قوله : (إِلَّا ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما) والمراد به الألية.

وقيل : هو كلّ شحم في الجنب والعين والأذن والقوائم ، والمحرّم الثّرب وشحم الكلّية.

فصل

قال القرطبي (٤) : أخبر الله ـ تعالى ـ أنه كتب تحريم هذا عليهم في التّوراة ردا لكذبهم ، ونصّه فيها : «حرّمت عليكم الميتة والدّم ولحم الخنزير وكلّ دابّة ليست مشقوقة الحافر ، وكل حوت ليس فيه سفاسق» ، أي : بياض ، ثم نسخ الله ذلك كلّه بشريعة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأباح لهم ما كان محرّما عليهم من الحيوان ، وأزال الحرج بمحمّد ـ عليه‌السلام ـ

__________________

(١) ينظر : ديوانه ٦٨ ، اللسان (جوا) شرح شواهد الشافية ٤٤٣ ، التهذيب ٨ / ٢٩٤ (شق) الدر المصون ٣ / ٢٠٩.

(٢) ينظر : ديوانه ١ / ٢٣٩ ، التهذيب ٥ / ٢٩٢ ، (جوى) ، اللسان (جوا) الدر المصون ٣ / ٢٠٩.

(٣) ينظر : معاني القرآن ١ / ٣٦٣.

(٤) ينظر : القرطبي ٧ / ٨٣.

٤٩٣

وألزم الخليقة دين الإسلام ، بحلّه وحرمه وأمره ونهيه ، فلو ذبحوا أنعامهم فأكلوا ما أحلّ لهم في التّوراة وتركوا ما حرّم عليهم فهل يحلّ لنا؟

قال مالك في كتاب محمّد : هي محرّمة وقال في سماع «المبسوط» : هي محلّلة ؛ وبه قال ابن نافع.

وقال ابن القاسم : «أكرهه». والصّحيح حلّه ؛ لحديث جواب الشّحم الذي رواه عبد الله بن مغفل (١).

قوله : (ذلِكَ جَزَيْناهُمْ) فيه أربعة أوجه :

أحدها : أنه خبر مبتدأ محذوف ، أي : الأمر ذلك ؛ قاله الحوفيّ ؛ ومكّي (٢) ، وأبو البقاء(٣).

الثاني : أنه مبتدأ ، والخبر ما بعده ، والعائد محذوف ، أي : ذلك جزيناهموه ، قاله أبو البقاء (٤) ـ رضي الله عنه ـ وفيه ضعف ؛ من حيث إنه حذف العائد المنصوب ، وقد تقدّم ما فيه في المائدة في قوله ـ تعالى ـ : (أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ) [المائدة : ٥٠] ، وأيضا فقدّر العائد متّصلا ، وينبغي ألا يقدّر إلا منفصلا ولكنه يشكل حذفه ، وقد تقدّم تحقيقه في أوّل البقرة.

وقال ابن عطيّة : «ذلك في موضع رفع» ولم يبيّن على أيّ الوجهين المتقدّمين ، وينبغي أن يحمل على الأوّل ؛ لضعف الثّاني.

الثالث : أنه منصوب على المصدر ، وهو ظاهر كلام الزّمخشري ؛ فإنه قال : «ذلك الجزاء جزيناهم وهو تحريم الطّيّبات» ، إلا أن هذا قد ينخدش بما نقله ابن مالك ، وهو أنّ المصدر إذا أشير إليه ، وجب أن يتبع بذلك المصدر ؛ فيقال : «ضربت ذلك الضّرب» و «قمت هذا القيام» ولو قلت : «ضربت زيدا ذلك» و «قمت هذا» لم يجز ، ذكر ذلك في الرّدّ على من أجاب عن قول المتنبّي : [الكامل]

٢٣٧٨ ـ هذي ، برزت لنا فهجت رسيسا

ثمّ انصرفت وما شفيت نسيسا (٥)

فإنهم لحّنوا المتنبّي ؛ من حيث إنه حذف حرف النّداء من اسم الإشارة ، إذ الأصل : يا هذي.

__________________

(١) قال : كنا محاصرين قصر خيبر ، فرمى إنسان بجراب فيه شحم فنزوت لآخذه فالتفتّ فإذا النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فاستحييت منه. لفظ البخاري. ولفظ مسلم : قال عبد الله بن مغفّل : أصبت جرابا من شحم يوم خيبر ، قال فالتزمته وقلت : لا أعطي اليوم أحدا من هذا شيئا ، قال : فالتفتّ فإذا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم متبسما.

(٢) ينظر : المشكل ١ / ٢٩٨.

(٣) ينظر : الإملاء ١ / ٢٦٤.

(٤) ينظر : المصدر السابق.

(٥) ينظر : ديوانه ٢ / ٣٠١ ، مغني اللبيب ٢ / ٦٤١ ، شرح الأشموني ٢ / ٤٤٤ ، المقرب ١ / ١٧٧ ، ابن يعيش ٢ / ١٦ ، الدر المصون ٣ / ٢١٠.

٤٩٤

فأجابوا عنه : بأنّا لا نسلّم أن «هذي» منادى ، بل [اسم] إشارة إلى المصدر ، كأنّه قال : برزت هذي البرزة.

فردّ ابن مالك هذا الجواب : بأنّه لا ينتصب اسم الإشارة مشارا به إلى المصدر إلا وهو متبوع بالمصدر.

وإذا سلّم هذا فيكون ظاهر قول الزّمخشري : «إنه منصوب على المصدر» مردودا بما ردّ به الجواب عن بيت أبي الطّيّب ، إلا أن ردّ ابن مالك ليس بصحيح ؛ لورود اسم الإشارة مشارا به إلى المصدر غير متبوع به ؛ قال الشاعر : [الطويل]

٢٣٧٩ ـ يا عمرو إنّك قد مللت صحابتي

وصحابتيك إخال ذاك قليل (١)

قال النّحويّون : «ذاك» إشارة إلى مصدر «خال» المؤكّد له ، وقد أنشده هو على ذلك.

الرابع : أنه منصوب على أنه مفعول ثان قدّم على عامله ؛ لأن «جزى» يتعدّى لاثنين ، والتّقدير : جزيناهم ذلك التّحريم ، وقال أبو البقاء (٢) ومكّي (٣) : إنّه في موضع نصب ب «جزيناهم» ولم يبيّنا على أيّ وجه انتصب : هل على المفعول الثّاني أو المصدر؟.

فصل في معنى قوله (جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ)

والمعنى : إنما خصصناهم بهذا التّحريم جزاء على بغيهم ، وهو قتلهم الأنبياء ، وأخذهم الرّبا ، وأكلهم أموال الناس بالباطل ، ونظيره قوله ـ تعالى ـ : (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ) [النساء : ١٦٠].

قوله : (وَإِنَّا لَصادِقُونَ) معموله محذوف ، أي : لصادقون في إتمام جزائهم في الآخرة ؛ إذ هو تعريض بكذبهم حيث قالوا : نحن مقتدون في تحريم هذه الأشياء بإسرائيل ، والمعنى : الصّادقون في إخبارنا عنهم ذلك ، ولا يقدّر له معمول ، أي : من شأننا الصّدق.

قوله : (فَإِنْ كَذَّبُوكَ) [الضّمير في «كذّبوك»] الظاهر عوده على اليهود ؛ لأنّهم أقرب مذكور.

وقيل : يعود على المشركين ، لتقدّم الكلام معهم في قوله : (نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ) [الأنعام : ١٤٣] ، و (أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ) [الأنعام : ١٤٤] ، والمعنى : فإن كذّبوك في ادّعاء النّبوّة

__________________

(١) ينظر : شرح شواهد المغني ٢ / ٩٣٢ ، المقرب ١ / ١١٨ ، مغني اللبيب ٢ / ٦٤٢ ، الدر المصون ٣ / ٢١٠.

(٢) ينظر : الإملاء ١ / ٢٦٤.

(٣) ينظر : المشكل : ١ / ٢٩٨.

٤٩٥

والرّسالة (فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ واسِعَةٍ) فلذلك لا يعجّل عليكم بالعقوبة ، ثم أخبرهم بما أعدّ لهم من العذاب في الآخرة ، (وَلا يُرَدُّ بَأْسُهُ) أي عذابه إذا جاء الوقت.

وقوله : (ذُو رَحْمَةٍ) جيء بهذه الجملة اسميّة ، وبقوله (وَلا يُرَدُّ بَأْسُهُ) فعليّة [تنبيها على مبالغة سعة الرّحمة ؛ لأن الاسميّة أدلّ على الثّبوت والتّوكيد من الفعلية.

قوله : (عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ) يحتمل أن يكون من وضع الظّاهر موضع المضمر](١). تنبيها على التّسجيل عليهم بذلك ، والأصل : ولا يرد بأسه عنكم.

وقال أبو البقاء (٢) : (فَإِنْ كَذَّبُوكَ) شرط ، جوابه : (فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ واسِعَةٍ) ، والتقدير : «فقل يصفح عنكم بتأخير العقوبة» وهذا تفسير معنى لا إعراب.

قوله تعالى : (سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ شَيْءٍ كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذاقُوا بَأْسَنا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ تَخْرُصُونَ (١٤٨) قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ)(١٤٩)

لما حكى عن أهل الجاهليّة إقدامهم على الحكم في دين الله بغير دليل ـ حكى عذرهم في كلّ ما يقدمون عليه من الكفريّات ، فيقولون : لو شاء الله منّا ألا نكفر ، لمنعنا عن هذا الكفر ، وحيث لم يمنعنا عنه ، ثبت أنه مريد لذلك ، وإذا أراده منّا ، امتنع منّا تركه ، فكنّا معذورين فيه.

واعلم أن المعتزلة استدلّوا بهذه الآية على مذهبهم من سبعة أوجه (٣) :

أحدها : أنه ـ تعالى ـ حكى عن الكفّار صريح قول المجبرة ، وهو قولهم : «لو شاء الله منّا ألّا نشرك ، لم نشرك» ، وإنّما حكاه عنهم في معرض الذّمّ والقبح ، فوجب كون هذا المذهب مذموما باطلا.

وثانيها : أنه ـ تبارك وتعالى ـ قال بعده : «كذّب» وفيه قراءتان : التّخفيف والتثقيل.

أما قراءة التخفيف : فهي تصريح بأنّهم قد كذبوا في ذلك القول ، وذلك يدلّ على أن قول المجبّرة في هذه المسألة كذب.

وأمّا قراءة التّشديد : فلا يمكن حملها على أن القوم استوجبوا الذّمّ بسبب أنّهم كذّبوا هذا المذهب ؛ لأنا لو حملنا الآية عليه ، لكان هذا المعنى ضدّا للمعنى الذي يدلّ عليه قراءة «كذب» بالتّخفيف ، فتصير إحدى القراءتين ضدّ الأخرى ، وإذا بطل ذلك ، وجب حمله على أن المراد منه : على أن كلّ من كذّب نبيّا من الأنبياء في الزّمان

__________________

(١) سقط في أ.

(٢) ينظر : الإملاء ١ / ٢٦٤.

(٣) ينظر : الرازي ١٣ / ١٨٥.

٤٩٦

المتقدّم ، فإنما كذّبه بهذا الطّريق ؛ لأنه يقول : «الكل بمشيئة الله ، فهذا الذي أنا عليه من الكفر إنما حصل بمشيئة الله ـ تعالى ـ ، فلم يمنعني منه» وإذا حملنا الآية على هذا الوجه ، صارت القراءة بالتّشديد مؤكّدة للقراءة بالتّخفيف ، فيصير مجموع القراءتين دالا على إبطال قول المجبّرة.

وثالثها : قوله ـ تبارك وتعالى ـ بعده : (حَتَّى ذاقُوا بَأْسَنا) وذلك يدلّ على أنّهم استوجبوا الوعيد من الله ؛ بذهابهم إلى هذا الوجه.

ورابعها : قوله ـ تعالى ـ بعده : (قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنا) ، وهذا استفهام على وجه الإنكار ، وذلك يدلّ على أنّ هذا القائل بهذا القول ليس له فيه حجّة ، فدلّ على فساده ؛ لأن الحقّ على القول به دليل.

وخامسها : قوله ـ تعالى ـ بعده : (إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ) مع أنه ـ تعالى ـ ذم الظّنّ بقوله ـ تعالى ـ : (إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً) [يونس : ٣٦] ، ونظائره.

وسادسها : قوله : (وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ) ، والخرص أكبر أنواع الكذب ، قال ـ تعالى ـ : (قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ) [الذاريات : ١٠].

وسابعها : قوله ـ تعالى ـ بعده : (قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ) وتقديره : أنّهم احتجوا في دفع دعوى الأنبياء على أنفسهم بأن قالوا : كل ما حصل فهو بمشيئة الله ـ تعالى ـ ، وإذا شاء الله منّا ذلك ، فكيف يمكننا تركه؟ وإذا كنّا عاجزين عن تركه ، فكيف يأمرنا بتركه؟ وهل في وسعنا وطاقتنا أن نأتي بفعل على خلاف مشيئة الله ـ تعالى ـ ، فهذا هو حجّة الكفّار على الأنبياء ، فقال ـ تعالى ـ : (قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ) وذلك من وجهين (١) :

الأول : أنه ـ تعالى ـ أعطاكم عقولا كاملة ، وأفهاما وافية ، وآذانا سامعة ، وعيونا باصرة ، وأقدركم على الخير والشرّ ، وأزال الأعذار والموانع بالكلّيّة عنكم ، فإن شئتم ذهبتم إلى الخيرات ، وإن شئتم ذهبتم إلى عمل المعاصي والمنكرات ، وهذه القدرة والمكنة معلومة الثّبوت بالضّرورة ، وزوال الموانع والعوائق معلوم الثّبوت أيضا بالضّرورة ، وإذا كان الأمر كذلك ، كان ادّعاؤكم أنّكم عاجزون عن الإيمان والطّاعة دعوى باطلة ، فثبت بما ذكرنا أنه ليس لكم على الله حجّة ، بل لله الحجّة البالغة عليكم.

الوجه الثاني : أنكم تقولون : لو كانت أفعالنا واقعة على خلاف مشيئة الله ـ تعالى ـ ، لكنّا قد غلبنا الله وقهرناه ، وأتينا بالفعل على مضادّته ، وذلك يوجب كونه عاجزا ضعيفا ، وذلك يقدح في كونه إلها ، فأجاب الله ـ تبارك وتعالى ـ عنه : بأن العجز والضّعف إنما يلزم إذا لم يكن قادرا [على حملهم على الإيمان والطّاعة على سبيل القهر والإلجاء ، وأنا قادر](٢) على ذلك ، وهو المراد من قوله : (فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ) ، إلا أني لا أحملكم على

__________________

(١) ينظر : الرازي ١٣ / ١٨٥ ـ ١٨٦.

(٢) سقط في ب.

٤٩٧

الإيمان والطّاعة على سبيل القهر والإلجاء ؛ لأن ذلك يبطل الحكمة المطلوبة من التّكليف ، فثبت بهذا البيان أن الّذين يقولونه من أنّا لو أتينا بعمل على خلاف مشيئة الله ـ تعالى ـ ، فإنه يلزم منه كونه ـ تعالى ـ عاجزا ضعيفا ، كلام باطل.

قال ابن الخطيب (١) : والجواب المعتمد في هذا الباب أن نقول : إن هذه السّورة من أولها إلى آخرها تدلّ على صحّة قولنا ومذهبنا ونقلنا في كل آية ما يذكرونه من التّأويلات ، وأجبنا عنها بأجوبة واضحة قويّة مؤكّدة بالدّلائل العقلية القاطعة.

وإذا ثبت هذا ؛ فلو كان المراد من هذه الآية ما ذكرتم ، لوقع التّناقض الصّريح في كتاب الله ـ تعالى ـ فإنّه يوجب أعظم أنواع الطّعن فيه.

وإذا ثبت هذا ؛ فنقول : إنه ـ تبارك وتعالى ـ حكى عن القوم بأنّهم قالوا : (لَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكْنا) ثم ذكر عقيبه : (كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) فهذا يدلّ على أن القوم قالوا : لمّا كان الكلّ بمشيئة الله وتقديره ، كان التّكليف عبثا ، فكانت دعوى الأنبياء باطلة ، ونبوّتهم ورسالتهم باطلة ، ثم إنه ـ تبارك وتعالى ـ بيّن أن التّمسّك بهذا الطّريق في إبطال النّبوّة باطل ؛ وذلك لأنّه إله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد ، ولا اعتراض لأحد عليه ، فهو ـ تبارك وتعالى ـ يشاء الكفر من الكافر ، ومع هذا يبعث إليه الأنبياء ، ويأمره بالإيمان ، وورود الأمر على خلاف الإرادة غير ممتنع.

فالحاصل : أنه ـ تبارك وتعالى ـ بيّن أن هذا الاستدلال فاسد باطل ؛ فإنه لا يلزم من ثبوت المشيئة لله في كل الأمور على دفع دعوة الأنبياء ، وعلى هذا الطّريق فقط سقط هذا الاستدلال بالكلّيّة ، وجميع الوجوه التي ذكرتموها ، والتّقبيح والتّهجين عائد إلى تمسّكهم بثبوت المشيئة لله على دفع دعوة الأنبياء فيكون الحاصل : أنّ هذا الاستدلال باطل [وليس فيه ألبتّة ما يدلّ على أن القول بالمشيئة باطل](٢).

فإن قالوا : إن هذا العذر إنما يستقيم إذا قرأنا قوله ـ تعالى ـ : «كذلك كذّب» بالتّشديد ، وأمّا إذا قرأناه بالتّخفيف ، فإنه يسقط هذا العذر بالكلّيّة ، فنقول : فيه وجهان :

الأول : أنا نمنع صحّة هذه القراءة ؛ والدّليل عليه أنّا بينّا أن هذه السّورة من أولها إلى آخرها تدلّ على قولنا ، فلو كانت هذه الآية الكريمة دالّة على قولهم لوقع التّناقض ، ويخرج القرآن عن كونه كلاما لله ـ تعالى ـ ، ويندفع هذا التّناقض بألا نقبل هذه القراءة (٣).

والثاني : سلّمنا صحّة هذه القراءة ، لكن نحملها على أن القوم كذبوا في أنه يلزم من ثبوت مشيئة الله ـ تعالى ـ في كل أفعال العباد ، سقوط نبوّة الأنبياء وبطلان دعوتهم ،

__________________

(١) ينظر : الرازي ١٣ / ١٨٦.

(٢) سقط في أ.

(٣) ينظر : الرازي ١٣ / ١٨٦.

٤٩٨

وإذا حملناه على هذا الوجه ، لم يبق للمعتزلة تمسّك بهذه الآية.

ومما يقوّي ما ذكرناه : ما روي عن ابن عبّاس ـ رضي الله عنهما ـ ؛ قيل له بعد ذهاب بصره : ما تقول فيمن يقول : لا قدر؟ فقال : إن كان في البيت منهم أحد أتيت عليه ، ويله أما يقول الله : (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ) [القمر : ٤٩] ، (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ) [يس : ١٢].

وقال ابن عباس : «أول ما خلق الله القلم ، فقال له : اكتب ، فجرى القلم فكتب بما يكون إلى قيام السّاعة» وقال ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ : «المكذّبون بالقدر مجوس هذه الأمّة»(١).

قوله : (وَلا آباؤُنا) عطف على الضّمير المرفوع المتّصل ، وزعم سيبويه : أن عطف الظّاهر على المضمر المرفوع في الفعل قبيح ، فلا يجوز أن يقال : «قمت وزيد» ؛ لأن المعطوف عليه أصل والعطف فرع المضمر ، والمظهر قويّ فجعله فرعا للضّعيف لا يجوز ، وإذا عرف هذا فنقول : إن جاء الكلام في جانب الإثبات ؛ وجب تأكيد المضمر فتقول : «أنا وزيد» ، وإن جاء في جانب النّفي قلت : «ما قمت ولا زيد» ، وإذا ثبت هذا ؛ فنقول : قوله : (لَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا) فعطف قوله : (وَلا آباؤُنا) على فاعل الضّمير في قوله : (ما أَشْرَكْنا) ، ولم يأت هنا بتأكيد بضمير رفع منفصل ، ولا فاصل بين المتعاطفين اكتفاء بوجود «لا» الزّائدة للتّأكيد فاصلة بين حرف العطف والمعطوف ، وهذا هو على قواعد البصريّين ، وأمّا الكوفيّون فلا يشترطون شيئا من ذلك ، وقد تقدّم إتقان هذه المسألة.

وفي هذه الآية لم يؤكّد الضمير ، وفي آية النّحل أكّد ؛ فقال تعالى : (ما عَبَدْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلا آباؤُنا) [النحل : ٣٥]. وهناك أيضا قال : (مِنْ دُونِهِ) مرّتين ، وهنا قالها مرة واحدة ، فقال أبو حيّان : «لأن لفظ «العبادة» يصحّ أن ينسب إلى إفراد الله بها ، وهذا ليس بمستنكر ، بل المستنكر عبادة غير الله ، أو شيء مع الله ، فناسب هنا ذكر «من دونه» مع العبادة ، وأمّا لفظ (ما أَشْرَكْنا) ، فالإشراك يدلّ على إثبات شريك ، فلا يتركّب مع هذا الفعل لفظ (مِنْ دُونِهِ) لو كان التّركيب في غير القرآن : «ما أشركنا من دونه» [لم يصحّ المعنى.

وأمّا (مِنْ دُونِهِ) الثّانية ، فالإشراك يدلّ على تحريم أشياء وتحليل أشياء ، فلم يحتج

__________________

(١) أخرجه أبو داود ٤ / ٢٢٢ كتاب السنة : باب في القدر (٤٦٩١) وابن ماجه ١ / ٣٥ المقدمة باب في القدر والحاكم في المستدرك ١ / ٨٥ وقال : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين إن صحّ سماع أبي حازم من ابن عمر ، وأقره الذهبي ، وأحمد في المسند ٢ / ٨٦ ـ ١٢٥ ، وقد ذكره ابن حبان في المجروحين ضمن ترجمة زكريا بن منظور مستشهدا به على أنه «منكر الحديث جدا يروي عن أبي حازم ما لا أصل له من حديثه» المجروحين لابن حبان ١ / ٣١٠.

٤٩٩

إلى لفظ (مِنْ دُونِهِ)](١) ، وأمّا لفظ العبادة فلا يدلّ على تحريم شيء كما يدلّ عليه لفظ «أشرك» ، فقيّد بقوله : (مِنْ دُونِهِ) ولما حذف (مِنْ دُونِهِ) هنا ناسب أن يحذف «نحن» ليطّرد التّركيب في التّخفيف».

قال شهاب الدّين (٢) : «وفي هذا الكلام نظر لا يخفى».

قوله : (مِنْ شَيْءٍ) «من» زائدة في المفعول ، أي : ما حرّمنا شيئا ، و (مِنْ دُونِهِ) متعلّق ب «حرّمنا» أي : ما حرّمنا من غير إذنه لنا في ذلك.

قوله : «و (كَذلِكَ) نعت لمصدر محذوف ، أي : مثل التّكذيب المشار إليه في قوله : (فَإِنْ كَذَّبُوكَ).

وقرىء (٣) : «كذب» بالتّخفيف.

وقوله : (حَتَّى ذاقُوا) جاء به لامتداد التكذيب ، وقوله : (مِنْ عِلْمٍ) يحتمل أن يكون مبتدأ ، و «عندكم» خبر مقدّم ، وأن يكون فاعلا بالظّرف ؛ لاعتماده على الاستفهام ، و «من» زائدة على كلا التّقديرين.

وقرأ النّخعي (٤) وابن وثاب : «إن يتّبعون» بياء الغيبة.

قال ابن عطيّة (٥) : وهذه قراءة شاذّة يضعّفها قوله : (وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ) يعني : أنه أتى بعدها بالخطاب فبعدت الغيبة ، وقد يجاب عنه بأنّ ذلك من باب الالتفات.

قوله : (قُلْ فَلِلَّهِ) بين «قل» وبين «فلله» شيء محذوف ، فقدّره الزمخشري (٦) شرطا ؛ جوابه : فلله ؛ قال : «فإن كان الأمر كما زعمتم من كونكم على مشيئة الله فلله الحجّة».

وقدّره غيره جملة اسميّة ، والتقدير : قل أنتم لا حجّة لكم على ما ادّعيتم فلله الحجّة البالغة عليكم ؛ والحجة البالغة : هي التي تقطع عذر المحجوج ، وتطرد الشّك عمن نظر فيها.

قوله : (فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ).

احتج به أهل السّنّة على أن الكلّ بمشيئة الله ـ تعالى ـ ؛ لأنّ كلمة «لو» في اللّغة تفيد انتفاء الشّيء لانتفاء غيره ، فدلّ هنا على أنّه ـ تعالى ـ ما شاء أن يهديهم وما هداهم أيضا ، وتقريره بالدّليل العقلي : أن قدرة الكافر على الكفر إن لم تكن قدرة على الإيمان ، فالله ـ تعالى ـ على هذا التّقدير ما أقدره على الإيمان ، فلو شاء الإيمان منه ، فقد شاء الفعل من غير قدرة على الفعل ، وذلك محال ، ومشيئة المحال محال ، وإن كانت القدرة

__________________

(١) سقط في ب.

(٢) ينظر : الدر المصون ٣ / ٢١١.

(٣) ينظر : الدر المصون ٣ / ٢١١.

(٤) ينظر : الدر المصون الموضع السابق ، والمحرر الوجيز ٢ / ٣٦٠ ، البحر المحيط ٤ / ٢٤٨.

(٥) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٣٦٠.

(٦) ينظر : الكشاف ٢ / ٧٧.

٥٠٠