اللّباب في علوم الكتاب - ج ٨

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي

اللّباب في علوم الكتاب - ج ٨

المؤلف:

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي


المحقق: عادل أحمد عبد الموجود و علي محمّد معوّض
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-2298-3

الصفحات: ٥٥٢

أحدها ـ وهو مذهب سيبويه (١) ـ : أنه مفعول من أجله ، أي : قالوا ما تقدّم لأجل الافتراء على الباري ـ تبارك وتعالى ـ أي : يزعمون أن الله أمرهم به افتراء عليه.

الثاني : مصدر على غير الصّدر ؛ لأن قولهم المحكي عنهم افتراء ، فهو نظير «قعد القرفصاء» وهو قول الزّجّاج (٢).

الثالث : أنه مصدر عامله من لفظه مقدّر ، أي : افتروا ذلك افتراء.

الرابع : أنه مصدر في موضع الحال ، أي : قالوا ذلك حال افترائهم ، وهي تشبه الحال المؤكّدة ؛ لأن هذا القول المخصوص لا يكون قائله إلّا مفتريا.

وقوله «على الله» يجوز تعلّقه ب «افتراء» على القول الأوّل والرّابع ، وعلى الثاني والثّالث ب «قالوا» لا ب «افتراء» ؛ لأن المصدر المؤكد لا يعمل ، ويجوز أن يتعلّق بمحذوف صفة ل «افتراء» وهذا جائز على كل الأقوال.

قوله : (سَيَجْزِيهِمْ بِما كانُوا يَفْتَرُونَ) والمقصود منه الوعيد ، و «الباء» في قوله : «بما» سببيّة ، و «ما» مصدريّة ، أو موصوفة ، أو بمعنى الّذي.

قوله تعالى : (وَقالُوا ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا وَمُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكاءُ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ)(١٣٩)

هذا نوع رابع من قضاياهم الفاسدة.

قال ابن عبّاس ، وقتادة والشعبي : أراد أجنّة البحائر والسّوائب ، فما ولد منها حيّا ، فهو خالص للرّجال دون النّساء ، وما ولد منها ميّتا ، أكله الرّجال والنّساء جميعا (٣).

والجمهور (٤) على «خالصة» بالتّأنيث مرفوعا على أنه خبر «ما» الموصولة ، والتّأنيث : إمّا حملا على المعنى ؛ لأن الذي في بطون الأنعام أنعام ، ثم حمل على لفظها في قوله : «ومحرّم» ، وإمّا لأنّ التّأنيث للمبالغة كهو في «علّامة» و «نسّابة» و «راوية» و «الخاصّة» و «العامّة» ، وإما لأنّ «خالصة» مصدر على وزن «فاعلة» كالعاقبة والعافية ؛ وقال ـ تبارك وتعالى ـ : (بِخالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ) [ص : ٤٦] وهذا

__________________

(١) ينظر : الكتاب ١ / ١٦٤.

(٢) ينظر : معاني القرآن ٢ / ٣٢٣.

(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٥ / ٣٥٧) عن ابن عباس ومجاهد والسدي.

وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٩١) عن ابن عباس وعزاه لابن مردويه وأبي الشيخ وابن أبي حاتم.

وذكره أيضا (٣ / ٩٠) عن مجاهد بمعناه وعزاه لابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ.

(٤) المحرر الوجيز ٢ / ٣٥١ ، الدر المصون ٣ / ١٩٦ ، والبحر المحيط ٤ / ٢٣٤.

٤٦١

القول قول الفرّاء (١) والأوّل له ولأبي إسحاق الزّجّاج (٢) ، والثاني للكسائي ، وإذا قيل : إنها مصدر كان ذلك على حذف مضاف ، أي : ذو خلوص ، أو على المبالغة ، أو على وقوع المصدر موقع اسم الفاعل ؛ كنظائره كقول الشاعر :

٢٣٥٥ ـ وكنت أمنيّتي وكنت خالصتي

وليس كلّ امرىء بمؤتمن (٣)

قال الكسائي : خالص وخالصة واحد ، مثل وعظ وموعظة.

وهو مستفيض في لسانهم : فلان خالصتي ، أي : ذو خلوصي.

و «لذكورنا» متعلّق به ، ويجوز أن يتعلّق بمحذوف على أنّه وصف ل «خالصة» ، وليس بالقويّ.

وقرأ عبد الله وابن جبير ، وأبو العالية والضّحّاك ، وابن أبي عبلة : «خالص» مرفوعا على ما تقدّم من غير هاء ، و «لذكورنا» متعلّق به ، أو بمحذوف كما تقدّم ، وقرأ ابن جبير ، نقله عنه ابن جنّي (٤) : «خالصا» نصبا من غير تاء ، ونصبه على الحال وفي صاحبه وجهان :

أظهرهما : أنه الضّمير المستتر في الصّلة.

الثاني : أنه الضّمير المستتر في «لذكورنا» فإن «لذكورنا» على هذه القراءة خبر المبتدأ ، وهذا إنّما يجوز على مذهب أبي الحسن ؛ لأنه يجيز تقديم الحال على عاملها المعنوي ، نحو : «زيد مستقرّ في الدّار» والجمهور يمنعونه ، وقد تقدّم تحقيقه.

وقرأ (٥) ابن عباس أيضا ، والأعرج ، وقتادة : «خالصة» نصبا بالتّأنيث ، والكلام في نصبه وتأنيثه كما تقدّم في نظيره ، وخرّجه الزمخشري على أنه مصدر مؤكّد كالعاقبة.

وقرأ ابن عبّاس أيضا ، وأبو رزين ، وعكرمة ، وأبو حيوة : «خالصة» برفع «خالص» مضافا إلى ضمير «ما» ، ورفعه على أحد وجهين :

إما على البدل من الموصول ، بدل بعض من كلّ ، و «لذكورنا» خبر الموصول.

وإما على أنّه مبتدأ ، و «لذكورنا» خبره ، والجملة خبر الموصول ، وقد عرفت ممّا تقدّم أنه حيث قلنا : إن «خالصة» مصدر أو هي للمبالغة ، فليس في الكلام حمل على معنى ثم على لفظ ، وإن قلنا : إن التّأنيث فيها لأجل تأنيث ما في البطون ، كان في الكلام الحمل على المعنى أوّلا [ثم على اللّفظ في قوله : «محرّم» ثانيا ، وليس لذلك في القرآن نظير ، أعني : الحمل على المعنى أوّلا](٦) ثم على اللّفظ ثانيا ، إلّا أن مكّيا زعم في غير

__________________

(١) ينظر : معاني القرآن ١ / ٣٥٩.

(٢) ينظر : معاني القرآن ٢ / ٣٢٤.

(٣) ينظر : روح المعاني ٨ / ٣٥ ، الدر المصون ٣ / ١٩٧.

(٤) ينظر : المحتسب ١ / ٢٣٢.

(٥) ينظر : إتحاف فضلاء البشر ٢ / ١٣٥ ، الدر المصون ٣ / ١٩٦.

(٦) سقط في ب.

٤٦٢

إعراب القرآن الكريم ، له : أنّ لهذه الآية نظائر فذكرها (١) وأما في إعرابه : فلم يذكر أنّ غيرها في القرآن شاركها في ذلك ؛ فقال في إعرابه (٢) : «وإنّما أنّث الخبر ؛ لأن ما في بطون الأنعام أنعام ؛ فحمل التأنيث على المعنى ، ثم قال : «ومحرّم» فذكّر حملا على لفظ «ما» ، وهذا نادر لا نظير له ، وإنّما يأتي في «من» و «ما» حمل الكلام أوّلا على اللّفظ ثم على المعنى بعد ذلك ، فاعرفه فإنه قليل».

وقال في غير «الإعراب» : «هذه الآية في قراءة الجماعة أتت على خلاف نظائرها في القرآن ؛ لأن كل ما يحمل على اللفظ مرة وعلى المعنى مرّة ، إنما يبتدىء أولا بالحمل على اللّفظ ثم يليه الحمل على المعنى ، نحو : (مَنْ آمَنَ بِاللهِ) [البقرة : ٦٢] [ثم قال] : (فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ) هكذا يأتي في القرآن وكلام العرب ، وهذه الآية تقدّم فيها الحمل على المعنى ، فقال «خالصة» ثم حمل على اللّفظ ، فقال : «وحرّم» ومثله (كُلُّ ذلِكَ كانَ سَيِّئُهُ) [الإسراء : ٣٨] في قراءة نافع ومن تابعه ، فأنّث على معنى «كلّ» لأنها اسم لجميع ما تقدّم ممّا نهى عنه من الخطايا ، ثم قال: (عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً) فذكر على لفظ «كلّ» وكذلك (ما تَرْكَبُونَ لِتَسْتَوُوا عَلى ظُهُورِهِ) [الزخرف : ١٢ ، ١٣] جمع الظّهور حملا على معنى «ما» [ووحّد الهاء حملا على لفظ «ما» ، وحكي عن العرب : «هذا الجراد قد ذهب فأراحنا من أنفسه» جمع الأنفس](٣) ووحد الهاء وذكّرها».

قال شهاب الدين (٤) : أما قوله : «هكذا أتى في القرآن» فصحيح ، وأمّا قوله : «وكلام العرب» فليس ذلك بمسلّم ؛ إذ في كلام العرب البداية بالحمل على المعنى ثم على اللّفظ ، وإن كان عكسه هو الكثير ، وأمّا ما جعله نظير هذه الآية في الحمل على المعنى أوّلا ثم على اللّفظ ثانيا ، فليس بمسلّم أيضا ، وكذلك لا نسلّم أن هذه الآية مما حمل فيها على المعنى أولا ثم على اللفظ ثانيا.

وبيان ذلك : أن لقائل أن يقول : صلة «ما» جارّ ومجرور وهو متعلّق بمحذوف ، فتقدره مسندا لضمير مذكر ، أي : ما استقرّ في بطون هذه الأنعام ، ويبعد تقديره باستقرّت ، إذا عرف هذا ، فيكون قد حمل أوّلا على اللّفظ في الصّلة المقدّرة ثم على المعنى ثانيا ، وأما «كلّ ذلك كان سيّئه» فبدأ فيه أيضا بالحمل على اللّفظ في قوله : «كان» فإنه ذكر ضميره المستتر في «كان» ، ثم حمل على المعنى في قوله : «سيّئه» فأنّث ، وكذلك (لِتَسْتَوُوا عَلى ظُهُورِهِ) [الزخرف : ١٣] فإن قبله (ما تَرْكَبُونَ) والتقدير : ما تركبونه ، فحمل العائد المحذوف على اللّفظ أوّلا ثم حمل على المعنى ثانيا ، وكذلك في قولهم : «هذا الجراد قد ذهب» حمل على اللّفظ فأفرد الضمير في «ذهب» ثم حمل على المعنى

__________________

(١) ينظر : إعراب القرآن ١ / ٢٩٢.

(٢) ينظر : المصدر السابق.

(٣) سقط في ب.

(٤) ينظر : الدر المصون ٣ / ١٩٧.

٤٦٣

ثانيا ، فجمع في قوله : «أنفسه» وفي هذه المواضع يكون قد حمل فيها أوّلا على اللّفظ ، ثم على المعنى ثم على اللّفظ ، وكنت قد قدّمت أن في القرآن من ذلك أيضا ثلاثة مواضع : آية المائدة : (وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ) [المائدة : ٦٠] ، ولقمان : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ) [لقمان : ٦] ، والطلاق : (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ) [الطلاق : ١١].

قوله : (وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً) قرأ (١) ابن كثير : «يكن» بياء الغيبة «ميتة» رفعا ، وابن عامر : «تكن» بتاء التّأنيث ، «ميتة» رفعا ، وعاصم في رواية أبي بكر «تكن» بتاء التّأنيث ، «ميتة» نصبا ، والباقون «تكن» كابن كثير «ميتة» كأبي بكر والتّذكير والتّأنيث واضحان ؛ لأن الميتة تأنيث مجازيّ ؛ لأنها تقع على الذّكر والأنثى من الحيوان ، فمن أنّث فباعتبار اللّفظ ، ومن ذكّر فباعتبار المعنى ، هذا عند من يرفع «ميتة» ب «تكن» أمّا من ينصبها ، فإنه يسند الفعل حينئذ إلى ضمير فيذكر باعتبار لفظ «ما» في قوله : (ما فِي بُطُونِ) ويؤنّث باعتبار معناها ، ومن نصب «ميتة» فعلى خبر «كان» النّاقصة ، ومن رفع فيحتمل وجهين :

أحدهما : أن تكون التّامّة ، وهذا هو الظّاهر ، أي : وإن وجد ميتة أو حدثت ، وأن تكون الناقصة وحينئذ يكون خبرها محذوفا ، أي : وإن تكن هناك أو في البطون ميتة وهذا رأي الأخفش ، فيكون تقدير قراءة ابن كثير : وإن يحدث حيوان ميتة ، أو وإن يكن في البطون ميتة على حسب التقديرين تماما ونقصانا ، وتقدير قراءة ابن عامر كتقدير قراءته ، إلا أنه أنّث الفعل باعتبار لفظ مرفوعه ، وتقدير قراءة أبي بكر : وإن تكن الأنعام أو الأجنّة ميتة ، فأنّث حملا على المعنى ، وقراءة الباقين كتقدير قراءته ، إلا أنّهم ذكروا باعتبار اللّفظ.

قال أبو عمرو بن العلاء : ويقوّي هذه القراءة ـ يعني قراءة التّذكير والنّصب ـ قوله : (فَهُمْ فِيهِ) ولم يقل : «فيها» وردّ هذا على أبي عمرو : بأن الميتة لكل ميّت ذكرا كان أو أنثى ، فكأنه قيل : وإن يكن ميّتا فهم فيه ، يعني : فلم يصر له في تذكير الضّمير في «فيه» حجّة.

ونقل الزّمخشري (٢) قراءة ابن عامر عن أهل مكّة ، فقال : «قرأ أهل مكّة «وإن تكن ميتة» بالتأنيث والرّفع» ، فإن عنى بأهل مكّة ابن كثير ـ ولا أظنه عناه ـ فليس كذلك ، وإن عنى غيره ، فيجوز على أنه يجوّز أن يكون ابن كثير قرأ بالتّأنيث أيضا لكن لم يشتهر عنه اشتهار التّذكير.

وقرأ يزيد (٣) «ميّتة» بالتّشديد ، وقرأ (٤) عبد الله : «فهم فيه سواء» قال شهاب الدّين(٥): وأظنّها تفسير لا قراءة ، لمخالفتها السّواد ، وقوله : (وَهُمْ فِيهِ) أي : أن الرّجال والنساء فيه شركاء.

__________________

(١) ينظر : الحجة لأبي زرعة ٢٧٤ النشر ٢ / ٢٦٦ إتحاف فضلاء البشر ٢ / ٣٥ الحجة لابن خالويه ٢٥١ المشكل ١ / ٢٧٣ السبعة ٢٧٠ الزجاج ٢ / ٣٢٤ ، الأخفش ٢ / ٥٠٥.

(٢) ينظر : الكشاف ٢ / ٧٢.

(٣) ينظر : مصادر القراءات المواضع السابقة.

(٤) ينظر : الدر المصون ٣ / ١٩٨ ، المحرر الوجيز ٢ / ٣٥٢ ، والبحر المحيط ٤ / ٢٣٥.

(٥) ينظر : الدر المصون ٣ / ١٩٨.

٤٦٤

قوله : (سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ) أي : بوصفهم أو على وصفهم بالكذب على الله سبحانه وتعالى. إنه حكيم عليم.

قوله تعالى : (قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا ما رَزَقَهُمُ اللهُ افْتِراءً عَلَى اللهِ قَدْ ضَلُّوا وَما كانُوا مُهْتَدِينَ)(١٤٠)

هذا جواب قسم محذوف وقرأ ابن كثير (١) وابن عامر ، وهي قراءة الحسن وأبي عبد الرحمن : «قتّلوا» بالتشديد ؛ مبالغة وتكثيرا ، والباقون (٢) بالتّخفيف.

و «سفها» نصب على الحال ، أي : ذوي سفه أو على المفعول من أجله ، وفيه بعد ؛ لأنه ليس علّة باعثة أو على أنه مصدر لفعل مقدّر ، أي : سفهوا سفها أو على أنه مصدر على غير الصّدر ؛ لأن هذا القتل سفه.

وقرأ (٣) اليماني «سفهاء» على الجمع ، وهي حال وهذه تقوّي كون قراءة العامّة مصدرا في موضع الحال ، حيث صرّح بها ، و (بِغَيْرِ عِلْمٍ) : إما حال أيضا وإما صفة ل «سفها» وليس بذاك.

فصل في إلزام الكفار الخسران

واعلم أنه ـ تبارك وتعالى ـ ذكر فيما تقدّم قتلهم أولادهم وتحريمهم ما رزقهم الله ، ثم إنه ـ تبارك وتعالى ـ جمع هذين الأمرين في هذه الآية الكريمة ، وبيّن ما لزمهم على هذا الحكم وهو الخسران والسّفاهة وعدم العلم ، وتحريم ما رزقهم الله والافتراء على الله ، والضّلال وعدم الاهتداء ، فهذه أمور سبعة وكل واحد منها سبب تامّ في حصول الذّمّ ، أما الخسران : فلأن الولد نعمة عظيمة على العبد من الله ، فمن سعى في إبطاله ، فقد خسر خسرانا عظيما ، لا سيّما يستحق على ذلك الإبطال الذّم العظيم في الدّنيا والعقاب في الآخرة ، أما الذم في الدّنيا : فلأن النّاس يقولون : قتل ولده خوفا من أن يأكل طعامه ، وليس في الدّنيا ذمّ أشد منه.

وأما العقاب في الآخرة : فلأن قرابة الولادة أعظم موجبات المحبّة ، فمع حصولها إذا أقدم على إلحاق أعظم المضارّ به ، كان ذلك أعظم أنواع الذّنوب ، فكان موجبا لأعظم أنواع العقاب.

وأما السّفاهة : فهي عبارة عن الخفّة المذمومة ؛ وذلك لأن قتل الولد إنما يكون

__________________

(١) ينظر : إتحاف فضلاء البشر ٢ / ٣٩ ، السبعة ٢٧١ النشر ٢ / ٢٦٦. الحجة لأبي زرعة ٢٧٥ إعراب القراءات ١ / ١٧٢.

(٢) ينظر : الدر المصون ٣ / ١٩٩ ، المحرر الوجيز ٢ / ٣٥٣.

(٣) ينظر : الدر المصون ٣ / ١٩٩ ، والبحر المحيط ٤ / ٢٣٥.

٤٦٥

للخوف من الفقر ، والفقر وإن كان ضررا إلّا أن القتل أعظم منه ، وأيضا فهذا القتل ناجز وذلك الفقر موهوم ، فالتزام أعظم المضارّ على سبيل القطع حذرا من ضرر موهوم لا شكّ أنه سفاهة.

وأما قوله : (بِغَيْرِ عِلْمٍ) فالمقصود أن هذه السّفاهة إنما تولّدت من عدم العلم ، ولا شك أن الجهل أعظم المنكرات والقبائح.

وأما تحريم ما رزقهم الله : فهو من أعظم أنواع الحماقة ؛ لأنه يتبعه أعظم أنواع العذاب.

وأما الافتراء على الله : فلا شكّ أن الجرأة على الله ، والافتراء عليه أعظم الذّنوب وأكبر الكبائر.

وأما الضلال : فهو عبارة عن الضّلال عن الرّشد في مصالح الدّين ومنافع الدّنيا.

وأما قوله : (وَما كانُوا مُهْتَدِينَ) فالفائدة فيه أنّه قد يضلّ الإنسان عن الحقّ ، إلا أنّه يعود إلى الاهتداء ، فبين ـ تبارك وتعالى ـ أنّهم قد ضلّوا ولم يحصل لهم الاهتداء قط ، وهذا نهاية المبالغة في الذّمّ (١).

فصل في نزول الآية

قال المفسّرون : نزلت هذه الآية في ربيعة ومضر وبعض من العرب وغيرهم ، كانوا يدفنون البنات أحياء مخافة السّبي والفقر ، وكان بنو كنانة لا يفعلون ذلك وحرّموا ما رزقهم الله يعني بالبحيرة والسّائبة والوصيلة والحامي افتراء على الله ، حيث قالوا : إن الله أمرهم بهذا (قَدْ ضَلُّوا وَما كانُوا مُهْتَدِينَ).

قوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشابِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ)(١٤١)

اعلم أنه ـ تعالى ـ لما جعل مدار هذا الكتاب الشّريف على تقرير التّوحيد والنبوة والمعاد ، وإثبات القضاء والقدر ، وإنه ـ تبارك وتعالى ـ بالغ في تقرير هذه الأصول ، ثم شرح أحوال السّعداء والأشقياء وانتقل إلى تهجين طريقة منكري البعث ، ونبه على ضعف عقولهم ، وتنفير النّاس عن الالتفات إلى قولهم والاعتزاء بشبهاتهم ، عاد بعدها إلى المقصود الأصلي ، وهو إقامة الدّلائل على تقرير التّوحيد ، فقال ـ تعالى ـ : (وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشاتٍ) وهذا الدّليل قد سبق في هذه السّورة ، وهو قوله ـ تعالى ـ : (وَهُوَ

__________________

(١) ينظر : الرازي ١٣ / ١٧٢.

٤٦٦

الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ) [الأنعام : ٦٩] فالآية المتقدمة ذكر فيها خمسة أنواع : وهي الزّرع ، والنخل ، وجنّات من أعناب ، والزيتون والرّمّان ، وذكر في هذه الآية الكريمة [هذه الخمسة وقال :] (مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ) وهنا (مُتَشابِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ) وذكر في الآية المتقدمة : (انْظُرُوا إِلى ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ) وذكر في هذه الآية : (كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ) فأذن في الانتفاع بها ، وأمر بصرف جزء منها إلى الفقراء ، فالذي حصل به الامتياز بين الآيتين : أن هناك أمر بالاستدلال بها على الصّانع الحكيم وههنا أذن في الانتفاع بها ، وذلك تنبيه على أن الأمر بالاستدلال بها على الصّانع الحكيم مقدّم على الإذن في الانتفاع ؛ لأن الاستدلال على الصّانع يحصل به سعادة أبدية ، والانتفاع يحصل به سعادة جسمانيّة سريعة الانقضاء والأول أولى بالتّقديم.

وقال القرطبي (١) : ووجه اتّصال هذا بما قبله : أن الكفّار لما افتروا على الله الكذب ، وأشركوا معه وحلّلوا أو حرّموا ، دلّهم على وحدانيّته بأنه خالق الأشياء ، وأنه جعل هذه الأشياء أرزاقا لهم.

قوله : (أَنْشَأَ جَنَّاتٍ) أي : خلقها ، يقال : نشأ الشّيء ينشأ نشأه ونشاءة ، إذا ظهر وارتفع ، والله ينشئه إنشاء ، أي : يظهره ويرفعه.

وقوله : «معروشات» يقال : عرشت الكرم أعرشه عرشا وعرّشته تعريشا إذا عطفت العيدان الّتي تشال عليها قضبان الكرم ، والواحد عرش ، والجمع عروش ، ويقال : عريش وجمعه عرش ، واعترش العنب العريش اعتراشا ، وفيه أقوال :

أحدها : قال الضّحّاك : إن المعروشات وغير المعروشات كلاهما الكرم (٢) ؛ فإن بعض الأعناب يعرّش وبعضها لا يعرّش ، بل يبقى على وجه الأرض منبسطا.

وثانيها : المعروشات : العنب الّتي يجعل لها عروش ، وغير المعروشات : كلّ ما ينبت منبسطا على وجه الأرض ؛ مثل القرع والبطّيخ (٣).

وثالثها : قال ابن عبّاس ـ رضي الله عنهما ـ : المعروشات : ما يحتاج أن يتّخذ له عريش يحمل عليه ؛ مثل الكرم والبطّيخ والقرع وغيرها ، وغير المعروش : هو القائم على ساقه كالنّخل والزّرع(٤).

ورابعها : المعروشات : ما يحصل في البساتين والعمرانات مما يغرسه النّاس ، وغير المعروشات : مما أنبته الله ـ تبارك وتعالى ـ وجني في البراري والجبال.

__________________

(١) ينظر : تفسير القرطبي ٧ / ٦٥.

(٢) ينظر : الرازي ١٣ / ١٧٣.

(٣) ينظر : المصدر السابق.

(٤) ذكره الرازي في «تفسيره» (١٣ / ١٧٣) عن ابن عباس.

٤٦٧

فصل في معنى الزرع والنخل

والزّرع والنّخل ؛ فسر ابن عبّاس ـ رضي الله عنهما ـ الزّرع ههنا : لجميع الحبوب التي تقتات (١) ، أي : وأنشأ الزّرع ، وأفردا بالذّكر وهما داخلان في النّبات ؛ لما فيهما من الفضيلة على ما تقدّم بيانه في البقرة عند قوله ـ تعالى ـ : (مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ) [البقرة : ٩٨].

قوله ـ تعالى ـ : (مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ) : منصوب على الحال وفيها قولان :

أحدهما : أنها حال مقدّرة ؛ لأن النّخل والزرع وقت خروجهما لا أكل فيهما ؛ حتى يقال فيه : متّفق أو مختلف ؛ فهو كقوله ـ تبارك وتعالى ـ : (فَادْخُلُوها خالِدِينَ) [الزمر : ٧٣] ، وكقولهم : «مررت برجل معه صقر صائدا به غدا» أي : مقدّرا الاصطياد به.

والثاني : أنها حال مقارنة ، وذلك على حذف مضاف ، أي : وثمر النّخل وحبّ الزّرع ، و «أكله» مرفوع ب «مختلفا» [لأنه اسم فاعل ، وشروط الإعمال موجودة ، والأكل : الشّيء المأكول ، وقد تقدّم أنه يقرأ بضمّ الكاف وسكونها ، ومضى تحقيقه في البقرة : [٢٦٥] ، والضّمير في «أكله» الظاهر أنّه يعود على الزّرع فقط :

إمّا لأنّه حذف حالا من النّخل ؛ لدلالة هذه عليه ، تقديره : والنّخل مختلفا أكله ، والزّرع مختلفا](٢) أكله.

وإمّا لأن الزّرع هو الظّاهر فيه الاختلاف بالنّسبة إلى المأكول منه ؛ كالقمح والشّعير والفول والحمص والعدس وغير ذلك.

وقيل : إنها تعود عليهما.

قال الزّمخشريّ (٣) : والضّمير للنّخل والزّرع داخل في حكمه ؛ لكونه معطوفا عليه.

وقال أبو حيّان (٤) : وليس بجيّد ؛ لأن العطف بالواو ، ولا يجوز إفراد ضمير المتعاطفين.

وقال الحوفيّ : «والهاء في «أكله» عائدة على ذكر ما تقدّم من هذه الأشياء المنشآت». وعلى هذا الذي ذكره الحوفي : لا تختصّ الحال بالنخل والزّرع ، بل يكون لما تقدّم جميعه.

قال أبو حيّان (٥) : «ولو كان كما زعم ، لكان التّركيب : «أكلها» إلا إن أخذ ذلك على حذف مضاف ، أي : ثمر جنّات ، وروعي هذا المحذوف فقيل : «أكله» بالإفراد على

__________________

(١) انظر المصدر السابق.

(٢) سقط في أ.

(٣) ينظر : الكشاف ٢ / ٧٢.

(٤) ينظر : البحر المحيط ٤ / ٣٨.

(٥) ينظر : المصدر السابق.

٤٦٨

مراعاته ، فيكون ذلك كقوله : (أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشاهُ مَوْجٌ) [النور : ٤٠] ، أي : أو كذا ظلمات ، ولذلك أعاد الضمير في يغشاه عليه».

قال شهاب الدّين (١) : فيبقى التّقدير : مختلفا أكل ثمر الجنّات وما بعدها ، [وهذا] يلزم منه إضافة الشّيء إلى نفسه ؛ لأن الأكل كما تقدّم غير مرّة أنه الثّمر المأكول.

قال الزمخشري (٢) في الأكل : «وهو ثمره الذي يؤكل».

وقال ابن الأنباري : إن «مختلفا» نصب على القطع ، فكأنه قال : «والنّخل والزّرع المختلف أكلهما» وهذا رأي الكوفيّين ، وقد تقدم إيضاحه غير مرّة.

وقوله : (وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ انْظُرُوا إِلى ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذلِكُمْ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) وقد تقدّم إيضاحه [الأنعام : ٩٩].

قال القرطبيّ (٣) : (وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ) عطف عليه ، (مُتَشابِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ) نصب على الحال ، وفي هذه أدلّة ثلاثة :

أحدها : ما تقدّم من إقامة الدّليل على أنّ المتغيّرات لا بدّ لها من مغيّر.

الثاني : أن الدّلالة على المنّة منه ـ سبحانه وتعالى ـ علينا ، فلو شاء إذ خلقنا ألّا يخلق لنا غذاء ، وإذا خلقه ألّا يكون جميل المنظر طيّب الطّعم ، وإذا خلقه كذلك ألّا يكون سهل الجني ، فلم يكن عليه أن يفعل ذلك ابتداء ؛ لأنه لا يجب عليه شيء.

الثالث : الدّلالة على القدرة في أن يكون الماء الذي من شأنه الرسوب ، يصعد بقدرة علّام الغيوب من أسافل الشّجرة إلى أعاليها ، حتى إذا انتهى إلى آخرها ، نشأ فيها أوراق ليست من جنسها ، وثمر خارج من الجرم الوافر ، واللّون الزّاهر ، والجنى الجديد ، والطّعم اللذيذ ؛ فأين الطّباع وأجناسها؟ وأين الفلاسفة وأناسها؟ هل في قدرة الطّبيعة أن تتقن هذا الإتقان ، أو ترتّب هذا التّرتيب العجيب؟ كلّا لم يتمّ ذلك في العقول إلّا بتدبير عالم قدير مريد ، فسبحان من له في كل شيء آية ونهاية!

فصل في المقصود من خلق المنافع

لما ذكر كيفيّة خلقه لهذه الأشياء ، ذكر ما هو المقصود الأصلي من خلقها ، وهو انتفاع المكلّفين ؛ فقال : (كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ) واختلفوا ما الفائدة منه؟

قال بعضهم : فائدته الإباحة.

وقال آخرون : المقصود منه إباحة الأكل قبل إخراج الحقّ ؛ لأنه ـ تعالى ـ لمّا أوجب الحقّ فيه ، كان يجوز أن يحرم على المالك تناوله لمشاركة المساكين ، بل هذا هو

__________________

(١) ينظر : الدر المصون ٣ / ١٩٩ ـ ٢٠٠.

(٢) ينظر : الكشاف ٢ / ٧٢.

(٣) ينظر : القرطبي ٧ / ٦٥.

٤٦٩

الظّاهر ، فأباح هذا الأكل وأخرج وجوب الحقّ فيه من أن يكون مانعا من هذا التّصرّف (١).

وقال بعضهم (٢) : بل أباح ـ تعالى ـ ذلك ليبيّن أنّ المقصد بخلق هذه النّعم الأكل ، وأما تقديم ذكر الأكل على التصدّق ؛ لأن رعاية النّفس متقدّمة على الغير ؛ قال : (وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا) [القصص : ٧٧].

فصل في بيان الأصل في المنافع

تمسّك بعضهم (٣) بقوله : (كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ) بأن الأصل في المنافع : الإباحة ؛ لأن قوله ـ تعالى ـ : «كلوا» خطاب عامّ يتناول الكلّ ، فصار كقوله : (خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ) [البقرة : ٢٩] ويمكن التمسّك به على أنّ الأصل : عدم وجوب الصّدقة ؛ لأن من ادّعى إيجابه ، كان هو المحتاج إلى الدّليل ، فيتمسّك به في أنّ المجنون إذا أفاق في أثناء الشّهر ، لا يلزمه قضاء ما قضى ، وفي أنّ الشّارع في صوم النّقل لا يجب عليه الإتمام.

فصل

قال القرطبي (٤) : قوله ـ تعالى ـ : (كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ) هذان بناءان جاءا بصيغة أفعل. أحدهما : للإباحة ؛ كقوله : (فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ) [الجمعة : ١٠]. والثاني : للوجوب ، وليس يمتنع في الشّريعة اقتران الإباحة والواجب وبدأ بذكر نعمة الأكل قبل الأمر بإيتاء الحق ؛ ليبيّن أن الابتداء بالنّعمة كان من فضله قبل التكليف.

وقال ابن الخطيب (٥) : وعلى أنّ صيغة الأمر ترد لغير الوجوب والنّدب ، وعند هذا ، قال بعضهم : الأصل في الاستعمال : الحقيقة ؛ فوجب جعل هذه الصّيغة مفيدة لرفع الحرج ؛ فلهذا قالوا : الأمر يقتضي الإباحة إلا أن نقول : يعلم بالضّرورة من لغة العرب ، أن هذه الصّيغة تفيد ترجيح جانب الفعل ، فحملها على الإباحة لا يصار إليه إلّا بدليل منفصل.

قوله : (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ) قرأ أبو عمر (٦) وابن عامر وعاصم بفتح الحاء : «حصاده» والباقون بكسرها ، وهما لغتان في المصدر ؛ كقولهم : جداد وجداد ، وقطاف وقطاف ، وحران وحران والصّرام والصّرام.

قال سيبويه (٧) : جاءوا بالمصدر حين أرادوا انتهاء الزّمان على مثال : «فعال» وربما

__________________

(١) ينظر : الرازي ١٣ / ١٧٤.

(٢) ينظر : المصدر السابق.

(٣) ينظر : المصدر السابق.

(٤) ينظر : القرطبي ٧ / ٦٥.

(٥) ينظر : الرازي ١٣ / ١٧٤.

(٦) ينظر : الحجة لأبي زرعة ٢٧٥ السبعة ٢٧١ ، النشر ٢ / ٢٦٦ اتحاف فضلاء البشر ٢ / ٣٦ إعراب القراءات ١ / ١٧٢.

(٧) ينظر : الكتاب ٢ / ٢١٧.

٤٧٠

قالوا فيه : «فعال» يعني : أنّ هذا مصدر خاصّ دالّ على معنى زائد على مطلق المصدر ؛ فإن المصدر الأصليّ إنما هو الحصد ، فالحصد ليس فيه دلالة على انتهاء زمان ولا عدمها ؛ بخلاف الحصاد والحصاد.

ونسب الفرّاء الكسر لأهل الحجاز ، والفتح ل «تميم» و «نجد» ، واختار أبو عبيد الفتح ؛ قال : للفخامة ، وإن كانت الأخرى «فاشية غير مدفوعة» ، ومكي (١) الكسر ؛ قال : «لأنّه الأصل ، وعليه أكثر الجماعة».

وقوله : (يَوْمَ حَصادِهِ) فيه وجهان :

أحدهما : أنه منصوب ب «آتوا» أي : أعطوا واجبه يوم الحصاد ، واستشكل بعض النّاس ذلك بأنّ الإيتاء إنما يكون بعد التّصفية ؛ فكيف يوجب الإيتاء في يوم الحصد؟

وأجيب : بأنّ ثمّ محذوفا ، والتّقدير : إلى تصفيته ، قالوا : فيكون الحصاد سببا للوجوب الموسّع ، والتّصفية سبب للأداء ، وأحسن من هذا أن يكون المعنى : واهتموّا بإيتاء الواجبة فيه واقصدوه في ذلك اليوم.

الثاني : أنه منصوب بلفظ «حقّه» على معنى : وأعطوا ما استحقّ منه يوم حصاده ، فيكون الاستحقاق ثابتا يوم الحصاد والأداء بعد التّصفية ؛ ويؤيد ذلك تقدير المحذوف عند بعضهم كما قدّمته ، وقال في نظير هذه الآية : (انْظُرُوا إِلى ثَمَرِهِ) [الأنعام : ٩٩] ، وفي هذه : «كلوا» قيل : لأن الأولى سيقت للدّلالة على كمال قدرته ، وعلى إعادة الأجسام من عجب الذنب ، فأمر بالنظر والتّفكّر في البداية والنّهاية ، وهذه سيقت في معرض كمال الامتنان فناسب الأمر بالأكل ، وتحصّل من مجموع الآيتين : الانتفاع الأخرويّ والدّنيوي ، وهذا هو السّبب لتقدّم النّظر على الأمر بالأكل كما قدمنا.

فصل في معنى الحق هنا

اختلفوا في هذا الحق :

فقال ابن عبّاس في رواية عطاء وطاوس والحسن وجابر بن زيد وسعيد بن المسيّب : أنّها الزّكاة المفروضة من العشر فيما سقت السّماء ، ونصف العشر فيما سقي بالكلفة (٢).

وقال علي بن الحسين وعطاء ومجاهد وحمّاد والحكم هو حقّ في المال سوى الزّكاة أمر بإيتائه ؛ لأن الآية مكيّة وفرضت الزّكاة بالمدينة (٣).

__________________

(١) ينظر : المشكل ١ / ٤٥٦.

(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٥ / ٣٦٢ ـ ٣٦٣) عن ابن عباس والحسن وجابر بن زيد وسعيد بن المسيب وقتادة وطاوس وانظر : «الدر المنثور» (٣ / ٩٢ ـ ٩٣).

(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٥ / ٣٦٥) عن علي بن الحسين وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٩٣) عن الشعبي وعزاه لسعيد بن منصور وابن المنذر.

٤٧١

قال إبراهيم : هو الضّغث (١) وقال الرّبيع : لقاط السّنبل (٢).

وقال مجاهد : كانوا يعلّقون العذق عند الحرم ، فيأكل منه كلّ من مرّ (٣).

وقال يزيد بن الأصمّ : كان أهل المدينة إذا أحرموا يجيئون بالعذق فيعلّقونه في جانب المسجد ، فيجيء المسكين فيضربه بعصاه فيسقط منه (٤).

وقال سعيد بن جبير : كان هذا حقا يؤمر بإيتائه في ابتداء الإسلام ، فصار منسوخا بإيجاب العشر (٥).

وقال مقسم عن ابن عبّاس : نسخت الزّكاة كلّ نفقة في القرآن (٦).

والصّحيح الأوّل ؛ لأن قوله ـ تعالى ـ : (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ) إنما يحسن ذكره إذا كان الحقّ معلوما قبل ورود هذه الآية ؛ لئلا تبقى هذه الآية مجملة.

وقال ـ عليه‌السلام ـ : «ليس في المال حقّ سوى الزّكاة» فوجب أن يكون المراد بهذا الحقّ حق الزّكاة.

قوله : (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ) بعد ذكر العنب والنّخل والزّرع والزّيتون والرّمّان يدلّ

على وجوب الزّكاة في الثّمار كما يقوله أبو حنيفة ، فإن لفظ الحصاد قيل : هو مخصوص بالزّرع.

فالجواب : لفظ الحصد في اللّغة عبارة عن القطع ، وذلك يتناول الكلّ ، وأيضا فالضّمير في قوله : «حصاده» يجب عوده إلى أقرب المذكورات وذلك هو الزّيتون والرّمّان ، فوجب أن يعود الضّمير.

فصل في بيان زكاة الزروع

قال أبو حنيفة : العشر واجب في القليل والكثير لهذه الآية.

وقال الأكثرون : لا يجب إلّا إذا بلغ خمسة أوسق ؛ لأن الحديث عن الحقّ الواجب ههنا ما هو (٧).

قال القرطبي (٨) : وبهذه الآية استدلّ من أوجب العشر في الخضراوات ؛ لقوله

__________________

(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٥ / ٣٦٦).

(٢) المصدر السابق.

(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٥ / ٣٦٦ ، ٣٦٧).

(٤) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٩٢) وعزاه لسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ.

(٥) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٥ / ٣٦٧) عن سعيد بن جبير.

(٦) ذكره البغوي في «تفسيره» (٢ / ١٣٧) من طريق مقسم عن ابن عباس.

(٧) ينظر : الرازي ١٣ / ١٧٥.

(٨) ينظر : القرطبي ٧ / ٦٨.

٤٧٢

تعالى : (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ) والمذكور قبله الزّيتون والرّمّان ، والمذكور عقب الجملة ينصرف إلى الأخيرة بلا خلاف قاله الكيا الطبري.

قوله : (وَلا تُسْرِفُوا) قال أبو العبّاس عن ابن الأعرابيّ : السّرف تجاوز الحدّ.

وقال غيره : سرف المال : ما ذهب منه من غير منفعة (١).

قال القرطبي (٢) : الإسراف في اللّغة : الخطأ.

قال ابن عبّا س «وحقّ الله» في رواية الكلبي عنه ؛ أن ثابت بن قيس بن شماس جذذ خمسمائة نخلة ، وقسّمها في يوم واحد ولم يترك لأهله شيئا ؛ فأنزل الله هذه الآية (٣).

وقال السّدّيّ : «لا تسرفوا ؛ أي : لا تعطوا أموالكم فتقعدوا فقراء» (٤).

قال الزّجّاج ـ رحمه‌الله ـ : فعلى هذا إذن : إعطاء الإنسان كل ماله ، ولم يوصل إلى عياله شيئا وقد أسرف ؛ لقوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ : «ابدأ بنفسك ثمّ بمن تعول».

وقال سعيد بن المسيّب : معناه : لا تمنعوا الصّدقة (٥) فعلى الأوّل معنى الإسراف ؛ تجاوز [الحدّ في الإعطاء ، وعلى هذا الإسراف : تجاوز](٦) الحدّ في المنع.

وقال مقاتل : لا تسرفوا : لا تشركوا الأصنام في الحرث والأنعام (٧).

وقال الزّهري : معناه : لا تنفقوا في معصية الله ـ تعالى ـ.

قال مجاهد (٨) : لو كان أبو قبيس ذهبا فأنفقه أحد في سبيل الله وطاعة الله ، لم يكن مسرفا ، ولو أنفق درهمان في معصية الله ، كان مسرفا ، وهذا المعنى أراده الشّاعر بقوله : [الوافر]

٢٣٥٦ ـ ذهاب المال في جهد وأجر

ذهاب لا يقال له : ذهاب

قيل لحاتم الطائيّ : لا خير في السّرف ، فقال : لا سرف في الخير (٩).

وروى ابن وهب عن ابن زيد قال : الخطاب إلى السّلاطين ، يقول : لا تأخذوا فوق حقكم ، قال ـ عليه الصّلاة والسلام ـ : «المعتدي في الصّدقة كمانعها» (١٠).

__________________

(١) ينظر : الفخر الرازي ١٣ / ١٧٥.

(٢) ينظر : القرطبي ٧ / ٧٢.

(٣) ذكره الرازي في «تفسيره» (١٣ / ١٧٦).

(٤) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٩٤) وعزاه لأبي حاتم وأبي الشيخ عن السدي.

(٥) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٥ / ٣٧١) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٩٣) وعزاه لعبد الرزاق وابن أبي حاتم.

(٦) سقط في ب.

(٧) ذكره الفخر الرازي في «تفسيره» (١٣ / ١٧٦) عن مقاتل.

(٨) ينظر : القرطبي ٧ / ٧٢ ، الفخر الرازي ١٣ / ١٧٦.

(٩) ينظر : القرطبي ٧ / ٧٢ ، الفخر الرازي ١٣ / ١٧٦.

(١٠) أخرجه أبو داود ٢ / ١٠٥ كتاب الزكاة : باب في السائمة (١٥٨٥) والترمذي ٣ / ٣٨ الزكاة : باب ما جاء في المعتدي في الصدقة (٦٤٦). ـ

٤٧٣

وقال أبو عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم : الإسراف ما لم يقدر على ردّه إلى الصّلاح (١).

وقال النّضر بن شميل (٢) : الإسراف : التّبذير والإفراط ، والسّرف : الغفلة والجهلة ، وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) [الأنعام : ١٤١] المقصود منه الزّجر ؛ لأن كل من لا يحبّه الله ـ تعالى ـ فهو من أهل النّار ؛ لقوله ـ تعالى ـ : (قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ) [المائدة : ١٨] ، حين قالوا (نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ) [المائدة : ١٨].

قوله تعالى : (وَمِنَ الْأَنْعامِ حَمُولَةً وَفَرْشاً كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ)(١٤٢)

قوله ـ تعالى ـ : (حَمُولَةً وَفَرْشاً) منصوبان على أنّهما نسقا على «جنّات» أي : وأنشأ من الأنعام حمولة ، و «الأنعام» قيل : هي من الإبل خاصّة ، وقيل : الإبل والبقر والغنم.

وقيل : ما أحلّه الله ـ تعالى ـ من الحيوان ؛ قاله أحمد بن يحيى (٣) ، قال القرطبيّ : وهذا أصحّها.

وقال القرطبي : فعولة بفتح الفاء ، إذا كانت بمعنى الفاعل استوى فيها المذكّر والمؤنّث ؛ نحو قولك : رجل فروقة وامرأة فروقة للجبان والخائف ، ورجل صرورة وامرأة صرورة إذا لم يحجّا ؛ ولا جمع له فإذا كانت بمعنى المفعول ، فرق بين المذكّر والمؤنّث بالهاء ؛ كالحلوبة والرّكوبة ، والحمولة بضم الحاء : أحمال وأما الحمول : بالضّمّ بغير هاء فهي الإبل الّتي عليها الهوادج كان فيها نساء أو لم يكنّ ؛ قاله أبو زيد (٤).

والحمولة : ما أطاق الحمل عليه من الإبل ، والفرش : صغارها هذا هو المشهور في اللّغة.

وقيل الحمولة : كبار الأنعام ، أعني : الإبل والبقر والغنم ، والفرش : صغارها قال : «ويدلّ له أنّه أبدل منه قوله بعد ذلك : (ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ مِنَ الضَّأْنِ) كما سيأتي لأنها دانية من

__________________

ـ قال أبو عيسى : هذا حديث غريب ، وقد تكلم أحمد بن حنبل في سعد بن سنان ، هكذا روى الليث عن سعد بن سنان ، وقال عمرو بن الحارث وابن لهيعة عن يزيد أبي حبيب ، عن سنان بن سعد ، عن أنس. قال محمد بن إسماعيل : الصحيح سنان بن سعد. وابن ماجه في كتاب الزكاة (١ / ٥٧٨) باب ما جاء في عمال الصدقة (١٨٠٨). وأبو عبيد في الأموال ص ٣٦٤ ، كتاب الصدقة وأحكامها وسننها : باب ما يجب على المصدق من العدل في عمله وما في ذلك من الفضل (١٠٨٢).

والبغوي في «شرح السنة» (٣ / ٣٦٤) من طريق سعد بن سنان عن أنس بن مالك مرفوعا.

ومعنى الحديث : أن على المعتدي في الصّدقة من الإثم ما على المانع ، ولا يحل لرب المال كتمان المال وإن اعتدى عليه الساعي.

(١) ينظر : تفسير القرطبي ٧ / ٧٣.

(٢) ينظر : المصدر السابق.

(٣) ينظر : القرطبي ٧ / ٧٣.

(٤) ينظر : القرطبي ٧ / ٧٣ ـ ٧٤.

٤٧٤

الأرض بسبب صغر أجرامها ، مثل الفرش وهي الأرض المفروش عليها».

وقال الزّجّاج (١) : أجمع أهل اللّغة على أنّ الفرش صغار الإبل ، وأنشد القائل : [الرجز]

٢٣٥٧ ـ أورثني حمولة وفرشا

أمشّها في كلّ يوم مشّا (٢)

وقال الآخر : [الرمل]

٢٣٥٨ ـ وحوينا الفرش من أنعامكم

والحمولات وربّات الحجال (٣)

قال أبو زيد : «يحتمل أن يكون سمّيت بالمصدر ؛ لأن الفرش في الأصل مصدر» والفرش لفظ مشترك بين معان كثيرة : منها ما تقدّم ، ومنها : متاع البيت والفضاء الواسع ، واتّساع خفّ البعير قليلا ، والأرض الملساء ، عن أبي عمرو بن العلاء ، ونبات يلتصق بالأرض ، ومنه قول الشاعر: [الرجز]

٢٣٥٩ ـ كمشفر النّاب تلوك الفرشا (٤)

وقيل الحمولة : كل ما حمل عليه من إبل وبقر وبغل وحمار.

والفرش هنا : ما اتّخذ من صوفه ووبره وشعره ما يفترش ؛ وأنشدوا للنّابغة : [الطويل]

٢٣٦٠ ـ وحلّت بيوتي في يفاع ممنّع

تخال به راعي الحمولة طائرا (٥)

وقال عنترة : [الكامل]

٢٣٦١ ـ ما راعني إلّا حمولة أهلها

وسط الدّيار تسفّ حبّ الخمخم (٦)

قوله : (كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ) يريد : ما أحلّها لكم.

قالت المعتزلة (٧) : إنه ـ تبارك وتعالى ـ أمر بأكل الرّزق ، ومنع من أكل الحرام ينتج أن الرّزق ليس بحرام.

ثم قال ـ تعالى ـ : (وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ) أي : التّحليل والتّحريم من عند

__________________

(١) ينظر : معاني القرآن ٢ / ٣٢٧.

(٢) ينظر : القرطبي ٧ / ١١٢ ، البحر ٤ / ٢٣٨ الدر المصون ٣ / ٢٠٠.

ومشّ الناقة يمشّها مشّا من باب «نصر» أي : حلبها.

(٣) ينظر : القرطبي ٧ / ١١٢ ، البحر ٤ / ٢٣٧ ، الدر المصون ٣ / ٢٠١ ، ورواية القرطبي : «وربات الحجل».

(٤) ينظر : اللسان (فرش) ، البحر ٤ / ٢٣٧ ، الدر المصون ٣ / ٢٠١.

(٥) ينظر : ديوانه ص ٦٩ ـ ٧٠ ، الكتاب ١ / ٣٦٨ ، شرح أبيات سيبويه ١ / ٣٠ ، شرح المفصل ٢ / ٥٤ ، تخليص الشواهد ٤٣٧ ، شرح قطر الندى ص ١٧٢ لسان العرب (حمل) الدر المصون ٣ / ٢٠١.

(٦) ينظر : ديوانه (١٧) ، شرح القصائد ٣٢٧ ، التهذيب ٧ / ١٧ ، تفسير القرطبي ٧ / ١١٢ ، الدر المصون ٣ / ٢٠١.

(٧) ينظر : الرازي ١٣ / ١٧٧.

٤٧٥

أنفسكم ، كما فعله أهل الجاهليّة ، أي : لا تسلكوا طرائق الشّيطان وأبان (إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) أي : بيّن العداوة أخرج آدم من الجنّة ، وقوله : (لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلاً) [الإسراء : ٦٢].

قال الزجاج : في خطوات الشّيطان ثلاثة أوجه : ضم الطاء (١) ، وفتحها ، وإسكانها.

قوله تعالى : (ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (١٤٣) وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللهُ بِهذا فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)(١٤٤)

قوله تعالى : (ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ) في نصبه ستة أوجه :

أحسنها : أن يكون بدلا من (حَمُولَةً وَفَرْشاً) لو لا ما نقله الزّجّاج من الإجماع المتقدّم ، ولكن ليس فيه أنّ ذلك محصور في الإبل ، والقول بالبدل هو قول الزّجّاج (٢) والفرّاء (٣).

والثاني : أنه منصوب ب «كلوا» الذي قبله أي : كلوا ثمانية أزواج ، ويكون قوله ـ تعالى ـ : (وَلا تَتَّبِعُوا) إلى آخره كالمعترض بين الفعل ومنصوبه ، وهو قول عليّ بن سليمان ، وقدّره : كلوا لحم ثمانية.

وقال أبو البقاء ـ رحمه‌الله (٤) ـ : هو منصوب ب «كلوا» تقديره : كلوا ممّا رزقكم الله ثمانية أزواج ، (وَلا تُسْرِفُوا) معترض بينهما.

قال شهاب الدّين (٥) : صوابه أن يقول : (وَلا تَتَّبِعُوا) بدل (وَلا تُسْرِفُوا) ؛ لأن «كلوا» ـ الذي يليه (وَلا تُسْرِفُوا) ـ ليس منصبّا على هذا ؛ لأنه بعيد منه ، ولأن بعده ما هو أولى منه بالعمل ، ويحتمل أن يكون الناسخ غلط عليه ، وإنما قال هو : (وَلا تَتَّبِعُوا) ؛ ويدل على ذلك أنه قال : «تقديره : كلوا ممّا رزقكم الله». و «كلوا» الأوّل ليس بعده (مِمَّا رَزَقَكُمُ) ، إنما هو بعد الثّاني.

الثالث : أنه عطف على «جنّات» أي : أنشأ جنات وأنشأ ثمانية أزواج ، ثم حذف الفعل وحرف العطف ؛ وهو مذهب الكسائيّ.

قال أبو البقاء (٦) : «وهو ضعيف».

__________________

(١) ينظر : الرازي ١٣ / ١٧٧.

(٢) ينظر : معاني القرآن ٢ / ٣٢٨.

(٣) ينظر : معاني القرآن ١ / ٣٥٩.

(٤) ينظر : الإملاء ١ / ٢٦٣.

(٥) ينظر : الدر المصون ٣ / ٢٠١ ـ ٢٠٢.

(٦) ينظر : الإملاء ١ / ٢٦٣.

٤٧٦

قال شهاب الدين (١) : الأمر كذلك وقد سمع ذلك في كلامهم نثرا ونظما : ففي النثر قولهم : «أكلت لحما سمكا تمرا» ، وفي نظمهم قول الشاعر : [الخفيف]

٢٣٦٢ ـ كيف أصبحت كيف أمسيت ممّا

يزرع الودّ في فؤاد الكريم (٢)

أي : أكلت لحما وسمكا وتمرا ، وكيف أصبحت وكيف أمسيت ، وهذا على أحد القولين في ذلك.

والقول الثاني : أنه بدل بداء ؛ ومنه الحديث : «إنّ الرّجل ليصلّي الصّلاة ، وما كتب له نصفها ثلثها ربعها» إلى أن وصل إلى العشر (٣).

الرابع : أنه منصوب بفعل محذوف مدلول عليه بما في اللّفظ ، تقديره : كلوا ثمانية أزواج ؛ وهذا أضعف مما قبله.

الخامس : أنه منصوب على الحال ، تقديره : مختلفة أو متعدّدة ، وصاحب الحال : «الأنعام» فالعامل في الحال ما تعلّق به الجارّ وهو «من».

السادس : أنه منصوب على البدل من محلّ (مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ).

فصل في بيان كلمة «زوج»

الواحد (٤) إذا كان وحده فهو فرد ، وإذا كان معه غيره من جنسه سمّي زوجا وهما زوجان ؛ قال ـ تعالى ـ : (خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى) [النجم : ٤٥] وقال : (ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ) ثم فسّرها بقوله : «من الضّأن اثنين ومن المعز اثنين ومن البقر اثنين».

قال القرطبي (٥) : والزّوج : خلاف الفرد ؛ يقال : زوج أو فرد كما يقال خسا أو ذكا ، شفع ، أو وتر ، فقوله : (ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ) يعني ثمانية أفراد وكلّ فرد عند العرب يحتاج إلى آخر يسمّى زوجا ، يقال للذكر : زوج وللأنثى زوج ، ويقع لفظ الزّوج للواحد والاثنين ، يقال : هما زوجان وهما : زوج ؛ كما يقال : هما سيّان وهما سواء ، وتقول : اشتريت زوجي حمام وأنت تعني : ذكرا وأنثى.

قوله : (مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ) في نصب «اثنين» وجهان :

أحدهما : أنه بدل من (ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ) وهو ظاهر قول الزّمخشري (٦) ؛ فإنه قال : والدّليل عليه (ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ) ثم فسّرها بقوله : (مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ) الآية ؛ وبه صرح أبو البقاء (٧) فقال : «واثنين بدل من الثّمانية وقد عطف عليه بقيّة الثمانية».

__________________

(١) ينظر : الدر المصون ٣ / ٢٠٢.

(٢) تقدم.

(٣) أخرجه أحمد (٤ / ٣٢١) وأبو داود (٧٩٦) وابن حبان (٥٢٨ ـ موارد) من حديث عمار بن ياسر.

وصححه ابن حبان.

(٤) ينظر : الرازي ١٣ / ١٧٧.

(٥) ينظر : القرطبي ٧ / ٧٥.

(٦) ينظر : الكشاف ٢ / ٧٣.

(٧) ينظر : الإملاء ١ / ٢٦٣.

٤٧٧

والثاني : أنه منصوب ب «أنشأ» مقدّرا ؛ وهو قول الفارسيّ و «من» تتعلّق بما نصب «اثنين».

والجمهور (١) على تسكين همزة «الضّأن» وهو جمع ضائن وضائنة ؛ كتاجر وتاجرة وتجر ، وصاحب وصاحبة وصحب ، وراكب وراكبة وركب.

وقرأ الحسن وطلحة بن مصرّف وعيسى بن عمر : «الضّأن» بفتحها ؛ وهو إمّا جمع تكسير لضائن ؛ كما يقال : خادم وخدم ، وحارس وحرس ، وطالب وطلب ، وإما اسم جمع ، ويجمع الضّأن على ضئين ؛ كما يقال : كلب وكليب ؛ قال القائل : [الطويل]

٢٣٦٣ ـ ..........

 ... فبذّت نبلهم وكليب(٢)

وقيل : الضّئين والكليب اسما جمع ، ويقال : ضئين بكسر الضّاد ، وكأنها إتباع لكسر الهمزة ؛ نحو : بعير وشعير بكسر الباء والشّين لكسر العين ، و «الضّأن» معروف وهو ذو الصّوف من الغنم ، و «المعز» : ذو الشّعر منها.

فصل فيما يقال في الجمع من النّعم ونحوه

قال الجوهري : يقال : صرمة من الإبل ، وقطيع من الغنم ، وكوكبة من الفرسان ، وكبكبة من الرّجال ، وخرقة من الغلمان ، ولمّة من النّساء ، ورعيل من الخيل ، وسرب من الظّباء ، وعرجلة من السّباع ، وعصابة (٣) من الطّير ، ورجل من الجراد وحشرم من النّخل.

وقال غيره : يقال أيضا : سرب من القطا.

قال الشّاعر في ذلك : [الطويل]

٢٣٦٤ ـ أسرب القطا هل من يعير جناحه

لعلّي إلى أرض الحبيب أطير (٤)

وقرأ أبان بن عثمان : اثنان بالرّفع على الابتداء ، والخبر الجارّ قبله ، وقرأ ابن (٥) كثير وأبو عمرو وابن عامر : «المعز» بفتح العين والباقون بسكونها ، وهما لغتان في جمع ماعز ، وقد تقدّم أن فاعلا يجمع على فعل تارة ، وعلى فعل أخرى ؛ كتاجر وتجر وخادم وخدم ، وتقدّم تحقيقه ، ويجمع أيضا على معزى وبها قرأ أبيّ ؛ قال امرؤ القيس : [الوافر]

__________________

(١) ينظر : المحتسب ١ / ٢٣٤. الدر المصون ٣ / ٢٠٢.

(٢) تقدم.

(٣) في أ : عقابه.

(٤) نسب البيت للمجنون ، وللعباس بن الأحنف ، ينظر : ديوان الأول ص ١٠٦ ، وديوان الثاني ص ١٦٨ ، وتخليص الشواهد ص ١٤١ ، والدرر ١ / ٣٠٠ ، وشرح التصريح ١ / ١٣٣ ، والمقاصد النحوية ١ / ٤٣١ ، وأوضح المسالك ١ / ١٤٧ ، وشرح الأشموني ١ / ٢٦٩ ، وشرح ابن عقيل ص ٨٠ ، ٨١.

(٥) ينظر : النشر ٢ / ٢٦٦ اتحاف فضلاء البشر ٢ / ٣٦ إعراب القراءات ١ / ١٧٢. السبعة ٢٧١ الحجة لأبي زرعة ٢٧٥ الحجة لابن خالويه (١٥٢) التبيان ١ / ٥٤٤ الدر المصون ٣ / ٢٠٣.

٤٧٨

٢٣٦٥ ـ ألا إن لا تكن إبل فمعزى

كأنّ قرون جلّتها العصيّ (١)

وقال أبو زيد : إنه يجمع على أمعوز ؛ وأنشد : [الكامل]

٢٣٦٦ ـ ..........

كالتّيس في أمعوزه المتربّل (٢)

ويجمع أيضا على معيز ؛ وأنشدوا لامرىء القيس : [الوافر]

٢٣٦٧ ـ ويمنحها بنو شمجى بن جرم

معيزهم حنانك ذا الحنان (٣)

قال القرطبيّ (٤) : والمعز من الغنم خلاف الضّأن ، وهي ذوات الأشعار والأذناب القصار ، وهو اسم جنس ، وكذلك المعز والمعيز والأمعوز والمعزى ، وواحد المعز : ماعز ؛ مثل صاحب وصحب ، والأنثى ما عزة وهي العنز والجمع مواعز ، وأمعز القوم : كثرت معزاهم ، والمعّاز : صاحب المعزى والمعز : الصّلابة من الأرض ، والأمعز : المكان الصّلب الكثير الحصى ، والمعزاء أيضا ، واستمعز الرّجل في أمر : جدّ ، والإبل : اسم جمع لا واحد له من لفظه بل واحده جمل وناقة وبعير ، ولم يجىء اسم على «فعل» عند سيبويه (٥) غيره ، وزاد غير سيبويه بكرا وإطلا ووتدا ومشطا ، وسيأتي لهذا مزيد بيان في [سورة] الغاشية ـ إن شاء الله تعالى ـ والنّسبة إليه إبليّ بفتح الباء لئلّا يتوالى كسرتان مع ياءين.

قوله : (آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ) آلذّكرين : منصوب بما بعده ؛ وسبب إيلائه الهمزة ما تقدّم في قوله : (أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ) [المائدة : ١١٦] و «أم» عاطفة للأنثيين على الذّكرين ؛ وكذلك «أم» الثانية عاطفة «ما» الموصولة على ما قبلها ، فمحلّها نصب ، تقديره : أم الّذي اشتملت عليه أرحام ، فلما التقت الميم ساكنة مع ما بعدها ، وجب الإدغام.

قال القرطبي : ووردت المدّة مع ألف الوصل ؛ لتفرق بين الاستفهام والخبر ، ويجوز حذف الهمزة ؛ لأن «أم» تدلّ على الاستفهام ؛ كقوله : [المتقارب]

٢٣٦٨ ـ تروح من الحيّ أم تبتكر

وماذا يضيرك لو تنتظر (٦)

و «أم» في قوله ـ تعالى ـ : (أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ) منقطعة ليست عاطفة ؛ لأن ما بعدها

__________________

(١) تقدم.

(٢) عجز بيت لربيعة بن مقروم الضبي وصدره :

أخلصته صنعا فاغن محملجا

ينظر : الدر المصون ٣ / ٢٠٣ النوادر (٧٧).

(٣) ينظر : ديوانه ١٤٣ ، المقتضب ٣ / ٢٢٤ ، مجاز القرآن ٢ / ٢ ، التهذيب ٣ / ٤٤٧ (حن) ، اللسان (حنن) ، الدر المصون ٣ / ٢٠٣.

(٤) ينظر : القرطبي ٧ / ٧٥.

(٥) ينظر : الكتاب ٢ / ١٧٩.

(٦) البيت لامرىء القيس ، ينظر : ديوانه ص ١٥٤ ، والأزهية ص ٣٧ ، واللسان (عبد) ، ورصف المباني ص ٤٥ والقرطبي ٧ / ٧٥.

٤٧٩

جملة مستقلّة بنفسها فتقدّر ب «بل» والهمزة ، والتّقدير : بل أكنتم شهداء ، و «إذ» : منصوب ب «شهداء» أنكر عليهم ما ادّعوه ، وتهكّم بهم في نسبتهم إلى الحضور في وقت الإيصاء بذلك ، و «بهذا» : إشارة إلى جميع ما تقدّم ذكره من المحرّمات عندهم.

فصل فيما كان عليه أهل الجاهلية

قال المفسّرون : إن أهل الجاهليّة كانوا يقولون : هذه الأنعام حرث حجر ، وقالوا ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ، ومحرّم على أزواجنا وحرّموا البحيرة والسّائبة والوصيلة والحام ، وكانوا يحرّمون بعضها على الرّجال والنّساء ، وبعضها على النّساء دون الرّجال ، فلمّا قام الإسلام [وبيّنت](١) الأحكام ، جادلوا النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم وكان خطيبهم مالك بن عوف أخو الأحوص الخيثمي ؛ فقالوا : يا محمّد ، بلغنا أنّك تحرّم أشياء ممّا كان آباؤنا يفعلونه ، فقال لهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إنّكم حرّمتم أصنافا من النّعم على غير أصل ، وإنما خلق الله هذه الأزواج الثمانية للأكل والانتفاع بها ، فمن أين جاء هذا التّحريم : من قبل الذكر ، أم من قبل الأنثى»؟ قال : فسكت مالك بن عوف ، وتحيّر فلم يتكلّم ، فلو قال : جاء التّحريم بسبب الذكورة ؛ وجب أن يحرّم جميع الذّكور ، وإن كان بسبب الأنوثة ، وجب أن يحرّم جميع الإناث ، وإن كان باشتمال الرّحم عليه ، فينبغي أن يحرّم الكلّ ؛ لأن الرّحم لا تشتمل إلا على ذكر أو أنثى ، أمّا تخصيص الرّحم بالولد الخامس أو السّابع ، أو بالبعض دون البعض ، فمن أين؟

قال ابن الخطيب (٢) ـ رحمه‌الله ـ : وهذا عندي بعيد جدا ؛ لأن لقائل أن يقول : هب أن هذه الأنواع ـ أعني الضّأن ، والمعز ، والإبل ، والبقر محصورة في الذّكر والإناث ، إلّا أنه لا يجب أن يكون علّة تحريم ما حكوا بتحريمه محصورة في الذّكورة والأنوثة ؛ بل علة تحريمها لكونها بحيرة أو سائبة أو وصيلة أو حاما أو سائر الاعتبارات ؛ كما أنّا إذا قلنا : إنه ـ تعالى ـ حرّم ذبح بعض الحيوان لأجل الأكل.

فإذا قيل : إنّ ذلك الحيوان إن كان قد حرّم لكونه ذكرا ، وجب أن يحرّم كل حيوان ذكر ، وإن كان قد حرّم لكونه أنثى ، وجب أن يحرّم كل حيوان أنثى ، ولما لم يكن هذا الكلام لازما علينا ، فكذا هذا الوجه الّذي ذكره المفسّرون في هذه الآية الكريمة ، ويجب على العاقل أن يذكر في تفسير كلام الله وجها صحيحا ، فأمّا تفسيره بالوجه الفاسد فلا يجوز ، والأقرب عندي وجهان :

أحدهما : أن يقال : إن هذا الكلام ما ورد على سبيل الاستدلال على بطلان قولهم ، بل هو استفهام على سبيل الإنكار ، يعني : إنكم لا تقرّون بنبوّة نبيّ ، ولا تعرفون شريعة شارع ، فكيف تحكمون بأن هذا يحلّ ، وأن ذلك يحرّم.

__________________

(١) في ب : ثبتت.

(٢) ينظر : الرازي ١٣ / ١٧٨.

٤٨٠