اللّباب في علوم الكتاب - ج ٨

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي

اللّباب في علوم الكتاب - ج ٨

المؤلف:

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي


المحقق: عادل أحمد عبد الموجود و علي محمّد معوّض
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-2298-3

الصفحات: ٥٥٢

الثاني : أن تكون استفهاميّة ، فتكون في محلّ رفع بالابتداء ، و (تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ) تكون واسمها وخبرها في محلّ رفع خبرا لها ، وهي وخبرها في محلّ نصب : إمّا لسدّها مسدّ مفعول واحد إن كانت «علم» عرفانيّة ، وإمّا لسدّها مسدّ اثنين إن كانت يقينيّة.

وقرأ الأخوان : «من يكون له عاقبة الدّار» هنا ، وفي «القصص» [الآية : ٣٧] بالياء ، والباقون : بالتاء من فوق (١) ، وهما واضحتان ، فإن تأنيثها غير حقيقيّ ، وقد تقدم ذلك في قوله : (وَلا تَنْفَعُها شَفاعَةٌ) [البقرة : ١٢٣].

وقوله : (إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ).

قال ابن عباس : أي لا يسعد من كفر بي وأشرك.

وقال الضّحّاك : لا يفوز.

قوله تعالى : (وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً فَقالُوا هذا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهذا لِشُرَكائِنا فَما كانَ لِشُرَكائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللهِ وَما كانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلى شُرَكائِهِمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ)(١٣٦)

لما بيّن قبح طريقهم في إنكار البعث ، ذكر بعده أنواعا من جهالتهم ؛ تنبيها على ضعف عقولهم وتنفيرا للعقلاء عن الالتفات إلى كلماتهم ، فمن جملتها أن يجعلوا لله من حرثهم ومن أنعامهم نصيبا.

و «جعل» هنا بمعنى «صيّر» فيتعدّى لاثنين : أولهما : «نصيبا» ، والثاني : قوله «لله» ، و (مِمَّا ذَرَأَ) يجوز أن يتعلّق ب «الجعل» وأن يتعلّق بمحذوف ؛ لأنه كان في الأصل صفة ل «نصيبا» فلما قدّم عليه انتصب حالا ، والتقدير : وجعلوا نصيبا ممّا ذرأ [الله] و (مِنَ الْحَرْثِ) يجوز أن يكون بدلا (مِمَّا ذَرَأَ) بإعادة العامل ؛ كأنه قيل وجعلوا لله من الحرث والأنعام نصيبا ، ويجوز أن يتعلّق ب «ذرأ» ، وأن يتعلّق بمحذوف على أنه حال : إمّا من «ما» الموصولة ، أو من عائدها المحذوف ، وفي الكلام حذف مفعول اقتضاه [التقسيم](٢) ، والتقدير : وجعلوا لله نصيبا من كذا ، ولشركائهم نصيبا منه يدلّ عليه ما بعده من قوله : (فَقالُوا هذا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهذا لِشُرَكائِنا) [و «هذا لله» جملة منصوبة المحلّ بالقول ، وكذلك قوله : (وَهذا لِشُرَكائِنا)](٣) وقوله : «بزعمهم» فيه وجهان :

أحدهما : أن يتعلّق ب «قالوا» أي : فقالوا ذلك القول بزعم لا بيقين واستبصار.

__________________

(١) ينظر : الحجة لأبي زرعة ٢٧٢ النشر ٢ / ٢٦٣ الحجة لابن خالويه (١٥٠) السبعة ٢٧١ ، الفراء ١ / ٣٥٦.

(٢) في أ : التقدير.

(٣) سقط في ب.

٤٤١

وقيل : هو متعلّق بما تعلّق به الاستقرار من قوله : «لله».

وقرأ العامّة بفتح الزّاي من «زعمهم» في الموضعين ، وهذه لغة الحجاز وهي الفصحى ، وقرأ الكسائي : «بزعمهم» بالضّمّ وهو لغة بني أسد (١) ، وهل الفتح والضّمّ بمعنى واحد ، أو المفتوح مصدر والمضموم اسم؟ خلاف مشهور.

وقرأ ابن أبي عبلة «بزعمهم» بفتح الزّاي والعين.

وفيه لغة رابعة لبعض قيس ، وبني تميم وهي كسر الزّاي ، ولم يقرأ بهذه اللّغة فيما علمنا ، وقد تقدّم تحقيق «الزّعم» [في النساء آية ٦٠].

وقوله : «لشركائنا» يجوز فيه وجهان :

أحدهما : أن الشّركاء من الشّرك ، ويعنون بهم : آلهتهم التي أشركوا بينها وبين الباري ـ تعالى ـ في العبادة ، وليست الإضافة إلى فاعل ولا إلى مفعول ، بل هي إضافة تخصيص ، والمعنى : الشركاء الذين أشركوا بينهم وبين الله ـ تعالى ـ في العبادة.

والثاني : أن الشّركاء من الشركة ، ومعنى كونهم سمّوا آلهتهم شركاءهم : أنهم جعلوهم شركاء في أموالهم ، وزروعهم ، وأنعامهم ، ومتاجرهم وغير ذلك ، فتكون الإضافة إضافة لفظيّة : إما إلى المفعول أي : شركائنا الّذين شاركونا في أموالنا ، وإما إلى الفاعل ، أي : الّذين أشركناهم في أموالنا.

فصل في المراد بالآية

قال ابن عبّاس (٢) : كان المشركون يجعلون لله من حروثهم وأنعامهم نصيبا ، وللأوثان نصيبا ، فما كان للصّنم أنفقوه على الأصنام وحدها ، وما جعلوه لله أطعموه الضّيفان والمساكين ، ولا يأكلون منه ألبتّة ، وإن سقط من نصيب الأوثان فيما جعلوه لله ؛ ردّوه إلى الأوثان ، وقالوا : إنّها محتاجة ، وإن سقط شيء مما جعلوه لله في نصيب الأوثان ، تركوه وقالوا : إنّ الله غنيّ عن هذا (٣).

وقال الحسن والسّدّي : كان إذا هلك وانتقص شيء ممّا جعلوه للأصنام خيّروه بما جعلوه لله ولا يفعلون مثل ذلكك فيما لله ـ عزوجل (٤) ـ.

وقال مجاهد : المعنى : أنه إذا انفجر من سقي ما جعلوه للشّيطان في نصيب الله ـ تعالى ـ سدّوه ، وإن كان على ضدّ ذلك ، تركوه.

__________________

(١) ينظر : السبعة ٢٧٠ الحجة لأبي زرعة ٢٧٣ النشر ٢ / ٢٦٣ الدر المصون ٣ / ١٨٤.

(٢) ينظر : الرازي ١٣ / ١٦٨.

(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٥ / ٣٥٠) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٨٨) وعزاه لابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي.

(٤) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٥ / ٣٥١).

٤٤٢

وقال قتادة : إذا أصابهم القحط ، استعانوا بالله ووفّروا ما جعلوه لشركائهم (١).

وقال مقاتل : إن زكا ونما نصيب الآلهة ولم يزك نصيب الله ؛ تركوا نصيب الآلهة ، وإن زكا نصيب الله ولم يزك نصيب الآلهة ، أخذوا نصيب الله ـ تعالى ـ وقالوا : لا بدّ لآلهتنا من نفقة ، فأخذوا نصيب الله فأعطوه السّدنة ، فذلك قوله : «فما كان لشركائهم فلا يصل إلى الله وما كان لله فهو يصل إلى شركائهم» (٢) ، يعني : من نماء الحرث والأنعام ، فلا يصل إلى الله ـ تعالى ـ يعني : إلى المساكين ، وإنّما قال : إلى الله ؛ لأنهم كانوا يفرزونه لله ـ تعالى ـ ويسمونه نصيب الله ، وما كان لله فهو يصل إليهم.

قوله : (ساءَ ما يَحْكُمُونَ) قد تقدّم نظيره ، وقد أعربها الحوفي هنا ، فقال : «ما» بمعنى الّذي ، والتقدير : ساء الّذي يحكمون حكمهم ، فيكون «حكمهم» مبتدأ وما قبله الخبر ، وحذف لدلالة «يحكمون» عليه ويجوز أن تكون «ما» تمييزا ، على مذهب من يجيز ذلك في «بئسما» فتكون في موضع نصب ، التقدير : ساء حكما حكمهم ، ولا يكون «يحكمون» صفة ل «ما» لأن الغرض الإبهام ، ولكن في الكلام حذف يدلّ عليه «ما» والتقدير : ساء ما يحكمون فحذف «ما» الثانية.

قال شهاب الدّين (٣) : و «ما» هذه إن كانت موصولة ، فمذهب البصريّين أن حذف الموصول لا يجوز وقد عرف ذلك ، وإن كانت نكرة موصوفة ، ففيه نظر ؛ لأنه لم يعهد حذف «ما» نكرة موصوفة.

وقال ابن عطية (٤) : و «ما» في موضع رفع ؛ كأنه قال : ساء الذي يحكمون ولا يتّجه عندي أن تجري «ساء» هنا مجرى «نعم» و «بئس» ؛ لأن المفسّر هنا مضمر ، ولا بد من إظهاره باتّفاق من النّحاة وإنّما اتّجه أن يجري مجرى «بئس» في قوله : (ساءَ مَثَلاً الْقَوْمُ) [الأعراف : ١٧٧] لأن المفسّر ظاهر في الكلام.

قال أبو حيّان (٥) : «وهذا كلام من لم ترسخ قدمه في العربيّة ، بل شذّ فيها شيئا يسيرا ؛ لأنها إذا جرت «ساء» مجرى «بئس» كان حكمها كحكمها سواء لا يختلف في شيء ألبتّة من فاعل ظاهر أو مضمر ، أو تمييز ولا خلاف في جواز حذف المخصوص بالمدح أو الذّمّ ، والتمييز بها لدلالة الكلام عليه».

فقوله : «لأن المفسّر هنا مضمر ، ولا بدّ من إظهاره باتّفاق» قوله ساقط ودعواه الاتّفاق على ذلك ـ مع أنّ الاتّفاق على خلافه ـ عجب عجاب.

قوله تعالى : (وَكَذلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ

__________________

(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٥ / ٣٥٠).

(٢) ذكره الرازي في «تفسيره» (١٣ / ١٦٨) عن مقاتل.

(٣) ينظر : الدر المصون ٣ / ١٨٥.

(٤) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٣٤٩.

(٥) ينظر : البحر المحيط ٤ / ٢٣١.

٤٤٣

شُرَكاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شاءَ اللهُ ما فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ)(١٣٧)

(وَكَذلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شاءَ اللهُ ما فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ)(١٣٧)

هذا نوع آخر من أحكامهم الفاسدة ومذاهبهم الباطلة.

قوله : (وَكَذلِكَ زَيَّنَ) هذا في محلّ نصب نعتا لمصدر محذوف كنظائره ، فقدّره الزمخشري (١) تقديرين ، فقال : «ومثل ذلك التّزيين وهو تزيين الشّرك في قسمة القربان بين الله والآلهة ، أو : ومثل ذلك التّزيين البليغ الذي علم من الشّياطين».

قال أبو حيّان (٢) : قال ابن الأنباري : ويجوز أن يكون «كذلك» مستأنفا غير مشار به إلى ما قبله ، فيكون المعنى : وهكذا زيّن.

قال شهاب الدّين (٣) : والمنقول عن ابن الأنباري أنه مشار به إلى ما قبله ، نقل الواحدي عنه ؛ أنه قال : «ذلك» إشارة إلى ما نعاه الله عليهم من قسمهم ما قسموا بالجهل ، فكأنه قيل : ومثل ذلك الذي أتوه في القسم جهلا وخطأ زيّن لكثير من المشركين ، فشبّه تزيين الشّركاء بخطابهم في القسم وهذا معنى قول الزّجّاج ، وفي هذه الآية قراءات كثيرة ، والمتواتر منها ثنتان.

الأولى : قرأ العامّة (٤) «زيّن» مبنيا للفاعل و «قتل» نصب على المفعوليّة و «أولادهم» خفض بالإضافة ، و «شركاؤهم» رفع على الفاعليّة ، وهي قراءة واضحة المعنى والتّركيب.

وقرأ ابن عامر : «زيّن» مبنيا للمفعول ، «قتل» رفعا على ما لم يسمّ فاعله ، «أولادهم» نصبا على المفعول بالمصدر ، «شركائهم» خفضا على إضافة المصدر إليه فاعلا ، وهذه القراءة متواترة صحيحة ، وقد تجرأ كثير من النّاس على قارئها بما لا ينبغي ، وهو أعلى القرّاء السّبعة سندا وأقدمهم هجرة.

أمّا علوّ سنده : فإنّه قرأ على أبي الدّرداء ، وواثلة بن الأسقع ، وفضالة بن عبيد ، ومعاوية بن أبي سفيان ، والمغيرة المخزومي ، ونقل يحيى الذّماري أنه قرأ على عثمان نفسه.

وأما قدم هجرته فإنّه ولد في حياة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وناهيك به أن هشام بن عمّار أحد شيوخ البخاريّ أخذ عن أصحاب أصحابه وترجمته متّسعة ذكرتها في «شرح القصيد» ،

__________________

(١) ينظر : الكشاف ٢ / ٦٩.

(٢) ينظر : البحر المحيط ٤ / ٢٣١.

(٣) ينظر : الدر المصون ٣ / ١٨٦.

(٤) ينظر : السبعة ٢٧٠ الحجة لأبي زرعة ٢٧٣ النشر ٢ / ٢٦٣ المشكل ١ / ٢٧١ ـ ٢٧٢ إتحاف فضلاء البشر ٢ / ٣٢ المصاحف لابن أبي داود (٤٥) الحجة لابن خالويه ١٥٠ تفسير الطبري ٨ / ٣٣ معاني الفراء ١ / ٣٥٧ التبيان ١ / ٥٤٠ الدر المصون ٣ / ١٨٦ إعراب القراءات ١ / ١٧١.

٤٤٤

وإنّما ذكرت هنا هذه العجالة تنبيها على خطإ من ردّ قراءته ونسبه إلى لحن ، أو اتّباع مجرّد المرسوم فقط.

قال أبو جعفر النحاس (١) : وهذا يعني أنّ الفصل بين المضاف والمضاف إليه بالظّرف أو غيره لا يجوز في شعر ولا غيره ، وهذا خطأ من أبي جعفر ؛ لما سنذكره من لسان العرب.

وقال أبو علي الفارسيّ : هذا قبيح قليل في الاستعمال ، ولو عدل عنها ـ يعني ابن عامر ـ ، كان أولى ؛ لأنهم لم يفصلوا بين المضاف والمضاف إليه بالظّرف في الكلام مع اتّساعهم في الظّروف ، وإنّما أجازوه في الشّعر» قال : «وقد فصلوا به ـ أي بالظّرف ـ في كثير من المواضع ، نحو قوله تعالى : (إِنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ) [المائدة : ٢٢] ؛ وقال الشاعر في ذلك : [المتقارب]

٢٣١٧ ـ على أنّني بعد ما قد مضى

ثلاثون ـ للهجر ـ حولا كميلا (٢)

وقول الآخر في هذا البيت : [الطويل]

٢٣١٨ ـ فلا تلحني فيها فإنّ ـ بحبّها ـ

أخاك مصاب القلب جمّ بلابله (٣)

ففصل بين «إنّ» واسمها بما يتعلّق بخبرها ، ولو كان بغير الظرف ، لم يجز ، ألا ترى أنّك لو قلت : «إنّ زيدا عمرا ضارب» على أن يكون «زيدا» منصوبا ب «ضارب» لم يجز ، فإذا لم يجيزوا الفصل بين المضاف والمضاف إليه في الكلام بالظرف مع اتّساعهم فيه في الكلام ، وإنما يجوز في الشّعر ؛ كقوله : [الوافر].

٢٣١٩ ـ كما خطّ الكتاب بكفّ ـ يوما ـ

يهوديّ يقارب أو يزيل (٤)

فأن لا يجوز بالمفعول الذي لم يتّسع فيه بالفصل أجدر ، ووجه ذلك على ضعفه وقلّة الاستعمال : أنه قد جاء في الشّعر على حدّ ما قرأه قال الطّرماح : [الطويل]

٢٣٢٠ ـ يطفن بحوزيّ المراتع لم ترع

بواديه من قرع ـ القسيّ ـ الكنائن (٥)

وأنشد أبو الحسن : [مجزوء الكامل]

__________________

(١) ينظر : إعراب القرآن ١ / ٥٨٣.

(٢) تقدم.

(٣) ينظر : الأشباه والنظائر ٢ / ٢٣١ ، وخزانة الأدب (٨ / ٤٥٣) ، شرح الأشموني ١ / ١٣٧ الدرر ٢ / ١٧٢ ، شرح شواهد المغني ٢ / ٩٦٩ ، شرح ابن عقيل ١٧٨ ، الكتاب ٢ / ١٣٣ ، مغني اللبيب ٢ / ٦٩٣ ، همع الهوامع ١ / ١٣٥ ، المقرب ١ / ١٠٨ ، والمقاصد النحوية ٢ / ٣٠٩ ، الدر المصون ٣ / ١٨٦ ،

(٤) البيت لأبي حية النميري ينظر : الكتاب ١ / ٩١ ، الخصائص ٢ / ٤٠٥ أمالي الشجرى ٢ / ٢٥٠ ، الإنصاف ٤٣٢ والعيني ٣ / ٤٧٠ اللسان (عجم) ، ابن يعيش ١ / ١٠٣ ، الدر المصون ٣ / ١٨٦.

(٥) ينظر : ديوانه ص ٤٨٦ ، شرح عمده الحافظ ٤٩٤ لسان العرب (حوز) ، المقاصد النحوية ٣ / ٤٦٢ ، الإنصاف ٢ / ٤٢٩ ، الخصائص ٢ / ٤٠٦ ، خزانة الأدب ٤ / ٤١٨ ، الدر المصون ٣ / ١٨٧.

٤٤٥

٢٣٢١ ـ ..........

زجّ ـ القلوص ـ أبي مزاده (١)

وقال أبو عبيد : وكان عبد الله بن عامر ، وأهل الشام يقرءونها : «زيّن» بضم الزّاي «قتل» بالرّفع ، «أولادهم» بالنّصب ، «شركائهم» بالخفض ، ويتأولو ن «قتل شركائهم أولادهم» فيفرقون بين الفعل وفاعله.

قال أبو عبيد : «ولا أحبّ هذه القراءة ؛ لما فيها من الاستكراه والقراءة عندنا هي الأولى ؛ لصحّتها في العربيّة ، مع إجماع أهل الحرمين والمصرين بالعراق عليها».

وقال سيبويه (٢) في قولهم :

٢٣٢٢ ـ يا سارق اللّيلة أهل الدّار (٣)

بخفض «اللّيلة» على التّجّوز وبنصب «الأهل» على المفعوليّة ، ولا يجوز «يا سارق اللّيلة أهل الدّار» إلّا في شعر ؛ كراهة أن يفصلوا بين الجارّ والمجرور ، ثم قال : وممّا جاء في الشّعر قد فصل بينه وبين المجرور قول عمرو بن قميئة : [السريع]

٢٣٢٣ ـ لمّا رأت ساتيدما استعبرت

لله درّ ـ اليوم ـ من لامها (٤)

وذكر أبياتا أخر.

ثم قال : وهذا قبيح ويجوز في الشّعر على هذا : «مررت بخير وأفضل من ثمّ».

وقال أبو الفتح بن جني (٥) : «الفصل بين المضاف والمضاف إليه بالظّرف والجارّ والمجرور كثير ، لكنه من ضرورة الشّاعر».

وقال مكّي بن أبي طالب (٦) : «ومن قرأ هذه القراءة ونصب «الأولاد» وخفض «الشّركاء» فهي قراءة بعيدة ، وقد رويت عن ابن عامر ، ومجازها على التّفرقة بين المضاف والمضاف إليه بالمفعول ، وذلك إنّما يجوز عند النّحويّين في الشّعر ، وأكثر ما يكون بالظّرف».

__________________

(١) عجز بيت وصدره :

فزججتها بمزجة

ينظر : الإنصاف ٢ / ٤٢٧ ، الكتاب ١ / ١٧٦ ، شرح المفصل ٣ / ١٩ ، المقرب ١ / ٥٤ ، تخليص الشواهد ٨٢ ، خزانة الأدب ٤ / ٤١٥ ، ٤١٦ ، ٤١٨ ، ٤٢١ ، ٤٢٢ ، ٤٢٣ ، الخصائص ٢ / ٤٠٦ ، مجالس ثعلب ١٥٢ ، المقاصد النحوية ٣ / ٤٦٨ ، شرح الأشموني ٢ / ٣٢٧ ، الدر المصون ٣ / ١٨٧.

(٢) ينظر : الكتاب ١ / ٩١.

(٣) ينظر : ابن يعيش ٢ / ٤٥ ، ابن الشجري ٢ / ٢٥٠ ، الخزانة ٣ / ١٠٨ ، الدر المصون ٣ / ١٨٧ ، والكتاب ١ / ١٧٥ وشهادته على جعله الليلة مسروقة فهو مفعول مضاف ، وهذا من التوسع.

(٤) ينظر : ديوانه ٣٣٧ ، الكتاب ١ / ٢٨٥ ، المقتضب ٤ / ٧٧ ، الخزانة ٤ / ٤٠٧ ، ابن يعيش ١ / ١٢٦ ، معجم البلدان (ساتيدما) الدر المصون ٣ / ١٨٧.

(٥) ينظر : المحتسب ٢ / ٤٠٤.

(٦) ينظر : المشكل ١ / ٢٦١.

٤٤٦

قال ابن عطيّة ـ رحمه‌الله (١) ـ : وهذه قراءة ضعيفة في استعمال العرب ، وذلك أنّه أضاف الفعل إلى الفاعل ، وهو الشّركاء ، ثمّ فصل بين المضاف والمضاف إليه بالمفعول ، ورؤساء العربيّة لا يجيزون الفصل بالظّروف في مثل هذا إلا في شعر ؛ كقوله : [الوافر]

٢٣٢٤ ـ كما خطّ ـ الكتاب بكفّ يوما

يهوديّ ... (٢)

البيت فكيف بالمفعول في أفصح كلام؟ ولكن وجهها على ضعفها : أنّها وردت في بيت شاذّ أنشده أبو الحسن الأخفش ، فقال : [مجزوء الكامل]

٢٣٢٥ ـ فزججتها بمزجّة

زجّ ـ القلوص ـ أبي مزاده (٣)

وفي بيت الطّرمّاح ، وهو قوله : [الطويل]

٢٣٢٦ ـ يطفن بحوزيّ المراتع لم ترع

بواديه من قرع ـ القسيّ ـ الكنائن (٤)

وقال الزّمخشري (٥) ـ فأغلظ وأساء في عبارته ـ «وأما قراءة ابن عامر ـ فذكرها ـ فشيء لو كان في مكان الضرورة وهو الشّعر ، لكان سمجا مردودا كما سمج ورود : [مجزوء الكامل]

٢٣٢٧ ـ ..........

زجّ ـ القلوص ـ أبي مزاده (٦)

فكيف به في الكلام المنثور؟ وكيف به في القرآن المعجز بحسن نظمه وجزالته؟ الذي حمله على ذلك : أن رأى في بعض المصاحف «شركائهم» مكتوبا بالياء ، ولو قرأ بجرّ «الأولاد» و «الشّركاء» ـ لأن الأولاد شركاؤهم في أموالهم ـ لوجد في ذلك مندوحة عن هذا الارتكاب».

قال شهاب الدين (٧) : «سيأتي بيان ما تمنّى أبو القاسم أن يقرأه ابن عامر ، وأنه قد قرأ به ، فكأنّ الزّمخشريّ لم يطّلع على ذلك ، فلهذا تمنّاه».

وهذه الأقوال التي ذكرتها جميعا لا ينبغي أن يلتفت إليها ؛ لأنها طعن في المتواتر ، وإن كانت صادرة عن أئمّة أكابر ، وأيضا فقد انتصر لها من يقابلهم وأورد من لسان العرب نظمه ونثره ما يشهد لصحّة هذه القراءة لغة.

قال أبو بكر بن الأنباريّ : «هذه قراءة صحيحة وإذا كانت العرب قد فصلت بين المتضايفين بالجملة في قولهم : «هو غلام ـ إن شاء الله ـ أخيك» يريدون : هو غلام أخيك ، فأن يفصل بالمفرد أسهل» انتهى.

وسمع الكسائي قول بعضهم : «إن الشّاة لتجترّ فتسمع صوت والله ربّها» ، أي :

__________________

(١) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٣٥٠.

(٢) تقدم.

(٣) تقدم.

(٤) تقدم.

(٥) ينظر : الكشاف ٢ / ٧٠.

(٦) تقدم.

(٧) ينظر : الدر المصون ٣ / ١٨٨.

٤٤٧

صوت ربّها والله ، ففصل بالقسم وهو في قوّة الجملة ، وقرأ بعض السّلف (١) : (فَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ) [إبراهيم : ٤٧] بنصب «وعده» وخفض «رسله» ، وفي الحديث عنه ـ عليه الصلاة السلام ـ : «هل أنتم تاركو لي صاحبي ، تاركو لي امرأتي» (٢) أي تاركو صاحبي لي ، تاركو امرأتي لي.

وقال ابن جنّي في كتاب «الخصائص» : باب ما يرد عن العربيّ مخالفا للجمهور ، إذا اتّفق شيء من ذلك ، نظر في ذلك العربي وفيما جاء به : فإن كان فصيحا وكان ما جاء به يقبله القياس ، فيحسن الظّنّ به ؛ لأنه يمكن أن يكون قد وقع إليه ذلك من لغة قديمة ، قد طال عهدها وعفا رسمها.

أخبرنا أبو بكر جعفر بن محمّد بن أبي الحجّاج ، عن أبي خليفة الفضل بن الحباب ، قال : قال ابن عوف عن ابن سيرين : قال عمر بن الخطّاب ـ رضي الله عنه ـ : «كان الشّعر علم قوم لم يكن لهم علم أصحّ منه ؛ فجاء الإسلام فتشاغلت عنه العرب بالجهاد وغزو فارس والرّوم ، ولهت عن الشّعر وروايته ، فلما كثر الإسلام وجاءت الفتوح ، وأطمأنّت العرب في الأمصار ، راجعوا رواية الشّعر فلم يئولوا إلى ديوان مدوّن ، ولا إلى كتاب مكتوب ، وألفوا ذلك وقد هلك من هلك من العرب بالموت والقتل ، فحفظوا أقلّ ذلك وذهب عنهم كثيره». قال : وحدّثنا أبو بكر ، عن أبي خليفة عن يونس بن حبيب ، عن أبي عمرو بن العلاء. قال : «ما انتهى إليكم مما قالت العرب إلا أقلّه ، ولو جاءكم وافرا لجاءكم علم وشعر كثير».

وقال أبو الفتح : «فإذا كان الأمر كذلك ، لم نقطع على الفصيح إذا سمع منه ما يخالف الجمهور بالخطإ ، ما وجد طريق إلى تقبّل ما يورده ، إلا إذا كان القياس يعاضده».

قال شهاب الدّين (٣) : وقراءة هذا الإمام بهذه الحيثيّة ، بل بطريق الأولى والأحرى لو لم تكن متواترة ، فكيف وهي متواترة؟ وقال ابن ذكوان : سألني الكسائي عن هذا الحرف وما بلغه من قراءتنا ، فرأيته كأنه أعجبه وترنّم بهذا البيت : [البسيط]

٢٣٢٨ ـ تنفي يداها الحصى في كلّ هاجرة

نفي ـ الدّراهيم ـ تنقاد الصّياريف (٤)

بنصب «الدّراهيم» [وجرّ «تنقاد» ، وقد روي بخفض «الدّراهيم» ورفع «تنقاد» وهو الأصل ، وهو المشهور في الرّواية](٥).

__________________

(١) ينظر : إتحاف فضلاء البشر ٢ / ٣٣ وهي قراءة شاذة الدر المصون ٣ / ١٨٨ البحر المحيط ٤ / ٢٣٢.

(٢) أخرجه البخاري (٧ / ٢٢) كتاب فضائل الصحابة : باب قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لو كنت متخذا خليلا» حديث (٣٦٦١) من حديث أبي الدرداء.

(٣) ينظر : الدر المصون ٣ / ١٨٨.

(٤) تقدم.

(٥) سقط في ب.

٤٤٨

وقال الكرمانيّ : «قراءة ابن عامر وإن ضعفت في العربيّة للإحالة بين المضاف والمضاف إليه فقويّة في الرّواية عالية» انتهى.

وقد سمع ممّن يوثق بعربيّته : «ترك يوما نفسك وهواها سعي في رداها» أي : ترك نفسك يوما مع هواها سعي في هلاكها.

وأما ما ورد في النّظم من الفصل بين المتضايفين بالظّرف ، وحرف الجرّ ، وبالمفعول فكثير ، وبغير ذلك قليل ، فمن الفصل بالظّرف قول الشّاعر : [الطويل]

٢٣٢٩ ـ فرشني بخير لا أكونن ومدحتي

كناحت ـ يوما ـ صخرة بعسيل (١)

وتقديره : كناحت صخرة يوما ؛ ومثله قول الآخر : [الوافر]

٢٣٣٠ ـ كما خطّ الكتاب بكفّ ـ يوما ـ

يهوديّ ... (٢)

وقول الآخر : [السريع]

٢٣٣١ ـ قد سألتني أمّ عمرو عن ال

أرض الّتي تجهل أعلامها

لمّا رأت ساتيدما استعبرت

لله درّ ـ اليوم ـ من لامها

تذكرّت أرضا بها أهلها

أخوالها فيها وأعمامها (٣)

يريد : لله درّ من لامها اليوم ، و «ساتيدما» قيل : هو مركّب والأصل : «ساتي دما» ثم سمّي به هذا الجبل ؛ لأنه قتل عنده ، قيل : ولا تبرح القتلى عنده ، وقيل : «ساتيد» كله اسم و «ما» مزيدة ؛ ومثال الفصل بالجار قوله : [الطويل]

٢٣٣٢ ـ هما أخوا ـ في الحرب ـ من لا أخا له

إذا خاف يوما نبوة فدعاهما (٤)

وقال الآخر في ذلك : [البسيط]

٢٣٣٣ ـ لأنت معتاد ـ في الهيجا ـ مصابرة

يصلى بها كلّ من عاداك نيرانا (٥)

وقوله أيضا : [البسيط]

__________________

(١) ينظر : أوضح المسالك ٣ / ١٨٤ ، الدرر ٥ / ٤٣ ، شرح التصريح ٢ / ٥٨ ، شرح الأشموني ٤ / ٣٢٨ شرح عمدة الحافظ ٣٢٨ ، همع الهوامع ٢ / ٥٢ ، المقاصد النحوية ٣ / ٤٨١ ، لسان العرب (عسل) ، الدر المصون ٣ / ١٨٩.

(٢) تقدم.

(٣) تقدم.

(٤) البيت لدرنا بنت عبعبة ينظر : الكتاب ١ / ١٨٠ ، والعيني ٣ / ٤٧٢ ابن يعيش ٣ / ١٩ ، الخصائص ٢ / ٤٠٥ ، الإنصاف ٢ / ٤٣٤ ، اللسان (أبي) شرح الحماسة ٣ / ١٠٨٢ ، وفيها نسبته إلى عمرة الخثعمية ترثي ابنيها ، وهو الأصوب ، الدر المصون ٣ / ١٨٩. والشاهد فيه الفصل بالجار والمجرور ، وهو «فِي الْحَرْبِ» بين المضاف والمضاف إليه.

(٥) ينظر : المقاصد النحوية ٣ / ٤٨٥ ، الدر المصون ٣ / ١٨٩.

٤٤٩

٢٣٣٤ ـ كأنّ أصوات ـ من إيغالهنّ بنا ـ أواخر الميس أصوات الفراريج (١)

وقوله أيضا : [الطويل]

٢٣٣٥ ـ تمرّ على ما تستمرّ وقد شفت

غلائل ـ عبد القيس منها ـ صدورها (٢)

يريد : هما أخوا من لا أخا له في الحرب ، ولأنت معتاد مصابرة في الهيجاء ، وكأن أصوات أواخر الميس وغلائل صدورها ، ومن الفصل بالمفعول قول الشاعر في ذلك : [مجزوء الكامل]

٢٣٣٦ ـ فزججتها بمزجّة

زجّ ـ القلوص ـ أبي مزاده (٣)

ويروى : فزججتها فتدافعت ، ويروى : فزججتها متمكّنا ، وهذا البيت كما تقدم أنشده الأخفش بنصب «القلوص» فاصلا بين المصدر وفاعله المعنويّ ، إلا أن الفرّاء (٤) قال بعد إنشاده لهذا البيت : أهل المدينة ينشدون هذا البيت يعني : بنصب «القلوص».

قال : «والصّواب : زجّ القلوص بالخفض».

قال شهاب الدّين (٥) : وقوله : «والصّواب يحتمل أن يكون من حيث الرّواية» أي : إن الصّواب خفضه على الرّواية الصّحيحة وأن يكون من حيث القياس ، وإن لم يرو إلا بالنّصب ، وقال في موضع آخر من كتابه «معاني القرآن» (٦) : «وهذا ممّا كان يقوله نحويّو أهل الحجاز ، ولم نجد مثله في العربيّة» وقال أبو الفتح (٧) : «في هذا البيت فصل بينهما بالمفعول به هذا مع قدرته على أن يقول : زجّ القلوص أبو مزادة ؛ كقولك : «سرّني أكل الخبز زيد» بمعنى : أنه كان ينبغي أن يضيف المصدر إلى مفعوله ، فيبقى الفاعل مرفوعا على أصله ، وهذا معنى قول الفرّاء الأوّل «والصّواب جر القلوص» يعني ورفع الفاعل». ثم قال ابن جني (٨) : وفي هذا البيت عندي دليل على قوّة إضافة المصدر إلى الفاعل عندهم ، وأنه في نفوسهم أقوى من إضافته إلى المفعول ؛ ألا تراه ارتكب هذه الضّرورة

__________________

(١) البيت لذي الرّمة ينظر : ديوانه ٩٩٦ ، الكتاب ١ / ١٧٩ ٢ / ١٦٦ ، ٢٨٠ ، شرح أبيات سيبويه ١ / ٩٢ ، الخصائص ٢ / ٤٠٤ ، سر صناعة الإعراب ١٠ ، الإنصاف ٤٣٣ ، خزانة الأدب ١٤ / ١٠٨ ، ٤١٣ ، ٤١٩ ، الحيوان ٢ / ٣٤٢ ، جمهرة اللغة ٨٦٣ ، المقتضب ٤ / ٣٧٦ ، كتاب اللامات ١٠٧ شرح ديوان الحماسة للمرزوقي ١٠٨٣ ، شرح المفصل ١ / ١٠٣ ، ٣ / ٧٧ ، ٤ / ١٣٢ رصف المباني ٦٥ ، الدر المصون ٣ / ١٨٩.

(٢) ينظر : الإنصاف ٢ / ٤٢٨ ، تفسير القرطبي ٧ / ٩٢ ، الخزانة ٤ / ٤١٣ ، حاشية الكشاف للتفتازاني ٢ / ٣٥٤ ، شرح الكافية الشافية ٢ / ٩٩١ ، الدر المصون ٣ / ١٨٩ وشهادته على الفصل بين المتضايفين وهما «غلائل صدورها» بغير الظرف والأصل «وقد شفت غلائل صدورها عبد القيس منها».

(٣) تقدم.

(٤) ينظر : معاني القرآن ١ / ٣٥٨.

(٥) ينظر : الدر المصون ٣ / ١٩٠.

(٦) ينظر : معاني القرآن ١ / ٣٥٨.

(٧) ينظر : المحتسب ٢ / ٤٠٦.

(٨) ينظر : المحتسب ٢ / ٤٠٦.

٤٥٠

مع تمكّنه من تركها لا لشيء غير الرّغبة في إضافة المصدر إلى الفاعل دون المفعول ، ومن الفصل بالمفعول به أيضا قول الآخر في ذلك : [الرجز]

٢٣٣٧ ـ وحلق الماذيّ والقوانس

فداسهم دوس الحصاد الدّائس (١)

أي : دوس الدائس الحصاد.

ومثله قول الآخر : [الرجز]

٢٣٣٨ ـ يفرك حبّ السّنبل الكنافج

بالقاع فرك ـ القطن ـ المحالج (٢)

يريد : فرك المحالج القطن ، وقول الطّرمّاح في ذلك : [الطويل]

٢٣٣٩ ـ ..........

بواديه من قرع ـ القسيّ ـ الكنائن (٣)

يريد : قرع الكنائن القسيّ.

قال ابن جنّي في هذا البيت : «لم نجد فيه بدا من الفصل ؛ لأن القوافي مجرورة» وقال في «زجّ القلوص» فصل بينهما بالمفعول به ، هذا مع قدرته إلى آخر كلامه المتقدّم ، يعني : أنّه لو أنشد بيت الطّرماح بخفض «القسيّ» ورفع «الكنائن» لم يجز ؛ لأن القوافي مجرورة بخلاف بيت الأخفش ؛ فإنه لو خفض «القلوص» ورفع «أبو مزادة» لم تختلف فيه قافيته ولم ينكسر وزنه.

قال شهاب الدّين (٤) : ولو رفع «الكنائن» في البيت ، لكان جائزا وإن كانت القوافي مجرورة ، ويكون ذلك إقواء ، وهو أن تكون بعض القوافي مجرورة وبعضها مرفوعة ؛ كقول امرىء القيس : [الكامل]

٢٣٤٠ ـ تخدي على العلّات سام رأسها

روعاء منسمها رثيم دام (٥)

ثم قال القائل : [الكامل]

٢٣٤١ ـ جالت لتصرعني فقلت لها اقصري

إنّي امرؤ صرعي عليك حرام (٦)

فالميم مخفوضة في الأوّل ، مرفوعة في الثّاني.

فإن قيل : هذا عيب في الشّعر.

قيل : لا يتقاعد ذلك عن أن يكون مثل هذه للضّرورة ، والحقّ أن الإقواء أفحش

__________________

(١) البيت لعمرو بن كلثوم ينظر : الأشموني ٢ / ٢٧٦ ، الخزانة ٣ / ٤٦١ ، شرح الكافية ٢ / ٩٨٦ ، الوساطة ٤٦٥ ، الدر المصون ٣ / ٣ / ١٩٠.

(٢) البيت لجندل بن المثنى ينظر : اللسان كنفج الوساطة (٤٦٥) الدر المصون ٣ / ١٩٠ ، والعين ٣ / ٤٥٧.

(٣) تقدم.

(٤) ينظر : الدر المصون ٣ / ١٩٠.

(٥) ينظر : ديوانه (١١٦) ، الدر المصون ٣ / ١٩١.

(٦) ينظر : ديوانه (١١٦) ، ابن الشجري ١ / ٢٧ ، الدر المصون ٣ / ١٩١.

٤٥١

وأكثر عيبا من الفصل المذكور ، ومن ذلك أيضا : [الوافر]

٢٣٤٢ ـ فإن يكن النّكاح أحلّ شيء

فإنّ نكاحها مطر حرام (١)

أي : فإنّ نكاح مطر إيّاها ، فلما قدّم المفعول فاصلا بين المصدر وفاعله ، اتّصل بعامله ؛ لأنه قدر عليه متّصلا فلا يعدل إليه منفصلا ، وقد وقع في شعر أبي الطّيّب الفصل بين المصدر المضاف إلى فاعله بالمفعول ؛ كقوله (٢) : [الطويل]

٣٤٣ ـ بعثت إليه من لساني حديقة

سقاها الحيا سقي ـ الرّياض ـ السّحائب (٣)

أي : سقي السّحاب الرّياض ، وأما الفصل بغير ما تقدّم فهو قليل ، فمنه الفصل بالفاعل.

كقوله : [الطويل]

٢٣٤٤ ـ ..........

غلائل عبد القيس منها صدورها (٤)

ففصل بين «غلائل» وبين «صدورها» بالفاعل وهو «عبد القيس» ، وبالجار وهو «منها» كما تقدّم بيانه ؛ ومثله قول الآخر : [الطويل]

٢٣٤٥ ـ نرى أسهما للموت تصمي ولا تنمي

ولا ترعوي عن نقض ـ أهواؤنا ـ العزم (٥)

فأهواؤنا فاعل بالمصدر ، وهو «نقض» وقد فصل به بين المصدر وبين المضاف إليه وهو العزم ؛ ومثله قول الآخر : [المنسرح]

٢٣٤٦ ـ أنجب أيّام ـ والده به ـ

إذ نجلاه فنعم ما نجلا (٦)

يريد : أيّام إذ نجلاه ، ففصل بالفاعل وهو «والده» المرفوع ب «أنجب» بين المتضايفين وهما «أيّام ـ إذ ولداه».

قال ابن خروف : «يجوز الفصل بين المصدر والمضاف إليه بالمفعول ؛ لكونه في غير محلّه ، ولا يجوز بالفاعل لكونه في محلّه وعليه قراءة ابن عامر».

قال شهاب الدّين (٧) : هذا فرق بين الفاعل والمفعول حيث استحسن الفصل بالمفعول دون الفاعل ، ومن الفصل بغير ما تقدّم أيضا الفصل بالنّداء ؛ كقوله : [البسيط]

__________________

(١) البيت للأحوص ينظر : ديوانه ١٨٩ ، المقاصد النحوية ١ / ١٠٩ ، شرح شواهد المغني ٢ / ٧٦٧ ، شرح التصريح ٢ / ٥٩ العقد الفريد ٦ / ٨١ ، أمالي الزجاجي ٨١ ، خزانة الأدب ٢ / ١٥١ أوضح المسالك ٣ / ١٩٢ ، مغني اللبيب ٢ / ٦٧٢ وشرح الأشموني ٢ / ٣٢٩ ، الدر المصون ٣ / ١٩١.

(٢) في أ : كقول القائل.

(٣) ينظر : ديوانه بشرح العكبري ١ / ٢٨٦ ، البحر ٤ / ٢٤٣ ، الوساطة ٤ / ٤٦٤ ، العمدة لابن رشيق ٢ / ٧٢ ، الدر المصون ٣ / ١٩١.

(٤) تقدم.

(٥) ينظر : الأشموني ٢ / ٤٧٩ ، الدر المصون ٣ / ١٩١.

(٦) تقدم.

(٧) ينظر : الدر المصون ٣ / ١٩١.

٤٥٢

٢٣٤٧ ـ وفاق ـ كعب ـ بجير منقذ لك من

تعجيل مهلكة والخلد في سقر (١)

وقول الآخر : [الطويل]

٢٣٤٨ ـ إذا ما ـ أبا حفص ـ أتتك رأيتها

على شقراء النّاس يعلو قصيدها (٢)

وقول الآخر في ذلك : [الرجز]

٢٣٤٩ ـ كأنّ برذون ـ أبا عصام ـ

زيد حمار دقّ باللّجام (٣)

يريد : «وفاق بجير يا كعب» و «إذا ما أتتك يا أبا حفص» و «كأن برذون زيد يا أبا عصام».

ومن الفصل أيضا الفصل بالنّعت ؛ كقول معاوية يخاطب به عمرو بن العاص : [الطويل]

٢٣٥٠ ـ نجوت وقد بلّ المراديّ سيفه

من ابن أبي شيخ الأباطح طالب (٤)

وقول الآخر في ذلك : [الكامل]

٢٣٥١ ـ ولئن حلفت على يديك لأحلفن

بيمين أصدق من يمينك مقسم (٥)

يريد : من ابن أبي طالب شيخ الأباطح ، فشيخ الأباطح نعت لأبي طالب ، فصل به بين أبي ، وبين طالب ، ويريد : لأحلفن بيمين مقسم أصدق من يمينك ؛ ف «أصدق» نعت لقوله بيمين ، فصل به بين «يمين» وبين «مقسم» ومن الفصل أيضا الفصل بالفعل الملغى ؛ كقوله في ذلك : [الوافر]

٢٣٥٢ ـ ألا يا صاحبيّ قفا المهارى

نسائل حيّ بثنة أين سارا؟

بأيّ تراهم الأرضين حلّوا

أألدّبران أم عسفوا الكفارا؟ (٦)

__________________

(١) البيت لبجير بن زهير ينظر : الدرر ٥ / ٤٨ ، المقاصد النحوية ٣ / ٤٨٩ ، همع الهوامع ٢ / ٥٣ ، شرح الأشموني ٢ / ٣٢٩ ، شرح ابن عقيل ص ٤٠٥ ، الدر المصون ٣ / ١٩١.

وشهادته على الفصل بين المضاف وهو «وفاق» ، وبيت المضاف إليه وهو «بجير» بالنداء «كعب».

(٢) ينظر : الدر المصون ٣ / ١٩٢.

(٣) ينظر : الخصائص ٢ / ٤٠٤ ، والعيني ٣ / ٥٨٠ ، الهمع ٢ / ٥٣ ، أوضح المسالك ١ / ٤١٢ ، التصريح ٢ / ٦ ، الأشموني ٢ / ٢٧٨ ، الدر المصون ٣ / ١٩٢.

(٤) ينظر : الدرر ٥ / ٤٦ ، المقاصد النحوية ٣ / ٤٧٨ ، شرح التصريح ٢ / ٥٩ ، وشرح الأشموني ١ / ٢٥٨ ، شرح ابن عقيل ٤٠٤ همع الهوامع ٢ / ٥٢ ، شرح عمدة الحافظ ٤٩٦ ، الدر المصون ٣ / ١٩٢.

والشاهد فيه على الفصل بين المضاف ، وهو «أبي» والمضاف إليه ، وهو «طالب» لنعت ، وهو «شيخ الأباطح» وأصل الكلام : من ابن أبي طالب شيخ الأباطح.

(٥) البيت للفرزدق ينظر : ديوانه ٢ / ٢٢٦ ، المقاصد النحوية ٣ / ٤٨٤ ، وشرح ابن عقيل ص ٤٠٤ ، شرح الأشموني ٢ / ٣٢٨ ، الدر المصون ٣ / ١٩٢ ، والشاهد فيه كالشاهد قبله.

(٦) ينظر البيتان في : الدرر ٢ / ٦٨ ، الأشموني ٢ / ٢١١٩ ، والهمع ٢٣ / ٥٣ ، التصريح ٢ / ٦٠ ، الدر المصون ٣ / ١٩٢.

٤٥٣

يريد : بأي الأرضين تراهم حلّوا ، ففصل بقوله «تراهم» بين «أيّ» وبين الأرضين.

ومن الفصل أيضا الفصل بمفعول «ليس» معمولا للمصدر المضاف إلى فاعل ؛ كقول الشاعر : [البسيط]

٢٣٥٣ ـ تسقي امتياحا ندى المسواك ريقتها

كما تضمّن ماء المزنة الرّصف (١)

أي : تسقي ندى ريقتها المسواك ف «المسواك» مفعول به ناصبه «تسقي» فصل به بين «ندى» وبين «ريقتها» ، وإذ قد عرفت هذا ، فاعلم أنّ قراءة ابن عامر صحيحة ؛ من حيث اللغة كما هي صحيحة من حيث النّقل ، ولا التفات إلى قول من قال : إنه اعتمد في ذلك على رسم مصحف الشّام الذي أرسله عثمان بن عفّان ـ رضي الله عنه ـ ؛ لأنه لم يوجد فيه إلا كتابة «شركائهم» بالياء وهذا وإن كافيا في الدّلالة على جرّ «شركائهم» ، فليس فيه ما يدلّ على نصب «أولادهم» ؛ إذا المصحف مهمل من شكل ونقط ، فلم يبق له حجّة في نصب الأولاد إلّا النّقل المحض.

وقد نقل عن ابن عامر ؛ أنه قرأ بجرّ «الأولاد» كما سيأتي بيانه وتخريجه ، وأيضا فليس رسمها «شركائهم» بالياء مختصا بمصحف الشّام ، بل هي كذلك أيضا في مصحف أهل الحجاز.

قال أبو البرهسم : «في سورة الأنعام في إمام أهل الشّام وأهل الحجاز : «أولادهم شركائهم» بالياء ، وفي إمام أهل العراق «شركاؤهم» ولم يقرأ أهل الحجاز بالخفض في «شركائهم» ؛ لأن الرّسم سنّة متّبعة قد توافقها التّلاوة وقد لا توافق».

إلّا أن الشيخ أبا شامة قال : «ولم ترسم كذلك إلا باعتبار قراءتين : فالمضموم عليه قراءة معظم القرّاء» ثم قال : «وأمّا «شركائهم» بالخفض ؛ فيحتمل قراءة ابن عامر» قال شهاب الدين (٢) : وسيأتي كلام أبي شامة هذا بتمامه في موضعه ، وإنما أخذت منه [بقدر](٣) الحاجة هنا.

فقوله : «إن كلّ قراءة تابعة لرسم مصحفها» تشكل بما ذكرنا لك من أنّ مصحف الحجازيّين بالياء ، [مع أنّهم لم يقرءوا بذلك.

وقد نقل أبو عمرو الدّاني أن : «شركائهم» بالياء](٤) ، إنّما هو في مصحف الشّام دون مصاحف الأمصار ؛ فقال : «في مصاحف أهل الشّا م «أولادهم شركائهم» بالياء ، وفي سائر المصاحف شركاؤهم بالواو».

__________________

(١) البيت لجرير ينظر : ديوانه ١ / ١١٧ ، المقاصد النحوية ٣ / ٤٧٤ شرح التصريح ٢ / ٥٨ ، الدرر ٥ / ٤٤ ، أوضح المسالك ٢ / ١٨٧ ، همع الهوامع ٢ / ٥٢ ، شرح الأشموني ٢ / ٣٢٨ ، الدر المصون ٣ / ١٩٢.

(٢) ينظر : الدر المصون ٣ / ١٩٣.

(٣) سقط في ب.

(٤) سقط في ب.

٤٥٤

قال شهاب الدين (١) : هذا هو المشهور عند النّاس ، أعني : اختصاص الياء بمصاحف الشّام ، ولكن أبو البرهسم ثقة أيضا ، فنقبل ما ينقله. وقد تقدّم قول الزّمخشري : «والذي حمله على ذلك أن رأى في بعض المصاحف «شركائهم» مكتوبا بالياء».

وقال الشّيخ [شهاب الدّين](٢) أبو شامة : «ولا بعد فيما استبعده أهل النّحو من جهة المعنى ؛ وذلك أنه قد عهد تقدّم المفعول على الفاعل المرفوع لفظا ، فاستمرت له هذه المرتبة مع الفاعل المرفوع تقديرا ، فإنّ المصدر لو كان منوّنا لجاز تقديم المفعول على فاعله ، نحو : «أعجبني ضرب عمرا زيد» فكذا في الإضافة ، وقد ثبت جواز الفصل بين حرف الجرّ ومجروره مع شدّة الاتّصال بينهما أكثر من شدّته بين المضاف والمضاف إليه ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ) [النساء : ١٥٥] ، (فَبِما رَحْمَةٍ) [آل عمران : ١٥٩] ف «ما» زائدة في اللّفظ ، فكأنها ساقطة فيه لسقوطها في المعنى ، والمفعول المقدّم هو غير موضعه معنى فكأنه مؤخّر لفظا ، ولا التفات إلى قول من زعم أنه لم يأت في الكلام المنثور مثله ؛ لأنه ناف ، ومن أسند هذه القراءة مثبت ، والإثبات مرجّح على النّفي بإجماع ، ولو نقل إلى هذا الزّاعم عن بعض العرب أنه استعمله في النّثر ، لرجع إليه ، فما باله لا يكتفي بناقل القراءة من التّابعين عن الصّحابة؟ ثم الذي حكاه ابن الأنباري يعني ممّا تقدّم حكايته من قولهم : «هو غلام إن شاء الله أخيك» فيه الفصل في غير الشّعر بجملة».

وقرأ أبو عبد الرّحمن السلمي ، والحسن البصري ، وعبد الملك قاضي الجند صاحب ابن عامر : «زيّن» مبنيا للمفعول ، «قتل» رفعا على ما تقدّم ، «أولادهم» خفضا بالإضافة ، «شركاؤهم» رفعا ، وفي رفعه تخريجان :

أحدهما ـ وهو تخريج سيبويه (٣) ـ : أنه مرفوع بفعل مقدّر ، تقديره : زيّنه شركاؤهم ، [فهو جواب لسؤال] مقدر كأنّه قيل : من زيّنة لهم؟ فقيل : «شركاؤهم» ؛ وهذا كقوله تعالى : (يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ رِجالٌ) [النور : ٣٦] أي : يسبّحه.

وقال الآخر : [الطويل]

٢٣٥٤ ـ ليبك يزيد ضارع لخصومة

 .......... (٤)

والثاني : خرجه قطرب ـ أن يكون «شركاؤهم» رفعا على الفاعليّة بالمصدر ، والتقدير : زيّن للمشركين أن قتل أولادهم شركاؤهم ؛ كما تقول : «حبّب لي ركوب الفرس زيد» تقديره : حبّب لي أن ركب الفرس زيد ، والفرق بين التّخريجين : أن التّخريج

__________________

(١) ينظر : الدر المصون ٣ / ١٩٣.

(٢) سقط في ب.

(٣) ينظر : الكتاب ١ / ١٤٦.

(٤) تقدم.

٤٥٥

الأوّل يؤدّي إلى أن تكون هذه القراءة في المعنى ، كالقراءة المنسوبة للعامّة في كون الشّركاء مزيّنين للقتل ، وليسوا قاتلين. [والثاني : أن يكون الشّركاء قاتلين](١) ، ولكن ذلك على سبيل المجاز ؛ لأنهم لما زيّنوا قتلهم لآبائهم ، وكانوا سببا فيه ، نسب إليهم القتل مجازا.

وقال أبو البقاء (٢) : «ويمكن أن يقع القتل منهم حقيقة» ، وفيه نظر ؛ لقوله ـ تبارك وتعالى ـ : «زيّن» والإنسان إنما يزيّن له فعل نفسه ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً) [فاطر : ٨] وقال غير أبي عبيد : «وقرأ أهل الشام (٣) كقراءة ابن عامر ، إلا أنهم خفضوا «الأولاد» أيضا ، وتخريجها سهل ؛ وهو أن تجعل «شركائهم» بدلا من «أولادهم» بمعنى أنهم يشركونهم في النّسب ، والمال ، وغير ذلك».

قال الزّجّاج : «وقد رويت «شركائهم» بالياء في بعض المصاحف ، ولكن لا يجوز إلّا على أن يكون «شركاؤهم» من نعت الأولاد ؛ لأن أولادهم شركاؤهم في أموالهم».

وقال الفراء (٤) بعد أن ذكر قراءة العامّة وهي «زيّن» مبنيا للفاعل ، «شركاؤهم» مرفوعا على أنّه فاعل ـ «وقراءة «زيّن» مبنيا للمفعول ، «شركاؤهم» رفعا على ما تقدّم من أنه بإضمار فعل ، وفي مصحف أهل الشّام «شركايهم» بالياء ، فإن تكن مثبتة عن الأوّلين ، فينبغي أن تقرأ «زيّن» ويكون الشّركاء هم الأولاد ؛ لأنهم منهم في النّسب والميراث. وإن كانوا يقرءون : «زيّن» ـ يعني بفتح الزاي ـ فلست أعرف جهتها إلا أن يكونوا فيها آخذين بلغة قوم يقولون : أتيتها عشايانا ، ويقولون في تثنية حمراء : حمرايان ، فهذا وجه أن يكونوا أرادوا : زيّن لكثير من المشركين قتل أولادهم شركايهم ، يعني بياء مضمومة ؛ لأن «شركاؤهم» فاعل كما مرّ في قراءة العامّة.

قال : «وإن شئت جعلت «زيّن» فعلا إذا فتحته لا يلبس ، ثم تخفض الشركاء بإتباع الأولاد».

قال أبو شامة : «يعني تقدير الكلام : «زيّن مزيّن» فقد اتّجه «شركائهم» بالجرّ أن يكون نعتا للأولاد ، سواء قرىء زيّن بالفتح أو الضم».

وقرأت فرقة (٥) من أهل الشّام ـ ورويت عن ابن عامر أيضا ـ «زين» بكسر الزاي بعدها ياء ساكنة ؛ على أنه فعل ماض مبنيّ للمجهول على حدّ قيل وبيع.

وقيل : مرفوع على ما لم يسمّ فاعله ، و «أولادهم» بالنصب ، و «شركائهم» بالخفض ، والتّوجيه واضح مما تقدّم ، فهي [و] القراءة الأولى سواء ، غاية ما في الباب :

__________________

(١) سقط في ب.

(٢) ينظر : الإملاء ١ / ٢٦٢.

(٣) ينظر : الدر المصون ٣ / ١٩٤.

(٤) ينظر : معاني القرآن ١ / ٣٥٧.

(٥) ينظر : الدر المصون ٣ / ١٩٤.

٤٥٦

أنّه أخذ من زان الثّلاثي ، وبني للمفعول ، فأعلّ بما قد عرفته في أول البقرة (١).

واللام من قوله (لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) متعلّقة ب «زيّن» ، وكذلك اللّام في قوله : «ليردوهم».

فإن قيل : كيف تعلّق حرفي جر بلفظ واحد وبمعنى واحد بعامل واحد ، من غير بدليّة ولا عطف؟

فالجواب : أن معناهما مختلف ؛ فإن الأولى للتّعدية والثّانية للعلّيّة.

قال الزمخشري : «إن كان التّزيين من الشّياطين ، فهي على حقيقة التّعليل ، وإن كان من السّدنة ، فهي للصّيرورة» يعني : أن الشّيطان يفعل التّزيين وغرضه بذلك الإرداء ، فالتعليل فيه واضح ، وأمّا السّدنة فإنهم لم يزيّنوا لهم ذلك ، وغرضهم إهلاكهم ، ولكن لما كان مآل حالهم إلى الإرداء ، أتى باللّام الدّالّة على العاقبة والمآل.

فصل في بيان ما كان عليه أهل الجاهلية

كان أهل الجاهليّة (٢) يدفنون بناتهم أحياء خوفا من الفقر والتّزويج ، واختلفوا في المراد بالشّركاء.

فقال مجاهد : شركاؤهم شياطينهم أمروهم بأن يقتلوا أولادهم خشية الغيلة ، وسمّيت الشّياطين شركاء ؛ لأنهم اتخذوها شركاء لقوله ـ تبارك وتعالى ـ : (أَيْنَ شُرَكاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ) من دون الله [الأنعام : ٢٢].

وقال الكلبيّ : الشركاء سدنة آلهتهم وخدّامهم ، وهم الّذين كانوا يزيّنون للكفّار قتل أولادهم ، وكان الرّجل يقوم في الجاهليّة فيحلف بالله إن ولد له كذا غلاما لينحرنّ أحدهم ، كما حلف عبد المطلّب على ابنه عبد الله ، وسمّيت السّدنة شركاء كما سمّيت الشّياطين شركاء (٣) في قول مجاهد ، وقوله «ليردوهم» الإرداء في لغة (٤) القرآن الإهلاك (إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ) [الصافات : ٥٦].

قال ابن عبّاس : «ليردوهم في النّار» (٥) واللّام ههنا لام العاقبة ؛ كقوله : (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً) [القصص : ٨].

(وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ) أي : يخلطوا عليهم دينهم.

قال ابن عبّاس ـ رضي الله عنهما ـ : ليدخلوا عليهم الشّك في دينهم ، وكانوا على دين إسماعيل فرجعوا عنه بلبس الشّياطين.

قوله : «وليلبسوا» عطف على «ليردوا» علل التّزيين بشيئين :

__________________

(١) الآية : ١١.

(٢) ينظر : الرازي ١٣ / ١٦٩.

(٣) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٨٩) وعزاه لعبد بن حميد وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ.

(٤) ينظر : الرازي ١٣ / ١٦٩.

(٥) ذكره الرازي في «تفسيره» (١٣ / ١٦٩) عن ابن عباس.

٤٥٧

بالإرداء وبالتخليط وإدخال الشّبهة عليهم في دينهم.

والجمهور على «وليلبسوا» بكسر الباء من لبست عليه الأمر ألبسه ، بفتح العين في الماضي وكسرها في المضارع ؛ إذا أدخلت عليه فيه الشّبهة وخلطته فيه.

وقد تقدّم بيانه في قوله : (وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ) [الأنعام : ٩]. وقرأ النخعي (١) : «وليلبسوا» بفتح الباء فقيل : هي لغة في المعنى المذكور ، تقول : «لبست عليه الأمر بفتح الباء وكسرها ألبسه وألبسه» والصّحيح أن لبس بالكسر بمعنى لبس الثياب ، وبالفتح بمعنى الخلط ، فالصّحيح أنه استعار اللّباس لشدّة المخالطة الحاصلة بينهم وبين التّخليط ؛ حتى كأنّهم لبسوها كالثياب ، وصارت محيطة بهم.

قوله : (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ ما فَعَلُوهُ) والضّمير المرفوع للكثير والمنصوب للقتل للتصريح به ، ولأنّه المسوق للحديث عنه.

وقيل : المرفوع للشّركاء والمنصوب للتّزيين.

وقيل : المنصوب للّبس المفهوم من الفعل قبله وهو بعيد.

وقال الزّمخشري (٢) : «لما فعل المشركون ما زيّن لهم من القتل ، أو لما فعل الشّياطين أو السّدنة التّزيين أو الإرداء أو اللّبس ، أو جميع ذلك إن جعلت الضمير جاريا مجرى اسم الإشارة».

قوله : (فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ) تقدّم نظيره (٣).

فصل في المراد من الآية

المعنى : ولو شاء الله لعصمهم حتى ما فعلوا ذلك من تحريم الحرث والأنعام ، وقتل الأولاد فذرهم يا محمّد وما يفترون يختلقون في الكذب ، فإن الله لهم بالمرصاد.

قال أهل السّنّة (٤) : وهذا يدلّ على أن كلّ ما فعله المشركون ـ فهو بمشيئة الله ـ تبارك وتعالى ـ.

وقالت المعتزلة : إنه محمول على مشيئة الإلجاء (٥) كما سبق.

قوله تعالى : (وَقالُوا هذِهِ أَنْعامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لا يَطْعَمُها إِلاَّ مَنْ نَشاءُ بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُها وَأَنْعامٌ لا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللهِ عَلَيْهَا افْتِراءً عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِمْ بِما كانُوا يَفْتَرُونَ)(١٣٨)

وهذا نوع ثالث من أحكامهم الفاسدة ، وهو أنّهم قسموا أنعامهم أقساما :

__________________

(١) ينظر : الدر المصون ٣ / ١٩٤ البحر المحيط ٤ / ٢٣٣ ، المحرر الوجيز ٢ / ٣٥٠.

(٢) ينظر : الكشاف ٢ / ٧٠.

(٣) الآية : ١١٢ الأنعام.

(٤) ينظر : الرازي ١٣ / ١٦٩.

(٥) ينظر : المصدر السابق.

٤٥٨

فأولها : قولهم : هذه أنعام وحرث حجر «لا يطعمها».

قرأ الجمهور (١) «أنعام» بصيغة الجمع وأبان بن عثمان «نعم» بالإفراد ، وهو قريب لأن اسم الجنس يقوم مقام الجمع ، وقرأ الجمهور (٢) : «حجر» بكسر الحاء المهملة وسكون الجيم.

وقرأ الحسن وقتادة والأعرج : بضم الحاء وسكون الجيم.

ونقل عن الحسن وقتادة أيضا : فتح الحاء وسكون الجيم ، ونقل عن أبان بن عثمان : ضمّ الحاء والجيم معا.

وقال هارون : كان الحسن يضمّ الحاء من «حجر» حيث وقع في القرآن إلّا موضعا واحدا [وهو] : (وَحِجْراً مَحْجُوراً) [الفرقان : ٥٣].

والحاصل : أن هذه المادّة تدل على المنع والحصر ؛ ومنه : فلان في حجر القاضي أي : في منعه ، وفي حجري ، أي : ما يمنع من الثّوب أن ينفلت منه شيء ، وقد تقدم تحقيق ذلك في النّساء.

فقوله : (وَحَرْثٌ حِجْرٌ) أي : ممنوع ف «فعل» بمعنى مفعول ؛ كالذّبح والنّطح بمعنى مذبوح ومنطوح.

فإن قيل : قد تقدّم شيئان : وهما أنعام وحرث ، وجيء بالصّفة مفردة.

فالجواب : أنه في الأصل مصدر ، والمصدر يذكّر ويوحّد مطلقا.

قال الزّمخشري (٣) : «ويستوي في الوصف به المذكّر والمؤنّث والواحد والجمع ؛ لأن حكمه حكم الأسماء غير الصّفات» يعني بكونه حكمه حكم الأسماء : أنه في الأصل مصدر لا صفة ، فالاسم هنا يراد به المصدر (٤) ، وهو مقابل الصّفة.

وأما بقية القراءات : فقال أبو البقاء (٥) : «إنها لغات في الكلمة» ، وفسر معناها بالممنوع.

قال شهاب الدين (٦) : ويجوز أن يكون المضموم الحاء والجيم مصدرا ، وقد جاء من المصادر للثّلاثي ما هو عل وزن «فعل» بضمّ الفاء والعين ، نحو : حلم ، ويجوز أن يكون جمع «حجر» بفتح الحاء وسكون الجيم ، و «فعل» قد جاء قليلا جمعا «لفعل» نحو : سقف وسقف ، ورهن ورهن ، وأن يكون جمعا ل «فعل» بكسر الفاء ، و «فعل» أيضا قد جاء جمعا «لفعل» بكسر الفاء وسكون العين ، نحو : حدج وحدج ، وأما حجر

__________________

(١) ينظر : الدر المصون ٣ / ١٩٥ ، البحر المحيط ٤ / ٢٣٣.

(٢) ينظر : الدر المصون ٣ / ١٩٥ ، البحر المحيط ٤ / ٢٣٣.

(٣) ينظر : الكشاف ٢ / ٧١.

(٤) في ب : العدد.

(٥) ينظر : الإملاء ١ / ٢٦٢.

(٦) ينظر : الدر المصون ٣ / ١٩٥.

٤٥٩

بضمّ الحاء وسكون الجيم : فهو مخفّف من المضمومة ، فيجوز أن يكون مصدرا وأن يكون جمعا لحجر أو حجر.

وقرأ أبي بن كعب (١) ، وعبد الله بن العبّاس ، وعبد الله بن مسعود ، وعبد الله بن الزّبير ، وعكرمة ، وعمرو بن دينار ، والأعمش : حرج بكسر الحاء وراء ساكنة مقدّمة على الجيم ، وفيها تأويلان :

أحدهما : أنّها من مادة الحرج وهو التّضييق.

قال أبو البقاء (٢) : وأصله «حرج» بفتح الحاء وكسر الراء ، ولكنه خفّف ونقل ؛ مثل فخذ في فخذ.

قال شهاب الدّين (٣) : ولا حاجة إلى ادّعاء ذلك ، بل هذا جاء بطريق الأصالة على وزن فعل.

والثاني : أنه مقلوب من حجر ، قدّمت لام الكلمة على عينها ، ووزنه «فلع» ؛ كقولهم : ناء في نأى ، ومعيق في عميق ، والقلب قليل في لسانهم ، وقد قدّمت منه جملة في المائدة عند قوله ـ تبارك وتعالى ـ : (أَشْياءَ) [المائدة : ١٠١].

قوله : (لا يَطْعَمُها إِلَّا مَنْ نَشاءُ) هذه الجملة في محلّ رفع نعتا ل «أنعام» وصفوه بوصفين :

أحدهما : أنه حجر.

والثاني : أنه لا يأكله إلا من شاءوا ، وهم الرّجال دون النّساء ، أو سدنة الأصنام.

قال مجاهد ـ رضي الله عنه ـ : يعني بالأنعام : البحيرة والسّائبة والوصيلة والحامي ، لا يطعمها ولا يأكلها إلا الرّجال دون النّساء.

وقال غيره : الأنعام ما جعلوها لله ولآلهتهم على ما تقدم [(وَمَنْ نَشاءُ) فاعل ب «يطعمها» وهو استثناء مفرّغ ، و «بزعمهم» : حال كما تقدّم](٤) في نظيره.

قوله : «وأنعام حرّمت ظهورها» وهي البحائر والسّوائب والحوامي ، وهذا هو القسم الثّاني وقد تقدّم في المائدة ، والقسم الثالث : أنعام لا يذكرون اسم الله عليها بالذّبح ، وإنما يذكرون عليها أسماء الأصنام.

وقيل : لا يحجّون عليها ، ولا يلبّون على ظهورها ، ولا يركبونها لفعل الخير ؛ لأنه لما جرت العادة بذكر اسم الله على فعل الخير ، عبر بذكر الله عن فعل الخير.

قوله : «افتراء» فيه أربعة أوجه :

__________________

(١) ينظر : الدر المصون ٣ / ١٩٥.

(٢) ينظر : الإملاء ١ / ٢٦٢.

(٣) ينظر : الدر المصون ٣ / ١٩٦.

(٤) سقط في أ.

٤٦٠