اللّباب في علوم الكتاب - ج ٨

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي

اللّباب في علوم الكتاب - ج ٨

المؤلف:

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي


المحقق: عادل أحمد عبد الموجود و علي محمّد معوّض
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-2298-3

الصفحات: ٥٥٢

يقرؤها بالرفع ؛ لأنّا قد وجدنا العرب تجعل «بين» اسما من غير «ما» ، ويصدّق ذلك قوله تعالى: (بَلَغا مَجْمَعَ بَيْنِهِما) [الكهف : ٦١] فجعل «بين» اسما من غير «ما» ، وكذلك قوله ـ تبارك وتعالى ـ : (هذا فِراقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ) [الكهف : ٧٨] قال : «وقد سمعناه في غير موضع من أشعارها» ثمّ ذكر ما ذكرته عن أبي عمرو بن العلاء ، ثمّ قال : «وقرأها الكسائيّ (١) نصبا» ، وكان يعتبرها بحرف عبد الله : «لقد تقطّع ما بينكم».

وقال الزّجّاج (٢) : والرّفع أجود ، والنّصب جائز ، والمعنى : «لقد تقطّع ما كان من الشّركة بينكم».

الثالث : أن هذا الكلام محمول على معناه ؛ إذ المعنى : لقد تفرّق جمعكم وتشتت ، وهذا لا يصلح أن يكون تفسير إعراب.

قوله : «ما كنتم» «ما» يجوز أن تكون موصولة اسميّة ، أو نكرة موصوفة ، أو مصدريّة ، والعائد على الوجهين الأوّلين محذوف ، بخلاف الثّالث فالتّقدير : تزعمونهم شركاء أو شفعاء ؛ فالعائد هو المفعول الأوّل ، وشركاء هو الثّاني ؛ فالمفعولان محذوفان اختصارا ؛ للدلالة عليهما إن قلنا : إنّ «ما» موصولة اسميّة ، أو نكرة موصوفة ، ويجوز أن يكون الحذف اختصارا ؛ إن قلنا : إنّها مصدريّة ؛ لأن المصدريّة لا تحتاج إلى عائد ، بخلاف غيرها ، فإنّها تفتقر إلى عائد ؛ فلا بد من الالتفات إليه ، وحينئذ يلزم تقدير المفعول الثّاني ، ومن الحذف اختصارا : [الطويل]

٢٢٥٣ ـ بأيّ كتاب أم بأيّة سنّة

ترى حبّهم عارا عليّ وتحسب؟ (٣)

أي : تحسب حبّهم عارا عليّ.

قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذلِكُمُ اللهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ)(٩٥)

لما قرر التّوحيد وأردفه بتقرير أمر النّبوّة ، وتكلّم في بعض تفاريع هذا الأصل ، عاد إلى ذكر الدّلائل الدّالّة على وجود الصّانع ، وكمال قدرته ، وحكمته ، وعلمه ، تنبيها على أنّ المقصود الأصليّ من جميع المباحث العقليّة ، والنقلية : معرفة الله بذاته ، وصفاته ، وأفعاله.

قوله : (فالِقُ الْحَبِّ) : يجوز أن تكون الإضافة محضة ، على أنّها اسم فاعل بمعنى الماضي ؛ لأنّ ذلك قد كان ، ويدلّ عليه قراءة عبد الله : «فلق» فعلا ماضيا ، ويجوز أن

__________________

(١) ينظر : البحر المحيط ٤ / ١٨٦ ، الدر المصون ٣ / ١٣٠ ، والمحرر الوجيز ٢ / ٣٢٤.

(٢) ينظر : معاني القرآن ٢ / ٣٠٠.

(٣) البيت للكميت بن زيد ينظر : المقرب ١ / ١١٦ ، الهمع ١ / ١٥٢ ، وأوضح المسالك ١ / ٢٠٢ ، التصريح ١ / ٢٥٩.

٣٠١

تكون الإضافة غير محضة ، على أنه بمعنى الحال والاستقبال ، وذلك على حكاية الحال ؛ فيكون «الحبّ» مجرور اللّفظ منصوب المحلّ ، و «الفلق» : هو شقّ للشيء ، وقيده الرّاغب (١) بإبانة بعضه من بعض ، والفلق المطمئنّ من الأرض بين الرّبوتين و «الفلق» من قوله ـ تعالى ـ : (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) [الفلق : ١] : ما علّمه الله لموسى ـ عليه‌السلام ـ حتى فلق البحر له.

وقيل : الصّبح ، وقيل : هي الأنهار المشار إليها بقوله ـ تعالى ـ : (وَجَعَلَ خِلالَها أَنْهاراً) [النمل : ٦١].

والفلق بالكسر بمعنى : المفلوق كالنكث والنّقض ، ومنه : «سمعته من فلق منه».

وقيل : الفلق العجب [وقيل : ما يتعجّب منه.

قال الرّاجز في ذلك : [الرجز]

٢٢٥٤ ـ واعجبا لهذه الفليقه

هل تذهبنّ القوباء الرّيقه (٢)](٣)

والفالق والفليق : ما بين الجبلين ، وما بين السّنامين البعير.

وفسّر بعضهم «فالق» هنا ، بمعنى : «خالق».

قيل : ولا يعرف هذا لغة ، وهذا لا يلتفت إليه ؛ لأن هذا منقول عن ابن عباس ، والضّحّاك أيضا ، لا يقال ذلك على جهة التّفسير للتقريب ؛ لأن الفرّاء نقل في اللّغة : أن «فطر وخلق وفلق» بمعنى واحد.

[و «النّوى»] : اسم جنس ، مفرده «نواة» ، على حدّ «قمح وقمحة» ، والنّوى : البعد أيضا.

ويقال : نوت البسرة وأنوت ، فاشتدّت نواتها ، ولام «النّواة» بانقلاب عينها واوا ، والأكثر التّغاير.

فصل في معنى الآية

قال ابن عبّاس ، والضّحّاك ، ومقاتل : (فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى) : خالق الحبّ (٤).

قال الواحدي (٥) : ذهبوا ب «فالق» مذهب «فاطر» ، وقد تقدّم عن الفرّاء نقله ذلك لغة.

__________________

(١) ينظر : المفردات ٣٨٥.

(٢) الرجز لابن قنان. ينظر : اللسان (قوب) ، واصلاح المنطق ص ٣٤٤ ، وجمهرة اللغة ص ٩٦٥ ، ١٠٢٦ ، ١٢٣٣ ، والجنى الداني ص ١٧٧ ، وشرح التصريح ٢ / ١٨١ ، وشرح شواهد الشافية ص ٣٩٩ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٧٩١. وكتاب اللامات ص ٨٨. ومغني اللبيب ٢ / ٣٧٢ ، والمنصف ٣ / ٦١.

(٣) سقط في ب.

(٤) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٥ / ٢٧٥ ـ ٢٧٦) عن ابن عباس والضحاك وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٦٠) وعزاه لابن أبي حاتم عن ابن عباس.

(٥) ينظر : الرازي ١٣ / ٧٤.

٣٠٢

وقال الحسن ، وقتادة ، والسّدّي : معناه : الشّق ، أي : يشق الحبّة من السّنبلة ، والنّواة عن النّخلة ، فيخرجها منها (١).

وقال الزّجّاج : يشقّ الحبة اليابسة ، والنّواة اليابسة ، فيخرج منها ورقا أخضر.

وقال مجاهد (٢) : يعني الشّقّين اللذين فيهما ؛ أي : يشقّ الحبّ عن النّبات ، ويخرجه منه ، ويشقّ النّوى عن النّخل ، ويخرجها منها ، و «الحب» جمع «حبّة» ، وهو اسم لجميع البذور والحبوب من البرّ ، والشّعير ، والذّرة ، وكل ما لم يؤكل حبّا ، كالتّمر ، والمشمش ، والخوخ ، ونحوها.

وقال ابن الخطيب (٣) : إن الشيء قبل دخوله في الوجود ، كان معدوما محضا ، ونفيا صرفا ؛ فإذا أخرجه الموجد من العدم إلى الوجود ، فكأنّه بحسب التّخيّل والتّوهم ، شقّ ذلك العدم ، وفلقه ، وأخرج ذلك المحدث من ذلك الشّقّ ، فبهذا التّأويل لا يبعد حمل الفالق على الموجد ، والمحدث المبدع.

فإذا عرفت ذلك ؛ فنقول : إذا وقعت الحبّة ، أو النّواة في الأرض الرّطبة ، ثم مرّ عليه مدّة ، أظهر الله في تلك الحبّة والنّواة [من أعلاها ومن أسفلها شقا آخر] أما الشّقّ الذي يظهر في أعلى الحبّة والنّواة ؛ فإنه يخرج منه الشّجرة الصّاعدة إلى الهواء.

وأما الشقّ الذي أسفل تلك الحبّة والنّواة ؛ فيكون سببا لاتّصال الشّجرة الصّاعدة في الهواء بالشّجرة الهابطة في الأرض. ثم هاهنا عجائب :

أحدها : أن طبيعة تلك الشّجرة إن كانت تقتضي الهويّ في عمق الأرض ؛ فكيف تولّدت منه الشّجرة الصّاعدة في الهواء ، وإن كانت تقتضي الصّعود في الهواء ؛ فكيف تولدت منها الشّجرة الهابطة في الأرض ، فلما تولّدت منها هاتان الشّجرتان ، مع أن الحسّ والعقل يشهد بكون طبيعة إحدى الشّجرتين مضادّ لطبيعة الشّجرة الأخرى ؛ علمنا أنّ ذلك ليس بمقتضى الطّبع والخاصيّة ، بل بمقتضى الإبداع ، والإيجاد ، والتّكوين ، والاختراع.

وثانيها : أن باطن الأرض صلب كثيف لا تنفذ المسلّة القويّة فيه ، ولا يغوص السّكّين الحادّة القوي فيه ، مع أنّا نشاهد أطراف تلك العروق في غاية الرّقّة واللّطافة ، بحيث لو دلكها الإنسان بأصبعه بأدنى قوّة ؛ لصار كالماء ، ثم إنها مع غاية لطافتها تقوى على النّفوذ في تلك الأرض الصّلبة ، والغوص في باطن تلك الأجرام الكثيفة ، فحصول هذه القوّة الشّديدة لهذه الأجرام التي في غاية اللّطافة ، لا بدّ وأن يكون بتقدير العزيز الحكيم.

__________________

(١) أخرجه الطبري (٥ / ٢٧٥ ـ ٢٧٦) عن السدي وأبي مالك وذكره السيوطي (٣ / ٦١) عن أبي مالك وزاد نسبته لسعيد بن منصور وابن المنذر.

(٢) أخرجه الطبري (٥ / ٢٧٥) عن مجاهد.

(٣) ينظر : الرازي ١٣ / ٧٤.

٣٠٣

وثالثها : أنه يتولّد من تلك النّواة شجرة ، ويحصل في تلك الشّجرة طبائع مختلفة ؛ فإنّ قشر الخشبة له طبيعة مخصوصة ، وفي داخل تلك القشرة جرم الخشبة ، وفي داخل تلك [الخشبة](١) جسم رخو لطيف يشبه العهن المنفوش ، ثم إنه يتولّد من ساق الشّجرة أغصانها ، ويتولّد من الأغصان الأوراق ، والأزهار ، والأنوار ، ثانيا ، ثم الفاكهة ثالثا ، ثم قد يحصل للفاكهة أربعة أنواع من القشور كالجوز واللّوز ؛ فإن قشره الأعلى هو الجرم الأخضر ، وتحته جرم القشر الذي يشبه الخشب ، وتحت القشر الّذي كالغشاء الرّقيق المحيط باللّبّ ، وذلك اللّبّ مشتمل على جرم كثيف هو أيضا كالقشرة ، وعلى جرم لطيف هو كالدّهن ، وهو المقصود الأصليّ ؛ فتوّلّد هذه الأجسام المختلفة في طبائعها ، وصفاتها ، وألوانها ، وأشكالها ، وطعومها ، مع تساوي تأثيرات الطّبائع ، والفصول الأربعة ، والطّبائع الأربع ، يدلّ على أنّها إنما حدثت بتدبير العليم ، الحكيم ، المختار ، القادر ، لا بتدبير الطّبائع والعناصر.

ورابعها : أنّك قد تجد الطّبائع الأربعة حاصلة في الفاكهة الواحدة ، فالأترجّ (٢) : قشره حارّ يابس ، ولحمه بارد رطب ، وحماضه بارد يابس ، وبذره حارّ يابس ، وكذلك العنب : قشره وعجمه بارد يابس ، وماؤه ولحمه حارّ رطب ؛ فتولّد هذه الطّبائع المتضادّة ، والخواصّ المتنافرة عن الحبّة الواحدة ، لا يكون إلا بإيجاد الفاعل المختار.

وخامسها : أنّك تجد أحوال الفواكه مختلفة ؛ فبعضها يكون اللّبّ في الدّاخل ، والقشر في الخارج كما في الجوز واللّوز ، وبعضها تكون الفاكهة في الخارج ، وتكون الخشبة في الدّاخل ، كالخوخ والمشمش ، وبعضها تكون النّواة لها لبّ كالمشمش ، والخوخ ، وبعضها لا لبّ له كنوى التّمر ، وبعض الفواكه لا يكون له من الدّاخل والخارج قشر ، بل يكون مطلوبا [كالتين](٣) فهذه أحوال مختلفة في الفواكه.

وأيضا الحبوب المختلفة في الأشكال والصّور ، فشكل الحنطة كأنّها نصف دائرة ، وشكل الحمّص على وجه آخر ، فهذه الأشكال المختلفة ، لا بدّ وأن تكون لأسرار وحكم علم الخالق أنّ تركيبها لا يكمل إلّا على هذا الشّكل.

وأيضا : فقد تكون الثّمرة الواحدة غذاء لحيوان ، وسمّا لحيوان آخر ؛ فاختلاف هذه

__________________

(١) سقط في أ.

(٢) جنس شجر من الفصيلة البرتقالية ، وهو ناعم الأغصان والورق والثمر ، وثمره كالليمون الكبار. وهو ذهبي اللون ، ذكي الرائحة ، حامض الماء ، ينبت في البلاد الحارة. يعرف في الشام باسم «ترنج» و «كبّاد» ، وفي مصر والعراق «أترج» ، كما يسمى «تفاح العجم» و «تفاح ماهي» ، و «ليمون اليهود» لأنهم يحملونه في الأعياد ، وقد ورد ذكره في سفر اللاويين من التوراة : «تأخذون لأنفسكم ثمر الأترج بهجة». وورد ذكره في حديث لرسول الله محمد عليه الصلاة والسلام هو : «مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن كمثل الأترجّة : طعمها طيب وريحها طيب» ينظر : قاموس الغذاء ص ١٠.

(٣) في أ : كالطين.

٣٠٤

الصّفات والأحوال ، مع اتّحاد الطّبائع ، وتأثير الكواكب ، يدلّ على أنّها إنّما حصلت بتخليق الفاعل ، المختار ، الحكيم.

وسادسها : أنّك تجد في الورقة الواحدة من أوراق الشّجرة خطا واحدا مستقيما في وسطها ، كأنّه بالنّسبة لتلك الورقة ، كالنّخاع بالنّسبة إلى بدن الإنسان ، فكأنه يتفرّق من النّخاع أعصاب كثيرة يمنة ويسرة في بدن الإنسان ، ثمّ لا يزال ينفصل عن شعبه شعب أخرى ، ولا تزال تستدقّ حتى تخرج عن الحسّ والإبصار لدقّتها ، فكذلك في تلك الورقة ينفصل عن ذلك الخطّ الكبير الوسطانيّ خيوط مختلفة ، وعن كلّ منهما خيوط أخرى أدقّ من الأولى ، ولا تزال كذلك حتّى تخرج تلك الخيوط عن الحسّ والبصر.

والخالق ـ تعالى ـ إنّما فعل ذلك ، حتّى أن القوى الجارية المذكورة في جرم تلك الورقة ، تقوى على جذب الأجزاء اللّطيفة الأرضيّة في تلك المجاري الضيّقة ، فالوقوف على عناية حكمة الخالق في اتّحاد تلك الورقة الواحدة ، واختلاف أشكال الأوراق ؛ تؤذن أنّ عنايته في اتّحاد حكمة الشّجرة أكمل.

وإذا عرفت أنّه ـ تبارك وتعالى ـ إنّما خلق النّبات لمصلحة الحيوان ، علمت أنّ عنايته في تخليق الحيوان أكمل ؛ ولمّا علمت أن المقصود من تخليق الحيوانات [هو الإنسان](١) علمت أن عنايته في تخليق الإنسان أكمل.

ثمّ إنه ـ تبارك وتعالى ـ لما خلق الحيوان والنّبات ليكون غذاء ودواء للإنسان بحسب جسده ، والمقصود من تخليق الإنسان : هو المعرفة ، والمحبّة ، والخدمة ؛ لقوله ـ تبارك وتعالى ـ : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات : ٥٦].

قوله : «يخرج» يجوز فيه وجهان :

أحدهما : أنّها جملة مستأنفة ، فلا محلّ لها.

والثاني : أنّها في موضع رفع خبرا ثانيا ؛ لأنّ قوله : «مخرج» يجوز فيه وجهان :

أحدهما : أنه معطوف على «فالق» ، ولم يذكر الزّمخشريّ (٢) غيره ، أي : الله فالق ومخرج ، أخبر فيه بهذين الخبرين ؛ وعلى هذا فيكون «يخرج» على وجهه ، وعلى كونه مستأنفا فيكون معترضا على جهة البيان لما قبله من معنى الجملة.

والثاني : أنه يكون معطوفا على «يخرج» ، وهل يجعل الفعل في تأويل اسم [ليصحّ عطف الاسم عليه ، أو يجعل الاسم بتأويل الفعل ؛ ليصحّ عطفه عليه؟ احتمالان مبنيّان على ما تقدّم في «يخرج».

إن قلنا : إنه مستأنف فهو فعل غير مؤوّل باسم ؛ فيردّ الاسم إلى معنى الفعل ، فكأن «مخرج» في قوّة «يخرج».

__________________

(١) سقط في أ.

(٢) ينظر : الكشاف ٢ / ٤٧.

٣٠٥

وإن قلنا : إنه خبر ثان ل «إنّ» ، وهو بتأويل اسم](١) واقع موقع خبر ثان ؛ فلذلك عطف عليه اسم صريح ، ومن عطف الاسم على الفعل لكون الفعل بتأويل اسم قول الشّاعر في ذلك : [الطويل]

٢٢٥٥ ـ فألفيته يوما يبير عدوّه

ومجر عطاء يستخفّ المعابرا (٢)

وقول القائل في ذلك : [الرجز]

٢٢٥٦ ـ يا ربّ بيضاء من العواهج

أمّ صبيّ قد حبا أو دارج (٣)

وقول القائل في ذلك : [الرجز]

٢٢٥٧ ـ بات يغشّيها بعضب باتر

يقصد في أسوقها وجائر (٤)

أي : مبيرا ، أمّ صبيّ حاب ، قاصد.

قوله : «الحيّ» اسم لما يكون موصوفا بالحياة ، و «الميّت» اسم للخالي عن صفة الحياة ، وعلى هذا فالنّبات لا يكون حيا ، وفي تفسير هذا الحيّ والميت قولان :

الأول : حمل هذا اللّفظ على الحقيقة.

قال ابن عبّاس : أخرج من النّطفة بشرا أحياء ، ثم يخرج من البشر الحيّ نطفة ميّتة ، ويخرج من البيضة فرّوجة حيّة ، ثم يخرج من الدّجاجة بيضة ميّتة (٥).

القول الثاني : يحمل على المجاز «يخرج» النّبات الخفيّ من الحبّ اليابس ، ويخرج الحبّ اليابس من النّبات الحي النّامي.

وقال ابن عبّاس ـ رضي الله عنهما ـ : يخرج المؤمن من الكافر ، كما في حقّ إبراهيم ـ عليه الصلاة والسلام ـ والكافر من المؤمن ، كما في حقّ ولد نوح ـ عليه الصلاة والسلام ـ والعاصي من المطيع وبالعكس.

وقرأ نافع (٦) ، وحمزة ، والكسائي ، وحفص عن عاصم : «الميّت» مشدّدة الياء في الكلمتين ، والباقون بالتخفيف (٧) فيهما.

قوله : (ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ) قيل : معناه : ذلكم الله ، المبدىء ، الخالق ، النّافع ، الضّار ، المحيي ، المميت ، (فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ) : تصرفون عن الحقّ في إثبات القول بعبادة الأصنام.

__________________

(١) سقط في أ.

(٢) تقدم.

(٣) ينظر : ابن الشجري ٢ / ١٦٧ ، لسان العرب درج ، التصريح ١ / ١٤٢ ، التهذيب ١٠ / ٦٤٣ ، الأشموني ٣ / ١٢٠ ، الدر المصون ٣ / ١٣٢.

(٤) ينظر : معاني الفراء ١ / ٢١٣ ، ومعاني الزجاج ١ / ٤١٢ ، ابن الشجري ٢ / ١٦٧ ، الأشموني ٣ / ١٢٠ ، الخزانة ٥ / ١٤٠ ، الدر المصون ٣ / ١٣٢.

(٥) ذكره القرطبي في «تفسيره» (٧ / ٣٠) عن ابن عباس.

(٦) ينظر : إتحاف فضلاء البشر ٢ / ٢٣.

(٧) ينظر : إتحاف فضلاء البشر ٢ / ٢٣.

٣٠٦

وقيل : المراد : أنكم لمّا شاهدتم أنّه ـ تبارك وتعالى ـ يخرج الحيّ من الميّت ، ثم شاهدتم أنّه أخرج البدن الحيّ من النّطفة الميّتة ، فكيف تستبعدون أن يخرج البدن الحيّ من التّراب الرّميم مرّة أخرى ، والمقصود : الإنكار على تكذيبهم بالحشر والنّشر ، وأيضا الضّدّان متساويان في النّسبة ، فكما لا يمتنع الانقلاب من أحد الضدين إلى الآخر ، وجب ألّا يمتنع الانقلاب من الثاني إلى الأوّل ، فكما لا يمتنع حصول الموت بعد الحياة ، وجب أيضا حصول الحياة بعد الموت ، وعلى كلا التّقديرين ، فيخرج منه جواز البعث والنّشر.

فصل في إثبات خلق الأفعال لله

تمسّكوا بقوله : (فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ) على أن فعل العبد ليس مخلوقا لله ـ تعالى ـ لأنه لو خلق الإفك فيه ، فكيف يليق به أن يقول مع ذلك : (فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ) والجواب : أن القدرة بالنسبة إلى الضّدّين متساوية ، فترجّح أحد الطرفين على الآخر لا لمرجّح ، فحينئذ لا يكون هذا الرّجحان من الضّدّ ، بل يكون محض الاتفاق فكيف يحسن أن يقال له : (فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ) وأن توقّف ذلك المرجح على حصول مرجّح ، وهو الداعية الجازمة إلى الفعل ، فحصول تلك الدّاعية يكون من الله ـ تعالى ـ وعند حصولها يجب الفعل ، ويلزمكم كما ألزمتمونا (١).

قوله تعالى : (فالِقُ الْإِصْباحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْباناً ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ)(٩٦)

هذا نوع آخر من دلائل وجود الصّانع وعلمه وقدرته وحكمته ، فالنوع الأوّل من دلالة النبات والحيوان ، والنوع الثاني من أنواع الفلك.

وقوله : (فالِقُ الْإِصْباحِ) نعت لاسم الله ـ تعالى ـ ، وهو كقوله (فالِقُ الْحَبِّ) فيما تقدّم. والجمهور (٢) على كسر همزة «الإصباح» وهو المصدر : أصبح يصبح إصباحا.

وقال الليث والزجاج : إن الصبح والصباح والإصباح واحد ، وهما أول النهار وكذا الفراء (٣).

وقيل : الإصباح : ضوء الشمس بالنهار ، وضوء القمر بالليل. رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس (٤).

وقيل : هو إضاءة الفجر نقل ذلك عن مجاهد ، والظّاهر أن «الإصباح» في الأصل

__________________

(١) ينظر : الرازي ١٣ / ٧٧.

(٢) ينظر : الدر المصون ٣ / ١٣٢ ، البحر المحيط ٤ / ١٨٩ ، إتحاف فضلاء البشر ٢ / ٢٣.

(٣) ينظر : معاني القرآن ١ / ٣٤٦.

(٤) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٥ / ٢٧٧) عن مجاهد وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٦١) وعزاه لابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ عن مجاهد.

٣٠٧

مصدر كالإقبال والإدبار سمّي به الصباح ، وكذا الإمساء وقال امرؤ القيس : [الطويل]

٢٢٥٨ ـ ألا أيّها اللّيل الطّويل ألا انجل

بصبح وما الإصباح منك بأمثل (١)

وقرأ الحسن (٢) وأبو رجاء وعيسى بن عمر : «الأصباح» بفتح الهمزة ، وهو جمع «صبح» نحو : قفل وأقفال ، وبرد وأبراد ، وينشد قوله : [الرجز]

٢٢٥٩ ـ أفنى رياحا وبني رياح

تناسخ الأمساء والأصباح (٣)

بفتح الهمزة من «الأمساء» و «الأصباح» على أنهما جمع «مسي» و «صبح» ، وبكسرهما على أنهما مصدران ، وقرىء (٤) «فالق الأصباح» بفتح «الأصباح» على حذف التنوين لالتقاء الساكنين كقول القائل في ذلك : [المتقارب]

٢٢٦٠ ـ ..........

ولا ذاكر الله إلّا قليلا (٥)

وقرىء (وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ) [الحج : ٣٥] و (لَذائِقُوا الْعَذابِ) [الصافات : ٣٨] بالنصب حملا للنون على التنوين ، إلا أن سيبويه (٦) ـ رحمه‌الله تعالى ـ لا يجيز حذف التنوين لالتقاء الساكنين إلا في شعر ، وقد أجازه المبرّد في الشعر.

وقرأ يحيى (٧) والنخعي وأبو حيوة : «فلق» فعلا ماضيا ، وقد تقدّم أن عبد الله قرأ الأولى كذلك ، وهذا أدلّ على أن القراءة عندهم سنّة متّبعة ألا ترى أن عبد الله كيف قرأ «فلق الحب» فعلا ماضيا ، وقرأ «فالق الإصباح» والثلاثة المذكورين بعكسه.

قال الزمخشري (٨) : فإن قلت : فما معنى «فلق الصبح» ، والظلمة هي التي تنفلق عن الصّبح ، كما قال : [الطويل]

٢٢٦١ ـ ..........

تفرّي ليل عن بياض نهار (٩)

__________________

(١) ينظر : ديوانه ص (١٨) ، الأزهية ص (٢٧١) ، خزانة الأدب ٢ / ٣٢٦ ، ٣٢٧ ، سر صناعة الإعراب ٢ / ٥١٣ ، لسان العرب (شلل) ، المقاصد النحوية ٤ / ٣١٧ ، وأوضح المسالك ٤ / ٩٣ ، جواهر الأدب ص (٧٨) ، رصف المباني ص (٧٩) ، شرح الأشموني ٢ / ٤٩٣. شرح القصائد العشر (١٠١) معاهد التنصيص ١ / ٢٦٤ ، الدر المصون ٣ / ١٣٢.

(٢) ينظر : الدر المصون ٣ / ١٣٢ ، البحر المحيط ٤ / ١٨٩ ، الكشاف ٢ / ٤٨.

(٣) ينظر البيت في البحر ٤ / ١٨٩ ، حاشية الكشاف للتفتازاني ٢ / ٣٣٣ ، التهذيب ٤ / ٢٦٣ ، مشاهد الإنصاف ٢ / ٣٨ ، اللسان (صبح) ، الرازي ١٣ / ١٨ ، الدر المصون ٣ / ١٣٢.

(٤) ينظر : الدر المصون ٣ / ١٣٢ ، البحر المحيط ٤ / ١٨٩ ، إتحاف فضلاء البشر ٢ / ٢٣.

(٥) تقدم.

(٦) ينظر : الكتاب ١ / ٨٥.

(٧) ينظر : الدر المصون ٣ / ١٣٢ ، البحر المحيط ٤ / ١٨٩ ، إتحاف فضلاء البشر ٢ / ٢٣.

(٨) ينظر : الكشاف ٢ / ٤٨.

(٩) عجز بيت لأبي نواس ، وصدره :

تردّت به ثم انفرى عن أديمها

ينظر : الكشاف ٢ / ٤٩ ، ديوانه (٣١٢) ، مشاهد الإنصاف ٢ / ٣٨ ، الدر المصون ٣ / ١٣٣.

٣٠٨

قلت : فيه وجهان :

أحدهما : أن يراد : فالق ظلمة الإصباح ، يعني أنه على حذف مضاف.

والثاني : أنه يراد : فالق الإصباح الذي هو عمود الفجر عن بياض النهار وإسفاره ، وقالوا : انشق عمود الفجر وانصدع ، وسمّوا الفجر فلقا بمعنى مفلوق ؛ قال الطائي : [البسيط]

٢٢٦٢ ـ وأزرق الفجر يبدو قبل أبيضه

 .......... (١)

وقرىء (٢) : «فالق» و «جاعل» بالنصب على المدح انتهى.

وأنشد غيره في ذلك : [البسيط]

٢٢٦٣ ـ فانشقّ عنها عمود الفجر جافلة

عدو النّحوص تخاف القانص اللّحما (٣)

قال الليث (٤) : الصبح والصباح هما أوّل النهار ، وهو أوّل النهار ، وهو الإصباح أيضا ، قال تبارك وتعالى : (فالِقُ الْإِصْباحِ) يعني الصبح.

وقيل : إن الإصباح مصدر سمّي به الصبح كما تقدم.

قوله : «وجاعل اللّيل» قرأ الكوفيون (٥) : «جعل» فعلا ماضيا ، والباقون بصيغة اسم الفاعل والرّسم يحتملهما ، و «اللّيل» منصوب عند الكوفيين بمقتضى قراءتهم ، ومجرور عند غيرهم ، ووجه قراءتهم له فعلا مناسبة ما بعده ، فإن بعده أفعالا ماضية نحو : (جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ) و (هُوَ الَّذِي أَنْشَأَ) إلى آخر الآيات ويكون «سكنا» إما مفعولا ثانيا على أنّ الجعل [بمعنى التصيير ، وإما حالا على أنه بمعنى](٦) الخلق ، وتكون الحال مقدّرة ، وأما قراءة غيرهم ف «جاعل» يحتمل أن يكون بمعنى المضي ، ويؤيده قراءة الكوفيين ، والماضي عند البصريين لا يعمل إلا مع «أل» خلافا لبعضهم في منع إعمال المعرّف بها ، وللكسائي (٧) في إعماله مطلقا ، فإذا تقرّر ذلك ف «سكنا» منصوب بفعل مضمر عند البصريين (٨) ، وعلى مقتضى مذهب الكسائي ينصبه به.

__________________

(١) صدر بيت لحاتم الطائي وعجزه :

وأول الغيث قطر ثم ينسكب

ينظر : الكشاف ٢ / ٤٩ ، العمدة ١ / ١٩ ، الدر المصون ٣ / ١٣٣.

(٢) ينظر : الدر المصون ٣ / ١٣٢ ، البحر المحيط ٤ / ١٩٠.

(٣) ينظر : حاشية الشهاب ٤ / ١٠٠ ، الدر المصون ٣ / ١٣٣.

(٤) ينظر : الرازي ١٣ / ٨٠.

(٥) ينظر : الدر المصون ٣ / ١٣٣ ، البحر المحيط ٤ / ١٩٠ ، إتحاف فضلاء البشر ٢ / ٢٣ ، الحجة لأبي زرعة ٢٦٢ ، السبعة ٢٦٣ ، النشر ٢ / ٢٦٠ ، التبيان ١ / ٥٢٣ ، الزجاج ٢ / ٢٠١ ، الحجة لابن خالويه ١٤٦.

(٦) سقط في أ.

(٧) ينظر : الدر المصون ٣ / ١٣٣ ، البحر المحيط ٤ / ١٩٠ ، إتحاف فضلاء البشر ٢ / ٢٣.

(٨) ينظر : الدر المصون ٣ / ١٣٣ ، البحر المحيط ٤ / ١٩٠.

٣٠٩

وزعم أبو سعيد السّيرافيّ أن اسم الفاعل المتعدي إلى اثنين يجوز أن يعمل في الثّاني ، وإن كان ماضيا.

قال : لأنه لما أضيف إلى الأوّل تعذّرت إضافته للثاني ، فتعين نصبه له.

وقال بعضهم : لأنه بالإضافة أشبه المعرف ب «أل» فيستعمل مطلقا فعلى هذا «سكنا» منصوب به أيضا وأما إذا قلنا : إنه بمعنى الحال والاستقبال ، فنصبه به ، و «سكن» فعل بمعنى مفعول كالقبض بمعنى مقبوض ، ومعنى سكن ، أي ما يسكن إليه الرجل ، ويطمئن إليه استئناسا به واسترواحا إليه من زوج أو حبيب ، ومنه قيل للنار سكن ؛ لأنه يستأنس بها ، ألا تراهم كيف سمّوها المؤنسة (١).

قوله : «والشّمس والقمر حسبانا» قرأ الجمهور (٢) بنصب «الشّمس» و «القمر» وهي واضحة على قراءة الكوفيين (٣) ، أي : بعطف هذين المنصوبين على المنصوبين ب «جعل» و «حسبانا» فيه الوجهان في «سكنا» من المفعول الثاني والحال.

وأما على قراءة (٤) الجماعة فإن اعتقدنا كونه ماضيا فلا بدّ من إضمار فعل ينصبهما ، أي : وجعل الشمس.

وإن قلنا : إنه غير ماض فمذهب سيبويه (٥) أيضا أن النّصب بإضمار فعل ، تقول : هذا ضارب زيدا الآن أو غدا أو عمرا بنصب عمرو ، وبفعل مقدّر لا على موضع المجرور [باسم الفاعل ، وعلى رأي غيره يكون النصب](٦) على محل المجرور ، وينشدون قوله : [البسيط]

٢٢٦٤ ـ هل أنت باعث دينار لحاجتنا

أو عبد ربّ أخا عون بن مخراق (٧)

بنصب «عبد» ، وهو محتمل للوجهين على المذهبين.

وقال الزمخشري (٨) : أو يعطفان على محل «الليل».

فإن قلت : كيف يكون ل «الليل» محلّ ، والإضافة حقيقيّة ، لأن اسم الفاعل المضاف إليه في معنى المضيّ ، ولا تقول : زيد ضارب عمرا أمس.

__________________

(١) ينظر : الرازي ١٣ / ٨١.

(٢) ينظر : الدر المصون ٣ / ١٣٣ ، البحر المحيط ٤ / ١٩٠ ، إتحاف فضلاء البشر ٢ / ٢٣ ، الحجة لأبي زرعة ٢٦٢ ، السبعة ٢٦٣ ، النشر ٢ / ٢٦٠ ، التبيان ١ / ٥٢٣ ، الزجاج ٢ / ٢٠١ ، الحجة لابن خالويه ١٤٦.

(٣) ينظر : الدر المصون ٣ / ١٣٣.

(٤) ينظر : الدر المصون ٣ / ١٣٣ ـ ١٣٤ ، البحر المحيط ٤ / ١٩٠.

(٥) ينظر : الكتاب ١ / ٥٦ ، ٨٦.

(٦) سقط في أ.

(٧) ينظر البيت في الكتاب ١ / ٧١ ، خزانة الأدب ٧ / ٢١٥ ، همع الهوامع ٢ / ١٤٥ ، الدرر ٢ / ٢٠٤ ، المقتضب ٤ / ١٥١ ، الدر المصون ٣ / ١٣٤.

(٨) ينظر : الكشاف ٢ / ٥٠.

٣١٠

قلت : ما هو بمعنى الماضي ، وإنما هو دالّ على فعل مستمر في الأزمنة.

قال أبو حيّان (١) : أما قوله : إنما هو دالّ على فعل مستمر في الأزمنة يعني : فيكون عاملا ، ويكون للمجرور إذ ذاك بعده موضع فيعطف عليه (الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ) قال : «وهذا ليس بصحيح إذا كان لا يتقيّد بزمن خاصّ ، وإنما هو للاستمرار ، فلا يجوز له أن يعمل ، ولا لمجروره محلّ ، وقد نصّوا على ذلك ، وأنشدوا عليه قول القائل في ذلك : [البسيط]

٢٢٦٥ ـ ألقيت كاسبهم في قعر مظلمة

 .......... (٢)

فليس «الكاسب» هنا مقيدا بزمان ، و «إن» تقيّد بزمان فإما أن يكون ماضيا دون «أل» فلا يعمل عند البصريين ، أو ب «أل» أو حالا أو مستقبلا ، فيعمل فيضاف على ما تقرر في النحو». ثم قال : وعلى تقدير تسليم أن الذي للاستمرار يعلم ، فلا يجوز العطف على محلّ مجروره ، بل مذهب (٣) سيبويه ـ رحمه‌الله ـ في «الذي» بمعنى الحال والاستقبال ألّا يجوز العطف على محلّ مجروره ، بل على النصب بفعل مقدّر لو قلت : هذا ضارب زيد وعمرا [لم يكن نصب عمرا](٤) على المحل [على الصحيح](٥) وهو مذهب سيبويه ؛ لأن شرط العطف على الموضع مفقود ، وهو أن يكون للموضع محرز لا يتغير ، وهذا موضّح في علم النحو.

قال شهاب الدين (٦) : وقد ذكر الزّمخشري في أوّل الفاتحة في (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) [الفاتحة : ٢] أنه لمّا لم يقصد به زمان صارت إضافته محضة ، فلذلك وقع صفة للمعارف فمن لازم قوله : إنه يتعرف بالإضافة ألّا يعمل ؛ لأن العامل في نيّة الانفصال عن الإضافة ، ومتى كان في نيّة الانفصال كان نكرة ومتى كان نكرة فلا يقع صفة للمعرفة ، وهذا حسن حيث يرد عليه بقوله : وقد تقدم تحقيق هذا في الفاتحة.

وقرأ أبو حيوة (٧) : «والشّمس والقمر» جرّا نسقا على اللفظ وقرأ (٨) شاذّا «والشّمس والقمر» رفعا على الابتداء ، وكان من حقّه أن يقرأ «حسبان» رفعا على الخبر ، وإنما قرأه نصبا فالخبر حينئذ محذوف ، تقديره مجعولان حسبانا ، أو مخلوقان حسبانا.

فإن قلت : لا يمكن في هذه القراءة رفع «حسبان» حتى تلزم القارىء بذلك ؛ لأن الشّمس والقمر ليسا نفس الحسبان.

فالجواب : أنهما في قراءة النصب إما مفعولان أوّلان ، و «حسبان» ثان ، وإما

__________________

(١) ينظر : البحر المحيط ٤ / ١٩٠.

(٢) تقدم.

(٣) ينظر : الكتاب ١ / ٥٦ ، ١ / ٨٦.

(٤) سقط في أ.

(٥) سقط في أ.

(٦) ينظر : الدر المصون ٣ / ١٣٤.

(٧) ينظر : الدر المصون ٣ / ١٣٣ ـ ١٣٤ ، البحر المحيط ٤ / ١٩٠ ، حجة القراءات لأبي زرعة (٢٦٢) إتحاف فضلاء البشر ٢ / ٢٤ ، التبيان ١ / ٥٢٣ ، الزجاج ٢ / ٢٠١.

(٨) انظر الدر المصون ٣ / ١٣٣ ـ ١٣٤ ، البحر المحيط ٤ / ١٩٠ ، الحجة لأبي زرعة (٢٦٢) ، إتحاف فضلاء البشر ٢ / ٢٤ ، التبيان ١ / ٥٢٣ ، النشر ٢ / ٢٦٠.

٣١١

صاحبا حال ، و «حسبان» حال ، والمفعول الثاني هو الأوّل ، والحال لا بد وأن تكون صادقة على ذي الحال ، فمهما كان الجواب لكم كان لنا.

والجواب ظاهر مما تقدّم.

والحسبان فيه قولان :

أحدهما : أنه جمع ، فقيل : جمع «حساب» ك «ركاب» و «ركبان» و «شهاب» و «شهبان» ، وهذا قول أبي عبيد (١) والأخفش (٢) وأبي الهيثم والمبرد.

وقال أبو البقاء (٣) : هو جمع «حسبانة» وهو غلط ؛ لأن الحسبانة : القطعة من النار ، وليس المراد ذلك قطعا.

وقيل : بل هو مصدر ك «الرّجحان» والنقصان و «الخسران» ، وأما الحساب فهو اسم لا مصدر وهذا قول ابن السّكّيت.

وقال الزمخشري (٤) : و «الحسبان» بالضم مصدر حسبت يعني بالفتح ، كما أن الحسبان بالكسر مصدر حسبت يعني بالكسر ونظيره : الكفران والشّكران.

وقيل : بل الحسبان والحسبان مصدران ، وهو قول أحمد بن يحيى ، وأنشد أبو عبيد عن أبي زيد في مجيء الحسبان مصدرا قوله : [الطويل]

٢٢٦٦ ـ على الله حسباني إذا النّفس أشرفت

على طمع أو خاف شيئا ضميرها (٥)

وانتصاب «حسبانا» على ما تقدّم من المفعولية ، أو الحالية.

وقال ثعلب عن الأخفش (٦) : إنه منصوب على إسقاط الخافض ، والتقدير : يجريان بحسبان ؛ كقوله : (لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً) [الإسراء : ٦١] أي : من طين.

وقوله : «ذلك» إشارة إلى ما تقدّم من الفلق ، أو الجعل ، أو جميع ما تقدم من الأخبار في قوله «فالق الحبّ» إلى «حسبانا».

ومعنى الآية الكريمة : جعل الشمس والقمر بحسابي معلوم لا يجاوزانه حتى يتهيّئان إلى أقصى منازلهما (ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) ف «العزيز» إشارة إلى كمال قدرته ، و «العليم» إشارة إلى كمال علمه ، والمعنى : أن تقدير أجرام الأفلاك بصفاتها المخصوصة وهيئتها المحدودة ، وحركاتها المقدرة بالمقادير المخصوصة في البطء والسرعة لا يمكن تحصيله إلّا بقدرة كاملة متعلقة بجميع الممكنات ، وعلم نافذ في جميع المعلومات من الكلّيّات والجزئيات ، وذلك مختص بالفاعل المختار سبحانه وتعالى.

__________________

(١) ينظر : إعراب القرآن ١ / ٢٠١.

(٢) ينظر : معاني القرآن ٢ / ٢٨٢.

(٣) ينظر : الإملاء ١ / ٢٥٤.

(٤) ينظر : الكشاف ٢ / ٥٠.

(٥) ينظر البيت في اللسان (حسب) ، تهذيب اللغة ٤ / ٣٣١ (حسب) ، الدر المصون ٢ / ١٣٥.

(٦) ينظر : معاني القرآن ٢ / ٢٨٢.

٣١٢

قوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ)(٩٧)

وهذا نوع ثالث على كمال القدرة.

فقوله : (جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ) الظاهر أن «جعل» بمعنى «خلق» ، فتكون متعدية لواحد ، و «لكم» متعلّق ب «جعل» ، وكذا «لتهتدوا».

فإن قيل : كيف يتعلّق حرفا جرّ متحدان في اللفظ والمعنى؟

فالجواب : أن الثّاني بدل من الأوّل بدل اشتمال بإعادة العامل ، فإن «ليهتدوا» جار ومجرور ؛ إذ اللام لام «كي» ، والفعل بعدها منصوب بإضمار «أن» عند البصريين ، وقد تقدّم تقريره. والتقدير : جعل لكم النجوم لاهتدائكم ، ونظيره قوله : (لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ) [الزخرف : ٣٣] ف «لبيوتهم» بدل (لِمَنْ يَكْفُرُ) بإعادة العامل.

وقال ابن عطية (١) : «وقد يمكن أن يكون بمعنى «صيّر» ، ويقدّر المفعول الثاني من «لتهتدوا» أي : جعل لكم النجوم هداية».

قال أبو حيّان (٢) : «وهو ضعيف لندور حذف أحد مفعولي «ظنّ» وأخواتها».

قال شهاب الدين (٣) ـ رحمه‌الله ـ : لم يدّع ابن (٤) عطية حذف المفعول الثاني حتى يجعله ضعيفا ، إنما قال : إنه [بدل](٥) من «لتهتدوا» ، أي : فيقدّر متعلّق الجار الذي وقع مفعولا ثانيا ، كما يقدّر في نظائره ، والتقدير : جعل لكم النجوم مستقرّة أو كائنة لاهتدائكم.

وأما قوله : (جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ) هداية فلإيضاح المعنى وبيانه.

والنجوم معروفة ، وهي جمع «نجم» ، والنّجم في الأصل مصدر ؛ يقال : نجم الكوكب ينجم نجما ونجوما ، فهو ناجم ، ثم أطلق على الكواكب مجازا ، فالنجم يستعمل مرة اسما للكوكب ومرة مصدرا ، والنجوم تستعمل مرّة للكواكب وتارة مصدرا ومنه نجم النّبت ؛ أي : طلع ، ونجم قرن الشاة وغيرها ، والنجم من النبات ما لا ساق له ، والشجر ما له ساق ، والتّنجيم : التفريق ، ومنه نجوم الكتابة تشبيها بتفرق الكواكب.

فصل في معنى الآية

معنى الآية الكريمة : خلق لكم النّجوم لتهتدوا بها إلى الطرق والمسالك في ظلمات البر والبحر ، حيث لا يرون شمسا ولا قمرا ، وهو أن السّائر في البحر والقفار يهتدي بها

__________________

(١) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٣٢٦.

(٢) ينظر : البحر المحيط ٤ / ١٩١.

(٣) ينظر : الدر المصون ٣ / ٣٢٦.

(٤) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٣٢٦.

(٥) سقط في أ.

٣١٣

في الليل إلى مقصده وإلى القبلة ، وأيضا إنها زينة السماء كما قال : (وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ) [تبارك : ٥] وقال : (إِنَّا زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ) [الصافات : ٦] ومن منافعها أيضا كونها رجوما للشياطين ، ثم قال : (قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) وفيه ثلاثة أوجه :

أحدها : أنّ هذه النجوم كما يمكن أن يستدلّ بها على [الطّرقات في ظلمات البر والبحر فكذلك يمكن أن يستدلّ بها على](١) معرفة الصانع الحكيم ، وكمال قدرته وعلمه.

والثاني : أن يكون المراد هاهنا من العلم : العقل ، فيكون نظير قوله تعالى في سورة البقرة : (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) إلى قوله : (لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) [البقرة : ١٦٤] وقوله في آل عمران : (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ) إلى قوله : (لِأُولِي الْأَلْبابِ) [آل عمران : ١٩٠].

[الثالث :](٢) أن المراد من قوله : (لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) أي : لقوم يتفكّرون ويتأملون ، ويستدلون بالمحسوس على المعقول ، ويتنقلون من الشّاهد إلى الغائب.

قوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ) (٩٨)

وهذا نوع رابع من دلائل وجود الإله سبحانه وتعالى وكمال قدرته وعلمه ، وهو الاستدلال بأحوال الإنسان ، فقوله : (مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ) ، يعني آدم عليه الصلاة والسلام ، وهي نفس واحدة ، وحواء مخلوقة من ضلع من أضلاعه ، فصار كل [الناس](٣) من نفس واحدة ، وهي آدم.

فإن قيل : فما القول في عيسى؟

فالجواب : أنه مخلوق من مريم التي هي مخلوقة من أبويها.

فإن قيل : أليس القرآن الكريم دالّ على أنه مخلوق من الكلمة أو من الروح المنفوخ فيها ، فكيف يصح ذلك؟!.

فالجواب : أن كلمة «من» تفيد ابتداء الغاية ولا نزاع أن ابتداء عيسى عليه الصلاة والسلام كان من مريم ، وهذا القدر كان في صحّة هذا اللفظ.

قال القاضي (٤) : فرق بين قوله تبارك وتعالى : [«أنشأكم» وبين قوله : «خلقكم» لأن أنشأكم يفيد أنه خلقكم لا ابتداء ، ولكن على وجه النمو والنشوء لا من مظهر من الأبوين ، كما يقال في النبات : إنه تعالى أنشأه بمعنى](٥) النمو والزيادة إلى وقت الانتهاء.

__________________

(١) سقط في أ.

(٢) سقط في ب.

(٣) في ب : الإنسان.

(٤) ينظر : الرازي ١٣ / ٨٤.

(٥) سقط في أ.

٣١٤

قوله : «فمستقرّ» قرأ ابن كثير وأبو عمرو (١) بكسر القاف ، والباقون (٢) بفتحها ، وأما «مستودع» فالكل قرأه مفتوح (٣) الدال ، وقد روى الأعور عن أبي عمرو بن (٤) العلاء كسرها فمن كسر القاف جعل «مستقرّا» اسم فاعل ، والمراد به الأشخاص ، وهو مبتدأ محذوف الخبر ؛ أي : فمنكم مستقرّ ؛ إما في الأصلاب ، أو البطون ، أو القبور ، وعلى هذه القراءة تتناسق «ومستودع» بفتح الدال.

وجوز أبو البقاء (٥) في «مستقرّ» بكسر القاف أن يكون مكانا وبه بدأ.

قال : «فيكون مكانا يستقر لكم» انتهى.

يعني : والتقدير : ولكم مكان يستقر ، وهذا ليس بظاهر ألبتّة ؛ إذ المكان لا يوصف بكونه مستقرّا بكسر القاف ، بل بكونه مستقرا فيه.

وأما «مستودع» بفتحها ، فيجوز أن يكون اسم مفعول ، وأن يكون مكانا ، وأن يكون مصدرا ، فيقدر الأوّل : فمنكم مستقر في الأصلاب ، ومستودع في الأرحام ، أو مستقر في الأرض ظاهرا ، ومستودع فيها باطنا ، ويقدر للثاني : فمنكم مستقر ، ولكم مكان تستودعون فيه ، ويقدر للثالث : فمنكم مستقر ولكم استيداع.

وأما من فتح القاف فيجوز فيه وجهان فقط : أن يكون مكانا ، وأن يكون مصدرا ، أي : فلكم مكان تستقرّون فيه ، وهو الصّلب ، أو الرحم ، أو الأرض ، أو لكم استقرار فيما تقدّم ، وينقض أن يكون اسم مفعول ؛ لأن فعله قاصر لا يبنى منه اسم مفعول به [فيكون اسم مكان والمستقر بمنزلة المقر ؛ وإن كان كذلك لم يجز أن يكون خبر المضمر «منكم» بل يكون خبره «لكم» فلتقدير لكم مقر بخلاف](٦) مستودع حيث جاز فيه الأوجه الثلاثة.

وتوجيه قراءة (٧) أبي عمرو في رواية الأعور عنه في «مستودع» بالكسر على أن يجعل الإنسان كأنه مستودع رزقه وأجله حتى إذا نفدا كأنه ردّهما وهو مجاز حسن ، ويقوي ما قلته قول الشاعر : [الطويل]

__________________

(١) ينظر : الدر المصون ٣ / ١٣٦ ، البحر المحيط ٤ / ١٩١ ، إتحاف فضلاء البشر ٢ / ٢٤ ، الوسيط في تفسير القرآن المجيد ٢ / ٣٠٤ ، حجة أبي زرعة ٢٦٢ ـ ٢٦٣ ، السبعة ٢٦٣ ، النشر ٢ / ٢٦٠ ، التبيان ٢ / ٥٢٣ ـ ٥٢٤ ، الزجاج ٢ / ٣٠١ ـ ٣٠٢ ، الفراء ١ / ٣٤٧ ، المشكل ١ / ٢٦٣ ، الحجة لابن خالويه ١٤٦.

(٢) ينظر : الدر المصون ٣ / ١٣٦ ، البحر المحيط ٤ / ١٩١ ، إتحاف فضلاء البشر ٢ / ٢٤ ، الوسيط في تفسير القرآن المجيد ٢ / ٣٠٤ ، حجة أبي زرعة ٢٦٢ ـ ٢٦٣ ، السبعة ٢٦٣ ، النشر ٢ / ٢٦٠ ، التبيان ٢ / ٥٢٣ ـ ٥٢٤ ، الزجاج ٢ / ٣٠١ ـ ٣٠٢ ، الفراء ١ / ٣٤٧.

(٣) ينظر : الدر المصون ٣ / ١٣٧ ، المحرر الوجيز ٢ / ٣٢٦ ، البحر المحيط ٤ / ١٩١.

(٤) ينظر : الدر المصون ٣ / ١٣٦ ، المحرر الوجيز ٢ / ٣٢٧ ، البحر المحيط ٤ / ١٩٢.

(٥) ينظر : الإملاء ١ / ٢٥٤.

(٦) سقط في أ.

(٧) ينظر : الدر المصون ٣ / ١٣٦.

٣١٥

٢٢٦٧ ـ وما المال والأهلون إلّا وديعة

ولا بدّ يوما أن تردّ الودائع (١)

والإنشاء : الإحداث والتربية ، ومنه : إنشاء السحاب ، وقال تبارك وتعالى : (أَوَمَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ) [الزخرف : ١٨] فهذا يراد به التربية ، وأكثر ما يستعمل الإنشاء في إحداث الحيوان ، وقد جاء في غيره قال تبارك وتعالى : (وَيُنْشِئُ السَّحابَ الثِّقالَ) [الرعد : ١٢].

والإنشاء : قسيم الخبر ، وهو ما لم يكن له خارج ، وهل هو مندرج في الطّلب أو بالعكس ، أو قسم برأسه؟ خلاف.

وقيل على سبيل التقريب : هو مقارنة اللفظ لمعناه.

قال الزمخشري (٢) : «فإن قلت : فلم قيل : «يعلمون» مع ذكر النجوم ، و «يفقهون» مع ذكر إنشاء بني آدم؟

قلت : كأن إنشاء الإنس من نفس واحدة ، وتصريفهم على أحوال مختلفة ألطف وأدقّ صنعة وتدبيرا ، فكان ذكر الفقه الذي هو استعمال فطنة ، وتدقيق نظر مطابقا له».

فصل في تفسير الاستقرار

قال ابن عبّاس في أكثر الروايات : إن المستقر هو الأرحام ، والمستودع الأصلاب (٣).

قال كريب : كتب [جرير إلى](٤) ابن عباس يسأله عن هذه الآية الكريمة ، فأجاب : المستودع» : الصّلب ، و «المستقر» : الرحم ، ثم قرأ (وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ ما نَشاءُ) [الحج :٥].

قال سعيد بن جبير : قال ابن عباس رضي الله عنهما : هل تزوجت؟ قلت : لا ، قال : أما إنه ما كان من مستودع في ظهرك ، فسيخرجه الله عزوجل (٥) ويؤيده أيضا أن النّطفة لا تبقى في [صلب الأب زمانا طويلا والجنين يبقى في رحم الأم زمانا طويلا فلما كان المكث في الرحم أكثر مما في صلب الأب كان حمل الاستقرار على المكث في الرحم](٦) أولى.

وقيل : «المستقر» صلب الأب ، و «المستودع» رحم الأم ؛ لأن النطفة حصلت في

__________________

(١) البيت للبيد ، وهو في ديوانه ص (٨٩) ، شرح الحماسة ١ / ١٤٤ ، الدر المصون ٣ / ١٣٦.

(٢) ينظر : الكشاف ٢ / ٥٠ ـ ٥١.

(٣) أخرجه الطبري (٥ / ٢٨٣) والحاكم (٢ / ٣١٦) من حديث ابن عباس وقال الحاكم : صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٦٦) من طرق عن سعيد بن جبير وزاد نسبته لسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ.

(٤) سقط في أ.

(٥) أخرجه الطبري (٥ / ٢٨٣) عن سعيد بن جبير وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٦٦) وعزاه لعبد الرزاق.

(٦) سقط في أ.

٣١٦

صلب الأب لا من قبل الغير ، وحصلت في رحم [الأم بفعل الغير](١) فأشبهت الوديعة كأنّ الرجل أودعها ما كان مستقرّا عنده.

وقال الحسن : «المستقر» حاله بعد الموت ، و «المستودع» حاله قبل الموت (٢) ؛ لأنه أشبه الوديعة لكونها مشرفة على الذّهاب والزّوال وقيل العكس.

وقال مجاهد : «مستقر» على ظهر الأرض ، و «مستودع» عند الله في الآخرة (٣) ؛ لقوله عزوجل (وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ) [البقرة : ٣٦].

وقيل : المستودع : القبر ، والمستقر : الجنة والنار.

وقال أبو مسلم (٤) : تقديره : هو الذي أنشأكم من نفس واحدة ، فمنكم ذكر ومنكم أنثى إلّا أنه ـ تبارك وتعالى ـ عبّر عن الذّكر بالمستقر ، لأن النّطفة مما تتولّد في صلبه ، وتستقر هناك ، وعبر عن الأنثى بالمستودع ؛ لأن رحمها شبيه بالمستودع لتلك النّطفة ، والمقصود من ذكر الله التّفاوت في الصفات أن هذا الاختلاف لا بد له من سبب ومؤثّر ، وذلك هو الفاعل المختار الحكيم.

قوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنا مِنْهُ خَضِراً نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَراكِباً وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِها قِنْوانٌ دانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ انْظُرُوا إِلى ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذلِكُمْ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)(٩٩)

وهذا نوع خامس من الدّلائل على كمال قدرته تعالى وعلمه وحكمته ورحمته وإحسانه إلى خلقه.

قوله : «فأخرجنا» فيه التفات من غيبة إلى تكلّم بنون العظمة والباء في «به» للسّببية.

وقوله : (نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ) قيل : المراد كلّ ما يسمّى نباتا في اللغة.

قال الفراء (٥) : «رزق كل شيء ، أي : ما يصلح أن يكون غذاء لكل شيء ، فيكون مخصوصا بالمتغذى به».

وقال الطّبري (٦) : «هو جميع ما ينمو من الحيوان والنبات والمعادن ؛ لأن كل ذلك يتغذّى بالماء».

__________________

(١) سقط في أ.

(٢) أخرجه الطبري (٥ / ٢٨٦) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٦٦) عن الحسن وقتادة وعزاه لأبي الشيخ.

(٣) أخرجه الطبري (٥ / ٢٨٢ ـ ٢٨٣) عن مجاهد وابن عباس.

(٤) ينظر : الرازي ١٣ / ٨٥.

(٥) ينظر : معاني القرآن ١ / ٣٤٧.

(٦) ينظر : الطبري ٥ / ٢٨٧.

٣١٧

ويترتب على ذلك صناعة إعرابية ، وذلك أنّا إذا قلنا بقول غير الفراء كانت الإضافة راجعة في المعنى إلى إضافة شبه الصفة لموصوفها ، إذ يصير المعنى على ذلك : فأخرجنا به كلّ شيء منبت ، فإن النبات بمعنى المنبت ، وليس مصدرا كهو في (أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً) [نوح : ١٧] وإذا قلنا بقول الفراء : كانت الإضافة إضافة بين متباينين ؛ إذ يصير المعنى غذاء كل شيء أو رزقه ، ولم ينقل أبو حيان عن الفراء غير هذا القول والفرّاء له في هذه الآية القولان المتقدّمان ، فإنه قال : «رزق كل شيء» قال : وكذا جاء في التفسير ، وهو وجه الكلام ، وقد يجوز في العربية أن تضيف النبات إلى كلّ شيء ، وأنت تريد بكلّ شيء النّبات أيضا ، فيكون مثل قوله : «حقّ اليقين واليقين هو الحق».

فصل في دحض شبهة للمعتزلة

هذه الآية تقتضي نزول المطر من السماء.

قال الجبّائي (١) : إن الله ـ تبارك وتعالى ـ ينزل الماء من السّماء إلى السحاب ، ومن السحاب إلى الأرض لظاهر النّصّ قال بعض الفلاسفة (٢) : إن البخارات الكثيرة تجتمع في باطن الأرض ، ثم تصعد ، وترتفع إلى الهواء ، فينعقد الغيم منها ، ويتقاطر ، وذلك هو المطر ، فقيل : المراد أنزل من جانب السماء ماء.

وقيل : ينزل من السحاب ، وسمي السحاب سماء ؛ لأن العرب تسمّي كل ما فوقك سماء كسماء البيت.

ونقل الواحديّ (٣) في «البسيط» عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ يريد بالماء هاهنا المطر ، ولا تنزل نقطة من الماء إلا ومعها ملك (٤).

قوله : (فَأَخْرَجْنا بِهِ نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ) يدلّ على أنّ إخراج النّبات بواسطة الماء ، وذلك يوجب القول بالطّبع ، والمتكلمون ينكرونه.

قال الفراء : هذا الكلام يدلّ على أنه أخرج به نبات كل شيء ، وليس الأمر كذلك ، وكأن المراد : فأخرجنا [به نبات كل شيء له نبات ، وإذا كان كذلك فالذي لا نبات له لا يكون داخلا فيه وقوله : «فأخرجنا»](٥) بعد قوله : «أنزل» فيه التفات ، وهو من الفصاحة مذكور في قوله تبارك وتعالى : (حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ) [يونس : ٢٢].

وقوله تبارك وتعالى : «فأخرجنا» هذه النون تسمى نون العظمة لا نون الجمع كقوله : (إِنَّا أَرْسَلْنا نُوحاً) [نوح : ١] (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ) [الحجر : ٩] (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) [القدر : ١].

__________________

(١) ينظر : الرازي ١٣ / ٨٦.

(٢) ينظر : المصدر السابق.

(٣) ينظر : المصدر السابق.

(٤) ذكره الرازي في «التفسير الكبير» (١٣ / ٨٧) عن ابن عباس.

(٥) سقط في أ.

٣١٨

قوله : (فَأَخْرَجْنا مِنْهُ) في الهاء وجهان :

أحدهما : أن يعود على النّبات ، وهو الظاهر ، ولم يذكر الزمخشري غيره ، وتكون «من» على بابها من كونها لابتداء الغاية ، أو تكون «من» للتبعيض ، وليس كذلك.

والثاني : يعود على الماء ، وتكون «من» سببيّة.

وذكر أبو البقاء (١) ـ رحمه‌الله تعالى ـ الوجهين ، فقال : (فَأَخْرَجْنا مِنْهُ) أي : بسببه ، ويجوز أن تكون الهاء في «منه» راجعة على النبات ، وهو الأشبه ، وعلى الأول يكون «فأخرجنا» بدلا من «أخرجنا» الأول أي : أنه يكتفى في المعنى بالإخبار بهذه الجملة الثانية ، وإلا فالبدل الصناعي لا يظهر ، فالظاهر أن «فأخرجنا» عطف على «فأخرجنا» الأول.

وقال أبو حيان (٢) : وأجاز أبو البقاء (٣) ـ رحمه‌الله تعالى ـ أن يكون بدلا من «فأخرجنا».

قلت : إنما جعله بدلا بناء على عود الضمير في «منه» على الماء فلا يصحّ أن يحكى عنه أنه جعله بدلا مطلقا ؛ لأن البدليّة لا تتصوّر على جعل الهاء في «منه» عائدة على النبات ، والخضر بمعنى الأخضر ك «عور» و «أعور».

قال أبو إسحاق (٤) : يقال : أخضر يخضر فهو خضر وأخضر ك «أعور» فهو عور وأعور.

والخضرة أحد الألوان ، وهو بين البياض والسواد ولكنها إلى السّواد أقرب ، وكذلك أطلق الأسود على الأخضر ، وبالعكس ، ومنه «سواد العراق» لخضرة أرضه بالشجر ، وقال تبارك وتعالى: (مُدْهامَّتانِ) [الرحمن : ٦٤] أي : شديدتا السواد لريّهما ، والمخاضرة مبايعة الخضر والثمار قبل بلوغها ، والخضيرة : نخلة ينتثر بسرها أخضر.

وقوله عليه الصلاة والسلام : «إيّاكم وخضراء الدّمن» فقد فسّره رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بقوله : «المرأة الحسناء في المنبت السّوء» (٥) والدّمن : مطارح الزّبالة ، وما يستقذر ، فقد ينبت منها ما يستحسنه الرائي.

قال اللّيث : الخضر في كتاب الله الزّرع والكلأ ، وكل نبت من الخضر.

وقال ابن عباس رضي الله عنهما : يريد القمح والشعير والسلت والذرة والأرز ، والمراد بهذا الخضر العود الأخضر الذي يخرج أوّلا ، وتكون السّنبلة مركبة عليه من فوقه (٦)

قوله : (نُخْرِجُ مِنْهُ) أي : من الخضر.

__________________

(١) ينظر : الإملاء ١ / ٢٥٤.

(٢) ينظر : البحر المحيط ٤ / ١٩٣.

(٣) ينظر : الإملاء ١ / ٢٥٤.

(٤) ينظر : معاني القرآن ٢ / ٣٠٢.

(٥) ذكره الحافظ العراقي (٢ / ٣٨) في تخريج الإحياء وقال : رواه الدار قطني في الأفراد والرامهرمزي في الأمثال من حديث أبي سعيد الخدري ، قال الدار قطني : تفرد به الواقدي وهو ضعيف.

(٦) ذكره القرطبي في «تفسيره» (٧ / ٣٢).

٣١٩

والجمهور (١) على «نخرج» مسندا إلى ضمير المعظم نفسه.

وقرأ ابن محيصن (٢) والأعمش : «يخرج» بياء الغيبة مبنيا للمفعول و «حبّ» قائم مقام فاعله ، وعلى كلتا القراءتين تكون الجملة صفة ل «خضرا» وهذا هو الظاهر ، وجوّزوا فيها أن تكون مستأنفة ، و «متراكب» رفعا ونصبا صفة ل «حب» بالاعتبارين ، والمعنى أن تكون الحبّات متراكبة بعضها فوق بعض ، مثل [سنابل](٣) البرّ والشعير والأرز ، وسائر الحبوب ، ويحصل فوق السّنبلة أجسام دقيقة حادة كأنها الإبر ، والمقصود [من تخليقها منع الطير من التقاط تلك الحبّات المتراكبة.

قوله : (وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِها قِنْوانٌ) يجوز في هذه الجملة أوجه :](٤)

أحسنها : أن يكون (مِنَ النَّخْلِ) خبرا مقدما ، و (مِنْ طَلْعِها) بدل بعض من كل بإعادة العامل ، فهو كقوله تعالى : (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ) [الأحزاب : ٢١].

و «قنوان» مبتدأ مؤخر ، وهذه الجملة ابتدائية عطفت على الفعلية قبلها.

الثاني : أن يكون «قنوان» فاعلا بالجار قبله ، وهو (مِنَ النَّخْلِ) و (مِنْ طَلْعِها) على ما تقدّم من البدليّة ، وذلك على رأي الأخفش.

الثالث : أن تكون المسألة من باب التّنازع ، يعني أن كلّا من الجارّين يطلب «قنوان» على أنه فاعل على رأي الأخفش ، فإن أعملت الثاني ، وهو مختار قول البصريين أضمرت في الأوّل ، وإن أعملت الأوّل كما هو مختار قول الكوفيين أضمرت في الثاني.

قال أبو البقاء (٥) : والوجه الآخر أن يرتفع «قنوان» على أنه فاعل (مِنْ طَلْعِها) فيكون في (مِنَ النَّخْلِ) ضمير يفسره «قنوان» وإن رفعت [«قنوان»](٦) بقوله : (وَمِنَ النَّخْلِ) على قول من أعمل أول الفعلين جاز ، وكان في (مِنْ طَلْعِها) ضمير مرفوع قلت : فقد أشار بقوله : على أنه فاعل (مِنْ طَلْعِها) إلى إعمال الثاني.

الرابع : أن يكون «قنوان» مبتدأ ، و (مِنْ طَلْعِها) الخبر ، وفي (مِنَ النَّخْلِ) ضمير ، تقديره ونبت من النخل شيء أو ثمر ، فيكون (مِنْ طَلْعِها) بدلا منه. قاله أبو (٧) البقاء رحمه‌الله ، وهذا كلام لا يصح ؛ لأنه بعد أن جعل (مِنْ طَلْعِها) الخبر ، فكيف يجعله بدلا؟ فإن قيل : يجعله بدلا منه ؛ لأن (مِنَ النَّخْلِ) خبر للمبتدأ.

__________________

(١) ينظر : الدر المصون ٣ / ١٣٧ ، البحر المحيط ٤ / ١٩٢ ـ ١٩٣.

(٢) ينظر : الدر المصون ٣ / ١٣٧ ، البحر المحيط ٤ / ١٩٢ ـ ١٩٣.

(٣) في أ : سنبل.

(٤) سقط في أ.

(٥) ينظر : الإملاء ١ / ٢٥٥.

(٦) سقط في أ.

(٧) ينظر : الإملاء ١ / ٢٥٥.

٣٢٠