اللّباب في علوم الكتاب - ج ٧

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي

اللّباب في علوم الكتاب - ج ٧

المؤلف:

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي


المحقق: عادل أحمد عبد الموجود و علي محمّد معوّض
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-2298-3

الصفحات: ٦٤٠

أحدها : أنه تعالى قال فيما تقدّم :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ) فذكر أنّ الأعداء يريدون إيقاع البلاء بهم ، لكنّه تعالى يحفظهم [بفضله] ويمنع أعداءهم من إيصال الشّرّ إليهم ، ثم ذكر قصصا تدلّ في أنّ كلّ من خصّه الله به ـ تعالى ـ من النّعم العظيمة في الدّين والدّنيا فإنّ الناس يتنازعونه حسدا ، فذكر قصة النّقباء الاثني عشر ، وأخذ الميثاق منهم ، ثم إنّ اليهود نقضوا ذلك الميثاق حتى وقعوا في اللّعن والقساوة ، وذكر بعده شدّة إصرار النصارى على الكفر ، وقولهم ب «التّثليث» بعد ظهور الدّلائل الواضحة القاطعة على فساد اعتقادهم ، وما ذلك إلا حسدا لمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيما آتاه الله من الدّين الحقّ (١) ثم ذكر قصّه موسى في محاربة الجبّارين ، وإصرار قومه على التّمرّد والعصيان ، ثم ذكر بعده قصّة ابني آدم ، وأنّ أحدهما قتل الآخر حسدا على قبول قربانه ، وكل هذه القصص دالّة على أنّ كل ذي نعمة محسود ، فلما كانت نعم الله على محمّد صلى‌الله‌عليه‌وسلم أعظم النعم لم يبعد اتّفاق الأعداء على كيده ، فكان ذكر هذه القصص تسلية له فيما هدّده به اليهود من المكر والكيد (٢).

ثانيها : أنّه متعلّق بقوله : (يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ).

وهذه القصص مذكورة في التّوراة (٣).

وثالثها : أنّها متعلّقة بقصة [محاربة](٤) الجبّارين ، أي : ذكّروا اليهود بحديث ابني آدم ؛ ليعلموا أن سبيل أسلافهم في النّدامة والحسرة الحاصلة بسبب إقدامهم على المعاصي ، مثل سبيل ابني آدم في ندامة أحدهما على قتل الآخر (٥).

رابعها : أنه متّصل بحكاية قول اليهود والنّصارى : (نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ) [المائدة : ١٨] أي : لا ينفعهم كونهم أولاد الأنبياء (٦) مع كفرهم ، كما لم ينتفع ولد آدم بقتل أخيه بكون أبيه نبيّا معظما عند الله ـ تعالى ـ.

وخامسها : لما كفر أهل الكتاب بمحمّد ـ عليه الصلاة والسلام ـ حسدا أخبرهم الله ـ تعالى ـ بخبر ابني آدم ، وأنّ الحسد أوقعه في سوء الخاتمة ، والمقصود منه التّحذير عن الحسد (٧).

__________________

(١) ينظر : تفسير الرازي ١١ / ١٦٠.

(٢) ينظر : تفسير الرازي ١١ / ١٦٠.

(٣) ينظر : المصدر السابق.

(٤) سقط في أ.

(٥) ينظر : تفسير الرازي ١١ / ١٦٠.

(٦) في أ : الله.

(٧) اعلم أنه لا حسد إلّا على نعمة ، فإذا أنعم الله على أخيك بنعمة ، فلك فيها حالتان :

إحداهما : أن تكره تلك النعمة وتحب زوالها ، وهذه الحالة تسمى حسدا ؛ فالحسد حدّه كراهة النعمة وحب زوالها عن المنعم عليه. ـ

٢٨١

الضّمير في «عليهم» فيه قولان :

__________________

ـ الحالة الثانية : ألّا تحب زوالها ولا تكره وجودها ودوامها ، ولكن تشتهي لنفسك مثلها. وهذه تسمى غبطة ، وقد تختص باسم المنافسة.

وقد تسمى المنافسة حسدا والحسد منافسة ويوضع أحد اللفظين موضع الآخر ، ولا حجر في الأسامي بعد فهم المعاني. وقد قال الفضيل بن عياض : «إنّ المؤمن يغبط والمنافق يحسد».

فأما الأوّل : فهو حرام بكل حال ، إلّا نعمة أصابها فاجر أو كافر ، وهو يستعين بها على تهييج الفتنة وإفساد ذات البين ، وإيذاء الخلق ، فلا يضرك كراهتك لها ومحبتك لزوالها ؛ فإنك لا تحب زوالها من حيث هي نعمة ، بل من حيث هي آلة للفساد ، ولو أمنت فساده ، لم يغمك بنعمته ، ويدل على تحريم الحسد الأخبار ، وأن هذه الكراهة تسخط لقضاء الله في تفضيل بعض عباده على بعض ، وذلك لا عذر فيه ولا رخصة ، وأي معصية تزيد على كراهتك لراحة مسلم من غير أن يكون لك منه مضرة؟ وإلى هذا أشار القرآن بقوله : (إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِها) وهذا الفرح شماتة ، والحسد والشماتة يتلازمان. وقال تعالى : (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ) فأخبر تعالى أن حبهم زوال نعمة الإيمان حسد. وقال عزوجل : (وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَما كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَواءً) وذكر الله تعالى حسد إخوة يوسف ـ عليه‌السلام ـ وعبّر عما في قلوبهم بقوله تعالى : (إِذْ قالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلى أَبِينا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ). اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ فلما كرهوا حب أبيهم له وساءهم ذلك وأحبوا زواله عنه غيبوه عنه وقال تعالى : (وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا) أي : لا تضيق صدورهم به ولا يغتمون ، فأثنى عليهم بعدم الحسد. وقال تعالى في معرض الإنكار : (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) ، وقال تعالى : (كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً) إلى قوله : (إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ) قيل في التفسير : حسدا وقال تعالى : (وَما تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ) فأنزل الله العلم ليجمعهم ، ويؤلف بينهم على طاعته ، وأمرهم أن يتآلفوا بالعلم فتحاسدوا واختلفوا ؛ إذ أراد كل واحد منهم أن ينفرد بالرياسة وقبول القول ، فرد بعضهم على بعض.

قال ابن عباس : كانت اليهود قبل أن يبعث النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ إذا قاتلوا قوما قالوا : نسألك بالنبي الذي وعدتنا أن ترسله ، وبالكتاب الذي تنزله إلّا ما نصرتنا. فكانوا ينصرون ، فلما جاء النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ من ولد إسمعيل ـ عليه‌السلام ـ عرفوه وكفروا به بعد معرفتهم إياه فقال تعالى : (وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ) إلى قوله : (أَنْ يَكْفُرُوا بِما أَنْزَلَ اللهُ بَغْياً) أي : حسدا.

وقالت صفية بنت حيي للنبي ـ صلى الله تعالى عليه وسلم ـ جاء أبي وعمي من عندك يوما ، فقال أبي لعمي : ما تقول فيه؟ قال : أقول إنه النبي الذي بشر به موسى. قال : فما ترى؟ قال : أرى معاداته أيام الحياة فهذا حكم الحسد في التحريم.

وأما المنافسة : فليست بحرام ، بل هي إما واجبة ، وإما مندوبة ، وإما مباحة ، وقد يستعمل لفظ الحسد بدل المنافسة والمنافسة بدل الحسد.

قال قثم بن العباس : لما أراد هو والفضل أن يأتيا النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ فيسألاه أن يؤمرهما على الصدقة ـ قالا لعلي حين قال لهما : لا تذهبا إليه فإنه لا يؤمركما عليها ـ فقالا له : ما هذا منك إلّا نفاسة والله لقد زوّجك ابنته فما نفسنا ذلك عليك أي : هذا منك حسد ، وما حسدناك على تزويجه إياك فاطمة.

والمنافسة في اللغة مشتقة من النفاسة. والذي يدل على إباحة المنافسة قوله تعالى : (وَفِي ذلِكَ ـ

٢٨٢

أحدهما : واتل على الناس.

والثاني : واتل على أهل الكتاب.

وفي «ابني آدم» قولان :

أحدهما : أنهما ابنا آدم لصلبه ، وهما : قابيل ، وهابيل ، وفي سبب [وقوع] المنازعة بينهما قولان :

أحدهما : أن هابيل كان صاحب غنم ، وقابيل صاحب زرع (١) فقرب كل واحد منهما قربانا ، فطلب هابيل أحسن شاة كانت في غنمه وجعلها قربانا ، وطلب قابيل شر حنطة كانت عنده وجعلها قربانا ، فنزلت نار من السماء فاحتملت قربان هابيل ولم تحتمل قربان قابيل ، فعلم قابيل أن الله تعالى قبل قربان أخيه ولم يقبل قربانه ، فحسده وقصد قتله.

قال سعيد بن جبير : ولم يحتمل (٢) قربان قابيل ، فعلم قابيل أن الله قبل قربان أخيه ولم يقبل قربانه ؛ لأنه كان كافرا فقال قابيل لأخيه هابيل ـ وكان مؤمنا ـ : أتمشي على الأرض يراك الناس أفضل مني به ، فحسده وقصد قتله.

وثانيهما : روي أن آدم ـ عليه‌السلام ـ كان يولد له [في كل بطن](٣) غلام وجارية وكان يزوج [تلك](٤) البنت من البطن بالغلام من بطن آخر ، فولد له قابيل [وتوأمته ،](٥) قال الكلبي : وكان اسمها «إقليمياء» (٦) ـ ، وبعدهما هابيل وتوأمته وكانت توأمة قابيل أحسن الناس وجها ، فأراد آدم ـ عليه‌السلام ـ أن يزوجها من هابيل ، فأبى قابيل وقال : أنا أحق بها وهو أحق بأخته وليس هذا من الله وإنما هو رأيك ، فقال آدم ـ عليه‌السلام ـ لهما : قربا قربانا فأيكما قبل قربانه زوجتها منه ، فقربا قربانين ، فقبل الله قربان هابيل بأن أنزل على قربانه نارا فازداد قابيل حسدا له (٧).

قال القرطبي (٨) : وروي عن جعفر الصادق ـ رضي الله عنه ـ «أن آدم ـ عليه‌السلام

__________________

ـ (فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ) وقال تعالى : (سابِقُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ) وإنما المسابقة عند خوف الفوت وهو كالعبدين يتسابقان إلى خدمة مولاهما ؛ إذ يجزع كل واحد أن يسبقه صاحبه فيحظى عند مولاه بمنزلة لا يحظى هو بها ، فكيف وقد صرح رسول الله ـ صلى الله تعالى عليه وسلم ـ بذلك فقال : لا حسد إلّا في اثنتين : رجل آتاه لله مالا فسلطه على هلكته في الحق ، ورجل آتاه الله تعالى علما فهو يعمل به ويعلمه الناس.

(١) ينظر : تفسير الرازي ١١ / ١٦١.

(٢) في ب : يشتمل.

(٣) سقط في أ.

(٤) سقط في أ.

(٥) ينظر : تفسير الرازي ١١ / ١٦١.

(٦) في ب : أشليماء.

(٧) ينظر : تفسير الرازي ١١ / ١٦١.

(٨) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٤٨٤) وعزاه لإسحاق بن بشر في «المبتدأ» وابن عساكر من طريق جويبر ومقاتل عن الضحاك عن ابن عباس وينظر : تفسير القرطبي ٦ / ٨٩.

٢٨٣

ـ لم يكن يزوّج ابنته من ابنه ، ولو فعل ذلك ما رغب عنه النّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ولا كان دين آدم عليه‌السلام إلّا دين النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ...» ، وذكر قصّته. قال القرطبيّ (١) : وهذه القصّة عن جعفر ما أظنّها تصحّ ، وأنه يزوّج غلام هذا البطن إلى البطن الآخر ، بدليل قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُما رِجالاً كَثِيراً وَنِساءً) [النساء : ١] ، وهذا كالنصّ ثم نسخ ذلك على ما تقدم بيانه في «سورة البقرة» وكان جميع ما ولدته حوّاء أربعين ولدا ذكرا ، وأنثى : عشرين بطنا أوّلهم قابيل ، وتوأمته إقليمياء وآخرهم عبد المغيث ، ثم بارك الله في نسل آدم ـ عليه الصلاة والسلام ـ.

وعن ابن عبّاس (٢) ـ رضي الله عنهما ـ : لم يمت آدم ـ عليه‌السلام ـ حتى بلغ ولده وولد ولده أربعين ألفا.

والقول الثاني : وهو قول الحسن والضّحّاك : أنّ ابني آدم اللذين قرّبا القربان ما كانا ابني آدم لصلبه ، وإنما كانا رجلين من بني إسرائيل [كانت بينهما خصومة ، ولم تكن القرابين إلا في بني اسرائيل](٣) ؛ لقوله تعالى في آخر القصّة : (مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً) [المائدة : ٣٢].

وصدور الذنب من ابني آدم ، لا يصلح أن يكون سببا لإيجاب القصاص عليهم زجرا لهم عن المعاودة إلى مثل هذا الذّنب ، ويدلّ عليه أيضا أنّ المقصود من هذه القصّة : بيان أنّ اليهود من قديم الدّهر مصرّون على التّمرّد والحسد حتى بلغ بهم هذا الحسد إلى أن أحدهما لما قبل الله قربانه حسده الآخر وقتله ، ولا شكّ أن هذا ذنب عظيم. فإنّ قبول القربان ممّا يدل [عليه أن صاحبه](٤) حسن الاعتقاد [وأنه](٥) مقبول عند الله ـ تعالى ـ فتجب المبالغة في تعظيمه ، فلما أقدم على قتله [وقتله](٦) مع هذه الحالة دلّ ذلك على أنّه قد بلغ في الحسد أقصى الغايات ، وإذا كان المراد أنّ الحسد داء قديم في بني إسرائيل ، وجب أن يقال : [هذان الرّجلان](٧) كانا من بني إسرائيل ، والصّحيح الأول ؛ لأنّ القاتل جهل ما يصنع بالمقتول ، حتى تعلّم ذلك من عمل الغراب ولو كان من بني إسرائيل لما خفي عليه هذا الأمر ـ والله سبحانه أعلم (٨) ـ.

فصل

قوله تعالى : «بالحقّ» فيه ثلاثة أوجه :

__________________

(١) ينظر : القرطبي ٦ / ٨٩.

(٢) ينظر : القرطبي ٦ / ٨٩.

(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٤ / ٥٣٠) عن الحسن.

(٤) سقط في أ.

(٥) سقط في أ.

(٦) سقط في أ.

(٧) في أ : أن الرجلين.

(٨) ينظر : تفسير الرازي ١١ / ١٦١.

٢٨٤

أحدها : أنه حال من فاعل «اتل» أي : اتل ذلك حال كونك ملتبسا بالحقّ أي : بالصّدق ، وموافقا لما في التّوراة والإنجيل.

والثاني : أنه حال من مفعوله وهو «نبأ» ، أي : اتل نبأهما ملتبسا بالصّدق موافقا لما في كتب الأوّلين لتثبت عليهم الحجّة برسالتك.

الثالث : أنه صفة لمصدر «اتل» ، أي : اتل ذلك تلاوة ملتبسة بالحقّ والصّدق كافّة.

والزّمخشريّ (١) به بدأ ، وعلى الأوجه الثلاثة ف «الباء» للمصاحبة وهي متعلّقة بمحذوف.

وقرأ أبو عمرو (٢) بتسكين الميم من «آدم» قبل باء «بالحقّ» ، وكذا كل ميم قبلها متحرك ، وبعدها باء ، ومعنى الكلام : واتل عليهم نبأ ابني آدم بالغرض [الصحيح](٣) ، وهو تقبيح الحسد ، والبغي وقيل : ليعتبروا به لا ليحملوه على اللّعب ، كالأقاصيص التي لا فائدة فيها ، وهذا يدلّ على أنّ المقصود من ذكر القصص العبرة لا مجرّد الحكاية ، لقوله تعالى : (لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ) [يوسف : ١١١].

قوله تعالى : (إِذْ قَرَّبا قُرْباناً)(٤) فيه ثلاثة أوجه :

أحدها : وبه بدأ الزّمخشريّ (٥) ، وأبو البقاء (٦) : أن يكون متعلّقا بنفس النّبأ ، أي : قصّتهما ، وحديثهما في ذلك الوقت ، وهذا واضح.

والثاني : أنه بدل من «نبأ» على حذف مضاف ، تقديره : «واتل» عليهم النّبأ نبأ ذلك الوقت ، كذا قدّره الزّمخشريّ (٧).

قال أبو حيّان (٨) : «ولا يجوز ما ذكر ؛ لأن «إذ» لا يضاف إليها إلا الزّمان و «نبأ» ليس بزمان.

الثالث : ذكره أبو البقاء (٩) [أنه حال من «نبأ» [وعلى هذا فيتعلق بمحذوف ، لكنّ هذا الوجه غير واضح.

قال أبو البقاء :](١٠) ولا يجوز أن يكون ظرفا ل «اتل» ؛ قلت : لأنّ الفعل مستقبل ، و «إذ» وقت ماض ، فكيف يتلاقيان؟ و «القربان» فيه احتمالان :

__________________

(١) ينظر : الكشاف ١ / ٦٢٤.

(٢) ينظر : الدر المصون ٢ / ٥١٠ ، السبعة ١١٧.

(٣) سقط في أ.

(٤) سقط في أ.

(٥) ينظر : الكشاف (١ / ٦٢٤).

(٦) ينظر : الإملاء ١ / ٢١٣.

(٧) ينظر : الكشاف (١ / ٦٢٤).

(٨) ينظر : البحر المحيط ٣ / ٤٧٦.

(٩) سقط في أ.

(١٠) ينظر : الإملاء ١ / ٢١٣.

٢٨٥

أحدهما : وبه قال الزّمخشريّ (١) : «أنه اسم لما يتقرّب به ، كما أنّ الحلوان اسم ما يحلّى أو يعطى».

يقال : «قرّب صدقة وتقرّب بها» ؛ لأن «تقرّب» مطواع «قرّب».

قال الأصمعيّ : [تقربوا](٢) «قرف القمع» فيعدّى بالباء حتى يكون بمعنى : قرّب ، أي : فيكون قوله : (إِذْ قَرَّبا قُرْباناً) يطلب مطاوعا له ، والتّقدير إذ قرّباه ، فتقرّبا به وفيه بعد.

قال أبو حيّان (٣) : «وليس تقرّب بصدقة مطاوع (٤) «قرّب صدقة» (٥) لاتحاد فاعل الفعلين ، والمطاوعة يختلف فيها الفاعل يكون من أحدهما فعل ، ومن الآخر انفعال ، نحو : كسرته فانكسر ، وفلقته فانفلق ، فليس قرّب صدقة ، وتقرّب بها ، من هذا الباب ، فهو غلط فاحش».

قال شهاب الدّين (٦) : وفيما قاله الشّيخ نظر ؛ لأنّا لا نسلّم هذه القاعدة.

والاحتمال الثاني : أن يكون في الأصل مصدرا ، ثم أطلق على الشيء المتقرّب به ، كقوله م «نسج اليمن» ، و «ضرب الأمير».

ويويّد ذلك أنه لم يثنّ ، والموضع موضع تثنية ؛ لأنّ كلا من قابيل وهابيل له قربان يخصّه ، فالأصل : إذ قرّبا قربانين ولأنه لم يثنّ [لأنه مصدر في الأصل ، وللقائل بأنه اسم ما يتقرّب به لا مصدر أن يقول : إنما لم يثنّ](٧) ؛ لأن المعنى ـ كما قاله أبو عليّ الفارسيّ ـ : إذ قرّب كلّ واحد منهما قربانا ، كقوله تعالى : (فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً) [النور : ٤] أي : كل واحد منهم.

قال ابن الخطيب (٨) : جمعهما في الفعل ، وأفرد الاسم ليستدل بفعلهما على أنّ لكلّ واحد منهما قربانا.

وقيل : إنّ القربان اسم جنس فهو يصلح للواحد والعدد.

وقوله تعالى : (فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِما وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ).

قال أكثر المفسّرين (٩) : كان علامة القبول أن تأكله النّار ، وقال مجاهد : علامة الردّ أن تأكله النّار (١٠).

__________________

(١) ينظر : الكشاف (١ / ٦٢٤)

(٢) سقط في أ.

(٣) ينظر : البحر المحيط ٣ / ٤٧٦.

(٤) في ب : تطوع.

(٥) في ب : قصده.

(٦) ينظر : الدر المصون (٢ / ٥١٠).

(٧) سقط في أ.

(٨) ينظر : تفسير الرازي ١١ / ١٦٢.

(٩) ينظر : المصدر السابق.

(١٠) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٤ / ٥٣٠) عن مجاهد وقتادة وذكره الرازي في «التفسير الكبير» (١١ / ١٦٢) عن مجاهد.

٢٨٦

وقيل : لم يكن في ذلك الوقت فقير يدفع إليه ما يتقرّب به إلى الله ـ تعالى ـ ، فكانت تنزل من السّماء نار تأكله.

وإنما صار أحد القربانين مقبولا والآخر مردودا ؛ لأنّ [حصول] التّقوى شرط في قبول الأعمال لقوله تعالى هاهنا حكاية عن المحقّ (إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) ، وقوله تعالى فيما أمرنا به من القربان بالبدن : (لَنْ يَنالَ اللهَ لُحُومُها وَلا دِماؤُها وَلكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى مِنْكُمْ) [الحج : ٣٧] فأخبر أنّ الذي يصل إليه ليس إلّا التّقوى ، والتّقوى من صفات القلوب ؛ لقوله ـ عليه‌السلام ـ : «التّقوى هاهنا (١)» وأشار إلى القلب.

وحقيقة التّقوى : أن يكون على خوف ووجل من تقصير نفسه في تلك الطّاعة.

وأن يكون في غاية الاحتراز من أن يأتي بتلك الطّاعة لغرض سوى مرضاة الله تعالى.

وألّا يكون فيه شركة لغير الله تعالى (٢).

قيل : إن قابيل جعل قربانه أردأ ما كان عنده ، وأضمر في نفسه ألّا يبالي قبل أو لم يقبل ، وأنه لا يزوّج أخته من أخيه أبدا.

وقيل : كان قابيل ليس من أهل التّقوى والطّاعة فلذلك لم يقبل الله قربانه (٣).

قوله تعالى : (قالَ لَأَقْتُلَنَّكَ) ، أي : قال الذي لم يتقبل منه للمقبول منه.

وقرأ الجمهور «لأقتلنّك» بالنون الشديدة ، وهذا جواب قسم محذوف وقرأه زيد بالخفيفة(٤).

قال أبو حيّان : [إنما يتقبل الله مفعوله محذوف](٥) ، لدلالة المعنى عليه ، أي : قرابينهم وأعمالهم ويجوز ألّا يراد له مفعول ، كقوله تعالى (فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى) [الليل : ٥] ، هذه الجملة قال ابن عطيّة (٦) : «قبلها كلام محذوف ، تقديره : لم تقتلني وأنا لم أجن شيئا ، ولا ذنب لي في تقبّل الله قرباني بدون قربانك» ؛ وذكر كلاما كثيرا.

وقال غيره : «فيه حذف يطول» وذكر نحوه ، ولا حاجة إلى تقدير ذلك كلّه ؛ إذ المعاني مفهومة من فحوى الكلام إذا قدّرت قصيرة كان أحسن ، والمعنى هنا : لأقتلنّك حسدا على تقبّل قربانك ، فعرّض له بأن سبب التّقبّل التّقوى.

__________________

(١) أخرجه مسلم ٤ / ١٩٨٧ كتاب البر والصلة : باب تحريم ظلم المسلم (٣٢ ـ ٢٥٦٤).

(٢) ينظر : الرازي ١١ / ١٦٢.

(٣) ينظر : المصدر السابق.

(٤) ينظر : البحر المحيط ٣ / ٤٧٦ ، والدر المصون ٢ / ٤١١.

(٥) سقط في أ.

(٦) ينظر : المحرر الوجيز (٢ / ١٧٨).

٢٨٧

وقال الزّمخشريّ (١) : «فإن قلت : كيف [كان](٢) قوله : (إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) جوابا لقوله : «لأقتلنّك»؟.

قلت : لمّا كان الحسد لأخيه على تقبّل قربانه هو الذي حمله على توعّده بالقتل ، قال : إنّما أتيت من قبل نفسك لانسلاخها من لباس التّقوى» انتهى.

وهذا ونحوه من تفسير المعنى لا الإعراب (٣).

وقيل : إن هذه الجملة اعتراض بين كلام القاتل وكلام المقتول والضّمير [في «قال»](٤)(٥) إنّما يعود إلى الله تعالى ، أي : قال الله ذلك لرسوله ، فيكون قد اعترض بقوله (إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ) بين كلام قابيل وهو : (قالَ لَأَقْتُلَنَّكَ) ، وبين كلام هابيل وهو : (لَئِنْ بَسَطْتَ) إلى آخره ، وهو في غاية البعد لتنافر النّظم.

و «اللّام» في قوله : (لَئِنْ بَسَطْتَ) هي الموطّئة.

وقوله : (ما أَنَا بِباسِطٍ) جواب القسم المحذوف ، وهذا على القاعدة المقرّرة من أنّه إذا اجتمع شرط وقسم أجيب سابقهما إلا في صورة تقدّم التّنبيه عليها (٦).

وقال الزّمخشري (٧) : «فإن قلت : لم جاء الشّرط بلفظ الفعل ، والجزاء بلفظ اسم الفاعل ، وهو قوله «لئن بسطت» ، «ما أنا بباسط» ؛ قلت : ليفيد أنه لا يفعل هذا الوصف الشّنيع ، ولذلك أكّده ب «الباء» المفيدة لتأكيد النّفي».

وناقشه أبو حيّان (٨) في قوله : [إنّ](٩) «ما أنا بباسط» جزاء للشّرط.

قال : لأنّ هذا الجواب للقسم لا للشّرط قال : «لأنه لو كان جوابا للشّرط للزمته الفاء لكونه منفيّا ب «ما» والأداة جازمة ، وللزمه أيضا تلك القاعدة ، وهو كونه لم يجب الأسبق منهما» وهذا ليس بشيء ؛ لأن الزّمخشريّ سماه جزاء للشّرط لما كان دالّا على جزاء الشّرط ، ولا نكير في ذلك [ولكنه مغرى بأن يقال : قد اعترض على الزّمخشري](١٠).

وقال أيضا : وقد خالف الزمخشريّ كلامه هنا بما ذكره في «البقرة» في قوله تعالى (وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ) [البقرة : ١٤٥] ، من كونه جعله جوابا للقسم سادّا مسدّ جواب الشّرط ، وقد تقدّم بحثه معه هناك.

__________________

(١) ينظر : الكشاف (١ / ٦٢٤).

(٢) سقط في أ.

(٣) ينظر : الدر المصون آية ٢٨.

(٤) سقط في أ.

(٥) ينظر : الدر المصون (٢ / ٥٥١).

(٦) وهي أن يتقدم ذو خبر فإذا تقدم غلب الشرط.

(٧) ينظر : الكشاف (١ / ٦٢٥).

(٨) ينظر : البحر المحيط ٣ / ٤٧٧.

(٩) سقط في أ.

(١٠) سقط في أ.

٢٨٨

فصل في معنى الآية

ومعنى قوله «بسطت» أي : مددت إليّ يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إنّي أخاف الله ربّ العالمين» (١) قال عبد الله بن عمرو ـ رضي الله عنهما ـ : وايم الله إن كان المقتول أشدّ الرّجلين ، ولكن منعه التّحرّج أن يبسط إلى أخيه يده (٢) ، وهذا في الشّرع جائز لمن أريد قتله أن ينقاد ويستسلم طلبا للأجر ، كما فعل عثمان ـ رضي الله تعالى عنه ـ وقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم لمحمّد بن مسلمة ـ رضي الله عنه ـ «ألق كمك على وجهك وكن عبد الله المقتول ولا تكن عبد الله القاتل» (٣).

وقال مجاهد : «كتب عليهم في ذلك الوقت إذا أراد رجل قتل رجل أنّه لا يمتنع ويصبر»(٤).

قوله تعالى : (إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي) ، فيه ثلاثة تأويلات :

أحدها : على حذف همزة الاستفهام تقديره : أإنّي أريد ؛ وهو استفهام إنكار ؛ لأن إرادة المعصية قبيحة ، ومن الأنبياء أقبح ؛ فهم معصومون عن ذلك ، ويؤيّد هذا التّأويل قراءة (٥) من قرأ «أنّى أريد» بفتح النون ، وهي «أنّى» التي بمعنى «كيف» ، أي : كيف أريد ذلك.

والثاني : أنّ «لا» محذوفة تقديره : إني أريد أن لا تبوء ، كقوله تعالى : (يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا) [النساء : ١٧٦] ، وقوله تعالى : (رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ) [النحل : ١٥] ، أي ألّا تضلّوا وألا تميد وهو مستفيض وهذا أيضا فرار من إثبات الإرادة له ، وضعّف بعضهم هذا التّأويل بقوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ : «لا تقتل نفس ظلما إلّا كان على ابن آدم الأوّل كفل من دمها ؛ لأنّه أوّل من سنّ القتل» (٦).

فثبت بهذا أن الإثم حاصل ، وهذا الّذي ضعّفه به غير لازم ؛ لأن قائل هذه المقالة يقول : لا يلزم من عدم إرادته الإثم لأخيه عدم الإثم ، بل قد يريد عدمه ويقع.

__________________

(١) قال أحد العلماء : الدافع عن نفسه يجب عليه أن يدفع بالأيسر فالأيسر ، وليس له أن يقصد القتل بل يجب عليه أن يقصد الدفع ، ثم إن لم يندفع إلّا بالقتل جاز له ذلك.

ينظر : تفسير الرازي ١١ / ١٦٣ ، القرطبي ٦ / ٩٠.

(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٤ / ٥٣٢) عن عبد الله بن عمرو.

(٣) له شواهد من حديث خباب بن الأرت وابن مسعود وغيرهما وقد ذكرها جميعا السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٢٧٥) والعجلوني في كشف الخفا (٢ / ١٣٤).

(٤) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٤ / ٥٣٢) عن مجاهد ، وينظر : تفسير الرازي ١١ / ١٦٣.

(٥) ينظر : البحر المحيط ٣ / ٤٧٨ ، والدر المصون ٢ / ٥١٢.

(٦) أخرجه البخاري (٦ / ٤١٩) كتاب أحاديث الأنبياء حديث (٣٣٣٥) ومسلم (٣ / ١٣٠٣ ـ ١٣٠٤) كتاب القسامة : باب بيان إثم من سنّ القتل حديث (٢٧ / ١٦٧٧) من حديث ابن مسعود.

٢٨٩

الثالث : أن الإرادة على حالها ، وهي : إمّا إرادة مجازية ، أو حقيقيّة على حسب اختلاف المفسّرين في ذلك ، وجاءت إرادة ذلك به لمعان ذكروها ، من جملتها :

أنّه ظهرت له قرائن تدلّ على قرب أجله ، وأنّ أخاه كافر ، وإرادة العقوبة بالكافر حسنة.

وقوله : «بإثمي» في محلّ نصب على الحال من فاعل «تبوء» أي : ترجع حاملا له وملتبسا به ، وقد تقدم نظيره في قوله (فَباؤُ بِغَضَبٍ) [البقرة : ٩٠] وقالوا : لا بدّ من مضاف ، فقدّره الزّمخشريّ (١) «بمثل إثمي» قال : «على الاتّساع في الكلام ، كما تقول : قرأت قراءة فلان ، وكتبت كتابته».

وقدّره بعضهم (٢) «بإثم قتلي ، وإثم معصيتك التي لم يقبل لأجلها قربانك ، وإثم حسدك».

وقيل : معناه إنّي أريد أن تبوء بعقاب قتلي فتكون إرادة صحيحة ؛ لأنّها موافقة لحكم الله ـ عزوجل ـ ، ولا يكون هذا إرادة للقتل ، بل لموجب القتل من الإثم والعقاب روي أن الظّالم إذا لم يجد يوم القيامة ما يرضي خصمه ، أخذ من سيّئات المظلوم (٣) وحمل على الظّالم ، فعلى هذا يجوز أن يقال : إنّي أريد أن تبوء بإثمي في قتلك ، وهذا يصلح جوابا.

قوله «فطوّعت» الجمهور على «طوّعت» بتشديد الواو من غير ألف بمعنى «سهلت وبعثت» أي : جعلته سهلا ، تقديره : بعثت له نفسه أنّ قتل أخيه طوعا سهل عليه (٤).

قال الزّمخشري (٥) : «وسّعته ويسّرته من طاع له المرتع إذ اتّسع» انتهى.

وقال مجاهد : شجّعته.

وقال قتادة : زيّنت له نفسه ، والتّضعيف فيه للتّعدية ؛ لأنّ الأصل : طاع له قتل أخيه ، أي : انقاد من الطّواعية ، فعدّي بالتّضعيف ، فصار الفاعل مفعولا كحاله مع الهمزة.

__________________

(١) ينظر : الكشاف (١ / ٦٢٤).

(٢) ينظر : تفسير القرطبي ٦ / ٩٠ ، ٩١.

(٣) وهذا يعضده قوله عليه الصلاة والسلام : (يؤتى يوم القيامة بالظالم والمظلوم فيؤخذ من حسنات الظالم فتزاد في حسنات المظلوم حتى ينتصف فإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات المظلوم فتطرح عليه).

أخرجه مسلم بمعناه ، وقد تقدّم ؛ ويعضده قوله تعالى : (وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالاً مَعَ أَثْقالِهِمْ) [العنكبوت : ١٣] وهذا بيّن لا إشكال فيه.

ينظر : القرطبي ٦ / ٩٠.

(٤) يقال : طاع الشيء يطوع أي سهل وانقاد. وطوّعه فلان له أي سهله. قال الهرويّ : طوّعت وأطاعت واحد ؛ يقال : طاع له كذا إذا أتاه طوعا. وقيل : طاوعته نفسه في قتل أخيه ؛ فنزع الخافض فانتصب.

ينظر : القرطبي ٦ / ٩١.

(٥) ينظر : الكشاف (١ / ٦٢٦).

٢٩٠

وقرأ الحسن ، وزيد بن علي وجماعة (١) كثيرة «فطاوعت» ، وأبدى الزّمخشريّ (٢) فيها احتمالين :

أحدهما : أن يكون ممّا جاء فيه «فاعل» لغير مشاركة بين شيئين ، بل بمعنى «فعّل» نحو : ضاعفته وضعّفته ، وناعمته ونعّمته ، وهذان المثالان من أمثلة سيبويه (٣).

قال : «فجاءوا به على مثال عاقبته».

قال : وقد تجيء : «فاعلت» لا تريد بها عمل اثنين ، ولكنّهم بنوا عليه الفعل كما بنوه على «أفعلت» ، وذكر أمثلة منها : «عافاه الله» ، وقلّ من ذكر أن «فاعل» يجيء بمعنى «فعّلت».

والاحتمال الثاني : أن تكون على بابها من المشاركة ، وهو أنّ قتل أخيه كأنه دعا نفسه إلى الإقدام عليه فطاوعته انتهى.

وإيضاح (٤) العبارة في ذلك أن يقال : جعل القتل يدعو إلى نفسه لأجل الحسد الذي لحق قابيل ، وجعلت النّفس تأبى ذلك وتشمئزّ منه ، فكلّ منهما ـ أعني القتل والنّفس ـ كأنه يريد من صاحبه أن يطيعه إلى أن غلب القتل النّفس فطاوعته ، و «له» متعلّق ب «طوّعت» على القراءتين.

قال الزّمخشريّ (٥) : و «له» لزيادة الرّبط ، كقولك : حفظت لزيد ماله. يعني أنّ الكلام تامّ بنفسه.

ولو قيل : فطوّعت نفسه قتل أخيه ، كما كان كذلك في قولك «حفظت مال زيد» فأتى بهذه «اللّام» لقوة ربط الكلام.

قال أبو البقاء (٦) : وقال قوم : طاوعت تتعدّى بغير «لام» ، وهذا خطأ ؛ لأنّ التي تتعدى بغير اللّام تتعدى لمفعول واحد ، وقد عدّاه هنا إلى قتل أخيه.

وقيل : التّقدير : طاوعته نفسه قتل أخيه ، فزاد «اللّام» وحذف «على» ، أي : زاد اللّام في المفعول به وهو «الهاء» ، وحذف [«على» الجارّة ل «قتل أخيه»].

قالت المعتزلة (٧) : لو كان خالق الكلّ هو الله لكان ذلك التّزيين والتّطويع مضافا إلى الله ـ تعالى ـ لا إلى النّفس.

والجواب : أنّ الأفعال لما استندت إلى الدّواعي ، وكان فاعل تلك الدواعي هو الله

__________________

(١) وقرأ بها الحسن بن عمران وأبو واقد كما في المحرر الوجيز ٢٠ / ١٨٠ ، والبحر المحيط ٣ / ٤٧٩ ، والدر المصون ٢ / ٥١٢ ، والكشاف ١ / ٦٢٦.

(٢) ينظر : الكشاف ١ / ٦٢٦.

(٣) ينظر : الكتاب ٢ / ٢٣٩.

(٤) في ب : افصاح.

(٥) ينظر : الكشاف (١ / ٦٢٦).

(٦) ينظر : الإملاء ١ / ٢١٤.

(٧) ينظر : تفسير الرازي ١١ / ١٦٤.

٢٩١

فكان فاعل الأفعال كلها هو الله ـ تعالى ـ ثم قال تعالى «فقتله» ، قيل : لم يدر قابيل كيف يقتل هابيل.

قال ابن جريج (١) : فتمثّل له إبليس ، فأخذ طائرا ووضع رأسه على حجر ، ثم شدخ له حجرا آخر ، وقابيل ينظر إليه فعلّمه القتل ، فرضخ قابيل رأس هابيل بين حجرين ، قيل : قتله وهو مستسلم ، وقيل : اغتاله وهو نائم (٢).

وكان لهابيل يوم قتل عشرون سنة ، واختلفوا في موضع قتله :

قال ابن عبّاس (٣) ـ رضي الله عنهما ـ على جبل ثور (٤) ، وقيل : عند عقبة حراء ، وقيل : بالبصرة عند موضع المسجد الأعظم (٥) ، فلمّا قتله تركه بالعراء ولم يدر ما يصنع به ؛ لأنّه كان أول ميّت على وجه الأرض من بني آدم ، وقصده السّباع فحمله في جراب على ظهره أربعين يوما (٦).

وقال ابن عبّاس ـ رضي الله عنهما ـ : سنة حتى أروح (٧) ، وعكفت عليه الطّير والسّباع تنظر متى يرمي به فتأكله ثم قال : (فَأَصْبَحَ مِنَ الْخاسِرِينَ) : الحائرين.

قال ابن عبّاس (٨) ـ رضي الله عنهما ـ خسر دنياه وآخرته أما الدّنيا : فإنه أسخط والديه ، وبقي مذموما إلى يوم القيامة ، وأما الآخرة : فهي العقاب الدّائم العظيم.

قيل : إنّ قابيل لما قتل أخاه [هابيل](٩) ، هرب إلى عدن من أرض اليمن ، فأتاه إبليس فقال له : إنّما أكلت النّار قربان هابيل ؛ لأنّه كان يخدم النّار ويعبدها ، فإن عبدت أنت أيضا النّار حصل مقصودك ، فبنى بيت نار وهو أوّل من عبد النّار (١٠) ، وروي أنّه لما قتله اسودّ جسده وكان أبيض ، فسأله آدم عن أخيه ، فقال : ما كنت عليه وكيلا ، فقال : بل قتلته ، ولذلك اسودّ جسدك ، ومكث آدم بعده مائة سنة لم يضحك قطّ.

قال الزمخشري (١١) : روي أنّه رثاه بشعر ، وهو كذب بحت والأنبياء معصومون عن

__________________

(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٤ / ٥٣٦) عن ابن جريج وعن مجاهد بنحوه وعزاه القرطبي لمجاهد وابن جريج ونسبه للأكثر ٦ / ٩١.

(٢) ذكره الطبري في «تفسيره» (٤ / ٥٣٦) فقال : وقال بعضهم. فذكره.

(٣) ينظر : تفسير القرطبي ٦ / ٩١.

(٤) ينظر : تفسير البغوي ٢ / ٣٠.

(٥) قاله جعفر الصادق. ينظر : القرطبي ٦ / ٩٢.

(٦) ينظر : تفسير البغوي ٢ / ٣٠.

(٧) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٤ / ٥٣٨) عن عطية العوفي.

(٨) ينظر : تفسير الرازي ١١ / ١٦٤.

(٩) سقط في أ.

(١٠) ينظر : تفسير القرطبي ٦ / ٩٢ ، والرازي ١١ / ١٦٤.

(١١) ينظر : الكشاف ١ / ٦٢٦.

٢٩٢

الشّعر (١) روى أنس ـ رضي الله عنه ـ قال : سئل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن يوم الثلاثاء فقال : «يوم الدّم فيه حاضت حوّاء ، وفيه قتل ابن آدم أخاه» (٢).

قوله تعالى : (فَبَعَثَ اللهُ غُراباً يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قالَ يا وَيْلَتى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هذَا الْغُرابِ فَأُوارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ)(٣١)

قوله تعالى : (فَبَعَثَ اللهُ غُراباً يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ)(٣).

هذه «اللام» يجوز فيها وجهان :

أحدهما : أنّها متعلّقة ب «يبحث» ، أي : ينبش ويثير التّراب للإراءة.

الثاني : أنها متعلّقة ب «بعث» ، والمعنى : ليريه الله ، أو ليريه الغراب ، و «كيف» معمولة ل «يواري» ، وجملة الاستفهام معلقة للرّؤية البصرية ، فهي في محلّ المفعول الثّاني سادة مسدّه ؛ لأن «رأى» البصرية قبل تعدّيها بالهمزة متعدّية لواحد ، فاكتسبت بالهمزة آخر ، وتقدّم نظيرها في قوله تعالى : (أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى) [البقرة : ٢٦٠] ومعنى : «يبحث» أي : يفتّش في التّراب بمنقاره ويثيره (٤) ، ومنه سمّيت سورة «براءة» البحوث ؛ لأنها فتّشت على المنافقين ، والسّوءة المراد بها : ما لا يجوز أن ينكشف من جسده ، وهي الفضيحة أيضا ، قال : [الخفيف]

١٩٥١ ـ ................

يا لقومي للسّوءة السّوآء (٥)

ويجوز تخفيفها بإلقاء حركة الهمزة على الواو ، وهي قراءة (٦) الزّهري ، وحينئذ لا يجوز قلب هذه الواو ألفا ، وإن صدق عليها أنّها حرف علّة متحرك منفتح ما قبله ؛ لأنّ حركتها عارضة ، ومثلها «جيل» و «توم» مخفّفي «جيأل» و «توءم» ، ويجوز أيضا قلب هذه الهمزة واوا ، وإدغام ما قبلها فيها تشبيها للأصلي بالزّائد [وهي لغة](٧) يقولون في «شيء» و «ضوء» : شيّ وضوّ ، قال الشّاعر : [البسيط]

__________________

(١) وصدق صاحب الكشاف فيما قال ، فإنّ ذلك الشعر في غاية الركاكة لا يليق بالحمقى من المعلمين ، فكيف ينسب إلى من جعل الله علمه حجة على الملائكة. ينظر : الرازي ١١ / ١٦٤.

(٢) أخرجه ابن مردويه عن أنس كما في «كشف الخفاء» (٢ / ٥٥٦)

(٣) سقط في أ.

(٤) في أ : وينثره.

(٥) البيت لأبي زبيد وصدره :

لم يهب حرمة النديم وحقت

ينظر : الكشاف ١ / ٦٢٦ ، اللسان (سوأ) ، البحر ٣ / ٤٨٠ ، الدر المصون ٢ / ٥١٣.

(٦) ينظر : البحر المحيط ٣ / ٤٨١ ، والدر المصون ٢ / ٥١٣.

(٧) سقط في ب.

٢٩٣

١٩٥٢ ـ وإن يروا سيّة طاروا بها فرحا

منّي وما سمعوا من صالح دفنوا (١)

وبهذا قرأ أبو جعفر (٢).

قوله تعالى : (يا وَيْلَتى) قلب ياء المتكلم ألفا ، وهي لغة فاشية في المنادى المضاف إليها ، وهي إحدى اللّغات السّت ، وقد تقدم ذكرها.

وقرىء (٣) كذلك على الأصل وهي قراءة الحسن البصريّ.

والنّداء وإن كان أصله لمن يتأتّى منه الإقبال وهم العقلاء ، إلا أنّ العرب تتجوّز فتنادي ما لا يعقل. وهذه كلمة تستعمل عند وقوع الدّاهية العظيمة ولفظها لفظ النّداء ، كأن الويل غير حاضر عنده ، والمعنى يا ويلتى احضري ، فهذا أوان حضورك ، ومثله : (يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ) [يس : ٣٠] ، (يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ) [الزمر : ٥٦] ، وأمال (٤) حمزة ، والكسائي ، وأبو عمرو في رواية الدّوري (٥) ألف «حسرتا» ، والجمهور قرأ «أعجزت» بفتح الجيم ، وهي اللّغة الفصيحة ، يقال : «عجزت» بالفتح في الماضي ، «أعجز» بكسرها في المضارع.

وقرأ الحسن ، وابن عبّاس ، وابن مسعود ، وطلحة (٦) بكسرها وهي لغة شاذّة ، وإنّما المشهور أن يقال : «عجزت المرأة» بالكسر أي كبرت عجيزتها ، و «أن أكون» على إسقاط الخافض ، أي : عن أن أكون ، فلما حذف جرى فيها الخلاف المشهور.

قوله تعالى : «فأواري».

قرأ الجمهور بنصب الياء ، وفيها تخريجان :

أصحهما : أنه عطف على «أكون» المنصوبة ب «أن» منتظما في سلكه ، أي : أعجزت عن كوني مشبها للغراب فمواريا (٧).

والثاني : قاله الزمخشريّ (٨) ، ولم يذكر غيره أنّه منصوب على جواب الاستفهام في قوله : «أعجزت» ، يعني : فيكون من باب قوله : (فَهَلْ لَنا مِنْ شُفَعاءَ فَيَشْفَعُوا لَنا) [الأعراف : ٥٣].

__________________

(١) البيت لقعنب ابن أم صاحب. ينظر : المحتسب ١ / ٢٠٦. السمط ٣٦٢ ، المغني ٧٧٢ ، شواهد المغني ٣٢٦ ، الدر المصون ٢ / ٥١٢.

(٢) ينظر : الدر المصون ٢ / ٥١٣ ، البحر المحيط ٣ / ٤٨١.

(٣) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ١٨١ ، والبحر المحيط ٣ / ٤٨١ ، والدر المصون ٢ / ٥١٤.

(٤) ينظر : البحر المحيط ٣ / ٤٨١.

(٥) في أ : الدرودي.

(٦) ينظر : الشواذ ٣٨ ، القرطبي ٦ / ٩٥ ، البحر المحيط ٣ / ٤٨١.

(٧) في أ : فهو أريا.

(٨) ينظر : الكشاف (١ / ٦٢٦).

٢٩٤

ورده أبو البقاء (١) بعد أن حكاه عن قوم ، قال : وذكر بعضهم : أنه يجوز أن ينتصب على جواب الاستفهام ؛ وليس بشيء ، إذ ليس المعنى : أيكون منّي عجز فمواراة ، ألا ترى أن قولك : «أين بيتك فأزورك» معناه : لو عرفت لزرت ليس المعنى هنا «لو عجزت لواريت».

قال شهاب الدين (٢) : وهذا الرّدّ على ظاهره صحيح.

وبسط عبارة أبي البقاء : أنّ النّحاة يشترطون في جواز نصب الفعل بإضمار «أن» بعد الأشياء الثمانية ـ غير النّفي ـ أن ينحلّ الكلام إلى شرط وجزاء فإن انعقد منه شرط وجزاء صحّ النّصب ، وإلّا امتنع ، ومنه «أين بيتك فأزورك [أي] إن عرّفتني بيتك أزورك».

وفي هذا المقام لو حلّ منه شرط وجزاء لفسد المعنى ؛ إذ يصير التّقدير : إن عجزت واريت (٣) ، وهذا ليس بصحيح ؛ لأنه إذا عجز كيف يواري.

وردّ أبو حيّان على الزّمخشريّ بما تقدّم ، وجعله غلطا فاحشا وهو مسبوق إليه كما رأيت ، فأساء عليه الأدب بشيء نقله عن غيره الله أعلم بصحّته.

وقد قرأ الفيّاض بن غزوان ، وطلحة بن مصرف (٤) «بسكون الياء» ، وخرّجها الزمخشري (٥) على أحد وجهين :

إمّا القطع ، أي : فأنا أواري ، وإمّا على التّسكين في موضع النصب تخفيفا.

وقال ابن عطيّة (٦) : «هي لغة (٧) لتوالي الحركات».

قال أبو حيّان (٨) : «ولا يصلح أن تعلّل القراءة بهذا ما وجد عنه مندوحة ؛ إذ التّسكين في الفتحة لا يجوز إلّا ضرورة ، وأيضا فلم تتوال حركات».

وقوله «فأصبح» بمعنى «صار».

قال ابن عطيّة (٩) : قوله : «أصبح» عبارة عن جميع أوقاته أقيم بعض الزّمان مكان كله ، وخصّ الصّباح بذلك [لأنه](١٠) بدء النهار ، والانبعاث إلى الأمور ، ومظنّة النّشاط ، ومنه قول الرّبيع : [المنسرح]

١٩٥٣ ـ أصبحت لا أحمل السّلاح ولا

 ............... (١١)

__________________

(١) ينظر : الإملاء ١ / ٢١٤.

(٢) ينظر : الدر المصون (٢ / ٥١٤).

(٣) في ب : ورأيته.

(٤) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ١٨١ ، والبحر المحيط ٣ / ٤٨١ ، والدر المصون ٢ / ٥١٤.

(٥) ينظر : الكشاف (١ / ٦٢٦).

(٦) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ١٨١.

(٧) في ب : لغيّة وكذا في الدر المصون والمثبت موافق لما في المحرر ٢ / ١٨١.

(٨) ينظر : البحر المحيط ٣ / ٤٨١.

(٩) ينظر : المحرر الوجيز (٢ / ١٨١).

(١٠) سقط في أ.

(١١) تقدم.

٢٩٥

وقول سعد بن أبي وقّاص : ثم أصبحت بنو [أسد تعزرني على](١) الإسلام إلى غير ذلك.

قال أبو حيّان : وهذا التّعليل الذي ذكره ؛ لكون «أصبح» عبارة عن جميع أوقاته ، وإنما خصّ الصّباح لكونه بدء النّهار ليس بجيّد ؛ لأن العرب استعملت «أضحى» و «بات» و «أمسى» بمعنى «صار» ، وليس شيء منها بدء النّهار.

قال شهاب الدين (٢) : وكيف يحسن أن يردّ على أبي محمد بمثل هذا ، وهو لم يقل : إنها لمّا أقيمت مقام أوقاته للعلّة الّتي ذكرها تكون بمعنى «صار» ، حتّى يلزم بأخواتها ناقصة عليه ، وسيأتي الكلام على ذلك في «الحجرات» عند قوله تعالى (فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ) [الآية : ٦] ـ إن شاء الله تعالى ـ.

فصل

فإن قيل : فعل الغراب صار سنّة في دفن الخلق فرضا على جميع النّاس على الكفاية.

فالجواب : قال بعض المفسّرين : لمّا قتله ولم يدر ما يصنع به بعث الله غرابين فاقتتلا ، فقتل أحدهما الآخر فحفر له بمنقاره ورجليه ، ثمّ ألقاه في الحفرة فتعلّم قابيل ذلك ، وعلم أن الغراب أكثر علما منه (٣) ، وعلم أنّه إنما أقدم على قتل أخيه [بسبب](٤) جهله وقلّة معرفته فندم وتلهف. وقال الأصمّ (٥) : لما قتله وتركه فبعث الله غرابا يحثو التّراب على المقتول ، فلما رأى القاتل أنّ المقتول كيف يكرمه الله بعد موته ندم وقال : يا ويلتا ، وقال أبو مسلم (٦) : عادة الغراب دفن الأشياء فجاء غراب ودفن شيئا ؛ فتعلّم ذلك منه.

وقيل : إنّه كان عالما بكيفيّة الدّفن ، وأنه يبعد في الإنسان العاقل ألّا يهدى إلى هذا القدر من العمل ، إلّا أنه لما قتله تركه بالعراء ، فلما رأى الغراب يدفن الغراب رقّ قلبه ، وقال : إن هذا الغراب لما قتل ذلك الآخر فبعد أن قتله أخفاه تحت الأرض ، أفأكون أقلّ شفقة من هذا الغراب؟! فجاء وحثى التّراب على المقتول ، فلما رأى أنّ الله تعالى أكرمه حال حياته بقبول قربانه ، وأكرمه بعد مماته بأن بعث الغراب ليدفنه تحت الأرض ، علم أنّه عظيم الدّرجة عند الله تعالى ؛ فتلهّف على فعله ، وعلم أن لا قدرة له على التّقرّب إلى أخيه إلّا بأن يدفنه في الأرض فلا جرم قال : (يا وَيْلَتى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هذَا

__________________

(١) في أ : أسد تقرره في.

(٢) ينظر : الدر المصون ٢ / ٥١٥.

(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٤ / ٥٣٨) عن ابن عباس وابن مسعود وناس من أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وأخرجه أيضا (٤ / ٥٣٨) عن عطية وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٤٨٩) وزاد نسبته لعبد بن حميد.

وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٤٨٩) عن ابن عباس وعزاه لعبد بن حميد وابن أبي حاتم.

(٤) ينظر : تفسير الرازي ١١ / ١٦٥.

(٥) سقط في أ.

(٦) ينظر : تفسير الرازي ١١ / ١٦٥.

٢٩٦

الْغُرابِ). فإن قيل : لفظ النّدم وضع للزوم ، ومنه سمّي النّديم نديما لأنه يلازم المجلس.

فالجواب : أنّه ـ عليه الصلاة والسلام ـ قال : «النّدم توبة» (١) وأجابوا عنه بوجوه :

أحدها : أنه لما تعلّم الدّفن من الغراب صار من [النّادمين على كونه حمله على ظهره سنة.

وثانيها : أنه صار من النّادمين](٢) ؛ لأنّه لم ينتفع بقتله ، وسخط عليه بسببه أبواه وإخوته ، وكان ندمه لهذه الأسباب لا لكونه معصية.

وثالثها : أنّ ندمه كان لأجل تركه بالعراء استخفافا به بعد قتله ، لأنّ الغراب لما قتل الغراب ودفنه ، ندم على قساوة قلبه ، وقال : هذا أخي وشقيقي ومن لحمه مختلط بدمي ، فإذا ظهرت الشّفقة من الغراب ولم تظهر منّي على أخي ، كنت دون الغراب في الرّحمة والشّفقة والأخلاق الحميدة ، فكان ندمه لهذه (٣) الأسباب ، لا للخوف من الله ـ تعالى ـ ، فلذلك لم ينفعه النّدم.

قال المطّلب بن عبد الله بن حنطب : لمّا قتل ابن آدم أخاه ، وجفّت الأرض سبعة أيّام بما عليها ، ثمّ شربت الأرض دمه كما تشرب الماء ، فناداه [آدم](٤) : أين أخوك هابيل؟ قال : ما أدري ما كنت عليه رقيبا. فقال آدم : إن دم أخيك ليناديني من الأرض. فلم قتلت أخاك؟ قال : فأين دمه إن كنت قتلته؟ فحرّم الله ـ عزوجل ـ على الأرض أن تشرب بعده [دما](٥) أبدا ، وقيل لقابيل : اذهب طريدا شريدا فزعا مرعوبا لا تأمن من تراه ، فأخذ بيد أخته «إقليما» وهرب بها إلى اليمن ، فأتاه إبليس فقال له : إنّما أكلت النّار قربان أخيك هابيل ؛ لأنّه كان يعبد النّار فانصب أنت أيضا نارا ، وهو أوّل من عبد النّار قال مجاهد (٦) : فعلقت إحدى رجلي قابيل إلى فخذها وساقها ، وعلقت من يومئذ إلى يوم القيامة ، ووجهه إلى الشمس حيث ما دارت عليه ، في الصّيف حظيرة من نار ، وفي الشّتاء حظيرة من ثلج (٧) ، واتّخذ أولاد قابيل آلات اللهو ، وانهمكوا في اللهو وشرب الخمر وعبادة النار والزّنا والفواحش ، حتّى غرقهم الله بالطّوفان أيّام نوح ـ عليه‌السلام ـ وبقي نسل شيث.

__________________

(١) أخرجه أحمد ٢ / ٣٧٦ ، ٤٢٣ ، وابن ماجه ٢ / ١٤٢ ، والحاكم ٤ / ٢٤٣ ، ٢٤٤ ، وابن عبد البر في التمهيد ٤ / ٤٥ والبيهقي في الشعب ٥ / ٤٣٦ ، ٤٣٧ والطيالسي ٢ / ٧٧ منحة المعبود.

قال العراقي في تخريج الإحياء ٤ / ٣ أخرجه ابن ماجه وابن حبان والحاكم وصحح إسناده من حديث ابن مسعود ورواه ابن حبان والحاكم من حديث أنس وقال صحيح على شرط الشيخين.

(٢) سقط في أ.

(٣) في ب : لأجل هذه.

(٤) في أ : الله عزوجل.

(٥) سقط في أ.

(٦) ينظر : تفسير البغوي ٢ / ٣١.

(٧) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٤ / ٥٢٨) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٤٨٤) عن مجاهد وزاد نسبته لعبد بن حميد وابن المنذر.

٢٩٧

قوله تعالى : (مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُنا بِالْبَيِّناتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ بَعْدَ ذلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ)(٣٢)

قوله : [(مِنْ أَجْلِ ذلِكَ)](١) فيه وجهان :

أظهرهما : أنه متعلّق ب «كتبنا» وذلك إشارة إلى القتل ، و «الأجل» في الأصل هو : الجناية ، يقال : «أجل الأمر يأجل [إجلا](٢) وأجلا وإجلاء ، وأجلاء» بفتح الهمزة وكسرها إذا جناه وحده ، مثل : أخذ يأخذ أخذا.

ومنه قول زهير : [الطويل]

١٩٥٤ ـ وأهل خباء صالح ذات بينهم

قد احتربوا في (٣) عاجل أنا آجله (٤)

أي : جانيه.

ومعنى قول النّاس (٥) «فعلته من أجلك ولأجلك» أي : بسببك ، يعني : من أن جنيت فعله وأوجبته ، وكذلك قولهم : «فعلته من جرّائك» ، أصله من أن جررته ، ثم صار يستعمل بمعنى السّبب.

ومنه الحديث «من جرّاي» أي : من أجلي.

و «من» لابتداء الغاية ، أي : نشأ الكتب ، وابتدى من جناية القتل.

ويجوز حذف «من» واللّام وانتصاب «أجل» على المفعول له إذا استكمل الشّروط له. قال : [الرمل]

١٩٥٥ ـ أجل أنّ الله قد فضّلكم

 ................. (٦)

والثاني : أجاز بعض النّاس أن يكون متعلّقا بقوله : (مِنَ النَّادِمِينَ) أي : ندم من أجل ذلك ، أي : قتله أخاه قال أبو البقاء (٧) : ولا تتعلّق ب «النّادمين» ؛ لأنّه لا يحسن الابتداء ب

__________________

(١) سقط في أ.

(٢) سقط في أ.

(٣) في ب : على.

(٤) ينظر : ديوانه (١٤٥) ، تفسير القرطبي ٦ / ١٤٥ ، الكشاف ١ / ٦٢٦ ، الدر المصون ٢ / ٥١٥.

(٥) في أ : الثاني.

(٦) صدر بيت لعدي بن زيد وعجزه :

فوق من أحكي بصدي وإزار

ينظر : تأويل المشكل (١٤٣) ، الجمهرة ٣ / ٢٣٥ ، الدر المصون ٢ / ٥١٥.

(٧) ينظر : الإملاء ١ / ٢١٤.

٢٩٨

«كتبنا» هنا ، وهذا الردّ غير واضح ، وأين عدم الحسن [بالابتداء](١) بذلك ؛ ابتدأ الله ـ تعالى ـ إخبارا بأنّه كتب ذلك ، والإخبار متعلّق بقصة ابني آدم إلا أنّ الظّاهر خلافه كما تقدّم.

[والجمهور على فتح همزة «أجل» ، وقرأ أبو جعفر بكسرها ، وهي لغة كما تقدم](٢) وروي عنه حذف الهمزة ، وإلقاء حركتها وهي الكسرة على نون «من» ، كما ينقل ورش فتحتها إليها ، والهاء في «أنّه» ضمير الأمر والشّأن ، و «من» شرطيّة مبتدأة ، وهي وخبرها في محلّ رفع خبرا ل «أن» ، فإن قيل : قوله (مِنْ أَجْلِ ذلِكَ) أي : من أجل ما مرّ من قصّة قابيل وهابيل كتبنا على بني إسرائيل القصاص وذلك مشكل ، لأنه لا مناسبة بين واقعة قابيل وهابيل ، وبين وجوب القصاص على بني إسرائيل.

فالجواب من وجهين :

أحدهما : ما تقدّم نقله عن الحسن ، والضّحّاك : أنّ هذا القتل إنما وقع في بني إسرائيل ، لا بين ولدي آدم لصلبه (٣).

الثاني : أن «من» في قوله (مِنْ أَجْلِ ذلِكَ) ليس إشارة إلى قصّة قابيل وهابيل بل هو إشارة إلى ما ذكر في القصّة من أنواع المفاسد الحاصلة بسبب القتل المحرّم ، كقوله : (فَأَصْبَحَ مِنَ الْخاسِرِينَ) ، و «أصبح من النادمين» ، فقول ه «أصبح من الخاسرين» إشارة إلى أنه حصل في قلبه أنواع النّدم والحسرة والحزن ، مع أنّه لا دافع لذلك ألبتّة.

فإن قيل : حكم القصاص ثابت في جميع الأمم فما فائدة تخصيصه ببني إسرائيل؟.

فالجواب : أنّ وجوب القصاص وإن كان عاما في جميع الأمم ، إلا أنّ التّشديد المذكور في حقّ بني إسرائيل غير ثابت في جميع الأديان ؛ لأنّه ـ تعالى ـ حكم هاهنا بأن قتل النفس جار مجرى قتل جميع النّاس ، فالمقصود منه : المبالغة [في عقاب القتل العمد العدوان ، والمقصود من هذه المبالغة : أنّ اليهود مع علمهم بهذه المبالغة العظيمة](٤) أقدموا على قتل الأنبياء والرّسل ، وذلك يدلّ على غاية قساوة قلوبهم ونهاية بعدهم عن طاعة الله ، ولما كان الغرض من ذكر هذه القصص ، تسلية الرّسول في الواقعة التي ذكرنا ، من أنّهم عزموا على الفتك (٥) برسول الله ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ وبأكابر الصّحابة ، [فكان تخصيص](٦) بني إسرائيل في هذه القصّة بهذه المبالغة مناسبا للكلام.

فصل

استدلّ القائلون بالقياس بهذه الآية على أنّ أحكام الله تعالى قد تكون معلّلة ؛ لأنّه

__________________

(١) سقط في أ.

(٢) سقط في أ.

(٣) تقدم.

(٤) سقط في أ.

(٥) في أ : القتل.

(٦) في أ : فتخصيص.

٢٩٩

قال : (مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنا) وهذا تصريح بأن كتبه تلك الأحكام معلّل بتلك المعاني المشار إليها بقوله (مِنْ أَجْلِ ذلِكَ).

وقالت المعتزلة :

دلّت هذه الآية على أنّ أحكام الله معلّلة بمصالح العباد ، وإذا ثبت ذلك امتنع كونه خالقا للكفر والقبائح ، مريدا وقوعها منهم ؛ لأنّ خلق القبائح وإرادتها يمنع من كونه تعالى مراعيا للمصالح ، وذلك يبطل التّعليل المذكور في هذه الآية.

وأجاب القائلون بأنّ تعليل أحكام الله محال بوجوه :

أحدها : أن العلّة إذا كانت قديمة لزم قدم المعلول ، وإن كانت محدثة وجب تعليلها بعلّة أخرى ولزم التّسلسل.

وثانيها : لو كان معلّلا بعلّة ، فوجود تلك [العلّة](١) وعدمها بالنّسبة إلى الله تعالى إن كان على السّويّة امتنع كونه علّة ، وإن لم يكن فأحدهما به أولى ، وذلك يقتضي كونه مستفيدا تلك الأولويّة من ذلك الفعل [فيكون ناقصا لذاته مستكملا بغيره وهو محال.

وثالثها : ثبت توقف الفعل](٢) على الدّواعي ، ويمتنع وقوع التّسلسل في الدّواعي ، بل يجب انتهاؤها إلى الدّاعية الأولى التي حدثت في العبد ، لا من العبد بل من الله تعالى ، وثبت أنّ عند حدوث الدّاعية يجب الفعل. وعلى هذا التقدير : فالكلّ من الله تعالى ، وهذا يمتنع من تعليل أفعال الله وأحكامه برعاية المصالح ، وإذا ثبت امتناع تعليل أفعال الله وأحكامه ثبت خلوّ ظاهر هذه الآية من المتشابهات ، ويؤكّده قوله تعالى : (قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) ، وذلك نصّ صريح في أنّه يحسن من الله كلّ شيء ، ولا يتوقّف خلقه وحكمه على رعاية المصلحة ألبتة.

قوله تعالى (بِغَيْرِ نَفْسٍ) فيه وجهان :

أحدهما : أنه متعلّق بالقتل (٣) قبلها.

والثاني : أنّه في محلّ حال من ضمير الفاعل في «قتل» ، أي : قتلها ظالما ، ذكره أبو البقاء (٤).

وقوله تعالى (أَوْ فَسادٍ) الجمهور على جرّه عطفا على «نفس» المجرور بإضافة [«غير» إليها](٥) ، وقرأ الحسن (٦) بنصبه ، وفيه وجهان :

__________________

(١) سقط في أ.

(٢) سقط في أ.

(٣) في أ : بالفعل.

(٤) ينظر : الإملاء ١ / ٢١٤.

(٥) في أ : ضمير الهاء.

(٦) ينظر : الشواذ ٣٨ ، المحرر الوجيز ٢ / ١٨٢ ، والدر المصون ٢ / ٥١٥.

٣٠٠