اللّباب في علوم الكتاب - ج ٦

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي

اللّباب في علوم الكتاب - ج ٦

المؤلف:

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي


المحقق: عادل أحمد عبد الموجود و علي محمّد معوّض
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-2298-3

الصفحات: ٦٣٢

وخامسها : قال أبو هاشم (١) : وتقدير الآية : وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا [إلّا](٢) أن يقتله خطأ فيبقى حينئذ مؤمنا ، فإن قتل المؤمن يخرجه عن كونه مؤمنا إلّا أن يكون خطأ ، فإنّه لا يخرجه عن كونه مؤمنا ، وهذا بناء على أصلهم ، وهو أنّ الفاسق عند المعتزلة ليس بمؤمن ، وهو أصل [فاسد](٣) وباطل.

وإن قلنا : إنه استثناء منقطع ، فهو بمعنى لكن ، ونظائره كثيرة ، قال ـ تعالى ـ : (لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً) [النساء : ٢٩]. وقال : (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ) [النجم : ٣٢] وقال : (لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا تَأْثِيماً إِلَّا قِيلاً سَلاماً سَلاماً) [الواقعة : ٢٥ ، ٢٦].

فصل

قال القرطبي (٤) : ذهب داود إلى وجوب القصاص بين الحرّ والعبد ، في النّفس وفي الأعضاء ؛ لقوله ـ تعالى ـ : (وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) إلى قوله : (وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ) [المائدة : ٤٥] ولقوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ : «المؤمنون تتكافأ (٥) دماؤهم» (٦) ولم يفرق بين حرّ وعبد.

قال أبو حنيفة [وأصحابه](٧) : لا قصاص بين الأحرار والعبيد إلا [في](٨) النّفس ، فيقتل الحرّ (٩) بالعبد كما يقتل العبد بالحرّ ، ولا قصاص بينهما في الجراح والأعضاء ، وأجمع العلماء على أنّ قوله ـ تعالى ـ : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً) أنّه لم يدخل فيه العبيد ، وإنما أريد به : الأحرار ؛ فكذلك قوله ـ عليه‌السلام ـ : «المؤمنون تتكأفأ دماؤهم» أريد به الأحرار خاصّة ، والجمهور على ذلك ، وإذا لم يكن قصاص بين العبيد والأحرار فيما دون النّفس ، فالنفس أحرى بذلك ، وقد مضى هذا في البقرة.

قوله : (وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) «خطأ» إما منصوب على المصدر ، أي : قتلا خطأ ، وإما على [أنّه](١٠) مصدر في موضع [الحال](١١) أي ذا خطإ أو خاطئا والفاء في قوله : «فتحرير» جواب الشّرط ، أو زائدة في الخبر إن كانت «من» بمعنى الّذي ، وارتفاع «تحرير» : إمّا على الفاعليّة ، أي : فيجب عليه تحرير ، وإمّا على الابتدائيّة ، والخبر محذوف أي : فعليه تحرير أو بالعكس ، أي : فالواجب تحرير ، والتحرير عبارة عن جعله حرّا والحرّ هو الخالص ، ولما كان الإنسان في أصل الخلقة خلق ليكون مالكا

__________________

(١) ينظر : تفسير الرازي ١٠ / ١٨١.

(٢) سقط في ب.

(٣) سقط في أ.

(٤) ينظر : تفسير القرطبي ٥ / ٢٠٢.

(٥) في ب : يكافىء.

(٦) تقدم.

(٧) سقط في أ.

(٨) سقط في ب.

(٩) في ب : العبد.

(١٠) سقط في أ.

(١١) سقط في ب.

٥٦١

للأشياء ؛ لقوله تعالى : (خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) [البقرة : ٢٩] فكونه مملوكا صفة تكدّر مقتضى الإنسانيّة ، فسميت إزالة (١) الملك تحريرا ، أي : تخليصا لذلك الإنسان عما يكدّر إنسانيّته ، والرّقبة عبارة عن النّسمة في قولهم : «فلان يملك كذا رأسا من الرّقيق».

والدّية في الأصل مصدر ، ثم أطلق على المال المأخوذ في القتل ، ولذلك قال : (مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ ،) والفعل لا يسلّم بل الأعيان ، تقول : ودى يدي دية ووديا ، كوشى يشي شية ، فحذفت فاء الكلمة ، ونظيره في الصّحيح اللام : «زنة» و «عدة» ، و «إلى أهله» متعلّق ب «مسلمة» تقول : سلّمت إليه كذا ، ويجوز أن يكون صفة ل «مسلمة» وفيه ضعف.

فصل الخلاف في القصاص للقتل العمد

معنى [الآية](٢) فعلية إعتاق رقبة مؤمنة كفّارة ودية كاملة (مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ) أي : إلى أهل القتيل الذين يرثونه ، (إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا). أي :](٣) يتصدّقوا بالدّية فيعفوا ويتركوا الدّية ، واختلفوا في قتل العمد :

فقال أبو حنيفة : لا يوجب الكفّارة ؛ لهذه الآية فقال : («وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ)(٤) شرط لوجوب الكفّارة كونه خطأ ، وعند انتفاء الشّرط لا يحصل المشروط.

وقال الشّافعيّ : تجب الكفّارة ؛ لما روى واثلة بن الأسقع ، قال : أتينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في صاحب لنا أوجب النّار بالقتل ، فقال : أعتقوا عنه يعتق الله بكلّ عضو منه عضوا منه [من النّار](٥) ولأن الكفّارة في قتل الصّيد في الحرم والإحرام ، يستوي فيه العامد والخاطىء [إلا](٦) في الإثم فكذا في قتل المؤمن.

فصل

قال ابن عبّاس ، والحسن ، والشّعبي ، والنّخعي : لا تجزىء الدّية (٧) إلا إذا صام وصلّى ، لأنه وصفها بالإيمان ، والإيمان : إمّا التّصديق ، وإمّا العمل ، وإمّا المجموع والكل فائت عن الصّبي (٨).

__________________

(١) في ب : آية.

(٢) سقط في أ.

(٣) سقط في ب.

(٤) سقط في أ.

(٥) أخرجه أبو داود ٤ / ٢٩ ، كتاب العتق : باب في ثواب العتق (٣٩٦٤) ، وأحمد في المسند ٤٩٠ ـ ٤٩١ ، والبيهقي في السنن (٨ / ١٣٢) ، من طريق ضمرة بن ربيعة عن إبراهيم بن أبي عبلة عن الغريب بن الديلمي قال أتينا واثلة بن الأسقع فقلنا حدثنا حديثا سمعته من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ليس بينك وبينه أحد قال أتينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في صاحب لنا أوجب يعني القتل بالنار فقال : أعنقوا. فذكره وضعفه صاحب الإرواء ٧ / ٣٣٩.

(٦) سقط في أ.

(٧) في ب : الرقية.

(٨) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٩ / ٣٥) عن ابن عباس والشعبي.

٥٦٢

وقال الشّافعي ومالك والأوزاعي وأبو حنيفة (١) : يجزىء الصّبيّ إذا كان أحد أبويه مسلما ؛ لأنّ قوله : (وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً) (٢) يدخل فيه الصّغير فكذا قوله : (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ) يدخل فيه الصّغير.

فصل

قال أبو بكر الأصم ، وجمهور الخوارج : الدّية واجبة على القاتل لوجوه :

الأوّل : لأنّ قوله : (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) والمراد : إيجابها على القاتل لا على غيره بإجماع فكذا الدّية ؛ لأن اللّفظ في الموضعين واحد.

الثاني : أن الجناية إنّما صدرت منه ، والضّمان لا يجب إلّا على المتلف ، أقصى ما في الباب أنّ هذا الفعل صدر عنه على سبيل الخطأ ، والفعل الخطأ في قيم المتلفات وأروش (٣) الجنايات ، قائم مقام العمد ، وتلك لا تجب إلا على المتلف فكذا ههنا.

الثالث : أن العاقلة لم يصدر عنهم خيانة ، فلا يجب عليهم شيء ؛ لقوله ـ تعالى ـ : (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) [الأنعام : ١٦٤] وقال : (وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْها) [الأنعام : ١٦٤] وقال : (لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ) [البقرة : ٢٨٦] وروي أنّ أبا رمثة دخل على النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ومعه ابنه ، فقال ـ عليه الصلاة والسلام ـ من هذا؟ فقال ابني ، فقال : «إنّه لا يجني عليك ولا تجني عليه» (٤) ومعلوم أنّه ليس المقصود الإخبار عن نفس الجناية ، إنّما المقصود : بيان [أن](٥) أثر جنايتك [لا](٦) يتعدّى إلى ولدك وبالعكس.

الرابع : إن النّصوص تدلّ على أن مال الإنسان معصوم [وأنه](٧) لا سبيل لأحد أن يأخذه منه ، قال ـ تعالى ـ : (لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ) [النساء : ٢٩].

وقال عليه الصلاة والسلام : كلّ امرىء أحقّ بكسبه ، وقال : «حرمة مال المسلم كحرمة دمه» وقال : «لا يحل مال امرىء مسلم إلا عن طيب نفس» (٨) تركنا هذه النّصوص في الأشياء الّتي عرفنا بنصّ القرآن كونها موجبة لجواز الأخذ كالذّكوات ، وأخذ الضّمانات ، وأمّا الدّية على العاقلة ، فالمعتمد فيه على خبر الواحد ، وتخصيص عموم

__________________

(١) ينظر : تفسير الرازي ١٠ / ١٨٣.

(٢) سقط في ب.

(٣) في ب : وأروش.

(٤) أخرجه الترمذي ٤ / ١٩ ، كتاب الديات : باب ما جاء في الرجل يقتل ابنه (١٤٠٠) ، وابن ماجه ٢ / ٨٨٨ ، كتاب الديات : باب لا يقتل الوالد بولده (٢٦٦٢) ، والبيهقي ٨ / ١٩ والحاكم في المستدرك ٤ / ٣٦٩ ، وصححه ابن الجارود والبيهقي وقال الترمذي : مضطرب ، ينظر كشف الخفا ٢ / ٥٢٣.

(٥) سقط في ب.

(٦) سقط في ب.

(٧) سقط في أ.

(٨) تقدم.

٥٦٣

القرآن بخبر الواحد لا يجوز ؛ لأن القرآن معلوم وخبر الواحد مظنون ، ولا يجوز تقديم المظنون على المعلوم ؛ ولأن هذا خبر واحد ورد فيما تعمّ به البلوى ؛ ولأنّه خبر واحد ورد على مخالفة أصول الشّريعة فوجب ردّه ، واحتجّ الفقهاء بما روي [عن](١) المغيرة أنّ امرأة ضربت بطن امرأة ، فالقت جنينا ميّتا ، فقض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على عاقلة الضّاربة بالغرّة ، فقام حمل بن مالك فقال : كيف ندي من لا شرب ولا أكل (٢) ، ولا صاح ولا استهلّ (٣) ، ومثل ذلك يطل (٤) ، فقال ـ عليه الصلاة والسلام ـ : هذا من سجع الجاهليّة (٥).

وعن عمر ـ رضي الله عنه ـ : قضي على عليّ ـ رضي الله عنه ـ بأن يعقل عن مولى صفية بنت عبد المطّلب (٦) حين جنى مولاها ، وعليّ كان ابن أخي صفيّة وقضى للزّبير بميراثها ، وهذا يدلّ على أنّ الدّية إنّما تجب على العاقلة (٧).

فصل

مذهب الفقهاء أنّ دية المرأة نصف دية الرّجل ، وقال الأصمّ وابن عطيّة : ديتها على مثل دية الرّجل ، واحتجّ الفقهاء بأن عليّا ، وعمر ، وابن مسعود قضوا بذلك ؛ ولأن المرأة في الميراث والشّهادة على النّصف من الرّجل ، فكذلك في الدّية ، واستدل الأصمّ بهذه الآية قوله ـ تعالى ـ : (وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ) وأجمعوا على أنّ هذه الآية دخل فيها حكم الرّجل والمرأة فوجب أن يكون الحكم ثابتا فيها بالسويّة.

قوله : (إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا) فيه قولان :

أحدهما : أنه استثناء منقطع.

والثاني : أنه متصل.

قال الزمخشري (٨) : «فإن قلت : بم تعلّق (أَنْ يَصَّدَّقُوا) وما محلّه؟ قلت : تعلّق ب «عليه» أو ب «مسلمة» كأنه قيل : وتجب عليه الدّية أو يسلّمها إلا حين يتصدّقون عليه ، ومحلّها النّصب على الظّرف ، بتقدير حذف الزّمان ، كقولهم : «اجلس ما دام زيد جالسا» ، ويجوز أن يكون حالا من «أهله» بمعنى إلا متصدّقين». وخطّأه أبو حيّان في هذين التّخريجين.

__________________

(١) سقط في ب.

(٢) في ب : أكل ولا شرب.

(٣) في أ : أسهل.

(٤) في ب : باطل.

(٥) أخرجه أبو داود (٢ / ٦٠١) كتاب الديات : باب في دية الجنين حديث (٤٥٧٤) والنسائي (٨ / ٥١ ـ ٥٢) كتاب القسامة وابن حبان (١٥٢٤ ـ موارد) من حديث ابن عباس.

(٦) في أ : الملك.

(٧) ينظر : تفسير الرازي (١٠ / ١٨٥).

(٨) ينظر : الكشاف ١ / ٥٥٠.

٥٦٤

أما الأوّل : فلأنّ النّحويّين نصّوا على منع قيام «أن» وما بعدها مقام الظّرف ، وأنّ ذلك ما تختصّ به «ما» المصدريّة ، لو قلت : «آتيك أن يصيح الدّيك» أي : وقت صياحه ، لم يجز (١).

وأما الثّاني : فنصّ سيبويه على منعه أيضا ، قال في قول العرب : «أنت الرّجل أن تنازل ، أو أن تخاصم» أي : أنت الرّجل نزالا ومخاصمة : «إنّ انتصاب هذا انتصاب المفعول من أجله ، لأنّ المستقبل لا يكون حالا» ، فكونه منقطعا هو الصّواب.

وقال أبو البقاء (٢) : «وقيل : هو متّصل ، والمعنى : فعليه دية في كلّ حال ، إلا في حال التّصدّق عليه بها».

والجمهور على «يصدقوا» بتشديد الصّاد ، والأصل : يتصدّقوا ، فأدغمت التّاء في الصّاد ، ونقل عن أبيّ هذا الأصل قراءة ، وقرأ أبو عمرو (٣) في رواية عبد الوارث ـ وتعزى للحسن وأبي عبد الرّحمن ـ : «تصدقوا» بتاء الخطاب ، والأصل : تتصدّقوا بتاءين ، فأدغمت الثّانية ، وقرىء (٤) : «تصدقوا» بتاء الخطاب وتخفيف الصّاد ، وهي كالّتي قبلها ، إلا أنّ تخفيف هذه بحذف إحدى التّاءين : الأولى أو الثّانية على خلاف في ذلك ، وتخفيف الأولى بالإدغام.

قوله [ـ تعالى ـ](٥) : (فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ) لما ذكر أوّلا أنّ قتل المؤمن خطأ [فيه](٦) تحرير رقبة ، وتسليم الدّية ، ذكر هنا أنّ من قتل خطأ من قوم عدوّ لنا فعليه تحرير الرقبة ، وسكت عن الدّية ، ثم ذكر بعده إن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق ، وجبت الدّية ، فالسّكوت (٧) عن إيجاب الدّية هنا وإيجابها فيما [قبل هذه الآية](٨) وفيما بعد يدلّ على أنّ الدّية غير واجبة في هذه

__________________

(١) قد ينوب عن الظرف مصدر ، إذا كان الظرف مضافا إليه فحذف ، ولا بد من كونه معينا لوقت أو مقدار ، وهو كثير في ظرف الزمان ، نحو : جئتك صلاة العصر ، أو قدوم الحاج ، وانتظرتك حلب ناقة ، قليل في المكان ، نحو : جلست قرب زيد أي : مكان قربه ، وقد يجعل المصدر ظرفا دون تقدير مضاف ؛ كقولهم : أحقا إنك ذاهب ، أي : في حق.

وقد يكون النائب اسم غير نحو : لا أكلمه القارظين.

والأصل : مدة غيبة القارظين.

ولا ينوب في ذلك المصدر المؤول ، وهو أن والفعل إذا قدر ب «في» خلافا للزمخشري.

انظر همع الهوامع ٣ / ١٧٠.

(٢) ينظر : الإملاء ١ / ١٩٠.

(٣) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٩٣ ، والبحر المحيط ٣ / ٣٣٧ ، والدر المصون ٢ / ٤١٤.

(٤) وهي قراءة نبيح العنزي كما في المحرر ٢ / ٩٣ ، وينظر : البحر ٣ / ٤٤٧ ، والدرر ٢ / ٤١٤.

(٥) سقط في أ.

(٦) سقط في أ.

(٧) في أ : فأنكرت.

(٨) سقط في أ.

٥٦٥

الصّورة ، وإذا ثبت هذا ، فنقول : قوله ـ تعالى ـ : (مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ) إمّا أن يكون المراد منه كون هذا المقتول من سكّان دار الحرب ، أو كونه ذا نسب منهم.

والثاني باطل ؛ لانعقاد الإجماع على أن المسلم السّاكن في دار الإسلام ، وجميع أقاربه كفّار ، فإذا قتل خطأ ، وجبت الدّية في قتله ، فتعيّن الأوّل ، وهو كون المقتول خطأ من سكّان دار الحرب وهو مؤمن ، فتجب [فيه](١) كفّارة بلا دية.

قال الشّافعي : كما دلّت هذه الآية على هذا المعنى ، فالقياس يقوّيه فأمّا أنّه لا تجب الدّية ، فلأنّا لو أوجبنا الدّية في قتل المسلم السّاكن في دار الحرب ، لاحتاج (٢) من يريد غزو دار الحرب ، إلى أن يبحث عن كلّ أحد أنه هل هو من المسلمين أم لا ، وذلك مما يصعب ويشقّ ، فيفضي إلى احتراز النّاس عن الغزو ، فالأولى سقوط الدّية عن قاتله ؛ لأنّه الذي أهدر دم نفسه باختيار السّكنى في دار الحرب ، وأمّا الكفّارة فإنّها حقّ الله ـ تعالى ـ ؛ لأنّه قتل إنسانا مؤمنا مواظبا على عبادة الله ـ تعالى ـ ، وقيل : المراد منه : إذا كان المقتول مسلما في دار الإسلام ، وهو من نسب قوم كفار ، [وأقاربه](٣) في دار الحرب ـ حرب للمسلمين ـ ففيه الكفّارة بلا دية [لأهله](٤) ، وكان الحارث بن زيد من قوم كفّار حرب للمسلمين ، وكان فيه تحرير رقبة ، ولم يكن فيه دية ؛ لأنّه لم يكن بين قومه وبين المسلمين عهد.

قوله : (وَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ) فيه قولان :

أحدهما : أن المراد منه : المسلم ؛ لأنّه ـ تعالى ـ ذكر أوّلا حال المسلم القاتل خطأ ، ثم ذكر حال المسلم المقتول خطأ إذا كان بين أهل الحرب ، ثم ذكر حال المسلم [المقتول خطأ](٥) إذا كان بين أهل العهد وأهل الذّمّة ، ويؤكّده قوله : (وَإِنْ كانَ) فلا بدّ من إسناده إلى شيء تقدّم ذكره وهو المؤمن المقتول خطأ.

الثاني : أن المراد منه : الذمي أو المعاهد ، وهؤلاء طعنوا في القول الأوّل من وجوه :

أحدها : أن المسلم المقتول خطأ سواء كان من أهل الحرب أو من أهل الذّمّة ، فهو داخل تحت قوله : (وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ)(٦) ودية مسلمة إلى أهله» فلو كان المراد من هذه الآية هو المؤمن ، لكان هذا عطفا للشّيء على نفسه ، وهو لا يجوز ، بخلاف ما إذا كان المؤمن المقتول من سكّان دار الحرب ، فإنه ـ تعالى ـ إنما

__________________

(١) سقط في أ.

(٢) في أ : لا يحتاج.

(٣) سقط في ب.

(٤) سقط في ب.

(٥) سقط في أ.

(٦) سقط في أ.

٥٦٦

أعاده لبيان أنّه لا تجب الدّية في قتله ، فأمّا ههنا فقد أوجب الدّية والكفّارة ، فلو كان المراد هو المؤمن ، لكان تكرارا من غير فائدة ، وأنه لا يجوز.

ثانيها : لو كان المراد ما ذكرتم لما كانت الدّية مسلّمة إلى أهله ؛ لأنّ أهله كفّار لا يرثونه.

ثالثها : أن قوله : [«وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق»](١) يقتضي أن يكونوا من ذلك القوم في الوصف الذي وقع التّنصيص (٢) عليه ، وهو حصول الميثاق بينهما ، فإن كونه منهم مجمل ، لا يدرى أنّه منهم في أيّ الأمور ، وإذا حملناه على كونه منهم في ذلك الوصف ، زال الإجمال (٣) فكان ذلك أولى ، وإذا دلّت الآية على أنّه منهم في كونه معاهدا ، [وجب أن يكون معاهدا أو ذمّيّا](٤) مثلهم ، ويمكن أن يجاب عن هذه الأوجه :

أمّا الأوّل : فلأن الله ـ تعالى ـ ذكر حكم المؤمن المقتول خطأ السّاكن في دار الحرب ، وبيّن أنّ الدّية لا تجب في قتله ، وذكر القسم الثّاني ، وهو المؤمن المقتول خطأ السّاكن بين أهل الذّمّة ، وبيّن وجوب الدّية ، والكفّارة في قتله ، والغرض منه : إظهار الفرق بينه وبين القسم الذي قبله.

والجواب عن الثّاني : أن أهله هم المسلمون الّذين تصرف الدية إليهم.

وأما الثالث : فإن كلمة «من» صارت مفسرة في الآية السّابقة ؛ بمعنى «في» ، يعني : في قوم عدوّ لكم ، فكذا ههنا ، وفائدة هذا البحث تظهر في مسألة شرعيّة ، وهي أنّ أبا حنيفة يرى أنّ دية الذّمّي مثل دية المسلم.

وقال الشافعي (٥) : دية اليهوديّ والنّصراني ثلث دية المجوسي ، وقال غيره : نصف دية المسلم.

واحتج أبو حنيفة بقوله : «وإن كان من قوم بينكم وبينهم (٦) ميثاق» والمراد به : الذّمّي ، ثم قال : «فدية» فأوجب فيهم تمام الدّية.

وجوابه : أن نقول : هذه الآية نزلت في المؤمنين كما بيّنّا فسقط استدلاله ، وبتقدير (٧) أن تكون نزلت في أهل الذّمّة ، فإنما وجب (٨) [فيها](٩) مسمّى دية ، ولكن لم يبيّن مقدارها ، فلم قلتم بأنّ الدّية التي (١٠) أوجبها في حقّ المسلم ، بل لكلّ دية مقدار معيّن ، فإن الدّية هي (١١) المال المأخوذ الّذي يؤدّى في مقابلة النّفس.

__________________

(١) سقط في أ.

(٢) في أ : للنصوص.

(٣) في أ : الإجهال.

(٤) سقط في أ.

(٥) ينظر : تفسير الرازي ١٠ / ١٨٧.

(٦) في أ : ومن.

(٧) في ب : وتقديره.

(٨) في ب : فأيما أوجب.

(٩) سقط في أ.

(١٠) في ب : الذي.

(١١) في أ : على.

٥٦٧

فإن قيل : لم قدّم تحرير الرّقبة على الدّية في الأولى ، وههنا عكس؟

الجواب : أن الواو لا تفيد الترتيب ، فتصير كقوله : (وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ) (١) [البقرة : ٥٨] ، وفي آية أخرى : (وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً) [الأعراف : ١٦١].

فصل

والكفّارة تكون بإعتاق رقبة مؤمنة سواء كان المقتول مسلما أو معاهدا ، رجلا كان أو امرأة ، حرّا كان أو عبدا ، وتكون في مال القاتل.

قوله ـ تعالى ـ : (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللهِ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً).

قوله : (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ) مفعوله محذوف ، أي : فمن لم يجد رقبة ، وهي بمعنى وجدان الضّالّ ، فلذلك تعدّت لواحد ، وقوله : (فَصِيامُ شَهْرَيْنِ) ارتفاعه على أحد الأوجه المذكورة في قوله : (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) وقد مرّ ، أي : فعليه صيام ، أو : فيجب عليه صيام ، أو فواجبه صيام.

قال أبو البقاء (٢) : ويجوز في غير القرآن النّصب على «فليصم صوم شهرين». وفيه نظر ؛ لأنّ الاستعمال المعروف في ذلك أن يقال : «صمت شهرين ويومين» ، ولا يقولون : صمت صوم ـ ولا صيام ـ شهرين.

فصل

إذا كان واجدا للرقبة ، أو قادرا على تحصيلها بثمنها ، فاضلا عن نفقته ونفقة عياله وحاجته من مسكن ونحوه ، فعليه الإعتاق ، ولا يجوز له الصّوم ، فإن عجز عن ذلك فعليه صوم شهرين متتابعين ، فإن أفطر يوما متعمّدا في خلال الصّوم ، أو نوى صوما آخر ، وجب عليه الاستئناف ، فإن (٣) أفطر بعذر مرخّص ، أو سفر ، أو حيض : فقال النّخعيّ ، والشافعي في أظهر قوليه : ينقطع التّتابع ، وعليه الاستئناف.

وقال سعيد بن المسيّب ، والحسن ، والشّعبي : لا ينقطع ، ولو حاضت المرأة ، لم ينقطع التّتابع ؛ لأنّه لا يمكن الاحتراز عنه ؛ قال مسروق : فإن الصّوم بدل من (٤) مجموع الكفّارة والدّية.

فصل : فيما إذا عجز عن الصوم هل يطعم؟

إذا عجز عن الصّوم هل يطعم ستّين مسكينا (٥) فيه قولان :

__________________

(١) سقط في أ.

(٢) ينظر : الإملاء ١ / ١٩٠.

(٣) في ب : وإن.

(٤) في ب : عن.

(٥) في أ : يتيما.

٥٦٨

أحدهما : يطعم كالظّهار.

والثاني : لا ؛ لأن المشرّع لم يذكر له بدلا.

قوله : «توبة» في نصبه ثلاثة أوجه :

أحدها : أنه مفعول من أجله ، تقديره : شرع ذلك توبة منه.

قال أبو البقاء : ولا يجوز أن يكون العامل : «صوم» إلا على حذف مضاف ، أي : لوقوع توبة [من الله](١) أو لحصول توبة [من الله](٢). يعني : أنه إنما احتاج إلى تقدير ذلك المضاف ، ولم يقل إن العامل هو الصّيام ؛ لأنه اختلّ شرط من شروط نصبه ؛ لأنّ فاعل الصّيام غير فاعل التّوبة.

الثاني : أنها منصوبة على المصدر أي : رجوعا منه إلى التّسهيل ، حيث نقلكم من الأثقل إلى الأخفّ ، أو توبة منه ، أي : قبولا منه ، من تاب عليه ، إذا قبل توبته ، فالتقدير : تاب عليكم توبة [منه](٣).

الثالث : أنها منصوبة على الحال ، ولكن على حذف مضاف ، تقديره : فعليه كذا حال كونه صاحب توبة ، ولا يجوز ذلك من غير تقدير هذا المضاف ؛ لأنك لو قلت : «فعليه صيام شهرين تائبا من الله» لم يجز ، و «من الله» في محلّ نصب ؛ لأنّه صفة ل «توبة» فيتعلّق بمحذوف.

فإن قيل : الخطأ لا يكون معصية ، فما معنى قوله : (تَوْبَةً مِنَ اللهِ).

فالجواب من وجوه :

الأول (٤) : أنّ فيه نوعا من التّقصير ، فإنّ الظّاهر أنّه لو بالغ في الاحتياط والاستكشاف لما تعذر عليه الفعل ، ألا ترى أن من قتل مسلما يظنه حربيّا ، فلو بالغ في الاستكشاف ، فالظّاهر أنه لم يقع فيه ، ومن رمى صيدا فأصاب إنسانا ، فلو احتاط ولم يرم إلّا في موضع يقطع بأنه ليس (٥) هناك إنسان ، فإنّه لا يقع في تلك الواقعة ؛ فقوله : (تَوْبَةً مِنَ اللهِ) تنبيه (٦) على أنه كان مقصّرا (٧) في ترك الاحتياط.

وثانيها : أن قوله : (تَوْبَةً مِنَ اللهِ) راجع إلى أنّه ـ تعالى ـ أذن له في إقامة الصّوم مقام الإعتاق عند العجز عنه ؛ لأن الله ـ تعالى ـ إذا تاب على المذنب ، فقد خفّف عنه ، فلما كان التّخفيف من لوازم التّوبة ، أطلق لفظ «التوبة» لإرادة التّخفيف ؛ إطلاقا لاسم الملزوم على اللّازم.

__________________

(١) سقط في أ.

(٢) سقط في أ.

(٣) سقط في أ.

(٤) في ب : أحدها.

(٥) في أ : لم يكن.

(٦) في أ : مبينة.

(٧) في أ : مصرّا.

٥٦٩

وثالثها : أن المؤمن إذا اتّفق له مثل هذا الخطأ ، فإنه يندم ويتمنّى ألّا يكون ذلك ممّا وقع ، فسمّى الله ذلك النّدم والتّمنّي توبة.

ثم قال ـ تعالى ـ : (وَكانَ اللهُ عَلِيماً) بأنّه لم يقصد «خطأ» لما حكم به عليه ، ولم يؤاخذه بذلك الفعل الخطأ ، فإن الحكمة تقتضي ألّا يؤاخذ الإنسان إلا بما يتعمّد.

قال أهل السّنّة : أفعال الله ـ تعالى ـ غير معلّلة برعاية المصالح ، ومعنى كونه «حكيما» : كونه عالما بعواقب الأمور.

قال المعتزلة : هذا باطل ؛ لأنه ـ تعالى ـ عطف الحكيم على العليم ، فلو كان الحكيم هو العليم ، لكان عطفا للشّيء على نفسه ، وهو محال.

الجواب : أن كل موضع في القرآن [ورد فيه](١) الحكيم معطوفا على العليم ـ كان المراد من الحكيم : كونه محكما في الفعل ، فالإتقان ، والإحكام ، عائد إلى كيفيّة الفعل.

قوله تعالى : (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً) (٩٣)

(٢) لما ذكر القتل الخطأ ، ذكر بعده بيان حكم قتل العمد ، وله أحكام مثل وجوب القصاص والدّية ، وقد ذكر في سورة البقرة عند قوله ـ [تعالى](٣) ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى) [الآية : ١٧٨] لا جرم اقتصر ههنا على بيان الإثم والوعيد.

وقوله : «متعمدا» : حال من فاعل «يقتل» ، وروي عن الكسائيّ سكون التّاء ؛ كأنه فرّ من توالي الحركات ، و «خالدا» نصب على الحال من محذوف ، وفيه تقديران :

أحدهما : «يجزاها خالدا فيها» ، فإن شئت جعلته حالا من الضّمير المنصوب أو المرفوع.

والثاني : «جازاه» ؛ بدليل (وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ) فعطف الماضي عليه ، فعلى هذا هي حال من الضّمير المنصوب لا غير ، ولا يجوز أن تكون حالا من الهاء في «جزاؤه» لوجهين :

أحدهما : أنه مضاف إليه ، [ومجيء الحال من المضاف إليه] ضعيف أو ممتنع.

والثاني : أنه يؤدّي إلى الفصل بين الحال وصاحبها بأجنبيّ ، وهو خبر المبتدأ الذي هو «جهنم».

__________________

(١) سقط في أ.

(٢) سقط في أ.

(٣) سقط في أ.

٥٧٠

فصل : سبب نزول الآية

نزلت [هذه الآية](١) في مقيس بن ضبابة الكندي (٢) ، وكان قد أسلم هو وأخوه هشام ، فوجد أخاه هشاما قتيلا في بني النّجّار ، فأتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فذكر له [ذلك](٣) ، فأرسل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم معه رجلا من بني فهر إلى بني النّجّار ؛ أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يأمركم إن علمتم قاتل هشام بن ضبابة [أن تدفعوه](٤) إلى مقيس فيقتصّ منه ، وإن لم تعلموه أن تدفعوا إليه ديته ، فأبلغهم الفهري ذلك ، فقالوا : سمعا وطاعة لله ولرسوله ، ما نعلم له قاتلا ولكنّا نؤدّي ديته ، فأعطوه مائة من الإبل ، ثم انصرفا راجعين إلى المدينة ، فأتى الشّيطان مقيسا فوسوس إليه ، فقال : تقبل دية أخيك فتكون عليك مسبّة ، اقتل الذي معك ؛ فتكون نفس مكان نفس ، وفضل الدّية ، فقتل الفهري فرماه بصخرة فشدخه ، ثم ركب بعيرا منها وساق بقيّتها راجعا (٥) إلى مكّة [كافرا](٦) فنزل فيه : (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها)(٧) بكفره وارتداده ، وهو الّذي استثناه النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم فتح مكّة عمّن أمّنه ، فقتل وهو متعلّق بأستار الكعبة ، (وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ) [أي : طرده عن الرّحمة](٨)(وَأَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً).

فصل : اختلاف العلماء في شبه العمد

قال القرطبي (٩) : ذكر الله ـ عزوجل ـ في كتابه العمد والخطأ ، ولم يذكر شبه العمد ، وقد اختلف العلماء في القول به :

فقال ابن المنذر : وأنكر ذلك مالك ؛ وقال : ليس في كتاب الله إلا العمد والخطأ وذكره الخطّابي أيضا عن مالك ، وزاد : أما شبه (١٠) العمد فلا نعرفه.

قال أبو عمرو : أنكر مالك واللّيث بن سعد شبه العمد ، فمن قتل عندهما (١١) بما لا يقتل مثله غالبا ؛ كالعضّة واللّطمة ، وضرب السّوط ونحوه ؛ فإنه عمد وفيه القود ، قال : وهو قول جماعة من الصّحابة والتّابعين ، وذهب (١٢) جمهور فقهاء الأمصار إلى أن هذا كلّه شبه العمد.

قال ابن المنذر : شبه العمد يعمل به عندنا ، وممن أثبت شبه العمد الشّعبيّ ، والحكم ، وحمّاد ، والنّخعيّ ، وقتادة ، وسفيان الثّوريّ ، وأهل (١٣) العراق والشافعي

__________________

(١) سقط في أ.

(٢) في أ : الكناني.

(٣) سقط في أ.

(٤) سقط في أ.

(٥) في أ : كافرا.

(٦) سقط في أ.

(٧) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٣٤٩) وعزاه لابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير.

(٨) سقط في ب.

(٩) ينظر : تفسير القرطبي ٥ / ٢١٢.

(١٠) في ب : يشبه.

(١١) في أ : غيرهما.

(١٢) في أ : وذكر.

(١٣) في أ : وأبدل.

٥٧١

وأحمد ، وذكر عن مالك ، وروي عن عمر بن الخطّاب ، وعن عليّ بن أبي طالب ـ رضي الله عنهم أجمعين ـ.

فصل فيمن تلزمه دية شبه العمد

أجمعوا على أن دية العمد في مال الجاني ، ودية الخطأ على عاقلته ، واختلفوا في دية شبه العمد :

فقال الحارث (١) العكلي ، وابن أبي ليلى ، وابن شبرمة ، وقتادة ، وأبو ثور [هي](٢) في مال الجاني.

وقال الشّعبي ، والنّخعيّ ، والحكم ، والشّافعيّ ، والثّوريّ ، وأحمد ، وإسحق ، وأصحاب الرّأي : [هي](٣) على العاقلة.

قال ابن المنذر : وهو الصّحيح ؛ لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم جعل دية الجنين على عاقلة الضّاربة.

فصل

اختلفوا في حكم هذه الآية :

[فروي](٤) عن ابن عبّاس أن قاتل المؤمن (٥) عمدا لا توبة له ، فقيل له : أليس قد قال الله ـ تعالى ـ في سورة الفرقان : (ولا تقتلوا (٦) النفس التي حرم الله إلا بالحق) إلى قوله (٧)(وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهاناً إِلَّا مَنْ تابَ) [الفرقان : ٦٨ ـ ٧٠] فقال : كانت هذه الآية في الجاهليّة وذلك أن أناسا (٨) من أهل الشّرك [كانوا](٩) قد قتلوا وزنوا ، فأتوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقالوا : إن الذي تدعو إليه لحسن ، لو تخبرنا أنّ لما عملنا كفّارة ، فنزلت : (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ) [الفرقان : ٦٨] ، إلى قوله (إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ) [الفرقان : ٧٠] فهذه لأولئك ، وأما الّتي في النّساء ؛ فالرّجل الذي إذا عرف الإسلام وشرائعه ، ثم قتل مسلما متعمدا فجزاؤه جهنّم (١٠).

وقال زيد بن ثابت : لما نزلت الآية التي في الفرقان (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ) [الفرقان : ٦٨] ، عجبنا من لينها ، فلبثنا سبعة أشهر ثم نزلت الغليظة بعد اللّيّنة ،

__________________

(١) في أ : الحرب.

(٢) سقط في أ.

(٣) سقط في أ.

(٤) سقط في أ.

(٥) في ب : القاتل.

(٦) في ب : يقتلون.

(٧) سقط في ب.

(٨) في ب : ناسا.

(٩) سقط في أ.

(١٠) أخرجه البخاري (٨ / ٣٧٩ ـ فتح) ومسلم (١٨ / ١٥٩) والطبري في «تفسيره» (٩ / ٦٥ ـ ٦٦) عن سعيد بن جبير.

وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٣٥٠) وزاد نسبته لعبد بن حميد وابن مردويه.

٥٧٢

[فنزلت](١) فنسخت الليّنة ، وأراد بالغليظة هذه الآية ، وباللّيّنة آية الفرقان (٢).

وقال ابن عبّاس : تلك آية مكّيّة ، وهذه مدنيّة نزلت ولم ينسخها شيء (٣).

وذهب أهل السّنّة إلى أن قاتل المسلم عمدا توبته مقبولة ؛ لقوله ـ تعالى ـ : (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً) [طه : ٨٢] ، وقال : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) [النساء : ٤٨] ، وما روي عن ابن عبّاس ؛ فهو تشديد ومبالغة في الزّجر عن القتل ، وليس في الآية متعلّق لمن يقول بالتّخليد في النّار بارتكاب الكبائر ؛ لأن الآية نزلت في قاتل [وهو](٤) كافر ، وهو مقيس بن صبابة ، وقيل : إنّه وعيد لمن قتل مؤمنا مستحلا [لقتله](٥) بسبب إيمانه ، ومن استحلّ قتل أهل الإيمان لإيمانهم ، كان كافرا مخلّدا في النّار.

حكي أنّ (٦) عمرو بن عبيد جاء إلى أبي عمرو بن العلاء ، فقال : هل يخلف الله وعده؟ فقال : لا ، فقال : أليس قد قال ـ تعالى ـ : (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها) فقال أبو عمرو : من العجم أتيت يا أبا عثمان : إن العرب لا تعدّ الإخلاف في الوعيد خلفا وذمّا وإنّما تعدّ إخلاف الوعد خلفا ، وأنشد [شعرا](٧) : [الطويل]

١٨٦٤ ـ وإنّي متى أوعدته أو وعدته

لمخلف إيعادي ومنجز موعدي (٨)

والدّليل على أن غير الشّرك لا يوجب التّخليد في النّار ، قوله عليه الصلاة والسلام «من مات لا يشرك بالله شيئا ، دخل الجنّة» وروي [عن](٩) عبادة بن الصّامت ـ رضي الله عنه ـ ؛ أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال ليلة العقبة ـ وحوله عصابة من أصحابه ـ : «بايعوني على ألّا تشركوا بالله شيئا ، ولا تسرقوا ولا تزنوا ، ولا تقتلوا أولادكم ، ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم ، ولا تعصوا في معروف ، فمن وفّى منكم ، فأجره على الله ، ومن أصاب من ذلك [شيئا](١٠) فعوقب في الدّنيا ، فهو كفّارة له ، ومن أصاب من ذلك شيئا ثم ستره الله عليه ، فهو إلى الله إن شاء عفا عنه (١١) ، وإن شاء عاقبه» فبايعناه على ذلك (١٢).

__________________

(١) سقط في ب.

(٢) ذكره بهذا اللفظ السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٣٥١) وعزاه للطبراني وابن مردويه عن زيد بن ثابت.

(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٩ / ٦٦) عن ابن عباس.

(٤) سقط في أ.

(٥) سقط في ب.

(٦) في أ : ابن.

(٧) سقط في ب.

(٨) البيت لعامر بن الطفيل. ينظر ديوانه ص ٥٨ واللسان (وعد) وبلا نسبة في إنباه الرواة ٤ / ١٣٩ ومراتب النحويين ص ٣٨ والبغوي ١ / ٤٦٥.

(٩) سقط في أ.

(١٠) سقط في أ.

(١١) في ب : عاقبة.

(١٢) أخرجه البخاري (١ / ٨١) كتاب الإيمان : باب علامة الإيمان حب الأنصار (١٨) ، (٧ / ٢٦٠) كتاب ـ

٥٧٣

وذكر الواحدي : أن الأصحاب سلكوا في الجواب عن هذه الآية طرقا كثيرة ، قال : وأنا لا أرتضي شيئا منها ؛ لأنّ الذي ذكروا إما تخصيص ، وإما معارضة ، وإما إضمار ، واللّفظ لا يدلّ على شيء من ذلك ، قال : والّذي اعتمدوه وجهان :

الأول (١) : إجماع المفسّرين على أن الآية نزلت في كافر قتل مؤمنا ، ثم ذكر تلك القصّة.

والثاني : أن قوله : (فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ) معناه الاستقبال ، والتقدير : إنه سيجزى بجهنم ، وهذا وعيد ، قال : وخلف الوعيد كرم.

قال ابن الخطيب : والوجه الأوّل ضعيف ؛ لأن العبرة بعموم اللّفظ لا بخصوص السّبب ، وأيضا ثبت في أصول الفقه ؛ أن [ترتيب](٢) الحكم على الوصف المناسب ، يدلّ على كون ذلك الحكم (٣) علّة لذلك ؛ كقوله : (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما) [المائدة : ٣٨] ، و (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما) [النور : ٢] ، دلّ ذلك على أن الموجب لقطع السّارق هو السّرقة ، وجلد الزّاني هو الزّنى ، فكذا ههنا يدلّ على أن الموجب لهذا الوعيد هو القتل العمد ؛ لأنه (٤) الوصف المناسب للحكم ، وإذا كان كذلك ، لم يبق لكون الآية مخصوصة بالكافر وجه ، وأيضا فإنه لا يخلو إمّا أن يكون الموجب لهذا الوعيد هو الكفر دون القتل العمد ، وإن كان الموجب هو الكفر ، وكان الكفر حاصلا قبل هذا القتل ، فحينئذ لا يكون للقتل أثرا ألبتّة في هذا الوعيد ، ويكون هذا الكلام جاريا مجرى قوله من [يتعمد قتل](٥) نفس فجزاؤه جهنم خالدا فيها ؛ لأن القتل العمد ما لم يكن له أثر في الوعيد ، جرى مجرى النّفس ، وسائر الأمور التي لا تأثير لها في هذا الوعيد ، وذلك باطل ، وإن كان الموجب لهذا الوعيد [كونه](٦) قتلا عمدا ، فلزم أن يقال : أينما (٧) حصل القتل العمد ، حصل (٨) هذا الوعيد ؛ فثبت (٩) أن هذا الوجه الذي ارتضاه الواحديّ ليس بشيء.

__________________

ـ مناقب الأنصار : باب وفود الأنصار (٣٨٩٢ ، ٣٨٩٣) وكتاب المغازي حديث (٣٩٩٩) وفي (٨ / ٥٠٦) كتاب التفسير : باب إذا جاءك المؤمنات (٤٨٩٤) وفي (١٢ / ٨٥) كتاب الحدود : باب الحدود كفارة (٦٧٨٤) وفي (١٢ / ١٩٩) كتاب الديات باب قوله تعالى : وَمَنْ أَحْياها ... (٦٨٧٣) وفي (١٣ / ٧) كتاب الفتن : باب قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «سترون بعدي أمورا» ... (٧٠٥٥) وفي (١٣ / ٤٥٥) كتاب التوحيد : باب في المشيئة والإرادة (٧٤٦٨) ومسلم (٣ / ١٣٣) كتاب الحدود : باب الحدود كفارة لأهلها (٤١ / ١٧٠٩) من حديث عبادة بن الصامت.

(١) في أ : أحدهما.

(٢) سقط في أ.

(٣) في ب : الوصف.

(٤) في ب : لأن.

(٥) سقط في أ.

(٦) سقط في أ.

(٧) في ب : لما.

(٨) في أ : مثل.

(٩) في أ : فبان.

٥٧٤

وأما الوجه الثاني : فهو في غاية الفساد ؛ لأن الوعيد قسم من أقسام (١) الخبر ، فإذا جوّزنا الخلف فيه على الله ، فقد جوّزنا الكذب على الله ـ تعالى ـ ، وهذا خطأ عظيم ، بل يقرب من الكفر ؛ لإجماع العقلاء على أنّه ـ تعالى ـ منزّه عن الكذب.

وحكى القفال (٢) في تفسيره وجها آخر في الجواب ، فقال : الآية تدلّ على أن جزاء القتل هو ما ذكر ، لكن ليس فيها أنّه ـ تعالى ـ يوصل هذا الجزاء إليه أم لا ، وقد يقول الرّجل لعبده : جزاؤك أن أفعل بك كذا وكذا ، إلا أنّي لا أفعل ، وهذا الجواب أيضا ضعيف ، لأنّه ثبت بهذه الآية أن جزاء القتل العمد هو ما ذكر (٣) ، وثبت بسائر (٤) الآيات أنه ـ تعالى ـ يوصل الجزاء إلى المستحقّين ؛ قال ـ تعالى ـ : (مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ) [النساء : ١٢٣] ، وقال : (وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) [الزلزلة : ٨].

قال ابن الخطيب (٥) : واعلم أنّا نقول [أن](٦) هذه الآية مخصوصة في موضعين :

أحدهما : أن يكون القتل [العمد](٧) غير عدوان ؛ كما في القصاص ، فإنه لا يحصل فيه هذا الوعيد ألبتّة.

والثاني : القتل العمد العدوان إذا تاب عنه لا يحصل فيه هذا الوعيد ، وإذا ثبت دخول التّخصيص فيه في هاتين (٨) الصّورتين (٩) فيدخله التّخصيص فيما إذا حصل العفو فيه ؛ بدليل قوله : (وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) [النساء : ٤٨].

قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً) (٩٤)

لما نهى عن قتل المؤمن ، أمر المجاهدين بالتّثبّت في القتل ؛ لئلّا يسفكوا دما حراما بتأويل ضعيف ، والضّرب في الأرض معناه : السّير فيها بالسّفر للتّجارة والجهاد ، وأصله من الضّرب باليد ، وهو كناية عن الإسراع في السّير ، فإن (١٠) من ضرب إنسانا ، كانت حركة يده عند ذلك الضّرب سريعة.

قال الزّجّاج (١١) : معنى (ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ) : إذا غزوتم وسرتم إلى الجهاد.

__________________

(١) في أ : مقام.

(٢) في أ : المقال.

(٣) في ب : ذكره.

(٤) في أ : لسائر.

(٥) ينظر : تفسير الرازي ١٠ / ١٩٠.

(٦) سقط في أ.

(٧) سقط في ب.

(٨) في ب : هذين.

(٩) في أ : الآيتين.

(١٠) في أ : قال.

(١١) ينظر : تفسير الرازي ١١ / ٣.

٥٧٥

قال القرطبي : تقول العرب : ضربت في الأرض ، إذا سرت لتجارة أو غزو أو غيره مقترنة بفي ، وتقول : ضربت الأرض دون «في» ، إذا قصدت قضاء حاجة الإنسان ؛ ومنه قوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ : «لا يخرج الرّجلان يضربان الغائط يتحدّثان ، كاشفين عن فرجيهما ، فإن الله يمقت على ذلك» (١) وفي «إذا» معنى الشّرط ، فلذلك دخلت الفاء في قوله : «فتبينوا» وقد يجازى بها ؛ كقوله : [الكامل]

١٨٦٥أ ـ ............

وإذا تصبك خصاصة فتجمّل (٢)

والجيّد ألا يجازى بها لقول الشّاعر : [الكامل]

١٨٦٥ ب ـ والنّفس راغبة إذا رغّبتها

وإذا تردّ إلى قليل تقنع (٣)

قوله : «فتبينوا» : قرأ (٤) الأخوان من التّثبّت ، والباقون من البيان ، قيل : هما متقاربان ؛ لأن من تثبت في الشّيء تبيّنه ، قاله أبو عبيد ، وصحّحه ابن عطيّة.

وقال الفارسيّ : «التثبّت هو خلاف الإقدام والمراد التّأنّي ، والتّثبّت أشد اختصاصا بهذا الموضع ؛ يدل عليه قوله : (وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً) [النساء : ٦٦] أي : أشدّ وقعا لهم عمّا وعظوا به بألّا يقدموا عليه» فاختار قراءة الأخوين.

وعكس قوم فرجّحوا قراءة الجماعة ، قالوا : لأن المتثبّت قد لا يتبيّن ، وقال الرّاغب : لأنه قلّ ما يكون إلا بعد تثبّت ، وقد يكون التّثبّت ولا تبيّن ، وقد قوبل بالعجلة في قوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ : «التبيّن من الله والعجلة من الشيطان». وهذا يقوّي قراءة الأخوين أيضا ، و «تفعّل» في كلتا القراءتين بمعنى استفعل الدال على الطّلب ، أي : اطلبو التثبّت أو البيان.

وقوله : (لِمَنْ أَلْقى) اللام للتّبليغ هنا ، و «من» موصولة أو موصوفة ، و «ألقى» هنا ماضي اللّفظ ، إلا أنه بمعنى المستقبل ، أي : لمن يلقي ؛ لأنّ النهي لا يكون عمّا وقع وانقضى ، والماضي إذا وقع صلة صلح للمضيّ والاستقبال.

وقرأ (٥) نافع وابن عامر وحمزة : «السّلم» بفتح السّين واللام من غير ألف ، وباقي

__________________

(١) أخرجه أبو داود (١ / ٤ ـ ٥) كتاب الطهارة ، باب كراهة الكلام على الحاجة (١٥) وابن ماجه (١ / ١٢٣) كتاب الطهارة : باب النهي عن الاجتماع على الخلاء حديث (٣٤٢) من حديث أبي سعيد.

(٢) تقدم.

(٣) البيت لأبي ذؤيب الهذلي ينظر الدرر ٣ / ١٠٢ ، وشرح اختيارات المفضل ص ١٦٩٣ ، وشرح أشعار الهذليين ١ / ٧ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٢٦٢ ، ومغني اللبيب ١ / ٩٣ ، وهمع الهوامع ١ / ٢٠٦ ، والقرطبي ٥ / ٢١٧.

(٤) ينظر : السبعة ٢٣٦ ، والحجة ٣ / ١٧٣ ، وحجة القراءات ٢٠٩ ، والعنوان ٨٥ ، وإعراب القراءات ١ / ١٣٦ ، وشرح شعلة ٣٤٢ ، وشرح الطيبة ٤ / ٢١١ ، وإتحاف ١ / ٥١٨.

(٥) ينظر : السبعة ٢٣٦ ، والحجة ٣ / ١٧٥ ، ١٧٦ ، وحجة القراءات ٢٠٩ ، والعنوان ٨٥ ، وإعراب ـ ـ القراءات ١ / ١٣٦ ، ١٣٧ ، وشرح شعلة ٣٤٣ ، وشرح الطيبة ٤ / ٢١٣ ، وإتحاف ١ / ٥١٨.

٥٧٦

السّبعة : «السّلام» بألف ، وروي عن عاصم : «السّلم» بكسر السّين وسكون اللام ، فأما «السّلام» فالظّاهر أنه التّحيّة.

والمعنى : لا تقولوا لمن حيّاكم بهذه التّحيّة إنه إنّما قالها تعوّذا فتقدموا عليه بالسّيف لتأخذوا ماله ، ولكن كفّوا عنه ، واقبلوا منه ما أظهره.

وقيل : معناه : الاستسلام والانقياد ، والمعنى : لا تقولوا لمن اعتزلكم ولم يقاتلكم : لست مؤمنا ، وأصل هذا من السّلامة ؛ لأن المعتزل عن النّاس طالب للسّلامة.

والسّلامة والسّلم ـ بفتحهما ـ الانقياد فقط ، وكذا «السّلم» بالكسر والسّكون ، وقرأ الجحدري (١) بفتحها وسكون اللام ، وقد تقدّم [القول فيها](٢) في البقرة ، والجملة من قوله : (لَسْتَ مُؤْمِناً) في محل نصب بالقول ؛ والجمهور على كسر الميم الثّانية من «مؤمنا» اسم فاعل ، وأبو جعفر (٣) بفتحها اسم مفعول ، أي : لا نؤمّنك في نفسك ، وتروى هذه القراءة عن عليّ وابن عبّاس ويحيى بن يعمر.

قوله : «تبتغون» في محل نصب على الحال من فاعل «يقولوا» أي : لا تقولوا ذلك مبتغين.

فصل

ذكروا في سبب النّزول روايتين (٤) :

الأولى : أن الآية نزلت في رجل من بني مرّة بن عوف ، يقال له : مرداس بن نهيك رجل من أهل فدك ، أسلم ولم يسلم من قومه غيره ، فسمعوا [بسرية](٥) رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم تريدهم ، وكان على السّريّة رجل يقال له : غالب بن فضالة اللّيثي ، فهربوا وأقام الرّجل ؛ لأنّه كان مسلما ، فلما رأى الخيل خاف أن يكونوا من غير أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم [فألجأ غنمه إلى عاقول من الجبل وصعد هو الجبل ، فلّما تلاحقوا وكثروا ، سمعهم يكبّرون ، فلما سمع التكبير ، عرف أنهم من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فكبّر ونزل](٦) وهو يقول : لا إله إلا الله [محمد رسول الله](٧) ، السلام عليكم ، فتغشّاه أسامة بن زيد فقتله واستاق غنمه ، ثم رجعوا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأخبروه ، فوجد عليه وجدا شديدا ، وقد [كان](٨) سبقهم قبل ذلك الخبر ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «قتلتموه إرادة ما معه؟» ثم قرأ الآية على أسامة بن زيد ، فقال: يا رسول الله ، استغفر لي ، فقال : فكيف (٩) تصنع بلا إله إلا الله؟

__________________

(١) ينظر : المحرر الوجيز ٢ / ٢٩٦ ، والبحر المحيط ٣ / ٣٤٢ ، والدر المصون ٢ / ٤١٦.

(٢) سقط في ب.

(٣) ينظر : القراءة السابقة.

(٤) في ب : روايات.

(٥) سقط في ب.

(٦) سقط في أ.

(٧) سقط في ب.

(٨) سقط في ب.

(٩) في ب : كيف.

٥٧٧

قال أسامة : فما زال يعيدها حتى وددت أنّي لم أكن أسلمت إلّا يومئذ ، ثم استغفر لي وقال : «أعتق رقبة» (١).

وروى (٢) أبو ظبيان عن أسامة ؛ قال : قلت يا رسول الله : إنما قالها خوفا من السّلاح ، قال : «أفلا شققت عن قلبه ، حتّى تعلم أقالها أم لا؟».

الثانية : روى عكرمة عن ابن عبّاس ؛ قال : مرّ رجل من بني سليم على نفر من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ومعه غنم له فسلّم عليهم ، قالوا : ما سلّم عليكم إلا ليتعوذ منكم ، فقاموا فقتلوه وأخذوا غنمه ، فأتوا بها إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأنزل الله هذه الآية (٣) :

الثالثة : أن المقداد بن الأسود وقعت له واقعة مثل واقعة أسامة ، قال : فقلت يا رسول الله ، أرأيت إن لقيت رجلا من الكفّار يقاتلني ، فضرب إحدى يديّ بالسّيف ، ثم لازمني بشجرة ، ثم قال : أسلمت لله ـ تعالى ـ ، أفأقاتله (٤) يا رسول الله بعد ذلك؟ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لا تقتله ، فقال : يا رسول الله إنه قطع يدي ، فقال ـ عليه الصلاة والسلام ـ : لا تقتله ، فإن قتلته ، فإنه بمنزلتك بعد أن تقتله ، وأنت بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قالها (٥).

فصل

قال أكثر الفقهاء : لو قال اليهودي والنّصراني : أنا مؤمن أو أنا مسلم ، لا يحكم بإسلامه بهذا القدر ، لأن مذهبه أن الّذي هو عليه (٦) هو الإسلام وهو الإيمان ، ولو قال : لا إله إلا الله محمّد رسول الله ، فعند قوم [لا يحكم بإسلامه](٧) ؛ لأن فيهم من يقول : إنه رسول الله إلى العرب لا إلى الكلّ ، وفيهم من يقول : إنّ محمّدا الذي هو الرسول

__________________

(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٩ / ٨ ،) عن السدي وأخرجه أيضا (٩ / ٧٩) عن قتادة باختلاف يسير في اللفظ.

وأورده السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٣٥٧) عن قتادة وزاد نسبته لعبد بن حميد.

(٢) في أ : وقال.

(٣) أخرجه الترمذي (٥ / ٢٢٤) كتاب تفسير القرآن باب سورة النساء حديث (٣٠٣٠) والطبري في «تفسيره» (٩ / ٧٦) وأحمد (٢٠٢٣ ـ شاكر) والحاكم (٢ / ٢٣٥) من طريق عكرمة عن ابن عباس.

وقال الترمذي : هذا حديث حسن. وقال الحاكم : صحيح الإسناد ولم يخرجاه.

وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٣٥٦) وزاد نسبته لابن أبي شيبة والطبراني وعبد بن حميد وابن المنذر.

(٤) في ب : أقتله.

(٥) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٩ / ٨٩) عن سعيد بن جبير وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٣٥٨) وزاد نسبته لابن أبي شيبة.

ورواه البزار والطبراني كما في «مجمع الزوائد» (٧ / ١١ ـ ١٢) وقال الهيثمي : وإسناده جيد.

وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٣٥٧) وزاد نسبته للدارقطني في «الأفراد» عن ابن عباس.

(٦) في ب : عليه هو.

(٧) سقط في أ.

٥٧٨

الحقّ لم يجىء بعد وسيجيء بعد ذلك ؛ بل لا بد بأن يعترف (١) بأنّ الّذي كان عليه باطل ، وأن الدّين الموجود بين المسلمين هو الحقّ والفرض.

قال أبو عبيدة (٢) جميع (٣) متاع الدّنيا عرض بفتح الرّاء ، يقال : إن الدّنيا عرض حاضر يأخذ منها البرّ والفاجر ، والعرض بسكون الرّاء ما سوى الدّراهم والدّنانير (٤) ، وإنما سمي متاع الدّنيا عرضا ؛ لأنه عارض زائل باق ، ومنه سمّى المتكلّمون ما خالف الجوهر من الحوادث عرضا ؛ لقلة لبثه.

قوله ـ تعالى ـ : (فَعِنْدَ اللهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ) يعني : ثوابا كثيرا ، وقيل : مغانم كثيرة لمن اتّقى (٥) قتل المؤمن ، والمغانم : جمع مغنم ، وهو يصلح للمصدر والزّمان والمكان ، ثم يطلق على ما يؤخذ من مال العدوّ في الغزو ؛ إطلاقا للمصدر على اسم المفعول ، نحو : «ضرب الأمير».

قوله : «كذلك» هذا خبر ل «كان» قدّم عليها وعلى اسمها ، أي : كنتم من قبل الإسلام مثل من أقدم ولم يتثبّت ، وهذا يقتضي تشبيه هؤلاء المخاطبين بأولئك الّذين ألقوا السّلم ، وليس فيه بيان للمشبّه فيما إذا قيل : المراد أنكم أوّل ما دخلتم في الإسلام ، فبمجرّد ما سمعت من أفواهكم كلمة الشّهادة ، حقنت دماؤكم وأموالكم من غير توقيف ذلك على حصول العلم بأن قلبكم موافق لما في ضمائركم (٦) فعليكم بأن تفعلوا بالدّاخلين في الإسلام كما فعل بكم ، وأن تعتبروا ظاهر القول ، وألّا تقولوا إن إقدامهم على الإسلام (٧) لأجل الخوف من السّيف ، هذا إخبار (٨) أكثر المفسّرين ، وفيه إشكال ؛ لأن لهم أن يقولوا : ما كان إيماننا مثل إيمان هؤلاء ؛ لأنا آمنّا عن الطواعية والاختيار ، وهؤلاء أظهروا الإيمان تحت ظلال السّيوف ، فكيف يمكن تشبيه أحدهما بالآخر!.

قال سعيد بن جبير : المراد أنكم كنتم تكتمون (٩) إيمانكم عن قومكم ؛ كما أخفى هذا الدّاعي إيمانه عن قومه (١٠) ، ثم منّ الله عليكم بإعزازكم حتى أظهرتم دينكم ، فأنتم عاملوهم بمثل هذه المعاملة ، وهذا أيضا فيه إشكال ؛ لأن إخفاء الإيمان ما كان عامّا فيهم.

قال مقاتل : المراد كذلك كنتم من قبل الهجرة حين كنتم فيما بين الكفّار ، تأمنون

__________________

(١) في ب : يعرف.

(٢) في ب : أبو عبيد.

(٣) ينظر : تفسير الرازي ١١ / ٥.

(٤) في ب : الدنانير والدراهم.

(٥) في أ : ألقى.

(٦) في أ : لسانكم.

(٧) في أ : التكلم بهذه الكلمة.

(٨) في أ : هو.

(٩) في أ : تخفون.

(١٠) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٩ / ٨٣) عن سعيد بن جبير وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٣٥٩) وزاد نسبته لابن أبي شيبة وعبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم.

٥٧٩

من أصحاب رسول الله بكلمة «لا إله إلا الله» فاقبلوا منهم (١) مثل ذلك. وهذا يتوجه عليه الإشكال الأول. [قال ابن الخطيب](٢) والأقرب أن يقال : إنّ من ينتقل من دين إلى دين ، ففي أول الأمر يحدث ميل قليل بسبب ضعيف ، ثم لا يزال ذلك الميل يتأكد ويتقوّى إلى أن يكمل ويستحكم ويحصل الانتقال ؛ فكأنه قيل لهم : كنتم في أول الأمر إنما حدث فيكم ميل ضعيف بأسباب ضعيفة إلى الإسلام ، ثم منّ الله عليكم بالإسلام بتقوية ذلك الميل وتأكيد النّفرة عن الكفر ؛ فكذلك هؤلاء كما حدث فيهم ميل ضعيف إلى الإسلام بسبب هذا الخوف ، فاقبلوا منهم هذا الإيمان ، فإن الله ـ تعالى ـ يؤكد حلاوة الإيمان في قلوبهم ، ويقوّي تلك الرّغبة في صدورهم.

قوله ـ تعالى ـ : (فَمَنَّ اللهُ عَلَيْكُمْ) الظّاهر أن هذه الجملة من تتمّة قوله : (كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ) فهي معطوفة على الجملة قبلها ، والمعنى : إيمانكم كان مثل إيمانهم ، في أنّه إنّما عرف منكم بمجرّد القول اللّساني ، دون ما في القلب ، أو [في](٣) أنه كان في ابتداء الأمر (٤) حاصلا بسبب ضعيف ، ثم منّ الله عليكم : حيث قوى نور الإيمان في قلوبكم ، وحبّبه لكم وأثابكم على العمل به.

وقيل : بل هي من تتمّة قوله : «تبتغون» عرض الحياة الدّنيا ؛ وذلك لأنّ القوم لما قتلوا من تكلّم بلا إله إلا الله ، ثم إنّه ـ تعالى ـ نهاهم عن هذا الفعل وبيّن أنه من العزائم ؛ قال بعده : (فَمَنَّ اللهُ عَلَيْكُمْ) أي : منّ عليكم بأن قبل توبتكم من ذلك الفعل المنكر ، ثم أعاد الأمر بالتّبيين ؛ مبالغة في التّحذير ، فقال : «فتبينوا» قرئت (٥) كالتي قبلها ، فقيل : هي تأكيد لفظي للأولى.

وقيل : ليست للتأكيد ؛ لاختلاف متعلّقهما ، فإنّ تقدير الأوّل : «فتبيّنوا في أمر من تقتلونه» ، وتقدير الثّاني : فتبينوا نعمة الله أو تثبّتوا فيها ، والسّياق يدل على ذلك ، ولأنّ الأصل عدم التأكيد.

قوله : (إِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً) والجمهور على كسر همزة (إِنَّ اللهَ) ، وقرىء (٦) بفتحها على أنّها معمولة ل «تبينوا» ، أو على حذف لام العلّة ، وإن كان قد قرىء بالفتح مع التثبّت ، فيكون على لام العلّة لا غير.

والمراد منه : الوعيد والزّجر عن إظهار خلاف ما في الضّمير.

فصل : فيما إذا دخل الغزاة بلدا ووجدوا شعار الإسلام

إذا رأى الغزاة في بلد أو قرية شعار الإسلام ، فعليهم أن يكفّوا عنهم ، فإنّ النّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم

__________________

(١) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٣٥٩) وعزاه لعبد بن حميد عن قتادة.

(٢) سقط في أ.

(٣) سقط في ب.

(٤) في أ : الإسلام.

(٥) أي : فتثبتوا ـ بالثاء ـ وقد تقدمت.

(٦) ينظر : البحر المحيط ٣ / ٣٤٤ ، والدر المصون ٢ / ٤١٦.

٥٨٠