اللّباب في علوم الكتاب - ج ٥

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي

اللّباب في علوم الكتاب - ج ٥

المؤلف:

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي


المحقق: عادل أحمد عبد الموجود و علي محمّد معوّض
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 2-7451-2298-3
ISBN الدورة:
2-7451-2298-3

الصفحات: ٦٣٢

وقرأ أبو نهيك : «يتلوها» بالياء ـ من تحت (١) ـ وفيه احتمالان :

أحدهما : أن يكون الفاعل ضمير الباري ـ تعالى ـ لتقدّم ذكره في قوله : (آياتُ اللهِ) ولا التفات في هذا التقدير ، بخلاف قراءة العامة.

الثاني : أن يكون الفاعل ضمير جبريل.

قوله : (بِالْحَقِ) فيه وجهان :

الأول : ملتبسة بالحق والعدل من جزاء المحسن والمسيء بما يستوجبانه.

الثاني : بالحق ، أي : بالمعنى الحق ؛ لأن معنى المتلوّ حقّ.

قوله : (وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعالَمِينَ) اللام ـ في «للعالمين» ـ زائدة ـ لا تعلّق لها بشيء ، زيدت في مفعول المصدر وهو ظلم والفاعل محذوف ، وهو ـ في التقدير ـ ضمير الباري ، والتقدير : وما الله يريد أن يظلم العالمين ، فزيدت اللام ، تقوية للعامل ؛ لكونه فرعا ، كقوله : (فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ) [البروج : ١٦].

فصل

وقيل : معنى الكلام : وما الله يريد ظلم العالمين بعضهم لبعض ، وردّ هذا بأنه لو كان المراد هذا لكان التركيب ب «من» أولى منه باللام ، فكان يقال : ظلما من العالمين ، فهذا معنى ينبو عنه اللفظ. ونكر «ظلما» ؛ لأنه في سياق النفي ، فهو يعم كل أنواع الظلم ، وحسن ذكر الظلم ـ هنا ـ ، لأنه تقدم ذكر العقوبة الشديدة ، وهو تعالى أكرم الأكرمين ، فكأنه ـ تعالى ـ يعتذر عن ذلك ، فقال : إنهم إنما وقعوا في هذا العذاب بسبب أفعالهم.

فصل

قال الجبائي : هذه الآية تدل على أنه ـ تعالى ـ لا يريد شيئا من القبائح ، لا من أفعاله ، ولا من أفعال عباده ، ولا يفعل شيئا من ذلك ، لأن الظلم إما أن يفرض صدوره من الله ـ تعالى ـ أو من العبد ، وصدوره من العبد إما أن يظلم العبد نفسه بعصيانه ـ أو يظلم غيره ، فهذه الأقسام الثلاثة هي أقسام الظلم ، وقوله : (وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعالَمِينَ) نكرة في سياق النفي ، فوجب ألا يريد شيئا يكون ظلما ، سواء كان منه أو من غيره ، وإذا ثبت ذلك وجب أن لا يفعل الظلم أصلا ـ ويلزم منه أن يكون فاعلا لأعمال العباد ؛ لأن من جملة أعمالهم ظلمهم لأنفسهم ، وظلم بعضهم لبعض ، فثبت بهذه الآية أنه ـ تعالى ـ غير فاعل للظلم ، وغير فاعل لأعمال العباد ، وغير مريد للقبائح من أفعال العباد ، قالوا : ويؤيده قوله ـ بعد ذلك ـ : (وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) [آل عمران : ١٠٩] وإنما ذكر هذه الآية ـ عقيب ما تقدم ـ لوجهين :

__________________

(١) ينظر : المحرر الوجيز ١ / ٤٨٨ ، والبحر المحيط ٣ / ٢٨ ، والدر المصون ٢ / ١٨٥.

٤٦١

الأول : أنه لما ذكر أنه لا يريد الظلم والقبائح ، استدل عليه بأن فاعل القبيح ، إنما يفعل القبيح إما للجهل ، أو للعجز ، أو للحاجة ، وكل ذلك ـ على الله ـ محال ؛ لأنه مالك لكل ما في السموات وما في الأرض وهذه المالكية تنافي العجز والجهل والحاجة ، فامتنع كونه فاعلا للقبيح.

الثاني : أنه لما ذكر أنه لا يريد الظلم بوجه من الوجوه ، كان لقائل أن يقول : إنا نشاهد وجود الظلم في العالم ، فإذا لم يكن وقوعه بإرادة الله ـ تعالى ـ كان على خلاف إرادته ، فيلزم منه كونه ضعيفا عاجزا مغلوبا ، وذلك محال.

فأجاب الله ـ تعالى ـ بقوله : (وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) أي : أنه تعالى قادر على أن يمنع الظلم عن الظالم ـ على سبيل الإلجاء والقهر ـ وإذا كان قادرا على ذلك لا يكون عاجزا ، ضعيفا ؛ إلا أنه ـ تعالى ـ أراد منهم ترك المعصية ـ اختيارا ـ ليستحقوا الثواب ، فلو قهرهم على الترك لبطلت هذه الفائدة.

وأجيب بأن المراد من الآية أنه ـ تعالى ـ لا يريد أن يظلم أحدا من عباده.

وقوله : (وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) يدل على كونه خالقا لأفعال العباد ؛ لأن أفعال العباد من جملة ما في السموات وما في الأرض.

وأجاب الجبائي : بأن قوله : «ولله» إضافة ملك ، لا إضافة فعل ، ألا ترى أنه يقال : هذا البناء لفلان. ويريدون أنه مملوكه ، لا أنه مفعوله ، وأيضا فالمقصود من الآية تعظيم الله ـ تعالى ـ لنفسه ، وتمدّحه لإلهية نفسه ، ولا يجوز أن يتمدح بأن ينسب إلى نفسه الأفعال القبيحة ، وأيضا فقوله : (ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ ،) إنّما يتناول ما كان مظروفا في السموات والأرض ، وذلك من صفات الأجسام ، لا من صفات الأفعال التي هي أعراض.

وأجيب بأن هذه إضافة الفعل ؛ لأن القادر على الحسن والقبيح ، لا يرجح الحسن على القبيح إذا حصل في قلبه ما يدعوه إلى الفعل الحسن ، وتلك الداعية حاصلة بتخليق الله ـ تعالى ـ دفعا للتسلسل ، ولمّا كان المؤثّر في حصول فعل العبد هي مجموع القدرة والداعية بخلق الله ـ تعالى ـ ثبت أن فعل العبد مخلوق لله تعالى.

وقوله : (وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) المراد منه رجوع الخلق إلى حكمه وقضائه ، لا لحكم غيره.

قوله تعالى : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتابِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفاسِقُونَ)(١١٠)

في «كان» هذه ـ ستة أقوال :

٤٦٢

أحدها : أنها ناقصة على بابها ـ وإذا كانت كذلك ، فلا دلالة لها على مضيّ وانقطاع ، بل تصلح للانقطاع نحو : كان زيد قائما ، وتصلح للدوام ، كقوله : (وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً) [النساء : ٩٦] ، وقوله : (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً) [الإسراء : ٣٢] ، فهي ـ هنا ـ بمنزلة : لم يزل ، وهذا بحسب القرائن.

وقال الزمخشري : «كان عبارة عن وجود الشيء في زمن ماض ، على سبيل الإبهام ، وليس فيه دليل على عدم سابق ، ولا على انقطاع طارىء ، ومنه قوله تعالى : (وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً ،) وقوله : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) [آل عمران : ١١٠]. كأنه قيل : وجدتم خير أمة».

قال أبو حيان : قوله : «لم يدل على عدم سابق» ، هذا إذا لم يكن بمعنى : «صار» ، فإذا كان بمعنى : «صار» دلت على عدم سابق ، فإذا قلت : كان زيد عالما ـ بمعنى : صار زيد عالما ـ دل على أنه نقل من حالة الجهل إلى حالة العلم.

وقوله : «ولا على انقطاع طارىء» ، قد ذكرنا ـ قبل ـ أن الصحيح أنها كسائر الأفعال ، يدل لفظ المضيّ منها على الانقطاع ، ثم قد يستعمل حيث لا انقطاع ، وفرق بين الدلالة والاستعمال ؛ ألا ترى أنك تقول : «هذا اللفظ يدل على العموم» ثم قد يستعمل حيث لا يراد العموم ، بل يراد الخصوص.

وقوله : كأنه قيل : «وجدتم خير أمة» ، هذا يعارض قوله : إنها مثل قوله : (وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً ؛) لأن تقديره : وجدتم خير أمة يدل على أنها التامة ، وأن (خَيْرَ أُمَّةٍ) حال ، وقوله : «وكان الله غفورا رحيما» لا شك أنها ـ هنا ـ الناقصة ، فتعارضا.

قال شهاب الدين : «لا تعارض ؛ لأن هذا تفسير معنى ، لا إعراب».

الثاني : أنها بمعنى : «صرتم» ، و «كان» تأتي بمعنى : «صار» كثيرا.

كقوله : [الطويل]

١٥٧١ ـ بتيهاء قفر والمطيّ كأنّها

قطا الحزن قد كانت فراخا بيوضها (١)

أي : صارت فراخا.

الثالث : أنها تامة ، بمعنى : «وجدتم» ، و (خَيْرَ أُمَّةٍ) ـ على هذا منصوب على الحال ، أي : وجدتم على هذه الحال.

الرابع : أنها زائدة ، والتقدير : أنتم خير أمة ، وهذا قول مرجوح ، أو غلط ، لوجهين :

أحدهما : أنها لا تزاد أولا ، وقد نقل ابن مالك الاتفاق على ذلك.

__________________

(١) تقدم برقم برقم ٣٨٧.

٤٦٣

الثاني : أنها لا تعمل في «خير» مع زيادتها.

وفي الثاني نظر ، إذ الزيادة لا تنافي العمل ، لما تقدم عند قوله : «وما لنا الا تقاتل في سبيل الله»؟

الخامس : أنها على بابها ، والمراد : كنتم في علم الله ، أو في اللوح المحفوظ ، أو في الأمم السالفة ، مذكورين بأنكم خير أمة.

السادس : أن هذه الجملة متصلة بقوله : «ففي رحمة الله» ، أي : فيقال لهم يوم القيامة : «كنتم خير أمة» ، وهو بعيد جدّا.

قوله : (أُخْرِجَتْ) يجوز في هذه الجملة أن تكون في محلّ جرّ ؛ نعتا ل «أمة» ـ وهو الظاهر ـ وأن تكون في محل نصب ؛ نعتا ل «خير» ، وحينئذ يكون قد روعي لفظ الاسم الظاهر بعد وروده بعد ضمير الخطاب ، ولو روعي ضمير الخطاب لكان جائزا ـ أيضا ـ وذلك أنه إذا تقدم ضمير حاضر ـ متكلّما كان أو غائبا أو مخاطبا ـ ثم جاء بعده خبره اسما ظاهرا ، ثم جاء بعد ذلك الاسم الظاهر ما يصلح أن يكون وصفا له كان للعرب فيه طريقان :

أحدهما : مراعاة ذلك الضمير السابق ، فيطابقه بما في تلك الجملة الواقعة صفة للاسم الظاهر.

الثانية : مراعاة ذلك الاسم الظاهر ، فيبعد الضمير عليه منها غائبا ، وذلك كقولك : أنت رجل يأمر بالمعروف ، بالخطاب ، مراعاة ل «أنت» ، وبالغيبة ، مراعاة للفظ «رجل» ، وأنا امرؤ أقول الحق ـ بالمتكلم ؛ مراعاة ل «أنا» ويقول الحقّ ، مراعاة لامرىء ، وبالغيبة مراعة للفظ امرىء ، ومن مراعاة الضمير قوله تعالى : (بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ) [النمل : ٥٥] ، وقوله : (بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ) [النمل : ٤٧] ، وقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إنّك امرؤ فيك جاهليّة» (١).

وقول الشاعر : [الطويل]

١٥٧٢ ـ وأنت امرؤ قد كثّأت لك لحية

كأنّك منها قاعد في جوالق (٢)

ولو قيل : ـ في الآية الكريمة ـ : أخرجتم ؛ مراعاة ل «كنتم» لكان جائزا ـ من حيث

__________________

(١) أخرجه البخاري (١ / ٢٥) كتاب الإيمان باب المعاصي من أمر الجاهلية رقم (٣٠) وكتاب الأدب باب ما ينهى عنه من السباب رقم (٦٠٥٠) ومسلم كتاب الإيمان رقم (٣٨ ، ٣٩) والترمذي (١ / ٣٥٣) رقم (٢٨٧١) وأبو داود (٥١٥٨) وابن ماجه (٣٦٩٠) والبيهقي (٨ / ٧) وأحمد (٥ / ١٥٨ ، ١٦١) والبخاري في «الأدب المفرد» (١٨٩) والبغوي في «شرح السنة» (٧ / ٣٣٩) عن أبي ذر الغفاري.

(٢) ينظر الممتع ١ / ٧٠ والمنصف ١ / ١٦٥ وأمالي القالي ٢ / ٧٩ واللسان (كثأ) والبحر ٣ / ٣١ والصحاح ١ / ٦٧ والدر المصون ٢ / ١٨٦.

٤٦٤

اللفظ ـ ولكن لا يجوز أن يقرأ به ؛ لأن القراءة سنّة متّبعة ، فالأولى أن تجعل الجملة صفة ل «أمّة» ، لا ل «خير» ، لتناسب الخطاب في قوله : (تَأْمُرُونَ).

قوله : (لِلنَّاسِ) فيه أوجه :

أحدها : أن تتعلق ب (أُخْرِجَتْ) ومعناه : ما أخرج الله أمة خيرا من أمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وفي الحديث : «ألا وإنّ هذه الأمة توفّي سبعين أمة ، أنتم خيرها وأكرمها على الله تعالى»(١).

الثاني : أنه متعلق ب «خير» أي : أنتم خير الناس للناس.

قال أبو هريرة : معناه : كنتم خير الناس للناس ؛ تجيئون بهم في السلاسل ، فتدخلونهم في الإسلام (٢).

وقال قتادة : هم أمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم لم يؤمر نبيّ قبله بالقتال ، فهم يقاتلون الكفار ، فيدخلونهم في الإسلام (٣) ، فهم خير أمة للناس.

والفرق بينهما ـ من حيث المعنى ـ أنه لا يلزم أن يكونوا أفضل الأمم ـ في الوجه الثاني ـ من هذا اللفظ بل من موضع آخر.

الثالث : أنه متعلّق ـ من حيث المعنى ، لا من حيث الإعراب ، ب «تأمرون» على أن مجرورها مفعول به ، فلما تقدم ضعف العامل ، فقوّي بزيادة اللام ، كقوله : (إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ) [يوسف : ٤٣] أي : إن كنتم تعبرون الرؤيا.

قوله : (تَأْمُرُونَ) في هذه الجملة أوجه :

الأول : أنها خبر ثان ل «كنتم» ، ويكون قد راعى الضمير المتقدم ـ في «كنتم» ، ولو راعى الخبر لقال : يأمرون ـ بالغيبة ، وقد تقدم تحقيقه.

الثاني : أنها في محل نصب على الحال ، قاله الراغب وابن عطية.

الثالث : أنها في محل نصب ؛ نعتا ل (خَيْرَ أُمَّةٍ) ، وأتى بالخطاب لما تقدم ، قاله الحوفي.

الرابع : أنها مستأنفة ، بيّن بها كونهم خير أمة ، كأنه قيل : السبب في كونكم خير الأمم هذه الخصال الحميدة ، والمقصود بيان علة تلك الخيرية ـ كقولك : زيد كريم ؛

__________________

(١) أخرجه أحمد (٣ / ٦١) والترمذي (٣٠٠١) والطبري في «تفسيره» (٧ / ١٠٤) والحاكم (٤ / ٨٤) وذكره السيوطي في الدر المنثور (٢ / ١١٤) وزاد نسبته لعبد الرزاق وابن أبي حاتم وعبد بن حميد وابن المنذر وابن مردويه عن معاوية بن حيدة.

وقال الحاكم : صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.

(٢) أخرجه البخاري في «صحيحه» (٨ / ١٦٩) والطبري في «تفسيره» (٧ / ١٠٢) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ١١٣) وزاد نسبته للفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي هريرة.

(٣) ذكره البغوي في تفسيره ١ / ٣٤١.

٤٦٥

يطعم الناس ويكسوهم ـ لأن ذكر الحكم مقرونا بالوصف المناسب له يشعر بالعلّيّة ، فها هنا لما ذكر ـ عقيب الخيرية ـ أمرهم بالمعروف ، ونهيهم عن المنكر ، أوجب أن تكون تلك الخيرية لهذا السبب ، وهذا أغرب الأوجه.

فصل

في كيفية النظم وجهان :

أحدهما : أنه لما حذّر المؤمنين من أن يكونوا مثل أهل الكتاب ـ في التفرّق والاختلاف ، وذكر ثواب المطيعين ، وعقاب الكافرين ، وكان الغرض من ذلك حمل المؤمنين على الانقياد والطاعة ، أردفه بطريق آخر يقتضي الحمل على الانقياد والطاعة ، فقال : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ،) فاللائق بكم ألا تبطلوا على أنفسكم هذه الفضيلة المحمودة ، وإن كنتم منقادين للطاعات.

الثاني : أنه ـ تعالى ـ لما ذكر وعيد الأشقياء ، وتسويد وجوههم ـ ونبّه على السبب بقوله : (وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعالَمِينَ) يعني : أنهم إنما استحقّوا ذلك بأفعالهم القبيحة ؛ نبّه في هذه الآية على سبب وعد السعداء بقوله : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ) يعني : أن تلك السعادات التي فازوا بها في الآخرة ؛ لأنهم كانوا خير أمة أخرجت للناس.

قال عكرمة ، ومقاتل : نزلت في ابن مسعود ، وأبي بن كعب ، ومعاذ بن جبل ، وسالم مولي أبي حذيفة ، وذلك أن مالك بن الصيف ، ووهب بن يهوذا اليهوديّين قالا لهم : نحن أفضل منكم ، وديننا خير مما تدعوننا إليه. [فأنزل الله هذه الآية].

وروى الترمذيّ ـ عن بهز بن حكيم ، عن أبيه ، عن جده ـ أنه سمع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول ـ في قوله تعالى : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ) قال : «أنتم تتمّون سبعين أمّة ، أنتم خيرها وأكرمها على الله تعالى». قال : هذا حديث حسن. وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ) قال : هم الذين هاجروا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (١) إلى المدينة.

وقال جويبر ـ عن الضّحّاك ـ : هم أصحاب محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم خاصّة الدعاة والرواة الذين أمر الله المسلمين بطاعتهم (٢).

وروي عن عمر بن الخطاب ، قال : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) تكون لأولنا ، ولا تكون لآخرنا (٣).

__________________

(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٧ / ١٠١) والحاكم (٤ / ٧٦) وصححه أحمد (٢٤٦٣ ـ شاكر).

وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ١١٣) وزاد نسبته لعبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد والفريابي وابن أبي حاتم وابن المنذر والطبراني من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس.

وقال الحاكم : صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.

(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٧ / ١٠٢).

(٣) ذكره البغوي في تفسيره ١ / ٣٢١.

٤٦٦

وروي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «خيركم قرني ، ثمّ الّذين يلونهم ، ثمّ الّذين يلونهم ـ قال عمران بن حصين : لا أدري ، أذكر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعد قرنه قرنين أم ثلاثة؟ ـ ثم إن بعدكم قوما يخونون ولا يؤتمنون ، ويشهدون ولا يستشهدون ، وينذرون ولا يوفون ، ويظهر فيهم السمن» (١).

فصل

قال القفال : أصل الأمة : الطائفة المجتمعة على الشيء الواحد ، فأمة نبينا صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، هم الجماعة الموصوفون بالإيمان به ، والإقرار بنبوته ، وقد يقال ـ لكل من جمعته الدعوة ـ إنهم أمته ، إلا أن لفظ : «الأمة» إذا أطلقت وحدها ، وقع على الأول ، إلا أنه إذا قيل : أجمعت الأمة على كذا ، فهم منه الأول ، قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أمّتي لا تجتمع على ضلالة». وروي أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول ـ يوم القيامة ـ : «أمتي ، أمّتي» ، فلفظ «الأمة» في هذه المواضع وأشباهها ـ يفهم منه المقرّون بنبوته ، فأما أهل دعوته فإنهم إنما يقال لهم : أمّة الدعوة ، ولا يطلق عليهم لفظ «الأمة» إلا بهذا الشرط.

فصل

احتج بعض العلماء بهذه الآية على أن إجماع الأمة حجة من وجهين :

الأول : أنه ـ تعالى ـ قال : (وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ) [الأعراف : ١٥٩] ثم قال ـ في هذه الآية : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ ،) فوجب أن تكون ـ بحكم هذه الآية ـ هذه الأمة أفضل من تلك الأمة ، الذين يهدون بالحق من قوم موسى ، وإذا كان كذلك وجب أن تكون هذه الأمة لا تحكم إلا بالحق ، إذ لو جاز ـ في هذه الأمة ـ أن تحكم بما ليس بحقّ ، لامتنع كونهم أفضل من الأمة التي تهدي بالحق ؛ لأن المبطل لا يكون خيرا من الحقّ ، وإذا ثبت أن هذه الأمة لا تحكم إلا بالحق كان إجماعهم حجة.

الثاني : أن الألف واللام في لفظ : «المعروف» ، و «المنكر» ، يفيدان الاستقرار ، وهذا يقتضي كونهم آمرين بكل معروف ، وناهين عن كل منكر ، ومتى كانوا كذلك كان إجماعهم حقّا ، وصدقا ـ لا محالة ـ فكان حجّة.

__________________

(١) أخرجه البخاري (٧ / ٥) كتاب فضائل الصحابة (٣٦٥٠) ومسلم (٤ / ١٩٦٤) كتاب فضائل الصحابة (٢١٤ ـ ٢٥٣٥) والنسائي (٧ / ١٧ ـ ١٨) وأحمد (٤ / ٤٣٦) والبيهقي (١٠ / ٧٤ ، ١٢٣) والطبراني في «الكبير» (١٨ / ٢٣٣) والطحاوي في «مشكل الآثار» (٣ / ١٧٧) وأبو نعيم في «الحلية» (٨ / ٣٩١) والبيهقي في «دلائل النبوة» (٦ / ٥٥٢) والبغوي في «شرح السنة» (٧ / ١٧٠) عن عمران بن حصين مرفوعا.

وأخرجه مسلم (٤ / ١٩٦٤) كتاب فضائل الصحابة باب فضل الصحابة (٢١٥ ـ ٢٥٣٥) والترمذي (٤ / ٤٣٤) رقم (٢٢٢٢) وأبو داود (٤٦٥٧) وأحمد (٢ / ٢٢٨) والبيهقي (١٠ / ١٦٠) والطبراني (١٨ / ٢١٣) والبغوي في «شرح السنة» (٧ / ١٧٠ ـ ١٧١) عن عمران بن حصين مرفوعا بلفظ : خير أمتي القرن الذي بعثت فيهم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ... الخ.

٤٦٧

فإن قيل : الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، والإيمان بالله ، هذه الصفات الثلاث كانت حاصلة في سائر الأمم ، فمن أي وجه كانت هذه الأمة خير الأمم؟

والجواب : قال القفال : إن تفضيلهم على سائر الأمم الذين كانوا قبلهم إنما حصل لأجل أنهم يأمرون بالمعروف ، وينهون عن المنكر بآكد الوجوه ـ وهو القتال ـ : لأن الأمر بالمعروف قد يكون بالقلب وباللسان ، واليد ، وأقواها القتال ؛ لأنه إلقاء للنفس في خطر القتل ، وأعرف المعروفات الدين الحق ، والإيمان بالتوحيد والنبوة ، وأنكر المنكرات الكفر بالله ، فلما كان الجهاد في الدين تحملا لأعظم المضارّ ؛ لغرض إيصال الغير إلى أعظم المنافع ، وتخليصه من أعظم المضار ، وجب أن يكون الجهاد أعظم العبادات ، وهو في شرعنا أقوى منه في سائر الشرائع ـ فلا جرم ـ صار ذلك موجبا لفضل هذه الأمة على سائر الأمم.

وهذا معنى ما روي عن ابن عباس أنه قال في تفسير هذه الآية : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) تأمرونهم أن يشهدوا أن لا إله إلا الله ، ويقرّوا بما أنزل الله ، وتقاتلونهم عليه ، و «لا إله إلا الله» أعظم المعروف ، والتكذيب هو أنكر المنكر (١).

ثم قال القفال : فائدة : القتال على الدين لا ينكره منصف ، لأن أكثر الناس يحبون أديانهم بسبب الإلف والعادة ، ولا يتأملون في الدلائل الواردة عليهم ، فإذا أكره ـ بالتخويف بالقتل ـ على الدخول في الدين ، دخل فيه ، ثم لا يزال يضعف في قلبه ما كان من حب الباطل ، ويقوى حبّ الدين الحقّ في قلبه إلى أن ينتقل من الباطل إلى الحقّ ، ومن استحقاق العذاب الأليم إلى استحقاق الثواب الدائم ، والنعيم المقيم.

فإن قيل : لم قدم الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر على الإيمان بالله ، في الذكر ـ مع أن الإيمان بالله ـ لا بد وأن يكون مقدّما على كل الطاعات.

فالجواب : أن الإيمان بالله مشترك فيه بين جميع الأمم المحقّة ، ثم إنه ـ تعالى ـ ذكر أن فضل هذه الأمّة أقوى حالا ـ في الأمر بالمعروف ، والنّهي عن المنكر من سائر الأمم ، فالمؤثر ـ إذن ـ في هذه الخيرية هو الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، وأما الإيمان بالله فهو شرط لتأثير هذا المؤثر في هذا الحكم ؛ لأنه ما لم يوجد الإيمان لم يصر شيء من الطاعات وصفا من صفات الخيرية.

فإن قيل : لم اكتفى بذكر الإيمان بالله ولم يذكر الإيمان بالنبوة ، مع أنه لا بدّ منه؟

فالجواب : أنّ الإيمان بالله يستلزم الإيمان بالنبوة ، لأن الإيمان بالله لا يحصل إلا إذا حصل الإيمان بكونه صادقا ، والإيمان بكونه صادقا لا يحصل إلا إذا كان الذي أظهر

__________________

(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٧ / ١٠٥) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ١١٤) وزاد نسبته لابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في «الأسماء والصفات» عن ابن عباس رضي الله عنهما.

٤٦٨

المعجزة ، على وفق دعواه صادقا ؛ لأن المعجز قائم مقام التصديق بالقول ، فلما شاهد ظهور المعجز على وفق دعوى محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان من ضرورة الإيمان بالله الإيمان بنبوّة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم فكان الاقتصار على ذكر الإيمان بالله تنبيها على هذه الدقيقة.

قوله : (وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتابِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ) فيه وجهان :

أحدهما : لو آمن أهل الكتاب بهذا الذي حصلت به صفة الخيريّة لأتباع محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، لحصلت هذه الخيرية ـ أيضا ـ لهم.

الثاني : أن أهل الكتاب إنما آثروا دينهم ، حبّا للرياسة ، واستتباع العوام ، ولو آمنوا لحصلت لهم الرياسة في الدنيا مع الثواب العظيم في الآخرة ، فكان ذلك خيرا مما قنعوا به.

قوله : (لَكانَ خَيْراً) اسم «كان» ضمير يعود على المصدر المدلول عليه بفعله ، والتقدير لكان الإيمان خيرا لهم كقولهم : «من كذب كان شرا له» أي : كان الكذب شرا له ، كقوله تعالى : (اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى) [المائدة : ٨].

وقول الشاعر : [الوافر]

١٥٧٣ ـ إذا نهي السّفية جرى إليه

وخالف ، والسّفية إلى خلاف (١)

أي : جرى إليه السفه.

والمفضل عليه محذوف ، أي : خيرا لهم من كفرهم ، وبقائهم على جهلهم.

وقال ابن عطية : ولفظة «خير» صيغة تفضيل ، ولا مشاركة بين كفرهم وإيمانهم في الخير ، وإنما جاز ذلك لما في لفظه «خير» من الشياع وتشعب الوجوه ، وكذلك هي لفظة «أفضل» ، و «أحب» وما جرى مجراها.

قال أبو حيان : «وإبقاؤها على موضوعها الأصلي أولى ـ إذا أمكن ذلك ـ وقد أمكن ذلك ؛ إذ الخيرية مطلقة ، فتحصل بأدنى مشاركة».

قوله : (مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفاسِقُونَ) جملة مستأنفة ، سيقت للإخبار بذلك.

قال الزمخشريّ : «هما كلامان واردان على طريق الاستطراد ، عند إجراء ذكر أهل الكتاب ، كما يقول القائل ـ إذا ذكر فلانا ـ من شأنه كيت وكيت ـ ولذلك جاء من غير عاطف».

__________________

(١) البيت لأبي قيس بن الأسلت الأنصاري ينظر خزانة الأدب ٣ / ٣٦٤ ، ٢٢٦ ، ٢٢٧ ، ٢٢٨ ، والخصائص ٣ / ٢٤٩ ، والدرر ١ / ٢١٦ ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ٢٤٤ ، ومجالس ثعلب ص ٧٥ ، والمحتسب ١ / ١٧٠ ، وأمالي المرتضى ١ / ٢٠٣ ، والإنصاف ١ / ١٤٠ ، والأشباه والنظائر ٥ / ١٧٩ ، وهمع الهوامع ١ / ٦٥ ، والدر المصون ٢ / ١٨٧.

٤٦٩

الألف واللام في قوله : (الْمُؤْمِنُونَ) للعهد ، لا للاستغراق ، والمراد عبد الله بن سلام ورهطه من «اليهود» ، والنجاشي ورهطه من «النصارى».

فإن قيل : الوصف إنما يذكر للمبالغة ، فأي مبالغة تحصل في وصف الكافر بأنه فاسق؟

فالجواب : أن الكافر قد يكون عدلا في دينه ، وفاسقا في دينه ، فالفاسق في دينه يكون مردودا عند جميع الطوائف ؛ لأن المسلمين لا يقبلونه لكفره ، والكفّار لا يقبلونه لفسقه عندهم ، فكأنه قيل : أهل الكتاب فريقان : منهم من آمن ، والذين لم يؤمنوا فهم فاسقون في أديانهم ، فليسوا ممن يقتدى بهم ألبتة عند أحد من العقلاء.

قوله تعالى : (لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذىً وَإِنْ يُقاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ (١١١) ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ ما ثُقِفُوا إِلاَّ بِحَبْلٍ مِنَ اللهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ)(١١٢)

لمّا رغّب المسلمين في ترك الالتفات إلى أقوال الكفّار وأفعالهم بقوله : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ) ، رغّبهم ـ أيضا ـ من وجه آخر ، وهو أنه لا قدرة لهم على إضرار المسلمين ، إلا بالقليل من القول الذي لا عبرة به ، ولو أنهم قاتلوا المسلمين لانهزمت الكفار ، فلذلك لا يلتفت إلى أقوالهم وأفعالهم.

قال مقاتل : إن رؤوس اليهود عمدوا إلى من آمن منهم ـ عبد الله بن سلام وأصحابه ـ فآذوهم ، فنزلت هذه الآية (١).

قوله : (إِلَّا أَذىً) فيه وجهان :

أحدهما : أنه متصل ، وهو استثناء مفرّغ من المصدر العام ، كأنه قيل : لن يضروكم ضررا ألبتة إلا ضرر أذى لا يبالى به ـ من كلمة سوء ونحوها ـ إمّا بالطعن في محمد وعيسى ـ عليهما‌السلام ـ وإمّا بإظهار كلمة الكفر ـ كقولهم : عيسى ابن الله ، وعزير ابن الله ، وإن الله ثالث ثلاثة ، وإما بتحريف نصوص التوراة والإنجيل ، وإما بتخويف ضعفة المسلمين.

الثاني : أنه منقطع ، أي : لن يضروكم بقتال وغلبة ، لكن بكلمة أذى ونحوها.

قال بعض العلماء : وهذا بعيد ، لأن الوجوه المذكورة توجب وقوع الغمّ في قلوب المسلمين ، والغم ضرر. فالتقدير : لا يضروكم إلا الضرر الذي هو الأذى ، فهو استثناء صحيح ، والمعنى : لا يضروكم إلا ضررا يسيرا.

__________________

(١) ذكره القرطبي في «تفسيره» (٤ / ١١٢) عن مقاتل.

٤٧٠

قوله : (وَإِنْ يُقاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبارَ) هذا إخبار بأنهم لو قاتلوا المسلمين لانهزموا ، وخذلوا ، (ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ) أي : إنهم بعد صيرورتهم منهزمين لا يحصل لهم شوكة ، ولا قوة ـ ألبتة ـ ، ونظيره قوله تعالى : (وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبارَ) [الحشر : ١٢] ، وقوله : (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهادُ) [آل عمران : ١٢] ، وقوله : (نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ) [القمر : ٤٤ ـ ٤٥] ، وكل ذلك وعد بالفتح ، والنصر ، والظفر ، وهذه الآية اشتملت على الإخبار عن غيوب كثيرة.

منها : أن المؤمنين آمنون من ضررهم.

ومنها : أنهم لو قاتلوا المؤمنين لانهزموا.

ومنها : أنه لا يحصل لهم شوكة بعد الانهزام.

وكل هذه الأخبار وقعت كما أخبر الله عنها ، فإن اليهود لم يقاتلوا إلا انهزموا ، وما أقدموا على محاربة ، وطلب رئاسة إلا خذلوا ، وكل ذلك إخبار عن الغيب ، فيكون معجزا.

فإن قيل : هب أن اليهود كذلك ، لكن النصارى ليسوا كذلك ، وهذا يقدح في صحة هذه الآيات.

فالجواب : أنها مخصوصة باليهود ، لما روي في سبب النزول.

وقوله : (ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ) كلام مستأنف.

فإن قيل : لم كان قوله : (ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ) مستأنفا ، ولم يجزم ، عطفا على جواب الشرط؟

فالجواب : أنه لو جزم لتغيّر المعنى ؛ لأن الله ـ تعالى ـ أخبرهم بعدم نصرتهم ـ مطلقا ـ فلو عطفناه على جواب الشرط لزم تقييده بمقاتلتهم لنا ، بينما هم غير منصورين مطلقا ـ قاتلوا ، أو لم يقاتلوا. وزعم بعضهم أن المعطوف على جواب الشرط ب «ثم» لا يجوز جزمه ألبتة ، قال : لأن المعطوف على الجواب جواب ، وجواب الشرط يقع بعده وعقيبه ، و «ثم» يقتضي التراخي ، فكيف يتصور وقوعه عقيب الشرط؟ فلذلك لم يجزم مع «ثم».

وهذا فاسد جدّا ؛ لقوله تعالى : (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ) [محمد : ٣٨] ، ف «لا يكونوا» مجزوم نسقا على «يستبدل» الواقع جوابا للشرط ، والعاطف «ثمّ».

و «الأدبار» مفعول ثان ل «يولّوكم» ؛ لأنه تعدّى بالتضعيف إلى مفعول آخر.

فإن قيل : ما الذي عطف عليه قوله : (لا يُنْصَرُونَ؟)

فالجواب : هو جملة الشرط والجزاء ، كأنه قيل : أخبركم أنهم إن يقاتلوكم ينهزموا ، ثم أخبركم أنهم لا ينصرون. وإنما ذكر لفظ «ثمّ» ، لإفادة معنى التراخي في

٤٧١

المرتبة ، لأن الإخبار بتسليط الخذلان عليهم أعظم من الإخبار بتوليتهم الأدبار.

قوله : (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ) يعني : أن الذلة جعلت ملصقة بهم ، كالشيء الذي يضرب على الشيء فيلصق به ، ومنه قولهم : ما هذا عليّ بضربة لازب ومنه تسمية الخراج ضريبة. والذلة : هي الذل ، وفي المراد بها أقوال.

فقيل : إنها الجزية (١) ؛ وذلك ؛ لأن ضرب الجزية عليهم يوجب الذلة والصّغار.

وقيل : أن يحاربوا ، ويقتلوا ، وتقسّم أموالهم ، وتسبى ذراريهم ، وتملك أراضيهم ـ كقوله : (وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ) [البقرة : ١٩١] ، ثم قال تعالى : (إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللهِ) والمراد : إلّا بعهد من الله ، وعصمة ، وذمام من الله ومن المؤمنين ؛ لأن عند ذلك تزول هذه الأحكام.

وقيل : إن المراد بها أنك لا ترى فيهم ملكا قاهرا ولا رئيسا معتبرا ، بل هم مستخفون في جميع البلاد ، ذليلون ، مهينون.

قوله : (أَيْنَ ما ثُقِفُوا)، «أينما» اسم شرط ، وهي ظرف مكان ، و «ما» مزيدة فيها ، ف «ثقفوا» في محل جزم بها ، وجواب الشرط إما محذوف ـ أي : أينما ثقفوا غلبوا وذلّوا ، دلّ عليه قوله : (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ ،) وإما نفس «ضربت» ، عند من يجيز تقديم جواب الشرط عليه ، ف (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ) لا محل له ـ على الأول ، ومحله جزم على الثاني.

قوله : (إِلَّا بِحَبْلٍ) هذا الجار في محل نصب على الحال ، وهو استثناء مفرّغ من الأحوال العامة.

قال الزمخشري : «وهو استثناء من أعمّ عامّة الأحوال ، والمعنى : ضربت عليهم الذلة في عامة الأحوال ، إلا في حال اعتصامهم بحبل الله ، وحبل الناس ، فهو استثناء متصل».

قال الزجّاج والفرّاء : هو استثناء منقطع ، فقدره الفراء : إلا أن يعتصموا بحبل من الله ، فحذف ما يتعلق به الجار.

كقول حميد بن ثور الهلالي : [الطويل]

١٥٧٤ ـ رأتني بحبليها ، فصدّت مخافة

وفي الحبل روعاء الفؤاد ، فروق (٢)

__________________

(١) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ١١٥) وعزاه لابن المنذر عن الضحاك وأخرجه الطبري (٧ / ١١١) بنحوه عن الحسن وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ١١٥) عن الحسن وقتادة وزاد نسبته لابن أبي حاتم.

(٢) ينظر البيت في ديوانه (٢٥) وجامع البيان ٧ / ١١٣ ومفاتيح الغيب ٨ / ١٨٤ ومجمع البيان ٢ / ٦٧ ومعاني الفراء ١ / ٢٣٠ ، ٢ / ٢٨٨ واللسان (فرق) والبحر ٣ / ٣٣ والدر المصون ٢ / ١٨٨.

٤٧٢

أراد : أقبلت بحبليها ، فحذف الفعل ؛ للدلالة عليه.

ونظّره ابن عطية بقوله تعالى : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً) [النساء : ٩٢] قال : «لأن بادىء الرأي يعطي أن له أن يقتل خطأ ، وأن الحبل من الله ومن الناس يزيل ضرب الذلة ، وليس الأمر كذلك ، وإنّما في الكلام محذوف ، يدركه فهم السامع الناظر في الأمر ، وتقديره : ـ في أمتنا ـ فلا نجاة من الموت إلا بحبل».

قال أبو حيان (١) : «وعلى ما قدره لا يكون استثناء منقطعا ؛ لأنه مستثنى من جملة مقدّرة ، وهي : فلا نجاة من الموت ، وهو متصل على هذا التقدير ، فلا يكون استثناء منقطعا من الأول ضرورة أن الاستثناء الواحد لا يكون منقطعا ، متصلا ، والاستثناء المنقطع ـ كما قرره النحاة ـ على قسمين : منه ما يمكن أن يتسلط عليه العامل ، ومنه لا يمكن فيه ذلك ـ ومنه هذه الآية ـ على تقدير الانقطاع ـ إذ التقدير : لكن اعتصامهم بحبل من الله وحبل من الناس ينجيهم من القتل ، والأسر ، وسبي الذراري ، واستئصال أموالهم ؛ ويدل على أنه منقطع الإخبار بذلك في قوله تعالى ـ في سورة البقرة ـ : (وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ) [البقرة : ٦١] ، فلم يستثن هناك».

قال محمد بن جرير الطبري : «قد ضربت الذلة على اليهود ، سواء كانوا على عهد من الله أو لم يكونوا ، ولا يخرجون بهذا الاستثناء من الذلة إلى العزة ، فقوله : (إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللهِ) تقديره : لكن يعتصمون بحبل من الله وحبل من الناس».

قال ابن الخطيب : «وهذا ضعيف ؛ لأن حمل لفظ «إلّا» على «لكن» خلاف الظاهر ، وأيضا : إذا حملنا الكلام على أن المراد : لكن قد يعتصمون بحبل من الله ، وحبل من الناس ، لم يتم هذا القدر إلا بإضمار الشيء الذي يعتصمون بهذه الأشياء لأجل الحذر عنه ، والإضمار خلاف الأصل ، فلا يصار إلى هذه الأشياء إلا عند الضرورة ، فإذا كان لا ضرورة ـ هاهنا ـ إلى ذلك ، كان المصير إليه غير جائز ، بل هاهنا وجه آخر ، وهو أن تحمل الذّلّة على كل هذه الأشياء ـ أعني : القتل ، والأسر ، وسبي الذراري ، وأخذ المال ، وإلحاق الصغار ، والمهانة ، ويكون فائدة الاستثناء هو أنه لا يبقى مجموع هذه الأحكام ، وذلك لا ينافي بقاء بعض هذه الأحكام ، وهو أخذ القليل من أموالهم ـ المسمّى بالجزية ـ وبقاء المهانة والصغار فيهم».

وقال بعضهم الباء ـ في قوله : «بحبل» ـ بمعنى : «مع» ، كقولك : اخرج بنا نفعل كذا ـ أي : معنا ، والتقدير : إلا مع حبل من الله.

فصل

تقدم الكلام في أن المراد بالحبل : العهد.

__________________

(١) ينظر : البحر المحيط ٣ / ٣٣.

٤٧٣

فإن قيل : إنه عطف على حبل الله حبلا من الناس ، وذلك يقتضي المغايرة.

فالجواب : قال بعضهم : حبل الله هو الإسلام ، وحبل الناس هو العهد والذمة ، وهذا بعيد ؛ لأنه لو كان المراد ذلك ، لكان ينبغي أن يقال : أو حبل من الناس.

وقال آخرون : المراد بكلا الحبلين : العهد والذمة والأمان ، وإنما ذكر ـ تعالى ـ الحبلين ؛ لأن الأمان المأخوذ من المؤمنين ، هو الأمان المأخوذ بإذن الله تعالى.

قال ابن الخطيب : وهذا عندي ـ أيضا ـ ضعيف ، والذي عندي فيه أن الأمان للذميّ قسمان :

أحدهما : الذي نصّ الله عليه ، وهو أخذ الجزية.

الثاني : الذي فوض إلى رأي الإمام ، فيزيد فيه تارة ، وينقص بحسب الاجتهاد ، فالأول : هو المسمّى بحبل الله ، والثاني : هو المسمى بحبل المؤمنين.

قوله : (وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ) تقدم أن معناه : مكثوا ، ولبثوا ، وداموا في غضب الله ، مأخوذ من البوء ـ وهو المكان ومنه : تبوأ فلان منزل كذا ـ ومنه قوله تعالى : (وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ) [الحشر : ٩].

قوله : (وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ).

قال الحسن ، وأكثر المفسرين : المسكنة : الجزية ؛ لأنه لم يستثنها ، فدلّ ذلك على بقائها عليهم ، والباقي عليهم ليس إلا الجزية.

وقال آخرون : المسكنة : هي أن اليهودي يظهر من نفسه الفقر ، وإن كان موسرا (١).

وقال آخرون : هذا إخبار من الله بأنه جعل أموال اليهود رزقا للمسلمين ، فيصيروا مساكين (٢).

قوله : (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍ) بيّن العلة في إلصاق هذه الأمور المكروهة بهم ، وتقدم الكلام على مثل ذلك في سورة البقرة.

فإن قيل : فما الحكمة في قوله : (ذلِكَ بِما عَصَوْا ،) ولا يجوز أن يكون هذا التكرير للتأكيد ؛ لأن التأكيد يجب أن يكون بشيء أقوى من المؤكد ـ والعصيان أقل حالا من الكفر ـ فلا يؤكّد الكفر بالعصيان؟

فالجواب من وجهين :

الأول : أن علة الذلة ، والغضب ، والمسكنة ، هي : الكفر ، وقتل الأنبياء ، وعلة الكفر وقتل الأنبياء هي : المعصية ؛ لأنهم لما توغّلوا في المعاصي والذنوب ، وتزايدت

__________________

(١) ذكره الفخر الرازي في «التفسير الكبير (٨ / ١٦١).

(٢) انظر المصدر السابق.

٤٧٤

ظلمات المعاصي ـ حالا فحالا ، ضعف نور الإيمان حالا فحالا ـ إلى أن بطل نور الإيمان ، وحصلت ظلمة الكفر ، وإليه أشار بقوله : (كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ) [المططفين : ١٤] ، فقوله : (ذلِكَ بِما عَصَوْا) إشارة إلى العلة.

ولهذا المعنى قال الإمام أحمد ـ وقد سئل عن تارك السنن ، هل تقبل شهادته؟ ـ قال : ذلك رجل سوء ؛ لأنه إذا وقع في ترك السنن أدّى ذلك إلى ترك الفرائض ، وإذ وقع في ترك الفرائض ، وقع في استحقار الشريعة ، ومن ابتلي بذلك وقع في الكفر.

الثاني : أن يحمل قوله : (كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ) على أسلافهم ، وقوله : (ذلِكَ بِما عَصَوْا) في الحاضرين في زمن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فلا يلزم التكرار ، فكأنه ـ تعالى ـ بيّن عقوبة من تقدّم ، ثم بيّن أن المتأخر ـ لما تبع من تقدم ـ صار لأجل معصيته ، وعداوته مستوجبا لمثل عقوبتهم ، حتى يظهر للخلق ما أنزل الله بالفريقين.

قوله تعالى : (لَيْسُوا سَواءً مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ يَتْلُونَ آياتِ اللهِ آناءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (١١٣) يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَأُولئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ (١١٤) وَما يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ)(١١٥)

الظاهر في هذه أنّ الوقف على «سواء» تام ؛ فإن الواو اسم «ليس» و «سواء» خبر ، والواو تعود على أهل الكتاب المتقدم ذكرهم.

والمعنى : أنهم منقسمون إلى مؤمن وكافر ؛ لقوله : (مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفاسِقُونَ) [آل عمران : ١١٠] ، فانتفى استواؤهم.

و «سواء» ـ في الأصل ـ مصدر ، ولذلك وحّد ، وقد تقدم تحقيقه أول البقرة.

قال أبو عبيدة : الواو في «ليسوا» علامة جمع ، وليست ضميرا ، واسم «ليس» ـ على هذا ـ «أمة» و «قائمة» صفتها ، وكذا «يتلون» ، وهذا على لغة «أكلوني البراغيث».

كقول الآخر : [المتقارب]

١٥٧٥ ـ يلومونني في اشتراء النّخي

ل أهلي ، فكلّهم بعذل ألوم (١)

قالوا : وهي لغة ضعيفة ، ونازع السّهيليّ النحويين في كونها ضعيفة ، ونسبها بعضهم

__________________

(١) البيت لأمية بن أبي الصالت ينظر ديوانه ص ٤٨ ، والدرر ٢ / ٢٨٣ ، وشرح التصريح ١ / ٢٧٦ ، والأشباه والنظائر ٢ / ٣٦٣ ، وأوضح المسالك ٢ / ١٠٠ ، وسر صناعة الإعراب ٢ / ٦٢٩ ، وشرح الأشموني ١ / ١٧٠ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٧٨٣ ، وشرح ابن عقيل ص ٢٣٩ ، وشرح المفصل ٣ / ٨٧ ، ٧ / ٧ ، ومغني اللبيب ٢ / ٣٦٥ ، والمقاصد النحوية ٢ / ٤٦٠ ، وهمع الهوامع ١ / ١٦٠. والدر المصون ٢ / ١٨٩.

٤٧٥

إلى شنوءة ، وكثيرا ما جاء عليها الحديث ، وفي القرآن مثلها. وسيأتي تحقيقها في المائدة.

قال ابن عطية : وما قاله أبو عبيدة خطأ مردود ، ولم يبيّن وجه الخطأ ، وكأنه توهم أن اسم «ليس» هو (أُمَّةٌ قائِمَةٌ) فقط ، وأنه لا محذوف ثمّ ؛ إذ ليس الغرض تفاوت الأمة القائمة التالية ، فإذا قدّر ـ ثمّ ـ محذوف لم يكن قول أبي عبيدة خطأ مردودا إلا أن بعضهم رد قوله بأنها لغة ضعيفة وقد تقدم ما فيها. والتقدير الذي يصح به المعنى : أي : ليس سواء من أهل الكتاب أمة قائمة ، موصوفة بما ذكر ، وأمة كافرة ، فبهذا التقدير يصح به المعنى الذي نحا إليه أبو عبيدة.

وقال الفرّاء : إن الوقف لا يتم على «سواء» فجعل الواو اسم «ليس» ، و «سواء» خبرها ـ كما قال الجمهور ـ و «أمّة» مرتفعة ب «سواء» ارتفاع الفاعل ، أي : ليس أهل الكتاب مستويا ، من أهل الكتاب أمة قائمة ، موصوفة بما ذكر ، وأمة كافرة ، فحذفت هذه الجملة المعادلة ؛ لدلالة القسم الأول عليها ؛ فإن مذهب العرب إذا ذكر أحد الضدين ، أغنى عن ذكر الضّدّ الآخر.

قال أبو ذؤيب : [الطويل]

١٥٧٦ ـ دعاني إليها القلب إنّي لأمرها

سميع ، فما أدري أرشد طلابها؟ (١)

والتقدير : أم غي ، فحذف الغيّ ؛ لدلالة ضدّه عليه.

ومثله قول الآخر : [الطويل]

١٥٧٧ ـ أراك ، فما أدري أهمّ هممته

وذو الهم قدما خاشع متضائل (٢)

أي أهم هممته أم غيره؟ فحذف ؛ للدلالة ، وهو كثير.

قال الفراء : «لأن المساواة تقتضي شيئين» ، كقوله : (سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ) [الحج : ٢٥] ، وقوله : (سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ) [الجاثية : ٢١].

وقد ضعّف قول الفراء من حيث الحذف ، ومن حيث وضع الظاهر موضع المضمر ؛ إذ الأصل : منهم أمة قائمة ، فوضع أهل الكتاب موضع المضمر.

والوجه أن يكون (لَيْسُوا سَواءً) جملة تامة ، وقوله : (مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ) جملة برأسها ، وقوله : (يَتْلُونَ) جملة أخرى ، مبينة لعدم استوائهم ـ كما جاءت الجملة من قوله : (تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ) مبيّنة للخيريّة.

ويجوز أن يكون (يَتْلُونَ) في محل رفع ، صفة ل «أمّة».

__________________

(١) تقدم برقم ٨٠١.

(٢) ينظر معاني الفراء ١ / ٢٣١ والصناعتين (١٣٧) ومشكل ابن قتيبة (٢١٥) ومجمع البيان ٢ / ١٧١ وجامع البيان ٧ / ١١٩ والبحر المحيط ٣٤ / ٣٦ والدر المصون ٢ / ١٨٩.

٤٧٦

ويجوز أن يكون حالا من «أمّة» ؛ لتخصّصها بالنعت.

ويجوز أن يكون حالا من الضمير في «قائمة» ، وعلى كونها حالا من «أمّة» يكون العامل فيها الاستقرار الذي تضمنه الجار.

ويجوز أن يكون حالا من الضمير المستكن في هذا الجار ، لوقوعه خبرا ل «أمّة».

فصل

قال جمهور العلماء : المراد بأهل الكتاب : من آمن بموسى وعيسى عليهما‌السلام.

روى ابن عباس ، ومقاتل : أنه لما أسلم عبد الله بن سلام وأصحابه ، قال أحبار اليهود : ما آمن بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلا شرارنا ، ولو لا ذلك ما تركوا دين آبائهم ، لقد كفروا ، وخسروا ، فأنزل الله هذه الآية ؛ لبيان فضلهم (١).

وقيل : لما وصف أهل الكتاب ـ في الآيات المتقدمة ـ بالصفات المذمومة ، ذكر ـ في هذه الآية ـ أن كل أهل الكتاب ليسوا كذلك ، بل فيهم من يكون موصوفا بالصفات المحمودة المرضية.

قال الثوريّ : بلغني أنها نزلت في قوم كانوا يصلون بين المغرب والعشاء (٢).

وعن عطاء ، أنها نزلت في أربعين رجلا من أهل نجران ، واثنين وثلاثين من الحبشة ، وثلاثة من الروم ، كانوا على دين عيسى ، وصدقوا بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم وكان من الأنصار فيهم عدة ـ قبل قدوم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، منهم أسعد بن زرارة ، والبراء بن معرور ، ومحمد بن مسلمة ، وأبو قيس صرمة بن أنس ، كانوا موحّدين ، يغتسلون من الجنابة ، ويقومون بما عرفوا من شرائع الحنيفية ، حتى بعث الله لهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فصدّقوه ، ونصروه (٣).

وقال آخرون : المراد بأهل الكتاب : كل من أوتي الكتاب من أهل الأديان ـ والمسلمون من جملتهم ـ قال تعالى : (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا) [فاطر : ٣٢] ، ويؤيّد هذا ما روى ابن مسعود : أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أخّر صلاة العشاء ، ثم خرج إلى المسجد ، فإذا الناس ينتظرون الصلاة ، فقال : «أما إنه ليس أحد من أهل الأديان يذكر الله ـ تعالى ـ هذه السّاعة غيركم» وقرأ هذه الآية (٤).

__________________

(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٧ / ١٢٠ ـ ١٢١) والبيهقي في «دلائل النبوة» (٢ / ٥٣٤) والطبراني في «الكبير» كما في «مجمع الزوائد» (٦ / ٣٣٠) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ١١٥) وزاد نسبته لابن إسحاق وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن عساكر عن ابن عباس.

والأثر ذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (٦ / ٣٣٠) وقال : رواه الطبراني ورجاله ثقات.

(٢) ذكره الرازي في «التفسير الكبير» (٨ / ١٦٤) عن سفيان الثوري.

(٣) انظر المصدر السابق.

(٤) أخرجه أحمد (١ / ٣٩٦) والبزار (٣٧٥) وأبو يعلى (٩ / ٢٠٦ ـ ٢٠٧) رقم (٥٣٠٦) والطبري في ـ

٤٧٧

قال القفال : ولا يبعد أن يقال : أولئك الحاضرون كانوا نفرا من مؤمني أهل الكتاب الذين آمنوا بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأقاموا صلاة العتمة في الساعة التي ينام فيها غيرهم من أهل الكتاب الذين لم يؤمنوا.

ولا يبعد ـ أيضا ـ أن يقال : المراد : كلّ من آمن بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم فسمّاهم الله بأهل الكتاب ، كأنه قيل : أولئك الذين سموا أنفسهم بأهل الكتاب حالهم وصفتهم تلك الخصال الذميمة ، والمسلمون الذين سماهم الله بأهل الكتاب حالهم وصفتهم هكذا ، فكيف يستويان؟ فيكون الغرض ـ من هذه الآية ـ تقرير فضيلة أهل الإسلام ، تأكيدا لما تقدم من قوله : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) [آل عمران : ١١٠] ونظيره قوله : (أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ) [السجدة : ١٨] ، منهم (أُمَّةٌ قائِمَةٌ يَتْلُونَ آياتِ اللهِ) قيل : قائمة في الصلاة يتلون آيات الله ، فعبّر بذلك عن تهجّدهم.

وقال ابن عباس : مهتدية ، قائمة على أمر الله ـ تعالى ـ لم يضيّعوه ، ولم يتركوه (١).

قال الحسن : ثابتة على التمسّك بالدين الحق ، ملازمة له ، غير مضطربة ، كقوله تعالى : (إِلَّا ما دُمْتَ عَلَيْهِ قائِماً) [آل عمران : ٧٥].

قال مجاهد : «قائمة» أي : مستقيمة ، عادلة ـ من قولك : أقمت العود ـ فقام بمعنى: استقام.

وقيل : الأمّة : الطريقة ، ومعنى الآية : (مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ) أي : ذو أمة ، ومعناه: ذو طريقة مستقيمة ، والمراد ب (آياتِ اللهِ) : القرآن ، وقد يراد بها أصناف مخلوقاته الدالة على ذاته ، وصفاته ، والمراد هاهنا : الأول.

قوله : (آناءَ اللَّيْلِ) ظرف ل «يتلون» ، والآناء : الساعات ، واحده : أنى ـ بفتح الهمزة والنون ، بزنة عصا ـ أو إنى بكسر الهمزة ، وفتح النون ، بزنة معى ، أو أني ـ بالفتح والسكون بزنة ظبي ، أو إني ـ بالكسر والسكون ، بزنة نحي ـ أو إنو ـ بالكسر والسكون مع الواو ، بزنة جرو ـ فالهمزة في «آناء» منقلبة عن ياء ، على الأقوال الأربعة ـ كرداء ـ وعن واو على القول الأخير ، نحو كساء.

قال القفال : كأن التأنّي مأخوذ منه ، لأنه انتظار الساعات والأوقات ، وفي الحديث أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال للرجل الذي أخر المجيء إلى الجمعة ـ : «آذيت وآنيت» أي : دافعت الأوقات. وستأتي بقية هذه المادة في مواضعها.

__________________

ـ «تفسيره» (٧ / ١٢٧) عن ابن مسعود وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (١ / ٣١٢) ونسبه إلى أحمد وأبي يعلى والبزار والطبراني في «الكبير» وقال : ورجال أحمد ثقات ليس فيهم غير عاصم بن أبي النجود وهو مختلف في الاحتجاج به وفي إسناد الطبراني عبيد الله بن زحر وهو ضعيف.

والحديث ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ١١٦) وزاد نسبته لابن المنذر وابن أبي حاتم.

(١) ذكره البغوي في «تفسيره» ١ / ٣٥٩.

٤٧٨

ولا يجوز أن يكون «آناء الليل» ظرفا ل «قائمة».

قال أبو البقاء : «لأن «قائمة» قد وصفت ، فلا يجوز أن تعمل فيما بعد الصفة» ، وهذا على تقدير أن يكون «يتلون» وصفا ل «قائمة» ، وفيه نظر ؛ لأن المعنى ليس على جعل هذه الجملة صفة لما قبلها ، بل على الاستئناف للبيان المتقدم ، وعلى تقدير جعلها صفة لما قبلها ، فهي صفة ل «أمّة» ، لا ل «قائمة» ؛ لأن الصفة لا توصف إلا أن يكون معنى الصفة الثانية لائقا بما قبلها ، نحو : مررت برجل ناطق فصيح ، ففصيح صفة لناطق ؛ لأن معناه لائق به ، وبعضهم يجعله وصفا لرجل.

وإنما المانع من تعلّق هذا الظرف ب «قائمة» ما ذكرناه من استئناف جملته.

قوله : (وَهُمْ يَسْجُدُونَ) يجوز أن يكون حالا من فاعل «يتلون» أي : يتلون القرآن ، وهم ساجدون ، وهذا قد يكون في شريعتهم ـ مشروعية التلاوة في السجود ـ بخلاف شرعنا ، قال عليه‌السلام «ألا إنّي نهيت أن أقرأ القرآن راكعا ، أو ساجدا» ، وبهذا يرجح قول من يقول إنهم غير أمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

ويجوز أن يكون حالا من الضمير في «قائمة» قاله أبو البقاء.

وفيه ضعف ؛ للاستئناف المذكور.

وقيل : المراد بقوله : (وَهُمْ يَسْجُدُونَ) : أنهم يصلون ، والصلاة تسمى سجودا ، وركوعا ، وتسبيحا ، قال تعالى : (وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ ،) وقال : (فَسُبْحانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ) [الروم : ١٧] ، والمراد : الصلاة.

وقيل : (يَسْجُدُونَ) أي : يخضعون لله ؛ لأن العرب تسمّي الخضوع سجودا ، قال تعالى : (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) [النحل : ٤٩].

ويجوز أن تكون مستأنفة ، والمعنى : أنهم يقومون تارة ، ويسجدون تارة ، يبتغون الفضل والرحمة بأنواع ما يكون في الصلاة من الخضوع لله ، ونظيره قوله : (وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِياماً) [الفرقان : ٦٤].

قوله : (يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) إمّا استئناف ، وإما أحوال ، وجيء بالجملة الأولى اسمية ؛ دلالة على الاستقرار ، وصدّرت بضمير ، وثنّى عليه جملة فعلية ، ليتكرر الضمير ، فيزداد بتكراره توكيدا.

وجيء بالخبر مضارعا ؛ دلالة على تجدّد السجود في كل وقت ، وكذلك جيء بالجمل التي بعدها أفعالا مضارعة.

ويحتمل أن يكون (يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) خبرا ثانيا ، لقوله : «هم» ، ولذلك ترك العاطف ولو ذكره لكان جائزا.

٤٧٩

فصل

اعلم أن اليهود كانوا يقومون في الليل للتهجّد ، وقراءة التوراة ، فلما مدح المؤمنين بالتهجد وقراءة القرآن أردف ذلك بقوله : (يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ،) وقد تقدّم أن الإيمان بالله يستلزم الإيمان بجميع أنبيائه ورسله ، والإيمان باليوم الآخر يستلزم الحذر من المعاصي ، وهؤلاء اليهود كانوا ينكرون أنبياء الله ، ولا يحترزون عن معاصي الله ، فلم يحصل لهم الإيمان بالمبدأ أو المعاد.

قوله : (وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ).

قال ابن عباس : يؤمنون بتوحيد الله ، ونبوة صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وينهون عن الكفر.

وقيل : يأمرون بما ينبغي ، وينهون عمّا لا ينبغي.

وقوله : (وَيُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ) فيه وجهان :

أحدهما : يتبادرون إليها خوف الفوت بالموت.

فإن قيل : أليس أن العجلة مذمومة لقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «العجلة من الشّيطان ، والتأنّي من الرّحمن» (١) فما الفرق بين السرعة والعجلة؟

فالجواب : أن السرعة مخصوصة بأن يقدم ما ينبغي تقديمه ، والعجلة مخصوصة بأن يقدم ما لا ينبغي تقديمه فالمسارعة مخصوصة بفرط الرغبة فيما يتعلق بالدين ، لأن من رغب في الآخرة آثر الفور على التراخي ، قال تعالى : (وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ) [آل عمران : ١٣٣] ، والعجلة ـ أيضا ـ ليست مذمومة على الاطلاق ؛ لقوله تعالى : (وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى) [طه : ٨٤].

الوجه الثاني : يعملونها غير متثاقلين.

قوله : (وَأُولئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ) أي : الموصوفون بهذه الصفات من جملة الصالحين ، الذين صلحت أحوالهم عند الله ورضيهم ، وهذا غاية المدح من وجهين :

الأول : أن الله مدح بهذه الصفة أكابر الأنبياء ، فقال ـ بعد ذكر إسماعيل ، وإدريس ، وذي الكفل وغيرهم : (وَأَدْخَلْناهُمْ فِي رَحْمَتِنا إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ) [الأنبياء : ٨٦] ، وقال : (فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ) [التحريم : ٤].

__________________

(١) أخرجه البيهقي (١٠ / ١٠٤) وأبو يعلى (٧ / ٢٤٨) رقم (٤٢٥٦) وأبو بكر بن أبي شيبة في «مسنده» وأحمد بن منيع والحارث كما في «المطالب العالية» (٣ / ٣٥) رقم (٢٨١٢) عن أنس بن مالك.

وذكره الهيثمي «مجمع الزوائد» (٨ / ١٩) وقال رواه أبو يعلى ورجاله رجال الصحيح.

وله شاهد من حديث سهل بن سعد.

أخرجه الترمذي في «البر والصلة» (٢٠١٣) باب ما جاء في التأني والعجلة بلفظ : العجلة من الشيطان والأناة من الله.

وقال : حديث حسن.

٤٨٠