اللّباب في علوم الكتاب - ج ٥

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي

اللّباب في علوم الكتاب - ج ٥

المؤلف:

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي


المحقق: عادل أحمد عبد الموجود و علي محمّد معوّض
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 2-7451-2298-3
ISBN الدورة:
2-7451-2298-3

الصفحات: ٦٣٢

ثم قال : (قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللهِ).

قال ابن عباس : معناه : الدين دين الله (١) ، ونظيره : (قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدى) [الأنعام : ٧١] وبيان كيف صار هذا الكلام جوابا عما حكاه عنهم :

أما على الوجه الأول ـ وهو قولهم : لا دين إلا ما هم عليه ـ فهذا الكلام إنما صحّ جوابا عنهم من حيث إن الذي هم عليه ثبت دينا من جهة الله ـ تعالى ـ لأنه أمر به ، وأرشد إليه ، فإذا وجب الانقياد لغيره كان دينا يجب أن يتّبع ـ وإن كان مخالفا لما تقدّم ـ لأن الدين إنما صار دينا بحكمه وهدايته ، فحيثما كان حكمه وجب متابعته ، ونظيره قوله تعالى ـ جوابا لهم عن قوله : (ما وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها) [البقرة : ١٤٢] ـ قوله : (قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ) يعني : الجهات كلّها لله ، فله أن يحوّل القبلة إلى أيّ جهة شاء.

وعلى الوجه الثاني : المعنى : «إن الهدى الله» قد جئتكم به ، فلن ينفعكم في دفعه هذا الكيد الضعيف.

فصل

قوله تعالى : (وَلا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ) نقل ابن عطيّة الإجماع من أهل التأويل على أن هذا من مقول الطائفة ، وليس بسديد ، لما نقل من الخلاف ، وهل هي من مقول الطائفة أم من مقول الله تعالى ـ على معنى أن الله ـ تعالى ـ خاطب به المؤمنين ، تثبيتا لقلوبهم ، وتسكينا لجأشهم ؛ لئلا يشكّوا عند تلبيس اليهود عليهم وتزويرهم؟

[إذا كان من كلام طائفة اليهود ، فالظاهر أنه انقطع كلامهم ؛ إذ لا خلاف ، ولا شك أن قوله : (قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللهِ) من كلام الله مخاطبا لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم](٢).

قوله : (أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ مِثْلَ ما أُوتِيتُمْ أَوْ يُحاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ) اعلم أن هذه الآية من المشكلات ، فنقول : اختلف الناس في هذه الآية على وجوه :

الأول : أن قوله : (أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ) متعلق بقوله : (وَلا تُؤْمِنُوا) على حذف حرف الجر ، والأصل : ولا تؤمنوا بأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم إلا لمن تبع دينكم ، فلما حذف حرف الجر جرى الخلاف المشهور بين الخليل وسيبويه في محل «أن» ، ويكون قوله : (قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللهِ) جملة اعتراضية.

قال القفّال : يحتمل أن يكون قوله : (قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللهِ) كلاما أمر الله نبيه أن يقوله عند انتهاء الحكاية عن اليهود إلى هذا الموضع ؛ لأنه لما حكى عنهم في هذا الموضع قولا باطلا ـ لا جرم ـ أدب الله رسوله بأن يقابله بقول حقّ ، ثم يعود إلى حكاية تمام كلامهم ـ كما إذا حكى المسلم عن بعض الكفّار قولا فيه كفر ، فيقول ـ عند بلوغه

__________________

(١) ذكره الرازي في تفسيره ٨ / ٨٥.

(٢) سقط في أ.

٣٢١

إلى تلك الكلمة ـ : آمنت بالله ، أو يقول : لا إله إلا الله ، أو يقول : تعالى الله عن ذلك ، ثم يعود إلى تمام الحكاية ، فيكون قوله : (قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللهِ) من هذا الباب.

قال الزمخشريّ في تقرير هذا الوجه ـ وبه بدأ ـ : (وَلا تُؤْمِنُوا) متعلّق بقوله : (أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ) وما بينهما اعتراض ، أي : ولا تظهروا إيمانكم بأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم إلا لأهل دينكم دون غيرهم ، وأسرّوا تصديقكم بأن المسلمين قد أوتوا مثل ما أوتيتم ، ولا تفشوه إلا لأشياعكم ـ وحدهم ـ دون المسلمين ؛ لئلّا يزيدهم ثباتا ، ودون المشركين ؛ لئلا يدعوهم إلى الإسلام.

(أَوْ يُحاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ) عطف على (أَنْ يُؤْتى) والضمير في (يُحاجُّوكُمْ) ل (أَحَدٌ) لأنه في معنى الجميع ، بمعنى : ولا تؤمنوا لغير أتباعكم بأن المسلمين يحاجونكم عند ربكم بالحق ، ويغالبونكم عند الله ـ تعالى ـ بالحجّة.

فإن قلت : ما معنى الاعتراض؟

قلت : معناه : إن الهدى هدى الله ، من شاء يلطف به حتى يسلم ، أو يزيد ثباتا ، ولم ينفع كيدكم وحيلكم ، وذبّكم تصديقكم عن المسلمين والمشركين ، وكذلك قوله : (قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ) يريد الهداية والتوفيق.

قال شهاب الدين : «وهذا كلام حسن ، لو لا ما يريد بباطنه» ، وعلى هذا يكون قوله : (إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ) مستثنى من شيء محذوف ، تقديره : ولا تؤمنوا بأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم لأحد من الناس إلا لأشياعكم دون غيرهم ، وتكون هذه الجملة ـ أعني قوله : (وَلا تُؤْمِنُوا) من كلام الطّائفة المتقدمة ، أي وقالت طائفة كذا ، وقالت أيضا : ولا تؤمنوا ، وتكون الجملة من قوله : (قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللهِ) من كلام الله لا غير».

قال ابن الخطيب : وعندي أن هذا التفسير ضعيف من وجوه :

الأول : أن جدّ القوم في حفظ أتباعهم عن قبول دين محمّد صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان أعظم من جدهم في حفظ غير أتباعهم عنه ، فكيف يليق أن يوصي بعضهم بعضا بالإقرار بما يدل على صحة دين محمّد صلى‌الله‌عليه‌وسلم عند أتباعهم ، وأشياعهم ، وأن يمتنعوا من ذلك عند الأجانب؟ هذا في غاية البعد.

الثاني : أن على هذا التقدير لا بد من الحذف ؛ فإن التقدير : قل إن الهدى هدى الله ، وإنّ الفضل بيد الله ، ولا بدّ من حذف قل في قوله : (قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللهِ).

الثالث : أنه كيف وقع قوله : (قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللهِ) فيما بين جزأي كلام واحد؟

هذا في غاية البعد عن الكلام المستقيم.

الوجه الثاني : أن اللام زائدة في (لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ) وهو مستثنى من «أحد» المتأخّر ، والتقدير : ولا تصدقوا أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم إلا من تبع دينكم ، ف (لِمَنْ تَبِعَ)

٣٢٢

منصوب على الاستثناء من «أحد» ، وعلى هذا الوجه جوّز أبو البقاء في محل (أَنْ يُؤْتى) ثلاثة أوجه :

الأول والثاني : مذهب الخليل وسيبويه ، وقد تقدّما.

الثالث : النصب على المفعول من أجله ، تقديره : مخافة أن يؤتى.

وهذا الوجه الثالث ـ لا يصح من جهة المعنى ، ولا من جهة الصناعة ، أمّا المعنى فواضح وأما الصناعة فإن فيه تقديم المستثنى على المستثنى منه ، وعلى عامله ، وفيه ـ أيضا ـ تقديم ما في صلة أن عليها ، وهو غير جائز.

الوجه الثالث : أن يكون (أَنْ يُؤْتى) مجرورا بحرف العلة ـ وهو اللام ـ والمعلّل محذوف ، تقديره لأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم قلتم ذلك ، ودبّرتموه ، لا لشيء آخر ، وقوله : (إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ) معناه : ولا تؤمنوا هذا الإيمان الظاهر ـ وهو إيمانكم وجه النّهار ـ (إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ ،) إلا لمن كانوا تابعين لدينكم ممن أسلموا منكم ؛ لأن رجوعهم كان أرجى عندهم من رجوع من سواهم ، ولأن إسلامهم كان أغبط لهم ، وقوله : (أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ) معناه : لأن يؤتى مثل ما أوتيتم قلتم ذلك ، ودبرتموه ، لا لشيء آخر ، يعني أن ما بكم من الحسد والبغي ، أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم من فضل العلم والكتاب دعاكم إلى أن قلتم ما قلتم ، والدليل عليه قراءة ابن كثير (١) : أأن يؤتى أحد؟ ـ بزيادة همزة الاستفهام ، والتقرير ، والتوبيخ ـ بمعنى : ألأن يؤتى أحد؟

فإن قلت : ما معنى قوله : (أَوْ يُحاجُّوكُمْ) على هذا؟

قلت : معناه : دبرتم ما دبرتم لأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم ، ولما يتصل به عند كفركم به في محاجتهم [لكم] عند ربكم.

الوجه الرابع : أن ينتصب (أَنْ يُؤْتى) بفعل مقدّر ، يدل عليه : (وَلا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ) كأنه قيل : (قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللهِ) فلا تنكروا أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم. ف «لا تنكروا» ناصب ل «أن» وما في حيّزها ؛ لأن قوله : (وَلا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ) إنكار لأن يؤتى أحد مثل ما أوتوا.

قال أبو حيّان : وهذا بعيد ؛ لأنه فيه حذف حرف النهي وحذف معموله ، ولم يحفظ ذلك من لسانهم.

قال شهاب الدين (٢) : «متى دلّ على العامل دليل جاز حذفه على أي حالة كان».

الوجه الخامس : أن يكون (هُدَى اللهِ) بدلا من «الهدى» الذي هو اسم «إنّ» ويكون

__________________

(١) ينظر : السبعة ٢٠٧ ، والكشف ١ / ١٤٧ ، والحجة ٣ / ٥٢ ، وحجة القراءات ١٦٥ ، وإعراب القراءات ١ / ١١٤ ، والعنوان ٨٠ ، وشرح الطيبة ٤ / ١٦٠ ، وإتحاف فضلاء البشر ١ / ٤٨٢.

(٢) ينظر : الدر المصون ٢ / ١٣٧.

٣٢٣

خبر (أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ ،) والتقدير : قل إنّ هدى الله أن يؤتى أحد ، أي إن هدى الله آتيا أحدا مثل ما أوتيتم ، ويكون «أو» بمعنى «حتى» ، والمعنى : حتى يحاجوكم عند ربكم ، فيغلبوكم ويدحضوا حجّتكم عند الله ، ولا يكون (أَوْ يُحاجُّوكُمْ) معطوفا على (أَنْ يُؤْتى) وداخلا في خبر إن.

الوجه السادس : أن يكون (أَنْ يُؤْتى) بدلا من (هُدَى اللهِ) ويكون المعنى : قل بأن الهدى هدى الله ، وهو أن يؤتى أحد كالذي جاءنا نحن ، ويكون قوله : (أَوْ يُحاجُّوكُمْ) بمعنى فليحاجوكم ، فإنهم يغلبونكم ، قال ابن عطية : وفيه نظر ؛ لأن يؤدي إلى حذف حرف [النهي](١) وإبقاء عمله.

الوجه السابع : أن تكون «لا» النافية مقدّرة قبل (أَنْ يُؤْتى) فحذفت ؛ لدلالة الكلام عليها ، وتكون «أو» بمعنى «إلّا أن» والتقدير : ولا تؤمنوا لأحد بشيء إلا لمن تبع دينكم بانتفاء أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم إلا من تبع دينكم ، وجاء بمثله ، فإن ذلك لا يؤتى به غيركم إلا أن يحاجوكم ، كقولك : لألزمنك أو تقضيني حقي.

وفيه ضعف من حيث حذف «لا» النافية ، وما ذكروه من دلالة الكلام عليها غير ظاهر.

الوجه الثامن : أن يكون (أَنْ يُؤْتى) مفعولا من أجله ، وتحرير هذا القول أن يجعل قوله: (أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ مِثْلَ ما أُوتِيتُمْ أَوْ يُحاجُّوكُمْ) ليس داخلا تحت قوله : «قل» بل هو من تمام قول الطائفة ، متصل بقوله : ولا تؤمنوا إلا لمن جاء بمثل دينكم مخافة أن يؤتى أحد من النّبوّة والكرامة مثل ما أوتيتم ، ومخافة أن يحاجّوكم بتصديقكم إياهم عند ربكم إذا لم تستمروا عليه ، وهذا القول منهم ثمرة حسدهم وكفرهم ـ مع معرفتهم بنبوة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

ولما قدر المبرد المفعول من أجله ـ هنا ـ قدر المضاف : كراهة أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم ، أي : مما خالف دين الإسلام ؛ لأن الله لا يهدي من هو كاذب كفّار ، فهدى الله بعيد من غير المؤمنين والخطاب في (أُوتِيتُمْ) و (يُحاجُّوكُمْ) لأمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

واستضعف بعضهم هذا ، وقال : كونه مفعولا من أجله ـ على تقدير : كراهة ـ يحتاج إلى تقدير عامل فيه ويصعب تقديره ؛ إذ قبله جملة لا يظهر تعليل النسبة فيها ، بكراهة الإيتاء المذكور.

الوجه التاسع : أن «أن» المفتوحة تأتي للنفي ـ كما تأتي «لا» ، نقله بعضهم أيضا عن الفراء ، وجعل «أو» بمعنى «إلا» ، والتقدير : لا يؤتى أحد ما أوتيتم إلا أن يحاجّوكم ، فإن إيتاءه ما أوتيتم مقرون بمغالبتكم أو محاجتكم عند ربكم ؛ لأن من آتاه الله الوحي لا بدّ أن يحاجهم عند ربهم ـ في كونهم لا يتبعونه ـ فقوله : (أَوْ يُحاجُّوكُمْ) حال لازمة من

__________________

(١) في ب : الأمر.

٣٢٤

جهة المعنى ؛ إذ لا يوحي الله لرسول إلا وهو يحاجّ مخالفيه. وهذا قول ساقط ؛ إذ لم يثبت ذلك من لسان العرب.

فصل

«أحد» يجوز أن تكون ـ في الآية الكريمة ـ من الأسماء الملازمة للنفي ، وأن تكون بمعنى «واحد» والفرق بينهما أن الملازمة للنفي همزته أصلية ، والذي لا يلزم النفي همزته بدل من واو فعلى جعله ملازما للنفي يظهر عود الضمير عليه جمعا ؛ اعتبارا بمعناه ؛ إذ المراد به العموم ، وعليه قوله : (فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ) [الحاقة : ٤٧] ـ جمع الخبر لما كان «أحد» في معنى الجميع ـ وعلى جعله غير اللازم للنفي يكون جمع الضمير في (يُحاجُّوكُمْ) باعتبار الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأتباعه.

وبعض الأوجه المتقدمة يصح أن يجعل فيها «أحد» ـ المذكور ـ الملازم للنفي ، وذلك إذا كان الكلام على معنى الجحد ، وإذا كان الكلام على معنى الثبوت ـ كما مرّ في بعض الوجوه فيمتنع جعله الملازم للنفي. والأمر واضح مما تقدم.

فصل

قرأ ابن كثير (١) : أأن يؤتى ـ بهمزة استفهام ـ وهو على قاعدته من كونه يسهل الثانية بين بين من غير مدة بينهما ، وخرّجت هذه القراءة على وجوه :

أحدها : أن يكون (أَنْ يُؤْتى) على حذف حرف الجر ـ وهو لام العلة ـ والمعلّل محذوف تقديره : ألأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم قلتم ذلك ودبّرتموه ـ وتقدم تحقيقه ـ وهذه اللفظة موضوعة للتوبيخ ، كقوله تعالى : (أَنْ كانَ ذا مالٍ وَبَنِينَ إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) [القلم : ١٤ ـ ١٥] ، والمعنى : أمن أجل أن يؤتى أحد شرائع مثل ما أوتيتم من الشرائع تنكرون اتباعه؟ ثم حذف الجواب ، للاختصار ، تقديره : أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم يا معشر اليهود من الكتاب والحكمة تحسدونه ، ولا تؤمنون به ، قاله قتادة والربيع (٢) ، وهذا الحذف كثير ؛ يقول الرجل ـ بعد طول العتاب لصاحبه ، وتعديده عليه ذنوبه بعد قلة إحسانه إليه ـ : أمن قلة إحساني إليك؟ أمن إساءتي إليك؟ والمعنى : أمن هذا فعلت ما فعلت؟ ونظيره : (أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ) [الزمر : ٩] ، وهذا الوجه يروى عن مجاهد وعيسى بن عمر. وحينئذ يسوغ في محل «أن» الوجهان ـ أعني النصب ـ مذهب سيبويه ـ والجر مذهب الخليل.

__________________

(١) ينظر القراءة السابقة.

(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٥١٤) عن قتادة والربيع وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٧٦) عن قتادة وزاد نسبته لعبد بن حميد وابن المنذر.

٣٢٥

وثانيها : أن (أَنْ يُؤْتى) في محل رفع بالابتداء ، والخبر محذوف ، تقديره : أأن يؤتى أحد ـ يا معشر اليهود ـ من الكتاب والعلم مثل ما أوتيتم تصدقون به ، أو تعترفون به ، أو تذكرونه لغيركم ، أو تشيعونه في الناس ، ونحو ذلك مما يحسن تقديره ، وهذا على قول من يقول : أزيد ضربته؟ وهو وجه مرجوح ، كذا قدره الواحديّ تبعا للفارسيّ وأحسن من هذا التقدير لأن الأصل أإتيان أحد مثل ما أوتيتم ممكن أو مصدق به.

الثالث : أن يكون منصوبا بفعل مقدّر يفسّره هذا الفعل المضمر ، وتكون المسألة من باب الاشتغال ، التقدير : أتذكرون أن يؤتى أحد تذكرونه؟ ف «تذكرونه» مفسّر ل «تذكرون» الأولى ، على حد : أزيدا ضربته؟ ثم حذف الفعل الأخير ؛ لدلالة الكلام عليه ، وكأنه منطوق به ، ولكونه في قوة المنطوق به صحّ له أن يفسّر مضمرا وهذه المسألة منصوص عليها ، وهذا أرجح من الوجه قبله ، لأنه مثل : أزيدا ضربته وهو أرجح ، لأجل الطالب للفعل ، ومثل حذف هذا الفعل المقدّر لدلالة ما قبل الاستفهام عليه حذف الفعل في قوله تعالى : (آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ) [يونس : ٩١] تقديره : آلآن آمنت ، ورجعت وثبت ، ونحو ذلك.

قال الواحديّ : فإن قيل : كيف جاز دخول «أحد» في هذه القراءة ، وقد انقطع من النفي ، والاستفهام ، وإذا انقطع الكلام ـ إيجابا وتقريرا ـ فلا يجوز دخول «أحد».

قيل : يجوز أن يكون «أحد» ـ في هذا الموضع ـ أحدا الذي في نحو أحد وعشرين ، وهذا يقع في الإيجاب ، ألا ترى أنه بمعنى «واحد».

قال أبو العباس : إن «أحدا» و «وحدا» و «واحدا» بمعنى.

وقوله : (أَوْ يُحاجُّوكُمْ ،) أو في هذه القراءة ـ بمعنى «حتى» ، ومعنى الكلام : أأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم تذكرونه لغيركم حتى يحاجّوكم عند ربكم.

قال الفراء : «ومثله في الكلام : تعلّق به أو يعطيك حقّك.

ومثله قول امرىء القيس : [الطويل]

١٥١٤ ـ فقلت له : لا تبك عينك إنّما

نحاول ملكا أو نموت فنعذرا (١)

أي حتى ، ومن هذا قوله تعالى : (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ) ، ومعنى

__________________

(١) ينظر البيت في شرح أبيات سيبويه ٢ / ٥٩ ، وخزانة الأدب ٤ / ٤١٢ ، ٨ / ٥٤٤ ، ٥٤٧ ، وشرح المفصل ٧ / ٢٢ ، ٣٢ والصاحبي في فقه اللغة ص ١٢٨ ، والكتاب ٣ / ٤٧ ، واللامات ص ٦٨ ، والمقتضب ٢ / ٢٨ ، وأمالي ابن الحاجب ١ / ٣١٣ ، والجنى الداني ص ٢٣١ ، والخصائص ١ / ٢٦٣ ، ورصف المباني ص ١٣٣ ، وشرح الأشموني ٣ / ٥٥٨ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٦٤٤ ، واللمع ص ٢١١ ، والدر المصون ٢ / ١٣٩.

٣٢٦

الآية : ما أعطي أحد مثل ما أوتيتم ـ يا أمة محمد ـ من الدين والحجّة حتى يحاجوكم عند ربكم» ، قال : «فهذا وجه ، وأجود منه أن تجعله عطفا على الاستفهام ، والمعنى : أأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم أو يحاجّكم أحد عند الله تصدقونه؟». وهذا كله معنى قول أبي علي الفارسي.

ويجوز أن يكون (أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ) منصوبا بفعل مقدّر لا على سبيل التفسير ، بل لمجرد الدلالة المعنوية ، تقديره : أتذكرون ، أو أتشيعونه. ذكره الفارسي أيضا ، وهذا هو الوجه الرابع.

الخامس : أن يكون (أَنْ يُؤْتى) ـ في قراءته ـ مفعولا من أجله على أن يكون داخلا تحت القول لا من قول الطائفة ، وهو أظهر من جعله من قول الطّائفة.

قال ابن الخطيب : «أما قراءة من يقصر الألف من «أن» فقد يمكن إيضاحها على معنى الاستفهام ، كما قرىء : (سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ) [البقرة : ٦] ـ بالمد والقصر ـ وكذا قوله تعالى : (أَنْ كانَ ذا مالٍ وَبَنِينَ) [القلم : ١٤] قرىء (١) بالمد والقصر.

وقال امرؤ القيس : [المتقارب]

١٥١٥ ـ تروح من الحيّ أم تبتكر

وماذا عليك بأن تنتظر؟ (٢)

أراد : أتروح؟ فحذف ألف الاستفهام ؛ لدلالة «أم» عليه ، وإذا ثبت أن هذه القراءة محتملة لمعنى الاستفهام كان التقدير ما شرحناه في القراءة الأولى.

وقد ضعف الفارسيّ قراءة ابن كثير ، فقال : [«وهذا موضع ينبغي أن ترجّح فيه قراءة غير ابن كثير على قراءة ابن كثير](٣) ؛ لأن الأسماء المفردة ليس بالمستمر فيها أن تدلّ على الكثرة».

وقرأ الأعمش وشعيب (٤) بن أبي حمزة : إن يؤتى ـ بكسر الهمزة ـ وخرّجها الزمخشريّ على أنها «إن» النافية ، فقال : وقرىء : «إن يؤتى أحد» على «إن» النافية ، وهو متصل بكلام أهل الكتاب ، أي : «ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم» وقولوا لهم : ما يؤتى أحد مثل ما أوتيتم حتى يحاجوكم عند ربكم ، يعني ما يؤتون مثله فلا يحاجونكم.

قال ابن عطية : «وهذه القراءة تحتمل أن يكون الكلام خطابا من الطائفة القائلة ،

__________________

(١) ستأتي في القلم آية ١٤.

(٢) ينظر البيت في ديوانه ص ١٥٤ ، والأزهية ص ٣٧ ، ولسان العرب (عيد) ، ورصف المباني ص ٤٥.

(٣) سقط في أ.

(٤) ينظر : الكشاف ١ / ٣٧٤ ، والمحرر الوجيز ١ / ٤٥٦ ، والبحر المحيط ٢ / ٥٢١ ، والدر المصون ٢ / ١٣٩.

٣٢٧

ويكون قولها : أو يحاجوكم بمعنى : أو فليحاجّوكم ، وهذا على التصميم على أنه لا يؤتى أحد مثل ما أوتيتم ، أو يكون بمعنى إلا أن يحاجوكم ، وهذا على تجويز أن يؤتى أحد ذلك إذا قامت الحجة له» ، فقد ظهر ـ على ما ذكره ابن عطية ـ أنه يجوز في «أو» ـ في هذه القراءة ـ أن تكون على بابها من كونها للتنويع والتخيير ، وأن تكون بمعنى «إلا» إلا أن فيه حذف حرف الجزم ، وإبقاء عمله وهو لا يجوز ، وعلى قول غيره تكون بمعنى «حتّى».

وقرأ الحسن : أن يؤتي أحد ـ على بناء الفعل للفاعل ـ ولما نقل بعضهم هذه القراءة لم يتعرّض ل «أن» ـ بفتح ولا بكسر ـ كأبي البقاء ، وابن عطية ، وقيّدها بعضهم بكسر «أن» وفسّرها بإن النافية ، والظاهر في معناه أن إنعام الله تعالى لا يشبهه إنعام أحد من خلقه ، وهي خطاب من النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لأمته ، والمفعول المحذوف ، تقديره : إن يؤتي أحد أحدا مثل ما أوتيتم ، فحذف المفعول الأول ، وهو أحد ؛ لدلالة المعنى عليه ، وأبقى الثاني ، فيكون قول اليهود وقد تم عند قوله : (إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ) وما بعده من قول الله تعالى ، يقول : «قل» يا محمد إن (الْهُدى هُدَى اللهِ أَنْ يُؤْتى) «إن» بمعنى الجحد ، أي : ما يؤتى أحد مثل ما أوتيتم يا أمة محمد ، أو يحاجوكم ، يعني : إلا أن يجادلكم اليهود بالباطل ، فيقولوا : نحن أفضل منكم وهذا معنى قول سعيد بن جبير والحسن والكلبيّ ومقاتل (١) وهذا ملخّص كلام الناس في هذه الآية مع اختلافهم.

قال الواحدي : «وهذه الآية من مشكلات القرآن ، وأصعبه تفسيرا ؛ ولقد تدبّرت أقوال أهل التفسير ، والمعاني في هذه الآية ، فلم أجد قولا يطّرد في الآية ، من أوّلها إلى آخرها ، مع بيان المعنى في النظم».

فصل

قال بعض المفسّرين : هذا من قول الله ـ تعالى ـ ، يقول : «قل» لهم يا محمد : (إِنَّ الْهُدى هُدَى اللهِ) بأن أنزل كتابا مثل كتابكم ، وبعث نبيّا حسدتموه ، وكفرتم به ، (قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ) وقوله : (أَوْ يُحاجُّوكُمْ) ـ على هذا ـ رجوع إلى خطاب المؤمنين ، وتكون «أو» بمعنى «إن» لأنهما حرفا شرط وجزاء ، ويوضع أحدهما موضع الآخر ، وإن يحاجّوكم ـ يا معشر المؤمنين ـ عند ربكم فقل يا محمد ، إنّ الهدى هدى الله ، ونحن عليه. ويجوز أن يكون الجميع خطابا للمؤمنين ، ويكون نظم الآية : إن يؤت أحد مثل ما أوتيتم ـ يا معشر المؤمنين ـ يحسدوكم ، فقل : إن الفضل بيد الله ، وإن حاجّوكم فقل : إنّ الهدى هدى الله.

ويجوز أن يكون الخبر عن اليهود قد تم عند قوله تعالى : (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) وقوله :

__________________

(١) تقدم.

٣٢٨

(وَلا تُؤْمِنُوا) من كلام الله تعالى ـ كما تقدم ـ ثبّت به قلوب المؤمنين ؛ لئلا يشكّوا عند تلبيس اليهود ، وتزويرهم في دينهم ، ومعناه : لا تصدّقوا يا معشر المؤمنين إلا من تبع دينكم ، ولا تصدقوا أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم من الدين والفضل ، ولا تصدّقوا أن يحاجّوكم في دينكم عند ربكم ، أو يقدروا على ذلك ؛ فإنّ الهدى هدى الله ، والفضل بيد الله يؤتيه من يشاء ، والله واسع عليم ، فتكون الآية كلّها خطاب الله ـ تعالى ـ مع المؤمنين.

و «الفضل» ـ هنا ـ الرسالة ، وهو ـ في اللغة ـ عبارة عن الزيادة ، وأكثر ما يستعمل في زيادة الإحسان ، والفاضل : الزائد على غيره [في خصال الخير ، ثم كثر استعمال الفضل حتى صار لكل نفع قصد به فاعله الإحسان إلى الغير](١) ، وقوله : (بِيَدِ اللهِ) معناه : أنه مالك له ، يؤتيه من يشاء ، أي : هو تفضّل موقوف على مشيئته ، وهذا يدل على أن النبوة تحصل بالتفضّل ، لا بالاستحقاق ؛ لأنه جعلها من باب الفضل الذي لفاعله أن يفعله ، وأن لا يفعله.

الواسع : الكامل القدرة ، والعليم : الكامل العلم ، فلكمال قدرته يصح أن يتفضل على أيّ عبد شاء بأي تفضّل شاء ، ولكمال علمه لا يكون شيء من أفعاله إلا على وجه الحكمة والصواب.

قوله : (يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ) أي : يختص بنبوته من يشاء ، وهذا كالتأكيد لما تقدّم ، والفرق بين هذه الآية والتي قبلها أن الفضل عبارة عن الزيادة من جنس المزيد عليه ، والرحمة المضافة إلى الله ـ تعالى ـ أمر أعلى من ذلك الفضل ، فربّما بلغت هذه الرحمة إلى أن لا تكون من جنس ما آتاهم ، بل يكون أعلى وأجلّ من ذلك (وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ).

قوله تعالى : (وَمِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ ما دُمْتَ عَلَيْهِ قائِماً ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لَيْسَ عَلَيْنا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ)(٧٥)

لما حكى خيانتهم في باب الدّين ذكرها ـ أيضا ـ في الأموال.

قوله : «من» مبتدأ ، و (مِنْ أَهْلِ) خبره ، قدّم عليه ، و «من» إما موصولة ، وإما نكرة. و (إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ يُؤَدِّهِ) هذه الجملة الشرطية ، إما صلة ، فلا محل لها ، وإما صفة فمحلّها الرفع.

وقرأ بعضهم : تئمنه ، وما لك لا تئمنا [يوسف : ١١]. بكسر حرف

__________________

(١) سقط في أ.

٣٢٩

المضارعة ، وكذلك ابن مسعود والأشهب والعقيلي ، إلا أنهما أبدلا الهمزة ياء.

وجعل ابن عطية ذلك لغة قريش ، وغلّطه أبو حيّان وقد تقدّم الكلام في كسر حرف المضارعة ، وشرطه في الفاتحة (١) يقال : أمنته بكذا ، وعلى كذا ، فالباء للإلصاق بالأمانة ، و «على» بمعنى استيلاء المودع على الأمانة.

وقيل : معنى : أمنته بكذا ، وثقت به فيه ، وأمنته عليه : جعلته أمينا عليه.

والقنطار والدينار : المراد بهما العدد الكثير ، والعدد القليل ، يعني : أن فيهم من هو في غاية الأمانة ، حتى أنه لو ائتمن على الأموال الكثيرة أدّى الأمانة فيها ، ومنهم من هو في غاية الخيانة ، حتى لو ائتمن على الشيء القليل فإنه يخون فيه.

واختلف في القنطار ، فقيل : ألف ومائتان أوقية ؛ لأن الآية نزلت في عبد الله بن سلام ، حين استودعه رجل من قريش ألفا ومائتي أوقية من الذهب ، فردّه ، ولم يخن فيه (٢).

وروي عن ابن عباس أنه ملء جلد ثور من المال.

وقيل : ألف ألف دينار ، أو ألف ألف درهم ـ وقد تقدم ـ.

والدينار : أصله : دنّار ـ بنونين ـ فاستثقل توالي مثلين ، فأبدلوا أولهما حرف علة ، تخفيفا ؛ لكثرة دوره في لسانهم ، ويدل على ذلك ردّه إلى النونين ـ تكسيرا وتصغيرا ـ في قولهم : دنانير ودنينير.

ومثله قيراط ، أصله : قرّاط ، بدليل قراريط وقريريط ، كما قالوا : تظنّيت ، وقصّصت أظفاري ، يريدون : تظنّنت وقصّصت ـ بثلاث نونات وثلاث صادات ـ والدّينار معرّب ، قالوا : ولم يختلف وزنه أصلا وهو أربعة وعشرون قيراطا ، كل قيراط ثلاث شعيرات معتدلات ، فالمجموع اثنان وسبعون شعيرة.

وقرأ أبو عمرو وحمزة وأبو بكر عن عاصم «يؤدّه» بسكون الهاء في الحرفين.

وقرأ قالون «يؤدّه» بكسر الهاء من دون صلة ، والباقون بكسرها موصولة بياء (٣) ، وعن هشام وجهان :

أحدهما : كقالون ، والآخر كالجماعة.

أما قراءة أبي عمرو ومن معه فقد خرّجوها على أوجه ، أحسنها أنه سكنت هاء الضمير ، إجراء للوصل مجرى الوقف وهو باب واسع مضى منه شيء ـ نحو : (يَتَسَنَّهْ) [البقرة : ٢٥٩] و (أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ) [البقرة : ٢٥٨] وسيأتي منه أشياء إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) ينظر كلامه عند آية (٥) من سورة الفاتحة.

(٢) ذكره الرازي في «التفسير الكبير» (٨ / ٨٨ ـ ٨٩).

(٣) ينظر : السبعة ٢٠٧ ، والكشف ١ / ٣٤٩ ، وحجة القراءات ١٦٦ ، ١٦٧ ، وإعراب القراءات ١١٤ ـ ١١٦ ، والعنوان ٨٠ ، وإتحاف ١ / ٤٨٢.

٣٣٠

وأنشد ابن مجاهد على ذلك : [البسيط]

١٥١٦ ـ وأشرب الماء ما بي نحوه عطش

إلّا لأنّ عيونه سيل واديها (١)

وأنشد الأخفش : [الطويل]

١٥١٧ ـ فبتّ لدى البيت العتيق أخيله

ومطواي مشتاقان له أرقان (٢)

إلا أن هذا يخصّه بعضهم بضرورة الشعر ، وليس كما قال ، لما سيأتي.

وقد طعن بعضهم على هذه القراءة ، فقال الزّجّاج : هذا الإسكان الذي روي عن هؤلاء غلط بيّن ؛ وأن الفاء لا ينبغي أن تجزم ، وإذا لم تجزم فلا تسكن في الوصل ، وأما أبو عمرو فأراه كان يختلس الكسرة ، فغلط عليه كما غلط عليه في «باريكم». وقد حكى عنه سيبويه ـ وهو ضابط لمثل هذا ـ أنه كان يكسر كسرا خفيا ، يعني يكسر في «بارئكم» كسرا خفيّا ، فظنه الراوي سكونا.

قال شهاب الدين : وهذا الرد من الزجّاج ليس بشيء لوجوه :

منها : أنه فرّ من السكون إلى الاختلاس ، والذي نصّ على أن السكون لا يجوز نص على أنّ الاختلاس ـ أيضا ـ لا يجوز إلا في ضرورة ، بل جعل الإسكان في الضرورة أحسن منه في الاختلاس ، قال : ليجرى الوصل مجرى الوقف إجراء كاملا ، وجعل قوله :

[البسيط]

١٥١٨ ـ ...........

إلّا لأن عيونه سيل واديها (٣)

أحسن من قوله : [البسيط]

١٥١٩ ـ ...........

ما حجّ ربّه في الدّنيا ولا اعتمرا (٤)

حيث سكن الأول ، واختلس الثاني.

__________________

(١) ينظر خزانة الأدب ٥ / ٢٧٠ ، ٦ / ٤٥٠ ، والخصائص ١ / ١٢٨ ، ٣١٧ ، ٢ / ١٨ ، والدرر ١ / ١٨٢ ، ورصف المباني ص ١٦ ، وسر صناعة الإعراب ٢ / ٧٢٧ ، ولسان العرب (ها) ، والمحتسب ١ / ٢٤٤ ، والمقرب ٢ / ٢٠٥ ، وهمع الهوامع ١ / ٥٩ ، والدر المصون ٢ / ١٤٠.

(٢) البيت ليعلى بن الأحول الأزدي ينظر خزانة الأدب ٥ / ٢٦٩ ، ٢٧٥ ، ولسان العرب (مطا) ٤٧٧٢ (ها) ، والخصائص (١ / ١٢٨ ، ٣٧٠) ، ورصف المباني ص ١٦ ، وسر صناعة الإعراب ٢ / ٧٢٧ ، والمحتسب ١ / ٢٤٤ ، والمقتضب ١ / ٢٣٩ ، ٢٦٧ ، والمنصف ٣ / ٨٤. والدر المصون ٢ / ١٤٠.

(٣) عجز بيت وصدره :

وأشرب الماء ما بي نحوه عطش

ينظر خزانة الأدب ٥ / ٢٧٠ ، ٦ / ٤٥٠ والخصائص ١ / ١٢٨ ، ٣١٧ ، ٢ / ١٨ والدرر ١ / ١٨٢ ورصف المباني ص ١٦ وسر صناعة الإعراب ٢ / ٧٢٧ واللسان (ها) والمحتسب ١ / ٢٤٤ والمقرب ٢ / ٢٠٥ وهمع الهوامع ١ / ٥٩.

(٤) تقدم برقم ٤١٢.

٣٣١

ومنها أن هذه لغة ثابتة عن العرب حفظها الأئمة الأعلام كالكسائي والفراء ـ حكى الكسائيّ عن بني عقيل وبني كلاب (إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ) [العاديات : ٦] ـ بسكون الهاء وكسرها من غير إشباع ـ.

ويقولون : له مال ، وله مال ـ بالإسكان والاختلاس.

قال الفراء : من العرب من يجزم الهاء ـ إذا تحرّك ما قبلها ـ نحو ضربته ضربا شديدا ، فيسكنون الهاء كما يسكنون ميم «أنتم» و «قمتم» وأصلها الرفع.

وأنشد : [الرجز]

١٥٢٠ ـ لمّا رأى أن لا دعه ولا شبع

مال إلى أرطاة حقف فالطجع (١)

قال شهاب الدين : وهذا عجيب من الفرّاء ؛ كيف ينشد هذا البيت في هذا المعرض ؛ لأن هذه الفاء مبدلة من تاء التأنيث التي كانت ثابتة في الوصل ، فقلبها هاء ساكنة في الوصل ؛ إجراء له مجرى الوقف وكلامنا إنما هو في هاء الضمير لا في هاء التأنيث ؛ لأن هاء التأنيث لا حظّ لها في الحركة ألبتة ، ولذلك امتنع رومها وإشمامها في الوقف ، نصّوا على ذلك ، وكان الزجاج يضعّف في اللغة ، ولذلك رد على ثعلب ـ في فصيحه ـ أشياء أنكرها عن العرب ، فردّ الناس عليه ردّه ، وقالوا : قالتها العرب ، فحفظها ثعلب ولم يحفظها الزجّاج. فليكن هذا منها.

وزعم بعضهم أن الفعل لما كان مجزوما ، وحلت الهاء محلّ لامه جرى عليها ما يجري على لام الفعل ـ من السكون للجزم ـ وهو غير سديد.

وأما قراءة قالون فأنشدوا عليها قول الشاعر : [الوافر]

١٥٢١ ـ له زجل كأنّه صوت حاد

إذا طلب الوسيقة أو زمير (٢)

وقول الآخر : [الطويل]

١٥٢٢ ـ أنا ابن كلاب وابن أوس فمن يكن

قناعة مغطيّا فإنّي لمجتلى (٣)

وقول الآخر : [البسيط]

١٥٢٣ ـ أو معبر الظّهر ينبي عن وليّته

ما حجّ ربّه في الدّنيا ولا اعتمرا (٤)

__________________

(١) البيت لمنظور بن حبة الأسدي. ينظر الخصائص ١ / ٦٣ ـ ٢٦٣ وابن يعيش ٩ / ٨٢ واللسان (رطا) والمحتسب ١ / ١٢٤ ومعاني الفراء ١ / ٣٨٨ وأوضح المسالك ٣ / ٣١٣ والمقرب ٢ / ١٧٩ والمنصف ٢ / ٣٢٩ وتذكرة النحاة ص ٣٠ وضرائر الشعر ص ٣٠ وشرح الشافية ٢ / ٢٨٠ وشرح الجمل ٢ / ٥٩٣ والدر المصون ٢ / ١٤١.

(٢) تقدم برقم ٤١١.

(٣) ينظر البيت في الإنصاف (٩٨) واللسان (غطى) ومعاني القرآن للفراء ١ / ٢٢٣ والدر المصون ٢ / ١٤١.

(٤) تقدم برقم ٤١٢.

٣٣٢

وقد تقدم أنها لغة عقيل ، وكلاب أيضا ، وأما قراءة الباقين فواضحة وقرأ الزهريّ «يؤدّهو» بضم الهاء بعدها واو ، وهذا هو الأصل في هاء الكتابة ، وقرأ سلّام (١) كذلك إلا أنه ترك الواو فاختلس ، وهما نظيرتا قراءتي «يؤدهي» و (يُؤَدِّهِ ـ) بالإشباع والاختلاس مع الكسر واعلم أن هذه الهاء متى جاءت بعد فعل مجزوم ، أو أمر معتلّ الآخر ، جرى فيها هذه الأوجه الثلاثة أعني السكون والإشباع والاختلاس ـ كقوله : (نُؤْتِهِ مِنْها) [آل عمران : ١٤٥] وقوله : (يَرْضَهُ لَكُمْ) وقوله : (ما تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ) [النساء : ١١٥] ، وقوله : (فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ) [النمل : ٢٨] وقد جاء ذلك في قراءة السبعة ـ أعني : الأوجه الثلاثة ـ في بعض هذه الكلمات وبعضها لم يأت فيه إلا وجه ـ وسيأتي مفصّلا في مواضعه إن شاء الله. وليس فيه أن الهاء التي للكناية متى سبقها متحرّك فالفصيح فيها الإشباع ، نحو «إنّه ، له ، به» ، وإن سبقها ساكن ، فالأشهر الاختلاس ـ سواء كان ذلك الساكن صحيحا أو معتلا ـ نحو فيه ، منه وبعضهم يفرق بين المعتلّ والصحيح وقد تقدم ذلك أول الكتاب.

إذا علم ذلك فنقول : هذه الكلمات ـ المشار إليها ـ إن نظرنا إلى اللفظ فقد وقعت بعد متحرّك ، فحقها أن تشبع حركتها موصولة بالياء ، أو الواو ، وإن سكنت فلما تقدم من إجراء الوصل مجرى الوقف. وإن نظرنا إلى الأصل فقد سبقها ساكن ـ وهو حرف العلة المحذوف للجزم ـ فلذلك جاز الاختلاس ، وهذا أصل نافع مطرد في جميع هذه الكلمات.

قوله (بِدِينارٍ) في هذه الباء ثلاثة أوجه :

أحدها : أنها للإلصاق ، وفيه قلق.

الثاني : أنها بمعنى «في» ولا بد من حذف مضاف ، أي : في حفظ قنطار ، وفي حفظ دينار.

الثالث : أنها بمعنى «على» وقد عدّي بها كثيرا ، كقوله : (ما لَكَ لا تَأْمَنَّا عَلى يُوسُفَ) [يوسف : ١١] وقوله : (هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَما أَمِنْتُكُمْ عَلى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ) [يوسف : ٦٤] وكذلك هي في (بِقِنْطارٍ).

قوله : (إِلَّا ما دُمْتَ عَلَيْهِ قائِماً) استثناء مفرّغ من الظرف العام ؛ إذ التقدير : لا يؤده إليك في جميع المدد والأزمنة إلا في مدة دوامك قائما عليه ، متوكّلا به و «دمت» هذه هي الناقصة ، ترفع وتنصب ، وشرط إعمالها أن يتقدمها ما الظرفية كهذه الآية إذ التقدير إلا مدة دوامك [ولا ينصرف ، فأما قولهم : «يدوم» فمضارع «دام» التامة بمعنى بقي ، ولكونها صلة ل «ما» الظرفية] لزم أن يكون بحاجة إلى كلام آخر ، ليعمل في الظرف نحو

__________________

(١) ينظر : البحر المحيط ٢ / ٥٢٤ ، والدر المصون ٢ / ١٤٢.

٣٣٣

أصحبك ما دمت باكيا ولو قلت ما دام زيد قائما من غير شيء لم يكن كلاما.

وجوز أبو البقاء في «ما» هذه أن تكون مصدرية فقط ، وذلك المصدر ـ المنسبك منها ومن دام ـ في محل نصب على الحال ، وهو استثناء مفرّغ ـ أيضا ـ من الأحوال المقدّرة العامة ، والتقدير : إلا في حال ملازمتك له ، وعلى هذا ، فيكون «دام» هنا تامة ؛ لما تقدم من أن تقدّم الظرفية شرط في إعمالها ، فإذا كانت تامة انتصب «قائما» على الحال ، يقال : دام يدوم ـ كقام يقوم ـ و «دمت قائما» بضم الفاء وهذه لغة الحجاز ، وتميم يقولون : دمت ـ بكسرها ـ وبها قرأ أبو عبد الرحمن وابن وثّاب والأعمش وطلحة والفياض بن غزوان (١) وهذه لغة تميم ، ويجتمعون في المضارع ، فيقولون : يدوم يعني : أن الحجازيين والتميميين اتفقوا على أن المضارع مضموم العين ، وكان قياس تميم أن تقول يدام كخاف يخاف ـ فيكون وزنها عند الحجازيين فعل ـ بفتح العين ـ وعند التميمين فعل بكسرها هذا نقل الفراء.

وأما غيره فنقل عن تميم أنهم يقولون : دمت أدام ـ كخفت أخاف ـ نقل ذلك أبو إسحاق وغيره كالراغب الأصبهاني والزمخشري.

وأصل هذه المادة : الدلالة على الثبوت والسكون ، يقل : دام الماء ، أي سكن. وفي الحديث : «لا يبولن أحدكم في الماء الدائم» وفي بعضه بزيادة : الذي لا يجري ، وهو تفسير له ، وأدمت القدر ، ودومتها سكنت غليانها بالماء ، ومنه : دام الشيء ، إذا امتدّ عليه الزمان ، ودوّمت الشمس : إذا وقعت في كبد السماء.

قال ذو الرمة : [البسيط]

١٥٢٤ ـ ...........

والشّمس حيرى لها في الجوّ تدويم (٢)

هكذا أنشد الراغب هذا الشطر على هذا المعنى ، وغيره ينشده على معنى أن الدوام يعبّر به عن الاستدارة حول الشيء ، ومنه الدوام ، وهو الدّوار الذي يأخذ الإنسان في دماغه ، فيرى الأشياء دائرة. وأنشد معه ـ أيضا ـ قول علقمة به عبدة : [البسيط]

١٥٢٥ ـ تشفي الصّداع ولا يؤذيك ساليها

ولا يخالطها في الرّأس تدويم (٣)

__________________

(١) انظر : الكشاف ١ / ٣٧٥ ، والمحرر الوجيز ١ / ٤٥٨ ، والبحر المحيط ٢ / ٥٢٥ ، والدر المصون ٢ / ١٤٣.

(٢) هذا عجز بيت صدره :

معروريا رمض الرضراض يركضه

ينظر ديوانه (٤١٨) واللسان (دوم) وأساس البلاغة ص ٤٤٩ ، والمفردات في غريب القرآن ص ١٧٧ والبحر ٢ / ٥٢٢ والدر المصون ٢ / ١٤٣.

(٣) ينظر البيت في ديوانه ٦٩ والبحر ١ / ١٦١ والمفضليات ٤٠٢.

٣٣٤

ومنها : دوّم الطائر ، إذا حلّق ودار.

قوله : «عليه» متعلق ب «قائما» وفي المراد بالقيام ـ هنا ـ وجهان :

الأول : الحقيقة ، وهو أن يقوم على رأس غريمه ، ويلازمه بالمطالبة ، وإن أخّره أنكر.

قال القرطبيّ : استدل أبو حنيفة على مذهبه في ملازمة الغريم بقوله تعالى : (إِلَّا ما دُمْتَ عَلَيْهِ قائِماً) وأباه سائر العلماء واستدلّ بعضهم على حبس المديان بقوله تعالى : (وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا ما دُمْتَ عَلَيْهِ قائِماً) فإذا كان له ملازمته ، ومنعه من التصرف ، جاز حبسه.

وقيل معنى : إلا ما دمت عليه قائما أي : بوجهك ، فيها بك ، ويستحيي منك ، فإن الحياء في العينين ألا ترى قول ابن عباس رضي الله عنه : لا تطلبوا من الأعمى حاجة فإن الحياة في العينين وإذا طلبت من أخيك حاجة فانظر إليه بوجهك ، حتى يستحيي فيقضيها.

الثاني : المجاز.

قال ابن عباس : المراد من هذا القيام ، الإلحاح ، والخصومة ، والتقاضي ، والمطالبة ، قال ابن قتيبة : أصله أن المطالب للشيء يقوم فيه ، والتارك له يبعد عنه ، بدليل قوله تعالى : (مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ) أي : عاملة بأمر الله ، غير تاركة.

ثم قيل لكل من واظب على مطالبة أمر : قام به ـ وإن لم يكن ثمّ قيام ـ وقال : أبو علي الفارسي : القيام ـ في اللغة ـ بمعنى الدوام والثبات ، كما ذكرناه في قوله تعالى : (الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ) [النمل : ٣] ومنه قوله : (دِيناً قِيَماً) [الأنعام : ١٦١] ، أي : دائما ثابتا لا ينسخ فمعنى الآية : دائما ، ثابتا في مطالبتك.

فصل

دلّت الآية على انقسام أهل الكتاب إلى قسمين : أهل أمانة ، وأهل خيانة.

فقيل : أهل الأمانة هم الذين أسلموا ، وأهل الخيانة : هم الذين لم يسلموا.

وقيل : أهل الأمانة هم النصارى وأهل الخيانة : هم اليهود.

وروى الضحاك عن ابن عباس ـ في هذه الآية (وَمِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ) يعني عبد الله بن سلام ، [أودعه رجل ألفا ومائتي أوقية من ذهب ، فأداه. (وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ) يعني : فنحاص بن عازوراء](١)(٢) ، استودعه رجل من قريش دينارا ، فخانه.

__________________

(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٥٢٠) مفرقا عن قتادة ومجاهد.

(٢) سقط في أ.

٣٣٥

فصل

يدخل تحت هذه الآية العين والدّين ؛ لأن الإنسان قد يأتمن غيره على الوديعة ، وعلى المبايعة ، وعلى المقارضة ، وليس في الآية ما يدل على التعيين ، ونقل عن ابن عباس أنه حمله على المبايعة ، فقال ومنهم من تبايعه بثمن القنطار ، فيؤديه إليك ، ومنهم من تبايعه بثمن الدينار ، فلا يؤديه إليك ونقلنا ـ أيضا ـ أن الآية نزلت في رجل أودع مالا كثيرا عبد الله بن سلام فأدّاه ، ومالا قليلا عند فنحاص بن عازوراء فلم يؤده ، فثبت أن اللفظ محتمل لجميع الأقسام.

قوله : (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لَيْسَ عَلَيْنا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ) ذكروا في السبب الذي لأجله اعتقد اليهود هذا الاستحلال وجوها :

أحدها : أنهم يبالغون في التعصّب لدينهم ، فلذلك يقولون : يحل لنا قتل المخالف ، وأخذ ماله بأي طريق كان ، وروي أنه لما نزلت هذه الآية قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «كذب أعداء الله ، ما من شيء كان في الجاهليّة إلا وهو تحت قدميّ ، إلّا الأمانة ، فإنّها مؤدّاة إلى البرّ والفاجر» (١).

الثاني : أن اليهود قالوا : (نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ) [المائدة : ١٨] والخلق لنا عبيد ، فلا سبيل لأحد علينا ، إذا أكلنا أموال عبيدنا.

الثالث : قال القرطبيّ : قالت اليهود : إن الأموال كانت كلّها لنا ، فما في أيدي العرب منها ، فهو لنا ؛ ظلمونا وغصبونا ، فلا سبيل علينا في أخذنا إياه منهم.

الرابع : قال الحسن وابن جريج ومقاتل : إن اليهود إنما ذكروا هذا الكلام لمن خالفهم من العرب الذين آمنوا بالرسول خاصّة ، وليس لكل من خالفهم.

وروي أنهم بايعوا رجالا في الجاهلية ، فلما أسلموا طالبوهم بالأموال ، فقالوا : ليس علينا حقّ ؛ لأنكم تركتم دينكم. وادّعوا أنهم وجدوا ذلك في كتابهم (٢).

قال ابن الخطيب : «ومن المحتمل أنه كان من مذهب اليهود ، أن من انتقل من دين باطل إلى دين آخر باطل كان في حكم المرتدّ ، فهم ـ وإن اعتقدوا أن العرب كفار ، إلا أنهم لما اعتقدوا في الإسلام أنه كفر ـ حكموا على العرب الذين أسلموا بالرّدّة.

قوله : (لَيْسَ عَلَيْنا) يجوز أن يكون في «ليس» ضمير الشأن ـ وهو اسمها ـ وحينئذ يجوز

أن يكون «سبيل» مبتدأ ، و «علينا» الخبر ، والجملة خبر ليس. ويجوز أن يكون

__________________

(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٥٢٢) عن سعيد بن جبير وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٧٨) وزاد نسبته لعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم.

(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٥٢٣) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٧٨) وزاد نسبته لابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن جريح.

٣٣٦

«علينا» وحده هو الخبر ، و (سَبِيلٌ) مرتفع به على الفاعلية. ويجوز أن يكون (سَبِيلٌ) اسم «ليس» والخبر أحد الجارين أعني : (عَلَيْنا) أو (فِي الْأُمِّيِّينَ).

ويجوز أن يتعلق (فِي الْأُمِّيِّينَ) بالاستقرار الذي تعلق به «علينا» وجوّز بعضهم أن يتعلق بنفس «ليس» نقله أبو البقاء ، وغيره ، وفي هذا النقل نظر ؛ وذلك أن هذه الأفعال النواقص في عملها في الظروف خلاف ، وبنوا الخلاف على الخلاف في دلالتها على الحدث ، فمن قال : تدل على الحدث جوز إعمالها في الظرف وشبهه ، ومن قال : لا تدل على الحدث منعوا إعمالها. واتفقوا على أن «ليس» لا يدل على حدث ألبتة ، فكيف تعمل؟ هذا ما لا يعقل.

ويجوز أن يتعلق (فِي الْأُمِّيِّينَ) ب «سبيل» ، لأنه استعمل بمعنى الحرج ، والضمان ، ونحوها. ويجوز أن يكون حالا منه فيتعلق بمحذوف.

قال : فالأمي منسوب إلى الأم ، وسمّي النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أميا ؛ قيل : لأنه كان لا يكتب ، وذلك لأن الأمّ : أصل الشيء فمن لا يكتب فقد بقي على أصله في أن لا يكتب.

وقيل : نسبة إلى مكة ، وهي أمّ القرى.

قوله : (وَيَقُولُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ) فيه وجوه :

أحدها : هو قولهم : أن جواز الخيانة مع المخالف مذكور في التوراة ، وكانوا كاذبين في ذلك ، وعالمين بكونهم كاذبين. [ومن كان كذلك كانت خيانته أعظم ، وجرمه أفحش](١) فيه.

وثانيها : أنهم يعلمون كون الخيانة محرّمة.

وثالثها : أنهم يعلمون ما على الخائن من الإثم.

فصل في رد شهادة الكافر

قال القرطبيّ : «دلّت هذه الآية على أنّ الكافر لا يجعل (٢) أهلا لقبول شهادته ؛ لأن الله تعالى وصفه بالكذب ، وفي الآية ردّ على الكفرة الذين يحلّلون ويحرّمون من غير تحليل الله وتحريمه ويجعلون ذلك من الشرع ، قال ابن العربيّ : ومن هذا يخرج الرّدّ على من يحكم بالاستحسان من غير دليل ، ولست أعلم أحدا من أهل القبلة قاله».

قوله : (عَلَى اللهِ) يجوز أن يتعلق بالكذب ـ وإن كان مصدرا ـ لأنه يتّسع في الظرف وعديله ما لا يتّسع في غيرهما ومن منع علّقه ب «يقولون» متضمّنا معنى يفترون ، فعدّي تعديته. ويجوز أن يتعلق بمحذوف على أنه حال من «الكذب» ، وقوله : (وَهُمْ يَعْلَمُونَ) جملة حالية ، ومفعول العلم محذوف اقتصارا ، أي : وهم من ذوي العلم ، أو اختصارا ، أي : وهم يعلمون كذبهم وافتراءهم ، وهو أقبح لهم.

__________________

(١) سقط في أ.

(٢) في أ : لا يكون.

٣٣٧

قوله تعالى : (بَلى مَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ وَاتَّقى فَإِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ)(٧٦)

قوله : (بَلى) جواب لقولهم : «ليس» وإيجاب لما نفوه. وتقدم القول في نظيره.

قال ابن الخطيب : وعندي الوقف التام على «بلى» ثم استأنف.

وقيل : إن كلمة «بلى» كلمة تذكر ابتداء لكلام آخر يذكر بعده ؛ لأن قولهم : ليس علينا فيما نفعل جناح قائم مقام قولهم : (نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ) [المائدة : ١٨٥] فذكر ـ تعالى ـ أن أهل الوفاء بالعهد والتقى هم الذين يحبهم الله تعالى ـ لا غيرهم ـ وعلى هذا الوجه ، فلا يحسن الوقف على «بلى» اه.

و «من» شرطية ، أو موصولة ، والرابط بين الجملة الجزائية ، أو الخبرية هو العموم في (الْمُتَّقِينَ) وعند من يرى الربط بقيام الظاهر مقام المضمر يقول ذلك هنا.

وقيل : الجزاء ، أو الخبر محذوف ، تقديره : يحبه الله ، ودل على هذا المحذوف قوله : (فَإِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) وفيه تكلّف لا حاجة إليه.

قال القرطبيّ : «من» رفع بالابتداء ، وهو شرط ، و «أوفى» في موضع جزم «واتّقى» معطوف عليه ، واتقى الله ، ولم يكذب ، ولم يستحل ما حرم عليه (فَإِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) أي يحب أولئك.

و «بعهده» يجوز أن يكون المصدر مضافا لفاعله على أن الضمير يعود على «من». أو مضافا إلى مفعوله على أنه يعود على «الله» ويجوز أن يكون المصدر مضافا للفاعل وإن كان الضمير لله تعالى وإلى المفعول وإن كان الضمير عائدا على «من» ومعناه واضح عند التّأمّل.

فإن قيل : بتقدير أن يكون الضمير عائدا إلى الفاعل ، وهو «من» فإنه يدل على أنه لو وفى أهل الكتاب بعهودهم وتركوا الخيانة ، فإنهم يكتسبون محبة الله.

فالجواب أن الأمر كذلك ، فإنهم إذا وفوا بالعهود ، فأول ما يوفون به العهد الأعظم ، وهو ما أخذ الله عليهم في كتابهم من الإيمان بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم وبما جاء به ، وهو المراد بالعهد في هذه الآية قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم «أربع من كنّ فيه كان منافقا خالصا ، ومن كانت فيه واحدة منهنّ كانت فيه خصلة من النّفاق حتّى يدعها : إذا ائتمن خان ، وإذا حدّث كذب ، وإذا عاهد غدر ، وإذا خاصم فجر».

قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ)(٧٧)

مما جاء في تعلق هذه الآية بما قبلها وجوه :

٣٣٨

أحدها : أنه ـ تعالى ـ لما وصف اليهود بالخيانة في أموال النّاس ، فمعلوم أن الخيانة في الأموال ، لا تكون بالأيمان الكاذبة.

وثانيها : أنه ـ تعالى ـ حكى عنهم أنهم يقولون على الله الكذب ، وهم يعلمون ، ولا شك أن عهد الله ـ تعالى ـ على كل مكلّف أن لا يكذب على الله.

وثالثها : أنه ـ تعالى ـ ذكر في الآية الأولى خيانتهم في أموال الناس ، وذكر في هذه الآية خيانتهم في عهد الله وفي تعظيم أسمائه ؛ حيث يحلفون بها كاذبين.

وقال بعضهم : إن هذه الآية ابتداء كلام مستقلّ في المنع من الأيمان الكاذبة ؛ لأن اللفظ عامّ ، والروايات الكثيرة دلّت على أنها نزلت في أقوام أقدموا على الأيمان الكاذبة.

فصل

قال عكرمة : نزلت في أحبار اليهود ، كتموا ما عهد الله إليهم في التوراة من أمر محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم وكتبوا بأيديهم غيرها ، وحلفوا أنها من عند الله ؛ لئلا تفوتهم الرّشاء التي كانت من أبناء عمهم(١).

وقيل : نزلت في ادّعائهم أنه (لَيْسَ عَلَيْنا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ) كتبوا ذلك بأيديهم ، وحلفوا أنه من عند الله قاله الحسن.

وقال ابن جريج : نزلت في الأشعث بن قيس وخصم له ، اختصما في أرض إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : أقم بيّنتك ، فقال : ليس لي بينة ، فقال لليهودي : احلف ، قال : إذا يحلف ، فيذهب بمالي ، فأنزل الله عزوجل : (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمانِهِمْ) فنكل الأشعث (٢).

قال مجاهد : نزلت في رجل حلف يمينا فاجرة في تنفيق سلعته (٣) ، عن أبي ذر ـ رضي الله عنه ـ عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «ثلاثة لا يكلّمهم الله يوم القيامة ، ولا ينظر إليهم ، ولا يزكّيهم ، ولهم عذاب أليم. قال : وقرأها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثلاث مرات ، فقال أبو ذر : خابوا ، وخسروا من هم يا رسول الله؟ قال : المسبل إزاره ، والمنّان ، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب» (٤).

__________________

(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٥٢٨) عن عكرمة.

(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٥٣١) عن ابن جريج وأخرجه البخاري (٥ / ٥٣ ، ٢٠٦) ومسلم (١ / ٤٩ ـ ٥٠) وأحمد (٥ / ٢١١ ـ ٢١٢) والطبري (٦ / ٥٢٩) عن عبد الله بن مسعود ... فذكر الحديث.

(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٥٣٣).

(٤) أخرجه مسلم (١ / ١٠٢) كتاب الإيمان : باب غلظ تحريم إسبال الإزار (١٧١ ـ ١٠٦) وأبو داود (٤ / ٥٧) كتاب اللباس باب ما جاء في إسبال الإزار (٤٠٨٧) والترمذي (٣ / ٥١٦) كتاب البيوع : باب ما جاء فيمن حلف على سلعة كاذبا (١٢١١) والنسائي (٥ / ٨١) كتاب الزكاة : باب المنان بما أعطى ، ـ

٣٣٩

وروى أبو هريرة عن النبي : «ثلاثة لا يكلّمهم الله ، ولا ينظر إليهم ، ولهم عذاب أليم : رجل حلف يمينا على مال مسلم ، فاقتطعه ، ورجل حلف على يمين بعد صلاة العصر أنّه أعطي بسلعته أكثر ممّا أعطي وهو كاذب ـ ورجل منع فضل ماء ، فإن الله ـ تعالى ـ يقول : اليوم أمنعك فضلي كما منعت فضل ما لم تعمل يداك» (١).

وقيل : جاء رجل من حضر موت ورجل من كندة إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال الحضرميّ : يا رسول الله ، إن هذا قد غلبني على أرض لي ـ كانت لأبي ـ فقال الكنديّ : هي أرضي في يدي ، أزرعها ، ليس له فيها حقّ فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم للحضرميّ : ألك بيّنة؟ قال لا ، قال : فلك يمينه قال : يا رسول الله ، إن الرجل فاجر لا يبالي على ما حلف عليه ، قال ليس لك منه إلا ذلك ، فانطلق ليحلف ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما أدبر «أما لئن حلف على ما ليس له ليأكله ظلما ليلقينّ الله وهو عنه معرض» (٢).

قال علقمة : أما الكنديّ فهو عمرو بن القيس بن عابس الكنديّ ، وخصمه ربيعة بن عبدان الحضرميّ ، روى أبو أمامة أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «من اقتطع حقّ امرىء مسلم ـ بيمينه ـ حرّم الله عليه الجنّة وأوجب له النّار ، قالوا : وإن كان شيئا يسيرا يا رسول الله؟ قال : وإن كان قضيبا من أراك» قالها ثلاث مرات (٣).

قوله : (أُولئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ) أي : لا نصيب لهم في الآخرة ونعيمها ، وهذا مشروط بالإجماع بعد التوبة ، فإذا تاب عنها سقط الوعيد ـ بالإجماع ـ وشرط بعضهم عدم العفو ؛ لقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) [النساء : ٤٨] ، (وَلا يُكَلِّمُهُمُ) أي : كلاما ينفعهم ، ويسرهم.

وقيل : لمعنى الغضب ، كما يقول الرجل : إني لا أكلم فلانا ـ إذا كان قد غضب عليه ـ قاله القفال.

ثم قال : (وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ) أي : لا يرحمهم ، ولا يحسن إليهم ، ولا

__________________

ـ (٧ / ٢٤٥) وأحمد (٢ / ٤٨٠ ، ٥ / ١٥٨ ، ١٦٢ ، ١٦٨) والبيهقي (٤ / ١٩١ ـ ٥ / ٣٣٠ ـ ٦ / ١٥٢ ـ ٨ / ١٦١ ـ ١٧٧) والبغوي في «شرح السنة» (٤ / ٢٢٦ ـ ٢٢٧) عن أبي ذر مرفوعا.

وقال الترمذي : حديث أبي ذر حديث حسن صحيح.

(١) أخرجه البخاري (١٣ / ٤٣٣) كتاب التوحيد باب قول الله تعالى «وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ» (٧٤٤٦) ومسلم (١ / ١٠٣) كتاب الإيمان : باب بيان غلظ تحريم إسبال الإزار .... الخ (١٧٣ ـ ١٠٨) والبغوي في «شرح السنة» (٣ / ٤٢٢) عن أبي هريرة مرفوعا.

(٢) أخرجه مسلم كتاب الأيمان رقم (٢٢٣) وأبو داود كتاب الأيمان والنذور باب التغليظ في الأيمان الفاجرة رقم (٣٢٤٥) والترمذي (٣ / ٦٢٥) كتاب الأحكام : باب ما جاء في أن البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه. رقم (١٣٤٠).

(٣) أخرجه مسلم كتاب الأيمان رقم (٢١٨) والنسائي (٨ / ٢٤٦) : وأبو عوانة (١ / ٣٢) وأحمد (٥ / ٢٦٠) والبيهقي (١٠ / ١٧١) والطحاوي في «مشكل الآثار» (١ / ٨٦).

٣٤٠