الكشّاف - المقدمة

الكشّاف - المقدمة

المؤلف:


الموضوع : القرآن وعلومه
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٩٩

١
٢

مقدمه الطبع وتعريف بترتيب الكتاب

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله رب العالمين ، وأشهد أن لا إله الله القوى المتين ، وأشهد أن محمداً رسول الله الصادق الأمين. صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعى ، فتقدم إلى القارئ الكريم هذه الطبعة من تفسير الكشاف للإمام العلامة محمود ابن عمر الزمخشري ـ عفا الله عنه ـ في ثوب جديد ووضع جميل. واليك بيان ترتيبها :

تشتمل هذه الطبعة على التفسير. ومعه أربعة كتب كلها لبيان فوائدة وهي :

أولا : حاشية العلامة أحمد بن المنير المسماة بالانتصاف وفيها يناقش الزمخشري فيما أورده من العقائد على مذهب المعتزلة ، ويورد ما يقابلها عند أهل السنة.

وكذلك يناقشه في كثير من اللغة.

ثانيا : حاشية العلامة الشيخ محمد عليان المرزوقي. وهى تتضمن ما تضمنته حاشية

ابن المنير من رد الاعتزاليات وبيان اللغويات.

ثالثا : شرح الشواهد من الأبيات الواردة بالتفسير. وهو العلامة الشيخ محمد عليان المرزوقي

رابعا : تخريج أحاديث الكشاف الواردة به. وهي لأمير المؤمنين في الحديث الحافظ ابن حجر العسقلاني أبان فيها مرتبة كل حديث ورد في هذا التفسير ولما كان شرح الشواهد مؤلفا ككتاب مستقل مرتبا على حسب القافية فقد أرجعنا شرح كل شاهد من الشواهد إلى الصفحة الوارد بها هذا الشاهد على حسب ترتيب الزمخشري لشواهده في تفسير وكذلك لما كان تخريج الأحاديث مؤلفا ككتاب مستقل اضطر فيه مؤلفا إلى ذكر لعظ الحديث أو بعضه ليرجع إليه القارئ في التفسير ، وبما أننا قد ذكرنا تخريج كل حديث في ذيل الصفحة التي بها هذا الحديث من التفسير ، فقد استغنينا عن ذكر لفظ الحديث اكتفاء بذكره في نفس الأصل من التفسير

٣

واقتصرنا في الهامش على ذكر التخريج فقط تحاشيا من التكرار الذي لا لزوم له.

وتسهيلا على القارئ في مطالعة في مطالعة التفسير قد وضعنا التفسير في الجزء الأعلى من الصفحات تتخلله الآيات المفسرة بنفس الصفحة ، ووضعنا الحواشي بأسفل الصفحات مرتبة حسب ورودها في كل صفحة ؛ فتجد في الصفحة الواحدة شرحا لشاهد من الشواهد ، بينما تجد فيها تخريجا لحديث ، كذلك تجد فيها مناظرة بين ابن المنير والزمخشري ، وكذلك أيضاً هامشا لبعض المفردات من حاشية الشيخ محمد عليان. وتجد كل هامشة من ذلك مرقمة برقم على حسب ترتيب ورودها في نفس الصفحة. وربما جاء فيها بعض من الحواشي دون البعض بحسب اقتضاء ذلك. وفصلنا بين التفسير والحواشي بجدول صغير تمييزا بينهما. ولما كانت حاشية العلامة ابن المنير وحاشية الشيخ محمد عليانن متشاهتين في موضوعهما رأينا أن نميز بنيهما بوضع علامة في آخر حاشية الشيخ محمد عليان هكذا (ع)

هذا وقد أوردنا مقدمات الحواشي فيما يلي على الترتيب الآتي : ـ

الأولى : مقدمة الشيخ محمد عليان لحاشيته.

الثانية : مقدمته لشرح الشواهد.

الثالثة : مقدمة الحافظ ابن حجر العسقلاني لتخريجه الأحاديث.

ثم بعد هذا مقدمة التفسير للعلامة الزمخشري. ثم يبتدئ بعد ذلك التفسير مبتدئا بسورة فاتحة الكتاب على الترتيب المذكور آنفا ، والله تعالى ولي التوفيق ، وهو الهادى لأقوم طريق.

وقبل ذكر المقدمات نورد لك طرفا من ترجمة المؤلف رحمه الله تعالى فنقول :

٤

نبذة من ترجمة المؤلف رحمه الله تعالى (١)

هو إمام الأئمة وهادى هداة هذه الأمة أبو القاسم محمود بن عمر بن محمد بن عمر الخوارزمي الزمخشري ، من هو بأحاسن النعوث حرى ؛ صاحب التأليف الزاهرة ، والتصانيف الفائقة الباهرة ؛ فهو الإمام الكبير في الحديث والتفسير والنحو واللغة والمعاني والبيان وغيرها بلا معاني ؛ كان إمام عصره من غير مدافع ، تشهد إليه الرحال من كل مكان شاسع ؛ أخذ الأدب عن شيخه منصور أبى مضر ، وصنف التصانيف البديعة الغرر ، منها هذا الكتاب في تفسير القرآن ، ولم يدرك شأوه فيه إنسان ، والمحاجاة بالمسائل النحوية ، والمفرد والمركب في العربية ، والفائق في تفسير الحديث ، ولم يرمثله في القديم ولا في الحديث ، وأساس البلاغة في اللغة ، ولم يبلغ كتاب قبله في التمييز مبلغه ، وربيع الأبرار ونصوص الأخبار ، ومتشابه أسامي الرواة والنصائح الكبار ، والنصائح الصغار ، وضالة الناشد والرائض في علم الفرائض ، والمفصل في النحو وهو كتاب كبير ، وقد اعتنى بشرحه خلق كثير ، والأنموذج في علم العربية ، والمفرد والمؤلف في المسائل النحوية ، ورؤس المسائل الفقهية ، والمستقصى في الأمثال العربية ، والبدور السافرة. في الأمثال السائرة : والكتاب الجليل : المسمى بديوان التمثيل وشقائق النعمان : في حقائق النعمان ، وشافي العي : من كلام الشافعي ، والقسطاس في العروض ومعجم الحدود والمنهاج في الأصول ومقدمة الأدب في اللغة وديوان الرسائل وديوان الشعر والرسائل الناصحة والأمالى الواضحة في كل فمن وغير ذلك.

وكان شروعه في تأليف المفصل في غرة شهر رمضان سنة ٥١٣ ثلاث عشرة وخمسمائة وفرغ منه في غرة المحرم سنة ٥١٥ خمس عشرة وخمسمائة.

وكان قد سافر إلى مكة حرسها الله تعالى وجاور بها زمانا فصار يقال له «جار الله» لذلك وكان هذا الاسم علما عليه. وقد اشتهر أن إحدى رجليه كانت ساقطة وأنه كان يمشي في جارن من خشب. واختلف في سقوطها فقيل إنه كان في بعض أسفاره ببلاد خوارزم أصابه ثلج كثير وبرد شديد في الطريق فسقطت منه رجله. وأنه كان بيده

__________________

(١) منقولة من النسخة الميرية. بتذبيل الأستاذ الفاضل الشيخ ابراهيم الدسوقي مصحح دار الطباعة الميرية سابقا ، رحمه الله تعالى.

٥

محضر فيه شهادة خلق كثير بمن اطلعوا على حقيقة ذلك خوفا من أن يظن من لم يعلم صورة الحال أنها قطعت لريبه والثلج والبرد كثيرا ما يؤثر في الأطراف في تلك البلاد فتسقط به خصوصا خوارزم فإنها في غاية البرودة ومنها خلق كثير سقطت أطرافهم بهذا السبب فلا يستبعده من لا يعرفه.

وقيل إن الزمخشري لما دخل بغداد واجتمع بالفقيه الحنفي الدامغاني سأله عن سبب قطع رجله فقال : دعاء الوالدة. وذلك أنى كنت في صباي أمسكت عصفوراً وربطته بخيط من رجله فأفلت من يدي فأدركته وقد دخل في خرق فجذبته فانقطعت رجله في الخيط ، فتأملت والدتي لذلك وقالت : قطع الله رجل الأبعد كما قطعت رجله ، فلما وصلت إلى سن الطلب رحلت إلى بخاري أطلب العلم فسقطت عن الدابة فانكسرت رجلي وعملت عملا أوجب قطعها. والله أعلم بالصحة.

وكان الحافظ أبو الطاهر أحمد بن محمد السلفي قد كتب إليه من الإسكندرية وهو يرمئذ مجاور مكة حرسها الله يستجين في مسموعاته وصنفاته فرد جوابه بما لا يشفى الغليل. فلما كان في العالم الثاني كتب إليه أيضا مع الحجاج استحازة اخرى افترح فيها مقصوده ثم قال في آخرها ولا يحوج أدام الله توفيقه إلى المراجعة فالمسألة بعيدة وقد كاتبته في السنة الماضية فلم يجب بما يشفى الغليل وله في ذلك الأجر الجزيل. فكتب إليه الزمخشري ما لم يكن له في حسال ولو لا خوف التطويل لذكرت الاستدعاء والجواب لكن لا بأس بذكر بعض الجواب وهو : «ما مثلي مع أعلام العلماء ، إلا كمثل السماء مع مصابيح السماء ؛ والجهام الصفر من الرهام ، مع الغوادي الغامرة للقيعان والآكام ؛ والسكيت المخلف مع خيل السباق ، والبغات مع الطير العتاق ؛ وما التلقيب بالعلامة ، إلا شبه الرقم بالعلامة : والعلم مدينة أحد بابيها الدراية والثاني الرواية ؛ وأنا في كلا البابين ذو بضاعة مزجاة ، ظلى فيه أقلص من ظل حصاة ؛ أما الرواية فحديثه الميلاد. قريبة الإسناد ؛ لم تستند إلى علماء نحارير ولا إلى أعلام مشاهير ؛ وأما الدراية فثمد لا يبلغ أفواها ، وبرص ما يبل شفاها ؛ ولا يغرنكم قول فلان في وفلان ـ وعدد جماعة من الشعراء والفصلاء مدحوه بمقاطيع من الشعر وأوردها كلها ولو سردنا لطال الحال ، ثم ثال : ـ فإن ذلك اغترار منهم بالظاهر المموه ، وجهل بالباطن المشوه ؛ ولعلى الذي غرهم منى ما رأوا من حسن النصح للمسلمين ، وإيصال

٦

الشفقة إلى المستفيدين ؛ وقطع المطامع عنهم ، وإفاضة المبار والصنائع عليهم ؛ وعزة النفس والرب بها عن السفاسف الدنيات ، والإقبال على خويصيّ والاعراض عما لا يعنيني ؛ فجللت في عيونهم وغلطوا في ونسبوني إلى ما لست منه في قبيل ولا دبير ؛ وما أنا فيما أقول بهاضم لنفسي كما قلا الحسن البصري رحمه الله تعالى ـ في قول أبى بكر الصديق رضوان الله عليه «وليتكم ولست بخيركم» إن المؤمن ليهضم نفسه وإنما صدقت الفاحص؟ وعن كنه روايتي ودرايتي ومن لقيت وأخذت عنه وما بلغ علمي وقصاري فضلى وأطلعته طلع أمرى وأفضيت إليه بخيبه سرى ، وألقيت إليه عجري وبجري ، وأعلمته نجمي وشعري. وأما المولد فقرية مجهولة من قرى خوارزم تسمى زمخشر ، وسمعت أبى رحمه الله تعالى يقول اجتاز بها أعرابي فسأل عن اسمها واسم كبيرها فقيل له زمخشر فقال : لا خير في شر ورد، ولم يلعم بها ، ووقعت الميلاد شهر الله الأصم في عام سبع وستين وأربعمائه والله المحمود والمصلى على سيدنا محمد وآله وأصحابه. هذا آخر الاجازة. وقد أطال الكلام فيها ولم يصرح له بمقصود فيها ولا يعلم هل أجازه بعد ذلك أولا.

ومن شعره السائر قوله وقد ذكر السمعاني في الذيل قال : أنشدني أحمد بن محمو الخوارزمي إملاء بسمرقند قال : أنشدنا محمودد بن عمر الزمخشري لنفسه بخوارزم :

ألا قل لسعدى ما لنا فيك من وطر

وما فمطلين النجل من أعلين البقر

فإنا اقتصرنا بالذين تضايقت

عيونهم والله يزى من اقتصر

مليح ولكن عنده كل جفوة

ولم أر في الدنيا صفاء بلا كدر

ولم أنس اذ غازلته قرب روضة

إلى قرب حوض فيه الماء منحدر

فقلت له جنني بورد وإنما

أردت به ورد الخدود وما شعر

فقال انتظرني رجع طرف أجي به

فقلت له هيهات مالى منتظر

فقال ولا ورد سوى الخد حاضر

فقلت له إنى قنعت بما حضر

ومن شعره يرثى شيخه أبا مضر المذكور أولا :

وقائله ما هذه الدور التي

تساقط من عينيك سمطين سمطين

فقلت هو الدو الذي كان قد حثما

أبو مضر أذنى تساقط من عيني

٧

ومما انشد لغيره ـ في كتابه الكشاف عند تفسير قوله تعالى في سورة البقرة (إن شاء الله لا يستحي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها) ـ :

يا من يرى مد البعوض جناحها

في ظلمه الليل البهيم الأليل

ويرى عروق نياطها في نحرها

والمخ في تلك العظام النحل

اغفر لعبد تاب عن فرطاته

ما كان منه في الزمان الأول

وقيل إن الزمخشري أوصي أن تكتب على لوح قبره هذه الأبيات :

ومن كلامه رضي الله عنه :

زمان كل حب فيه خب

وطعم الخل خل لو يذاق

لهم سوق بضاعته نفاق

فنافق فالنفاق له نفاق

 ومن كلامه :

سهرى لتنقيح العلوم ألذلى

من وصل غانية وطيب عناق

وتمايلى طربا لحل عريصة

أشهى وأحلى من مدامة ساق

وصرير أقلامي على أوراقها

أحلى من الدوكاء والعشاق

والذ من نقر الفتاة لدفها

نقرى لألقى الرمل عن أوراق

أأبيت سهران الدجى وتبيته

نوما وتبغى بعد ذاك لحاق

ومن كلامه :

إذا سألوا عن مذهبي لم أبح به

واكتمه كتمانه لي أسلم

فإن حنيفا قلت قالوا بأنني

أبيح الطلا وهو الشراب المحرم

وإن مالكيا قلت قالوا بأنني

أبيح لهم أكل الكلاب وهم هم

وإن شافعيا قلت قالوا بأنني

أبيح نكاح البنت والبنت تحرم

وإن حنبليا قلت قالوا بأنني

ثقيل حللولي بغيض مجسم

وإن قلت من أهل الحديث وحزبه

يقولون تيس ليس يدري ويفهم

تعجبت من هذا الزمان وأهله

فما أحد من ألسن الناس يسلم

وأخرني دهري وقدم معشراً

على أنهم لا يعلمون وأعلم

ومذ أفلح الجهال أيقنت أنني

أنا الميم والأيام أفلح أعلم

٨

وكانت ولادة الزمخشري يوم الأربعاء السابع والعشرين من شهر رجب سنة سبع وستين وأربعمائة بزمخشر ، وتوفى رحمه الله تعالى ليلة عرفة سنة ٥٣٨ ثمان وثلاثين وخمسمائة بجرجانية خوارزم بعد رجوعه من مكة رحمه الله تعالى. ورثاء بعضهم بأبيات ومن جملتها :

فأرض مكة تدرى الدمع مقلتها

حزنا لفرقة جار الله محمود

وزمخشر بفتح الزاي والميم وسكون الخاء وفتح الشين المعجمتين وبعدها راه قرية كبيرة من قرى خوارزم وجرجانية بضم الجيم الأولى وفتح الثانية وسكون الراء بينهما وبعد الألف نون مكسورة وبعدها ياء مثناة من تحتها مفتوحة مشددة ثم هاء ساكنة وهى قصبة خوارزم. قال ياقوت الحموى في معجم البلدان : يقال لها بلغتهم كركانج فعربت وقيل لها جرجانية وهى على شاطىء جيجون. انتهى ما ذكره الأستاذ الدسوقى رحمه الله تعالى.

٩

المقدمات

مقدمة حاشية الشيخ محمد عليان :

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ومن والاه ، وبعد فمن المعلوم أنّ تفسير العلامة الزمخشري قد بلغ الغاية في البيان. والكشف عن أسرار القرآن ، لكن قد حجب الراغبين فيه عن مدارسته. وحرمهم من كثرة ممارسته ما اشتمل عليه من تأويل الآيات الواردة في المسائل التوحيدية ، بمذهب المعتزلة دون مذهب أهل السنة وكثرة تعبيره فيه بغريب اللغة العربية ، فدعاني ذلك إلى التنبيه على مذهب أهل السنة في جميع تلك الآيات موافقاً لمما تقرّر في كتب التوحيد وبيان جميع الكلمات اللغوية الغريبة الاستعمال مستنداً لما في صحاح الجوهري. حتى تبرأ عيون ذلك التفسير من الغشاوتين ويأمن الناظر فيه اللبس والرين. في كلمات قليلة ومعان جزيلة. فقلت وعلى الله توكلت :

١٠

مقدمة شرح الشواهد للشيخ محمد عليان

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

نحمدك يا من قامت له شواهد الجود ، في مشاهد الوجود ، ويامن حصّ الإنسان ، بلسان البيان وبيان اللسان : وفصلى ونسلم على معدن البلاغة والفصاحة ، ومورد الجود والسياحة. سيدنا محمد النبي المختار ، وعلى آله وصحبه السادة الأبرار. أما بعى فإنّ الناظر في الكشاف تفسير الإمام الزمخشري لا يخلو عند تأويل بعض الآيات. من مصادفة ما استشهد به العلامة عليه من الأبيات ؛ وقد نصب على ارتباط الشاهد بالآية من الأمارات ما يغنى عن نصب رايه ؛ فلا حاجة للناظر في تلك المشاهد ، إلا إلى إيضاح معاني الشواهد ؛ وقد تصدى العلامة محب الدين أفندي لشرحها ، ليكن أرسل عنان فكره إلى نحو تفسير الآيات و؛ضاحها ؛ ثم تنزيلها على الشواهد. وشحن ذلك الشرح بما استحسنه من الأبيات والقصائد وضرب صفحا عن بيان غالب الألفاظ اللغوية ، والإشارات المعانية والأسرار البيانية ؛ ولعمري إنّ هذا بمعزل عن ممارس الكشاف ، السالك سبيل الجد والإنصاف ؛ قد أغفل من جملة من الشواهد ، يراها من مشاهدهاتيك المشاهد ؛ ثم أعجب بتسميته تنزيل الآات ، على الشواهد من الأيات ؛ فضربت صفحا عن تنزل آاته ، وما استحسنه من قصائد وأبياته ؛ والتقطت ما يحتاج إليه في بيان معنى الشاهد ، من سابقه أو لاحقه مما وقفت عليه من القصائد. وأوردت ما أغفله واعنيت بما أهمله ، وفيه أتيت ، بما إليه أهديت ؛ مما يسر الناظرين ؛ ويشرح صدور المنصفين ، وسميته مشاهد الإنصاف ، على شواهد الكشاف ؛ مع أنه واف بجل المقصود. من شواهد البيضاوي وأبى السعود. ورتبته على حروف المعجم باعتبار آخر القافية ، سوى حروف الإطلاق وهى حروف المد الثلاثة : الألف والواو والياء ، فلم يخالف أصله في الترتيب إلا قليلا ، وقدمنا ثاني شواهد فاتحة الكتاب ، لما فيه من حسن فاتحة الكتاب ، وقد شرعت في المراد ، راجيا من الله السداد ؛ فقلت وعليه توكلت :

١١

مقدمة تخريج الأحاديث للحافظ بن حجر العسقلاني

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحمد الله الذي انزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يخشى ، وولا نظير له يرتجى.

وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله مصباح الدجى.

صلى الله عليه وعلى آله وصحبه في النهار إذا ضحى والليل إذا سجى.

وأما بعد فهذا تخريج الأحاديث الواقعة في التفسير السمى بالكشاف ، الذي أخرجه الإمام أبو محمد الزيلعي. لخصته مستوفيا لمقاصده ، غير مخل بشيء من فوائده. وقد كنت تتبعت جملة كثيرة لاسيما من الموقوفات ، فاته تخرجها ، إما سهوا وإما عمدا. ثم أخرجت ذلك وأضفته إلى المختصر من هذا التلخيص. واقتصرت في هذا على تجريد الأصل والله المستعان.

١٢

مقدمة التفسير للعلامة الزمخشري

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله الذي أنزل القرآن كلاما مؤلفاً منظما ، ونزله بحسب المصالح منجما ، وجعله بالتحميد مفتتحاً وبالاستعاذة مختتما وأوحاه على قسمين متشابهاً ومحكماً ؛ وفصله سوراً وسوّره آيات. وميز بينهنّ بفصول وغايات. وما هي إلا صفات مبتدئ مبتدع ، وسمات منشئ مخترع ؛ فسبحان من استأثر بالأوّلية والقدم ، ووسم كل شيء سواه بالحدوث عن العدم ؛ أنشأه كتابا ساطعاً تبيانه ، قاطعاً برهانه ؛ وحيا ناطقاً ببينات وحجج ، قرآنا عربياً غير ذى عوج ؛ مفتاحاً للمنافع الدينية والدنيوية ، مصداقا لما بين يديه من الكتب السماوية ؛ معجزاً باقياً دون كل معجز على وجه كل زمان ، دائراً من بين سائر الكتب على كل لسان في كل مكان ؛ أفحم به من طولب بمعارضته من العرب العرباء ، وأبكم به من تحدّى به من مصاقع الخطباء ، فلم يتصدّ للإتيان بما يوازيه أو يدانيه واحد من فصحائهم ، ولم ينهض لمقدار أقصر سورة منه ناهض من بلغائهم ؛ على أنهم كانوا أكثر من حصى البطحاء ، وأوفر عدداً من رمال الدهناء ؛ ولم ينبض (١) منهم عرق العصبية مع اشتهارهم بالإفراط في المضادّة والمضارّة ، وإلقائهم الشراشر (٢) على المعازة والمعارّة ؛ ولقائهم دون المناضلة عن أحسابهم الخطط ، وركوبهم في كل ما يرومونه الشطط ؛ إن أتاهم أحد بمفخرة أتوه بمفاخر ، وإن رماهم بمأثرة رموه بمآثر ؛ وقد جرّد لهم الحجة أوّلا ، والسيف آخراً ، فلم يعارضوا إلا السيف وحده ، على أنّ السيف القاضب مخراق لاعب إن لم تمض الحجة حدّه ؛ فما أعرضوا عن معارضة الحجة إلا لعلمهم أنّ البحر قد زخر فطمّ على الكواكب (٣) ، وأنّ الشمس قد أشرقت فطمست نور الكواكب.

__________________

(١) قوله «ولم ينبض» أى يتحرك كما في الصحاح. (ع)

(٢) قوله «الشراشر» في الصحاح : الشراشر الأثقال ، الواحدة شرشرة. يقال : ألقى عليه شراشره حرصاً ومحبة. وفيه : العرارة شدة الحرب ، واسمه للسودد. (ع)

(٣) قوله «فطم على الكواكب» في الصحاح : الكوكب النجم ، وكوكب الشيء معظمه ، وكوكب الروضة نورها والمعنى الأخير هو المراد هنا ، والأول هو ما يأتي. (ع)

١٣

والصلاة [والسلام] على خير من أوحى إليه حبيب الله أبى القاسم ، محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم ؛ ذى اللواء المرفوع في بنى لؤىّ. وذى الفرع المنيف في عبد مناف بن قصّى ؛ المثبت بالعصمة ، المؤيد بالحكمة ، الشادخ (١) الغرّة الواضح التحجيل ، النبىّ الأمىّ المكتوب في التوراة والإنجيل ؛ وعلى آله الأطهار ، وخلفائه من الأختان والأصهار ، وعلى جميع المهاجرين والأنصار.

اعلم أنّ متن كلّ علم وعمود كل صناعة ـ طبقات العلماء فيه متدانية ، وأقدام الصناع فيه متقاربة أو متساوية ، إن سبق العالم العالم لم يسبقه إلا بخطإ يسيرة ، أو تقدّم الصانع الصانع لم يتقدّمه إلا بمسافة قصيرة وإنما الذي تباينت فيه الرتب ، وتحاكت فيه الركب ، ووقع فيه الاستباق والتناضل ، وعظم فيه التفاوت والتفاضل ، حتى انتهى الأمر إلى أمد من الوهم متباعد ، وترقى إلى أن عدّ ألف بواحد ـ ما في العلوم والصناعات من محاسن النكت والفقر ، ومن لطائف معان يدق فيها مباحث للفكر ، ومن غوامض أسرار ، محتجبة وراء أستار ، لا يكشف عنها من الخاصة إلا أوحدهم وأخصهم ، وإلا واسطتهم وفصهم ، وعامتهم عماة عن إدراك حقائقها بأحداقهم عناة في يد التقليد لا يمنّ عليهم بجزّ نواصيهم وإطلاقهم

ثم إن أملأ العلوم بما يغمر القرائح ، وأنهضها بما يبهر الألباب القوارح (٢) ؛ من غرائب نكت يلطف مسلكها ، ومستودعات أسرار يدق سلكها ؛ علم التفسير الذي لا يتم لتعاطيه وإجالة النظر فيه كل ذى علم ، كما ذكر الجاحظ في كتاب نظم القرآن ؛ فالفقيه وإن برز على الأقران في علم الفتاوى والأحكام ، والمتكلم وإن بز أهل الدنيا في صناعة الكلام ، وحافظ القصص والأخبار وإن كان من ابن القرّية أحفظ ، والواعظ وإن كان من الحسن البصري أوعظ ؛ والنحوي وإن كان أنحى من سيبويه ، واللغوي وإن علك اللغات بقوّة لحييه ؛ لا يتصدّى منهم أحد لسلوك تلك الطرائق ، ولا يغوص على شيء من تلك الحقائق ؛ إلا رجل قد برع في علمين مختصين بالقرآن ، وهما علم المعاني وعلم البيان ؛ وتمهل في ارتيادهما آونة ، وتعب في التنقير عنهما أزمنة ، وبعثته على تتبع مظانهما همة في معرفة لطائف حجة الله ، وحرص على استيضاح معجزة رسول الله ؛ بعد أن يكون آخذاً من سائر العلوم بحظ ، جامعا بين أمرين تحقيق وحفظ ؛ كثير المطالعات ، طويل المراجعات ؛ قد رجع زمانا ورجع إليه ، وردّ وردّ عليه ؛ فارسا في علم الإعراب ، مقدّما في حملة الكتاب ؛ وكان مع ذلك مسترسل الطبيعة منقادها ، مشتعل القريحة وقادها ؛ يقظان النفس درّاكا للمحة وإن لطف

__________________

(١) قوله «الشادخ الغرة» في الصحاح : شدخت الغرة ، إذا اتسعت. (ع)

(٢) قوله «بما يبهر الألباب القوارح» في الصحاح : قرح الجافر ، إذا انتهت أسنانه ، وكل ذى حافر يقرح ، وكل ذى خف يبزل. (ع)

١٤

شأنها ، متنبها على الرمزة وإن خفى مكانها ، لا كزّا جاسيا ، ولا غليظاً جافياً ؛ متصرفا ذا دراية بأساليب النظم والنثر ، مرتاضا غير ريض (١) بتلقيح بنات الفكر ؛ قد علم كيف يرتب الكلام ويؤلف ، وكيف ينظم ويرصف ، طالما دفع إلى مضايقه ، ووقع في مداحضه ومزالقه.

ولقد رأيت إخواننا في الدين من أفاضل الفئة الناجية (٢) العدلية ، الجامعين بين علم العربية والأصول الدينية ، كلما رجعوا إلىّ في تفسير آية فأبرزت لهم بعض الحقائق من الحجب ، أفاضوا في الاستحسان والتعجب ؛ واستطيروا شوقا إلى مصنف يضم أطرافا من ذلك حتى اجتمعوا إلىّ مقترحين أن أملى عليهم (الكشف عن حقائق التنزيل ، وعيون الأقاويل في وجوه التأويل) فاستعفيت ، فأبوا إلا المراجعة والاستشفاع بعظماء الدين وعلماء العدل والتوحيد والذي حدانى على الاستعفاء على علمى أنهم طلبوا ما الإجابة إليه علىّ واجبة ؛ لأنّ الخوض فيه كفرض العين ما أرى عليه الزمان من رثاثة أحواله وركاكة رجاله وتقاصر هممهم عن أدنى عدد هذا العلم فضلا أن تترقى إلى الكلام المؤسس على علمى المعاني والبيان ، فأمليت عليهم مسألة في الفواتح ، وطائفة من الكلام في حقائق سورة البقرة وكان كلاما مبسوطا كثير السؤال والجواب طويل الذيول والأذناب ، وإنما حاولت به التنبيه على غزارة نكت هذا العلم وأن يكون لهم مناراً ينتحونه ومثالا يحتذونه ، فلما صمم العزم على معاودة جوار الله والإناخة بحرم الله فتوجهت تلقاء مكة ، وجدت في مجتازى بكل بلد من فيه مسكة من أهلها ـ وقليل ما هم ـ عطشى الأكباد إلى العثور على ذلك المملى ، متطلعين إلى إيناسه ، حرّاصا على اقتباسه ، فهز ما رأيت من عطفي وحرّك الساكن من نشاطي ، فلما حططت الرحل بمكة إذا أنا بالشعبة السنية ، من الدوحة الحسنية : الأمير الشريف الإمام شرف آل رسول الله أبى الحسن على بن حمزة بن وهاس ، ادام الله مجده ، وهو النكتة والشامة في بنى الحسن مع كثرة محاسنهم وجموم مناقبهم ـ أعطش الناس كبداً وألهبهم حشى وأوفاهم رغبة ، حتى ذكر أنه كان يحدّث نفسه ـ في مدّة غيبتي عن الحجاز مع تزاحم ما هو فيه من المشادّة ـ بقطع الفيافي وطى المهامه والوفادة علينا بخوارزم ليتوصل إلى إصابة هذا الغرض ؛ فقلت قد ضاقت على المستعفى الحيل ، وعيت به العلل ؛ ورأيتنى قد أخذت منى السنّ ، وتقعقع الشنّ ، وناهزت العشر التي سمتها العرب دقاقة الرقاب ، فأخذت في طريقة أخصر من الأولى مع ضمان التكثير من الفوائد

__________________

(١) قوله «غير ريض» في الصحاح : ناقة ريض ، أول ما ريضت وهي صعبة بعد. (ع)

(٢) قوله «من أفاضل الفئة الناجية» هي التي سماها أهل السنة بالمعتزلة ، فقوله «إخواننا في الدين» يقتضى أنه من المعتزلة. ولذا تراه في مسائل الخلاف بين المعتزلة وأهل السنة يقول بقول المعتزلة ، فإذا كان ظاهر الآية يوافقهم أبقاها على ظاهرها ، وإذا كان يخالفهم صرفها عن ظاهرها إلى معنى يوافقهم ، عفى الله عنه. (ع)

١٥

والفحص عن السرائر ، (١) ووفق الله وسدّد ففرغ منه في مقدار مدّة خلافة أبى بكر الصدّيق رضى الله عنه (٢) وكان يقدّر تمامه في أكثر من ثلاثين سنة ، وما هي إلا آية من آيات هذا البيت المحرم ، وبركة أفيضت علىّ من بركات هذا الحرم المعظم ؛ أسأل الله أن يجعل ما تعبت فيه منه سبباً ينجيني ، ونوراً لي على الصراط يسعى بين يدي وبيميني ؛ ونعم المسئول.

__________________

(١) قوله «والفحص عن السرائر» لعله «الشرائد» أو «الشدائد». (ع)

(٢) «قوله ففرغ منه في مقدار خلافة أبى بكر الصديق رضى الله عنه : وكان يقدر تمامه في أكثر من ثلاثين سنة» كانت مدة خلافة أبى بكر رضى الله عنه سنتين وثلاثة أشهر على الصواب وكأنه لمح بذكر الثلاثين إلى حديث سفينة مرفوعا «الخلافة بعدي ثلاثون سنة» أخرجه الترمذي وغيره. فكأنه قال يقدر تمامه في مدة الخلفاء الراشدين فيسره الله في قدر مدة أولهم وأفضلهم. وكانت أيضا أقصر كل من الثلاثة الذين بعده لأن خلافة عمر رضى الله عنه كانت عشرا وأشهرا ، وعثمان رضى الله عنه اثنى عشرة سنة ، وعلى رضى الله عنه خمس سنين إلا أشهراً. وقتل على رضى الله عنه بعد النبي صلى عليه وسلم بتسع وعشرين سنة ونصف ، وأكمل النصف مدة الحسن بن على رضى الله عنه ، والله أعلم ،؟؟؟ من تخريج الأحاديث للحافظ ابن حجر.

١٦