اللّباب في علوم الكتاب - ج ٤

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي

اللّباب في علوم الكتاب - ج ٤

المؤلف:

أبي حفص عمر بن علي بن عادل الدمشقي الحنبلي


المحقق: عادل أحمد عبد الموجود و علي محمّد معوّض
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-2298-3

الصفحات: ٥٥٨

مشركة على كلّ حال ، ولو في هذه الحال ، وأنّ هذا يكون لاستقصاء الأحوال ، وأنّ ما بعد «لو» هذه إنّما يأتي وهو مناف لما قبله بوجه ما ، فالإعجاب مناف لحكم الخيريّة ، ومقتض جواز النّكاح لرغبة النّاكح فيها. وقال أبو البقاء : «لو» هنا بمعنى «إن» وكذا كلّ موضع وقع بعد «لو» الفعل الماضي ، وكان جوابها متقدّما عليها ، وكونها بمعنى «إن» لا يشترط فيه تقدّم جوابها ؛ ألا ترى أنّهم قالوا في قوله تعالى : (لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ) إنّها بمعنى : «إن» مع أنّ جوابها وهو : «خافوا» متأخّر عنها ، وقد نصّ هو على ذلك في آية النّساء قال في خافوا : وهو جواب «لو» ومعناها «إن».

فصل في نكاح الأمة الكتابيّة

قال القرطبيّ (١) : اختلفوا في نكاح الأمة الكتابيّة ؛ فقال مالك : من أسلم وتحته أمة كتابيّة أنّه لا يفرّق بينهما.

وقال أبو حنيفة وأصحابه : يجوز نكاح إماء أهل الكتاب. قال ابن العربيّ : احتجّ أصحاب أبي حنيفة على جواز نكاح الأمة بقوله تعالى : (وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ) ووجه الدلالة : أنّه تعالى خاير بين نكاح الأمة المؤمنة والمشركة ، فلولا أنّ نكاح الأمة المشركة جائز لما خاير بينهما ؛ لأنّ المخايرة إنّما هي بين الجائزين ، لا بين جائز وممتنع ، ولا بين متضادين.

والجواب : أنّ المخايرة بين الضدّين تجوز لغة وقرآنا ، قال تعالى : (أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلاً) [الفرقان : ٢٤].

وقال عمر في رسالته لأبي موسى الأشعري : الرّجوع إلى الحقّ خير من التّمادي في الباطل(٢).

__________________

(١) ينظر : تفسير القرطبي ٣ / ٤٧.

(٢) ونص الرسالة : «عن أبي المليح الهذلي ، قال : كتب عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري : أما بعد : فإن القضاء فريضة محكمة ، وسنة متبعة ، فافهم إذا أدلي إليك بحجة ، وأنفذ الحق إذا وضح ، فإنه لا ينفع تكلم بحق لا نفاذ له وآس بين الناس في وجهك ومجلسك وعدلك حتى لا ييأس الضعيف من عدلك ، ولا يطمع الشريف في حيفك ، البينة على من ادّعى ، واليمين على من أنكر ، والصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا أحل حراما ، أو حرم حلالا ، لا يمنعك قضاء قضيته بالأمس راجعت من نفسك ، وهديت فيه لرشدك ألا تراجع الحق ؛ فإن الحق قديم ، ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل ، الفهم الفهم فيما يختلج في صدرك ، ما لم يبلغك في الكتاب أو السنة (اعرف الأمثال والأشباه ، ثم قس الأمور عند ذلك) ، (فاعمد إلى أحبها عند الله وأشبهها بالحق فيما ترى) ، واجعل لمن ادعى منه أمدا ينتهي إليه ، فإن أحضر بينته أخذ بحقه ، وإلا وجهت القضاء عليه ؛ فإن ذلك أجلى للعمى ، وأبلغ في العذر ، المسلمون عدول بعضهم على بعض ، إلا مجلودا في حدّ ، أو مجربا في شهادة زور ، أو ظنينا في ولاء ، أو قرابة ، إن الله تولى منكم السرائر ، ودرأ عنكم بالبينات ، وإياك والقلق والضجر والتأذي بالناس ، والتنكر للخصوم في مواطن الحق التي يوجب الله بها الأجر ويحسن بها الذخر ؛ فإنه من ـ

٦١

وجواب آخر : أنّ قوله : «ولأمة» لم يرد به الرّقّ المملوك وإنّما أراد به الآدميّات والآدميين كقوله عليه الصّلاة والسّلام : «لا تمنعوا إماء الله مساجد الله» وكذا قوله : (وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ) وقوله : (وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا) هذا بالإجماع المراد منه الكلّ ، وأنّ المؤمنة لا يحلّ تزويجها بكافر البتّة على اختلاف أنواع الكفر ، والكلام في قوله : (وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ) على نحو ما تقدّم.

فصل في نكاح المجوسيّة

قال القرطبيّ (١) : اختلفوا في نكاح المجوسية (٢) ؛ فمنع منه مالك والشّافعيّ ، وأبو حنيفة ، والأوزاعيّ وإسحاق.

وقال أحمد : لا يعجبني (٣)(٤).

وروي أنّ حذيفة بن اليمان تزوّج مجوسية ، وأنّ عمر بن الخطّاب قال له : طلّقها.

قال ابن القصّار : من قال كان لهم كتاب جوّز نكاحهنّ.

قوله : (أُولئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ) وهي نظير قوله تعالى : (ما لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ) [غافر : ٤١] ، وفي تأويلها وجوه :

الأوّل : أنّهم يدعون إلى ما يؤدّي إلى النّار.

فإن قيل : كيف يدعون إلى النّار ، وربّما لم يؤمنوا بالنّار أصلا ، فكيف يدعون إليها؟!

والجواب : أنّهم يدعون إلى ما يؤدّي إلى النّار ، فإنّ الظّاهر أن الزّوجيّة مظنة الألفة والمحبة والمودّة ، وكلّ ذلك يؤدّي إلى انتقال المسلم عن الإسلام بسبب موافقة حبيبه.

فإن قيل : احتمال المحبّة حاصل من الجانين ، فكما يحتمل أن يصير المسلم كافرا بسبب الألفة والمحبّة يحتمل أيضا أن يصير الكافر مسلما بسبب الألفة والمحبّة ، وإذا تعارض الاحتمالان ، تساقطا ، وبقي أصل الجواز.

فالجواب : أنّ العمل إذا دار بين أن يلحقه نفع ، أو بين أن يلحقه ضرر ؛ وجب

__________________

ـ يصلح نيته فيما بينه وبين الله ، ولو على نفسه يكفه الله ما بينه وبين الناس ، ومن تزين للناس بما يعلم الله منه غير ذلك يشنه الله ، فما ظنك بثواب غير الله ـ عزوجل ـ في عاجل رزقه ، وخزائن رحمته».

ينظر سنن الدارقطني ٤ / ٢٠٦ ، ٢٠٧.

(١) ينظر : تفسير القرطبي ٣ / ٤٨.

(٢) ينظر في المجوس وأحكامهم : المحلى لابن حزم ح ٩ ص ٤٤٨ ، بدائع الصنائع ٢ / ٢٧١ ، الخراج لأبي يوسف ٧٣٥ ، فتح القدير ٢ / ٧٣ ، المغني لابن قدامة ح ٧ ص ٥٠٢ ، المواهب اللدنية ٢ / ٣٩ ، المبسوط ٤ / ٢١٤ ، الأموال لأبي عبيد ص ٣١٠ ، المصباح المنير ١ / ١٣٩ ، القاموس المحيط ٢ / ٢٥٠.

(٣) ينظر : تفسير القرطبي ٣ / ٤٨.

(٤) ينظر : المصدر السابق.

٦٢

الاحتراز عن الضّرر ، فلهذا السّبب رجّح الله جانب المنع.

التّأويل الثّاني : أنّهم يدعون إلى ترك المحاربة والقتال ، وفي تركهما وجوب استحقاق النّار والعقاب ، والغرض منه أن يجعل هذا فرقا بين الذّمّيّة ، وغيرها ، فإنّ الذّمّيّة لا تحمل زوجها على المقاتلة.

التّأويل الثالث : أنّ الولد الّذي يحدث ، ربّما دعاه الكافر إلى الكفر ، فيصير الكافر والولد من أهل النّار ، فهذا هو الدّعوة إلى النّار ، (وَاللهُ يَدْعُوا إِلَى الْجَنَّةِ) حيث أمر بالتّزويج بالمسلمة ، حتى يكون الولد مسلما من أهل الجنّة.

قوله : (وَاللهُ يَدْعُوا إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ) فيه قولان :

الأول : أنّ المعنى : وأولياء الله يدعون إلى الجنّة ، والمغفرة ، فلا جرم أنه ينبغي للعاقل ألّا يقرب من مشركة ، فإنّها من أعداء الله ، وأن ينكح المؤمنة ؛ لأنّها تدعو إلى الجنّة والمغفرة.

الثاني : أنّه سبحانه وتعالى لمّا بيّن هذه الأحكام ، وأباح بعضها ، وحرّم بعضها قال (وَاللهُ يَدْعُوا إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ) ؛ لأنّ من تمسّك بهما استحقّ الجنّة.

و «المغفرة» الجمهور على جرّ «المغفرة» عطفا على «الجنّة» و «بإذنه» متعلّق ب «يدعو» أي : بتسهيله ، وتيسيره ، وتوفيقه ، وقيل بقضائه وإرادته.

وفي غير هذه الآية تقدّمت «المغفرة» على الجنة : (سابِقُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ) و (سارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ) ، وهذا هو الأصل ؛ لأنّ المغفرة سبب في دخول الجنّة ، وإنما أخّرت هنا للمقابلة ، فإنّ قبلها «يدعوا إلى النّار» ، فقدّم الجنّة ليقابل بها النّار لفظا ، ولتشوّق النّفوس إليها حين ذكر دعاء الله إليها ، فأتى بالأشرف.

وقرأ الحسن (١) «والمغفرة بإذنه» على الابتداء والخبر ، أي : حاصلة بإذنه.

ويبين آياته للناس لعلّهم يتذكّرون ، أي : أوامره ، ونواهيه.

قوله تعالى : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ)(٢٢٢)

«المحيض» فعل من الحيض ، ويراد به المصدر ، والزمان ، والمكان ، تقول : حاضت المرأة تحيض ، حيضا ومحيضا ، ومحاضا ، فبنوه على مفعل ومفعل بالكسر والفتح.

واعلم أنّ في المفعل من يفعل بكسر العين ثلاثة مذاهب :

__________________

(١) انظر : الشواذ ١٣ ، والمحرر الوجيز ١ / ٢٩٧ ، والبحر المحيط ٢ / ١٧٦ ، والدر المصون ١ / ٥٤٢.

٦٣

أحدها : أنّه كالصّحيح ، فتفتح عينه مرادا به المصدر ، وتكسر مرادا به الزّمان والمكان.

والثّاني : أن يتخيّر بين الفتح والكسر في المصدر خاصّة ، كما جاء هنا : المحيض والمحاض ، ووجه هذا القول : أنّه كثر هذان الوجهان : أعني ، الكسر ، والفتح فاقتاسا.

والثالث : أن يقتصر على السّماع ، فيما سمع فيه الكسر ، أو الفتح ، لا يتعدّى. فالمحيض المراد به المصدر ليس بمقيس على المذهبين الأول والثالث ، مقيس على الثاني. ويقال : امرأة حائض ولا يقال : «حائضة» إلا قليلا ، أنشد الفرّاء : [الطويل]

١٠٧٩ ـ ..........

كحائضة يزنى بها غير طاهر (١)

والمعروف أنّ النّحويين فرّقوا بين حائض ، وحائضة : فالمجرّد من تاء التّأنيث بمعنى النّسب ، أي : ذات حيض ، وإن لم يكن عليها حيض ، والملتبس بالتّاء لمن عليها الحيض في الحال ، فيحتمل أن يكون مراد الشاعر ذلك ، وهكذا كلّ صفة مختصة بالمؤنّث نحو : طامث ومرضع وشبههما.

قال القرطبيّ : ويقال : نساء حيض ، وحوائض ، والحيضة : المرأة الواحدة. والحيضة بالكسر ، الاسم والجمع الحيض ، والحيضة أيضا : الخرقة التي تستثفر بها المرأة ، قالت عائشة : «ليتني كنت حيضة ملقاة» وكذلك المحيضة ، والجمع : المحائص.

وأصل الحيض السّيلان ، والانفجار ، يقال : حاض السّيل وفاض ، قال الفرّاء : «حاضت الشّجرة ، أي : سال صمغها» ، قال الأزهريّ : «ومن هذا قيل للحوض : حيض ؛ لأنّ الماء يسيل إليه» والعرب تدخل الواو على الياء ، والياء على الواو ؛ لأنّهما من حيّز واحد ، وهو الهواء.

ويقال : حاضت المرأة وتحيّضت ، ودرست ، وعركت ، وطمثت فهي حائض ، ودارس ، وعارك ، وطامث ، وطامس ، وكابر ، وضاحك. قال تعالى (فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ) [يوسف : ٣١] أي : حضن ، وقال تعالى : (فَضَحِكَتْ) [هود : ٧١].

قال مجاهد (٢) : أي : حاضت ونافس أيضا ، والظّاهر أن المحيض مصدر كالحيض ،

__________________

(١) عجز بيت وصدره

رأيت ختون العام والعام قبله

ينظر المذكر والمؤنث للفراء (١٥٩) ، المفصل لابن يعيش (٥ / ١٠٠) ، الدر المصون ١ / ٥٤٣ ، واللسان (حيض) ، و (ختن).

(٢) ينظر : تفسير القرطبي ٣ / ٥٥.

٦٤

ومثله : «المقيل» من قال يقيل ؛ قال الرّاعي : [الكامل]

١٠٨٠ ـ بنيت مرافقهنّ فوق مزلّة

لا يستطيع بها القراد مقيلا (١)

وكذلك قال الطّبريّ : «إنّ المحيض اسم كالمعيش : اسم العيش» ؛ وأنشد لرؤبة : [الرجز]

١٠٨١ ـ إليك أشكو شدّة المعيش

ومرّ أعوام نتفن ريشي (٢)

وقيل : المحيض في الآية المراد به : اسم موضع الدّم ، وعلى هذا فهو مقيس اتّفاقا ، ويؤيّد الأوّل قوله : (قُلْ هُوَ أَذىً). وقد يجاب عنه بأنّ ثمّ حذف مضاف ، أي : هو ذو أذى ، ويؤيّد الثّاني قوله : (فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ). ومن حمله على المصدر قدّر هنا حذف مضاف ، أي : فاعتزلوا وطء النّساء في زمان الحيض ، ويجوز أن يكون المحيض الأوّل مصدرا والثّاني مكانا.

حكى الواحديّ في «البسيط» (٣) عن ابن السّكّيت : إذا كان الفعل من ذوات الثلاثة نحو : كال يكيل ، وحاض يحيض وأشباهه ، فإنّ الاسم منه مكسور والمصدر مفتوح ، من ذلك مال ممالا ، وهذا مميله يذهب بالكسر إلى الاسم ، وبالفتح إلى المصدر ، ولو فتحهما جميعا ، أو كسرهما جميعا في المصدر والاسم لجاز ، تقول : المعاش ، والمعيش ، والمغاب ، والمغيب ، والمسار والمسير فثبت أنّ لفظ المحيض حقيقة في موضع الحيض ، وأيضا هو اسم لنفس الحيض.

قال ابن الخطيب (٤) : وعندي أنّه ليس كذلك ؛ إذ لو كان المراد بالمحيض هنا الحيض ، لكان قوله تعالى (فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ) معناه : فاعتزلوا النّساء في الحيض ، ويكون المراد : فاعتزلوا النساء في زمن الحيض ، فيكون ظاهره مانعا من الاستمتاع بهنّ فيما فوق السّرّة ، ودون الرّكبة ، ولما كان هذا المنع غير ثابت لزم القول بتطرّق النّسخ ، والتّخصيص إلى الآية ، وهو خلاف الأصل ، أما إذا حملنا المحيض على موضع الحيض ؛ كان معنى الآية : فاعتزلوا النّساء في موضع الحيض من النّساء ، وعلى هذا التّقدير لا يتطرّق إلى الآية نسخ ، ولا تخصيص.

ومن المعلوم أنّ اللّفظ إذا كان مشتركا بين معنيين وكان حمله على أحدهما يوجب محذورا ، وعلى الآخر لا يوجب ذلك المحذور ، فإنّ حمل اللّفظ على المعنى الّذي لا

__________________

(١) ينظر ديوانه ص ٢٤١ ، والحيوان ٥ / ٤٣٧ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٣٣٢ ، وشرح اختيارات المفضل ص ٢٥٠ ، ٩٨٣ ، والكتاب ٤ / ٨٩ ، ولسان العرب (حبس) (زلل) ، والدر المصون ١ / ٥٤٣.

(٢) ينظر ديوانه ٨٧ ، القرطبي ٣ / ٨١ ، الدر المصون ١ / ٥٤٣.

(٣) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٦ / ٥٤ ـ ٥٥.

(٤) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٦ / ٥٥.

٦٥

يوجب المحذور ، أولى إذا سلّمنا أنّ لفظ المحيض مشترك بين الموضع ، وبين المصدر.

فإن قيل : الدّليل على أنّ المراد من المحيض الحيض قوله : (قُلْ هُوَ أَذىً) ، ولو كان المراد الموضع لما صحّ هذا الوصف.

قلنا : بتقدير أن يكون المحيض عبارة عن الحيض ، فالحيض نفسه ليس بأذى لأن «الحيض» عبارة عن الدّم المخصوص ، و «الأذى» كيفيّة مخصوصة وهو عرض ، والجسم لا يكون نفس العرض فلا بدّ أن يقولوا : المراد منه أنّ الحيض موصوف بكونه أذى ، وإذا جاز ذلك فيجوز لنا أيضا أن نقول : إنّ المراد منه أنّ ذلك الموضع ذو أذّى ، وأيضا لم لا يجوز أن يكون المراد بالمحيض الأوّل الحيض ، وبالمحيض الثّاني موضع الحيض كما تقدّم وعلى هذا فيزول الإشكال.

فصل في بيان مغالاة اليهود وغيرهم في أمر الحيض

عن أنس بن مالك أنّ اليهود ، والمجوس كانوا يبالغون في التّباعد عن المرأة حال حيضها ، والنّصارى كانوا يجامعوهنّ ولا يبالون بالحيض ، وأنّ أهل الجاهليّة كانوا يقولون مثل قول اليهود ، والمجوس ، وكانوا إذا حاضت المرأة ؛ لم يؤاكلوها ، ولم يشاربوها ، ولم يجالسوها على فراش ، ولم يساكنوها في بيت كفعل اليهود والمجوس ، فسئل رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ عن ذلك ، فأنزل الله هذه الآية ، فأخذ المسلمون بظاهر الآية ، فأخرجوهنّ من بيوتهن ، فقال ناس من الأعراب : يا رسول الله البرد شديد ، والثّياب قليلة ، فإن آثرناهن بالثّياب ، هلك سائر أهل البيت ، وإن استأثرناها هلكت الحيض ، فقال عليه الصّلاة والسّلام : «إنّما أمرتكم أن تعتزلوا مجامعتهنّ إذا حضن ولم آمركم بإخراجهنّ من بيوتهنّ كفعل الأعاجم» فلمّا سمع اليهود ذلك قالوا : هذا الرّجل يريد ألّا يدع شيئا من أمرنا ، إلّا خالفنا فيه. فجاء أسيّد بن حضير وعباد بن بشر إلى رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فقالا : يا رسول الله إنّ اليهود تقول كذا وكذا ، أفلا ننكحهنّ في المحيض ، فتغير وجه رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ حتّى ظننا أنّه غضب عليهما ، فخرجا ؛ فجاءته هديّة من لبن ، فأرسل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إليهما فسقاهما فعلمنا أنه لم يغضب عليهما (١).

__________________

(١) أخرجه مسلم كتاب الحيض (٣٠٢) باب : جواز غسل الحائض رأس زوجها والترمذي (٢٩٨١) وأبو داود (٢٥٨) والنسائي (٢٨٩) وابن ماجه (٦٤٤) وأحمد (٣ / ١٣٢ ـ ١٣٣) والطيالسي (١٩٣٣) والبغوي في «شرح السنة» (٣١٤) وأبو عوانة (١ / ٣١١) والبيهقي (١ / ٣١٣) وابن حبان (١٣٥٢) وأبو يعلى (٦ / ٢٣٨ ـ ٢٣٩) رقم (٣٥٣٣).

والحديث ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ٤٦١) وزاد نسبته لعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه.

٦٦

فصل في مجيء «يسألونك» بحرف الواو

وجاء : «ويسألونك» ثلاث مرّات بحرف العطف بعد قوله : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ) وهي : (وَيَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ) ، «و (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى) «و (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ) وجاء «يسألونك» أربع مرات من غير عطف : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ يَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ). فما الفرق؟

والجواب : أنّ السّؤالات الأواخر وقعت في وقت واحد ، فجمع بينها بحرف الجمع ، وهو الواو ، أمّا السّؤالات الأول فوقعت في أوقات متفرقة ، فلذلك استؤنفت كلّ جملة ، وجيء بها وحدها.

وقوله : «هو أذّى» فيه وجهان :

أحدهما : قاله أبو البقاء : «أن يكون ضمير الوطء الممنوع» وكأنه يقول : إنّ السّياق يدلّ عليه ، وإن لم يجر له ذكر.

الثّاني : أن يعود على المحيض ، قال أبو البقاء : «ويكون التّقدير : هو سبب أذّى» وفيه نظر ؛ فإنّهم فسّروا الأذى هنا بالشّيء القذر ، فإذا أردنا بالمحيض نفس الدّم ، كان شيئا مستقذرا ، فلا حاجة إلى تقدير حذف مضاف.

فصل في المراد من «الأذى»

قال عطاء ، وقتادة ، والسّدّيّ : هو أذّى ، أي : قذر (١) واعلم أنّ الأذى في اللّغة ما يكره من كلّ شيء ، ويحتمل أن يكون قوله : «هو أذّى» ، أي : سبب الأذى قالوا : لأنّ من جامع في الحيض ، قد يحصل له في ذكره وأنثييه تفتيح وقروح.

وقوله : (فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ).

الاعتزال : التّنحّي عن الشّيء ، وأراد به ها هنا : ترك الوطء ، وقدّم ذكر العلّة ، وهي الأذى ، ثم رتّب الحكم ، وهو وجوب الاعتزال. فإن قيل : المراد ب «الأذى» هو الدّم ، وهو حاصل في وقت الاستحاضة مع أن اعتزال المرأة وقت الاستحاضة ، غير واجب ، فانتقضت هذه العلّة.

والجواب : أنّ دم الحيض دم فاسد يتولّد من فضلة تدفعها طبيعة المرأة من عمق الرّحم ، ولو احتبست تلك الفضلة لمرضت المرأة ، فذلك الدّم جار مجرى البول ، والغائط ، فكان أذّى وقذرا ، وأمّا دم الاستحاضة ، فليس كذلك ، بل هو دم صالح يسير من عروق تنفجر من عمق الرّحم ، فلا يكون أذى ، قال ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ لما سئل

__________________

(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٤ / ٣٧٤) عن قتادة والسدي وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ٤٦٣) عن قتادة وزاد نسبته لعبد الرزاق.

٦٧

عن الاستحاضة فقال : «إنّ ذلك دم عرق ، وليس بالحيضة» (١).

قال ابن الخطيب (٢) : وهذا جواب طبّيّ مخلّص ظاهر القرآن من الطّعن.

فصل في بيان صفات دم الحيض

اعلم أنّ الحيض موصوف بصفات حقيقية ، ويتفرّع عليه أحكام شرعيّة فالصّفات نوعان :

الأول : المنبع ؛ فدم الحيض يخرج من الرّحم ، قال تعالى : (وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللهُ فِي أَرْحامِهِنَ) [البقرة : ٢٢٨] قيل في تفسيره إنّ المراد منه الحيض والحمل ، وأمّا دم الاستحاضة ، فإنّه لا يخرج من الرّحم ، لكن من عروق تنقطع من فم الرّحم ، قال عليه الصّلاة والسّلام في صفة دم الاستحاضة : «إنّه دم عرق انفجر» (٣) ، وهذا يؤيّد ما تقدّم في الجواب.

النوع الثاني : من صفات دم الحيض التي وصفه بها رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وهي ستّ :

أحدها : إنه أسود.

الثاني : أنه ثخين.

الثالث : محتدم وهو المحترق من شدّة حرارته.

الرّابع : أنه يخرج برفق لا يسيل سيلانا.

الخامس : أنّ له رائحة كريهة بخلاف سائر الدماء ؛ وذلك لأنه من الفضلات التي تدفعها الطبيعة.

والسادس : أنه بحراني وهو الشّديد الحمرة ، وقيل ما تحصل فيه كدورة تشبيها له بماء البحر.

فهذه صفاته الحقيقيّة ، ثم من النّاس من قال : إنّ دم الحيض يتميّز عن دم الاستحاضة ، فكلّ دم موصوف بهذه الصّفات ، فهو دم حيض وما لا فلا ، وما اشتبه الأمر فيه فالأصل بقاء التّكليف ، ولا يزول إلا بعارض الحيض ، فإذا لم يعلم وجوده ؛ بقيت التّكاليف على ما كانت وقال آخرون : هذه الصّفات قد تشتبه على المكلّف ، فإيجاب التأمل من تلك الدّماء يقتضي عسرا ومشقة فقدر الشارع وقتا مضبوطا ، متى حصلت فيه الدّماء كان حكمها حكم الحيض

__________________

(١) أخرجه البخاري (١ / ١٤٦) كتاب الحيض باب : إذا حاضت في شهر ... الخ رقم (٣٢٥) والنسائي (١ / ٨٢) كتاب الحيض باب ٢ وأحمد (٦ / ٤٢٠) والبيهقي (١ / ١٧٠ ، ٣٢١ ، ٣٢٤ ، ٣٤٤ ، ٣٤٦ ، ٤٣٩).

وانظر فتح الباري (١ / ٤٢٥).

(٢) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٦ / ٥٥.

(٣) أخرجه الترمذي (٢١٧ ـ ٢١٨) كتاب الطهارة باب في المستحاضة رقم (١٢٥).

وقال الترمذي : حديث حسن صحيح.

٦٨

كيفما كانت صفة تلك الدّماء قصدا إلى إسقاط العسر والمشقّة.

فصل

اختلف العلماء في مدّة الحيض ، فقال عليّ بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ : أقلّه يوم وليلة ، وأكثره خمسة عشر يوما ، وهو قول عطاء بن أبي رباح (١) ، والأوزاعيّ ، والشّافعيّ ، وأحمد ، وإسحاق.

وقال أبو حنيفة ، والثّوريّ : أقلّه ثلاثة أيّام ولياليهن ، فإن نقص عنه ، فهو دم فاسد ؛ وأكثره عشرة أيّام.

قال أبو بكر الرّازيّ في «أحكام القرآن» : وقد كان أبو حنيفة يقول بقول عطاء ، ثم تركه.

وقال مالك : لا تقدير له في القلّة ، والكثرة ، فإن وجد ساعة ، فهو حيض ، وإن وجد أيّاما ، فكذلك.

واحتجّ أبو بكر الرازيّ في «أحكام القرآن» على فساد قول مالك بأنه : لو كان التّقدير ساقطا في القليل ، والكثير ، لوجب أن يكون الحيض هو الدّم الموجود من المرأة فيلزم ألّا يوجد في الدنيا مستحاضة لأن كل ذلك الدم يكون حيضا على المذهب ، وذلك باطل بالإجماع ولأنه روي أنّ فاطمة بنت أبي حبيش قالت للنّبيّ ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ «إنّي أستحاض فلا أطهر» (٢) وروي أنّ حمنة استحيضت سبع سنين ولم يقل النّبيّ ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ لهما إن ذلك حيض بل أخبرهما أنّ منه ما هو حيض ، ومنه ما هو استحاضة ، فبطل هذا القول ويمكن الجواب عنه بأن نقول : إنّما يتميّز دم الحيض عن دم الاستحاضة بالصّفات التي قدّمناها لدم الحيض ، فإذا عدمت ؛ حكمنا بدم الحيض ، وإن تردّدنا فيهما ، كان طريان الحيض مجهولا ، وبقاء التّكليف الّذي هو الأصل معلوم ، والمشكوك لا يارض المعلوم ، فلا جرم قلنا ببقاء التّكاليف ، فبهذا الطّريق يميز الحيض عن الاستحاضة وإن لم يجعل للحيض زمانا معيّنا.

واحتجّ مالك ـ رضي الله عنه ـ بوجهين :

الأول : أنّ النّبيّ ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ بيّن علامة دم الحيض ، وصفته كما قدمنا في قوله : «دم الحيض هو الأسود المحتدم» (٣) وإذا كان الدّم موصوفا بهذه الصّفة ، كان الحيض حاصلا ، فيدخل تحت قوله : (فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ).

__________________

(١) أخرجه الدارقطني (١ / ٢٠٨) عن عطاء وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ٤٦٢).

(٢) تقدم.

(٣) أخرجه البيهقي في سننه (١ / ٣٢٦).

٦٩

الثاني : قوله في دم الحيض «هو أذى» ، ذكر كونه أذّى في معرض العلّة ، لوجوب الاعتزال ، وإنّما كان «أذّى» للرّائحة المنكرة التي فيه ، واللون الفاسد وللحدة القوية الّتي فيه ، وإذا كان وجوب الاعتزال معللا بهذه المعاني ، وجب الاحتراز عملا بالعلّة المذكورة في كتاب الله.

واحتجّ الشّافعيّ على أبي حنيفة بوجهين :

الأول : أنه وجد دم الحيض في اليوم بليلته ، وفي الزّائد عن العشرة لأنه ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ وصف دم الحيض بأنه أسود محتدم ، فإذا وجد ذلك ، فقد حصل الحيض فيدخل تحت قوله : (فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ) تركنا العمل بهذا الدّليل في الأقلّ من يوم وليلة وفي الأكثر من خمسة عشر يوما باتّفاق بيني وبينك يا أبا حنيفة ؛ فوجب أن يبقى معمولا به في هذه المدّة.

الثاني : أنّه ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ بيّن نقصان دينها : بأنها تمكث شطر عمرها لا تصلّي (١) ، وهذا يدلّ على أنّ الحيضة قد تكون خمسة عشر يوما ؛ لأن على هذا التقدير يكون الطهر خمسة عشر يوما ؛ فيكون الحيض نصف عمرها ، ولو كان أقلّ من ذلك لم تكن تاركة للصّلاة نصف عمرها.

أجاب أبو بكر الرّازيّ عنه (٢) بوجهين :

الأوّل : أن الشّطر ليس هو النّصف ، بل هو البعض.

__________________

(١) هو حديث : تمكث إحداكن شطر دهرها لا تصلي. قال السخاوي في «المقاصد الحسنة» (ص ـ ١٦٤ ، ١٦٥) :

لا أصل له بهذا اللفظ ، فقد قال أبو عبد الله ابن منده فيما حكاه عنه ابن دقيق العيد في الإمام : ذكر بعضهم هذا الحديث ، ولا يثبت بوجه من الوجوه ، وقال البيهقي في المعرفة هذا الحديث يذكره بعض فقهائنا ، وقد تطلبته كثيرا فلم أجده في شيء من كتب الحديث ، ولم أجد له إسنادا ، وقال ابن الجوزي في التحقيق : هذا لفظ يذكره أصحابنا ولا أعرفه ، وقال الشيخ أبو إسحاق في المهذب : لم أجده بهذا اللفظ إلا في كتب الفقهاء ، وقال النووي في شرحه : باطل لا يعرف ، وفي الخلاصة : باطل لا أصل له ، وقال المنذري : لم يوجد له إسناد بحال ، وأغرب الفخر ابن تيمية في شرح الهداية لأبي الخطاب ، فنقل عن القاضي أبي يعلى أنه قال : ذكره عبد الرحمن بن أبي حاتم البستي في كتاب السنن له كذا قال! وابن أبي حاتم ليس بستيّا ، وإنما هو رازيّ وليس له كتاب يقال له «السنن» ، وفي قريب من معناه ، ما اتفقا عليه من حديث أبي سعيد مرفوعا : أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم فذاك من نقصان دينها ، ورواه مسلم من حديث ابن عمر بلفظ : تمكث الليالي ما تصلي وتفطر في شهر رمضان ، فهذا نقصان دينها ، ومن حديث أبي هريرة كذلك ، وفي المستدرك من حديث ابن مسعود نحوه ، ولفظه : فإن إحداهن تقعد ما شاء الله من يوم وليلة لا تسجد لله سجدة ، قال شيخنا : هذا وإن كان قريبا من معناه لكنه لا يعطي المراد منه.

(٢) في ب : عليه.

٧٠

والثاني : أنه لا يوجد في الدّنيا امرأة تكون حائضا نصف عمرها ، لأن ما مضى من عمرها قبل البلوغ هو من عمرها.

والجواب عن الأول : أنّ الشّطر هو النّصف ، يقال : شطرت الشّيء أي جعلته نصفين ، ويقال في المثل : «احلب حلبا لك شطره» (١) أي نصفه.

وعن الثاني : أن قوله ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ : «تمكث إحداكنّ شطر عمرها لا تصلّي» (٢) إنّما يتناول زمانا هي تصلّي فيه ، وذلك لا يتناول إلا زمان البلوغ.

واحتجّ أبو بكر الرازي على قول أبي حنيفة بوجوه :

الأول : ما روى أبو أمامة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «أقلّ الحيض ثلاثة أيّام ، وأكثره عشرة أيّام» (٣) فإن صحّ هذا الحديث ، فلا معدل عنه لأحد.

الثاني : روي عن أنس بن مالك ، وعثمان بن أبي العاص الثّقفيّ أنهما قالا : «الحيض ثلاثة أيّام ، وأربعة أيّام إلى عشرة أيّام ، وما زاد فهو استحاضة» (٤) وهذا قول صحابي لم يخالفه أحد ، فكان إجماعا ، ولأنّه إذا ورد قول عن صحابي فيما لا سبيل للعقل إليه ، فالظّاهر أنّه سمع من النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

الثالث : قوله ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ لحمنة بنت جحش : «تحيضي في علم الله ستّا ، أو سبعا ، كما تحيض النّساء في كلّ شهر» (٥) فقوله : «كما تحيض النّساء في كلّ شهر» مقتضاه أن يكون حيض النّساء في كلّ شهر هذا القدر ، خالفنا هذا الظّاهر في الثّلاثة إلى العشرة ، فيبقى ما عداه على الأصل.

الرابع : قول عليه الصّلاة والسّلام : «ما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب لعقول

__________________

(١) ينظر : اللسان (شطر).

(٢) أورده بهذا اللفظ السخاوي في «المقاصد الحسنة» ص (١٦٤) وقال : لا أصل له بهذا اللفظ.

وأورده القاري في «الأسرار المرفوعة» (٣٧٨) وقال قال ابن منده لا يثبت وقال ابن الجوزي : لا يعرف وقال النووي : باطل وقال البيهقي : تطلبته فلم أجد له إسنادا.

(٣) أخرجه الدارقطني (١ / ٢١٩) والطبراني في «الكبير» (٨ / ١٥٢) وابن الجوزي في «العلل المتناهية» (١ / ٣٨٣ ـ ٣٨٤) والخطيب (٩ / ٢٠) من طريق مكحول عن أبي أمامة.

قال الدارقطني : عبد الملك رجل مجهول والعلاء بن كثير ضعيف الحديث ومكحول لم يسمع من أبي أمامة شيئا.

وعزاه الهيثمي في «المجمع» (١ / ٢٨٥) للطبراني في «الأوسط» وقال : وفيه عبد الملك الكوفي عن العلاء بن كثير لا ندري من هو.

(٤) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٦ / ٥٧.

(٥) أخرجه أبو داود (٢٨٧) والترمذي (١ / ٢٢١ ـ ٢٢٥) وابن ماجه (٦٢٧) والطحاوي في «مشكل الآثار» (٣ / ٢٩٩ ـ ٣٠٠) والحاكم (١ / ١٧٢) والبيهقي (١ / ٣٣٨) وأحمد (٦ / ٣٨١ ـ ٣٨٢ ، ٤٣٩ ، ٤٣٩ ـ ٤٤٠). وقال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح.

٧١

ذوي الألباب منهنّ» فقيل : ما نقصان دينهن؟ قال : «تمكث إحداهنّ الأيّام واللّيالي لا تصلّي» (١).

فهذا يدلّ على أنّ مدّة الحيض ما يقع عليه اسم الأيّام ، واللّيالي ، وأقلّها ثلاثة أيّام وأكثرها عشرة ؛ لأنّه لا يقال في الواحد ، والاثنين لفظ الأيّام ، ولا يقال في الزّائد على العشرة أيّام ؛ بل يقال أحد عشر يوما ، أما الثّلاثة إلى العشرة ، فيقال فيها أيّام.

وأيضا قوله ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ لفاطمة بنت أبي حبيش : «دعي الصّلاة أيّام أقرائك» (٢) فلفظ الأيّام مختصّ بالثّلاثة إلى العشرة.

وفي حديث أمّ سلمة في المرأة التي سألته أنّها تهرق الدّم فقال : «لتنظر عدد الأيّام ، واللّيالي الّتي كانت تحيض من الشّهر ، ثمّ لتغتسل ولتصلّ» (٣).

فإن قيل : لعلّ حيض تلك المرأة كان مقدّرا بذلك المقدار قلنا : إنّه ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ ما سألها عن قدر حيضها ، بل حكم عليه بذلك الحكم مطلقا ، فدلّ هذا على أنّ الحيض مطلقا مقدّر بما ينطلق عليه لفظ الأيّام.

وأيضا قال في حديث عديّ بن ثابت : «المستحاضة تدع الصّلاة أيّام حيضها» (٤) وذلك عامّ في جميع النّساء.

الخامس : قال الجبّائي (٥) في «تفسيره» : إنّ فرض الصّيام والصّلاة لازم لعموم الأدلّة ، فعلى الوجوب ترك العمل بها في الثّلاثة إلى العشرة بالإجماع ، وما دون الثّلاثة وفوق العشرة حصل فيه اختلاف العلماء ، فأورث شبهة ، فلم نجعله حيضا ، فوجب بقاء التّكليف على أصله.

__________________

(١) أخرجه البخاري (١ / ١٣٧) كتاب الحيض باب : ترك الحائض الصوم (٣٠٤) و (٢ / ٢٤٢) كتاب الزكاة باب الزكاة على الأقارب رقم (١٤٦٢) ومسلم (١ / ٦١) عن أبي سعيد.

وأخرجه مسلم (١ / ٦١ ـ ٦٢) وأبو داود (٤٦٧٩) وأحمد ٢ / ٦٦ ـ ٦٧) من حديث ابن عمر.

وأخرجه مسلم (١ / ٦٢) والترمذي (٢ / ١٠٢) وأحمد (٢ / ٣٧٣ ـ ٣٧٤) عن أبي هريرة.

وقال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح.

(٢) أخرجه البخاري (١ / ١٤٣) كتاب الحيض باب إقبال الحيض وإدباره رقم (٣٢٠) ومسلم (١ / ١٨٠) وأبو عوانة (١ / ٣١٩) وأبو داود (٢٨٢ ، ٢٨٣) والترمذي (١ / ٢١٧ ـ ٢١٩) والدارمي (١ / ١٩٨) وابن ماجه (٦٢٠ ، ٦٢١) والطحاوي (١ / ٦١ ـ ٦٢) والبيهقي (١ / ١١٦ ، ٣٢٣ ، ٣٣٠ ، ٣٤٣) وأحمد (٦ / ١٩٤) من طرق عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة.

(٣) تقدم.

(٤) أخرجه أبو داود (كتاب الطهارة باب ١٠٧) وابن ماجه (٦٢٥) والدارمي (١ / ٢٠٢) والبيهقي (١ / ١١٦ ، ٣٤٧) والطحاوي في «شرح المعاني» (١ / ١٠٢) وابن عدي في «الكامل» (٤ / ١٣٢٧).

(٥) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٦ / ٥٨.

٧٢

فصل في حرمة جماع الحائض

اتّفق المسلمون على حرمة الجماع في زمن الحيض ، واختلفوا في وجوب الكفّارة (١) على من جامع فيه ، فذهب أكثرهم إلى أنّه لا كفّارة عليه فليستغر الله ويتوب ، وذهب قوم إلى وجوب الكفّارة عليه ؛ منهم : قتادة والأوزاعي ، وأحمد ، وإسحاق ، لما روى ابن عبّاس أن النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال في رجل جامع امرأته وهي حائض «إن كان الدّم عبيطا ؛ فليتصدّق بدينار ، وإن كان صفرة ، فنصف دينار» (٢) وروي موقوفا على ابن عبّاس (٣). واتّفقوا على أنّ جلّ الاستمتاع فيما فوق السّرّة ، ودون الرّكبة [واختلفوا بأنّه هل يجوز الاستمتاع بها فيما دون السّرة ، وفوق الرّكبة؟](٤) قال ابن الخطيب (٥) : إن فسّرنا المحيض بموضع الحيض ، كانت الآية دالّة على تحريم الجماع فقط ، فلا يكون فيها دلالة على تحريم غيره ، بل نقول : إنّ تخصيص الشّيء بالذّكر يدلّ على أنّ الحكم فيما عداه بخلافه ، وإن فسّرنا المحيض بالمحيض ، كان تقدير الآية فاعتزلوا النّساء في زمان المحيض ، وترك العمل بها فيما فوق السّرّة ودون الرّكبة ؛ فوجب أن يبقى الباقي على الحرمة.

قوله : (وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ) ، أي : لا تجامعوهنّ.

قال ابن العربيّ : سمعت الشّاشيّ (٦) يقول : إذا قيل «لا تقرب» ـ بفتح الرّاء ـ كان معناه : لا تتلبّس بالفعل ، وإذا كان بضمّ الرّاء كان معناه : لا تدن منه ، وهذا كالتأكيد لقوله تعالى : (فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ) فهذا نهي عن المباشرة في موضع الدّم ، وقوله :

__________________

(١) الكفارات جمع مفرده كفارة ، وهي في الأصل صفة مبالغة ؛ كعلامة ، ثم غلب استعمالها اسما فيما يستر الذنب ويمحوه ، وهذه المادّة في اللغة تنبئ عن الستر ؛ لأنها مأخوذة من الكفر «بفتح الكاف» ومعناه : الستر ومنه سمي الليل كافرا ؛ لأنه يستر الشيء بظلمته قال الشاعر : «في ليلة كفر النجوم غمامها».

وسمي الزارع كافرا ؛ لأنه يستر البذر بالتراب ، وسميت الأشياء المصطلح عليها في الشريعة «كفارات» لأنها تستر الذنب وتمحو أثره.

تعريفها شرعا :

وهي في اصطلاح الفقهاء : اسم لأشياء مخصوصة طلبها الشارع عند ارتكاب مخالفات معينة. وقد عرفها الرحماني من الشافعية فقال : هي مال أو صوم وجب بسبب.

(٢) أخرجه أبو داود (٢٦٤) والنسائي (١ / ٥٥ ، ٦٦ ـ ٦٧) وابن ماجه (٦٤٠) والدارمي (١ / ٢٥٤) وابن الجارود (٥٨) والحاكم (١ / ١٧١ ـ ١٧٢) والبيهقي (١ / ٣١٤) وأحمد (١ / ٢٣٠ ، ٢٣٧ ، ٢٧٢ ، ٢٨٦ ، ٣١٢ ، ٣٢٥).

قال أبو داود : هكذا الرواية الصحيحة دينار أو نصف دينار.

(٣) ينظر : تفسير البغوي ١ / ١٩٧.

(٤) سقط في ب.

(٥) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٦ / ٥٨.

(٦) ينظر : تفسير القرطبي ٣ / ٥٩.

٧٣

«ولا تقربوهنّ» نهي عن الالتذاذ بما يقرب من ذلك الموضع.

«حتّى» هنا بمعنى «إلى» والفعل بعدها منصوب بإضمار أن ، وهو مبنيّ لاتصاله بنون الإناث.

وقرأ (١) حمزة والكسائيّ ، وأبو بكر بتشديد الطّاء والهاء ، والأصل :

يتطهّرن ، فأدغم.

والباقون : «يطهرن» مضارع طهر. قالوا : وقراءة التّشديد معناها يغتسلن ، وقراءة التّخفيف معناها ينقطع دمهنّ. ورجّح الطّبري قراءة التّشديد وقال : «هي بمعنى يغتسلن لإجماع الجميع على تحريم قربان الرّجل امرأته بعد انقطاع الدّم حتّى تطهر ، وإنما الخلاف في الطهر ما هو؟ هل هو الغسل أو الوضوء ، أو غسل الفرج فقط؟».

قال ابن عطيّة : «وكلّ واحدة من القراءتين تحتمل أن يراد بها الاغتسال بالماء ، وأن يراد بها انقطاع الدّم وزوال أذاه».

قال : «وما ذهب إليه الطّبريّ من أنّ قراءة التّشديد مضمّنها الاغتسال ، وقراءة التّخفيف مضمّنها انقطاع الدّم أمر غير لازم ، وكذلك ادّعاؤه الإجماع» وفي رد ابن عطيّة عليه نظر ؛ إذ لو حملنا القراءتين على معنى واحد لزم التّكرار. ورجّح الفارسيّ قراءة التّخفيف ؛ لأنها من الثلاثي المضادّ لطمث وهو ثلاثي.

فصل في ورود لفظ الطهور في القرآن

قال أبو العبّاس المقري : ورد لفظ «الطّهور» في القرآن بإزاء تسعة معان :

الأول : انقطاع الدّم ، قال تعالى : (وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ) [البقرة : ٢٢٢] ، أي : حتى ينقطع الدّم.

الثاني : الاستنجاء بالماء ؛ قال تعالى : (فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا) [التوبة : ١٠٨] ، أي : يستنجون بالماء.

الثالث : الاغتسال ، قال تعالى : (فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَ) [البقرة : ٢٢٢] أي : اغتسلن.

الرابع : التّنظيف من الأدناس ، قال تعالى : (وَلَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ) [البقرة : ٢٥].

الخامس : التّطهّر من الذّنوب ؛ قال تعالى : (لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) [الواقعة : ٧٩] ، ومثله : (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ) [التوبة : ١٠٣].

__________________

(١) انظر : السبعة ١٨٢ ، والكشف ١ / ٢٩٣ ، والحجة ٢ / ٣٢١ ، وحجة القراءات ١٣٤ ، ١٣٥ ، والعنوان ٧٤ ، وشرح الطيبة ٤ / ٩٩ ، وشرح شعلة ٩٠٤ ، ٢٩١ ، وإتحاف ١ / ٤٣٨.

٧٤

السادس : التّطهير من الشّرك ، قال تعالى : (وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ) [الحج : ٢٦] ، أي : طهره من الشرك.

السابع : الطهور الطيب ، قال تعالى : (ذلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَ) [الأحزاب : ٥٣] أي أطيب.

الثامن : الطهور الحلّ ، قال تعالى : (هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ) [هود : ٧٨] ، أي: أحل.

التاسع : التطهر من الرّجس ، قال تعالى : (وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) [الأحزاب : ٣٣] ، أي: من الآثام والرّجس.

فصل في بيان النّهي عن الإتيان هل بعد انقطاع الدم أو الاغتسال

استدلّ أبو حنيفة ـ رضي الله عنه ـ بقوله تعالى : (وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ) بأنه نهي عن قربانهن إلى غاية ، وهي أن يطهرن ، أي : ينقطع حيضهنّ ، وإذا كان انقطاع الحيض غاية للنّهي ؛ وجب أن يزول النّهي عند انقطاع الحيض.

وأجيب بأنّه لو اقتصر على قوله (حَتَّى يَطْهُرْنَ) ، لكان ما ذكرتم لازما أما إذا انضم إليه قوله : (فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ) صار المجموع هو الغاية ، وذلك بمنزلة أن يقول الرّجل : لا تكلّم زيدا حتى يدخل الدّار ، فإذا طابت نفسه بعد الدّخول ، فكلّمه ، فإنّه يجب أن يتعلّق إباحة كلامه بالأمرين جميعا.

فإن قيل : يحمل قوله : (فَإِذا تَطَهَّرْنَ) على غسل الموضع ، فإنّه يجب غسله بإجماع ، فالجواب أنّ ظاهر قوله : (فَإِذا تَطَهَّرْنَ) حكم عائد إلى ذات المرأة ، فوجب أن يكون هذا التّطهير في كلّ بدنها لا في بعض بدنها ، وأيضا فنحمله على التّطهير الثّابت في المستحاضة لثبوته في الحيض ، والمراد به الاغتسال ، إذا أمكن وجود الماء.

فصل في هل تجبر الكتابيّة على الاغتسال من الحيض

اختلفوا في الكتابيّة ؛ هل تجبر على الغسل؟

فقيل تجبر لقوله تعالى (فَإِذا تَطَهَّرْنَ) يعني بالماء ، ولم يخص مسلمة من غيرها.

وقيل : لا تجبر ؛ لأنها لا تعتقد ذلك ، وقال تعالى : (وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللهُ فِي أَرْحامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) [البقرة : ٢٢٨] وهو الحيض والحمل ، وهذا خطاب للمؤمنات. وقال : (لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ) [البقرة : ٢٥٦].

قوله : (فَإِذا تَطَهَّرْنَ) يعني اغتسلن ، «فأتوهنّ» أي : فجامعوهنّ.

قوله : (مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ) في «من» قولان :

أحدهما : أنّها لابتداء الغاية ، أي : من الجهة الّتي تنتهي إلى موضع الحيض.

٧٥

والثاني : أن تكون بمعنى «في» ، أي : في المكان الذي نهيتم عنه في الحيض.

قال ابن عبّاس ، ومجاهد وإبراهيم ، وقتادة وعكرمة : فأتوهنّ في المأتى ؛ فإنّه هو الذي أمر الله به (١) ولا تأتوهنّ في غير المأتى ؛ لقوله : (مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ) أي : في حيث أمركم الله ؛ كقوله : (إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ) [الجمعة : ٩] ، أي : في يوم الجمعة ، وقوله: (ما ذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ) [فاطر : ٤٠] ، أي : في الأرض. ورجّح هذا بعضهم ، وفي الكلام حذف ، تقديره : «أمركم الله بالإتيان منه» يعني : أنّ المفعول الثّاني حذف للدلالة عليه.

قال الأصمّ والزّجّاج (٢) : فأتوهنّ بحيث يحلّ لكم غشيانهنّ ، وذلك بأن لا يكنّ صائمات ، ولا معتكفات ، ولا محرمات.

وقال محمّد بن الحنفيّة (٣) : فأتوهنّ من قبل الحلال دون الفجور. والأقرب : قول ابن عباس ، ومن تابعه ؛ لأن لفظة «حيث» حقيقة في الكلّ ، مجاز في غيرها.

فصل

قال أبو العبّاس المقري : ترد «من» بمعنى «في» كهذه الآية ، وتكون زائدة ؛ كقوله تعالى : (يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ) [نوح : ٤] ، وقوله : (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ) [الشورى : ١٣] أي : الدّين ، وقوله : (رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ) [يوسف : ١٠١] ، أي الملك. وبمعنى «الباء» ؛ قال تعالى : (يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ) [غافر : ١٥] ، أي : بأمره ، وقوله : (يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ) [الرعد : ١١] ، أي : بأمر الله ، وقوله : (وَأَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ) [النبأ : ١٤] ، أي : بالمعصرات ، وبمعنى «على» ؛ قال تعالى : (وَنَصَرْناهُ مِنَ الْقَوْمِ) [الأنبياء : ٧٧] ، أي : على القوم.

قال القرطبيّ (٤) : عبّر عن الوطء هنا بالإتيان.

قوله : (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ) التّوّاب : هو المكثر من فعل ما يسمّى توبة ، وقد يقال : هذا في حقّ الله ـ تعالى ـ ؛ من حيث إنه يكثر من قبول التّوبة.

فإن قيل : ظاهر الآية يدلّ على أنّه يحبّ تكثير التّوبة مطلقا ، والعقل يدلّ على أن التّوبة لا تليق إلّا بالمذنب ، فمن لم يكن مذنبا ، لا تجب منه التّوبة.

فالجواب من وجهين :

الأول : أن المكلّف لا يأمن البتّة من التّقصير.

__________________

(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٤ / ٣٨٨ ـ ٣٨٩) عن ابن عباس ومجاهد وعكرمة وقتادة.

(٢) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٦ / ٦٠.

(٣) ينظر : المصدر السابق.

(٤) ينظر : تفسير القرطبي ٣ / ٦٠.

٧٦

والثاني : قال أبو مسلم (١) : التّوبة في اللّغة عبارة عن الرّجوع ، ورجوع العبد إلى الله في كلّ الأحوال محمود.

واعترضه القاضي (٢) : بأن التّوبة ـ وإن كانت في أصل اللغة الرّجوع ـ إلا أنها في عرف الشّرع عبارة عن النّدم على الفعل الماضي ، والتّرك في الحاضر ، والعزم على ألّا يفعل مثله في المستقبل ؛ فوجب حمله على المعنى الشّرعيّ دون اللّغويّ.

ولأبي مسلم أن يجيب : بأنّ مرادي من هذا الجواب ، أنّه إن أمكن حمل اللّفظ على التّوبة الشّرعيّة ، فقد صحّ اللّفظ ، وإن تعذّر ذلك ، حملناه على التّوبة بحسب اللّغة الأصليّة.

قوله : (وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) فيه وجوه :

أحدها : المراد منه التّنزّه عن الذّنوب والمعاصي ، قاله مجاهد (٣).

فإن قيل : كيف قدّم ذكر المذنب على من لم يذنب؟

فالجواب : قدّمه لئلا يقنط التّائب من الرّحمة ، ولا يعجب المتطهّر بنفسه ؛ كقوله في آية أخرى : (فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ) [فاطر : ٣٢] ، قاله القرطبي (٤).

الثاني : قال عطاء ومقاتل بن سليمان والكلبيّ : «يحبّ التّوّابين من الذّنوب ، والمتطهّرين بالماء من الأحداث والنّجاسات» (٥).

الثالث : قال مقاتل بن حيّان : يحب التّوّابين من الذّنوب ، والمتطهّرين من الشّرك (٦).

الرابع : قال سعيد بن جبير : التّوّابين من الشّرك ، والمتطهّرين من الذّنوب (٧).

الخامس : أن المراد ألا يأتيها في زمان الحيض ، وألّا يأتيها في غير المأتى على ما قال : (فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ).

قال بعضهم : وهذا أولى ؛ لأنه أليق بنظم الآية ، ولأنّه ـ تعالى ـ قال حكاية عن قوم

__________________

(١) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٦ / ٦٠.

(٢) ينظر : المصدر السابق.

(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٤ / ٣٩٦) عن مجاهد.

(٤) ينظر : تفسير القرطبي ٣ / ٦١.

(٥) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٤ / ٣٩٥) وأورده السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ٤٦٦) وعزاه لوكيع وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عن عطاء.

(٦) ينظر : تفسير البغوي ١ / ١٩٨.

(٧) أخرجه ابن أبي حاتم عن الأعمش بمعناه كما في «الدر المنثور» (١ / ٤٦٦ ـ ٤٦٧).

٧٧

لوط : (أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ) [الأعراف : ٨٢] ، فكان قوله : (وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) ترك الإتيان في الأدبار.

السادس : أنّه ـ تعالى ـ لمّا أمرهنّ بالتّطهير في قوله : (فَإِذا تَطَهَّرْنَ) ، فلا حرم مدح التّطهير ، فقال : (وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) والمراد منه التّطهير بالماء ؛ قال ـ تعالى ـ : (رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ) [التوبة : ١٠٨] ، قيل في التّفسير : إنهم كانوا يستنجون بالماء ، وكرّر قوله «يحبّ» ؛ دلالة على اختلاف المقتضي للمحبّة ، فتختلف المحبّة.

قوله تعالى : (نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ)(٢٢٣)

(نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ) : مبتدأ وخبر ، ولا بدّ من تأويل ، ليصحّ الإخبار عن الجثة بالمصدر ، فقيل : على المبالغة ، جعلوا نفس الفعل ، وقيل : أراد بالمصدر ، اسم المفعول ، وقيل : على حذف مضاف من الأوّل ، أي : وطء نسائكم حرث ، أي : كحرث ، وقيل : من الثاني ، أي : نساؤكم ذوات حرث ، و «لكم» في موضع رفع ؛ لأنه صفة ل «حرث» ، فيتعلّق بمحذوف ، وإنما أفرد الخبر ، والمبتدأ جمع ؛ لأنه مصدر والأفصح فيه الإفراد.

قوله : (أَنَّى شِئْتُمْ) ، ظرف مكان ، ويستعمل شرطا واستفهاما بمعنى «متى» ، فيكون ظرف زمان ، ويكون بمعنى «كيف» ، وبمعنى «من أين» ، وقد فسّرت الآية الكريمة بكلّ من هذه الوجوه ، وقال النحويون : «أنّى» لتعميم الأحوال ، وقال بعضهم : إنما تجيء سؤالا وإخبارا عن أمر له جهات ، فهي على هذا أعمّ من «كيف» ، ومن «أين» ، ومن «متى» ، وقالوا : إذا كانت شرطية ، فهي ظرف مكان فقط ، واعلم أنها مبنية ؛ لتضمّنها : إمّا معنى حرف الشرط ، والاستفهام ، وهي لازمة النصب على الظرفية ، والعامل فيها هنا قالوا : الفعل قبلها وهو : «فأتوا» قال أبو حيان : وهذا لا يصحّ ؛ لأنّها إمّا شرطية أو استفهامية ، لا جائز أن تكون شرطية ؛ لوجهين :

أحدهما : من جهة المعنى ، وهو أنّها إذا كانت شرطا ، كانت ظرف مكان ، كما تقدّم ؛ وحينئذ : يقتضي الكلام الإباحة في غير القبل ، وقد ثبت تحريم ذلك.

والثاني : من جهة الصناعة ، وهو أنّ اسم الشرط لا يعمل فيه ما قبله ؛ لأنّ له صدر الكلام ، بل يعمل فيه فعل الشرط ؛ كما أنه عامل في فعل الشرط الجزم ، ولا جائز أن تكون استفهاما ؛ لأنّ الاستفهام لا يعمل فيه ما قبله ؛ لأنّ له صدر الكلام ، ولأنّ «أنّى» إذا كانت استفهامية ، اكتفت بما بعدها من فعل واسم ، نحو : (أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ) [الأنعام : ١٠١] (أَنَّى لَكِ هذا) [آل عمران : ٢٧] وهذه في هذه الآية مفتقرة لما قبلها كما ترى ، وهذا موضع مشكل يحتاج إلى تأمل ونظر.

٧٨

ثم الذي يظهر : أنها هنا شرطية ، ويكون قد حذف جوابها ؛ لدلالة ما قبله عليه ، تقديره : أنّى شئتم ، فأتوه ، ويكون قد جعلت الأحوال فيها جعل الظروف ، وأجريت مجراها ، تشبيها للحال بظرف المكان ؛ ولذلك تقدّر ب «في» ، كما أجريت «كيف» الاستفهامية مجرى الشرط في قوله : (يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ) [المائدة : ٦٤] وقالوا : كيف تصنع أصنع ، فالمعنى هنا ليس استفهاما بل شرطا ؛ فيكون ثمّ حذف في قوله : «ينفق كيف يشاء» ، أي : كيف يشاء ينفق ، وهكذا كل موضع يشبهه ، وسيأتي له مزيد بيان ، فإن قلت : قد أخرجت «أنّى» عن الظرفية الحقيقية ، وجعلتها لتعميم الأحوال مثل «كيف» وقلت : إنها مقتضية لجملة أخرى كالشرط ، فهل الفعل بعدها في محلّ جزم ، اعتبارا بكونها شرطية ، أو في محلّ رفع ، كما تكون كذلك بعد «كيف» التي تستعمل شرطية؟ قلت : تحتمل الأمرين ، والأرجح الأول ؛ لثبوت عمل الجزم ؛ لأنّ غاية ما في الباب تشبيه الأحوال بالظروف ، للعلاقة المذكورة ، وهو تقدير «في» في كلّ منهما. ولم يجزم ب «كيف» إلا بعضهم قياسا لا سماعا ، ومفعول «شئتم» محذوف ، أي : شئتم إتيانه بعد أن يكون في المحلّ المباح.

فصل في بيان سبب النزول

روى ابن عبّاس في سبب النزول ؛ قال : جاء عمر إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : يا رسول الله ، هلكت. قال : «وما الّذي أهلكك؟» قال : حوّلت رحلي البارحة ، فلم يردّ عليه شيئا ، فأوحي إليه : (نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) ، يقول : أقبل ، وأدبر ، واتّق الحيضة والدّبر (١).

وروى جابر بن عبد الله ؛ قال : كانت اليهود تقول في الذي يأتي امرأته من دبرها في قبلها : إن الولد يكون أحولا ، فنزلت هذه الآية (٢).

وروى مجاهد عن ابن عبّاس ؛ قال : كان من شأن أهل الكتاب ألّا يأتوا النّساء إلّا على حرف ، وذلك أستر ما تكون المرأة ، وكان هذا الحيّ من الأنصار قد أخذوا

__________________

(١) أخرجه أحمد (١ / ٢٩٧) والترمذي (٢٩٨٤) والنسائي في «عشرة النساء» رقم (٩١) والحاكم (٢ / ١٩٥) والبيهقي (٧ / ١٩٨) والطبراني في «الكبير» (١١ / ٧٧) رقم (١١٠٩٧) وابن حبان (٦ / ٢٠١) رقم (٤١٩٠) والطبري في «تفسيره» (٤ / ٤١٢ ـ ٤١٣) وأبو يعلى (٥ / ١٢١) رقم (٢٧٣٦).

والحديث ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ٢٦٢) وزاد نسبته لعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والخرائطي في «مساوئ الأخلاق» والضياء المقدسي في «المختارة» عن ابن عباس.

(٢) أخرجه البخاري (٨ / ١٤١ ، ١٤٣) ومسلم (كتاب النكاح باب جواز جماعه امرأته في قبلها من قدامها ومن ورائها) وابن ماجه (١ / ٦٢٠) رقم (١٩٢٥) والترمذي (٥ / ٢٠٠) رقم (٢٩٧٨) وأبو داود (١ / ٦٥٦) رقم (٢١٦٣) والبيهقي (٧ / ١٩٤ ـ ١٩٥) والطبري في «تفسيره» (٤ / ٤١٠) عن جابر.

وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ٤٦٧) وعزاه لوكيع وابن أبي شيبة وعبد بن حميد.

٧٩

بذلك من فعلهم ، وكان هذا الحيّ من قريش يتلذّذون منهنّ مقبلات ، ومدبرات ، ومستلقيات ، فلما قدم المهاجرون المدينة ، تزوّج رجل منهم امرأة من الأنصار ، وذهب يصنع لها ذلك فأنكرت ذلك عليه ، وقالت : إنما كنّا نؤتى على حرف ، فإن شئت فاصنع ذلك وإلا فاجتنبني ، حتى سرى أمرها إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأنزل الله ـ عزوجل ـ : (نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ) يعني : موضع الولد ، (فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) مقبلات ، ومدبرات ومستلقيات (١).

فصل

قال عكرمة والحسن : (أَنَّى شِئْتُمْ) إنما هو الفرج (٢).

وقوله : (حَرْثٌ لَكُمْ) أي : مزرع لكم ، ومنبت للولد بمنزلة الأرض ، وهذا دليل على تحريم الأدبار ؛ لأن محلّ الحرث والزّرع هو القبل لا الدّبر ؛ وأنشد ثعلب : [الرمل]

١٠٨٢ ـ إنّما الأرحام أرضو

ن لنا مخترثات

فعلينا الزّرع فيها

وعلى الله النّبات (٣)

وقال سعيد بن المسيّب : هذا في العزل ، يعني : إن شئتم فاعزلوا ، وإن شئتم فلا تعزلوا (٤) ، سئل ابن عبّاس عن العزل ؛ فقال : حرثك ، فإن شئت فعطّش ، وإن شئت فارو (٥).

وروي عنه ؛ أنّه قال : تستأمر الحرّة في العزل ، ولا تستأمر الجارية (٦) ، وكره جماعة العزل ، وقالوا : هو الوأد الخفيّ.

وروى مالك عن نافع ؛ قال : كنت أمسك على ابن عمر المصحف ، فقرأت هذه الآية : (نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ) فقال : تدري فيما نزلت ؛ في رجل أتى امرأته في دبرها ،

__________________

(١) أخرجه أبو داود (٢١٦٤) والحاكم (٢ / ١٩٥ ، ٢٧٩) والبيهقي (٧ / ١٩٥ ـ ١٩٦) والطبري في «تفسيره» (٤ / ٤٠٩).

وقال الحاكم : صحيح الإسناد على شرط مسلم ووافقه الذهبي.

وذكره السيوطي في «الدر المنثور» وزاد نسبته لابن راهويه وابن المنذر والطبراني.

(٢) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ٤٧١) عن عكرمة بمعناه وعزاه لابن أبي شيبة والخرائطي في «مساوئ الأخلاق».

(٣) ينظر : البحر المحيط ٢ / ١٨٠.

(٤) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٤ / ٤٠٨) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ٤٧٦) وزاد نسبته لابن أبي شيبة.

(٥) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ٤٧٧) وعزاه لعبد الرزاق عن ابن عباس.

(٦) أخرجه البيهقي (٧ / ٢٣١) وعبد الرزاق كما في «الدر المنثور» (١ / ٤٧٧).

٨٠